مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1991 إلى آخر سبتمبر سنة 1991) - صـ 1519

(154)
جلسة 6 من يوليو سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد المنعم عبد الغفار فتح الله - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ يحيى السيد الغطريفي ومحمد مجدي محمد خليل وعطيه الله رسلان ود. فاروق عبد البر السيد - المستشارين.

الطعن رقم 693 لسنة 32 القضائية

( أ ) هيئة الشرطة - محاكم عسكرية - تسبيب الأحكام وإيداع مسودتها - مخالفة ذلك. (مجلس تأديب).
عدم تحرير مسودات الأحكام وعدم إيداع أسبابها في الميعاد القانوني يشكل إخلالاً جسيماً بواجبات الوظيفة - أساس ذلك: توقي بطلان الأحكام التي نطق بها - لا وجه للقول بأن هذه الأحكام لم تبطل بالطرق المقررة للطعن في الأحكام بل بقرارات إدارية - أساس ذلك: يكفي في ثبوت المخالفة الإخلال بالواجب الوظيفي الذي يفرضه القانون - ليس للمخالف أن يدفع بحجية الأحكام التي أصدرها وأنه لم يطعن عليها ويقضي ببطلانها ما دام أنه ليس له ثمة مصلحة شخصية في إيداع هذا الدفع - أساس ذلك: أن هذه الحجية تتعلق بالمصلحة العامة وصفته في التمسك بها مفتقده - تطبيق.
(ب) هيئة الشرطة - مجلس تأديب ضباط الشرطة - الجزاءات - قرار الإحالة للاحتياط.
قرار مجلس التأديب يقصد به توقيع الجزاءات على المخالفات التي يرتكبها الضابط - نظام الإحالة إلى الاحتياط هو إجراء يقصد به تنحية الضابط مؤقتاً عن وظيفته بناء على طلبه أو طلب وزارة الداخلية لأسباب صحية خاصة بالضابط أو لأسباب جدية تمس الصالح العام - قرار الإحالة للاحتياط وأن تضمن إيلاماً للضابط إلا أنه بعيدُ عن فكرة الجزاء - مؤدى ذلك: لا يعتبر قرار إحالة الضابط للاحتياط بمثابة عقوبة تأديبية مقنعة - نتيجة ذلك: جواز الجمع بين قرار الإحالة للاحتياط وبين أية عقوبة تأديبية توقع على الضابط - تطبيق.
(ج) هيئة الشرطة - مجلس تأديب ضباط الشرطة - قرار مجلس التأديب. (إساءة استعمال السلطة).
قرار مجلس تأديب ضباط الشرطة أقرب إلى الأحكام منه إلى القرارات الإدارية - نتيجة ذلك: النعي على قرار مجلس التأديب بإساءة استعمال السلطة أمر بعيد تماماً عن الصواب - أساس ذلك: أن أغلبية أعضاء المجلس من رجال القضاء المحايدين - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 30/ 1/ 1986، أودع الأستاذ سعيد الفار المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن..... قلم كتاب هذه المحكمة، تقرير طعن قيد بجدولها برقم 693 لسنة 32 ق، في القرار الصادر من مجلس التأديب الاستئنافي لضباط الشرطة في 1/ 12/ 1985 في الدعوى رقم 171 لسنة 1985، والقاضي بتأييد القرار المستأنف والمتضمن مجازاة الطاعن بالوقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، مع حرمانه من نصف مرتبه الموقوف صرفه خلال مدة وقفه عن العمل لمصلحة التحقيق وطلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه.
