أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 22 - صـ 154

جلسة 2 من فبراير سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، ومحمد أسعد محمود.

(27)
الطعن رقم 276 لسنة 36 القضائية

( أ ) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الأدلة". عقد. "تنفيذ العقد". نقض. "سلطة محكمة النقض". عرف.
سلطة محكمة الموضوع في استخلاص تنفيذ طرفي العقد لالتزاماتهما المتبادلة من المستندات المقدمة في الدعوى. الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وما ينبغي توافره من أمانة وثقة وفقاً للعرف الجاري في المعاملات. لا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك.
(ب) وكالة. "وكالة ضمنية". إثبات. "طرق الإثبات". "القرائن". نقض. "أسباب الطعن". محكمة الموضوع.
حق محكمة الموضوع في استخلاص قيام الوكالة الضمنية من مستندات الدعوى والقرائن وظروف الأحوال. متى كان هذا الاستخلاص سائغاً فإن المنازعة فيه جدل موضوعي لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
1 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص في حدود سلطتها التقديرية، ومن المستندات المقدمة في الدعوى تنفيذ طرفي العقد لالتزاماتهما المتبادلة فيه مهتدية في ذلك بطبيعة التعامل وما ينبغي توافره من أمانة وثقة وفقاً للعرف الجاري في المعاملات، دون ما رقابة عليها في ذلك لمحكمة النقض، ما دام استخلاصها يقوم على أسباب سائغة، تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها.
2 - إذ كان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من المستندات المقدمة لها في الدعوى، ومن القرائن وظروف الأحوال قيام الوكالة الضمنية، وكان الذي خلص إليه الحكم المطعون فيه سائغاً، ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 130 سنة 1964 تجاري كلي القاهرة ضد الطاعنين بصفتهما مديرين مؤقتين لتركة المرحوم وديع زبال وضد السيدة جرمين عبود المطعون عليها الثانية وطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 1310 ج و606 م. وقال بياناً للدعوى إنه بناء على خطاب أرسله له المرحوم وديع زبال في 10 نوفمبر سنة 1962 يطلب إليه فيه اعتماد مقدار يتراوح بين 3000، 3500 متر من قماش الفانهوزن للمطعون عليها الثانية فقد قام بشحن البضاعة كما أرسل له فاتورة بالثمن ومقداره 1310 ج و606 م طبقاً للتعليمات التي أصدرها له ذلك الخطاب جرياً على سابق المعاملة بينهما، وإذ امتنع ورثة المرحوم وديع زبال بعد وفاته عن سداد المبلغ المشار إليه على الرغم من إقرار المطعون عليها الثانية باستلام تلك البضاعة كاملة، وكان الطاعنان قد عينا مديرين مؤقتين لتركة المرحوم وديع زبال فقد أقام عليهما الدعوى وعلى المطعون عليها الثانية بطلباته المتقدمة. وبتاريخ 13 ديسمبر سنة 1964 قضت محكمة أول درجة بإلزام الطاعنين بهذه الطلبات وبرفض الدعوى بالنسبة للمطعون عليها الثانية. استأنف الطاعنان هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 90 لسنة 82 ق. وبتاريخ 22 مارس سنة 1966 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وفي الجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعنان بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولان إنهما تمسكا أمام محكمة الاستئناف بأنه وإن دلت الخطابات التي أرسلها المرحوم وديع زبال للمطعون عليه الأول في شأن المعاملة بينهما بما في