أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 22 - صـ 724

جلسة 3 من يونيه سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن.

(119)
الطعن رقم 421 لسنة 36 القضائية

( أ ) استئناف. "نطاق الاستئناف". دعوى. "دعوى الضمان الفرعية". حكم. "حجية الحكم".
استئناف الضامن للحكم الصادر ضده لصالح المدعي. يطرح على محكمة الاستئناف الدعوى الأصلية ودعوى الضمان الفرعية. وهي تلتزم ببحث مسئولية المدين والضامن فيهما. لا يمنع من ذلك قضاء محكمة أول درجة بإخراج المدين من الدعوى بلا مصروفات.
(ب) دعوى. "تكييف الدعوى".
محكمة الموضوع غير مقيدة في تكييف الطلبات بوصف الخصوم لها. التزامها بالتكييف القانوني الصحيح.
1 - الاستئناف المرفوع من الضامن عن الحكم الصادر ضده لصالح المدعي في الدعوى الأصلية لا يطرح على محكمة الاستئناف دعوى الضمان الفرعية وحدها، وإنما يطرح عليها الدعويين معاً، الأصلية والفرعية بحيث يكون لها أن تحكم للمدعي الأصلي على الضامن أو على مدعي الضمان حسبما يتراءى لها من توافر أركان المسئوليتين، ولا وجه لما تتمسك به الطاعنة المحافظة المدعى عليها في الدعوى الأصلية - وهي المدعية في دعوى الضمان - من أن محكمة أول درجة قد حكمت بإخراجها من الدعوى بلا مصاريف، وقد أضحى حكمها في هذا الخصوص نهائياً لعدم استئنافه أصلياً في الميعاد من المضرور، ذلك أن الارتباط الوثيق بين الدعويين الأصلية والفرعية يقتضي أن يتناول الاستئناف المرفوع من الضامن، بحث أصل الخصومة، ومدى مسئولية كل من المدين والضامن عن الضرر.
2 - محكمة الموضوع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - غير مقيدة في تكييف الطلبات المعروضة عليها بوصف الخصوم لها، وإنما تلتزم بالتكييف الصحيح الذي تتبينه من وقائع الدعوى وتطبيق القانون عليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن ورثة المرحوم مرسي إسماعيل عطية أقاموا الدعوى رقم 515 سنة 1954 مدني كلي الإسكندرية ضد مجلس بلدي الإسكندرية، طلبوا فيها الحكم بإلزام محافظ الإسكندرية بصفته رئيساً للمجلس البلدي بأن يدفع لهم مبلغ 3989 ج والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد وحفظ حقهم في المطالبة بما ضاع عليهم من غلة المنزل منذ تصدعه. وقالوا شرحاً لدعواهم إنهم يملكون المنزل رقم 4 بشارع مسجد القباري بميناء البصل وهو مكون من خمسة طوابق تغل شهرياً 25 جنيهاً و500 مليم. وكانت مجرى المياه العادمة للمنزل تصب في غرفة تفتيش أمام بابه وبهذه الغرفة توصيلة إلى المجرى العمومية الواقعة بشارع القباري. وقد ألغت البلدية التوصيلة والمجرى المذكورتين وأقامت غيرهما، وعندما أوصلت البلدية غرفة تفتيش المنزل بالوصلة الجديدة لتصب في المجرى الحديثة تبين أنها أخطأت خطأً فنياً جسيماً، إذ أنها جعلت مأخذ الوصلة الجديدة المتفرعة من غرفة التفتيش أعلى من مستوى المجرى الداخلية للمنزل، وقد ترتب على هذا الخطأ استحالة تصريف مياه المجرى الداخلية وتجمع المياه فيها وتسربها إلى أرض المنزل حتى لم تعد تقوى على حمل المباني فتصدعت وانهار المنزل، وحرم المدعون من غلته، وأن السيدتين هانم حسن العريان ونجية مرسي إسماعيل من المدعيين أقامتا الدعوى رقم 2049 سنة 1953 مستعجل الإسكندرية ضد البلدية طلبتا فيها إثبات حالة المنزل، وبيان سبب تصدعه وتداعيه، وقضى فيها بتاريخ 19/ 7/ 1953 بندب خبير لبيان ما إذا كان سقوطه نتيجة لأعمال المجاري التي قامت بها البلدية ولتقدير قيمة الضرر الذي نتج عن ذلك، وقدم الخبير تقريره منتهياً فيه إلى أن سقوط المنزل يرجع إلى سببين أحدهما مباشر، وهو عمل المجاري المستجدة بطريقة خاطئة وغير فنية لأن توصيلة غرفة تفتيش المنزل بالمجاري الجديدة وضعت في مستوى أعلى من مستوى