مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والأربعون (من أول أكتوبر سنة 1998 إلى آخر سبتمبر سنة 1999) - صـ 131

(10)
جلسة 22 من نوفمبر 1998 م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ رأفت محمد السيد يوسف - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأستاذة المستشارين: منصور حسن علي غربي، وممدوح حسن يوسف راضي، وسمير إبراهيم البسيوني، وأحمد عبد الحليم أحمد صقر - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2795 لسنة 40 قضائية عليا

تأديب - المسئولية التأديبية - مدى اعتبار عنصر التحرش مانعاً من موانع المسئولية.
لا يمكن القول بأن التحرش مهما كان مداه يعد مانعاً من موانع المسئولية عما يرتكبه الموظف كرد فعل لذلك من تجاوزات. ذلك أن المسلك القويم في مواجهة التحرش هو الالتجاء إلى الأسلوب القانوني للمطالبة بالحق إدارياً وجنائياً ومدنياً دون اللجوء إلى الانتقام باليد على نحو يهدد سيادة القانون ويحيي شريعة الغاب ويحيل المرفق العام إلى ساحة لتبادل العدوان - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 4/ 6/ 1994 أودع الأستاذ/ .......... المحامي نائباً عن الأستاذ/ ......... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن. قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن في قرار مجلس التأديب المشار إليه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بالوقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر مع صرف نصف الأجر.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده الأول بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد تم إعلان تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وقد أعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي انتهت فيه إلى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وتم نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا الدائرة الرابعة بجلسة 29/ 3/ 1997 والجلسات التالية إلى أن انتهت بجلسة 22/ 11/ 1997 إلى إحالته إلى الدائرة الخامسة بالمحكمة الإدارية العليا للاختصاص.
وقد نظرت هذه المحكمة الطعن بجلسة 14/ 12/ 1997 وتداولت نظره بجلساتها حسبما هو مبين بمحاضر الجلسات إلى أن قررت بجلسة 25/ 10/ 1998 إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطاعن يطلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده الأول بالمصاريف وأتعاب المحاماة.
ومن حيث إن الطعن قد أقيم في المواعيد القانونية واستوفى أوضاعه الشكلية الأخرى ومن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن عناصر المنازعة تتلخص حسبما يبين من الأوراق في أن إدارة التحقيقات بمحكمة شمال القاهرة الابتدائية قد أجرت تحقيقاً برقم 23/ 1994 فيما أسند إلى الطاعن الموظف بقلم المتابعة بالمحكمة من اعتدائه بالضرب على زميله..... أثناء العمل وبسببه وإحداث إصابات أدت إلى نقله لطبيب التأمين الصحي بالمحكمة لعلاجه وانتهت إلى إحالته إلى مجلس التأديب وبناءً على ذلك صدر قرار الأستاذ المستشار رئيس محكمة شمال القاهرة الابتدائية في 27/ 2/ 1994 بإحالة الطاعن إلى مجلس التأديب.
وقد نظر مجلس التأديب الطعن بجلستي 21/ 3/ 94، 28/ 3/ 94 حيث مثل الطاعن بالجلسة الأخيرة وتقرر بالجلسة الأخيرة حجز الطعن للحكم بجلسة 4/ 4/ 1994 حيث صدر قرار مجلس التأديب بوقف الطاعن عن العمل لمدة ثلاثة أشهر مع صرف نصف الأجر واستند مجلس التأديب فيما انتهى إليه إلى أن ما نسب إلى الطاعن من اعتدائه بالضرب على زميله بقبضة يده في وجهه عدة مرات قد ثبت من أقوال كل من..... و....... و.....
ومن حيث إن الطاعن يستند في طعنه إلى الأسباب الآتية:
أولاً: مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن الطاعن قدم مذكرة بدفاعه أثناء حجز الدعوى للحكم طالباً إعادة الدعوى للمرافعة لسماع شهود النفي كما طلب ذلك بمحاضر الجلسات إلا أن المحكمة لم تستجب لطلبه كما أن شاهد الإثبات الوحيد الذي يؤخذ بشهادته هو الطبيب المختص الذي قام بعلاج المجني عليه وهذه الشهادة خلت منها الأوراق وهو الشخص الذي يمكنه تحديد الإصابة وبيان سبب حدوثها والكيفية التي تمت بها.