ذلك الخطاب المتعلق بالصفقة موضوع النزاع والمؤرخ 10 نوفمبر سنة 1962 على طبيعة هذه المعاملة، فإن هذه الخطابات جميعها تعني ما تتضمنه من أن يتم شحن البضاعة للسيدة جرمين عبود وأن ترسل له فاتورة هذه البضاعة كي يتولى هو سدادها، ويقول الطاعنان إنه وإن عد عدم اعتراض المطعون عليه الأول على هذا العرض قبولاً منه له يقوم به التزامه بتنفيذ الصفقة، إلا أنه لم يقدم الدليل على تنفيذها بشحن البضاعة على الوجه المتفق عليه بتقديم سند الشحن وفاتورة البضاعة الدالة على ثمنها وعلى تنفيذ هذا الشرط بشحن البضاعة، وإذ قضى الحكم المطعون فيه رغم ذلك بإلزام الطاعنين بثمن تلك الصفقة ولم يرد على دفاعهما في هذا الخصوص فإنه يكون قد خالف القانون كما يكون معيباً بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان لمحكمة الموضوع أن تستخلص في حدود سلطتها التقديرية ومن المستندات المقدمة في الدعوى تنفيذ طرفي العقد لالتزاماتهما المتبادلة فيه مهتدية في ذلك بطبيعة التعامل وما ينبغي توافره من أمانة وثقة وفقاً للعرف الجاري في المعاملات دون ما رقابة عليها في ذلك لمحكمة النقض ما دام استخلاصها يقوم على أسباب سائغة، تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه حصل من الخطاب الذي أرسله المرحوم وديع زبال للمطعون عليه بشأن الصفقة موضوع النزاع أنه جرى على نمط خطابين كان قد أرسلهما إليه في 3 مارس، 24 مايو سنة 1962 بشأن صفقتين جرت فيهما المعاملة بصدور إيجاب عن كل منهما إلى المطعون عليه على أن يقوم بشحن البضاعة للسيدة جرمين عبود باسمه وأن يرسل إليه الفاتورة بالثمن ليتولى سداده، وإذ دلل الحكم على أن المطعون عليه قد نفذ الصفقة موضوع النزاع بشحن البضاعة المتفق عليها إلى جرمين عبود وإرسال الفاتورة بثمنها إلى المرحوم وديع زبال طبقاً للإيجاب الصادر منه في هذا الشأن في قوله "أرسل وديع زبال خطاباً إلى المستأنف ضده الأول - المطعون ضده الأول - مؤرخاً 10/ 11/ 1962 لإرسال كمية تتراوح بين 3000، 3500 متر من الفانهوزن إلى جرمين عبود - المطعون عليها الثانية - على أن تستحق البضاعة باسم وديع زبال وتقدم إليه الفاتورة لسدادها كالمعتاد، وقد قام المستأنف ضده الأول بتنفيذ هذه الطلب وأرسل البضاعة كاملة إلى جرمين عبود، ويبين ذلك من خطاب هذه الأخيرة المؤرخ 9 فبراير سنة 1963... ويؤكد ذلك أيضاً الخطاب المؤرخ 23 يناير سنة 1963 الموقع عليه بإمضاء (زمكمل) تحت أكلشيه ورثة وديع زبال وقد تضمن هذا الخطاب أسف الراسل للتأخير في سداد الفاتورة المؤرخة 27/ 11/ 62 (قبل وفاة وديع زبال) بمبلغ 1310 ج و606 م (المبلغ المرفوع به الدعوى) ثم وعد بالسداد بعد خصم قيمة 57 متراً عجزاً، وقد أقرت جرمن عبود في خطابها المؤرخ 9 فبراير سالف الذكر بأن الكمية وصلت بغير عجز" وكان هذا الذي حصله الحكم من واقع الدعوى ومستنداتها وفي حدود سلطته الموضوعية سائغاً ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها ويتضمن الرد على ما آثاره الطاعنان من أن المطعون ضده الأول لم يقدم الدليل على شحن البضاعة وإرسال الفاتورة بثمنها إلى المرحوم وديع زبال طبقاً للإيجار الصادر له من هذا الأخير في شأن الصفقة موضوع النزاع، فإن النعي على الحكم بمخالفة القانون والقصور في التسبيب في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم عول على خطاب وقعه موظف بمحل وديع زبال إلى المطعون عليه الأول بتاريخ 23 نوفمبر سنة 1962 للقول