أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 14 - صـ 427

جلسة 25 من مايو سنة 1963

برياسة السيد/ محمود عياد رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد زعفران سالم، عبد السلام بلبع، ومحمود القاضي، ومحمود توفيق إسماعيل، وأحمد أحمد الشامي، ومحمد عبد اللطيف مرسى، وأميل جبران، وأحمد حسنين موافي.

(4)
الطلب رقم 45 لسنة 26 ق "رجال القضاء"

( أ )، (ب) اختصاص. "شئون القضاء". قانون. "التشريع التفسيري".
اختصاص محكمة النقض (بهيئة جمعية عمومية) بالفصل في جميع المنازعات المتعلقة بشئون رجال القضاء عدا النقل والندب (م 23 قانون نظام القضاء). القانون رقم 240 لسنة 1955 المعدل للمادة 23 من قانون نظام القضاء جاء كاشفاً مؤكداً لهذا الاختصاص فلم يضف اختصاصاً جديداً.
طلب احتساب مدة القيد بجدول المحاميين في المعاش هو من شئون القضاء التي تختص بها محكمة النقض دون غيرها.
(ج) اختصاص "الحكم بعدم الاختصاص". أثره. قضاء إداري.
مؤدى حكم محكمة القضاء الإداري بنظر الطلب، إسقاط القرار المطعون فيه أمامها والصادر من اللجنة القضائية وذلك على أساس صدوره في غير ولاية.
(د) إحالة. "حالات جوازها". نقض "إجراءات الطعن".
سلطة القضاء في الإحالة إلى محكمة أخرى إنما تقتصر على حالات عدم الاختصاص المحلي أو النوعي بين المحاكم التي تتبع جهة قضائية واحدة. لا يمتد إلى المسائل التي يرجع عدم الاختصاص فيها إلى إنتفاء الوظيفة القضائية إلا بنص خاص، متى كانت الإحالة من محكمة القضاء الإداري إلى محكمة النقض غير جائزة قانوناً وكان الطلب - في هذه الحالة - لم يرفع بالأوضاع المقررة بالمادة 429 مرافعات فإن الطعن يكون غير مقبول شكلاً.
1 - رسم المشرع في المادة 23 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 طريق الطعن في المراسيم والقرارات التي تتعلق بجميع شئون رجال الهيئة القضائية عدا النقل والندب وذلك أمام محكمة النقض منعقدة بهيئة جمعية عمومية. ومؤدي ذلك أن الأصل هو اختصاص هذه الهيئة بالفصل في جميع المنازعات المتعلقة بشئون رجال الهيئة القضائية وإن الاستثناء هو عدم اختصاصها بالنظر في القرارات الخاصة بنقل وندب رجال القضاء والنيابة ومن ثم فلا يجوز انتزاع اختصاص يدخل في ولايتها إلا بنص صريح. ولم يضف القانون رقم 240 لسنة 1955 - الذي عدلت به صياغة المادة 23 سالفة الذكر - اختصاصاً جديداً على اختصاص هذه الهيئة وإنما جاء كاشفاً ومؤكداً لاختصاصها من قبل بشئون القضاء عدا النقل والندب.
2 - طلب القاضي احتساب مدة قيده بجدول المحاميين في المعاش هو من "شئون القضاء" التي تختص محكمة النقض (بهيئة جمعية عمومية) بنظرها دون غيرها.
3 - متى كانت محكمة القضاء الإداري قد صرحت في أسباب حكمها بإحالة الطلب إلى محكمة النقض بأنها غير مختصة بالنظر في المنازعة الخاصة بطلبات رجال القضاء فإن مؤدى ذلك أن الحكم قد فصل في أمر يتعلق بعدم الاختصاص وهو إسقاط القرار الصادر عن اللجنة القضائية باعتبار أنها قد أصدرته في غير ولاية.