ثانياً: انعدام الحكم لبطلان إجراءات التقاضي ومصادرة حق الطاعن في الدفاع عن نفسه إذ حضر الطاعن بجلسة 21/ 3/ 1994 ومعه وكيله وطلب أجلاً للإطلاع غير أن المحكمة لم تمنحه الوقت اللازم وقررت تأجيل نظر الدعوى لمدة أسبوع رغم أن الدعوى تحتاج إلى وقت أكثر من ذلك كما حضر الطاعن جلسة 28/ 3/ 1994 والتمس أجلاً للاستعداد وسماع الشهود إلا أن المحكمة صادرت حق الطاعن فيما يطلبه وقامت بحجز الدعوى للحكم وكان يتعين عليها التأجيل لتمكين الطاعن من إعداد رده وتقديم مستندات إلا أنها صادرت حقه الذي منحه القانون للخصوم في الدعوى.
ثالثاً: تجاهل الحكم المطعون فيه الحقائق الجوهرية الواردة بالتحقيقات إذ قررت الشاهدة الأولى بأن ما حدث مجرد مناقشة بين الطاعن والشاكي وانتهت إلى التفريق بينهما ثم دخل الشاكي وضرب الطاعن بين كتفيه ووجدته فجأة ينزف ولم تر سبب نزول الدم كما قرر الشاهد/ ...... بوجود شكوى سابقة لأسباب خارج العمل فضلاً عن أن الواقعة حدثت الساعة 12.45 بما يدل على أن الذي حدث ليس بسبب العمل الأمر الذي يوضح أن أركان المخالفة لم تقم لها قائمة وغير مكتملة.
رابعاً: قصور الحكم في التسبيب في تحرى الحقائق وخروجه عن اللوائح المعمول بها إذ أغفلت المحكمة أن الشاكي كان دائماً على خلاف مع الطاعن لأسباب خارجة عن نطاق العمل وأن المجني عليه قام أيضاً بالاعتداء على الطاعن.
خامساً: عدم تناسب العقوبة الواردة بالحكم مع المخالفة المنسوبة للطاعن.
سادساً: أن الحكم شابه عدم تحقيق المصلحة العامة وعديم الفائدة نظراً لأن إدارة التحقيق جنبت الشاكي آثار العقوبة دون الطاعن.
سابعاً: أن المحكمة الإدارية العليا قد انتهجت سياسة إلغاء الأحكام التأديبية على أساس الغلو في الجزاء.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن السيد/ ......... المحقق بمحكمة شمال القاهرة الابتدائية قد تقدم بمذكرة مؤرخة في 13/ 2/ 1994 تضمنت بأنه قد فوجئ بالسيد/ ...... ممسكاً بيدي السيد/ ( أ ) لمعاونته على السير إلى العيادة وكان الأخير في حالة إعياء والدماء تنزف من أنفه وأنه قد علم بحدوث مشادة بين كل من ( أ ) و (ب) بسبب قيام الأول بإدراج اسم الثاني بالغياب لحضوره متأخراً وانتهت المشادة بتعدي الثاني على الأولى بِلَكْمِهِ بقبضته في وجهه مما أسال دماءه كما تقدم/ ( أ ) الباحث بالمتابعة بمذكرة مؤرخة 14/ 2/ 1994 ضد/ (ب) (الطاعن) من توعده له بسبب إدراجه بكشف الغياب في اليوم السابق لحضوره متأخراً وفوجئ به يعتدى عليه بضربه بقبضة يده في أنفه مما أدى إلى حدوث نزيف دموي غزير من أنفه.
وقد أحيل الموضوع إلى التحقيق حيث سئل الشاكي فلم تخرج أقواله عن مضمون شكواه واستشهد بكل من/ ...... و....... و....... و.... و..... وبسؤال........ الموظف بقلم المتابعة قرر بحدوث مشادة بين الشاكي والمشكو يوم 13/ 2/ 1994 بسبب إدراج الشاكي للمشكو في كشف الغياب ثم فوجئ بالمشكو (الطاعن) يقوم بتوجيه عدة لكمات في وجه الشاكي إلى أن سالت دماؤه مما استدعى اصطحابه إلى الطبيب لإسعافه.
