أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 14 - صـ 409

جلسة 28 من مارس سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ الحسيني العوضي، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، ولطفي علي، ومحمد ممتاز نصار، وحافظ محمد بدوي.

(63)
الطعن رقم 34 لسنة 28 القضائية

وقف "إثبات الوقف". دعوى. "عدم سماع الدعوى". حكم "عيوب التدليل". قصور "ما يعد كذلك".
لا يشترط - في الشريعة الإسلامية - التوثيق لإنشاء الوقف ولا يمنع سماع الدعوى إذا لم يكن مكتوباً. جواز إثبات الوقف - في الشريعة الإسلامية بكافة الأدلة المقبولة شكلاً. في لائحة المحاكم الشرعية يمتنع سماع الدعوى عند الإنكار ما لم يوجد إشهاد بالوقف ممن يملكه محرر على يد حاكم شرعي أو مأذون من قبله وبشرط قيده بدفاتر إحدى المحاكم الشرعية. إثبات الوقف بغير إشهاد أصبح غير مقبول عند الإنكار ما لم يثبت أنه سابق على العمل باللائحة المذكورة.
لا تشترط الشريعة الإسلامية التوثيق لإنشاء الوقف ولا تمنع سماع الدعوى إذا لم يكن مكتوباً، ولذلك فقد كان من الحائز إثبات الوقف بكافة الأدلة المقبولة شرعاً حتى صدرت لائحة المحاكم الشرعية التي منعت سماع دعوى الوقف عند الإنكار ما لم يوجد إشهاد بالوقف ممن يملكه محرر على يد حاكم شرعي بالقطر المصري أو مأذون من قبله وبشرط أن يكون مقيداً بدفاتر إحدى المحاكم الشرعية ومن ثم فإثبات الوقف بغير إشهاد عليه لا يكون مقبولاً عند الإنكار ما لم يتبين أنه موجود من قبل العمل بلائحة المحاكم الشرعية. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أجاز إثبات الوقف رغم الإنكار بغير طريق الإشهاد الشرعي استناداً إلى أنه أنشئ في تاريخ سابق على العمل باللائحة المذكورة وكان الحكم قد خلا من بيان ما يدل على أن الوقف قد أنشئ في وقت سابق على العمل بهذه اللائحة ولم يفصح عن المصدر الذي استقى منه هذه الواقعة فإنه يكون معيباً بالقصور بما يستوجب نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن وزارة الأوقاف بوصفها ناظراً على وقف الحرمين (المطعون عليها) أقامت على الطاعنين الدعوى رقم 2823 سنة 1943 أمام محكمة القاهرة الابتدائية وطلبت بها الحكم بتثبيت ملكية الوقف إلى قطعة أرض مساحتها 4067 متراً و20 س شائعة في قطعة تبلغ مساحتها ضعف هذا القدر ومبينة بصحيفة الدعوى. وذكرت في بيان دعواها أن جملة العين ملك لجهة الوقف وكانت قد حكرت إلى مورث الطاعنين وأخيه حسين علي العدوى مناصفة بينهما وفي 4 ديسمبر سنة 1900 أوقف حسين علي العدوى حصته شائعة في كامل البناء القائم على أرض الحكر وأقر في إشهاد الوقف أن الأرض محتكره لجهة وقف الحرمين بأجر قدره 3 ج و534 م ثم طلب في 5 فبراير سنة 1901 استبدال ما يوازي حصته بحق النصف في الأرض القائم عليها الحكر مقرراً أن قيمة ما يخصه في أجر الحكر هو جنيه و767 مليماً بواقع النصف من الأجر الثابت بحجة وقفه وبعد أن تمت إجراءات الاستبدال أثبتت وزارة الأوقاف في جرائد الأحكار أن وقف الحرمين يملك قطعة أرض محكرة لمورث الطاعنين وقد استبدل نصفها وأصبح أجر الحكر جنيه و767 مليماً في السنة، وذكرت وزارة الأوقاف أن مورث الطاعنين قد سدد هذا الأجر من سنة 1917 إلى سنة 1930 بموجب قسائم التوريد الدالة على ذلك، ثم امتنع الطاعنون عن سداد أجر الحكر ونازعوا الوزارة في ملكية الوقف للأرض المحكرة فأقامت عليهم هذه الدعوى بطلباتها السالف ذكرها. ودفع الطاعنون الدعوى بأنهم مورثهم من قبلهم يملكون قطعة الأرض المذكورة بموجب عقود مسجلة وبوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية وبأن وزارة الأوقاف لم تقدم إشهاد الوقف المثبت لدعواها وأن إقرار حسين علي العدوى الذي يتضمنه إشهاد وقفه حجة قاصرة عليه كما أن جرائد الأحكام وقسائم التوريد مستندات من صنع وزارة الأوقاف ولا يحتج بها على الطاعنين، وفي 