مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والأربعون (من أول أكتوبر سنة 1998 إلى آخر سبتمبر سنة 1999) - صـ 585

(55)
جلسة 4 من إبريل سنة 1999

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد جودت أحمد الملط - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: رائد جعفر النفراوي، وجودة عبد المقصود فرحات، وسعيد أحمد محمد حسين برغش، ومحمود إسماعيل رسلان مبارك - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 6734 لسنة 44 قضائية عليا

( أ ) دستور - الشريعة الإسلامية الرئيسي للتشريع - الأسرة أساس المجتمع - قيمة العمل.
المواد أرقام (2)، (9)، (11)، (13) من دستور سنة 1971.
الدستور هو القانون الأعلى المهيمن على كافة أنشطة سلطات الدولة ومؤسساتها المبين للمقومات الأساسية للمجتمع والحقوق والواجبات العامة وهو الإطار العام بما يحويه من مبادئ يتعين التزامها من السلطات العامة ومن المواطنين - أفصح الدستور عن أن الإسلام دين الدولة وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع كما بين أن الأسرة هي أساس المجتمع وقوامها الدين والأخلاق والوطنية - أبرز الدستور وأعلى قيمة العمل في المجتمع ووصفه بأنه حق وواجب وشرف وأوكل إلى الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها باعتبارها زوجة وأم وبين عملها في المجتمع من ناحية أخرى بما يكفل مساواتها بالرجل على أن يكون ذلك كله في نطاق الشريعة الإسلامية وما تحمله من مبادئ وثوابت.
(ب) جواز سفر - قوائم الممنوعين من السفر.
قرارات وزير الداخلية في شأن استخراج جواز سفر للزوجة أو سحبه أو إدراجها على قوائم الممنوعين من السفر يتعين أن تكون في إطار ما تضمنه الدستور والقانون من مبادئ وما تقرره الشريعة الإسلامية من أحكام.
(جـ) أحوال شخصية - حقوق الزوجين - حق الزوج في الاحتباس - حق المرأة في العمل.
الشريعة الإسلامية الغراء تناولت بالتفصيل حقوق كل من الزوج والزوجة تجاه الآخر فأوجبت على الزوج الإنفاق على زوجته مقابل حقه عليها في الاحتباس بأن تلتزم بيته وأن تبقى إلى جوار أولاده وأن تتفرغ لأسرتها ورعاية شئونها - لم تحرم الشريعة الإسلامية عمل المرأة في ذاته ما دام العمل مشروعاً لا يمس عفاف المرأة ولا يتعارض مع طبيعتها وقيامها بواجباتها تجاه أسرتها - أجازت الشريعة الإسلامية للزوج صراحة أو ضمناً قبوله صورة من الاحتباس يرتضيها وإن لم يكن كاملاً ما دام قد ارتأى في ذلك ما يحقق مقاصد النكاح، نتيجة ذلك: إذا ما رخص الزوج لزوجته العمل أو الاحتراف وكان عملها مشروعاً فإن نصيبها في هذا العمل يكون حقاً مكفولاً لها لا يجوز للزوج الرجوع فيه أو الارتداد عنه ما دام أن مباشرة الزوجة لعملها لم يتسم بالإساءة في استعمال حقها أو انطوى على انحراف منها عن الأغراض التي تبتغي منه أو كان منافياً لمصلحة الأسرة - أساس ذلك: أن موافقة الزوج ورضاءه بعمل زوجته وقبوله بالاحتباس غير الكامل هو أمر مرده إلى اتفاق الزوجين وقبولهما له ولا يجوز للزوج التحلل من قبوله - الصريح أو الضمني - أو معاودته الاعتراض على عمل زوجته ما دام العمل مشروعاً ولا يتعارض مع مصلحة الأسرة وكيانها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 8/ 7/ 1998 أودع الأستاذ/ ........ المحامي عن الأستاذ/ ........ المحامي عن السيدة/ ....... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد برقم 6734 لسنة 44 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة الدائرة الأولى بجلسة 2/ 6/ 1998 في الدعوى رقم 2573 لسنة 52 ق والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعية مصروفات هذا الطلب وإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء، وانتهى تقرير الطعن إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وفي موضوع الطعن بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه على أن يكون التنفيذ بمسودة الحكم الأصلية وبغير إعلان إعمالاً للمادة 228 من قانون المرافعات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون عليه بسحب جواز الطاعنة وإدراجها على قوائم سحب الوثائق مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة التي قررت بجلسة 21/ 12/ 1998 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولى موضوع لنظره بجلسة 7/ 2/ 1999 ثم عجل نظر الطعن لجلسة 17/ 1/ 1999 وفيها نظر الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن تقرر حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة.
