أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 31 - صـ 1531

جلسة 28 من مايو سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ مصطفى كمال سليم نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: سليم عبد الله سليم، محمد عبد العزيز الجندي، أمين طه أبو العلا ود. منصور وجيه.

(288)
الطعن رقم 685 لسنة 45 القضائية

(1؛ 2) تزوير. حكم "حجية الحكم".
(1) نزول المطعون ضده في الادعاء بالتزوير عن التمسك بصحة التوقيع على الورقة المطعون فيها مع تمسكه بباقي أجزائها. مضي المحكمة في الفصل في الادعاء بالتزوير. لا خطأ.
(2) فصل المحكمة في كون الادعاء بالتزوير منتج. لا محل بعد ذلك للعودة إلى مناقشة ما فصلت فيه. انقضاء سلطتها بشأنه.
(3، 4) هبة. قانون.
(3) لأحكام الموضوعية في الهبة. مصدرها الشريعة الإسلامية. عدم جواز الخروج على النصوص التشريعية الواضحة في القانون المدني بدعوى اللجوء إلى مصدرها.
(4) حق الانتفاع وحق الرقبة وحق الارتفاق. صحة الهبة فيها.
(5) إثبات. صورية. هبة.
تمسك وارث الواهب بصورية الهبة. عبء إثباتها. وقوعه على عاتقه عجزه عن الإثبات أثره، وجوب الأخذ بظاهر نصوص العقد.
(6) انتفاع. ملكية.
انتهاء حق الانتفاع بانتهاء أجله أو بموت المنتفع أيهما أقرب. م 993 مدني. لا عبرة بمصدر حق الانتفاع سواء كان قد نشأ بطريق مباشر أم غير مباشر.
(7) حكم. دعوى "الدفاع فيها".
أمر المحكمة بمحو العبارات بمذكرة الطاعن. لا محل للنعي في هذا الخصوص ولو تضمنت دفاعاً له.
(8) إثبات "الإقرار". محكمة الموضوع.
الإقرار غير القضائي. لمحكمة الموضوع سلطة تقدير قوته في الإثبات متى كان تقديرها سائغاً.
1 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد استدل مما أورده على أن الطاعن وإن نزل عن التمسك بصحة توقيع المطعون ضدها الأولى على صورة العقد فقد ظل متمسكاً بباقي أجزاء الورقة التي شملها الادعاء بالتزوير مما حدا بالمحكمة إلى المضي في الفصل في الادعاء بالتزوير وهو استدلال سائغ ونهج سليم لا مخالفة فيه لأحكام الفقرة الأولى من المادة 57 من قانون الإثبات التي تقضي بأن للمدعى عليه بالتزوير إنهاء إجراءات الادعاء في أية حالة كانت عليها بنزوله عن التمسك بالمحرر المطعون عليه.
2 - إذا كان ما أورده الحكم يعتبر فصلاً في مسألة كون الادعاء بالتزوير منتجاً من عدمه فإنه لا يجوز العودة إلى هذه المسألة مرة أخرى إذ من المقرر أنه إذا فصلت المحكمة في مسألة من المسائل المعروضة عليها انقضت سلطتها بشأنها وبالتالي خرجت عن ولايتها.
3 - القانون المدني قد نظم عقد الهبة تنظيماً كاملاً بالمواد 486 - 504 وإذ كان من المسلم كما جاء بمذكرته الإيضاحية أنه قد استمد الأحكام الموضوعية في الهبة من الشريعة الإسلامية فإن هذا لا يسوغ الخروج على النصوص التشريعية بدعوى اللجوء إلى مصدرها ما دامت واضحة الدلالة فيما يتناوله لفظها أو فحواها.
4 - إعمال القواعد العامة للعقود المنصوص عليها في الفصل الأول من الباب الأول من الكتاب الأول من القسم الأول من التقنين المدني يقضي بأن تصح هبة جميع أنواع الأموال والحقوق العينية التي عليها كحق الانتفاع وحق الرقبة وحق الارتفاق، فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من رفض الدفع ببطلان عقد الهبة المؤرخ 9/ 7/ 1962 لوروده على حق الرقبة دون المنفعة يكون صحيحاً ولا يقدح في ذلك احتفاظ الواهب بحقه في الانتفاع ما دام التصرف بالهبة قد تم منجزاً.
5 - التمسك من الطاعن بأن عقد الهبة يستر وصية هو طعن بالصورية النسبية بطريق التستر يخضع للقواعد العامة في الإثبات التي تلقي على الطاعن وهو وراث الواهب عبء إثبات هذه الصورية فإن عجز وجب الأخذ بظاهر نصوص العقد الذي يعد حجة عليه.
6 - نصت المادة 993 من القانون المدني صراحة على أن ينتهي حق الانتفاع بانقضاء الأجل المعين فإن لم يعين أجل عدّ مقرراً لحياة المنتفع وهو ينتهي على أي حال بموت المنتفع حتى قبل انقضاء الأجل المعين. وأمام صراحة النص فلا محل للخروج عليه أو تأويله وأمام عموميته فلا محل لتخصيصه ويكون الحكم المطعون فيه قد التزم صحيح القانون حين قال بسريان هذه الأحكام على جميع الأحوال أياً كان مصدر حق الانتفاع وسواء أكان قد نشأ بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر.