المجرى الداخلي للمنزل بمقدار 20 سم، فأدى ذلك إلى عدم تصرف مياه المجرى عن طريق التوصيلة الجديدة، مما ترتب عليه ترسب مخلفات المجرى بقاع غرفة التفتيش، ثم تسربها إلى جدران المنزل وباطن الأرض ونتج عن ذلك انهيار المنزل، وأن السبب الثاني غير مباشر ويرجع إلى قدم المنزل وتصدعه إذ سبق أن قدم أحد ملاك المنزل شكوى للبلدية في 11/ 9/ 1948 بأن حالته خطيرة ويخشى من انهياره فعاينه رجال البلدية وأثبتوا ما به من شروخ وكلفت البلدية الملاك بإصلاحه فلم يفعلوا، وأن مجاري المنزل الداخلية قديمة فساعدت حالة المنزل وقدم مجاريه على انهياره، وقدر الخبير قيمة مباني المنزل بمبلغ 1200ج يخصم منها 300 ج صافي قيمة الأنقاض بعد خصم مصاريف الهدم، وأن الباقي وقدره 900 ج تتحمل منه البلدية 600 جنيه مقابل تعويض الضرر الذي لحق المدعين ويتحمل المدعون الباقي لتقصيرهم في صيانة منزلهم، وبتاريخ 27/ 12/ 1954 أدخلت البلدية شركة وبرت ديمان ضامنة لها في الدعوى، تأسيساً على أنها كانت قد عهدت للشركة المذكورة في القيام بأعمال المجاري، وأدخلت الشركة بدورها المقاولين اللذين عهدت إليهما من باطنها في القيام بالأعمال المذكورة ضامنين لها، وبتاريخ 3 من ديسمبر سنة 1956 حكمت المحكمة قبل الفصل في الموضوع بندب خبير للاطلاع على الأوراق وتقرير الخبير المقدم في دعوى إثبات الحالة المستعجلة لبيان السبب الذي أدى إلى سقوط المنزل، وهل يرجع لعوامل داخلية سابقة لتاريخ إجراء المجاري الجديدة أم لعيب في هذه المجاري، وهل كان في استطاعة المدعين تلافي الضرر بمجرد ظهور الطفح وتحرير المخلفات ضدهم... وبيان المسئول عن سقوط المنزل، وتحديد درجة مسئولية كل طرف من الخصوم إذا كان هناك خطأ مشترك، وبعد أن قدم الخبير تقريره طلب المجلس البلدي أصلياً رفض الدعوى واحتياطياً الحكم على شركة المقاولة المدخلة ضامنة له بما عسى أن يحكم به عليه من تعويض تأسيساً على أنها الشركة التي نفذت عملية المجاري، وطلبت الشركة أصلياً رفض الدعوى لأن المنزل انهار بسبب قدمه. واحتياطياً - وبفرض أن انهياره قد نتج عن تنفيذ عملية المجاري - الحكم بإلزام المجلس البلدي بتعويض الضرر لأنه المسئول وحده عن تخطيط المجاري الخارجية وعن وضع مستواها، وقد قامت الشركة بتنفيذ العملية طبقاً لذلك، ومن باب الاحتياط الكلي تقدير التعويض بملغ 300 ج تلزم البلدية بثلثه ويلزم الملاك بباقيه مع إلزام المقاولين المدخلين ضامنين من قبل الشركة بما عسى أن يحكم به عليها للبلدية، وبتاريخ 26/ 3/ 1961 حكمت المحكمة (أولاً) بإخراج مجلس بلدي الإسكندرية من الدعوى بلا مصاريف (ثانياً) بإلزام شركة فيس وبرت ديمان وشركائها بأن تدفع للمدعين 600 ج والمصاريف (ثالثاً) إلزام شركة أولاد كامل بأن تدفع لشركة فيس وبرت ديمان وشركائها مبلغ 600 ج والمصاريف. استأنفت شركة فيس وبرت ديمان وشركاؤها هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية ضد المدعيين ومحافظ الإسكندرية والمقاولين من باطنها وطلبت (أصلياً) إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى الأصلية و(احتياطياً) إخراجها من الدعوى بلا مصاريف مع مساءلة بلدية الإسكندرية عن كافة التعويضات (ومن باب الاحتياط الكلي) تحديد قيمة المنزل بمبلغ 300 ج وإلزام البلدية بثلثه والتزام أصحاب المنزل بالباقي. وقيد هذا الاستئناف الأصلي برقم 403 سنة 17 ق، وأقام المدعون في الدعوى الأصلية استئنافاً فرعياً ضد شركة فيس وبرت ديمان ومحافظة الإسكندرية ومحمود محمد حسن ويوسف محمد لطفي طلبوا فيه رفض الاستئناف الأصلي وتعديل الحكم المستأنف إلى إلزام شركة وبرت ديمان ومجلس بلدي الإسكندرية وبالتضامن بينهما وفي مواجهة باقي المستأنف عليهم بأن يدفعوا لهم مبلغ 3989 ج والفوائد بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد والمصروفات عن الدرجتين وقيد هذا الاستئناف الفرعي برقم 156 سنة 18 ق الإسكندرية، وبتاريخ 23 من مايو سنة 1966 حكمت المحكمة (أولاً) بقبول الاستئنافين شكلاً. (ثانياً) وفي موضوع الاستئناف 403 سنة 17 ق الأصلي برفضه مع إلزام رافعه بالمصروفات (ثالثاً) وفي موضوع الاستئناف الفرعي رقم 156 سنة 18 ق (1) بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من إخراج مجلس بلدي الإسكندرية من الدعوى وبإلزام هذا المجلس بأن يدفع للمستأنفين مبلغ 1500 ج والمصروفات. (2) بإلزام شركة فيس ديمان وشركائها بأن تدفع لمجلس بلدي الإسكندرية مبلغ 1500 ج والمصروفات. (3) وبإلزام شركة أولاد كامل التي يمثلها محمد حسن ويوسف محمود بأن تدفع لشركة فيس ديمان وشركائها مبلغ 1500 ج والمصروفات. طعنت محافظة الإسكندرية في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب المبينة في تقرير الطعن، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصرت الطاعنة على طلب نقض الحكم المطعون فيه، وطلب الحاضر عن المطعون عليهما الأولى والثالثة رفض الطعن، وأصرت النيابة العامة على رأيها الوارد في مذكرتها وطلبت نقض الحكم.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وخالف حكماً سابقاً حاز قوة الشيء المحكوم فيه، إذ الثابت أن المدعين في الدعوى الأصلية وجهوا طلباتهم أمام محكمة أول درجة إلى الطاعنة وحدها وقضى الحكم الابتدائي برفض الدعوى بالنسبة لها، كما قضى مباشرة على الشركة المدخلة ضامنة ولم يقض للطاعنة على تلك الشركة في دعوى الضمان الفرعية ولم يكن ثمة ارتباط بين الدعويين الأصلية والفرعية، بل كانت كل منهما مستقلة عن الأخرى خصوماً وموضوعاً وسبباً، إذ رفضت الدعوى الأصلية على الطاعنة وحدها، وكان أساسها المسئولية التقصيرية، بينما كان الأساس في دعوى الضمان الفرعية هو عقد المقاولة الذي تحملت فيه الشركة مسئولية ما قد يحدث من إضرار للمنشآت أثناء تنفيذ عملية المقاولة، والدعويان بهذه الصورة تختلفان بما ينفي عنهما وصف عدم التجزئة، ومن ثم فإن الاستئناف الأصلي المرفوع من الشركة المطعون عليها التاسعة لا يترتب عليه إعادة طرح الدعوى أمام محكمة الاستئناف بالنسبة للشق المحكوم فيه لصالح الطاعنة بإخراجها من الدعوى بلا مصاريف، وإذ كان الاستئناف الفرعي قد رفع بعد فوات الميعاد وقضى الحكم المطعون فيه بقبوله وبإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من إخراج الطاعنة من الدعوى بلا مصاريف، وبإلزامها بالمبلغ المحكوم به فإنه يكون قد أخطأ في القانون فضلاً عن مخالفته للحكم الابتدائي الذي قضى بإخراج الطاعنة من الدعوى بلا مصاريف وأصبح نهائياً بفوات ميعاد الطعن فيه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الاستئناف المرفوع من الضامن عن الحكم الصادر ضده لصالح المدعي في الدعوى الأصلية لا يطرح على محكمة الاستئناف دعوى الضمان الفرعية وحدها، وإنما يطرح عليها الدعويين معاً الأصلية والفرعية بحيث يكون لها أن تحكم للمدعي الأصلي على الضامن أو على مدعي الضمان حسبما يتراءى لها من توافر أركان المسئولية، ولا وجه لما تتمسك به الطاعنة من أن محكمة أول درجة قد حكمت بإخراجها من الدعوى بلا مصاريف، وقد أضحى حكمها في هذا الخصوص نهائياً لعدم استئنافه أصلياً في الميعاد من المضرور، ذلك أن الارتباط الوثيق بين الدعويين الأصلية والفرعية يقتضي أن يتناول الاستئناف المرفوع من الضامن بحث أصل الخصومة ومدى مسئولية كل من المدين والضامن عن الضرر، إذ كان ذلك فإن ما تنعى به الطاعنة على الحكم المطعون فيه من قبول الاستئناف الفرعي رغم أنه موجه من مستأنف عليه إلى مستأنف عليه آخر يكون غير منتج ولا جدوى فيه.
حيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم القصور في التسبيب والتناقض، وفي بيان ذلك تقول إنه أقام قضاءه بمسئوليتها عن التعويض على أسباب قاصرة عن بيان عناصر المسئولية في حقها مما لا يتسنى معه مراقبة تطبيق القانون، كما أن الأسباب المذكورة جاءت قاصرة عن الرد على دفاع الطاعنة وما ساقه الحكم المستأنف من أسانيد، واكتفى الحكم في ترتيب مسئولية الطاعنة عن تعويض الضرر على ما قرره من أنها متبوعة للمقاول دون أن يبين دليله على عناصر هذه التبعية، ودون أن يبين مسئوليتها عما زعمته الشركة التي نفذت العملية من خطأ في المواصفات التي وصفها المجلس البلدي، وذلك ببحث هذا الخطأ ومدى علاقته بالضرر، هذا إلى أنه رغم أن الحكم خلا من إسناد أي خطأ للبلدية يمكن مساءلتها عنه، ورغم أنه اعتبر الشركة المطعون عليها التاسعة مسئولة وحدها عن الخطأ فإنه حمل الطاعنة بالتعويض بصفة أصلية مما يعيبه بالتناقض ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه، يبين أنه أقام قضاءه بمسئولية الطاعنة عن التعويض على قوله "إن أعمال المجاري هي أصلاً من اختصاص البلدية التي تهيمن على المرافق العامة في المدينة وتجري ما تراه لازماً لها، فإذا رأت أن تعهد بهذه الأعمال إلى مقاولين يقومون بها نيابة عنها فإن ذلك لا يرفع عن كاهلها مسئولية الأخطاء التي يرتكبها هؤلاء المقاولون في سبيل تنفيذ هذه الأعمال" كما استند في قضائه بالنسبة للشركة المطعون عليها التاسعة على ما قرره من أنه "لا يعفيها من هذه المسئولية ما قالته في أسباب استئنافها من أنه لم يكن في إمكانها من الناحية الفنية تركيب المجاري بطريقة أخرى لأن جميع الشروط الفنية قد فرضت عليها بموجب الرسوم التي سلمتها إليها البلدية، ذلك أن الخطأ لا يرجع إلى هذه الشروط الفنية وإنما يرجع إلى المناسيب التي لا تؤدي إلى تصريف مياه المجاري من المنزل إلى فروع المجاري بالشارع، كما أنه لا يغني هذه الشركة أن تتذرع بهذا الزعم لأنه لا يجدر بها أن توافق البلدية على أعمال فنية خاطئة، وكان يتعين عليها متى اكتشفت هذه الأخطاء الفنية أن تمتنع عن تنفيذها أو تعمل على إصلاحها باتفاقها معها". وفي هذا الذي أورده الحكم ما يكفي لبيان عناصر الخطأ الموجب للمسئولية، ومن ثم فإن النعي عليه بالقصور يكون غير سديد، أما عن النعي بالتناقض فهو مردود كذلك إذ أن الحكم بعد أن أثبت مسئولية الطاعنة باعتبارها المهيمنة على أعمال المجاري والمشرفة عليها أطرح دفاع الشركة التي عهدت إليها الطاعنة بتنفيذ العملية وانتهى إلى تقرير مسئوليتها أيضاً عن الأخطاء التي اكتنفت العملية عند التنفيذ، وليس في هذا الذي أثبته الحكم ثمة تناقض.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بثبوت الخطأ على ما جاء بتقرير مكتب خبراء وزارة العدل من أنه ليس هناك ثمة سبب آخر لانهيار المنزل خلاف الخطأ الفني في توصيل المجاري، وأن قدم المنزل لم يكن ذا أثر البتة في إحداث هذه النتيجة، لأنه لو كانت التوصيلات الجديدة للمجاري قد عملت بطريقة فنية صحيحة لما حدث الكسر في المجاري الداخلية، ولما تسربت المياه إلى أساسات المنزل، ولأمكن بقاؤه سليماً فترة طويلة من الزمن ورغم أن هذا التقرير كان موضع طعن من جانب البلدية والشركة لتناقضه مع ما هو ثابت في تقرير خبير إثبات الحالة من أن حالة المجاري الداخلية