من حيث إن عناصر المنازعة الماثلة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعية (الطاعنة) أقامت الدعوى رقم 4800 لسنة 1996 بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بتاريخ 13/ 11/ 1996 طلبت في ختامها الحكم بصفة مستعجلة التصريح لها بالسفر إلى جميع دول العالم حسبما تقتضي ذلك طبيعة عملها كمضيفة جوية بالخطوط الجوية البريطانية مع إلزام المدعى عليه الأخير بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وتنفيذ الحكم بمسودته، وقالت المدعية شرحاً لدعواها إنها زوجة للمدعى عليه الأخير بصحيح العقد الشرعي المؤرخ 24/ 9/ 1991 ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج وأنجبت منه طفلة عمرها عام تقريباً وقد تزوجها وهي تعمل مضيفة بالخطوط الجوية البريطانية وارتضى ذلك ولم يمنعها من مباشرة عملها وسفرها للخارج حسبما تقتضي طبيعة عملها إلى أن دب الخلاف بينهما بعد تعديه عليها بالضرب والطرد من منزل الزوجية وتحرر عن ذلك عدة محاضر وتقدم زوجها إلى المدعى عليه الثاني بصفته لمنعها من السفر وسحب جواز سفرها وهذا الطلب قد أصابها بأضرار مادية وأدبية كبيرة وترتب عليه فسخ عقدها مع شركة الخطوط الجوية البريطانية وفصلها من عملها الذي يدر عليها دخلاً كبيراًً.
وبجلسة محكمة القاهرة للأمور المستعجلة المنعقدة بتاريخ 8/ 1/ 1997 قضت المحكمة بالتصريح للمدعية بالسفر إلى جميع دول العالم حسبما تقتضي طبيعة عملها كمضيفة جوية بالخطوط الجوية البريطانية وألزمت المدعى عليه الأخير بالمصاريف ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من طلبات.
وإذ لم يصادف هذا الحكم قبولاً من المدعى عليه الثالث فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 86 لسنة 1997 أمام محكمة جنوب القاهرة الدائرة (45) مستأنف مستعجل والتي قضت بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري المختصة لنظرها بجلسة 25/ 12/ 1997 وأبقت الفصل في المصروفات.
وبإحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري قيدت برقم 2573 لسنة 52 ق ونظرت بجلسات المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 2/ 6/ 1998 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه وأسست هذا الحكم على أن المشرع قيد حرية السفر إلى الخارج نزولاً على أحكام عقد الزواج الذي يفرض على الزوجة أن تبقى إلى جوار زوجها وأولادها رعاية لشئونهم وحفاظاً على كيان الأسرة من التفرق والتشتت ولا تثريب على تقرير هذه القيود على ألا تستعمل إلا في الغايات المحددة لها فلا تتعداها إلى غيرها حتى لا تتخذ أداة للتعسف في يد الزوج وطريق عنت وإرهاق للزوجة وفي غير حالات الضرورة الملجئة لا يجوز للزوجة السفر للخارج بغير إذن زوجها وموافقته الكتابية على ذلك، ولما كان البادي من الاطلاع على الأوراق أن العلاقة الزوجية بين المدعية والمدعى عليه الثالث ما زالت قائمة وخلت الأوراق مما يفيد انفصام تلك العلاقة أو أن الزوج يقيم في بلد أجنبي معين إقامة مستقرة وترغب المدعية في اللحاق به في تلك البلد تحقيقاً لمقاصد الشارع من عقد الزواج أو غير ذلك من الأسباب التي تمثل ضرورة ملجئة تبرر سفرها للخارج، وإنما كل ما تدعيه هو حاجتها للسفر لدواعي عملها التي تتطلب ذلك وكون عمل المدعية مضيفة جوية ليس بضرورة تقتضي التغاضي عن الغايات التي قصدها الشارع من عقد الزواج ومن ثم فإن قرار الجهة الإدارية المدعى عليها بسحب جواز سفر المدعية بناءً على طلب زوجها يكون بحسب الظاهر من الأوراق قائماً على أساس صحيح من القانون.