وقد أعلن الطعن إلى المطعون ضده في مواجهة هيئة قضايا الدولة بتاريخ 10/ 2/ 1986 وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في الطعن، انتهت فيه إلى طلب قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما قضى به، والقضاء بالعقوبة المناسبة.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 26/ 12/ 1990 وبجلسة 27/ 3/ 1991 قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة، التي نظرته بجلسة 27/ 4/ 1991 وبجلسة 25/ 5/ 1991 قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم 6/ 7/ 1991، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع الموضوع تخلص - حسبما يبين من الأوراق في أن الطاعن العقيد/....... عضو المحكمة العسكرية بالوايلي قام بتاريخ 4/ 3/ 1984 بالتعدي بالسب على العميد/..... رئيس محكمة الوايلي العسكرية وذلك بمقر المحكمة لخلاف نشأ بينهما نتيجة لعدم استجابة هذا الأخير لرغبة العقيد المذكور في تخصيص أحد المجندين العاملين بالمحكمة لقضاء احتياجاته المنزلية كما أن الطاعن قام في غضون شهر يونيو سنة 1983 بنزع بطارية السيارة 12576 شرطة المخصصة للمحكمة ووضعها في سيارته الخاصة مستخدماً إياها لعدة أيام، وقد دأب العقيد المذكور على التأخير في الحضور إلى مقر عمله، وعدم إثبات حضوره وانصرافه بدفتر أحوال الضباط بمحكمة الوايلي العسكرية كما تخلف عن حضور النوبة المسائية بديوان الإدارة للقضاء العسكري يومي 13/ 1 و13/ 2/ 1984 وفضلاً عن ذلك كله فإن الضابط المحال لم يحرر حيثيات 309 أحكام نطق بها ولم يودع أسبابها في المواعيد القانونية مما ترتب عليه إعادة نظرها من جديد، ولدى التحقيق مع العقيد المذكور في المخالفات السابقة المنسوبة إليه هدد بالإضراب عن الطعام والاعتصام بنادي القضاة وإحراق بدلته العسكرية وشهادة ليسانس الحقوق.
وبتاريخ 20/ 5/ 1984 أصدر السيد وزير الداخلية القرار رقم 23 لسنة 1984 بإحالة العقيد/.... الضابط بالإدارة العامة للقضاء العسكري إلى مجلس التأديب الابتدائي لضباط الشرطة لمحاكمته تأديبياً عن المخالفات سالفة الذكر.
وفي 19/ 5/ 1985 صدر قرار مجلس التأديب الابتدائي لضباط الشرطة الذي قضى بمجازاة العقيد...... بالوقوف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر مع حرمانه من نصف مرتبه الموقوف صرفه خلال مدة وقفه عن العمل لمصلحة التحقيق وقد طعن في هذا القرار أمام مجلس التأديب الاستئنافي لضباط الشرطة الذي انتهى في 1/ 12/ 1985 إلى تأييد قرار مجلس التأديب الابتدائي.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على قرار مجلس التأديب المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، لأنه دفع ببطلان الاتهام الموجه له من أنه أخل إخلالاً جسيماً بواجبات وظيفته بتسببه في بطلان 309 أحكام وذلك لأنها لم تبطل بالطرق المقررة للطعن في الأحكام بالقانون بل بقرارات إدارية ومع ذلك رفض مجلس التأديب هذا الدفع بناء على حجة واهية، كما ينعى على القرار مخالفة القانون لأنه قد صدر ضده قرار بالإحالة إلى مجلس التأديب وقرار بالإحالة إلى الاحتياط بناء على أسباب واحدة وأن قرار الإحالة إلى الاحتياط هو عقوبة مقنعة، وقد رفض المجلس دفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بناء على ذلك مخالفاً مبدأ المحكمة الإدارية العليا وأخيراً فإنه ينسب إلى القرار المطعون فيه عيب إساءة استعمال السلطة إذ صدر نتيجة لإصراره على استقلال القضاء مما أدى إلى اضطهاده.
ومن حيث إنه عن دفع الطاعن ببطلان الاتهام الموجه له من أنه أخل إخلالاً جسيماً بواجبات وظيفته بتسببه في بطلان 309 أحكام، لأنها لم تبطل بالطرق المقررة للطعن في الأحكام بالقانون، فالثابت أن الطاعن لم يحرر حيثيات 309 أحكام نطق بها، ولم يودع أسبابها في الميعاد القانوني، وهذا الأمر في حد ذاته يشكل إخلالاً جسيماً بواجبات وظيفته التي تفرض عليه تحرير أسباب أحكامه وإيداعها في ميعاد معين، وإلا لحقها البطلان، ولا يؤثر في ذلك القول بأن هذه الأحكام لم تبطل بالطرق المقررة للطعن في الأحكام بل بقرارات إدارية، إذ يكفي أنه قد أخل بواجبات وظيفته حين لم يؤد هذا الواجب الذي يفرضه عليه القانون، هذا فضلاً عن أنه ليس من حقه أن يدفع بحجية الأحكام التي أصدرها ما دام لم يطعن عليها ويقضي ببطلانها، ما دام أنه ليس ثمة مصلحة شخصية له في ذلك. إذ إن هذه الحجية تتعلق بالمصلحة العامة وبالتالي تكون صفته في التمسك بها مفتقدة.
