أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 22 - صـ 532

جلسة 22 من إبريل سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(83)
الطعن رقم 219 لسنة 36 القضائية

( أ ) نقض "أسباب الطعن. السبب المجهل".
عدم بيان الطاعن للمستندات التي يدعي إهدار الحكم لها، ودلالتها وأثرها في القصور المدعى به. نعي مجهل. غير مقبول.
(ب) موظفون. إثبات "عبء الإثبات".
علاقة الموظف بالسلطة العامة. علاقة تنظيمية. إدعاء الموظف خلاف الثابت في الأوراق. عليه عبء إثباته.
1 - إذا كانت الوزارة الطاعنة - في نعيها بأن الحكم أهدر دفاعها بحجة أنها لم تقدم الأدلة المؤيدة له في حين أنها قدمت مستنداتها - لم تحدد المستندات والوقائع المراد الاستدلال بها وإنما ساقت نعيها بشكل عام دون بيان مفردات تلك المستندات، ودلالة كل منها، وأثر ما تنسبه للحكم من القصور في قضائه، فإن النعي يكون مجهلاً وغير مقبول.
2 - من المقرر أن علاقة الموظف بالسلطة العامة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح التي تملك السلطة إصدارها في أي وقت تحقيقاً للمصلحة العامة. فإذا كان ما اتخذه رئيس البعثة الدبلوماسية هو إجراء مؤقت إلى أن تبت الوزارة في الأمر، وكان قد أخطر بعدم الموافقة على هذا الإجراء الذي اتخذه، فإن الطاعنة - وزارة الخارجية - تكون قد أثبتت أن السلطة المختصة لم توافق على الإجراء الذي اتخذه رئيس البعثة، وعلى هذا الأخير إن هو ادعى خلاف الثابت في الأوراق أن يقيم الدليل على ما يدعيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن وزارة الخارجية أقامت على الأستاذ محمد كامل البنداري الدعوى رقم 1825 سنة 1952 مدني كلي القاهرة طالبة إلزامه بأن يدفع لها مبلغ 5567 ج و636 م. وقالت بياناً للدعوى إن المدعى عليه كان رئيساً للبعثة الدبلوماسية المصرية لدى الاتحاد السوفيتي ولما أحيل إلى التعاقد تبين أنه مدين للوزارة بهذا المبلغ وإذ امتنع عن سداده فقد أقامت الدعوى بطلباتها سالفة الذكر. وبتاريخ 28/ 1/ 1964 حكمت المحكمة بإلزام المدعى عليه بأن يؤدي للوزارة المدعية مبلغ 132 ج و312 م قيمة مصاريف سفره من موسكو إلى واشنجطون. واستأنفت الوزارة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبة تعديله والحكم لها بباقي طلباتها وقيد استئنافها برقم 710 سنة 81 ق، وبتاريخ 20/ 2/ 1966 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف، وطعنت وزارة الخارجية في هذا الحكم بطريق النقض للسببين الواردين في التقرير وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً في خصوص السبب الثاني، وبالجلسة المحددة لنظره أمام هذه الدائرة صممت النيابة على رأيها الوارد في مذكرتها.