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتفسيره فالمدعية أضافت طلباً آخر موضوعياً بعد إحالة الدعوى من القضاء المدني إلى القضاء المستعجل وهو طلب إلغاء القرار الصادر بإدراج اسم الطاعنة على قوائم الممنوعين من السفر وسحب جواز سفرها وأن عدم إجابتها إلى طلبها يسبب لها ضرراً جسيماً يتعذر تداركه هو فصلها من عملها ذلك أن الخطوط الجوية البريطانية ليس ضمن وظائفها داخل جمهورية مصر العربية وظيفة مضيفة أرضية مما عرضها للفصل، كما أن زوج المدعية قد تزوجها وهو يعلم عملها وما يقتضيه من سفر للخارج ودون أن يطلب منها الاستقالة حتى بعد إنجابها منه الصغيرة....، ولو أن الزوج يحتاجها لرعاية ابنتهما لكان طلب ذلك فور إنجابها مما يبين منه أن طلب المنع وسحب جواز السفر هو طلب كيدي يهدف إلى الإضرار بالطاعنة.
وأضافت الطاعنة أنه لا يوجد قانون يجيز للزوج أن يمنع زوجته من مغادرة الديار المصرية طالما أن سبب ذلك مشروع ولا يحاج في ذلك بأن مبادئ الشريعة الإسلامية توجب على الزوجة طاعة زوجها وعدم الانتقال من بلد إلى بلد إلا بإذن، لأن الثابت أن الطاعنة تعمل مضيفة جوية قبل زواجها وأنها تزوجت ويعلم زوجها طبيعة عملها وارتضى ذلك ووافق على عملها من بداية زواجه بها إلى تاريخ منعه لها من السفر ورفضه الإنفاق عليها وعلى ابنته منذ عام 1996 ولا صحة لما يزعمه المطعون ضده الأخير زوج الطاعنة من احتياجه لها بالمنزل فهذا القول يتنافى تماماً مع تعديه عليها بالضرب والطرد من المنزل هي وابنتها وتحرر عن ذلك العديد من المحاضر بل لجأت الطاعنة إلى النيابة العامة في المحضر 507 لسنة 1998 إداري مدينة نصر بتمكينها من مسكن الزوجية بعد طردها منه، كما أن المطعون ضده الأخير قد امتنع عن الإنفاق عليها وصغيرتها منه مما اضطرها إلى إقامة دعوى نفقة زوجية ما زالت متداولة.
ومن حيث إن الدستور الصادر عام 1971 ينص في مادته الثانية على أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" وتنص المادة (9) على أن "الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية" وتنص المادة (11) على أن "تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية" وتنص المادة (13) على أن "العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة ويكون العاملون الممتازون محل تقدير الدولة والمجتمع".
ومن حيث إن المادة (11) من القانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر تنص على أنه "يجوز بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها رفض منح جواز السفر أو تجديده كما يجوز له سحب الجواز بعد إعطائه" وتنص المادة (16) من هذا القانون على أنه "..... ولوزير الداخلية إصدار القرارات اللازمة لتنفيذه".
وإعمالاً للنص الأخير أصدر وزير الداخلية القرار رقم 67 لسنة 1959 بتنفيذ بعض أحكام القانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر، ونص في المادة (2) منه على أنه "لا يجوز منح الزوجة جواز سفر أو إضافتها إلى جواز سفر الزوج إلا بموافقة كتابية منه"، كما نصت المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996 على أن يكون منح الزوجة جواز سفر أو تجديده بعد موافقة زوجها على سفرها إلى الخارج كما يجب تقديم موافقة الممثل القانوني لغير كامل الأهلية على استخراج جواز السفر أو تجديده وفي الحالتين تعتبر الموافقة على استخراج جواز السفر أو تجديده تصريحاً بالسفر طوال مدة صلاحية الجواز، ولا يكون إلغاء الموافقة إلا بإقرار من الزوج أو الممثل القانوني بعد التحقق من شخصيته وصحة صدور الإقرار منه أمام الموظف المختص بمصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية وفروعها أو أمام القنصليات المصرية بالخارج ويجب وصول هذا الإقرار إلى المصلحة المذكورة أو فروعها بوقت مناسب.
