مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1991 إلى آخر سبتمبر سنة 1991) - صـ 1665

(169)
جلسة 27 من يوليو سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمود عبد المنعم موافي وإسماعيل عبد الحميد ود. محمود صفوت عثمان وأحمد شمس الدين خفاجي - المستشارين.

الطعن رقم 3141 لسنة 35 القضائية

اختصاص - ما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - المنازعات الإدارية (دعوى) (دعوى الإلغاء) (قرار إداري) (منازعة إدارية) (نقد).
المطالبة بتسوية المستحقات المالية عن أجور الشحن المحددة بالدولار على أساس سعر التعادل المقرر بالسوق المصرفية الحرة وليس على أساس سعر التعادل المقرر لدى البنوك المعتمدة ورد الفروق الناتجة عن التسوية - هذه المنازعة لا تعدو أن تكون من دعاوى القضاء الكامل لا من دعاوى الإلغاء. لا تتقيد هذه المنازعة في رفعها بالميعاد المنصوص عليه في قانون مجلس الدولة - أساس ذلك: لا تعد التعليمات الصادرة من إدارة النقد في هذا الشأن من قبيل القرارات الإدارية النهائية - تعتبر هذه المنازعة من المنازعات الإدارية التي تندرج في دعاوى القضاء الكامل - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 21 من يونيه سنة 1989 أودع الأستاذ/ يوسف إبراهيم الشناوي المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/.......، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 3141 لسنة 35 ق عليا، ضد كل من وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، محافظ البنك المركزي، ورئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لأعمال النقل البحري (مارترانس) في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 23/ 5/ 1989 في الدعوى رقم 1670/ 42 ق. التي كانت مقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهم، والذي قضى بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وألزمت المدعي المصروفات. طلب الطاعن. للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى، وفي موضوعها بإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وأخصها رد الفروق من مستحقات الطاعن، مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وأودع الأستاذ المستشار/ عادل الشربيني، مفوض الدولة لدى المحكمة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني بهيئة مفوضي الدولة، ارتأى في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعد اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى، وبإحالتها إلى المحكمة الابتدائية المختصة بالقاهرة، مع إبقاء الفصل في مصروفات الدعوى وإلزام الجهة الإدارية مصروفات الطعن.
وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون، فتداولت نظره على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن قررت إحالته إلى هذه المحكمة، وعينت لنظره أمامها جلسة 16/ 6/ 1990. وتداولت المحكمة نظره بها، فاستمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن، وقررت إصدار الحكم فيه بجلسة 21/ 7/ 1990، ثم قررت إعادة الطعن للمرافعة بذات الجلسة لتغيير تشكيل الهيئة، وثم أجلت نظره لجلسة 20/ 10/ 1990 لإخطار الخصوم، وبها قررت إصدار الحكم بجلسة 8/ 12/ 1990 مع التصريح بمذكرات لمن يشاء خلال أسبوعين، ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة 22/ 12/ 1990 لإتمام المداولة، ثم لجلسة 19/ 1/ 1991 وبها قررت المحكمة إعادة الطعن للمرافعة لذات الجلسة لمناقشة الخصوم، ثم أجلت نظره لجلستي 23/ 2، 9/ 3/ 1991 لإخطار الخصوم، ثم تداولت نظره على النحو الثابت جلسات 30/ 3، 27/ 4، 11/ 5، 18/ 5/ 1991، وبها قررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة 6/ 7/ 1991 مع التصريح بمذكرات لمن يشاء خلال أسبوعين، ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 27/ 7/ 1991 لإتمام المداولة، وبها صدر، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى الأوضاع المقررة لنظره.