أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 22 - صـ 828

جلسة 24 من يونيه سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

(135)
الطعن رقم 31 لسنة 37 القضائية

( أ ) بطلان. "بطلان الحكم".
القضاء بالمقاصة في أتعاب المحاماة رغم رفض الاستئنافين الأصلي والفرعي. لا يعد بطلاناً ذا أثر في الحكم.
(ب) استئناف. "الحكم في الاستئناف". حكم. "المصلحة في الطعن".
تعيب الحكم لقضائه برفض الاستئناف دون الحكم بعدم جوازه. لا يحقق سوى مصلحة نظرية للطاعن. عدم قبوله.
(ج) إثبات. "القرائن". محكمة الموضوع. نقض. "سلطة محكمة النقض". وصية.
قضاء محكمة الموضوع بأن التصرف ساتر لتصرف مضاف إلى ما بعد الموت، استناداً للقرائن المقبولة التي أوردتها. هو من قبيل فهم الواقع في الدعوى. لا رقابة عليها لمحكمة النقض.
(د) تعويض. "تقدير التعويض". محكمة الموضوع.
تقدير التعويض هو مما تستقل به محكمة الموضوع. الكسب الفائت يعد من عناصر التعويض. شرطه.
1 - قبول الطعن في الحكم لوقوع بطلان في الإجراءات منوط بأن يكون هذا البطلان قد أثر في الحكم. والقضاء بالمقاصة في مقابل أتعاب المحاماة بعد رفض الاسئتنافين الأصلي والفرعي ليس دليلاً على وجود هذا الأثر.
2 - تعييب الطاعنين للحكم لقضائه برفض الاستئناف الفرعي، دون الحكم بعدم جوازه، غير مقبول لأن المصلحة في هذه الصورة مصلحة نظرية بحتة.
3 - استقر قضاء هذه المحكمة في ظل القانون المدني القديم على أن محكمة الموضوع إذ تحصل من ظروف الدعوى وملابساتها أن العقد الذي يفيد بصيغته البيع والشراء أو قبض الثمن وتسليم المبيع، هو عقد ساتر لتبرع مضاف إلى ما بعد الموت، وتذكر القرائن الدالة على ذلك وتعتمد على دلالتها، وتكون هذه الدلالة مقبولة عقلاً، لا تفيد إلا أنها حصلت فهم الواقع في الدعوى من دليل مقبول عقلاً، وإذ تقوم بوظيفتها هذه، فلا رقابة عليها لمحكمة النقض.
4 - تقدير التعويض هو مما يستقل به قاضي الموضوع، ما لم ينص القانون على وجوب اتباع معايير معينة في هذا الخصوص، وإنه وإن كان القانون لا يمنع من أن يحسب في الكسب الفائت باعتباره من عناصر التعويض، ما كان المضرور يأمل الحصول عليه من كسب، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون للأمل أسباب مقبولة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن السيد محمود مصطفى درويش وأخرى أقاما الدعوى رقم 627 سنة 1961 مدني كلي القاهرة ضد وزارة العدل يطلبان الحكم بإلزامها بأن تدفع لهما مبلغ 2000 ج على سبيل التعويض، وقالا بياناً لذلك إنهما أقاما الطعن رقم 73 سنة 24 قضائية، وطلبا للسبب الوارد بالتقرير نقض الحكم الصادر ضدهما بتاريخ 17/ 1/ 1954 في الاستئناف رقم 651 سنة 69 قضائية وإحالة القضية على استئناف القاهرة للفصل فيها من جديد، ولما عرض الطعن على دائرة فحص
الطعون حكمت برفضه وبإلزامهما بمصروفاته وبمصادرة الكفالة وبمبلغ 20 ج مقابل أتعاب المحاماة استناداً إلى بطلان إعلان المطعون عليها زينب مصطفى درويش بتقرير الطعن، وذلك لإعلانها في مواجهة الإدارة دون أن يثبت المحضر في أصل الإعلان وصورته الخطوات السابقة على هذا الإجراء طبقاً لما توجبه المادة 12 من قانون المرافعات، وإذ ترتب على خطأ المحضر أن خسر الطاعنان الحصة التي كانت تطالب بها المطعون عليها والبالغ قدرها 4 و2/ 3 ط من 24 ط شائعة في العقار موضوع النزاع ومقابل الانتفاع بها، فضلاً عما تكبداه من مصروفات التقاضي وأتعاب المحاماة المحكوم بها عليهما في مختلف درجات التقاضي، وكان الكسب الذي فاتهما والخسارة التي لحقت بهما وتقدر بمبلغ 2000 ج تسأل عنه وزارة العدل مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه، فقد أقاما هذه الدعوى للمطالبة به، وطلبت الوزارة رفض الدعوى لانتفاء ركن الضرر وعدم احتمال كسب الطعن، وفي 