ومن حيث إن الدستور هو القانون الأعلى المهيمن على كافة أنشطة سلطات الدولة ومؤسساتها، المبين للمقومات الأساسية للمجتمع والحريات والحقوق والواجبات العامة، وهو الإطار العام بما يحويه من مبادئ يتعين التزامها من السلطات العامة أو من المواطنين وقد أفصح هذا الدستور عن أن الإسلام دين الدولة وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع كما بين أن الأسرة هي أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وأبرز وأعلى قيمة العمل في المجتمع ووصفه بأنه حق وواجب وشرف وأوكل إلى الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها باعتبارها زوجة وأم وبين عملها في المجتمع من ناحية أخرى بما يكفل مساواتها بالرجل على أن يكون ذلك كله في نطاق أحكام الشريعة الإسلامية وما تحمله من مبادئ وثوابت.
وعلى ذلك فإن تفسير قرارات وزير الداخلية السالف الإشارة إليها وإعمال ما تتضمنه من أحكام في شأن استخراج جواز سفر للزوجة أو سحبه أو إدراجها على قوائم الممنوعين من السفر، يتعين أن يكون في إطار ما تضمنه الدستور والقانون من مبادئ وما تقرره أحكام الشريعة الإسلامية من أحكام.
ومن حيث إن الشريعة الإسلامية الغراء قد تناولت وبالتفصيل حقوق كل من الزوج والزوجة تجاه الآخر فأوجبت على الزوج الإنفاق على زوجته مقابل حقه عليها في الاحتباس بأن تلتزم بيته وأن تبقى إلى جوار أولاده وأن تتفرغ لأسرتها ورعاية شئونها، إلا أن الشريعة الإسلامية لم تحرم عمل المرأة في ذاته، ما دام العمل مشروعاً لا يمس عفاف المرأة ولا يتعارض مع طبيعتها وقيامها بواجباتها تجاه أسرتها، وأجازت للزوج صراحة أو ضمناً قبوله صورة من الاحتباس يرتضيها. وإن لم يكن كاملاً. ما دام قد ارتأى في ذلك ما يحقق مقاصد النكاح، فإذا ما رخص لها بالعمل أو الاحتراف وكان عملها مشروعاً فإن مضيها في هذا العمل يكون حقاً مكفولاً لها لا يجوز للزوج الرجوع فيه أو الارتداد عنه ما دام أن مباشرة الزوجة لعملها لم يتسم بالإساءة في استعمال حقها أو انطوى على انحراف منها عن الأغراض التي تبتغي منه أو كان منافياً لمصلحة الأسرة، وهو ما قرره المشرع في القانون رقم 100 لسنة 1985 الذي نص على أن يستبدل نص المادة (1) من القانون رقم (25) لسنة 1920 الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية النص الآتي "ولا يعتبر سبباً لسقوط نفقة الزوجة خروجها من مسكن الزوجية دون إذن زوجها في الأحوال الذي يباح فيها ذلك بحكم الشرع مما ورد به نص أو جرى به عرف أو قضت به ضرورة، ولا خروجها للعمل المشروع ما لم يظهر أن استعمالها لهذا الحق المشروط مشوب بإساءة استعمال الحق أو مناف لمصلحة الأسرة وطلب منها الزوج الامتناع عنه".
وإذا كانت موافقة الزوج ورضاؤه بعمل زوجته وقبوله بالاحتباس غير الكامل هو أمر مرده إلى اتفاق الزوجين وقبولهما له ولا يجوز للزوج التحلل من قبوله هذا - الصريح أو الضمني - أو معاودته الاعتراض على عمل زوجته ما دام أن العمل مشروع ولا يتعارض مع مصلحة الأسرة وكيانها ولا فرق في ذلك بين ما يستلزمه عمل من واجبات وبين عمل آخر يستلزم في أدائه واجبات أخرى فقد يستلزم العمل المشروع القيام به نهاراً كعاملة في مصنع أو مدرسة في مدرسة وقد يستلزم القيام به ليلاً في بعض الأحيان كطبيبة أو ممرضة، وقد يكون العمل المشروع في ذات الحي أو المدنية التي بها منزل الزوجية وقد يستلزم السفر داخل البلاد وخارجها في بعض الأحيان وما دام أن الزوج قد قبل ولم يعترض على عمل زوجته صراحة أو ضمناً وكان عالماً بمقتضيات هذا العمل وطبيعته ومستلزماته فلا يجوز له التحلل من هذا القبول فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً"
كما ورد في الحديث الشريف "مقاطع الحقوق عند الشروط، وأحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج".