30 نوفمبر سنة 1954 قضت المحكمة برفض الدعوى، واستأنفت وزارة الأوقاف هذا الحكم إلى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 192 سنة 72 ق ونعت على الحكم المستأنف أنه أهدر مستنداتها المثبتة ملكية الوقف للعين محل النزاع واستلزم لإثبات ذلك تقديم الإشهاد الشرعي بوقف العين، مع أن ذلك الوقف هو من الأوقاف المندثرة التي أنشئت قبل العمل بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية في سنة 1897 ومن ثم يجوز إثباته بالبينة أو بالشهرة أو التسامح، وفي 17/ 2/ 1957 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وتثبيت ملكية وزارة الأوقاف بصفتها ناظراً على وقف الحرمين لقطعة الأرض محل النزاع. وقرر الطاعنون بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض وبعد استيفاء الإجراءات قدمت النيابة مذكرة برأيها طلبت فيها نقض الحكم المطعون فيه وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 13 يناير سنة 1962 وفيها صممت النيابة على رأيها السابق وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وحدد لنظره أمامها جلسة 14 مارس سنة 1962 وفيها صممت النيابة على طلب نقض الحكم.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، ذلك أنهم أنكروا دعوى الوقف لدى محكمة الموضوع وتمسكوا بأن الوقف لا يجوز إثباته إلا بإشهاد شرعي. وقد رد الحكم المطعون فيه على دفاعهم بأن ذلك الوقف يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات ومنها البينة والقرائن ما دام أنه كان موجوداً قبل العمل بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة في 27 مايو سنة 1897 التي استلزمت لإثبات الوقف تحرير إشهاد شرعي به. مع أن جميع المستندات التي دلل بها الحكم على ثبوت ملكية الوقف إلى العين محل النزاع محررة في تواريخ لاحقة لوقت العمل باللائحة المذكورة ولم يكشف الحكم عن المصدر الذي استقى منه سبق إنشاء الوقف على وقت العمل بتلك اللائحة.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أن الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعنين بعدم جواز إثبات الوقف دون إشهاد عليه بقوله "إنه قبل العمل بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية في 27/ 5/ 1897 لم يكن القانون يستلزم لإثبات صحة الوقف تحرير إشهاد شرعي به بل كان الوقف يثبت بحجة عرفية أو بالبينة فضياع حجة الوقف من المدعية لا يحول دون إثبات وجود الوقف بكافة طرق الإثبات التي كان معمولاً بها قبل العمل بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية ومنها البينة والقرائن "ولما كانت الشريعة الإسلامية لا تشترط الوثيق لإنشاء الوقف ولا تمنع سماع الدعوى به إذا لم يكن مكتوباً ولذلك فقد كان من الحائز إثبات الوقف بكافة الأدلة المقبولة شرعاً إلى أن صدرت لائحة المحاكم الشرعية في 27 مايو سنة 1897 فمنعت سماع دعوى الوقف عند الإنكار ما لم يوجد إشهاد الوقف ممن يملكه محرر على يد حاكم شرعي بالقطر المصري أو مأذون من قبله وبشرط أن يكون الوقف مقيداً بدفاتر إحدى المحاكم الشرعية ومن ثم فإن إثبات الوقف بغير إشهاد عليه لا يكون مقبولاً عند الإنكار ما لم يتبين أنه كان موجوداً قبل العمل بلائحة المحاكم الشرعية السالف ذكرها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أجاز إثبات الوقف - رغم إنكاره من الطاعنين - بغير طريق الإشهاد الشرعي استناداً إلى أن هذا الوقف أنشئ في طريق سابق على وقت العمل بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة في سنة في سنة 1897 وكان الحكم خلوا من بيان ما يدل على أن الوقف أنشئ في وقت سابق على العمل باللائحة المذكورة كما أن الحكم لم يفصح عن المصدر الذي استقى منه هذه الواقعة فإنه يكون معيباً بالقصور بما يستوجب نقضه لهذا السبب وبغير حاجة لبحث باقي الأسباب.