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة. حسبما يبين من أوراقها تتحصل في أنه بتاريخ 30/ 12/ 1987 أقام السيد/.......، الدعوى رقم 1670/ 42 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد كل من وزير الاقتصاد والتجارة والخارجية، محافظ البنك المركزي ورئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لأعمال النقل البحري (مارترانس) وطلب في ختام صحيفتها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهات الإدارية المدعى عليها المصروفات، وقال في بيان وشرح دعواه إنه يملك ويدير شركة سماتور للملاحة وهي منشأة فردية مقرها مدينة الإسكندرية، وتمتلك خمس سفن شحن تعمل في أعالي البحار، وتقوم بنقل البضائع من وإلى مصر عن طريق الشركة المصرية لأعمال النقل البحري (مارترانس) "قطاع عام" مقابل عمولة تحصل عليها ويتم التعاقد بينهما بموجب استمارة أعدتها شركته لهذا الغرض تسمى مذكرة حجز فراغ توقعها شركة مارترانس باعتبارها نائبة عن الجهة مالكة البضاعة وشركة سماتور باعتبارها الناقلة، تتضمن بيان كميات البضاعة المنقولة ونوعها وميناءي الشحن والوصول وفئة النولون وشروط الشحن والتفريغ والجزاءات التي توقع على الشركة الناقلة في حالة إخلالها بالتزاماتها وبطبيعة الحال كان النولون يتحدد بالعملة الحرة بالنسبة لجميع التعليمات، ولأن النقل يتم خارج القطر المصري أن العمل جرى بين الطرفين فيما قبل صدور قرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 222 لسنة 1987 في 10/ 5/ 1987 على أن تحصل شركة مارترانس على النولون من الجهة صاحبة البضاعة بالعملة الحرة الأجنبية ثم تدفع النولون المستحق لشركة سماتور بالعملة المصرية على أساس السعر التشجيعي المعلن من البنك المركزي في كل حين، أما بعد العمل بهذا القرار الذي تضمن إنشاء سوق مصرفية حرة للنقد الأجنبي، فقد لاحظت شركة سماتور أن شركة مارترانس تحصل من صاحب البضاعة على النولون بالعملة الحرة ثم تصرفها إلى شركة سماتور بالنقد المصري على أساس السعر المعلن للسوق المصرفية الحرة بعد أن تخصم جزء يمثل الفرق بين السعر التشجيعي القديم وبين سعر السوق المصرفية الحرة، ومع تحويل هذا الفرق إلى وزارة الاقتصاد في حسابها المفتوح لدى البنك المركزي المسمى (حساب الأرباح الناتجة عن عمليات النقد الأجنبي).
وقد اعترض على هذا الخصم وطلب تسوية الفروق المحتجزة من النولون المستحق له وصرفه إليه، وفردت شركة مارترانس بأنه طبقاً للقرار 222 لسنة 1987 فإن مطالبة الشركة لا تستند إلى أساس سليم من القانون، وعليه أرسلت سماتور إلى وزارة الاقتصاد كتاباً في 20/ 9/ 1987 تطلب تصحيح الوضع بإخطار شركة مارترانس لرد الفروق، والتي خصمتها من مستحقاتها دون وجه حق، بتاريخ 11/ 10/ 1987 ورد للشركة كتاب وكيل أول وزارة الاقتصاد لقطاع النقد الأجنبي رقم 1635 جاء فيه أنه طبقاً للتعليمات المؤرخة 2/ 6/ 1987 فإنه يتم محاسبة الشركات الناقلة على قيمة أجور الشحن وفقاً لأسعار مجمع المصارف المعتمدة وبتاريخ 23/ 10/ 1987 تظلمت الشركة من القرار الذي تضمنه الكتاب السابق (رقم 1635) إلى ذات الجهة المرسلة إلى شركة مارترانس بكتاب سلم إلى الجهتين في 28/ 10/ 1987 وأوردت الشركة في تظلمها أنه لم يرد نص صريح في القرار رقم 222 لسنة 1987والقرارات المعدلة له يتضمن معاملة شركة سماتور بالنسبة إلى أجور الشحن على أساس سعر مجمع البنوك وتوريد الفرق لحساب وزارة الاقتصاد، كما أن هذا الأسلوب في الحساب يخالف الأحكام القضائية النهائية الصادرة لمصلحة الشركة في مواجهة وزارة الاقتصاد ولم ترد الوزارة ولا الشركة على التظلم واستمرت في إجراء الخصم فأقام دعواه بطلب إلغاء القرار الإداري النهائي الصادر من الإدارة العامة للنقل إلى شركة مارترانس بخصم بعض مستحقات منشأه سماتور للملاحة وتوريدها لحساب وزارة الاقتصاد المقترح لدى البنك المركزي تحت اسم صاحب الأرباح الناتجة عن عمليات النقد.
