أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 14 - صـ 946

جلسة 27 من يونيه سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ الحسيني العوضي، وبحضور السادة المستشارين: محمود القاضي، وأميل جبران، ومحمد ممتاز نصار، وحافظ محمد بدوي.

(132)
الطعن رقم 255 لسنة 27 القضائية

( أ ) فوائد. "تقاضي فوائد على متجمد الفوائد". "تجاوز الفوائد لرأس المال".
حظر تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ومنع تجاوز الفوائد لرأس المال. خروج ما تقضي به العادات التجارية من دائرة هذا الخطر. المادة 232 مدني نص مستحدث لا مثيل له في القانون المدني القديم.
(ب) فوائد. قرض. "قروض المصارف" "طبيعتها".
القروض التي تعقدها المصارف تعتبر بالنسبة للمصرف المقرض عملاً تجارياً بطبيعته. وبالنسبة للمقترض فترى محكمة النقض اعتبارها كذلك عملاً تجارياً مهماً كانت صفة المفترض وأياً كان الغرض الذي خصص له القرض. خروج هذه القروض عن نطاق الحظر الوارد في المادة 232 مدني. خضوعها للقواعد والعادات التجارية.
(ج) فوائد. "العادات التجارية" "المقصود بها" "ثبوتها". إثبات. حكم. "عيوب التدليل" "قصور" "ما لا يعد كذلك".
المقصود بالعادة التجارية التي تعنيها الفقرة الأخيرة من المادة 232 مدني هي ما اعتاده المتعاملون في التعامل. يكفي في العادة التجارية أن تكون معبرة عن سنة مستقرة. استدلال الحكم على قيام عادة تجارية تجيز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد وعلى تجاوز مجموع الفوائد لرأس المال، بأن العادة التجارية تثبت بكافة طرق الإثبات ومن ذلك ما كان مستمداً من طبيعة العمل نفسه وخصائصه، وأن الفروض الطويلة الأجل هي من صميم أعمال البنوك وجريان العادة منذ نشوء الائتمان العقاري على اقتضاء فوائد تزيد على رأس المال. استدلال سائغ لا عيب فيه.
1 - لم يكن القانون المدني القديم يحول دون تقاضي الفوائد إذا تجاوز مجموعها رأس المال ولا تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ما دامت مستحقة لمدة سنة أو تزيد، إلا أن نص المادة 232 من القانون المدني استحدث حكماً جديداً مؤداه أن المشرع قد حظر أمرين أولهما منع تقاضي فوائد على متجمد الفوائد وثانيهما منع تجاوز الفوائد لرأس المال. إلا أنه أخرج من هذا الحظر ما تقضي به القواعد والعادات التجارية [(1)] وهذه القواعد لا تسود إلا في نطاق المعاملات التجارية.
2 - القروض التي تعقدها المصارف تعتبر بالنسبة للمصرف المقرض عملاً تجارياً بطبيعته وفقاً لنص المادة الثانية من قانون التجارة. أما بالنسبة للمقترض فإنه وإن اختلف الرأي في تكييفها إذا لم يكن المقترض تاجراً أو إذا كان القرض مخصصاً لأغراض غير تجارية، إلا أن محكمة النقض ترى اعتبار القروض التي تعقدها البنوك في نطاق نشاطها المعتاد عملاً تجارياً مهماً كانت صفة المقترض وأياً كان الغرض الذي خصص له القرض ذلك أن البنك المقرض يتحمل عادة في سبيل الحصول على الأموال التي يلبي بها حاجات المفترضين أعباء أكثر فداحة من المقرض العادي إذا هو يحصل على هذه الأموال من المصارف الأخرى التي تتقاضى منه فوائد على متجمد الفوائد غير مقيدة بالحظر الوارد في المادة 232 مدني - على أساس أن المعاملة بين المصرفين هي معاملة تجارية تدخل في نطاق الاستثناء الوارد بتلك المادة، وليس من المعقول أن يحرم المصرف من هذه المزايا عندما يقرض الغير، هذا علاوة على ما يتعرض له المصرف من مخاطر في القروض الطويلة الأجل ومن حرمانه من أموال كان يمكنه استثمارها في وجوه أخرى غير القرض تدر عليه أرباحاً أكثر - ومما يؤيد هذا النظر أن الشارع المصري قد أصدر في ظل القانون المدني الجديد القانون رقم 110 لسنة 1956 بإنشاء بنك الائتمان العقاري وأجاز لهذا البنك منح قروض طويلة الأجل لغير التجار ولغير أغراض تجارية - وهذه القروض تفترض بسبب طول أجلها تجاوز الفوائد لرأس المال - مما يفيد أن المشرع قد خرج بهذه القروض عن نطاق الحظر المنصوص عليه في صدر المادة 232 من القانون المدني وهو ما لا يمكن تفسيره إلا بأنه قد اعتبر تلك القروض تجارية وتبعاً لذلك تخضع للقواعد والعادات التجارية التي تبيح تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ومجاوزة مجموع الفوائد لرأس المال.