وحيث إن الطعن بني على سببين، تنعى الوزارة الطاعنة في أولهما على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم أهدر دفاعها بحجة أنها لم تقدم الأدلة المؤيدة له في حين أنها قدمت المستندات المثبتة لهذا الدفاع وهو ما كان يقتضي من الحكم تمحيصها والرد عليها، وإذ هو لم يفعل فإنه يكون قاصر البيان.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن الوزارة الطاعنة لم تحدد المستندات والوقائع المراد الاستدلال بها وإنما ساقت نعيها بشكل عام دون بيان مفردات تلك المستندات ودلالة كل منها وأثر ما تنسبه للحكم من القصور في قضائه ممل يجعله نعياً مجهلاً وغير مقبول.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال من وجوه. (أولها) أنه ذكر في خصوص ثمن المواد التموينية التي أرسلها المطعون عليه من محلات لاباس بالقاهرة إلى المفوضية في موسكو أن الوزارة أقرت في دفاعها بأنها درجت على إرسال بعض المواد التموينية إلى مفوضياتها، واستظهر الحكم من ذلك أن دفع قيمة المواد التموينية ونفقات شحنها كان من الوزارة على سبيل التبرع في حين أن ما ذكرته الوزارة لا يؤدي إلى تلك النتيجة لأنها قالت إنها وإن كانت قد دفعت ثمن تلك المواد بناء على طلب المطعون عليه، إلا أنها قيدت الثمن ضمن العهد تحت التحصيل، وما ذكره الحكم من أن الوزارة لم تقدم المكاتبات الخاصة بهذا الشأن ودفتر توزيع تلك المواد على موظفي المفوضية هو انسياق وراء دفاع المطعون عليه لأن هذه الأوراق لا وجود لها (وثانيها) إن الطاعنة طلبت رد المبلغ الذي أمر المطعون عليه بصرفه لنفسه تعويضاً له عن الضرر الذي لحق به من جراء صدور قانون الإصلاح النقدي للاتحاد السوفيتي في سنة 1947 والذي تضمن استبدال عملة جديدة بالعملة القديمة بتخفيض يبلغ الثلث، وقد رأي المطعون عليه باعتباره رئيساً للبعثة أن يعوض الموظفين عن هذه الخسارة وصرف ما قدره لنفسه من التعويض، وهو اغتصاب منه لسلطة الدولة التي تنفرد وحدها بمنح هذا التعويض، وقد ذكر المطعون عليه في دفاعه الخاص بمطالبته برد هذا المبلغ أن الدولة - ممثلة في رئيس حكومتها - قد وافقت على هذا الإجراء، وأخذ الحكم المطعون فيه بهذا الدفاع وأوجب على الوزارة أن تقيم الدليل على عكسه، وبذلك أعفى من يدعي براءة الذمة من إثبات تلك البراءة، وهو منه خطأ ومخالفة القواعد الإثبات (وثالثها) الحكم قد جرى في قضائه بالنسبة للمبالغ المتعلقة بأجرة سفر المطعون عليه من موسكو إلى القاهرة وبدل السفر الذي تقاضاه في الفترة من 15/ 3/ 1948 إلى 23/ 6/ 1948 على أنه كان في مهمة رسمية، مع أنه كان في إجازة اعتيادية لمدة ثلاثة شهور وهو ما لا يجوز معه تحمل نفقات السفر أو صرف بدل إقامة، وقد أخذ الحكم بدفاع المطعون عليه في هذا الشأن مع أن الثابت في الأوراق أنه كان في إجازة اعتيادية (ورابعها) أنه فيما يتعلق بالمبالغ التي صرفها المطعون عليه من أموال المفوضية على أن يسددها فيما بعد فقد ذكر الحكم أن مجرد استلام تلك المبالغ لا ينهض دليلاً على مديونيته بها لأنه كان دائناً للوزارة بمرتبه ومخصصاته الوظيفية، وهذا من الحكم قصور وفساد في الاستدلال، لأن تلك المبالغ لم تسحب وفاء لمرتب أو مخصصات وإنما سحبت بناء على طلب المطعون عليه كدين عليه تعهد بسداده فيما بعد وقدمت الوزارة ما يدل على ذلك، ولكن الحكم أهدر دلالة المستندات في هذا الشأن.