أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 14 - صـ 708

جلسة 23 من مايو سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ الحسيني العوضي، وبحضور السادة المستشارين: محمود القاضي، وأميل جبران، ولطفي علي، ومحمد ممتاز نصار.

(101)
الطعن رقم 207 لسنة 28 القضائية

( أ ) وقف "التصرف في الأعيان الموقوفة" بطلان. بيع.
عدم جواز التصرف في الأعيان الموقوفة بأي نوع من أنواع التصرفات. بيع المستحق لأعيان الوقف باطل بطلاناً مطلقاً لا تلحقه الإجازة.
(ب) وقف "قرار إنهاء الوقف المتخرب". "طبيعته". "أثره".
قرار إنهاء الوقف لتخربه وعدم إغلاله قرار منشئ للحق لا مقرر له. لا تزول عن الأعيان الموقوفة حصانتها إلا من تاريخ صدوره. ليس من شأن ذلك القرار تصحيح البطلان الذي لحق بالتصرف في الأعيان الموقوفة السابقة على صدوره.
(ج) وقف "التصرف في الأعيان الموقوفة". "القانون 180/ 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات".
لم يتضمن القانون 180/ 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات أي نص على إجازة التصرفات في الأعيان الموقوفة السابقة على صدوره وتصحيحها.
(د) عقد "المفاضلة بين عقدين". "مناطها".
مناط المفاضلة بين عقدين أن يكونا صحيحين. لا محل لهذه المفاضلة متى كان أحدهما باطلاً بطلاناً مطلقاً.
(هـ) حكم. "عيوب التدليل". "قصور". "ما لا يعد كذلك".
تقرير الحكم بأن مجال بحث دفاع الطاعن المؤسس على أن عقده كان معلقاً على شرط قد تحقق هو ألا يكون العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً. إغفال الحكم الرد على هذا الدفاع لا يعيبه.
1 - تقضي القواعد الشرعية - على ما جرى به قضاء النقض - بوجوب المحافظة على أبدية الأموال الموقوفة لتبقى على حالها على الدوام محبوسة أبداً عن أن يتصرف فيها بأي نوع من أنواع التصرفات - فإذا ما تصرف المستحق في أعيان الوقف بالبيع فإن هذا التصرف يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً لوقوعه على مال لا يجوز التعامل فيه بحكم القانون ومن ثم فلا تلحقه الإجازة.
2 - القرار الصادر بإنهاء الوقف لتخربه وعدم إغلاله استناداً إلى المادة 18 من القانون 48 لسنة 1946 هو قرار منشئ للحق لا مقرر له، فلا تزول عن الأعيان الموقوفة حصانتها إلا من تاريخ صدوره وليس من شأنه لو صدر بعد التصرف في الأعيان الموقوفة أن يصحح البطلان الذي لحق بذلك التصرف.
3 - لم يتضمن القانون 180/ 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات أي نص على إجازة التصرفات في الأعيان الموقوفة السابقة على صدوره وتصحيحها.
4 - مناط المفاضلة بين عقدين أن يكونا صحيحين، فلا محل لهذه المفاضلة متى كان أحدهما باطلاً بطلاناً مطلقاً.
