أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 14 - صـ 1112

جلسة 28 من نوفمبر سنة 1963

برياسة السيد/ محمود عياد رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، ولطفي علي، وصبري فرحات، وبطرس زغلول.

(158)
الطعن رقم 29 لسنة 29 القضائية

( أ ) حيازة. "دعاوى الحيازة". "منع قاضي الحيازة من التعرض للحق".
لا يجوز الحكم في دعاوى الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه. جواز الاستئناس بثبوت الحق في تبين الحيازة وصفتها.
(ب) حيازة. "دعاوى الحيازة". "منع المدعى عليه في دعوة الحيازة من طلب الحق".
لا يقبل من المدعى عليه في دعوى الحيازة دفعها بالاستناد إلى نفي الحق.
(ج) حيازة. "دعاوى الحيازة". "دعوى منع التعرض". "شروطها". حكم. "كفاية التسبيب".
يكفي لتحقيق فعل التعرض مجرد تعكير الحيازة والمنازعة فيها. تقرير الحكم أن الطاعن أقام السلم جميعه داخل الممر. هذا حسبه بياناً لفعل التعرض.
1 - متى كان استناد الحكم إلى استمرار استعمال المطعون عليه للممر سواء بالمطل الذي لا نزاع فيه أو بالمرور الذي استخلصه من أقوال الشهود يكفي أن يكون أساساً للقضاء بمنع التعرض، وكان ما جاء بالحكم عن ثبوت حق المطعون عليه في ارتفاق المطل والمرور استناداً إلى الحكم الصادر لصالحه ليس إلا تقريراً للواقع للاستئناس به في تبين الحيازة وصفتها فإنه يكون غير صحيح ما ينعاه الطاعن على الحكم من أنه بني قضاءه على أساس ثبوت الحق [(1)].
2 - لا يقبل من المدعى عليه في دعوى الحيازة دفعها بالاستناد إلى نفي الحق.
3 - فعل التعرض الذي يصلح أساساً لرفع الدعوى منع التعرض يتحقق بمجرد تعكير الحيازة والمنازعة فيها، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد أورد في أسبابه عن فعل التعرض أن المستأنف عليه (الطاعن) قد أقام السلم جميعه بعمده الأربعة داخل الممر وأنه بذلك يعتبر متعرضاً للمستأنف (المطعون عليه) فهذا حسبه بياناً لفعل التعرض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 25 سنة 1956 كرموز على الطاعن وطلب بها منع تعرض الطاعن لحق الارتفاق المقرر له على الممر الفاصل بين منزليهما وإزالة ما أقيم في ذلك الممر من منشآت وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعرض. وذكر المطعون عليه في بيان دعواه أن يفصل بين منزله ومنزل الطاعن ممر يبلغ عرضه متراً واحداً وقد ثبت له حق ارتفاق بالمرور والمطل على ذلك الممر بالحكم الصادر في الدعوى رقم 426 لسنة 1930 كلي الإسكندرية والمؤيد استئنافياً بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 556 سنة 48 ق مصر وأنه بتاريخ 28 ديسمبر سنة 1955 تعرض له الطاعن في حقه بأن استبدل بالسلم الخشبي الذي كان قائماً بجوار الممر سلماً من البتن المسلح أنشأه في داخل الممر ذاته فشغل بذلك نصف مساحته ببناء السلم وشغل نصفها الباقي بأربعة أعمدة يستند إليها ذلك السلم دفع الطاعن الدعوى فيما قدمه من أوجه دفاع بأنه أنشأ السلم الجديد في حدود الاتفاق الذي تم بينه وبين المطعون عليه بتاريخ 27 ديسمبر سنة 1955 والمرفق بالشكوى رقم 17 لسنة 1956 إداري كرموز. وبجلسة 6 أكتوبر سنة 1956 قضت محكمة كرموز الجزائية برفض الدعوى المطعون عليه وأسست قضاءها على أن الاتفاق الذي عقد بين الطرفين لدى تحقيق الشكوى