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه الأول منه، ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه في أسبابه ذكر عن ثمن المواد التموينية المرسلة من محلات لاباس إلى المفوضية المصرية بموسكو أن الدفاع عن المدعى عليه أورد في مذكرته أنه "انتهز فرصة وجوده في القاهرة لكي يحمل إلى أولى الأمر شكوى موظفي المفوضية من الارتفاع الباهظ في الأسعار الذي كان سائداً في موسكو في ذلك الوقت والذي يثقل كاهل هؤلاء الموظفين ويقعدهم بسبب ضآلة المرتبات التي كانوا يتقاضونها وعدم تمشيها مع حالة الغلاء عن الوفاء بمطالب الحياة الأساسية في بلد يفترض أنهم يمثلون وطنهم فيه وقد أشارت عليه الوزارة، وهي راغبة في رفع علاوات غلاء المعيشة لهم، بأن يدبر شراء ما يلزمهم من مؤن وحاجيات من مصر على أن تساعدهم في ذلك وهي في سبيل نقلها إلى موسكو، وتنفيذاً لذلك أعد المدعى عليه قائمة بالأشياء التي قدر حاجته وحاجة موظفي المفوضية إليها، وأوصى بإرسالها إلى المفوضية، ونظرة واحدة إلى هذه القائمة تشهد بالغرض المقصود منها، فقد كان المدعى عليه يقيم وحده في موسكو في ذلك الوقت، ومن غير المعقول أن يكون قد طلب لاستعماله الشخصي فقط 520 رطلاً من المسلي و400 أقة من السكر و200 أقة من الدقيق و24 زجاجة خل و400 أقة من الأرز وستة عشر صندوقاً من الصابون، خصوصاً وقد كان المدعى عليه على وشك الإحالة إلى المعاش لبلوغه سن الستين ولم يكن قد بقي له في منصبه - كما يشهد ملف خدمته - سوى أشهر معدودات، وقد أعد في المفوضية حساب خاص يقيد فيه ما يسحبه كل موظف... وقد عقبت الوزارة على دفاع المدعى عليه بأنه جرت عادة الوزارة في ذلك الحين على إرسال مواد تموينية إلى موظفيها بالخارج وذلك عند طلبها على أن تقوم بشحنها وصرف تكاليفها ثم مطالبة صاحب الشأن بها.. وأن قول المدعى عليه إنه وزعها على الموظفين فهو عمل شخصي وما عليه إلا الرجوع على الموظفين شخصياً، وإذ كان هذا هو الثابت فإنه يستفاد أن هذا العمل الذي جرت عليه عادة الوزارة في ذلك الحين هو مساهمة منها في تخفيض أعباء الحياة المعيشية المرتفعة وعلى سبيل التبرع"، وما ذكره الحكم هو استخلاص موضوعي سائغ، ذلك أن كمية المواد التموينية وطبيعتها وأداء وزارة الخارجية لثمنها وقيامها بشحنها على نفقتها تدل على أن الوزارة كانت على بينة من أن تلك المواد أرسلت بقصد توزيعها على رجال المفوضية وأن رئيس البعثة لا يختص بها دون سواه وأن كلاً منهم مسئول عن ثمن ما استهلكه، ولا يغير من الأمر شيئاً أن تكون الوزارة قد قيدت الثمن ضمن العهد تحت التحصيل لأن ذلك لا يعني مسئولية رئيس البعثة وإنما يعني تحصيلها من الموظفين، كل على قدر استهلاكه، ولا يعيب الحكم ما تطرق إليه من أن الوزارة إنما أرسلت تلك المواد على سبيل التبرع لأن هذه العبارة تعتبر من قبيل التزيد الذي يستقيم الحكم بدونه، وإذ كان ذلك فإنه لا رقابة لمحكمة النقض على هذا الاستخلاص السائغ، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه في هذا الشأن على غير أساس. والنعي في وجوهه الثلاثة الأخرى صحيح، ذلك أنه فيما يتعلق بالمبلغ الذي أمر المطعون عليه بصرفه لنفسه كتعويض له عن الضرر الذي لحقه من قانون الإصلاح النقدي للاتحاد السوفيتي، فقد أقام الحكم