مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والأربعون (من أول أكتوبر سنة 1998 إلى آخر سبتمبر سنة 1999) - صـ 121

(9)
جلسة 14 من نوفمبر سنة 1998

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد يسري زين العابدين - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: عويس عبد الوهاب عويس - ومحمود سامي الجوادي - ومصطفى محمد عبد المنعم - ولبيب حليم لبيب - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1360 لسنة 38 قضائية عليا

مجلس الدولة - أسباب عدم صلاحية القضاة لنظر الدعوى
أثر إبداء عضو المحكمة رأيه عندما كان مفوضاً للدولة
المواد أرقام 64، 65، 68، 72، 165، 166، 169 من الدستور المواد أرقام 146، 147 من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968.
إن هيئة مفوضي الدولة بمجلس الدولة ولئن كانت لا تتولى إصدار أحكام في القضايا والمنازعات التي تقضي فيها محاكم مجلس الدولة بل تقوم بتحضير الدعوى وإعدادها للمرافعة وإبداء الرأي القانوني مسبباً بتقرير غير ملزم للمحكمة، إلا أن أعضاء هذه الهيئة وهم أعضاء بمجلس الدولة يؤدون واجبهم في هذا الشأن باعتبارهم أعضاء بمجلس الدولة بتجرد القضاة وحيدتهم وباعتبار أن الهيئة التي يشاركون في تكوين أدائها وإعمال رسالتها جزء من كيان مجلس الدولة وتمثل في تشكيل المحاكم المختصة ومن ثم فإنهم يخضعون بالحكم والضرورة للمبادئ العامة الأساسية التي تحكم استقلال القاضي وحيدته وتجرده في أداء واجبة وتحقيق رسالته في إقامة العدالة وإعلاء سيادة القانون، وبالتالي فإن إعداد تقرير هيئة مفوضي الدولة في أية دعوة يجعل من يشارك في ذلك من أعضائها غير صالح لنظرها والفصل فيها بذاتها بعد ذلك كقاضٍ جالس في إحدى محاكم مجلس الدولة وذلك لفقده الصلاحية لأداء رسالة القاضي في دعوى أبدى رأيه كمفوض فيها مثله في ذلك مثل باقي أعضاء المحكمة التي تفصل في الدعوى في تشكيل المحكمة التي تتولى ذلك. تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 21/ 4/ 1992 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن وزير الري بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في حكم محكمة القضاء الإداري بأسيوط الصادر بجلسة 26/ 2/ 1992 في الدعويين رقمي 2679، 2681 لسنة 1 ق والذي قضى بقبول الدعويين شكلاً وبإلغاء تقرير الكفاية المطعون فيه عن عام 1986 فيما تضمنه من تقرير كفاية المدعي بمرتبة ضعيف ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات وألزمت المدعي والجهة الإدارية المصروفات مناصفة.
وطلب الطاعن بصفته في ختام تقرير الطعن وللأسباب الواردة به. الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً ببطلانه مع إلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب عن درجتي التقاضي.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع ببطلان الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بالدعوى رقم 2679 لسنة 1 ق قضاء إداري أسيوط والمقيدة بمحكمة القضاء الإداري بالقاهرة تحت رقم 6312 لسنة 41 ق بتوافر سبب البطلان بها دون غيرها وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة.
وتحدد لنظر الطعن أمام الدائرة الثانية "فحص الطعون" جلسة 28/ 7/ 1997 وتدوّل أمامها على النحو الموضح بمحاضرها إلى أن قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثانية موضوع لنظره بها بجلسة 20/ 12/ 1997 وبها نظر وتدوّل أمامها على النحو الموضح بمحاضر الجلسات إلى أن قررت بجلسة 17/ 1/ 98 إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق أنه بتاريخ 15/ 11/ 1986 أقام المطعون ضده (المدعي) الدعوى رقم 655 لسنة 41 ابتداءً أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة وطلب في ختام عريضتها الحكم بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء تقرير كفايته عن عام 1985 بتقدير جيد وتقدير كفايته بمرتبة ممتاز عن هذا العام مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وتنفيذاً لقرار المستشار رئيس مجلس الدولة رقم 121 لسنة 89 بإنشاء دائرة لمحكمة القضاء الإداري بأسيوط أحيلت الدعوى إلى هذه المحكمة حيث قيدت بجدولها تحت رقم 2681 لسنة 1 ق.
كما أنه وبتاريخ 14/ 9/ 87 أقام الدعوى رقم 6312 لسنة 41 ابتداءً أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة طالباً في ختام عريضتها الحكم بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء تقرير كفايته عن عام 1986 بمرتبة ضعيف مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه قبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع إلغاء التقرير المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار.
