أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 22 - صـ 565

جلسة 27 من إبريل سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام.

(89)
الطعن رقم 384 لسنة 36 القضائية

دعوى. "دعوى عدم نفاذ التصرف". بيع. تأمينات عينية. "الرهن الرسمي". حكم. "عيوب التدليل". "فساد الاستدلال". تسجيل.
دعوى عدم نفاذ التصرف. التواطؤ بين المدين والمتصرف إليه على الإضرار بحقوق الدائن وقت صدور التصرف. شرط لقيامها في عقود المعوضات. إثبات الحكم أن الطاعن أقبل على شراء العقار موضوع الدعوى وهو على بينة من الدين ومن الرهن المقيد على العين المبيعة ضماناً لهذا الدين قبل تسجيل عقد شرائه. قضاؤه من بعد بعدم نفاذ ذلك العقد تأسيساً على أن الطاعن كان يعلم أن التصرف يؤدي إلى إعسار البائع. خطأ في القانون وفساد في الاستدلال.
مفاد نص المادتين 237، 238/ 1 من القانون المدني أن الغش الواقع من المدين وحده في عقود المعاوضات لا يكفي لإبطال تصرفه، بل يجب إثبات التواطؤ بينه وبين المتصرف له على الإضرار بحقوق الدائن، لأن الغش من الجانبين هو من الأركان الواجب قيام دعوى عدم نفاذ التصرفات عليها، وأن يثبت أن الغش موجود وقت صدور التصرف المطعون فيه. وإذ كان الحكم المطعون فيه بعد أن أثبت أن الطاعن اشترى العقار موضوع الدعوى، وثبت في عقد البيع الصادر له من المطعون عليه الثاني أن العين المبيعة محملة برهن رسمي للمطعون عليها الأولى ضماناً لدينها قبل المطعون عليه الثاني البائع، وأن هذا الرهن سابق في القيد على تسجيل عقد شراء الطاعن، واستخلص الحكم من شهادة شاهدي المطعون عليها الأولى في هذا الخصوص، مما شهد به شاهد الطاعن من أنه احتجز جزءاً من الثمن لوجود الرهن، قيام التواطؤ بين المطعون عليه الثاني وبين الطاعن تأسيساً على أن هذا الأخير كان يعلم أن التصرف يؤدي إلى إعسار المطعون عليه الثاني، مع أن الثابت من الحكم أن الطاعن أقبل على الشراء وهو على بينة من الدين ومن الرهن المقيد على العين المبيعة ضماناً لهذا الدين، والذي يخول للمطعون عليها الأولى تتبع العقار في أي يد تكون، ثم رتب الحكم على ذلك قضاءه بعدم نفاذ العقد الصادر من المطعون عليه الثاني للطاعن، فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها الأولى أقامت على الطاعن والمطعون عليه الثاني الدعوى رقم 5226 سنة 1963 مدني كلي القاهرة وطلبت الحكم بإلزام المطعون عليه الثاني بأن يدفع لها مبلغ 1001 ج و45 م والفوائد عن مبلغ 600 ج ابتداء من 11/ 6/ 1961 وبعدم نفاذ عقد البيع المؤرخ 17/ 11/ 1952 والصادر من المطعون عليه الثاني إلى الطاعن عن الحصة في العقار المبين بالعقد في حقها حتى تستوفي دينها. وقالت بياناً لدعواها إنه بتاريخ 11/ 6/ 1952 اقترض منها المطعون عليه الثاني مبلغ 600 ج وخصص لضمان الدين العقار المبين بعقد الرهن الرسمي المبين بصحيفة الدعوى، واتفق على أن أجل الدين سنة من تاريخ القرض، وإذ قام المطعون عليه الثاني بعد ذلك ببيع العين المرهونة إلى الطاعن بمقتضى العقد المسجل في 24/ 11/ 1952 ولم يقم المطعون عليه الثاني بوفاء دينها وملحقاته من الفوائد حتى بلغت الدين والفوائد مبلغ 1001 ج و450 م فقد اتخذت إجراءات التنفيذ العقاري على تلك العين المرهونة في الدعوى رقم 114 سنة 1962 بيوع كلي القاهرة، واعترض الطاعن على قائمة شروط البيع وأسس اعتراضه على أن المطعون عليها الثانية لم تقم بإعادة قيد الرهن المقرر لصالحها خلال عشر سنوات من القيد الأول فسقطت مرتبته ولم يعد لها أن تتبع العين المرهونة، وقضى في هذا الاعتراض على قائمة شروط البيع لصالح الطاعن وبإلغاء إجراءات التنفيذ التي اتخذتها المطعون عليها الأولى. وإذ كان الطاعن والمطعون عليه الثاني متواطئين وقصد من التصرف الصادر