رقم 17 لسنة 1956 ينطوي على تنازل من جانب المطعون عليه عن حق الارتفاق الذي كان له على الممر. استأنف المطعون عليه هذا الحكم إلى محكمة الإسكندرية الابتدائية بالاستئناف رقم 851 سنة 1956. وبجلسة 14 يناير سنة 1958 قضت هذه المحكمة بندب خبير هندسي لمعاينة السلم والأعمدة التي أنشأها الطاعن لبيان ما إذا كان قد أقام في حدود ملكه وما إذا كانت الأعمدة قد شيدت داخل الممر ومدى ضرورتها الفنية لإسناد السلم مع بيان ما إذا كانت الأعمدة المذكورة تعوق حق الارتفاق المقرر للمطعون عليه على الممر ومدى هذه الإعاقة. وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت المحكمة بجلسة 2 ديسمبر سنة 1958 بإلغاء الحكم المستأنف وبمنع تعرض الطاعن للمطعون عليه في الممر وإزالة ما أقامه عليه من منشآت، قرر الطاعن بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 31 ديسمبر سنة 1961 وفيها صممت النيابة على الرأي الذي ضمنته مذكرتها بطلب نقض الحكم المطعون فيه وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وحددت لنظره أمامها جلسة 24 أكتوبر سنة 1963 وفيها صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون من ثلاثة أوجه أولها أن الحكم قضى بمنع تعرض الطاعن للمطعون عليه في حيازة الارتفاق الذي يدعيه بناء على ثبوت الحق للمطعون عليه - ذلك أن الحكم المطعون فيه قد استعرض الحكم الصادر في الدعوى رقم 426 سنة 1930 مدني كلي الإسكندرية والمؤيد بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 556 سنة 1948 استئناف مصر وانتهى إلى أنه قد ثبت للمطعون عليه بذلك الحكم الحائز لقوة الشيء المحكوم به. حق ارتفاق بالمرور والمطل على محل النزاع، كما أوجه الحكم الدفع الذي أبداه الطاعن بسقوط حق ارتفاق المرور بعدم الاستعمال وقضى برفضه استناداً إلى أن ذلك الحق ما زال باقياً للمطعون عليه، وقد بني الحكم على ذلك كله قضاءه بمنع التعرض وبذلك يكون قد وقع فيما تنهي عنه المادة 48 من قانون المرافعات من عدم جواز الحكم في دعاوى الحيازة على أساس ثبوت الحق، والوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه اعتبر أن إنشاء الطاعن للسلم والأعمدة القائم عليها هو تعرض الحيازة المطعون عليه لحق الارتفاق لما يترتب على تلك المنشآت من انتقاص في الانتفاع بحق الارتفاق مع أن الحكم ذاته قد أثبت في أسبابه نقلاً عن تقرير الخبير أن المنشآت المذكورة لا تعوق المرور ولا تحجب المطل. وبذلك يكون الحكم قد أخطأ في التكييف القانوني لفعل التعرض بوصفه عنصراً من عناصر دعوى الحيازة. والوجه الثالث والأخير هو أن الحكم الصادر بجلسة 24 يناير سنة 1958 بندب الخبير قد قطع في أسبابه بأن الاتفاق المعقود بين الطاعن والمطعون عليه بتاريخ 27 ديسمبر سنة 1955 يبيح للطاعن صاحب السلم إقامة ما تقتضيه الضرورة الفنية من منشآت على أرض الممر ولو أدى ذلك إلى تعطيل حق الارتفاق المقرر للمطعون عليه ومع ذلك أقام الحكم المطعون فيه قضاءه بمنع التعرض على أن المنشآت التي أقامها الطاعن على أرض الممر تعد مخالفة للاتفاق المشار إليه رغم ما ثبت من لزومها من الناحية الفنية. وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد خالف قضاء الحكم الصادر في 24 يناير سنة 1958 والذي حاز قوة الشيء المحكوم به.