وأضاف المدعي أن الأحكام الواردة في منشور إدارة النقد المؤرخ في 2/ 6/ 1987 لا تنطبق إلا على الشركات الأجنبية أو الشركات المصرية التي تعامل معاملتها ويكون لها حساب ملاحي مفتوح وفقاً لأحكام اللائحة التنفيذية للقانون رقم 67 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي، الصادر بقرار وزير الاقتصاد رقم 316 لسنة 1976 وهذه الأحكام كلها لا تنطبق على المنشأة المملوكة له بحسبان أنها منشأة مصرية لا تعامل معاملة الشركات الأجنبية وليس لها حساب ملاحي مفتوح باسمها يمكن الإضافة فيه أو تحويل رصيده للخارج، فضلاً عن أن القرار رقم 332 لسنة 1987 بإنشاء السوق المصرفية الحرة للنقد الأجنبي لم يرد به أي نص يفيد التزام منشأتها بالفروق التي فرضها قرار وزير الاقتصاد واقتصر على السماح للأفراد ببيع ما يملكونه أو يحوزونه من النقد الأجنبي إلى المصارف بالسعر المعلن في نطاق هذه السوق ونعى المدعي على القرار المطعون فيه أنه صادر مخالفاً لأحكام القانون، وأنه يتضمن مطاردة لجزء من ماله أو فرض ضريبة لم ينص عليها القانون بالمخالفة لأحكام الدستور. مما يهبط بالقرار المطعون فيه إلى درجة الانعدام. وأجابت جهة الإدارة على الدعوى بمذكرة ضمنتها الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطياً، وبعدم قبولها شكلاً لرفعها بعد الميعاد، ومن باب الاحتياط الكلي، برفضها في شقيها العاجل والموضوعي، وأوضحت أن جميع الجهات الحكومية والقطاع العام والخاص تقوم بسداد أجور الشحن بالجنيه المصري إذا تم تحويل الواردات من مجمع المصارف أو السوق المصرفية الحرة، سواء تم الشحن على شركات أجنبية أو مصرية، قطاع عام أو خاص، وأما واردات القطاع الخاص التي تمول من الموارد الذاتية فيمكن لشركات الملاحة أن تتقاضى قيمة النولون بالنقد الأجنبي كما يحق لها الاحتفاظ به طبقاً للمادة الأولى من القانون رقم 97 لسنة 1976 وأن شركات القطاع الخاص الملاحية تحاسب على الوقود اللازم لها على أساس سعر المصارف المعتمدة وليس على أساس سعر السوق المصرفية الحرة، وتدفع رسوم الموانئ وخلافه بالعملة المصرية، وفي ضوء ذلك تقرر محاسبة هذه الشركات على النولون المحدد سابقاً بالنقد الأجنبي والمحصل من الجهات المحلية بالجنيه المصري على أساس سعر مجمع المصارف، وليس على أساس السوق المصرفية الحرة.