من المطعون عليه الثاني إلى الطاعن الإضرار بحقوقها فقد أقامت دعواها بطلباتها سالفة البيان. وبتاريخ 28/ 11/ 1963 قضت المحكمة بِإلزام المطعون عليه الثاني بأن يدفع للمطعون عليها الأولى 1001 ج و460 م والفوائد بواقع 7% عن مبلغ 100 ج من 11/ 6/ 1961 وبإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها الأولى أن المطعون عليه الثاني قد تصرف وهو عالم أن التصرف يؤدي إلى إعساره وأن الطاعن يعلم ذلك. وبعد سماع شهود الطرفين دفع الطاعن بعدم قبول الدعوى وسقوط حق المطعون عليها الأولى في رفعها استناداً إلى أن أجل الدين كان سنة من تاريخ عقد الرهن في 2/ 4/ 1952 حتى 1/ 4/ 1953، وأن المطعون عليها الأولى اتخذت إجراءات التنفيذ العقاري على العين المرهونة وأعلنت تنبيه نزع ملكية العقار في 22/ 3، 30/ 3/ 1954 وقامت بتسجيله في 16/ 4/ 1954 بما يقطع بعلمها بسبب عدم نفاذ التصرف الذي تقول به من اليوم الذي اتخذت فيه إجراءات نزع الملكية، وأنها لم ترفع دعواها الحالية إلا في 7، 8/ 9/ 1961 فيسقط حقها لمضي أكثر من ثلاث سنوات من يوم علمها بسبب عدم نفاذ التصرف. وبتاريخ 24/ 9/ 1964 قضت المحكمة بقبول الدفع وبعدم قبول الدعوى لسقوط حق المطعون عليها الأولى في رفعها. استأنفت المطعون عليها الأولى هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد الاستئناف برقم 1635 سنة 81 ق، وبتاريخ 12/ 6/ 1966 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبعدم نفاذ عقد البيع الصادر من المطعون عليه الثاني للطاعن بتاريخ 17/ 11/ 1952 والمشهر بتاريخ 24/ 11/ 1952. قرر الطاعن بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض و قدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم اعتبر أن التصرف الصادر إليه من المطعون عليه الثاني قد أدى إلى إعسار هذا الأخير وأن الطاعن كان يعلم بذلك، واستدل الحكم على هذا بما شهد به شاهدا المطعون عليها الأولى من أن المطعون عليه الثاني تصرف للطاعن ببيع العقار موضوع الدعوى بعد أن كان قد رهنه للمطعون عليها الأولى، وأنهما يعتقدان بأن هذا التصرف يؤدي إلى إعسار المطعون عليه الثاني وأن الطاعن يعلم بذلك أيضاً حيث قبل الشراء وهو عالم بأن العين المبيعة له سبق رهنها للمطعون عليها الأولى، واستدل الحكم على تواطؤ الطاعن مع المطعون عليه الثاني بما قرره أحد شاهدي الطاعن من أنه احتجز جزءاً من الثمن لوجود الرهن، ويقول الطاعن إن هذا الذي استدل به الحكم على تواطئه مع المطعون عليه الثاني إضراراً بالمطعون عليها الأولى هو استدلال معيب، لأن العبرة في التواطؤ أن يكون قد حصل وقت صدور العقد المطعون فيه وأن يكون المتصرف والمتصرف إليه قد قصدا الإضرار بالدائن رافع الدعوى. واستطرد الطاعن إلى القول بأن ما شهد به شاهد المطعون عليها الأولى يتفق مع ما هو ثابت في وقائع الدعوى لأنه أقبل على الشراء من المطعون عليه الثاني وهو عالم بحق الرهن المقرر للمطعون عليها الأولى على العقار المبيع ضماناً لدينها وأن هذا الرهن سابق في القيد على تسجيل عقد البيع وثابت فيه بما يحفظ للدائنة المرتهنة حق التتبع على العين المرهونة لاستيفاء دينها المضمون بالرهن وهو ما لا يتصور معه أن يكون الطاعن متواطئاً مع المطعون عليه الثاني، كما أن ما استدل به الحكم من احتجاز الطاعن جزءاً من الثمن لوجود الرهن لا يدل على تواطئه مع المطعون عليه الثاني ولا يؤدي إلى أن التصرف قصد به الإضرار بالمطعون عليها الأولى، مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بتوافر أركان دعوى المطعون عليها الأولى بعدم نفاذ التصرف الصادر من المطعون عليه الثاني إلى الطاعن استناداً إلى قوله "إنه يستفاد من شهادة شاهدي المستأنفة (المطعون عليها الأولى) توافر