وحيث إن هذا النعي مردود في وجهه الأول ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن قرر أن حق المطعون عليه في الارتفاق بالمرور والمطل على الممر قد ثبت له بالحكم الصادر في الدعوى رقم 426 سنة 1930 كلي الإسكندرية والمؤيد بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 556 سنة 48 ق استئناف مصر بعد أن قرر الحكم ذلك أورد أنه لا نزاع بين الطرفين في أن المطعون عليه ما زال مستعملاً حقه في المطل على الممر بواسطة النوافذ المفتوحة في الحائط الغربي من منزله كما استدل الحكم بأقوال الشهود الذين سمعهم الخبير على أن المطعون عليه بقي على استعمال حقه في المرور بالممر إلى وقت حصول التعرض ورد الحكم على تمسك الطاعن بسقوط حق المطعون عليه في ارتفاق المرور بعدم الاستعمال بأن ما أثبته الخبير في تقريره من أن باب منزل المطعون عليه المؤدى إلى الممر لم يستعمل من مدة طويلة بدليل تراكم نسيج العنكبوت عليه رد الحكم على ذلك بأن ما لاحظه الخبير لا يقطع بعدم المرور في الممر المدة التي يتطلبها القانون لانقضاء حقوق الارتفاق، ولما كان استناد الحكم إلى استمرار استعمال المطعون عليه للممر سواء بالمطل الذي لا نزاع فيه أو بالمرور الذي استخلصه من أقوال الشهود يكفي أن يكون أساساً للقضاء بمنع التعرض، وكان ما جاء بذلك الحكم عن ثبوت حق المطعون عليه في ارتفاق المطل والمرور استناداً إلى الحكم السابق الصادر لصالحه ليس إلا تقريراً للواقع للاستئناس به في تبين الحيازة وصفتها لما كان ذلك، فإن يكون غير صحيح ما ينعاه الطاعن على الحكم من أنه بنى قضاءه على أساس ثبوت الحق. ولا يغير من ذلك ما استطرد إليه الحكم من البحث في الدفع الذي أبداه الطاعن بسقوط حق المطعون عليه في ارتفاق المرور بالتقادم إذ أنه لم يكن يقبل من الطاعن دفع دعوى الحيازة بالاستناد إلى نفي الحق.
وحيث إن النعي مردود في الوجه الثاني ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن خلص إلى توفر حيازة المطعون عليه لارتفاق المرور والمطل على الممر قد أورد في أسبابه عن فعل التعرض "أنه لما كان الثابت من تقرير مكتب الخبراء أن المستأنف عليه (الطاعن) أقام السلم جميعه بعمده الأربعة داخل الممر فإنه يكون والحالة هذه قد خالف البند الأول من عقد الاتفاق المؤرخ في 27 ديسمبر سنة 1955 الذي ألزمه بالبناء مكان السلم القديم وبالتالي فإنه يعتبر متعرضاً للمستأنف (المطعون عليه)" وهذا الذي أثبته الحكم حسبه بياناً لفعل التعرض الذي يتحقق بمجرد تعكير الحيازة والمنازعة فيها، أما ما استطرد إليه الحكم بعد ذلك من أن فعل التعرض قد ترتب عليه انتقاص انتفاع المطعون عليه بما في حيازته من ارتفاق المرور والمطل فلا يعدو أن يكون تزايداً لا يعيب الحكم ما يكون قد شابه من خطأ فيه.