3 - المقصود بالعادات التجارية التي تعنيها الفقرة الأخيرة من المادة 232 مدني هي ما اعتاده المتعاملون ودرجوا على اتباعه بحكم ما استقر من سنن وأوضاع في التعامل، فيكفي في العادة التجارية أن تكون معبرة عن سنة مستقرة ولا يشترط أن تكون هذه السنة مخالفة لأحكام القانون - ولما كان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه في هذا الخصوص قد استدل على قيام عادة تجارية تجيز قاضي فوائد على متجمد الفوائد وعلى تجاوز مجموع الفوائد لرأس المال بقوله: "وحيث إن العادة التجارية تثبت بكافة طرق الإثبات وخير دليل عليها ما كان مستمداً من طبيعة العمل نفسه ومن خصائصه الكامنة فيه ولا مرية في أن عملية القرض الطويل الأجل هي من صميم أعمال البنك العقاري المصري وفقاً لقانونه النظامي وفي أن العادة قد جرت منذ نشوء الائتمان العقاري في مصر على اقتضاء فوائد تزيد على رأس المال في كل قرض عقاري ذي أجل طويل وهذه العادة مذكورة في المؤلفات الاقتصادية وفي كتب القانون على أنها من أبرز العادات التجارية التي تستمد كيانها من طبيعة العمل ذاته والمفروض أن المشرع كان يعلم بها علم اليقين حين عمل على حماية عادات التجارية بالاستثناء المنصوص عليه في عجز المادة 232 مدني - ولعل صورة هذه العادات بالذات كانت مقدمة الصور التي كانت بخاطره عندما وضع هذا الاستثناء". فإن هذا الذي قرره الحكم سائغ ولا عيب فيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أن الطاعنة أقامت الدعوى الابتدائية رقم 5818 سنة 1953 مدني كلي القاهرة ضد البنك العقاري المصري بصحيفة أعلنت له في 7/ 12/ 1953 وطلبت فيها الحكم ببراءة ذمتها من جميع الأقساط الباقية للبنك عن السلفتين رقم 14207 تجزئة ثالثة و14859 تجزئة ثالثة وكذا السلفتين 14207 دون تجزئة وبإلزام البنك المذكور برد مبلغ 3859 جنيهاً قيمة الأقساط التي دفعت بعد أكتوبر سنة 1949 وفوائده بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية لحين تمام السداد ثم عدلت طلب الرد إلى رد مبلغ 4046 جنيهاً و276 مليماً حتى آخر ديسمبر سنة 1953 وقالت في بيان دعواها إنه في 31 ديسمبر سنة 1912 عقدت مورثتها السيدة بتول اثناسيوس سلفتين مع البنك العقاري المصري (المطعون ضده) أولاهما السلفة رقم 14207 بمبلغ 15928 جنيهاً و230 مليماً لمدة تسع وثلاثين سنة بفائدة 6% سنوياً والثانية رقم 14859 بمبلغ 20450 جنيهاً وأنه قد مد أجل الباقي من السلفتين 33 أخرى مع تخفيض الفائدة ابتداء من 31 ديسمبر سنة 1934 تنفيذاً للاتفاق المعقود بين البنك العقاري وبين الحكومة والصادر بإقراره للقانون رقم 7 لسنة 1933، وأنها طلبت من البنك تجزئة الضمان إذ أنها اختصت بحصة مفرزة من أرض مورثتها المرهونة للبنك ضماناً للسلفتين المشار إليهما وفي 23 سبتمبر سنة 1949 حدد البنك نصيبها من السلفة رقم 14207 أ. ب بمبلغ 2698 جنيهاً و722 مليماً في رأس المال القابل للاستهلاك وبمبلغ 265 جنيهاً و951 مليماً في رأس المال المؤجل كما حدد نصيبها في القرض الثاني رقم 14859 بمبلغ 3305 جنيهات و878 مليماً وأنها ظلت تذعن لدفع ما يطلبه البنك من أقساط إلى 24/ 11/ 1953 وأن ما تم سداده حتى تاريخ صدور القانون المدني الجديد في 15 أكتوبر سنة 1949 من الفوائد قد زاد عن ضعف رأس المال وأنها رغم ذلك استمرت في الدفع بعد ذلك حتى أصبح المبلغ الذي يحق لها استرداده هو المبلغ الذي طلبت الحكم برده وأن الدين جميعه قد برئت ذمتها منه وأنها لذلك لم تجد مندوحة من إقامة دعواها مؤسسة طلباتها على ما تقضي به المادة 232 من القانون المدني - وقد دفع البنك الدعوى أصلياً بطلب رفضها واحتياطياً الحكم بانطباق المادة 232 مدني اعتباراً من 15 أكتوبر سنة 1949 على فوائد رصيد الدين المتبقي في ذمة الطاعنة في هذا التاريخ وأدخل البنك وزارة المالية في الدعوى بإعلان في 25/ 10/ 1954 لتسمع الحكم في مواجهتها باعتبارها ممثلة للحكومة صاحبة الدين حرف ج ولتبدي دفاعها ولتقدم ما لديها من مستندات. وبتاريخ 25 إبريل سنة 1955 قضت محكمة القاهرة الابتدائية برفض الدعوى مستندة في ذلك إلى ما نصت عليه المادة 232 من القانون المدني من أنه لا يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ولا أن تزيد الفوائد على ضعف رأس المال - يجب قصره على المعاملات المدنية البحتة أما الأعمال المصرفية وهي أعمال تجارية فإنها تخضع للاستثناء الوارد في عجز هذه المادة إذ احتاط المشرع وأضاف استثناء للنص مؤداه عدم المساس بالقواعد والعادات التجارية وهذا الاستثناء كان من المشرع تقنيناً للعادات السائدة قبل صدور القانون المدني كما أن المشرع أصدر قوانين التسوية العقارية في السنوات 1933 و1936 و1942 وفيها نصوص على جواز تجميد الفوائد وتركيبها مما يفيد بأن المشرع في قوانين التسوية قد أجاز أيضاً هذه العادات وقننها ولا محل للمساس بقوانين التسوية الخاصة بأية قاعدة عامة، وأن في الأخذ بوجهة نظر الطاعنة ما يؤدي إلى زعزعة الائتمان العقاري وانهياره وما يؤدي إلى إهدار العادات التي سادت زمناً طويلاً وإلى إهدار قوانين التسوية. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 1369 سنة 72 قضائية ناعية عليه أنه أخطأ تأويل المادة 232 مدني من ثلاث نواحي: أولها - من ناحية مفهوم الفائدة التجارية فقد أخطأ الحكم المستأنف إذ اعتبر الفائدة التي يحصل عليها البنك فائدة تجارية حالة أن الفائدة لا تكون تجارية إلا إذا كان الالتزام تجارياً وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان المدين تاجراً أو ترتب على عملية تجارية. وثانيهما - من ناحية مفهوم العادات التجارية فقد خلط الحكم المستأنف بين العادات الموضوعية والعادات القانونية والأولى لم تكتمل ولا يتوافر فيها الإلزام والثانية هي التي تكتمل بتوافر الإلزام لها واستمرار البنك في الحصول على فائدة لا يكون عادة قانونية ملزمة وإنما يكون عادة موضوعية غير ملزمة كما أن اضطراب المعاملات العقارية لا يمكن أن تتكون معه عادة قانونية. وثالثها - من ناحية طبيعة الخطر المنصوص عليه في المادة المذكورة فقد أخطأ الحكم في تطبيقه على المعاملات كافة حالة أنه لا يطبق إلا في المعاملات التجارية في مفهوم المادة الثانية من قانون التجارة. وبتاريخ 11 إبريل سنة 1957 قضت محكمة الاستئناف برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف فطعنت الطاعنة في الحكم المذكور بطريق النقض في 2 يوليه سنة 1957 وقدمت النيابة مذكرة برأيها تضمن طلب نقض الحكم ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته بجلسة 13 مايو سنة 1961 إلى الدائرة المدنية والتجارية. وبعد استيفاء الإجراءات التالية للإحالة نظر الطعن أمام هذه المحكمة أخيراً بجلسة 25 إبريل سنة 1963 وفيها صممت النيابة على طلبها السالف.