22/ 5/ 1965 حكمت المحكمة بإلزام المدعى عليها بأن تدفع للمدعيين مبلغ خمسين جنيهاً على سبيل التعويض، واستأنف المدعيان هذا الحكم بالاستئناف رقم 1315 سنة 82 ق طالبين تعديله والقضاء لهما بكامل المبلغ المدعى به، كما استأنفته المحكوم ضدها استئنافاً فرعياً بالمذكرة المقدمة خلال فترة حجز الدعوى للحكم طالبة رفض الاستئناف الأصلي وإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى، وقيد هذا الاستئناف الفرعي برقم 1306 سنة 82 قضائية وفي 24/ 11/ 1966 حكمت المحكمة بقبول الاسئتنافين شكلاً وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف، وطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة بالتقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعنان على طلب نقض الحكم، وطلبت المطعون عليها رفض الطعن وصممت النيابة على رأيها الوارد بالمذكرة وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب بتحصل (أولها) في وقوع بطلان في الإجراءات أثر في الحكم وإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول الطاعنان إن الوزارة المطعون عليها قدمت خلال فترة حجز الاستئناف الأصلي للحكم مذكرة بدفاعها ضمنتها استئنافاً فرعياً عن الحكم الابتدائي، ولما كان من غير الجائز رفع الاستئناف الفرعي في فترة حجز الدعوى للحكم حتى ولو كان مصرحاً للخصوم بتقديم مذكرات، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بقبول هذا الاستئناف شكلاً وبالرغم من رفعه على هذا النحو، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه، ولا يرد على ذلك بأن عدم قبول الاستئناف ورفضه سيان، ذلك أن قبول الاستئناف الفرعي وتعرض المحكمة للحجج والأسانيد التي أقيم عليها قد أثر حتماً في وجدان المحكمة وفي تكوين عقيدتها بدليل قضائها برفض الاستئنافين وإجراء المقاصة في أتعاب المحاماة، في حين أنها لو قضت بعدم قبول الاستئناف الفرعي لاقتصر دورها على بحث الاستئناف الأصلي وحده، وهو ما يتغير معه وجه الرأي في الدعوى، كما أن المحكمة إذ قبلت مذكرة المطعون عليه رغم ثبوت علم الطاعنين بها تكون قد أخلت بحقهما في الدفاع وبنت حكمها على إجراءات باطلة.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان قبول الطعن في الحكم لوقوع بطلان في الإجراءات منوط بأن يكون هذا البطلان قد أثر في الحكم، وكان القضاء بالمقاصة في مقابل أتعاب المحاماة بعد رفض الاستئافين الأصلي والفرعي ليس دليلاً على وجود هذا الأثر، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه يكون على غير أساس، أما تعييب الطاعنين للحكم لقضائه برفض الاستئناف الفرعي دون الحكم بعدم جوازه فهو غير مقبول لأن المصلحة في هذه الصورة مصلحة نظرية بحتة.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقولان إنهما أقاما دفاعهما لدى محكمة الموضوع على أن احتمال كسب الطعن الذي قضى برفضه لبطلان الإعلان كان كبيراً، ذلك أن العقد موضوع النزاع صدر للطاعن الأول قبل العمل بالنص المستحدث الوارد بالمادة 917 من القانون المدني الجديد، وأنه كان يتعين أن يطبق المبدأ الذي استقرت عليه محكمة النقض وقتئذ من أن وضع يد المورث على العقار المبيع لأحد ورثته إلى حين وفاته ليس من شأنه وحده أن يؤدي إلى اعتبار التصرف غير منجز وأنه مضاف إلى ما بعد الموت، ولكن المحكمة التفتت عن هذا الدفاع ورفضت تعويضهما عن الضرر المقابل للكسب الذي فاتهما بسبب رفض الطعن بمقولة "إن احتمال كسب الطعن لم يكن كبيراً" وذلك دون أن توازن في حكمها بين الاحتمالات المختلفة حتى تبين مدى استيعابها لجوهر النزاع، ودون أن تبين الأسباب التي تبرر هذا الاعتقاد وتسوغه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يبين من الأوراق أن الحكم الاستئنافي رقم 658 سنة 69 