وحيث إن النعي مردود في وجهه الأخير ذلك أن الحكم الصادر في 14 يناير سنة 1958 بندب الخبير قد جاء به عن الاتفاق المعقود بين الطاعن والمطعون عليه بتاريخ 27 ديسمبر سنة 1955 أن التفسير الصحيح لهذا الاتفاق هو أنه لا يعدو التصريح للمستأنف عليه (الطاعن) ببناء سلم من البتن المسلح بدلاً من سلمه الخشبي القديم وعلى ألا يتعدى ذلك حدود ملكه أي ملك المستأنف عليه فإذا دعت الضرورة الفنية عند إنشاء السلم الجديد في الحدود سالفة البيان إلى إقامة مبان تسنده فإن هذا يكون أمراً يتطلبه العمل الفني لزوماً وأنه إذا أقيم عامود في أرض الممر فيكون للمستأنف (المطعون عليه) الحق في حالة عدم لزومه في إزالته... ولا يكون مؤدى هذا الاتفاق أن المستأنف قد تنازل عن حق الارتفاق بالمرور الذي يدعى به إلا إذا كانت الضرورة الفنية لإنشاء السلم الجديد لمنزل المستأنف عليه وفي حدود ملكه تستدعى القيام بعمل إنشاءات جديدة لقيام هذا السلم في أرض الممر ففي هذه الحالة وحدها ولو ترتب عليها تعطيل الانتفاع بحق المرور المدعى به فإن هذا يكون سببه ومرده للاتفاق المحرر في 27 ديسمبر سنة 1955 "وقد جاء بالحكم المطعون فيه في هذا الشأن قوله إنه يتضح من ذلك الاتفاق أن النزاع كان ناشئاً بين الطرفين بسبب اعتداء المستأنف عليه (الطاعن) على حق المستأنف (المطعون عليه) في الارتفاق الواقع بين منزليهما ولم يكن له بأي حال من الأحوال شأن بملكية ذلك الممر كما لم تكن هذه الملكية محل اعتبار وقتئذ بين الطرفين. يدل على ذلك أن المستأنف ارتضى أن يشيد المستأنف عليه سلمه الجديد مكان السلم الخشبي القديم حتى يظل بذلك حقه في الارتفاق سليماً غير منقوص إلا إذا دعت الضرورة الفنية بعد مراعاة الشرط السالف الذكر إقامة عامود في أرض الممر ففي هذه الحالة يجوز انتقاص حق الارتفاق بقدر هذه الضرورة ولا يغير من هذا النظر ما نص عليه في عقد الصلح من أنه لا يجوز للمستأنف عليه إنشاء مبان أو إنشاءات خارج حدود ملكه ثم القول بعد ذلك أنه طالما أن الخبير أثبت في تقريره أن الممر المملوك للمستأنف عليه فإن لا يكون مخالفاً للارتفاق المبرم بينه وبين المستأنف ذلك أن النزاع لم يكن بصدد ملكية والممر وإنما كان بصدد الارتفاق المقرر عليه إذ لا يسوغ من ناحية القول بأن المستأنف اشترط أن يكون السلم الجديد محل السلم القديم أي خارج حدود الممر وفي الوقت نفسه صرح للمستأنف عليه بالبناء فيه... ومن ناحية أخرى فإنه يمكن حمل هذه القول إلى ملك المستأنف عليه الغير محمل بأي حق من حقوق الارتفاق" وهذا الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه في إعمال الاتفاق المؤرخ في 27 من ديسمبر سنة 1955 لا مخالفة فيه لما اعتمده الحكم الصادر بندب الخبير تفسيراً للاتفاق المذكور إذ أن هذا الحكم وإن قطع في أسبابه بأن الاتفاق المشار إليه يجيز للطاعن إقامة ما تقتضيه الضرورة الفنية من الأعمدة اللازمة لاستناد السلم على أرض الممر إلا أنه قد اعتبر أن حق الطاعن في ذلك مشروط في الاتفاق بأن يكون بناء السلم ذاته في حدود ملك الطاعن فإذا ما انتهى الحكم المطعون فيه إلى أن الطاعن وقد أقام السلم على أرض الممر يعتبر مخالفاً لما هو مشروط في الاتفاق من أن يكون بناء السلم خارج أرض الممر اعتباراً بأنه لم يسمح له بشغل الممر إلا بالأعمدة اللازمة فنيا لاستناد السلم وبأن أرض الممر وإن كانت تدخل في ملك الطاعن إلا أن المقصود يملكه المسموح له ببناء السلم فيه إنما هو الملك غير المحمل بأي حق من حقوق الارتفاق فإن الحكم المطعون فيه إذ جرى بذلك وأسس عليه قضاءه بعدم أحقية الطاعن طبقاً للاتفاق في إقامة المنشآت التي أقامها على أرض الممر لا يكون قد خالف الحكم الصادر بندب الخبير في شيء - ويكون النعي على الحكم المطعون فيه في ذلك الخصوص في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.