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعية قد تزوجت بالمطعون ضده الثالث بتاريخ 24 سبتمبر 1991 وقد أثبتت في وثيقة زواجها أنها تعمل مضيفة جوية بالخطوط الجوية البريطانية، وقد استمرت المدعية في عملها منذ زواجها دون معارضة زوجها حتى بعد إنجابها ابنتها...... في 13/ 9/ 1995 ووافق الزوج على استخراجها جواز سفر بتاريخ 27/ 5/ 1996، ومن ثم لا يجوز للزوج بعد قبوله الزواج عالماً بطبيعة عمل زوجته ومقتضياته وبعد تأكد هذا القبول بمسلكه المقر للزوجة بالحق في هذا العمل أكثر من خمس سنوات أن يعاود طلب منع الزوجة من السفر بمقولة أن مصلحة الأسرة تتطلب ذلك، ذلك أن الباعث الحقيقي لطلب المطعون ضده الثالث سحب جواز سفر زوجته وإدراجها على قوائم الممنوعين منه تفصح عنه الأوراق والمستندات المودعة ملف الطعن فالمطعون ضده الثالث بعد أن وافق على استخراج جواز سفر لزوجته بدأ الخلاف يدب بينهما واستحكم هذا الخلاف بما تفصح عنه محاضر الشرطة وأحكام المحاكم فتقدم المطعون ضده الثالث بتاريخ 15/ 10/ 1986 بطلب سحب موافقته السابقة على استخراج جواز سفر زوجته مما يشير ويدل دلالة قاطعة أن هذا المسعى من المطعون ضده الثالث. وهو قد تنازل عن حقه ابتداءً في الاحتباس الكامل وقبل بعمل زوجته عالماً بطبيعته. لم يكن في حقيقته مبعثه صالح الأسرة أو ظروف طارئة استجدت خاصة وأنه لم يثبت من الأوراق انحراف المدعية في استعمال حقها الثابت قبل زوجها في العمل، بل كان مبعثه النكاية والإضرار بالمدعية ومحاولة للإضرار بها تصعيداً للخلافات التي نشبت بينهما وهو أمر ينم عن إساءة استعمال الحق، وما شرعت الحقوق لإساءة استعمالها أو للإضرار بالغير، مما يجعل القرار المطعون فيه غير قائم على سببه المبرر له شرعاً وقانوناً.
ومن ناحية أخرى فإن الثابت من حوافظ المستندات المقدمة من المدعية أنها أقامت الدعوى رقم 2257 لسنة 1988 أمام محكمة القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية الدائرة (17) كلي شمال ابتغاء الحكم بتطليقها من المطعون ضده طلقة بائنة، وقد قضت المحكمة بجلسة 25/ 8/ 1998 بتطليق المدعية من المدعى عليه طلقة بائنة للضرر، وهو حكم طعن فيه بالاستئناف حسبما قرر الحاضر عن المطعون ضده الثالث بجلسة 7/ 3/ 1999.
ومن حيث إن الحكم الصادر بتطليق المدعية وإن لم يكن نهائياً بالطعن عليه بالاستئناف إلا أن التطليق للضرر شرعاً يقع بائناً بينونة صغرى وهو إذا قضى بتأييد الحكم المستأنف يرتب كافة آثار الطلاق من تاريخ صدور الحكم الابتدائي، وعلى ذلك فإن الحكم الابتدائي بالتطليق يرتب وفقاً للراجح من آراء الفقهاء وقف الحياة المشتركة للزوجين فلا يجوز للزوج طلب الزوجة في الطاعة كما لا يجوز له مساكنتها أو الاستمتاع أو الاختلاء بها، ومن ثم فإنه مع سقوط تلك الآثار وتوقف الحياة الزوجية بما تقتضيه من مساكنة واحتباس ورعاية، فإن حق المطعون ضده الثالث في الموافقة على استخراج أو منح المدعية جواز سفر أو التصريح لها بالسفر - وهو حق نزل عنه ابتداءً كما سلف الذكر - يكون فاقداً لكل سند أو مبرر له.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يأخذ بالنظر السالف فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يتعين معه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده الثالث المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المطعون ضده الثالث المصروفات.