بقيام صفة لهذا الموظف في النيابة عن وديع زبال حال حياته، مع أن هذا الخطاب ليس إلا مكاتبة عادية لا تتضمن تعاقداً ولا تنشئ التزاماً بل تنطوي على شيك مرسل من محل وديع زبال سداداً لفاتورة عليه، كما عول الحكم على خطاب بتوقيع ذلك الموظف عن ورثة وديع زبال للمطعون عليه الأول بتاريخ 23 يناير سنة 1963 يتضمن الاعتذار عن سداد المبلغ موضوع الدعوى للقول بنيابة ذلك الموظف عنهم بعد وفاة مورثهم في 23 ديسمبر سنة 1962، وذلك بحجة أن الموظف المشار إليه كان يوقع عن ذلك المورث حال حياته وأنه ظل يباشر العمل من منشأته بعد وفاته مع أن النيابة لا تفترض، وبفرض أن الموظف المذكور كان وكيلاً عن المورث فإن وكالته تزول بوفاة الموكل وهو ما لا يقوم معه أي التزم في جانب ورثة المرحوم وديع زبال نتيجة لهذا الخطاب، غير أن الحكم المطعون فيه قضى رغم ذلك بإلزامهما بالمبلغ المطالب به وهو ما يعيبه بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي بسبيه مردود، ذلك أنه لما كان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من المستندات المقدمة لها في الدعوى ومن القرائن وظروف الأحوال قيام الوكالة الضمنية، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه حصل من الخطاب المؤرخ 23 يناير سنة 1963 المقدم ضمن أوراق الدعوى أنه يحمل "أكليشيه" ورثة وديع زبال وموقع عليه بنفس توقيع الموظف الموقع به أيضاً على بعض خطابات مرسلة للمطعون ضده الأول وتحمل "أكليشيه" وديع زبال)، إذ خلص الحكم من ذلك ومن أن الموظف المذكور كان يوقع على خطابات وديع زبال حال حياته ثم وقع بعد ذلك على خطاب يحمل "أكليشيه" ورثته بعد وفاته - إن هذا الموظف كان نائباً عن وديع زبال وأنه تولى النيابة عن ورثته بحكم استمراره في العمل في منشأته بعد وفاته، وكان هذا الذي خلص إليه الحكم سائغاً ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، فإن ما يثيره الطاعنان بسببي الطعن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل بما يكون معه النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه بالسبب الرابع القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولان إن المطعون عليه الأول جعل أساس دعواه طبقاً للمذكرة الختامية المقدمة منه لمحكمة الاستئناف خطاباً أرسله له المرحوم وديع زبال في 18 سبتمبر سنة 1963 يتحدث فيه عن صفقة مقدارها 1500 متر فقط، مع أنه كان قد أسس الدعوى على الخطاب المؤرخ 10 نوفمبر سنة 1962 وموضوعه صفقة تتراوح بين 3000، 3500 متر، ويقول الطاعنان إنه على الرغم من إبدائهما لهذا الدفاع أمام محكمة الاستئناف فإن حكمها المطعون فيه قد خلا من الإشارة إليه وهو ما يعيبه بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه أشار إلى الخطاب المؤرخ 10 نوفمبر سنة 1962 وأورد مضمونه باعتباره الأساس الذي أقام عليه المطعون عليه دعواه وقضى في الدعوى على هذا الأساس، وإذ لا تأثير لما أشار به المطعون عليه الأول في مذكرته المقدمة لمحكمة الاستئناف بجلسة 12 من أكتوبر سنة 1965 إلى الخطاب الصادر له من المرحوم وديع زبال في 18 سبتمبر سنة 1962 على فهم المحكمة لواقع الدعوى من أنها مؤسسة على الخطاب المؤرخ 10 نوفمبر سنة 1962، فلا على المحكمة بعد قيام الحقيقة التي استخلصتها من هذا الخطاب إن هي لم تتعرض بالرد على دفاع الطاعن بشأنه. لما كان ذلك فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.