قضائية قد أقام قضاءه باعتبار العقد الصادر من المورث لابنه الطاعن الأول ببيع العقار المتنازع عليه تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت على الأدلة والقرائن المقدمة في الدعوى، والتي تفيد أن المورث ظل محتفظاً بحيازة العين المبيعة وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته، وأن ثمناً لم يدفع لعدم وجود مال لدى المشتري، حيث كان لا زال طالباً عند التعاقد، وأن الطعن رقم 73 سنة 24 ق قد أقيم على سبب واحد هو مخالفة الحكم المذكور للقانون من وجهين. (أولهما) أن احتفاظ البائع بالعين المبيعة لأحد ورثته مدى حياته لا يدل على بذاته على أن العقد وصية (وثانيهما) أن عدم دفع الثمن لا يمنع من تنجيز العقد باعتباره هبه موصوفة في صورة بيع، ولما كان قضاء هذه المحكمة قد استقر في ظل القانون المدني القديم على أن محكمة الموضوع إذ تحصل من ظروف الدعوى وملابساتها أن العقد الذي يفيد بصيغته البيع والشراء وقبض الثمن وتسليم المبيع هو عقد ساتر لتبرع مضاف إلى ما بعد الموت، وتذكر القرائن الدالة على ذلك وتعتمد على دلالتها وتكون هذه الدلالة مقبولة عقلاً، لا تفيد إلا أنها حصلت فهم الواقع في الدعوى من دليل مقبول عقلاً، وأنها إذ تقوم بوظيفتها هذه فلا رقابة عليها لمحكمة النقض، وكانت القرائن التي استند إليها الحكم الاستئنافي رقم 658 سنة 69 قضائية تكفي لحمل قضائه ولا مخالفة فيها لقضاء محكمة النقض وفي هذا الخصوص، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور لاكتفائه بالقول في الأسباب "أنه باستعراض أسباب الحكم الصادر في الاستئناف رقم 568 سنة 69 ق المرفوع من السيدة/ زينب مصطفى درويش والذي قضى فيه بتاريخ 17/ 1/ 1954 بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وتثبيت ملكية المستأنفة إلى حصة قدرها ثلثان من 24 قيراطاً شائعة في المنزل المبين الحدود والمعالم بهذا الحكم وباستعراض ما وجه إلى هذا الحكم من أسباب الطعن بالنقض المبينة بصحيفة إعلانه أن احتمال كسب الطعن كان ضعيفاً" يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أخطأ في القانون، ذلك أنه اكتفى بتعويض الطاعنين عن الخسارة التي لحقتهما والتفت عن الكسب الذي فاتهما وقدر في هذا المجال تعويضهما عما تكبداه من مصاريف الطعن بالنقض وأتعاب المحاماة بملغ خمسين جنيهاً، في حين أن المستندات المقدمة منهما تثبت أنهما تكبدا مصاريف وأتعاباً أكثر من هذا المبلغ، وإذ كانت هذه المستندات ليست محل طعن أو تجريح من المطعون عليها، وكانت المبالغ الثابتة بها محددة طبقاً لقوانين الرسوم واللوائح وما جرى به العرف، فإنه لا يكون للمحكمة أن تلجاً إلى تقديرها تقديراً جزافياً، وإلا فإن حكمها يكون غير قائم على أساس قانوني، هذا إلى أن المحكمة بعد أن فرقت في حكمها بين الضرر الاحتمالي المحض وبين تفويت الفرصة، فإنها لم تقدر عن تفويت الفرصة أي مقابل في حين أن تفويتها في حد ذاته يعتبر ضرراً محققاً يجب التعويض عنه عند قيام موجبه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك تقدير التعويض هو مما يستقل به قاضي الموضوع ما لم ينص القانون على وجوب اتباع معايير معينة في هذا الخصوص وأنه وإن كان القانون لا يمنع من أن يحسب في الكسب الفائت، باعتباره من عناصر التعويض ما كان المضرور يأمل الحصول عليه من كسب، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون للأمل أسباب مقبولة. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أوضح القواعد الصحيحة في شأن تفويت الفرصة قد رأي للأسباب السائغة التي أوردها أن احتمال كسب الطعن رقم 73 سنة 24 ق كان ضعيفاً، وقدر تعويضاً إجمالياً قدره خمسون جنيهاً عن جميع عناصر الضرر فإن النعي عليه بالخطأ في القانون يكون على غير أساس، ولما تقدم يتعين رفض الطعن.