5 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن مجال بحث دفاع الطاعن المؤسس على أن عقده كان معلقاً على شرط قد تحقق هو إنهاء الوقف - ألا يكون العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً، فإن النعي الحكم إغفاله الرد على هذا الدفاع يكون غير منتج.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 27 سنة 1955 مدني كلي دمنهور ضد المطعون عليهما الأولى والثانية وأعلنهما بصحيفتها في 15/ 1/ 1955 وسجلها في 19/ 1/ 1955 وطلب فيها الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع العرفي المؤرخ 20/ 5/ 1950 عن العقارات الموضحة الحدود والمعالم بها، وقال شرحاً لدعواه إن المطعون عليهما الأولى والثانية باعتاه الأولى بحق ستة قراريط مشاعة في 24 قيراطاً والثانية 13 سهماً شائعة في 24 قيراطاً في وقف المرحوم حسنين بشارة بواقع سعر المتر الواحد 400 قرش ولما طالبهما بتوقيع العقد النهائي امتنعتا فلم يجد مندوحة من إقامة دعواه. وفي 25/ 2/ 1955 رفعت المطعون عليها الثالثة الدعوى رقم 115 سنة 1955 مدني كلي دمنهور ضد المطعون عليها الأولى قالت في صحيفتها إنها باعتها بموجب عقد بيع عرفي مؤرخ 25/ 12/ 1954 ستة قراريط مشاعاً في الأعيان موضوع الدعوى رقم 27 سنة 1955 مدني كلي دمنهور بثمن قدره 280 ج دفع بمجلس العقد ولما لم تعد البائعة مستنداتها رغم تكرار طلبها لإنجاز العقد النهائي فإنها لم تجد بداً من إقامة دعواها طالبة فيها الحكم بصحة ونفاذ العقد المذكور وتدخلت خصماً ثالثاً في الدعوى رقم 27 سنة 1955 طالبة رفضها كما تدخل الطاعن في دعواها رقم 115 سنة 1955 طالباً رفضها، ومحكمة الدرجة الأولى بعد أن قررت ضم الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد قضت بتاريخ 24/ 1/ 1956 حضورياً: أولاً - في الدعوى رقم 27 سنة 1955 مدني كلي دمنهور بقبول السيدة عزيزة خليل حسنين بشارة (المطعون عليها الثالثة) خصماً ثالثاً في الدعوى وبرفض الدعوى وألزمت المدعي فيها (الطاعن) بالمصاريف و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة للخصم الثالث: وثانياً - في الدعوى رقم 115 سنة 1955 مدني كلي دمنهور قضت بقبول زكي محمد مسعود (الطاعن) خصماً ثالثاً في الدعوى وبإثبات صحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 25/ 12/ 1954 الصادر من السيدة هانم علي حسنين بشارة (المطعون عليها الأولى) إلى عزيزة خليل حسنين (المطعون عليها الثالثة) عن بيع الحصص والمقادير في الثلاث منازل الموضحة معالمها وأوصافها بالصحيفة نظير الثمن المسمى وقدره 280 جنيهاً - واستندت في قضائها هذا إلى أن العقارات الموضحة في عقد البيع الابتدائي الرقيم 20/ 5/ 1950 الصادر للطاعن من المطعون عليهما الأولى والثانية كانت وقت التعاقد عليها وقفاً وبيعاً على تلك الصورة وقع باطلاً بطلاناً مطلقاً لا تصححه أية إجازة لاحقة استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 320 سنة 12 ق مدني الإسكندرية طالباً إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من قبول المطعون عليها الثالثة خصماً ثالثاً في الدعوى المقامة منه رقم 27 سنة 1955 مدني كلي دمنهور وفيما قضى به من رفض الدعوى المذكورة والحكم بإثبات التعاقد في عقد البيع الابتدائي الصادر له من المطعون عليهما الأولى والثانية والمؤرخ 20/ 5/ 1950 وضمن أسباب استئنافه أن القرار الذي تصدره المحكمة الشرعية بإنهاء الوقف المتهدم والذي لا يغل ريعاً هو كاشف للحق مقرر