وبسؤال/ ....... الموظفة بقلم المتابعة قررت بأنه أثناء المشادة التي حدثت بين الشاكي والمشكو يوم 13/ 2/ 1994 قام الشاكي بمعاتبة المشكو على محاولته التحرش به بسبب إدراجه بكشف الغياب وأثاره بدفعه في كتفه فإذا بالمشكو يقوم بضربه بقبضة يده في أنفه ووجهه مما أصابه بنزيف دموي ولم تخرج أقوال/ ....... الموظفة بقلم المتابعة عن أقوال سابقتها.
وبسؤال المشكو (الطاعن) قرر بأن الشاكي تقابل معه خارج المكتب يوم 13/ 2/ 1994 في الردهة ذاكراً له بأنه أدرجه بكشف الغياب لحضوره متأخراً فطلب منه الابتعاد عنه بسبب سبابه فإذا به يجذبه من جاكتته فأشاح يده عنه إلا أنه تعقبه وأخذ يجذبه من كتفه بشدة فأبعده عنه غير أن يده - أي الطاعن اصطدمت بأنف الشاكي دون قصد وأن النزيف الدموي كثيراً ما يحدث للشاكي دون أي احتكاك مع آخرين ونفى اعتداءه على الشاكي بالضرب إلا أنه لم يعلل أقوال الشهود قبله كما نفى وجود أية خلافات شخصية بينهما وطلب سماع بقية الشهود وهم/......... و.........
وسئلت/ ........ الموظفة بقلم المتابعة فأكدت واقعة اعتداء الطاعن على/ ........ بالضرب في وجهه بسبب إدراج الطاعن بكشف الغياب وأن الشاكي قد أقر بجذب الطاعن من كتفه وكذلك فقد سئل/ ........ الموظف بقلم المتابعة فلم تخرج أقواله عن أقوال سابقته.
وقد انتهى التحقيق إلى صدور قرار رئيس محكمة شمال القاهرة الابتدائية المؤرخ 27/ 2/ 1994 بإحالة الطاعن إلى مجلس التأديب لما ثبت من التحقيقات تعمده الاعتداء على زميله/ ....... أثناء العمل وبسببه محدثاً به الإصابات التي أدت إلى نقله للسيد طبيب التأمين الصحي بالمحكمة لعلاجه.
ومن حيث إن واقعة الاتهام قد ثبتت في حق الطاعن من أقوال الشهود الذين سئلوا بالتحقيقات على نحو ما سلف بيانه ولا وجه للاعتداد بما ينعيه الطاعن على قرار مجلس التأديب من أن شاهد الإثبات الوحيد الذي يؤخذ بشهادته هو الطبيب المختص الذي قام بعلاج المجني عليه إذ أن ذلك مردود فإن لمجلس التأديب باعتباره محكمة تأديبية الحرية في تكوين عقيدته من أي عنصر من عناصر الدعوى وله في سبيل ذلك الأخذ بما يطمئن إليه من أقوال الشهود وطرح ما عداها مما لا يطمئن إليه وبالتالي فلا تثريب عليه إن هو أقام قراراه بإدانة الطاعن على الأخذ بأقوال الشهود المذكورين متى كان من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه قرار مجلس التأديب عليها وأن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون محاولة لإعادة الجدل في تقرير أدلة الدعوى التأديبية ووزنها بما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة (يراجع في هذا المجال حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن 1230 لسنة 9 ق بجلسة 8/ 4/ 1967).
ومن حيث إنه ليس صحيحاً ما ذهب إليه الطاعن من أن الشاهدة الأولى قد قررت بأن الشاكي قد ضرب الطاعن بين كتفيه ووجدته فيما بعد ينزف دون أن تعرف سبباً لذلك إذ قررت السيدة/ ....... بأن الطاعن قام بضرب الشاكي في وجهه بقبضة يده مما أصابه بنزيف دموي كما أنه لا يعفى الطاعن مما تمسك به من قول الشاهد/ ...... من وجود شكوى سابقة لأسباب خارج العمل إذ أن ذلك القول لا يؤدي إلى التأثير في النتيجة التي انتهى إليها قرار مجلس التأديب من ثبوت الواقعة قبل الطاعن.