وحيث إن الطعن بني على سببين يتحصل أولهما في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وذلك بخطئه في تطبيق المادة 232 من القانون المدني وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن الحكم المذكور أخطأ معنى الفائدة التجارية كما أخطأ معنى العادات التجارية وطبيعة الحظر الوارد في المادة المشار إليها فقد أخطأ فهم الفائدة التجارية حين اعتبر أن الفائدة التي يتقاضاها البنك هي فائدة تجارية تأسيساً على أن ثبوت صفة التاجر للبنك تكفي وحدها لاعتبار الفائدة التي يتقاضاها تجارية - حالة أن الفائدة لا تكون تجارية إلا إذا كان الالتزام تجارياً وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان الملتزم تاجراً أو ترتب الالتزام على عملية تجارية والتزام الطاعنة كان نتيجة لعقد قرض مضمون برهن عقاري فهو التزام مدني وتكون فائدته مدنية ويكون الحكم المطعون فيه إذ اعتبرها فائدة تجارية وأخضعها للقواعد والعادات التجارية المنصوص عليها في عجز المادة 232 مدني قد خالف القانون - كما أن الحكم قد أخطأ معنى العادات التجارية المشار إليها في المادة 232 من القانون المدني حين تصور أن اقتضاء البنوك التجارية فوائد إلى غير حد من أصحاب الأراضي قبل صدور القانون المدني الجديد يكون عادة تجارية تبيح الاستمرار في اقتضاء هذه الفوائد بعد صدوره مع أن الفوائد موضوع الدعوى الحالية هي فوائد مدنية لا يجرى عليها الاستثناء الوارد في نهاية المادة 232 ولا تخضع للعادات والقواعد التجارية - وتاريخ الديون العقارية في مصر في الربع قرن الأخير كان من الاضطراب بحيث لا يمكن أن تستنبط منه عرف أو عادة تجارية مستقرة لمصلحة البنوك العقارية في تجميد فائدة القروض كما تشاء واقتضاء الفوائد إلى غير حد ولا يمكن القول بوجود عادة تجارية تجيز تجميد الفوائد وتجاوزها لرأس المال إذ لم يكن يوجد عرف متميز ومغاير خاص بالمعاملات التجارية بحيث كان يصح القول بأن القانون المدني الجديد أراد الاحتفاظ به والاعتراف له بالبقاء والدوام - والاتفاقات التي عقدت من الحكومة والبنك العقاري وأمثاله في سنتي 33 و36 عقدت في ظل القانون المدني السابق وبالتطبيق لأحكامه ولم تقرر لهذه البنوك قواعد خاصة تتميز بها فيما يتعلق بتجميد الفوائد وتراكمها إلى غير حد بل قصد منها التخفيف عن المدينين هذا فضلاً عن أن دين مورثه الطاعنة لم يكن من بين الديون التي شملها قانون التسوية الصادر في سنة 1942 ولم تنتفع مورثة الطاعنة إلا بتأجيل دينها طبقاً للاتفاق المبرم بين الحكومة وبالبنك في سنة 1933 والذي صدر به القانون رقم 7 لسنة 1933 - وقد أخطأ الحكم المطعون فيه طبيعة الحظر المنصوص عليه في المادة 232 مدني حين أدخل الفوائد التي يتقاضاها البنك في مجال انطباق القواعد والعادات التجارية حالة أن هذه الفوائد تحكمها القواعد المدنية البحتة ولا شأن لها بالقواعد والعادات التجارية والحظر المنصوص عليه في المادة 232 مدني يشملها ولا يمتد الاستثناء المشار إليه في عجز المادة المذكورة إليها ونتيجة لذلك فإن السلفيات العقارية التي تعقدها البنوك العقارية وغيرها من المؤسسات والأفراد مع المقترضين من ملاك الأطيان والعقارات تعقد في ظل أحكام القانون المدني المتعلقة بالقرض والفائدة والرهن التأميني لا في ظل أحكام القانون التجاري فهي بطبيعتها محكومة بالقواعد المدنية بعيدة عن مجال القواعد التجارية وعرف التجارة وعاداتها الموضوعية أو القانونية وتغيير قواعد القانون المدني المتعلقة بالقرض والفائدة والرهن التأميني يسري حتماً على عمليات التسليف العقاري أياً كان القائم بها فرداً أو مصرفاً خاصاً أو عاماً وفقاً لقواعد تنازع القوانين من حيث الزمان والقانون المدني الجديد هو الواجب التطبيق بأثر فوري من تاريخ صدوره.
