أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 22 - صـ 379

جلسة 24 من مارس سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ صبري أحمد فرحات، وعضوية السادة المستشارين: عثمان زكريا علي، ومحمد أبو حمزة مندور، وحسن أبو الفتوح الشربيني، وأحمد ضياء الدين حنفي.

(60)
الطعن رقم 6 لسنة 38 ق " أحوال شخصية"

وقف. "الرجوع في الوقف". قانون.
قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946. تحريم الرجوع في الوقف السابق على العمل به. شرطه. حرمان الواقف نفسه وذريته من الاستحقاق ومن الشروط العشرة وجعل الاستحقاق للغير. أهلياً كان الوقف أو خيرياً. وقف المسجد أو ما وقف على المسجد. عدم جواز الرجوع فيه إطلاقاً.
الظاهر من سياق نص الفقرة الثانية من المادة 11 من القانون رقم 48 لسنة 1946 بشأن الوقف - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - أن المشرع قصد إلى تحريم رجوع الواقف عن وقفه السابق على العمل بهذا القانون إذا حرم نفسه وذريته من الاستحقاق ومن الشروط العشرة وجعل الاستحقاق لغيره، إذ لفظ الغير عام مطلق يشمل كل من عدا الواقف، جهة كان هذا الغير أو من أهل الاستحقاق، أهلياً كان الوقف أو خيرياً، فمتى توافرت شروط الاستثناء الواردة في هذه الفقرة امتنع على الواقف أن يرجع عن وقفه أياً كان هذا الوقف، ولا يدفع هذه الحجة ما يقال من أن المشرع قصد إلى إباحة رجوع الواقف عن وقفه إطلاقاً سواء كان ذلك قبل العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 أو بعد ذلك فيما عدا حالة وقف المسجد أو ما وقف على المسجد بدليل أنه أفرد لهذه الحالة الأخيرة فقرة خاصة - هي الفقرة الثالثة من المادة 11 - ذلك أن المحكمة التي اقتضت هذا النص الخاص هي تقرير قاعدة شرعية أجمع عليها أئمة الفقهاء وهي عدم جواز الرجوع في وقف المسجد أو ما وقف على المسجد إطلاقاً، فأراد المشرع أن يدفع كل شبه في عدم جواز الرجوع عن هذا الوقف متى انعقد سواء كان انعقاده قبل العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 أو بعد ذلك، ولا يجوز الرجوع فيه في الأحوال التي يجوز فيها الرجوع في الوقف الخيري، فالفقرة الثالثة تقرر حكماً خاصاً بالمسجد لا يغني عنه ما سبق أن قررته هذه المادة من أحكام بشأن الأوقاف الخيرية الأخرى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من القرار المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن عبد الوهاب حسانين وهدان تقدم في 3/ 7/ 1966 إلى هيئة التصرفات بمحكمة طنطا الابتدائية بطلب قال فيه إنه بمقتضى حجة شرعية مؤرخة 9/ 10/ 1939 صادرة أمام محكمة زفتى الشرعية أوقف 14 قيراطاً من 15 فداناً أطياناً زراعية كائنة بزمام تفهنا العزب مبينة الحدود والمعالم بالطلب على زوجته المرحومة السيدة نفيسة أحمد وهدان يصرف ريعها على الفقراء والمساكين ببلدته، وإذ رجع عن وقفه وأعاده لملكه الحر - كما كان قبل وقفه - فقد انتهى إلى طلب الحكم بحقه في الرجوع عن الوقف، وقيد هذا الطلب برقم 1 سنة 1966 تصرفات طنطا الابتدائية، وبتاريخ 10/ 10/ 1967 قررت الهيئة رفض الطلب وألزمت الطالب المصروفات. واستأنف الطالب هذا القرار لدى محكمة استئناف طنطا طالباً إلغاءه والحكم له بطلباته، وقيد هذا الاستئناف برقم 1 سنة 17 قضائية وبتاريخ 8/ 1/ 1968 قررت المحكم قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع، بإلغاء القرار المستأنف والتقرير بحق الواقف المستأنف عبد الوهاب حسانين وهدان في المرجوع عن وقفه الصادر به الحجة الشرعية المؤرخة 9/ 10/ 1939 أمام محكمة زفتى الشرعية رقم 13 متتابعة سنة 1939 وألزمت المستأنف بالمصروفات الاستئنافية. وطعنت النيابة العامة في هذا القرار بطريق النقض للسبب الوارد في التقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصرت الطاعنة على طلب نقض القرار، وطلب المطعون عليه رفض الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرة وطلبت قبول الطعن.