للمنزل كانت من القدم بحيث لا تتحمل أي ضغط عليها وعرضه للكسر والانسداد وتسري المياه، ورغم ما هو ثابت من المستندات المقدمة من البلدية من أن المنزل متصدعاً وآيلاً للسقوط منذ سنة 1948 قبل تنفيذ عمليه المجاري الأخيرة، فإن الحكم التفت عن دلالة هذه الأوراق وأغفل الرد عليها مما يعيبه بالقصور الذي يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يبين من الرجوع إلى الحكم المطعون فيه أنه قرر في هذا الخصوص "أن التقريرين المقدمين في الدعوى من الخبيرين المنتدبين فيها قد أجمعا على أن الخطأ في تنفيذ هذه الأعمال كان مؤثراً في انهيار المنزل موضوع النزاع، فقد قطع الخبير المنتدب من مكتب خبراء وزارة العدل أن التوصيلة الجديدة للمجاري قد أنشئت بطريقة خاطئة إذ جاء منسوبها مرتفعاً عن برابخ المجاري الداخلية للمنزل بمقدار 18.5 سم، في حين أنه كان من المتعين أن تنشأ منخفضة عنها أو على الأقل في مستواها، وكان من نتيجة ذلك أن كانت مياه المجاري المتدفقة من المنزل تركد في غرفة التفتيش الخارجية وكانت مخلفاتها ترسب أيضاً في قاع تلك الغرفة حتى بلغ ارتفاعها بها 27 سم، وترتب على ذلك انسداد برابخ المنزل الداخلية عند غرفة التفتيش وطفح المجاري لعدم وجود منفذ لمياهها يسمح لها بالخروج منه، وقد أدى ذلك إلى زيادة الضغط على المجاري الداخلية للمنزل الذي أدى بدوره إلى حدوث كسر بها بالقرب من غرفة التفتيش الخارجية الخاصة بالمنزل، ومن هذا الكسر تسربت مياه المجاري إلى باطن الأرض أسفل جدران المنزل، وظلت كذلك طيلة ثلاثة شهور حتى أحدثت خلخلة في التربة أسفل الأساسات أدت إلى هبوطها" وقرر الحكم أيضاً "أن الأسانيد الفنية التي أوردها هذا الخبير في تقريره صحيحة وسليمة ومن ثم فإن المحكمة تعتمدها أساساً للمسئولية عن انهيار المنزل موضوع النزاع، وهي ترى أيضاً أن ليس هناك ثمة سبب آخر خلاف هذا الخطأ الفني في توصيل المجاري قد ساهم في حصول هذا الانهيار، وأن قدم المنزل لم يكن ذا أثر البتة في إحداثه، ذلك أنه لو كانت التوصيلات الجديدة للمجاري قد عملت بطريقة فنية صحيحة لما حدث الكسر في المجاري الداخلية ولما تسربت المياه إلى أساسات المنزل ولأمكن بقاؤه سليماً لفترة طويلة" إذ كان ذلك وكانت هذه الأسباب التي أقيم عليها الحكم سائغة وكافيةً لحمله ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها فإن النعي عليه بالقصور يكون على غير أساس ولا يعدو أن يكون مجادلة في تقدير الدليل مما يستقل به قاضي الموضوع.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه خالف الثابت في الأوراق وأخطأ في تطبيق القانون من وجهين (أولهما) أنه عول على تقدير الخير لمباني المنزل بمبلغ 1200 ج، وخالفه في تقديره للأنقاض المخلفة عن الهدم إذ قدرها بمبلغ 100 جنيه واستنزلها من المبلغ المقدر للمباني، في حين أنه لم يكن هناك ثمة خلاف في الدعوى على تقدير قيمة الأنقاض، إذ قدرها المدعون في صحيفة دعواهم بالمبلغ الذي بيعت به وهو 300 ج، فإذ جاء الحكم وقدرها بأقل من ذلك فإنه يكون قد خالف الثابت في الأوراق بإقرار المدعيين (وثانيهما) أن المطعون عليهم الثمانية الأول حددوا طلباتهم أمام محكمة أول درجة بإلزام الطاعنة بأن تدفع لهم مبلغ 3989 ج قيمة ثمن المنزل وفوائده 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد مع حفظ حقوقهم