وتنفيذاً لقرار رئيس مجلس الدولة بإنشاء دائرة لمحكمة القضاء الإداري بأسيوط سالف الإشارة إليه أحيلت هذه الدعوى إلى المحكمة المذكورة حيث قيدت بجدولها تحت رقم 2679 لسنة 1 ق.
وتدول نظر الدعويين أمام محكمة القضاء الإداري بأسيوط على النحو المبين بمحاضر الجلسات إلى أن قررت المحكمة بجلسة 26/ 6/ 1991 ضم الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد. وبجلسة 22/ 2/ 1992 صدر حكم محكمة القضاء الإداري بأسيوط والمطعون فيه وشيدت قضاءها على أساس أنه بالنسبة لتقرير كفاية المدعي عن عام 85 وتقديره بمرتبة جيد فالبين من الأوراق أنه صدر القرار رقم 32 لسنة 85 بمجازاته بخصم يومين من راتبه، كما صدر القرار رقم 29 لسنة 85 بمجازاته بخصم نصف يوم من راتبه لتركه العمل دون إذن وتم ذلك خلال فترة التقرير ومن ثم فإن تقدير جهة الإدارة لكفايته على النحو المتقدم يكون قائماً على أسباب تبرره قانوناً ويكون الطعن عليه غير قائم على أساس سليم من القانون جديراً بالرفض.
وفيما يتعلق بطلب المدعي بإلغاء تقرير كفايته عن عام 86 بمرتبة ضعيف فإن المدعي أنكر قيام الجهة الإدارية بإخطاره بأوجه النقص في أدائه أولاً بأول ولم تدحض الجهة الإدارية ذلك كما لم يثبت من الأوراق أنها قامت بهذا الإجراء بل إنها نكلت عن تقديم المستندات رغم تكرار التأجيل لهذا السبب أكثر من مرة ومن ثم فإن تقرير كفاية المدعي المطعون عليه يكون قد صدر مخالفاً لحكم القانون الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغائه.
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الطاعن فنعى عليه بمخالفة أحكام القانون والخطأ في تطبيقه حيث إن الثابت من الأوراق أن السيد الأستاذ المستشار/ ....... عضو المحكمة المطعون في حكمها سبق أن أبدى رأيه في الدعوى رقم 6312 لسنة 41 والتي قيدت برقم 2679 لسنة 1 ق قضاء إداري أسيوط وذلك إبان عمله مفوضاً للدولة بمحكمة القضاء الإداري بالقاهرة دائرة الجزاءات ومن ثم فإنه يكون غير صالح لنظر الدعوى المطعون على حكمها عملاً بحكم الفقرة الخامسة من المادة 146 من قانون المرافعات المدنية والتجارية وكان يتعين عليه التنحي عن نظرها وإذ لم يفعل واشترك في إصدار الحكم المطعون فيه فإن الحكم يقع باطلاً.
ومن حيث إنه وفقاً لصريح أحكام الدستور فإن السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون من قضاة مستقلين لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو في شئون العدالة (المواد 165، 166، 169) وأن استقلال القاضي وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات وحق الدفاع أصالة أو بالوكالة لكل إنسان وتصدر هذه الأحكام القضائية وتنفذ باسم الشعب ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون (المواد 64، 65، 68، 72) ومن ثم فإنه من المبادئ العامة الأساسية في تنظيم القضاء المصري حتمية توفير الصلاحية في القاضي لنظر الدعوى بأن يكون مستقلاً ومحايداً وَخَالِيَ الذهن عن موضوع المنازعة لا يلزمه رأي أو يحرجه سلوك أو موقف أو صلة بالخصوم ولا يُلَزَمُ مسبقاً برأي فيما هو مطروح عليه من نزاع للفصل فيه كامل الهيبة باستقلال ضميره يرتفع على منصة القضاء بمباشرة ولايته على كل خصم وكل خصومة، ولاؤه واحترامه لسيادة الدستور والقانون، وغايته وهدفه أداء رسالته في إقامة العدالة بين المواطنين، وإعلاء كلمة الحق في ربوع وطنه وإزهاق كل تصرف أو عمل باطل وإنصاف كل مظلوم.
ومن حيث إنه تطبيقاً لهذه المبادئ الأساسية التي ورد عليها النص صراحة في الدستور تمكيناً للقضاء من أداء رسالته ومباشرة ولايته نصت المادة 146 من قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 بأن يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم في أحوال معينة من بينها ما تقرره الفقرة (5) منها والتي تحدد إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى، أو كتب فيها ولو كان من قبل اشتغاله بالقضاء، أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان قد أدى شهادة فيها.
وتنص المادة 147 من القانون المذكور على أنه "يقع باطلاً عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر ولو تم باتفاق الخصوم. وإذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى.
