أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 22 - صـ 516

جلسة 20 من إبريل سنة 1971

برياسة السيد المستشار الدكتور/ عبد السلام بلبع رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، محمد أسعد محمود.

(79)
الطعن رقم 392 لسنة 36 القضائية

( أ ) إعلان. "الإعلان في النيابة". نقض. "إعلان تقرير الطعن".
توجيه إعلان تقرير الطعن إلى المطعون عليهم في موطنهم المبين في الحكم المطعون فيه. إجابة أخيهم بأنهم تركوا هذا الموطن ولا يعرف موطنهم الجديد. خلو الأوراق مما يستدل منه على أن التحري يهدي إلى هذا الموطن. إعلان التقرير في مواجهة النيابة في هذه الحالة صحيح.
(ب) إثبات. "طرق الإثبات". "البينة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير شهادة الشهود".
استقلال قاضي الموضوع بتقدير أقوال الشهود طالما لم يخرج عن مدلولها.
(ج) حكم. "تسبيب الحكم". "تسبيب كاف". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
لقاضي الموضوع سلطة تحصيل فهم الواقع في الدعوى. كفاية إقامة قضائه على أسباب سائغة تحمله. عدم وجوب تتبع حجج وأقوال وطلبات الخصوم والرد على كل منها استقلالاً.
1 - إذ كان يبين من الأوراق أن الطاعنين حاولا إعلان تقرير الطعن إلى المطعون عليهم في موطنهم المبين في الحكم المطعون فيه، فلم يجدهم المحضر في ذلك الموطن، وأخبره أخوهم أنهم تركوا هذا الموطن، ولا يعرف موطنهم الجديد، فأعلنهم الطاعنان بالتقرير في مواجهة النيابة. وكانت أوراق الدعوى قد خلت ما يستدل منه على أن الطاعنين لو بذلا جهداً آخر في التحري لاهتديا لموطن المطعون عليهم المذكورين، فإن الإعلان الذي تم في مواجهة النيابة في الظروف سالفة الذكر يكون صحيحاً.
2 - تقدير أقوال الشهود مرهون بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع، وله أن يأخذ ببعض أقوالهم دون البعض الآخر، ولا سلطان لأحد عليه في ذلك، إلا أن يخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها.
3 - لقاضي الموضوع السلطة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى، وبحسبه أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها، وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله، ولا عليه بعد ذلك أن يتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطالباتهم، ويرد استقلالاً على كل قول أو حجة أو طلب أثاروه، ما دام قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها، فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن الأول عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على ولده حسن - الطاعن الثاني - أقام الدعوى رقم 1723 سنة 1945 مدني القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليها الأولى والمرحوم عبد الوهاب فهمي مورث باقي المطعون عليهم، يطلب الحكم بإلزامهما متضامنين بتسليم المنقولات والمصوغات المبينة بصحيفة الدعوى أو دفع ثمنها وقدره 2300 ج. وقال شرحاً لدعواه إن زوجته المرحومة آمنة محمد الشافعي توفيت وتركت ما يورث عنها المنقولات والمصوغات المشار إليها، وإذ كان هو وابنه حسن المشمول بولايته بين ورثتها، وكانت شقيقتها المطعون عليها الأولى وزوجها المرحوم عبد الوهاب فهمي قد استوليا على هذه المنقولات والمصوغات بغير وجه، فقد أقام دعواه للحكم له بطلباته. وبتاريخ 19/ 2/ 1949 حكمت محكمة أول درجة بإحالة الدعوى إلى التحقيق، ليثبت الطاعن عن نفسه وبصفته أن مورثته تركت المنقولات والمصوغات سالفة الذكر، ومقدار ثمنها، وأن المطعون عليها الأولى والمرحوم عبد الوهاب فهمي قد استوليا عليها. وبعد سماع شهود الطرفين، وانقطاع سير الخصومة بوفاة المرحوم عبد الوهاب فهمي، واستئناف الدعوى سيرها ضد ورثته - المطعون عليهم - بناء على طلب الطاعن الأول، وتدخل الطاعن الثاني في الدعوى بشخصه بعد بلوغه سن الرشد، حكمت المحكمة بتاريخ 7/ 11/ 1964 برفض الدعوى. استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم 18 سنة 82 ق القاهرة، وطلبا القضاء بإلغائه وبأحقيتهما إلى نصيبهما عيناً وقدره 8/ 9 في المنقولات والمصوغات المبنية بصحيفة الدعوى أو قيمة استحقاقها نقداًَ وقدره 2300 ج. وبتاريخ 8/ 5/ 1966 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة دفعت فيها ببطلان الطعن تأسيساً على أن الطاعنين أعلنا المطعون عليهم الثاني والثامنة والتاسعة في النيابة دون أن يثبتا أنهما قاما بالتحريات الكافية للتقصي عن محل إقامة هؤلاء المطعون عليهم، مما يبطل هذا الإعلان ويؤدي إلى بطلان الطعن بالنسبة