وحيث إن القانون المدني القديم لم يكن يحول دون تقاضي الفوائد إذا تجاوز مجموعها رأس المال ولا تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ما دامت مستحقة لمدة سنة أو تزيد فأدى ذلك إلى إشاعة الربا وضروب الاستغلال مما حدا بالمشرع إلى التدخل للضرب على أيدي المرابين المحترفين فنص في المادة 232 من القانون المدني الجديد على أنه "لا يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ولا يجوز في أية حال أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال - وذلك دون إخلال بالقواعد والعادات التجارية" ويبين من هذا النص أن القانون قد حظر أمرين: أولهما - منع تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ثانيهما - منع تجاوز الفوائد لرأس المال - إلا أنه أخرج من هذا الحظر ما تقضي به القواعد والعادات التجارية - ولما كانت القواعد والعادات التجارية لا تسود إلا في نطاق المعاملات التجارية - وكانت القروض التي تعقدها المصارف تعتبر بالنسبة للمصرف المقرض عملاً تجارياً بطبيعته وفقاً لنص المادة الثانية من قانون التجارة - إلا أن الرأي قد اختلف في تكييفها بالنسبة إلى المقترض إذا لم يكن تاجراً أو إذا كان القرض مخصصاً لأغراض غير تجارية - وترى هذه المحكمة اعتبار القروض التي تعقدها البنوك في نطاق نشاطها المعتاد عملاً تجارياً مهما كانت صفة المقترض وأياً كان الغرض الذي خصص له القرض - ذلك أن البنك المقرض يتحمل عادة في سبيل الحصول على الأموال التي يلبي بها حاجات المقترضين أعباء أكثر فداحة من المقرض العادي إذ هو يحصل على هذه الأموال عادة من المصارف الأخرى التي تتقاضى منه فوائد على متجمد الفوائد غير مقيدة بالحظر الوارد في المادة 232 مدني على أساس أن المعاملة بين المصرفين هي معاملة تجارية تدخل في نطاق الاستثناء الوارد بتلك المادة وليس من المقبول أن يحرم المصرف من هذه المزايا عندما يقرض الغير هذا علاوة عما يتعرض له المصرف المقرض من مخاطر في القروض الطويلة الأجل ومن حرمانه من أموال كان يمكنه استثمارها في وجوه أخرى غير القرض تدر عليه أرباحاً أكثر - ومما يؤيد هذا النظر أن المشرع المصري قد أصدر في ظل القانون المدني الجديد القانون رقم 110 سنة 1956 بإنشاء بنك الائتمان العقاري وأجاز لهذا البنك منح قروض طويلة الأجل لغير التجار ولغير أغراض تجارية - وهذه القروض تفترض بسبب طول أجلها تجاوز الفوائد لرأس المال مما يفيد أن المشرع قد خرج بهذه القروض عن نطاق الحظر المنصوص عليه في صدر المادة 232 من القانون المدني - وهو ما لا يمكن تفسيره إلا بأنه قد اعتبر تلك القروض تجارية وتخضع تبعاً لذلك للقواعد والعادات التجارية التي تبيح تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ومجاوزة مجموع الفوائد لرأس المال - لما كان ما تقدم، وكان المقصود بالعادات التجارية التي تعنيها الفقرة الأخيرة من المادة 232 هي ما اعتاده المتعاملون ودرجوا على إتباعه بحكم ما استقر من سنن وأوضاع في التعامل فيكفي في العادة التجارية أن تكون معبرة عن سنة مستقرة ولا يشترط أن تكون هذه السنة مخالفة لأحكام القانون - ولما كان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه في هذا الخصوص قد استدل على قيام عادة تجارية تجيز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد وعلى تجاوز مجموع الفوائد لرأس المال