قضاءه في هذا الشأن على ما قاله الحكم الابتدائي من أن المطعون عليه يقول في دفاعه "إنه قابل رئيس الحكومة وقتئذ وأقره على هذا التصرف، وبذا يكون قد أقر صدور هذا القرار الإداري منه واعتبره صحيحاً وهو في قوله هذا مصدق، ولم تقدم الحكومة ما ينفي ذلك أو يدحضه، بل إن البادي من تعقيبها على دفاعه أنه كان على حق في إصدار ذلك القرار في تلك الظروف الملحة إذ قررت وزارة المالية بعد ذلك في 4/ 5/ 1948 تعديل فئات إعانة غلاء المعيشة للظروف والنظم المالية الموجودة في روسيا اعتباراً من 16/ 12/ 1947 وهو تاريخ صدور القرار المشار إليه" ولما كان الثابت من الاطلاع على الملف الإداري لأعضاء المفوضية المصرية في موسكو والمقدم بالحافظة الخامسة للطاعن - وقد كان معروضاً على محكمة الاستئناف - أن المطعون عليه أخطر وزارة الخارجية بالإجراءات التي اتخذها الاتحاد السوفيتي لاستبدال عملة جديدة بالعملة القديمة وطلب زيادة إعانة غلاء المعيشة بنسبة 120% لمواجهة تلك الإجراءات، ثم أخطر الوزارة في 3/ 1/ 1948 بأنه اضطر لأن يرخص لكل موظف بصرف نصف المبلغ الذي صودر منه وذلك بصفة مؤقتة على أن يصرف النصف الباقي بعد موافقة الوزارة، ثم عاد وصرف النصف الآخر بعد أن تأخر رد الوزارة عليه وأخطر الوزارة بذلك، وعلل تصرفه ذاك بالحالة السيئة التي أصبح الموظفون عليها، وبتاريخ 23/ 12/ 1948 أخطر وكيل وزارة الخارجية المطعون عليه بأن وزارة المالية لم توافق على إجراء المفوضية ورأت ضرورة تحصيل المبالغ السابق صرفها، وذلك اكتفاء بما تقرر من تعديل فئات غلاء المعيشة اعتباراً من اليوم الذي صدر فيه قانون استبدال العملة، وقد اعترض المطعون عليه على هذا القرار وبين أن إجراء وزارة المالية لا علاقة له بالمبالغ المصادرة وإنما هو يواجه آثار تحديد سعر جديد للروبل بالنسبة للدولار وللجنيه الإسترليني، وإذ كان ذلك وكان من المقرر أن علاقة الموظف بالسلطة العامة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح التي تملك السلطة إصدارها في أي وقت تحقيقاً للمصلحة العامة، وكان ما اتخذه رئيس البعثة هو إجراء مؤقت إلى أن تبت الوزارة في الأمر وكان قد أخطر بعدم الموافقة على هذا الإجراء الذي اتخذه، إذ كان ذلك فإن الطاعنة تكون قد أثبتت أن السلطة المختصة لم توافق على الإجراء الذي اتخذه رئيس البعثة وعلى هذا الأخير أن إن هو ادعى خلاف الثابت في الأوراق أن يقيم الدليل على ما يدعيه، ولما كان الحكم المطعون فيه قد اتخذ من عدم إثبات الوزارة عدم صحة ما يدعيه المطعون عليه من أن رئيس الحكومة المصرية في ذلك الوقت قد أقر الإجراء الذي اتخذه دليلاً على صحة هذا الادعاء، فإنه يكون قد ألقى على الوزارة عبء إثبات واقعة ليست مكلفة بإثباتها، وكان الظاهر ينفيها إذ أن المطعون عليه كتب لوزارة الخارجية في 2/ 2/ 1949 يعترض فيه على قرارها ولم ينسب إلى رئيس الحكومة موافقته على هذا الإجراء الذي اتخذه، مع أن هذه الموافقة - حسبما جاء في دفاعه - كانت سابقة على هذا الكتاب فإن الحكم بذلك يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