وبجلسة 23/ 5/ 1989 صدر الحكم الطعين على أسباب محصلها - فيما يتعلق برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاصها - أن التكييف القانوني الصحيح لطلبات المدعي أنه يطعن في القرار الصادر من وزارة الاقتصاد بمحاسبة الشركات الناقلة منها الشركة التي يملكها المدعي على قيمة أجور الشحن وفقاً لأسعار مجمع المصارف المعتمدة، وهذا القرار يدخل في عداد القرارات الإدارية النهائية التي تختص محاكم مجلس الدولة بنظر الطعون التي تقدم ضدها وفيما يتعلق بقضائها بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، أن المدعي علم بالقرار المطعون فيه علماً يقينياً عندما قامت شركة مارترانس في 26/ 5/ 1987 بصرف قيمة النولون على أساس السعر المعلن للسوق المصرفية الحرة بعد أن تخصم منه جزء يمثل الفرق بين السعر التشجيعي القديم وبين سعر السوق المصرفية الحرة، وتحويل الفرق إلى حساب النقد الأجنبي الخاص بوزارة الاقتصاد، وأنه تظلم من هذا القرار إلى وكيل أول وزارة الاقتصاد الذي أرسل إليه كتاباً في 11/ 10/ 1987 بما يفيد رفض تظلمه، غير أنه لم يبادر إلى إقامة الدعوى في الميعاد المقرر قانوناً، ولا يجوز التعويل على التظلم الذي قدمه بتاريخ 23/ 10/ 1987 لأنه تظلم ثان، ليس له من أثر بالنسبة لميعاد رفع الدعوى.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم الطعين للقانون، إذ أخطأ في استخلاص الوقائع الحقيقية المحيطة بالقرار المطعون فيه واستند في قضائه بعدم القبول إلى وقائع منتزعة من أصول لا تنتجها مادياً أو قانونياً، والتفت عن القضاء المستقر للمحكمة الإدارية العليا في شأن العلم اليقيني بالقرار فانتهى قضاؤه إلى نتيجة لا تتفق وأحكام القانون. إذ أن - المدعي أرسل إلى وزارة الاقتصاد كتابه المؤرخ 20/ 9/ 1987 يشكو فيه تصرف شركة مارترانس ويطلب إلى الوزارة تنبيه الشركة إلى رد ما خصمته منه بمقولة إنه أرباح عمليات نقد أجنبي، فإن هذا الكتاب لا يعتبر تظلماً من القرار المطعون فيه، ولأنه لم يكن قد علم به بعد، ولا يعتبر رد الوزارة على هذا بالكتاب المؤرخ 10/ 10/ 1987 رفضاً للتظلم، ولأنه لو كان ذلك لما حرصت الوزارة إلى أن تحيل في ردها إلى التعليمات الصادرة منها في 2/ 6/ 1987 ثم نرفق هذه التعليمات بالكتاب المرسل منها إليه، فهذا الكتاب ليس إلا تبليغاً للمدعي بالقرار الذي سبق أن أصدرته الوزارة في هذا الشأن ولم يبلغ إلى المدعي بأية طريقة كانت، ويعتبر في حقيقة الأمر إعلاناً للمدعي بالقرار المطعون فيه وعلى هذا الأساس فلا يكون التظلم المقدم من المدعي بتاريخ 23/ 10/ 1987 من هذا القرار تظلماً ثانياً، وإنما هو تظلم أول يبدأ من تاريخ تقديمه حساب ميعاد رفع الدعوى وإذ لم ترد الوزارة على هذا التظلم وأقيمت الدعوى في 30/ 12/ 1987 خلال الستين يوماً التالية لفوات الستين يوماً المقررة للبت في التظلم، فإنها تكون مرفوعة في الميعاد القانوني واستطرد تقرير الطعن إلى بيان دفاعه الموضوعي ومجمله أن منشأته وسفنه مصرية، ولا تعامل معاملة الشركات الأجنبية، ويحق له في ظل أحكام القانون رقم 97 لسنة 1976 ولائحته التنفيذية أن يتعاقد على نقل البضائع مع شركة مارترانس بالعملات الحرة الأجنبية، اعتبار أن النقل يتم خارج البلاد، كما يحق له أن يتعاقد معها بالعملة المصرية غير القابلة التحويل إلى العملات الحرة، فإذا كان التعاقد قد تم بالعملة الحرة على جميع عمليات النقل محل الدعوى، فإن شركة مارترانس تلتزم بأن تؤدي