في الرجوع على الطاعنة بما ضاع عليهم من الانتفاع بغلة هذا المنزل منذ تصدعه، وحكمت محكمة أول درجة برفض طلب الفوائد غير أن محكمة الاستئناف بعد أن قضت برفض طلب الفوائد لأن المبلغ المدعى به غير معلوم وقت الطلب، حكمت للمدعيين بمبلغ 400 ج زيادة على ثمن المنزل تأسيساً على أن المبلغ المذكور يعتبر تعويضاً لهم عن حرمانهم من الانتفاع بمنزلهم خلال المدة التي جاوزت العشر سنوات. ومن ثم فإنه يكون قد قضى بما لم يطلبه الخصوم لسبق احتفاظهم في الدعوى بعنصر ما فاتهم من كسب تمثل فيما قطع عليهم من الانتفاع بالمنزل منذ تصدعه. وفي هذا ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه الأول منه، ذلك أن الثابت من صورة صحيفة الاستئناف الفرعي المقام من المطعون عليهم الثمانية الأول والمعلن للطاعنة ومن صورة المذكرة المقدمة منهم لمحكمة الاستئناف والمودعتين الملف أن المطعون عليهم المذكورين نعوا على الحكم الابتدائي تقديره قيمة المنزل بمبلغ 1200 ج وتمسكوا بأن قيمته لا تقل عن 4500 ج، ونعوا عليه تقديره قيمة أنقاض المنزل جزافاً بمبلغ 300 ج، قولاً منهم بأن هذا التقدير لا يقوم على أساس خصوصاً إذا لوحظ أن الأنقاض متخلفة عن انهيار المنزل بسبب تسرب المياه تحت الجدران وليس نتيجة عملية هدم يمكن معها إخراج الأنقاض بحالة تسمح بالتصرف فيها بثمن مناسب. إذ كان ذلك وكانت المادة 410 من قانون المرافعات السابق التي تحكم واقعة النزاع توجب على المحكمة أن تنظر الاستئناف على أساس ما قدم إليها من أدلة ودفوع وأوجه دفاع جديدة، فإن الحكم المطعون فيه وقد قدر قيمة أنقاض المنزل بمبلغ 100 جنيه على أساس دفاع المطعون عليهم المذكورين في هذا الخصوص فإنه لا يكون قد قضى بما يخالف الثابت في الأوراق، والنعي مردود في الوجه (الثاني) بأن الثابت بصورة صحيفة الاستئناف الفرعي المقام من المطعون عليهم الثمانية الأول والمودعة الملف أنهم نعوا بالسبب السادس من أسباب الاستئناف على ما قضي به الحكم الابتدائي من رفض طلب الفوائد، واستندوا في ذلك إلى أن الفوائد التي يطلبون الحكم لهم بها تمثل مقابل ريع المنزل الذي حرموا منه بسبب انهياره. وإذ كان مؤدى ذلك أن المطعون عليهم المذكورين يهدفون بطلب الفوائد الحصول على تعويض مقابل حرمانهم من ريع المنزل فضلاً عن التعويض الأصلي المستحق لهم عن تصدعه وهدمه، وكانت محكمة الموضوع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - غير مقيدة في تكييف الطلبات المعروضة عليها بوصف الخصوم لها، وإنما تلتزم بالتكييف الصحيح الذي تتبينه من وقائع الدعوى وتطبيق القانون عليها، وكان يبين من الرجوع إلى الحكم المطعون فيه أنه بعد أن رفض طلب الفوائد القانونية قرر في خصوص تقدير التعويض المستحق أنه "لما كان من سلطة محكمة الموضوع وهي تقدر مثل هذا التعويض أن تدخل في حسابها جميع عناصره ومن بينها طول أمد التقاضي وكان المستأنفون بطلباتهم الفوائد إنما قصدوا إلى طلب تعويضهم عن حرمانهم من استغلال المنزل طول الفترة التالية لانهياره حتى الآن، ومن ثم يسوغ للمحكمة أن تعوضهم عن هذا الضرر أيضاً، وهي بذلك لا تكون قد غيرت الأساس القانوني لهذا الطلب وإنما هي حددت طلباتهم في الحدود التي يخولها القانون ذلك"، إذ كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه ويكون النعي عليه بذلك غير سديد.