والنعي في شقه الخاص بالمبلغ الذي صرفه مقابل أجرة سفره إلى القاهرة وبدل الإقامة فيها سديد أيضاً، ذلك أن الحكم الابتدائي بعد أن استعرض دفاع المطعون عليه بشأن سفره إلى مصر في سنة 1948 ذكر أن البادي من دفاعه المذكور والبرقيتين اللتين أرسلهما إلى الوزارة قبل سفره أن استدعاءه إلى مصر كان بسبب أعمال متصلة بعمله ولم تقدم الوزارة ما ينفي ذلك وأن استدعاءه كان بسبب قيامه بإجازة اعتيادية، ومن ثم تكون المبالغ المطلوبة مقابل هذا البند عارية عن أي دليل يؤيدها. ولما كان يبين من الاطلاع على ملف خدمة المطعون عليه - الذي كان معروضاً على محكمة الاستئناف - أن المطعون عليه بعد أن استأذن من وزارة الخارجية في السفر إلى مصر للاتصال بوزارة الخارجية عاد وطلب بالبرقية المؤرخة 24/ 1/ 1948 أنه بالإضافة إلى الاعتبارات السابقة فإن حالته الصحية تستوجب قيامه من موسكو، وقد رد عليه وزير الخارجية بالبرقية المؤرخة 29/ 1/ 1948 بأنه وافق على منحه إجازة لمدة ثلاثة شهور من أول مارس فرد عليه ببرقية شكر مؤرخة 30/ 1/ 1948، وقد أخطرت إدارة المستخدمين بأنه رخص للمطعون عليه بإجازة اعتيادية ابتداء من 15/ 3/ 1948 إلى 14/ 6/ 1948، وطلبت قطع ربع مرتب بدل التمثيل أثناء الإجازة، وهذه المستندات دالة بذاتها على أن حضوره إلى مصر كان بسبب منحه إجازة اعتيادية، ويكون ما قرره الحكم من أن الوزارة لم تقدم ما يدل على أن استدعاءه كان بسبب إجازة اعتيادية مخالفاً الثابت في الأوراق. والنعي في شقه المتعلق بالمبالغ التي صرفها المطعون عليه من أموال المفوضية سديد، ذلك أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد استند في رفض هذا الشق من الطلبات على أن المطعون عليه "كان دائناً للوزارة بمرتبه وبالأنواع المختلفة من الأموال المستحقة له بحكم عمله، وأنه لا يكفي في علاقة مستمرة تتناوب فيها الحقوق والالتزامات على هذا النحو وتتابع أن تقدم الوزارة ما يفيد تسليم المطعون عليه الأول مبالغ معينة لكي تثبت هذه المبالغ في ذمته، ولم تقدم الوزارة كشفاً شاملاً يفصح عما ترتب في ذمته من حقوق وما تحمل من الالتزامات مشفوعاً بالإيضاحات الكاملة التي تبين أصل كل دين وطبيعته معززاً بالمستندات التي تنهض على صحته وذلك كله موجود في الملف المالي للمفوضية الذي لم تقدمه الوزارة وعلى ذلك فإن الوزارة لم تقدم الدليل المقنع على ثبوت تلك المبالغ في ذمته، وتكون مطالبتا بهذه المبالغ عارية عن الدليل" ولما كان الثابت من الاطلاع على الملف الخاص بأعضاء المفوضية أن كل مخصصات المطعون عليه كانت تصرف من الوزارة إلى البنك الأهلي بالقاهرة وأن المطعون عليه أرسل إلى وزارة الخارجية في 30/ 9/ 1948 خطاباً يذكر فيه أنه سحب مبلغ 1054 حـ ك و7 ش و6 ب وأنه أرسل برقية بدفع هذا المبلغ للوزارة بشيك مسحوب على البنك الأهلي، وأنه نظراً للظروف الاستثنائية التي يصعب معها تحديد مبلغ معين لنفقاته الشهرية فإنه يحتاج من وقت إلى آخر مبالغ إضافية وأنه يزمع أخذها من اعتمادات المفوضية على أن تدفع بشيك إلى الوزارة وذلك تفادياً من صعوبة فتح الاعتمادات وعدم تراكم رصيد ضخم له في موسكو يصعب الاستفادة به في الخارج، ولما طلبت الوزارة بتاريخ 4/ 5/ 1949 كشفاً بالمبالغ التي صرفها حتى أخر إبريل من السنة نفسها أرسل ذلك الكشف بتاريخ 2/ 6/ 1949، ومن ثم فإنه يبين أن كل ما كان يستحقه لدى الوزارة كان يحول إلى البنك الأهلي، وأن كل ما استلمه من المفوضية كان ديناً عليه، وإذ كان الحكم قد أهدر دلالة تلك المستندات فإنه يكون مشوباً بالقصور.