أجر النقل بذات العملة المتعاقد عليها، ومن حقه أن يحتفظ بها، وبالتالي يحق له بيعها بالسعر المعلن في نطاق السوق المصرفية الحرة، وإذ كان قبل أن يحصل على قيمة الشحن بالعملة المصرية فإنه يجب حسابها بقيمتها الحقيقية، على أساس السعر المعلن بالسوق المصرفية الحرة، ولأنه السعر الذي يمثل القيمة الحقيقية للعملة الأجنبية ولا يجوز حساب مستحقاته على أساس سعر المصارف المعتمدة لأنه سعر افتراضي رأت الحكومة الإبقاء عليه لاعتبارات اجتماعية قدرتها، مع أنه لا يمثل القيمة الحقيقية للعملة الأجنبية، ومن ثم يكون القرار فيه مخالفاً للقانون، بل إن المخالفة التي شابته من الجسامة بحيث ينحدر به إلى درجة الانعدام، لأنه في حقيقته مصادرة لجزء كبير من مستحقات المدعي، وابتداع لضريبة لم ينص عليها، وتحصل جبراً من مستحقاته وبالنسبة إلى ما انتهى إليه تقرير هيئة مفوضي الدولة، من عدم اختصاص مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى، وإحالتها إلى القضاء العادي، استناداً إلى أن الدعوى لم تتضمن الطعن على أي قرار صادر من وزير الاقتصاد، وأن المنازعة في حقيقتها هي مطالبة المدعي بأحقيته في قبض مستحقاته عن أجور الشحن بالعملة الأجنبية، طبقاً لعقود النقل المبرمة بينه وبين شركة مارترانس إحدى شركات القطاع، وهي من أشخاص القانون الخاص فلا تعتبر العقود التي تبرمها عقود إدارية، وإنما هي من عقود القانون الخاص، وبما تختص به المحاكم المدنية، عقب دفاع المدعي بمذكرته المقدمة لجلسة 15/ 1/ 1991 بأن المدعي يطعن في القرار الصادر من وزارة الاقتصاد بتطبيق القواعد والأحكام الواردة في التعليمات الصادرة في 2/ 6/ 1987 على منشأته، مع أنه ليس من المخاطبين بأحكام هذه التعليمات لأنه ليس شركة أجنبية أو شركة من الشركات المصرية التي تعامل معاملتها، وأنه ثار نزاع مماثل بين الطاعن والجهات المطعون ضدها، وعندما أصدرت وزارة الاقتصاد قرار بتحميل المدعي بعلاوة 20% من قيمة تمويناته من المواد البترولية وأبلغته الجمعية التعاونية للبترول لإعماله في حقه فأقام الدعوى رقم 1690 لسنة 32 ق بإلغائه، وأجابته محكمة القضاء الإداري إلى طلبه، ولأنه ليس من المخاطبين بأحكام هذه التعليمات، وأيدت دائرة فحص الطعون هذا الحكم إذ قضت برفض الطعنين المقدمين فيه من الحكومة.
ومن حيث إن اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بنظر المنازعات الإدارية المنصوص عليها في المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، وينطوي على نوعين من الولاية القضائية، الأول هو ولاية إلغاء، ومحلها دعاوى الإلغاء Recours en annulcition المتعلقة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية للسلطات الإدارية، سواء كانت صادرة في شئون الموظفين العموميين أم في شئون الأفراد أو الهيئات، بسبب مخالفة القانون بالمعنى العام Recours. Pour exces de pouvoir فموضوعها هو شرعية القرار الإداري، وهذه الدعاوى يقتصر فيها دور القضاء الإداري على رقابة مشروعية القرارات الإدارية النهائية محل تلك الدعاوى فلا يحل نفسه محل جهة الإدارة المختصة في إصدار القرار الصحيح قانوناً. إنما يكتفي بالحكم بإلغاء ما يستبين له عدم مشروعيته من تلك القرارات، تاركاً لجهة الإدارة المختصة إصدار القرار الصحيح قانوناً على هدى من قضائه بإلغاء القرار المطعون في، والنوع الثاني من الولاية القضائية هو ما يعرف بولاية القضاء الكامل، ومحلها دعاوى القضاء الكامل