مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1991 إلى آخر سبتمبر سنة 1991) - صـ 1622

(164)
جلسة 20 من يوليو سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمود عبد المنعم موافي وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم ود. محمود صفوت عثمان وأحمد شمس الدين خفاجي - المستشارين.

الطعن رقم 1904 لسنة 36 القضائية

اختصاص - ما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - المنازعات الإدارية - المنازعة في إدراج بيانات بصحيفة الحالة الجنائية - (سلطة تقديرية) (صحيفة الحالة الجنائية) (عمد ومشايخ).
صحيفة الحالة الجنائية تمس حالة الشخص فيما يتعلق بأفعاله وسوابقه الجنائية، وهي تمثل جانباً أساسياً من جوانب حالته كمواطن في مواجهة الدولة وأجهزتها، وتعتبر مرآة لسمعته حسناً أو سوءاً تبعاً لما دون بها وذلك في شتى مجالات حياته وممارسته لحقوقه العامة والخاصة في المجتمع، وهي واجبة التقديم للجهة الإدارية المختصة عند الترشيح لوظيفة ما أو لعضوية مجلس الشعب أو لأحد المجالس المحلية أو للحصول على ترخيص بحمل سلاح أو لغير ذلك من مجالات الحياة التي لا تقع تحت حصر - تعلق صحيفة الحالة الجنائية في المنازعة الماثلة بحالة عمدة بمناسبة ترشيحه لوظيفة العمدية لا يقتصر على هذا الترشيح وحده وإنما ينصرف لحالته الجنائية كمواطن ومن ثم فإن المنازعة في إدراج بيانات بتلك الصحيفة هي منازعة إدارية تدخل في اختصاص محكمة القضاء الإداري - أساس ذلك: - إن سلطة الإدارة في إدراج تلك البيانات ليست سلطة تقديرية بل هي سلطة مقيدة بما حدده القانون ولا يعدو عمل الإدارة أن يكون تنفيذاً له دون حاجة لبحث مدى توافر القرار الإداري فيها من عدمه - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 23 من إبريل سنة 1990 أودع الأستاذ/ رجب محمد سلمان المحامي، بصفته وكيلاً عن السيد/..... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1904/ 36 ق عليا ضد وزير الداخلية ومدير عام مصلحة الأدلة الجنائية ومدير أمن محافظة المنوفية، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 27/ 2/ 1990 في الدعوى رقم 245/ 44 ق التي كانت مقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهم، والذي قضى بعدم اختصاص المحكمة نوعياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة الإدارية بطنطا.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه في كامل أجزائه ومنطوقه والحكم بطلبات الطاعن المبينة بصحيفة الطاعن وإعادة القضية لنظرها مجدداً أمام إحدى دوائر محكمة القضاء الإداري بالقاهرة وإلزام المطعون ضدهم بالمصروفات.