4 - إذ يبين من المادة 135 من قانون المرافعات والمذكرة التفسيرية لذلك القانون - أن سلطة القضاء في الإحالة إلى محكمة أخرى إنما تقتصر على حالات عدم الاختصاص المحلي أو النوعي بين المحاكم التي تتبع جهة قضائية واحدة ولا تمتد إلى المسائل التي يكون مرجع عدم الاختصاص فيها إلى انتفاء الوظيفة القضائية ما لم ينص القانون على غير ذلك، فإنه ينبني على ذلك أن إحالة طلبات رجال القضاء من محكمة القضاء الإداري إلى محكمة النقض تكون غير جائزة قانوناً. ومتى كان الطلب لم يرفع - في هذه الصورة - بالأوضاع المقررة بالمادة 429 من قانون المرافعات التي أحالت إلى المادة 23 من قانون نظام القضاء فإن الطعن يكون غير مقبول شكلاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع حسبما يبين من صحيفة الطلب وسائر الأوراق تتحصل في أن الأستاذ محمد فهمي عبد الحميد غانم قدم بتاريخ 23/ 12/ 1953 إلى اللجنة القضائية. لجميع الوزارات بالإسكندرية تظلماً قيد برقم 920 سنة 9 ق طلب فيه احتساب مدة قيده في جدول المحامين المشتغلين ضمن مدة خدمته المحسوبة في المعاش وفقاً لأحكام القانون رقم 114 لسنة 1950 وما يترتب على ذلك من أثار مالية. وقال في بيان طلبه إنه حصل على شهادة ليسانس الحقوق في سنة 1935 وقيد اسمه في جدول المحامين سنة 1936 ثم التحق بقلم قضايا بنك التسليف ونقل منه إلى قسم قضايا البنك العقاري الزراعي وظل به حتى عين مدرساً بكلية البوليس ثم نقل وكيلاً للنائب العام سنة 1945 وعين بعد ذلك قاضياً - وأنه على أثر صدور القانون رقم 114 لسنة 1950 تقدم إلى وزارة العدل بطلب احتساب مدة اشتغاله بالمحاماة في معاشه إلا أن وزارة المالية فسرت القانون تفسيراً لا تحتمله نصوصه إذ رأت أن المدة الواجب احتسابها هي مدة الاشتغال بالمحاماة الحرة وليست مدة الاشتغال بالمحاماة في بنك التسليف أو البنك العقاري.
وفي 10/ 2/ 1945 أصدرت اللجنة قرارها بإجابة المتظلم إلى طلباته - وطعنت وزارة العدل في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بالطعن رقم 7349 سنة 8 ق طالبة إلغاءه مؤسسة طعنها على أن القانون رقم 114 لسنة 1950 اشترط لاحتساب مدة الاشتغال بالمحاماة أن يكون هذا الاشتغال بالمحاماة الحرة لا أن يكون طالب الضمن موظفاً - وأثناء نظر النزاع أمام محكمة القضاء الإداري صدر القانون رقم 240 لسنة 1955 فقضت المحكمة بتاريخ 30/ 1/ 1956 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة النقض للفصل فيها وأبقت الفصل في المصروفات وذلك تأسيساً على أنه بصدور القانون المذكور أصبحت محكمة النقض هي المختصة بنظر هذا النزاع.
وحيث إن دفاع وزارة العدل لدى هذه الهيئة يقوم على أساس أنه لا ولاية لغير محكمة النقض بالنظر في جميع المنازعات المتعلقة بشئون القضاء وأن إحالة الدعوى من محكمة القضاء الإداري إلى هذه المحكمة غير جائزة لأنها لا تكون إلا في حالات عدم الاختصاص المحلي أو النوعي. وإذ كان المطعون عليه لم يتقدم بطلبه إلى محكمة النقض وفقاً للأوضاع التي كانت مقررة بالمادة 429 من قانون المرافعات التي أحالت إليها في المادة 23 من قانون نظام القضاء وهي نفس الأوضاع المقررة في المادة 91 من قانون السلطة القضائية رقم 56 لسنة 1959 فإن طلبه يكون غير مقبول.
ومن حيث إن المطعون عليه رد على دفاع الوزارة بأن نص المادة 23 من قانون نظام القضاء جاء مقصوراً على اختصاص الجمعية العمومية لمحكمة النقض دون غيرها بالفصل في الطلبات المقدمة من رجال القضاء الخاصة بإلغاء المراسيم والقرارات المتعلقة بإدارة القضاء ولم يتضمن اختصاصها بنظر طلبات المنازعة في المرتبات أو المعاشات إلا بعد تعديله بالقانون رقم 240 لسنة 1955 - ومتى كان الثابت أنه تقدم بتظلمه إلى الجهة المختصة وصدر القرار فعلاً لمصلحته قبل صدور هذا القانون الأخير المعدل للاختصاص فإنه لا يصح القول بأن الطلب قدم إلى جهة غير مختصة لأن العبرة في الاختصاص هي وقت اتصال النزاع وصدور القرار المطعون فيه من الجهة التي كانت مختصة أصلاً بنظره. وما كان لمحكمة القضاء الإداري أن تحيل النزاع على هذه الهيئة لأن ما كان معروضاً عليها ليس طلباً جديداً وإنما هو استئناف عن قرار صدر من جهة مختصة بإصداره وقت رفعه إليها. وخلص المطعون عليه إلى طلب تأييد القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن النيابة العامة أيدت رأيها مؤيدة وجهة نظر الوزارة فيما ذهبت إليه في دفاعها وانتهت إلى طلب عدم قبول الطلب شكلاً.
ومن حيث إنه يبين من استعراض وقائع النزاع على النحو السابق إيضاحه أن دفاع المطعون عليه يقوم في جوهره على أساس أن الهيئة التي كانت مختصة بنظر تظلمه هي جهة القضاء الإداري وأن المشرع لم ينقل هذا الاختصاص للجمعية العمومية لمحكمة النقض إلا بمقتضى القانون رقم 240 لسنة 1955 وأنه رغم صدور هذا القانون تظل جهة القضاء الإداري هي المختصة بالفصل في تظلمه ما دام قد لجأ إليها وقضت في طلبه ابتدائياً قبل نزع الاختصاص منها.