لهم، ويستتبع البطلان بالنسبة لباقي المطعون عليهم لأن الحكم صدر في موضوع غير قابل للتجزئة، وأبدت النيابة الرأي في الموضوع برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الدفع ببطلان الطعن في غير محله، ذلك أنه يبين من الأوراق أن الطاعنين حاولا إعلان تقرير الطعن للمطعون عليهم الثاني والثامنة والتاسعة في موطنهم المبين في الحكم المطعون فيه وهو شارع عامر رقم 10 بالدقي، فلم يجدهم المحضر في ذلك المحل، بل أخبره سعيد عبد الوهاب فهمي وهو أخوهم أنهم تركوا هذا المحل ولا يعرف موطنهم الجديد، فأعلنهم الطاعنان بالتقرير في النيابة، وإذ خلت أوراق الدعوى مما يستدل منه على أن الطاعنين لو بذلا جهداً آخر في التحري لاهتديا لموطن المطعون عليهم المذكورين، فإن الإعلان الذي تم في مواجهة النيابة في الظروف سالفة الذكر يكون صحيحاً.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد ينعى به الطاعنان على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب من وجهين، (أولهما) أن الحكم أقام قضاءه على أن أقوال شهودهما لا تؤيد صحة إدعائهما بأن المطعون عليها الأولى وزوجها المرحوم عبد الوهاب فهمي مورثها ومورث باقي المطعون عليهم قد استوليا على المنقولات والمصوغات موضوع الدعوى، هذا في حين أن هؤلاء الشهود قرروا أن المنقولات والمصوغات المخلفة عن مورثتهما المرحومة آمنه محمد شافعي بعد وفاتها كانت في حيازة والدتها السيدة حياة محمد كاشف التي كانت تقيم مع المطعون عليها الأولى وزوجها المرحوم عبد الوهاب فهمي، وظلت كذلك حتى توفيت في منزلهما، وأنه لم يعثر في تركتها على هذه المنقولات أو المصوغات، وأن عمال المرحوم عبد الوهاب فهمي نقلوا المنقولات المذكورة، وهو ما يدل على أن المطعون عليها الأولى وزوجها هما اللذان استوليا على هذه الأشياء لأن أحداً منهما لم يدع بأنها سرقت كما لم يبين الحكم مصيرها وهو ما يعيبه بمخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب (ثانيهما) أغفل الحكم التحدث عن دلالة الإقرار المؤرخ 10/ 7/ 1952 الصادر من السيدة شفيقة محمد كاشف، مع أنه ورد به أن الدعوى الأخرى وهي التي رفعتها المطعون عليها الأولى ووالدتها تطالبان الطاعنين بمصوغات مملوكة لها هي دعوى "منقلبة الوضع" وهذه العبارة يستفاد منها أن الطاعنين على حق في دعواهما وهو ما يعيب الحكم بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي في وجهه الأول مردود، ذلك أنه لما كان تقدير أقوال الشهود مرهوناً بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع، وله أن يأخذ ببعض أقوالهم دون البعض الآخر ولا سلطان لأحد عليه في ذلك، إلا أن يخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدي إليه مدلولها، وكان يبن من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه أنه بعد أن استعرض أقوال شهود الطرفين انتهى إلى أن أقوال شهود الطاعنين لا تكفي لإقناع المحكمة بصحة ادعائهما بأن المطعون عليها الأولى وزوجها المرحوم عبد الوهاب فهمي قد استوليا على المنقولات موضوع الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد أضاف إلى ذلك أن أقوال هؤلاء الشهود لا تؤيد صحة إدعاء الطاعنين دون أن يخالف الثابت بالأوراق فيما استخلصه من أقوالهم، فلا عليه إن هو لم ير في إقامة المطعون عليها الأولى وزوجها مع والدتها ما يبرر مسئوليتهما عما كان بحيازة هذه الوالدة من مصاغ المورثة ومنقولات طالما أن الدليل المستمد من هذه القرينة غير مقطوع بصحته. لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعنان بالوجه الأول لا يعدو أن يكون مجادلة في تقدير المحكمة لشهادة الشهود بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير تلك التي أخذ بها الحكم. والنعي في وجهه الثاني مردود أيضاً، ذلك أنه لما كان لقاضي الموضوع السلطة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى، وبحسبه أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله، فلا عليه بعد ذلك أن يتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطالباتهم ويرد استقلالاً على كل قول أو حجة أو طلب أثاروه ما دام قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها، فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات. لما كان ذلك، وكان ما استند إليه الحكم المطعون فيه على ما سلف بيانه في الرد على الوجه الأول يكفي لحمل قضائه برفض دعوى الطاعنين ويتضمن الرد المسقط للإقرار الصادر من السيدة شفيقة محمد كاشف، لما كان ما تقدم فإن النعي برمته يكون على غير أساس.