ومن حيث إنه عما أبداه الطاعن من مخالفة قرار مجلس التأديب المطعون فيه للقانون، لأنه صدر قرار بإحالته إلى الاحتياط الذي يعتبر بمثابة عقوبة مقنعة، ولا يجوز الجمع بين عقوبة مجلس التأديب وعقوبة الإحالة إلى الاحتياط، فهذا القول بعيد عن الصحة ذلك أن قرار مجلس التأديب يقصد به توقيع الجزاء على المخالفات التي يرتكبها الضابط أما نظام الإحالة إلى الاحتياط فهو إجراء يقصد به تنحية الضابط مؤقتاً عن وظيفته بناء على طلبه أو طلب وزارة الداخلية لأسباب صحية خاصة بالضابط أو لأسباب جدية تمس الصالح العام وقرار الإحالة إلى الاحتياط وأن تضمن إيلاماً للضابط، إلا أنه يبقى مع ذلك بعيداً عن فكرة الجزاء، فلا يعتبر بهذه المثابة عقوبة تأديبية مقنعة ويمكن الجمع بينه وبين أية عقوبة تأديبية أخرى توقع على الضابط.
ومن حيث إنه عن قول الطاعن بأن قرار مجلس التأديب المطعون فيه مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة فإن هذا العيب يتوافر إذا اتخذت الإدارة قراراً لحماية أغراض غير التي قصدها الشارع من منحها تلك السلطة حتى ولو كانت هذه الأغراض تتصل بالمصلحة العامة، ويقع عبء إثبات الانحراف بالسلطة على عاتق المدعي بحيث إنه إذا عجز عن تقديم الدليل خسر دعواه، وإذا كان الطاعن لم يستطع أن يقدم الدليل على أن القرار المطعون فيه مشوب بهذا العيب، هذا فضلاً عن أن قرار مجلس التأديب المطعون فيه هو أقرب إلى الأحكام منه إلى القرارات الإدارية وبالتالي فإن نسبة عيب الانحراف في استعمال السلطة إليه أمر بعيد تماماً عن الصواب باعتبار أن أغلبية أعضاء المجلس الذي أصدره من رجال القضاء المحايدين لذا فإن ادعاء الطاعن بهذا الصدد يكون قائماً على غير أساس جديراً بالرفض.
ومن حيث إنه عن المخالفات المنسوبة إلى الطاعن ومدى ثبوتها في حقه، فإنه يبين من التحقيق الإداري الذي أجري مع الطاعن أنه أقر بأنه حدثت مشادة بينه وبين العميد/...... تبادلا فيها الخطأ كل في حق الآخر بعبارات نابية، كما أقر بأنه استبدل بطارية السيارة رقم 12536 شرطة ببطارية سيارته الخاصة، ولم ينكر ارتكابه باقي المخالفات واكتفى في المخالفة الخاصة بعدم تحرير حيثيات الأحكام وإيداع أسبابها في المواعيد القانونية بالمجادلة في قانونية الإجراء الذي اتخذته الإدارة بإعادة نظر هذه القضايا ناعياً عليه البطلان، ثم هدد في أثناء التحقيق الإداري معه بالإضراب عن الطعام والاعتصام بنادي القضاة وإحراق بدلته الرسمية والليسانس ما لم يتحقق مطلبه في مقابلة السيد مدير الإدارة العامة للتفتيش والرقابة أو السيد وزير الداخلية.
ومن حيث إنه متى كانت المخالفات التي نسبت إلى الطاعن ثابتة في حقه فإن القرار الصادر من مجلس التأديب الاستئنافي لضباط الشرطة بتأييد قرار مجلس التأديب الابتدائي القاضي بمجازاة الطاعن بالوقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر مع حرمانه من نصف مرتبه الموقوف صرفه خلال مدة وقفه عن العمل لمصلحة التحقيق يكون قد صادف صحيح حكم القانون، ومن ثم يتعين القضاء برفض الطعن الموجه إليه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.