ومن حيث إن المادة 23 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 إذ نصت على أن محكمة النقض منعقدة بهيئة جمعية عمومية تختص "بالفصل في الطلبات المقدمة من رجال القضاء والنيابة والموظفين القضائيين بالديوان العام بإلغاء المراسيم والقرارات المتعلقة بإدارة القضاء عدا الندب والنقل..." قد قصدت إلى أن تشرع لرجال القضاء والنيابة طريقاً للطعن في المراسيم والقرارات التي تتعلق بجميع شئون رجال الهيئة القضائية عدا الندب والنقل - يؤيد هذا ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية لذلك القانون من أن تقرير المشرع هذه الضمانة لرجال القضاء كان "إمعاناً في بث روح الثقة والطمأنينة في نفوسهم حتى لا يشغلهم شاغل عن مصائرهم عن أداء رسالتهم المقدسة على أكمل وجه" وأنه أصبح "لمحكمة النقض منعقدة بهيئة جمعية عمومية ولاية القضاء كاملة في شئون رجال الهيئة القضائية". ومؤدى هذا أن الأصل هو إطلاق سلطان هذه الهيئة بالفصل في جميع المنازعات المتعلقة بشئون رجال الهيئة القضائية وأن الاستثناء هو عدم اختصاصها بنظر القرارات الخاصة بنقل وندب رجال القضاء والنيابة فلا يجوز انتزاع اختصاص يدخل في ولايتها إلى بنص صريح والمشرع إذ أصدر بعد ذلك القانون رقم 240 لسنة 1955 معدلاً صيغة المادة 23 سالفة الذكر لم يضف اختصاصاً جديداً على اختصاص هذه الهيئة وإنما جاء هذا التعديل كاشفاً وموضحاً ومؤكداً لاختصاصها السابق الشامل إذ تضمنت الصيغة الجديدة أن "تختص محكمة النقض... بإلغاء قرارات مجلس الوزراء والقرارات الوزارية المتعلقة بأي شأن من شئون القضاء عدا النقل والندب... كما تختص دون غيرها بالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لهم أو لورثتهم..." وجاءت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون صريحة في بيان أن هذه الصيغة الجديدة للمادة 23 إن هي إلا إيضاح وتفسير لما قصده المشرع بالصيغة السابقة إذ قالت "ولما كان النص على اختصاص هذه الهيئة بالفصل في طلبات إلغاء المراسيم والقرارات المتعلقة بإدارة القضاء قد يبدو قاصراً عن تناول الشئون المالية كالمرتبات والمكافآت والمعاشات المستحقة لرجال القضاء أو لورثتهم وما إليها فقد رؤى إيضاحاً لذلك تعديل النص على نحو يكفل لرجال القضاء والنيابة ومن في حكمهم عرض طلباتهم التي تمس أي شأن من شئون القضاء على هذه الهيئة دون غيرها".
ولما كان يبين مما تقدم أن طلب المطعون عليه احتساب مدة قيده بجدول المحامين في المعاش هو من شئون رجال القضاء التي تختص هذه الهيئة دون غيرها بنظرها سواء قبل تعديل المادة 23 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 بالقانون رقم 240 لسنة 1955 أو بعد حصول هذا التعديل.
وكانت محكمة القضاء الإداري قد صرحت في أسباب حكمها بأنها غير مختصة بنظر هذا النوع من المنازعات وخلصت من بحثها وقضائها في هذه المسألة في أسباب الحكم إلى القضاء بالإحالة ومعنى ذلك أن حكمها في الواقع قد فصل في الأمرين كليهما - الأول يتعلق بعدم الاختصاص ومؤداه إسقاط القرار الصادر من اللجنة القضائية لأنها أصدرته في غير ولاية. والأمر الثاني - يتعلق بإحالة الدعوى إلى هذه المحكمة. ولما كانت هذه الإحالة غير جائزة قانوناً. ذلك أنه يبين من المادة 135 من قانون المرافعات والمذكرة التفسيرية لذلك القانون أن سلطة القضاء في الإحالة إلى محكمة أخرى إنما تقتصر على حالات عدم الاختصاص المحلي أو النوعي بين المحاكم التي تتبع جهة قضائية واحدة ولا تمتد إلى المسائل التي يكون مرجع عدم الاختصاص فيها انتفاء الوظيفة القضائية إلا بنص خاص لما كان ذلك، وكان الطلب لم يقدم إلى هذه المحكمة بالأوضاع المقررة في المادة 429 من قانون المرافعات التي أحالت إليها المادة 23 من قانون نظام القضاء فإن الطلب يكون غير مقبول شكلاً.