له وبذلك يمكن بيعه قبل صدور القرار كما عاب على محكمة الدرجة الأولى إغفالها الرد على ما أثاره أمامها من أن عقده على أسوأ الفروض بيع معلق على شرط واقف هو إنهاء الوقف بحكم أو قرار وقد تم ذلك فعلاً وتحقق الشرط بصدور قانون حل الأوقاف على غير الخيرات وأن المطعون عليها الثانية أقرت بجلسة 8/ 2/ 1955 بالبيع الصادر منها إليه وصادقته على دعواه ورغم ذلك قضت محكمة الدرجة الأولى برفض الدعوى - وبتاريخ 22/ 3/ 1958 قضت المحكمة الاستئنافية حضورياً بتأييد الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن المصروفات و10 جنيهات مقابل أتعاب المحاماة يؤديها للمستأنف عليها الثالثة (المطعون عليها الثالثة) مستندة في قضائها إلى ذات الأسباب التي ارتكنت إليها محكمة الدرجة الأولى مضيفة إليها أن حكم إنهاء الوقف المتهدم منشئ للحق وليس كاشفاً له. وبتاريخ أول يوليه سنة 1958 طعن الطاعن في الحكم المذكور بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة برأيها تضمن طلب رفض الطعن وبتاريخ 13/ 6/ 1961 نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى الدائرة المدنية والتجارية. وبعد استيفاء الإجراءات التالية للإحالة نظر الطعن أمام هذه المحكمة بجلسة 2/ 5/ 1963 وصممت النيابة على طلبها السالف.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون - وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المذكور لم ينزل أحكام القانون على واقعات الدعوى إنزالاً صحيحاً فوصف العقد الرقيم 20/ 5/ 1950 والمبرم بينه وبين المطعون عليهما الأولى والثانية بأنه عقد باطل بطلاناً مطلقاً لأنه انصب على مال موقوف لا يجوز التعامل فيه - حالة أن المال الموقوف ليس مالاً خارجاً عن التعامل إذ أن القانون رقم 48 لسنة 1946 أجاز طلب إنهاء الوقف المتهدم ثم جاء بعد ذلك القانون رقم 180 لسنة 1952 وأنهى الأوقاف على غير الخيرات وجعل أعيانها ملكاً خالصاً لمستحقيها والبائعتان له كانتا مستحقتين في الوقف والبيع الصادر منهما له في 20 مايو سنة 1950 قد صدر من مالكتين وهو بذلك صحيح يرتب عليهما التزاماً بعدم التعرض ومن ثم فلا يجوز لأيهما الدفع في مواجهته ببطلان العقد، وأن التكييف الصحيح لهذا العقد أنه عقد بيع معلق على شرط هو إنهاء الوقف في نصيب البائعتين وقد تحقق ذلك بالحكم الصادر من محكمة دمنهور الشرعية في المادة رقم 20 سنة 1953 تصرفات ثم بالقانون رقم 180 لسنة 1952 الذي أنهى الوقف الأهلي وملك الأعيان الموقوفة لمستحقيها - ويتحصل السبب الثاني في أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فهم الواقع - وفي بيان ذلك يقول الطاعن أنه اتفق في عقد البيع المبرم بينه وبين المطعون عليهما الأولى والثانية على أن يتولى هو رفع دعوى بإنهاء الوقف بمصاريف من لدنه يحاسب عليها البائعتين وأنه قام بهذا الإجراء وحضرت البائعتان أمام هيئة التصرفات وطلبتا إنهاء الوقف وصدر القرار من هيئة التصرفات بإنهاء الوقف وجاء الحكم المطعون فيه مصادرة على المطلوب إذ اعتبر العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً دون أن يؤصل ذلك من حيث الواقع أو القانون - كما أنه أخطأ إذ اعتبر الحكم الصادر من هيئة التصرفات منشئاً للحق حالة أن الحكم المذكور كان مقرراً ولم يفعل أكثر من أنه أقر للبائعين بحصتهما في الوقف دون زيادة أو نقص - كما أن الحكم المطعون فيه أغفل أثر القانون رقم 180 لسنة 1952 على التصرف الصادر له من المطعون عليهما الأولى والثانية.