ومن حيث إنه عن الوجه من الطعن ببطلان إجراءات التقاضي ومصادرة حق الطاعن في الدفاع عن نفسه من طلبه إعادة الدعوى للمرافعة لسماع شهود نفي وطلب ذلك بمحاضر الجلسات والتفات المحكمة عن ذلك وأن المحكمة لم تمنحه الأجل الملائم للاطلاع فإن هذا النعي في غير محله ذلك أن الثابت من محضر التحقيق أن الطاعن قد طلب بالتحقيق سماع بقية شهود الواقعة وهم/ ...... و........ وقد تم سؤالهم بالفعل وأدلوا بأقوالهم بالتحقيق في 15/ 2/ 1994 كما مثل الطاعن أمام مجلس التأديب بجلسة 21/ 3/ 1994 ومعه وكيله وطلب أجلاً للاطلاع بجلسة 28/ 3/ 1994 وبتلك الجلسة طلب البراءة وتقرر حجز الدعوى للحكم وتقديم مذكرات بجلسة 4/ 4/ 1994 وقدم الطاعن مذكرة بدفاعه خلال فترة حجز الدعوى للحكم أكد فيها أن الاتهام ملفق وأن الشاكي قد بدأه بالتهجم عليه بضربه على كتفه وطلب بالمذكرة إعادة الدعوى للمرافعة لسماع أقوال زملاء المتهم في المكتب غير أنه لم يحدد أسماء المطلوب سماع أقوالهم ومن ثم فقد أتيحت للطاعن الفرصة لتقديم دفاعه كاملاً وأن ما طلبه من سماع أقوال شهود جدد لم يقم على أسباب جدية لعدم تحديد أسمائهم.
ومن حيث إنه عن النعي على القرار المطعون عليه من القصور في التسبيب لإغفال المحكمة الخلاف السابق بين الطاعن والشاكي لأسباب خارج العمل وقيام الشاكي بالاعتداء على الطاعن فهو نعى في غير محله إذ إن قرار مجلس التأديب قد استند فيما انتهى إليه من مجازاة الطاعن إلى ثبوت الاتهام قبله من واقع أقوال الشهود بما يكفي لتسبيبه كما أنه لم يثبت من الأوراق اعتداء الشاكي على الطاعن ومجرد قيامه بدفعه في كتفه لا يبرر ارتكاب الطاعن لواقعة الاعتداء كما أنه لا يمكن القول بأن التحرش مهما كان مداه يعد مانعاً من موانع المسئولية مما يرتكبه الموظف كرد فعل لذلك من تجاوزات ذلك أن المسلك القويم في مواجهة التحرش هو الالتجاء إلى الأسلوب القانوني للمطالبة بالحق إدارياً وجنائياً ومدنياً دون اللجوء إلى الانتقام باليد على نحو يهدر سيادة القانون ويحمي شريعة الغاب ويحيل المرفق العام إلى ساحة لتبادل العدوان (طعن عليا رقم 3569/ 32 جلسة 23/ 12/ 1989).
ومن حيث إنه أخيراً فلا يسعف الطاعن التمسك بعدم التناسب بين الجزاء الموقع والمخالفة المرتكبة ذلك أن الغلو في توقيع الجزاء لا يكون إلا في حالة المفارقة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري ونوع الجزاء ومقداره وقد راعى مجلس التأديب في تقدير الجزاء الموقع جسامة الفعل الذي ثبت في حق الطاعن من قيامه بالاعتداء على القائم بأعمال رئاسته بالضرب بقبضة يده في وجهه مما أدى إلى إصابته بنزيف دموي.
ومن حيث إنه طبقاً لما تقدم جميعه فإن قرار مجلس التأديب المطعون فيه قد قام على سببه المبرر له قانوناً ويضحي الطعن عليه على غير سند من القانون جديراً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاًً وبرفضه موضوعاً.