ومن حيث إنه ولئن كانت هيئة مفوضي الدولة بمجلس الدولة لا تتولى إصدار أحكام في الأقضية والمنازعات التي تقضي فيها محاكم مجلس الدولة بل تقوم بتحضير الدعوى وإعدادها للمرافعة وإبداء الرأي القانوني مسبباً بتقرير غير ملزم للمحكمة تودعه فيها، فإن أعضاء هذه الهيئة وهم أعضاء بمجلس الدولة يؤدون واجبهم في هذا الشأن باعتبارهم أعضاء بمجلس الدولة بتجرد القضاة وحيدتهم وباعتبار أن الهيئة التي يشاركون في تكوين أدائها وإعمال رسالتها جزء من كيان مجلس الدولة وتمثل في تشكيل المحاكم المختصة ومن ثم فإنهم يخضعون بالحكم والضرورة للمبادئ العامة الأساسية التي تحكم استقلال القاضي وحيدته وتجرده في أداء واجبه وتحقيق رسالته في إقامة العدالة وإعلاء سيادة القانون، وبالتالي فإن إعداد تقرير هيئة مفوضي الدولة في أية دعوى يجعل من يشارك في ذلك من أعضائها غير صالح لنظرها والفصل فيها بذاتها بعد ذلك كقاضٍ جالس في إحدى محاكم مجلس الدولة. وذلك لفقده الصلاحية لأداء رسالة القاضي في دعوى أبدى رأيه كمفوض فيها مثله في ذلك مثل باقي أعضاء المحكمة التي تفصل في الدعوى في تشكيل المحكمة التي تتولى ذلك.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن السيد المستشار/ ..... كان عضواً في هيئة محكمة القضاء الإداري بأسيوط والتي نظرت الدعويين رقمي 2681 لسنة 1، 2679 لسنة 1 ق وأصدرت فيهما حكمها المطعون عليه رغم أنه سبق أن أبدى رأيه في الدعوى الأخيرة عندما كان مفوضاًَ لدى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة دائرة الجزاءات وكانت هذه الدعوى مقيدة بجدولها تحت رقم 6312 لسنة 41 وقد تم اعتماده وإيداعه باسم هيئة مفوضي الدولة شهر نوفمبر 1988.
ومن حيث إن الطعن ينصب على بطلان الحكم المطعون فيه فيما قضى به في الدعوى رقم 2679 لسنة 1 ق من قبولها شكلاً وإلغاء تقرير كفاية المطعون ضده لسبق إبداء عضو المحكمة السيد المستشار في الدعوى رقم 6312 لسنة 41 والتي أقيمت برقم 2679 لسنة 1 ق قضاء إداري بأسيوط.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم وإذ ثبت على الوجه الذي سلف بيانه أن أحد أعضاء المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه وهو المستشار/ ....... قد لحق به سبب من أسباب عدم الصلاحية لنظر الدعوى رقم 2679 لسنة 1 ق فإنه يبطل تشكيل المحكمة ويبطل بالتالي كل ما يصدر عنها من إجراءات وأحكام بشأن ذات الدعوى ومن ثم فإن الحكم الطعين يكون قد صدر باطلاً ويتعين لذلك القضاء بإلغائه فيما قضى به بالنسبة للدعوى سالفة البيان.
ومن حيث إنه رغم هذه الدعوى قد تكون مهيأة للفصل في موضوعها فإنه لا وجه للقول بأن المحكمة الإدارية العليا تتصدى في هذه الحالة لنظرها والحكم فيها ذلك لأنه من الأسس الحاكمة للنظام العام القضائي لمحاكم مجلس الدولة أن محكمة القضاء الإداري وإن كانت تصدر أحكاماً نهائية واجبة النفاذ فإنها يجوز الطعن عليها أمام هذه المحكمة إذا شابها عيب مخالفة الحكم لصحيح أحكام القانون. وحتى يتحقق التطبيق السليم للقانون فإنه يتعين لقيام المحكمة الإدارية العليا بحقها في التصدي للفصل في موضوع الدعوى أن يكون الحكم الطعين صادراً من محكمة القضاء الإداري من هيئة مشكلة تشكيلاً صحيحاً ولم يقم بأحد أعضائها سبب من أسباب عدم الصلاحية لنظر الدعوى الأمر الذي يتعين معه إعادة الدعوى رقم 2679 لسنة 1 ق لمحكمة القضاء الإداري بأسيوط للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى.
ومن حيث وإذ لم يتم الفصل في الدعوى فإنه يتعين إبقاء الفصل في المصروفات تطبيقاً للمادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به في الدعوى رقم 2679 لسنة 1 ق وأمرت بإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بأسيوط للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى وأبقت الفصل في المصروفات.