أركان الدعوى البوليصية، فقد شهد الشاهد الأول أن المستأنف عليه الأول (المطعون عليه الثاني) رهن نصيبه في العقار للمستأنفة وأنه لم يدفع دينه لها، ثم تصرف بعد ذلك في العين المرهونة للمستأنف عليه الثاني (الطاعن)، وأنه يعتقد أن المستأنف عليه الأول يعلم بأن هذا التصرف يؤدي إلى إعساره لأنه يعلم أنه يفترض من زوج المستأنفة وأنه رهن نفس العقار لسيدة أخرى قبل المستأنفة، وأن المستأنف عليه الثاني يعلم بإعسار المستأنف عليه الأول البائع له، يؤيد ذلك تصرفه إليه وقبوله الشراء مع علمه بأن العقار مرهون، وأيده في ذلك الشاهد الثاني الذي أضاف أنه كان يجالس المستأنف عليه الأول البائع وأنه يعلم أنه يقامر في لعب السباق، الأمر الذي يقطع بأن البائع يعلم بأن تصرفه يؤدي إلى إعساره وأن حالة المستأنف عليه الأول وشكله يدل على حالة الضنك التي يعانيها وتؤكد علم المشتري وهو المستأنف عليه الثاني بنتيجة التصرف على حالة المستأنف عليه الأول المالية، مما تستخلص معه المحكمة ثبوت التواطؤ بينهما..... ويضاف إلى ذلك ما شهد به الشاهد الأول (من شهود الطاعن) من أن المستأنف عليه الثاني (الطاعن) احتجز جزءاً من الثمن لوجود هذا الرهن" مما مفاده أن الحكم أقام قضاءه بتوافر أركان دعوى عدم نفاذ التصرف على أن الطاعن كان يعلم بأن التصرف يؤدي إلى إعسار المطعون عليه الثاني، وأنه أقبل على الشراء وهو عالم بأن العين المبيعة مرهونة للمطعون عليها الأولى رهناً رسمياً وفاءً لدينها وأن الرهن سابق على البيع، وإلى أن الطاعن احتجز جزءاً من الثمن لوجود الرهن، وإذ تقضي المادة 237 من القانون المدني بأن "لكل دائن أصبح حقه مستحق الأداء وصدر من مدينه تصرف ضار به أن يطلب عدم نفاذ هذا التصرف في حقه إذا كان التصرف قد انقص من حقوق المدين أو زاد في التزاماته وترتب عليه إعسار المدين أو الزيادة في إعساره"، وتقضي المادة 238/ 1 بأنه "إذا كان تصرف المدين بعوض اشترط لعدم نفاذه في حق الدائن أن يكون منطوياً على غش من المدين وأن يكون من صدر له التصرف على علم بهذا الغش ويكفي لاعتبار التصرف منطوياً على الغش أن يكون قد صدر من المدين وهو عالم أنه معسر، كما يعتبر من صدر له التصرف عالماً بغش المدين إذا كان قد علم أن هذا المدين معسر" فقد أفاد هذان النصان أن الغش الواقع من المدين وحده في عقود المعاوضات لا يكفي لإبطال تصرفه، بل يجب إثبات التواطؤ بينه وبين المتصرف له على الإضرار بحقوق الدائن، لأن الغش من الجانبين هو من الأركان الواجب قيام دعوى عدم نفاذ التصرفات عليها، وأن يثبت أن الغش موجود وقت صدور التصرف المطعون فيه. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أثبت أن الطاعن اشترى العقار موضوع الدعوى وثبت في عقد البيع الصادر له من المطعون عليه الثاني أن العين المبيعة محملة برهن رسمي للمطعون عليها الأولى ضماناً لدينها قبل المطعون عليه الثاني البائع، وأن هذا الرهن سابق في القيد على تسجيل عقد شراء الطاعن، واستخلص الحكم من شهادة شاهدي المطعون عليها الأولى في هذا الخصوص ومما شهد به شاهد الطاعن أنه احتجز جزءاً من الثمن لوجود الرهن، قيام التواطؤ بين المطعون عليه الثاني وبين الطاعن تأسيساً على أن هذا الأخير كان يعلم أن التصرف يؤدي إلى إعسار المطعون عليه الثاني، مع أن الثابت من الحكم أن الطاعن أقبل على الشراء وهو على بينة من الدين ومن الرهن المقيد على العين المبيعة ضماناً لهذا الدين والذي يخول للمطعون عليها الأولى تتبع العقار في أي يد تكون، وإذ رتب الحكم على ذلك قضاءه بعدم نفاذ العقد الصادر من المطعون عليه الثاني للطاعن، فإن الحكم يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال بما يقتضي نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.