وأودع السيد الأستاذ المستشار/ علي رضا مفوض الدولة لدى المحكمة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة ارتأى فيه لأسبابه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى وبإعادتها إليها لتقضي في موضوعها، مع إبقاء الفصل في المصروفات وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه المحكمة، حيث عينت لنظره أمامها جلسة 18/ 5/ 1991 وتداولت المحكمة نظره بها وبالجلسة التالية، واستمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من ملاحظات ذوي الشأن، على النحو الثابت بالمحضر، وقررت إصدار الحكم فيه بجلسة 29/ 6/ 1991 ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 20/ 7/ 1991 لإتمام المداولة وبها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطاعن قد أقام هذا الطعن مختصماً وزير الداخلية ومدير مصلحة الأدلة الجنائية ومحافظ المنوفية، من حيث إن وزير الداخلية هو الرئيس الإداري الأعلى لوزارة الداخلية وفقاً لصريح ما نصت عليه المادة (157) من الدستور من أن الوزير هو الرئيس الإداري الأعلى لوزارته ويتولى رسم سياسة الوزارة في حدود السياسة العامة للدولة، ويقوم بتنفيذها، ومن ثم فإنه إذا اختصم ولا يوجد قانوناً أية شخصية اعتبارية مستقلة لمصلحة الأدلة الجنائية عن الوزارة التي يمثلها الوزير فلا محل لاختصامها، وحيث إنه لم ينص في قانون الإدارة المحلية ولائحته التنفيذية على أن تتولى المحليات مستقلة عن الإدارة المركزية أمر البت والفحص والتقرير لصحف الأحوال الجنائية للمواطنين الذين يقيمون في دائرتها وإنما تقوم بذلك فروع المصلحة المذكورة بالمحافظات، تابعة وخاضعة لوزير الداخلية فمن ثم، لا يكون ثمة سند من القانون لاختصام غير الوزير في هذا الطعن أو في المنازعة المتعلقة به على نحو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة في المنازعات المماثلة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى الأوضاع الشكلية المقررة لنظره فيما يتعلق بوزير الداخلية وحده.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراقها. تتحصل في أنه بتاريخ 16/ 10/ 1989 أقام السيد/..... الدعوى رقم 245/ 44 ق أمام محكمة القضاء الإداري، وطلب في ختام صحيفتها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه الصادر من المطعون ضده الثاني بشأن الطاعن الذي قرر بإدراج بيانات عن حكم مزعوم صادر من الجناية رقم 10690 لسنة 1959 جنايات الوايلي المقيدة برقم 1101 لسنة 1960 كلي شمال القاهرة وبرقم 611 لسنة 1959 أمن دولة عليا في صحيفة الحالة الجنائية للمدعي، وذلك بتاريخ 26/ 9/ 1989 وبعد فوات 14 عاماً من صدور الحكم، قال شارحاً دعواه إنه بتاريخ 2/ 11/ 1988 تقدم بطلب ترشيح نفسه لشغل منصب العمدة، بناحية المنشأة الجديدة مركز الباجور محافظة المنوفية وقبل طلبه، إلا أن منافسه طعن على قبول أوراقه أمام المحكمة الإدارية بطنطا بموجب الطعن رقم 638/ 17 ق الذي لا زال متداولاً بالجلسات، واستناداً إلى أن الطاعن لا يتمتع بحسن السمعة لاتهامه في جناية مخلة بالشرف والأمانة، كما تقدم منافسه إلى مصلحة تحقيق الأدلة الجنائية بوزارة الداخلية بشكوى مفادها أن المدعي قدم ضمن أوراقه الخاصة بالترشيح لمنصب العمدية صحيفة حالة جنائية خالية من السوابق وذلك بالرغم من سابقة صدور الحكم ضده في القضية رقم 10690 لسنة 1959 جنايات الوايلي بالسجن لمدة ثلاث سنوات ورد مبلغ 2258 جنيه وغرامة مماثلة ولم يتم تنفيذ الحكم لعدم القبض عليه، وانتهى أمر تلك الشكوى إلى صدور القرار المطعون فيه وبجلسة 27/ 2/ 1990 صدر الحكم الطعين على أسباب محصلها أن حقيقة ما يطلبه المدعي هو الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بإدراج سابقة الحكم عليه في جناية بصحيفة الحالة الجنائية للمذكور، المقدمة ضمن مستنداته اللازمة للترشيح لمنصب العمدية، وما يترتب على ذلك من آثار، الأمر الذي يتعلق بتعلله بتعيينه بوظيفة عمدة، المعادلة للمستوى الوظيفي الثالث مما تختص المحكمة الإدارية بالفصل فيه طبقاً للمادة 14 من قانون مجلس الدولة.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم الطعين القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، واستناداً إلى أنه ليس المقصود بهذه الدعوى التصدي لوظيفة العمدية، وأن حقيقة النزاع هي الطعن على قرار إداري نهائي صادر من جهة إدارية. هي مصلحة الأدلة الجنائية. بإدراج بيانات الحكم الجنائي سالف البيان في صحيفة الحالة الجنائية للطاعن، على غير صحيح الواقع والقانون.