وحيث إن حاصل سبب الطعن إن القرار المطعون فيه أقام قضاءه في الدعوى على أن المطعون عليه وقد جعل وقفه خيرياً ابتداء وانتهاء - على روح زوجته المرحومة نفيسة أحمد وهدان يصرف ريعه للفقراء والمساكين من المسلمين، فإنه يحق له الرجوع فيه ولو كان قد حرم نفسه وذريته من الاستحقاق ومن الشروط العشرة، مستنداً في ذلك إلى أن الفقرة الثانية من المادة 11 من القانون رقم 48 لسنة 1946، والتي تمنع الواقف من الرجوع أو التغيير فيما وقفه قبل العمل بالقانون المذكور وجعل استحقاقه لغيره، إذا كان قد حرم نفسه وذريته من هذا الاستحقاق ومن الشروط العشرة بالنسبة له، أو ثبت أن هذا الاستحقاق كان بعوض مالي أو لضمان حقوق ثابتة قبل الواقف، وفي وقف المسجد ابتداء وفيما وقف عليه ابتداء - إنما يقتصر حكمها على الوقف الأهلي ولا ينبسط على الوقف الخيرى. وهو من القرار خطأ ومخالفة للقانون، لأن نص الفقرة الثانية من المادة 11 من القانون رقم 48 لسنة 1946 نص عام ويدل على أن المشرع قصد إلى تحريم رجوع الواقف عن وقفه - السابق على العمل بالقانون المشار إليه - إذا توافر شرط من الشروط الواردة فيها سواء كان الوقف أهلياً أو خيرياً ولا يسوغ التحدي في هذا الصدد بأنه لو صح هذا الفهم لما كان هناك محل لإيراد الفقرة الخاصة بوقف المسجد، لأن المشرع إنما أراد بهذه الفقرة أن يقرر عدم جواز الرجوع في وقف المسجد أو ما وقف عليه إطلاقاً سواء كان إنشاء الوقف سابقاً على العمل بالقانون المذكور أو لاحقاً له ولو توافرت للواقف أسباب الرجوع في الوقف.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن ظاهر من سياق نص الفقرة الثانية من المادة 11 من القانون رقم 48 لسنة 1946 بشأن الوقف - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع قصد إلى تحريم رجوع الواقف عن وقفه السابق على العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 إذا حرم نفسه وذريته من الاستحقاق ومن الشروط العشرة وجعل الاستحقاق لغيره. إذ لفظ الغير عام مطلق يشمل كل من عدا الواقف جهة كان هذا الغير أو من أهل الاستحقاق، أهلياً كان الوقف أو خيرياً، فمتى توافرت شروط الاستثناء في هذه الفقرة امتنع على الواقف أن يرجع عن وقفه أياً كان هذا الوقف، ولا يدفع هذه الحجة ما يقال من أن المشرع قصد إلى إباحة رجوع الواقف عن وقفه إطلاقاً سواء كان ذلك قبل العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 أو بعد ذلك فيما عدا حالة وقف المسجد أو ما وقف على المسجد بدليل إنه أفرد لهذا الحالة الأخيرة فقرة خاصة هي الفقرة الثالثة من المادة 11، ذلك أن المحكمة التي اقتضت هذا النص الخاص هي تقرير قاعدة شرعية أجمع عليها أئمة الفقهاء وهي عدم جواز الرجوع في وقف المسجد أو ما وقف على المسجد إطلاقاً، فأراد المشرع أن يدفع كل شبه في عدم جواز الرجوع عن هذا الوقف متى انعقد سواء كان انعقاده قبل العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 أو بعد ذلك، ولا يجوز الرجوع عنه في الأحوال التي يجوز فيها الرجوع في الوقف الخيري، فالفقرة الثالثة تقرر حكماً خاصاً بالمسجد لا يغني عنه ما سبق أن قررته هذه المادة من أحكام بشأن الأوقاف الخيرية الأخرى. وإذ خالف القرار المطعون فيه هذا النظر وأقام قضاءه في الدعوى على ما قرره من أن "للواقف في الوقف الخيري أن يرجع في وقفه إلا في وقف المسجد ابتداء أو فيما وقف عليه" وأن "الفقرة الثانية من المادة 11 من القانون رقم 48 لسنة 1946 خاصة بالوقف الأهلي وقاصرة عليه" فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه.


[(1)] نقض 7/ 2/ 1957 مجموعة المكتب الفني السنة الثامنة ص 148.