بقوله: "وحيث إن العادة التجارية تثبت بكافة طرق الإثبات وخير دليل عليها ما كان مستمداً من طبيعة العمل نفسه ومن خصائصه الكامنة فيه ولا مرية في أن عملية القرض الطويل الأجل هي من صميم أعمال البنك العقاري المصري وفقاً لقانونه النظامي وفي أن العادة قد جرت منذ نشوء الائتمان العقاري في مصر على اقتضاء فوائد تزيد على رأس المال في كل قرض عقاري ذي أجل طويل وهذه العادة مذكورة في المؤلفات الاقتصادية وفي كتب القانون على أنها من أبرز العادات التجارية التي تستمد كيانها من طبيعة العمل ذاته والمفروض أن المشرع كان يعلم بها علم اليقين حين عمل على حماية عادات التجارة - بالاستثناء المنصوص عليه في عجز المادة 232 مدني - ولعل صورة هذه العادات بالذات كانت في مقدمة الصور التي كانت بخاطره عندما وضع هذا الاستثناء" وهذا الذي قرره الحكم سائغ ولا عيب فيه ومن ثم يكون النعي بالسبب الأول على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني من أسباب الطعن أن الحكم المطعون فيه قد شابه بطلان لاستناده إلى واقعة ليس لها أصل في الأوراق وأنه أخطأ في تأويل القانون رقم 7 لسنة 1933 - وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إن الحكم المطعون فيه أورد ضمن أسبابه أنها لجأت إلى لجنة التسوية العقارية وفق أحكام القانون رقم 13 لسنة 1942 وأن قوانين التسوية العقارية هي الواجبة التطبيق في هذه الدعوى وهي تجيز تجميد الفوائد وتركيبها وأن الطاعنة قبلت خضوعها لقرار لجنة التسوية فلا محل لما تريده من إعمال القانون المدني الجديد - هذا في حين أن دين الطاعنة لم يكن موضوع تسوية عقارية عملاً بالقانون رقم 12 لسنة 1942 وأن قبول البنك تجزئة الضمان لا يؤثر في حقها المستمد من المادة 232 مدني وأن كل ما حصلت عليه من فائدة هو تأجيل وتقسيط الديون مع تخفيض الفائدة من 9% إلى 6% و5% وفق أحكام الاتفاقية المبرمة بين البنك والحكومة والصادر بها القانون رقم 7 لسنة 1933، هذا إلى أن القانون المذكور لم يحدث تجديداً للدين أو استبدالاً فيه فالقرضان القديمان باقيان والمبالغ التي دفعت كانت سداداً لأقساطهما وفوائدهما ومن حق الطاعنة نفاذاً للأثر الفوري للمادة 232 من القانون المدني الاستفادة بما انطوت عليه من أحكام.
وحيث إن هذا النعي بجميع ما تضمنه مردود بأن الحكم المطعون فيه بدأ في أسبابه بإقرار أسباب الحكم الابتدائي فقال "وحيث إن مطاعن المستأنفة قد رد عليها الحكم المستأنف بأسباب سليمة تؤيدها هذه المحكمة ولا يبقى إلا البحث في قيمة قوانين التسوية العقارية وهي تتمتع بقوة التشريع أم تحتفظ بطابعها التعاقدي دون أن يكون لها الإلزام التشريعي..." ولما كانت أسباب الحكم الابتدائي التي أقرها الحكم المطعون فيه تضمنت أن القروض التي يعقدها البنك هي أعمال تجارية تخضع للاستثناء الوارد في عجز المادة 232 مدني - وكانت هذه الدعامة الصحيحة تكفي وحدها لحمل الحكم المطعون فيه فإنه لم يكن بعد ذلك في سبيل التدليل على جواز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ومجاوزة الفوائد لرأس المال أن يتعرض لقوانين التسوية وما تضمنته ويكون ما أورده في شأن هذه القوانين استطراداً زائداً عن حاجة الدعوى فلا يعيب الحكم ما يكون قد وقع في هذا الاستطراد من خطأ في الإسناد أو خطأ في القانون.


[(1)] راجع نقض 3/ 11/ 1960 الطعن 660 س 25 ق السنة 11 ص 544.