ومن حيث إنه يتعين الإشارة - ابتداء - إلى أنه ولئن كان إدراج بيانات صحيفة الحالة الجنائية بمعرفة الجهة الإدارية المختصة، لا تقوم على أساس من السلطة التقديرية التي تباشرها الجهة الإدارية المختصة في تحديد ما تدرجه وما لا تدرجه في هذه الصحيفة، وإنما تلتزم الجهة الإدارية المختصة بإدراج بيانات صحيفة الحالة الجنائية وفقاً لما يحدده القانون وفي الشكل الذي رسمه مع اللوائح، إذ لا يعدوا عملها أن يكون التنفيذ له باعتبار ذلك عملاً مادياً تنفيذاً لما يقضي به القانون، دون إرادة ولا تقدير لهذه الجهة الإدارية المختصة في اتخاذه أو عدم اتخاذه ومن ثم فإن المنازعة الماثلة وأياً كان الرأي في مدى انتفاء القرار الإداري فيها لا يمكن أن تخرج عن كونها منازعة من المنازعات الإدارية التي يدور النزاع فيها حول مدى صحة الوقائع التي تدرج في صحيفة الحالة الجنائية ومدى سلامة تطبيق القانون الذي يستمد المواطن حقه بشأن ما يدرج وما لا يدرج من الوقائع الجنائية اللصيقة بحالته كفرد وكإنسان من القانون مباشرة وليس التي تندرج في عموم الولاية المخولة لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بمقتضى المادة 172 من الدستور وكذلك البند الرابع عشر من المادة العاشرة من قانون تنظيم مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972.
ومن حيث إن المادة (13) من قانون مجلس الدولة المشار إليه تنص على أن تختص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المسائل المنصوص عليها في المادة (10) عدا ما تختص به المحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية، كما تختص بالطعون وبالفصل في الطعون التي ترفع إليها عن الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية....... "وتنص المادة 12 على أن "تختص المحاكم الإدارية:
1) بالفصل في طلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البنود ثالثاً ورابعاً من المادة (10) متى كانت متعلقة بالموظفين العموميين من المستوى الثاني والمستوى الثالث، ومن يعادلهم وفي طلبات التعويض.
2) بالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لمن ذكروا في البند السابق أو لورثتهم.
3) بالفصل في المنازعات الواردة في البند الحادي عشر من المادة (10) متى كانت قيمة المنازعة لا تجاوز خمسمائة جنيه (كما حددت المادة (15) من القانون اختصاص المحاكم التأديبية بالدعاوى والطعون التأديبية.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم من مواد قانون مجلس الدولة المشار إليه أن محكمة القضاء الإداري هي بالنسبة لمحاكم الدرجة الأولى لمجلس الدولة صاحبة الولاية العامة بسائر المنازعات التي أنيط بمحاكم مجلس الدولة ولاية الفصل فيها بمقتضى المادة العاشرة المشار إليها، إلا ما استثني منها بالمادة (13) من القانون أنيط بالمحاكم الإدارية وبالمادة (15) أنيط بالمحاكم التأديبية.
ومن حيث إن مناط اختصاص المحكمة الإدارية بالمنازعة الراهنة أو عدم اختصاصها بها واندراجها في الاختصاص المنوط بمحكمة القضاء الإداري وفقاً لأحكام قانون مجلس الدولة سالف الذكر هو بمدى تعلقها أو بعدم تعلقها بوظيفة العمدة، التي تندرج جميع المنازعات المتعلقة بها في اختصاص المحكمة الإدارية، طبقاً لنص المادة (14) من قانون مجلس الدولة المشار إليه.