Recours de pleine Jurdi ction وهي تشمل جميع المنازعات الإدارية التي تختص محاكم مجلس الدولة بنظرها طبقاً لنص المادة العاشرة من قانونه المشار إليه عدا دعاوى إلغاء القرارات الإدارية النهائية محل ولاية الإلغاء - كدعاوى التعويض عن هذه القرارات، ودعاوى التسويات. والمنازعات المتعلقة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت، ودعاوى الجنسية، والمنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية، عدا دعاوى إلغاء القرارات الإدارية المنفصلة Act cletsshaBels في منازعات هذه العقود، والتي تندرج لهذا السبب في دعاوى الإلغاء وموضوع دعاوى القضاء الكامل، مركز قانوني فردي، حيث يدعي فيها رافعها أنه صاحب مركز قانوني معين ينشئ له حقاً قبل الإدارة، وأنها تنازعه في أصل هذا الحق أو في مداه، فهي دعوى يرفعها صاحب الشأن ضد الإدارة بادعاء اعتدائها على مركزه القانوني الشخصي، بإنكارها ما يدعيه من حق قبلها أو منازعتها إياه في مداه، مطالباً القضاء بأن يحكم له على الإدارة بفعل شيء أو بالامتناع عن فعل شيء، وفي غالب الحالات يدفع مبلغ من النقود، وسلطة القضاء الإداري في هذه الدعاوى أوسع مدى وحيث يحسم الحقوق المتنازع عليها حسماً نهائياً، فيقضي بأحقية المدعي أو بعدم أحقيته فيما يطلب الحكم له به على الإدارة أو يقضي بإلزامها بأن تفعل شيئاً أو بأن تمتنع عن فعل شيء، أو بأن تدفع للمدعي مبلغاً محدداً من النقود، وهو الغالب، ويترتب على التفرقة بين نوعي الولاية، نتيجة عامة، أولاً وهي أن دعاوى الإلغاء وحدها هي التي يجب أن يراعى رفعها الميعاد المنصوص في المادة 24 من قانون مجلس الدولة المشار إليه، وإلا كانت غير مقبولة شكلاً، وأما دعاوى القضاء الكامل فلا تتغير مطلقاً في رفعها بهذا الميعاد، وإنما فقط بميعاد التقادم الذي نص عليه القانون، والقاعدة العامة فيه، وأنه خمسة عشر عاماً، ما لم ينص القانون على ميعاد تقادم آخر لرفع الدعوى كذلك فإن الأحكام التي تصدر بالإلغاء تكون حجة على الكافة بينما غيرها من الأحكام تكون لها حجية نسبية لا تمتد إلى غير الخصوم فيها (م 52) وذلك رغم أن جميع الأحكام تسري في شأنها القواعد الخاصة بقوة الشيء المحكوم فيه وأحكام الإلغاء وتصدر صورتها التنفيذية مشمولة بطبيعة محددة لتنفيذها متفقة مع استقلال السلطات ومع طبيعة هذه الأحكام وعدم جواز الإلزام بالتنفيذ جبراً بالقوة المجردة بما تنتهي إليه من إلغاء للقرار المحكوم بإلغائه حيث تنيط ذاك صراحة بالوزراء ورؤساء المصالح أما الأحكام الأخرى طبيعتها التنفيذية إن على الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها ذلك وعلى السلطات المختصة أن تعين على أحرزه ولو باستعمال القوة متى طلب منها ذلك. ومن حيث إنه متى استبان ذلك وكانت المنازعة الماثلة في حقيقتها هي مطالبة المدعي بأحقيته في تسوية مستحقاته عن أجور الشحن المحددة بالدولار على أساس سعر التعادل المقرر بالسوق المصرفية الحرة وليس على أساس سعر التعادل المقرر لدى البنوك المعتمدة ورد الفروق الناتجة عن ذلك استناداً منه إلى أن التعليمات الصادرة في هذا الشأن من إدارة النقد بوزارة الاقتصاد، لا تنطبق عليه، وأنه غير مخاطب بأحكامها، فإن المنازعة على هذا النحو، إذا تتعلق بتحديد سعر التعامل الواجب معاملة المدعي به عند صرف مستحقاته من أجور الشحن، المحددة بالدولار، ولا تعدوا أن تكون من دعاوى القضاء الكامل لا من دعاوى الإلغاء، وذلك تأسيساً على أن الهيئة