وحيث إن النعي في وجهيه مردود بأنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه استند في قضائه برفض دعوى الطاعن على ما يأتي: "وحيث إن عقد البيع المؤرخ في 20 مايو سنة 1950 الصادر للمستأنف من المستأنف عليهما الأولى والثانية انصب على أعيان موقوفة حرم القانون بيعها تحريماً باتاً وحبسها عن تمليكها لأحد فظلت حافظة لتلك الحصانة القانونية لا تزول عنها مناعتها إلى أن يصدر قرار أو حكم من الجهة المختصة بإنهاء الوقف يعتبر منشئاً لحق جديد وليس بكاشف له وما عدا ذلك من التصرفات يقع مخالفاً لأسس القانون ويحكم حتماً ببطلانه لتعلقه بالنظام العام ولا تصححه الإجازة لأن نظام الوقف شرع لمصلحة عامة اقتضاها الشارع فلا يسوغ إهدارها ولا الاتفاق على ما يخالفها فقبول المستأنف عليها الثانية إنجاز الصفقة لا يحول دون بطلان التعاقد...... فلا سبيل بعدئذ للقياس أو الاستشهاد أو بتفريع التكيف القانوني بتصوير عقد بيع المستأنف ومقارنته ببيع ملك الغير طبقاً للمادة 467 من التقنين المدني أو بأنه معلق على شرط وقف قد تحقق إذ أن مجال بحث كافة تلك الفروض إن صحت إذا لم يكن بطلان العقد مطلقاً"، وهذا الذي أسس الحكم قضاءه عليه صحيح في القانون - ذلك أن القواعد الشرعية - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تقضي بوجوب المحافظة على أبدية الأموال الموقوفة لتبقى على حالها على الدوام محبوسة أبداً عن أن يتصرف فيها بأي نوع من أنواع التصرفات، فإذا ما تصرف المستحق في أعيان الوقف بالبيع فإن هذا التصرف يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً لوقوعه على مال لا يجوز التعامل فيه بحكم القانون وهذا البطلان بطلان مطلق لا تلحقه الإجازة وإذا كانت المادة 18 من القانون رقم 48 لسنة 1946 أجازت لذوي الشأن الالتجاء إلى المحكمة المختصة لطلب إنهاء الوقف في حالة تخربه وعدم إغلاله فإن القرار الذي يصدر بالإنهاء في هذه الحالة هو قرار منشئ للحق لا مقرر له فلا تزول عن الأعيان الموقوفة حصانتها إلا من تاريخ صدوره وعلى ذلك فإنه بفرض صدور قرار بإنهاء الوقف بعد حصول التصرف في النزاع المائل فإنه ليس من شأن هذا القرار أن يصحح البطلان الذي لحق بذلك التصرف كما أن القانون رقم 180 سنة 1952 عندما أنهى الوقف على غير الخيرات لم يتضمن أي نص على إجازة التصرفات السابقة على صدوره وتصحيحها - لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه وقد التزم النظر السابق فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون وفي فهم الواقع يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه قد عابه القصور في التسبيب - ويقول الطاعن في بيان ذلك إنه أثار دفاعاً جوهرياً تضمن أن عقد البيع المؤرخ 20/ 5/ 1950 والصادر له من المطعون عليهما الأولى والثانية هو بيع معلق على شرط إنهاء الوقف عن العين المبيعة وقد تحقق هذا الشرط بصدور حكم إنهاء الوقف من محكمة دمنهور للأحوال الشخصية وبصدور القانون رقم 180 لسنة 1952 كما تمسك بأن عقده يفضل قانوناً عقد البيع المؤرخ 25/ 11/ 1954 الصادر من نفس البائعة (المطعون عليها الأولى) إلى المطعون ضدها الثالثة عن نفس العين المبيعة لأنه سجل عريضة دعواه قبل تسجيل عريضة المطعون عليها الثالثة وقد أغفل الحكم المطعون فيه الرد على كل هذا الدفاع الجوهري مما يجعله مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بأن الحكم المطعون فيه قد تضمن في أسبابه الرد الكافي على دفاع الطاعن بأن عقده كان معلقاً على شرط قد تحقق فذكر الحكم أن مجال بحث هذا الدفاع ألا يكون العقد باطلاً، ومردود في شقه الثاني بأنه لما كانت المفاضلة بين عقدين مناطها أن يكونا صحيحين فإذا كان أحدهما باطلاً بطلاناً مطلقاً كما هو الحاصل في النزاع الحالي فلا محل لهذه المفاضلة - لما كان ذلك، فإن النعي على الحكم بإغفاله الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص يكون غير منتج.