ومن حيث إنه ولئن أثير النزاع ابتداء أمام المحكمة الإدارية بمناسبة الطعن في قبول أوراق الطاعن للترشيح لوظيفة العمدية لعدم استيفائه شروط حسن السمعة، وتقدم منافسه بالشكوى إلى جهة الإدارة المختصة مما أسفر عن إدراج سابقتين في صحيفة الحالة الجنائية للطاعن ومن ثم فإن هذه المنازعة في مدى صحة إدراج السوابق في صحيفة الحالة الجنائية للطاعن لا شك أنها تمثل مسألة أولية جوهرية في المنازعة الخاصة بالترشيح في العمدية، والأصل أن المحكمة المختصة بموضوع الدعوى تختص بصفة عامة بالفصل في المنازعات الأولية المرتبطة بها ارتباطاً لا يقبل التجزئة إذ كان هذا النزاع غير جوهري ولا يتعلق بوجود أو نشوء المركز القانوني الذي يمثل المنازعة الأولى ومدى انطباق ذلك مع حقيقة الواقع وصحيح حكم القانون ما لم تكن لتلك المنازعة الأولية ذاتية خاصة تجعل ارتباطها بالمنازعة الأصلية ارتباطاً غير مقصور على موضوعها بحيث تقوم المنازعة في المسائل الأولية كمنازعة إدارية مستقلة لما لها من كيان ذاتي يؤثر بذاته مستقلاً عن أية منازعة أخرى في تحديد عدد من المراكز القانونية لمن تتصل به المنازعة أو لغيره من ذوي الشأن ولا يكون ثمة شك أو جدل في هذه الكينونة الذاتية المستمدة للمنازعة الأولية أن تشكل بحسب موضوعاً وأسبابها موضوعها لاختصاص محدد لمحكمة أخرى داخل نطاق محاكم مجلس الدولة والقضاء الإداري وبصفة خاصة إذا كان هذا الاختصاص قد أنيط بمحكمة أخرى من محاكم مجلس الدولة أعلى درجة من تلك التي تفصل في النزاع الأصلي وتختص بنظره.
ومن حيث إن صحيفة الحالة الجنائية إنما تمس حالة الشخص فيما يتعلق بأفعاله وسوابقه الجنائية وهي تمثل جانباً أساسياً من جوانب حالته كمواطن في مواجهة الدولة وأجهزتها، كما تعتبر مرآة لسمعته، حسناً أو سوءاً بحسب ما هو مدون بها وذلك في شتى مجالات حياته وممارسته لحقوقه العامة والخاصة في المجتمع فهي واجبة التقديم للجهة الإدارية المختصة الترشيح لوظيفة ما أو لعضوية مجلس الشعب أو لأحد المجالس المحلية أو للحصول على ترخيص بحمل سلاح، أو بغير ذلك من مجالات الحياة التي لا تقع تحت حصر، ومن ثم بصحيفة الحالة الجنائية المتعلقة بحالة الفرد الجنائية كمواطن بين غيره من المصريين أما تعلقها في المنازعة الراهنة بحالته بمناسبة الترشيح لوظيفة العمدية، فهو تعلق ليس مقصوراً على الترشيح للعمدية لما للمنازعة في الحالة الجنائية من ذاتية وكينونة تتعلق بالحالة الجنائية للمواطن التي يقوم عليها تحديد المراكز القانونية الذاتية له طوال حياته فضلاً عن أن هذه المنازعة الذي يندرج في اختصاص محكمة القضاء الإداري عملاً بنص المادتين (10)، (13) من قانون مجلس الدولة المشار إليه وهي محكمة استئنافية بالنسبة للمحاكم الإدارية فيما تختص به من منازعات وفقاً للقانون رقم 47 لسنة 72 م (13) من القانون، وإذ انتهى قضاء الحكم الطعين إلى غير هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، مما يتعين معه القضاء بإلغائه، وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها وحيث إن الحكم في الاختصاص لا ينهي الخصومة ومن ثم فإنه يتعين إبقاء الفصل في المصروفات، عملاً بأحكام المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ضد وزير الداخلية وحده، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، واختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى، وأمرت بإعادتها إليها للفصل في موضوعها بهيئة أخرى، وأبقت الفصل في المصروفات.