العامة للبترول تتولى وضع السعر الذي تباع به المواد البترولية والكميات التي توزع حسب نوع وحاجة المستهلكين وهي تعتمد قراراتها من وزير البترول والثروة المعدنية، ويقوم وزير الاقتصاد مع إدارة النقد بوضع نظام طبقاً لقوانين النقد والاستيراد والتصدير لكيفية سداد المواد البترولية وتحديد سعر الصرف أو العملة التي تسدد بها هذا الثمن، وتحتكر الدولة العمليات الخاصة بتوزيع البترول ممثلة في الهيئة العامة للبترول سواء من الأنصبة التي تتوفر لها مما تحصل عليه عيناً من الشركات الممنوحة التزام استخراج البترول أو مما تستخرجه الشركة العامة للبترول والشركات الأخرى المملوكة للدولة ويبين من ذلك أن الدولة تحتكر ملكية المواد البترولية التي تباع في داخل البلاد وتسيطر على توزيع المواد البترولية والمستهلكين وتحديد كميات وسعر البيع في إطار قوانين التموين والنقد الأجنبي والاستيراد والتصدير واللوائح الصادرة تنفيذاً لكل من هذه القوانين ومن ثم شركات النقل والمنشآت العامة والخاصة التي تستهلك بصفة منتظمة ومستمرة المواد البترولية لأداء واجباتها في الإسهام في الإنتاج أو الخدمات ترتبط مع الدولة بعلاقة تنطوي على جانب لائحي يتضمن القواعد التي تنفرد بها هيئة البترول وإدارة النقد ووزارتي التموين والاقتصاد من قواعد على النحو السابق فضلاً عن جانب تعاقدي ينطوي على رضاء المنشأة بالشراء والسداد على أساس ما تحدده هيئات الدولة وأجهزتها المختصة في هذا الشأن وتمتع هيئات الدولة وأجهزتها لسلطات غير عادية في تحديد الكميات وطريقة التوزيع وأوقاته وتحديد الأسعار وكيفية سدادها ونوع العملة التي تسدد بها وتوريد الفائض من العملات الأجنبية الناتجة عنها، ومن ثم فلا تتقيد هذه الدعاوى في رفعها بالميعاد المنصوص عليه في المادة 24 من قانون مجلس الدولة المشار إليه حيث لا تعتبر التعليمات الصادرة من إدارة النقد في هذا الشأن من قبيل القرارات الإدارية النهائية بالمعنى الاصطلاحي والفني المقصود في قانون مجلس الدولة، وإنما هو مجرد تعليمات تنفيذية لأحكام القانون المقررة في هذا الشأن، آية ذلك وأن المدعي لا ينعى على هذه التعليمات بمخالفتها القانون وكل ما يستند إليه في دعواه أنه يدعي أنه غير مخاطب بها، أو أنها لا تنطبق على منشأته، مما تنأى معه المنازعة الماثلة عن أن تكون من دعاوى الإلغاء ولا تعدوا أن تكون مطالبة بمبلغ محدد من النقود يستند المدعي في أحقيته فيه إلى ادعائه بوجوب حساب مستحقاته عن أجور الشحن المحددة بالدولار، على أساس سعر التعادل المقرر في السوق المصرفية الحرة، وليس على أساس سعر التعادل المقرر لدى البنوك المعتمدة، وعلى نحو ما تذهب إليه جهة الإدارة في هذه المنازعة، مما تضحى معه هذه المنازعة من المنازعات الإدارية التي تندرج في دعاوى القضاء الكامل لا من دعاوى الإلغاء، ومن ثم فلا تتقيد في رفعها بالميعاد المنصوص عليه في المادة 24 من قانون مجلس الدولة، المشار إليه وإذ ذهب الحكم الطعين إلى خلاف هذا النظر، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله مما يتعين معه القضاء بإلغائه، وبقبول الدعوى شكلاً وبإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها، ومع إبقاء الفصل في المصروفات، عملاً بأحكام المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، بقبول الدعوى شكلاً وأمرت بإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها مجدداً من هيئة أخرى وأبقت الفصل في المصروفات.