7 - إذ كانت المحكمة فيما أمرت به من محو بعض العبارات الواردة بمذكرة الطاعن لما رأته فيها من خروج على الآداب قد استعملت حقاً خوله القانون لها في المادة 105 من قانون المرافعات فليس للطاعن بعد ذلك أن يعيب عليها استعمال هذه الرخصة ولو تضمنت هذه العبارات دفاعاً له.
8 - الإقرار المقصود بالمادة 104 من قانون الإثبات باعتباره حجة قاطعة على المقر هو الصادر أمام القضاء أما الإقرار خارج القضاء فيخضع للقواعد العامة إذا لم يرد في شأنه نص خاص ولمحكمة الموضوع سلطة تقدير قوته في الإثبات بغير معقب عليها في ذلك متى كان تقديرها سائغاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى 2927 لسنة 1969 مدني كلي القاهرة طلب الحكم بتثبيت ملكيته إلى حصتين قدرها 6، 3 شائعين في عقارين أولهما بمصر الجديدة وثانيهما بشبرا مخلفين عن مورثه ومورث المطعون ضدهن الدكتور....... مع كف منازعتهن له فيها والتسليم كما أقامت المطعون ضدها الأولى الدعوى 3097 لسنة 1969 مدني كلي القاهرة بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد الوصية المؤرخ أول يناير سنة 1952 الصادر لها من المورث والتي أكدها بإقرار موثق بمأمورية التوثيق بملوي في 24/ 8/ 1955 تحت رقم 191 لسنة 1955 فيما تضمنه من الإيصاء لها باثني عشر قيراطاً يملكها في العقار الثاني الكائن بشبرا وتثبيت ملكيتها لذلك القدر كذلك أقام...... دعوى فرعية بطلب الحكم بتثبيت ملكيته إلى حصتين قدرهما 3 ف و6 ط شائعين في نفس العقارين وأقامت المطعون ضدها الرابعة دعوى فرعية بطلب الحكم بتثبيت ملكيتها إلى 12 س و1 ط شائعة في 12 في عقار شبرا، والمحكمة ضمت الدعويين وقدمت المطعون ضدها الأولى ما يفيد صدور عقد هبة رسمي سجل برقم 5615 بتاريخ 9/ 7/ 1962 وهب لها المورث بموجبه كامل أرض وبناء العقار الأول مع احتفاظه مدى حياته بحق إدارته من تأجير وصيانة مع الاستيلاء على ريعه وريع ملحقاته لنفسه وصدور عقد رسمي مسجل برقم 5285 بتاريخ 6/ 10/ 1968 وهب بموجبه حق الانتفاع في ذات العقار وقررت المطعون ضدها الثانية والثالثة ومورثة الطاعن أنهن يسلمن بطلبات المطعون ضدها الأولى وبتاريخ 26/ 4/ 1970 قضت المحكمة بتثبيت ملكية الطاعن إلى قيراطين من 12 ط شائعة في كامل أرض وبناء المنزل الثاني وتثبيت ملكية...... إلى حصة قدرها قيراطين من 12 ط شائعة في المنزل الثاني وتثبيت ملكية المطعون ضدها الرابعة إلى قيراط واحد شائعاً في 12 ط شائعة في المنزل الثاني وبصحة ونفاذ الوصية الصادرة من الدكتور....... المؤرخة أول يناير سنة 1952 والمؤكدة بموجب الإقرار الموثق بمأمورية توثيق ملوي في 24/ 8/ 1955 فيما تضمنه من الإيصاء للمطعون ضدها الأولى بحصة قدرها سبعة قراريط من 24 ط شائعة في المنزل الثاني وتثبيت ملكيتها لها وبشطب العبارات الجارحة والماسة بزوج المطعون ضدها الأولى ومحامي المطعون ضدهن الأخيرات فاستأنفه كل من الطاعن عن نفسه وبصفته وارثاً لشقيقه..... و...... والمطعون ضدها الرابعة بالاستئناف 2297 سنة 78 قضائية القاهرة وأمام محكمة الاستئناف ادعت المطعون ضدها الأولى بتزوير صورة عقد البيع المرفق بطلب الشهر العقاري المقدم لمأمورية شبرا الذي يفيد أنها اشترت من المورث نفس الحصة العقارية موضوع الوصية والذي كان قد قدمه الطاعن أمام محكمة أول درجة وبتاريخ 21/ 2/ 1970 قضت المحكمة بقبول الادعاء بالتزوير وندب خبيراً لبيان ما إذ كان التوقيع المنسوب للمطعون ضدها على صورة عقد البيع قد صدر منها من عدمه وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت بتاريخ 24/ 5/ 1975 بثبوت تزوير التوقيع وبرد بطلان الورقة وبتاريخ 22/4 / 1975 قضت في موضوع الاستئناف برفضه. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أسبابه ثلاثة عشر ينعى الطاعن بالأول والأخير منها على الحكم الصادر بتاريخ 4/ 2/ 1975 مخالفة القانون ووقوع بطلان في الإجراءات أثر فيه وفي بيان ذلك يقول أنه رغم تنازله عن التمسك بصورة عقد البيع المطعون عليها بالتزوير فقد قضى الحكم بردها وبطلانها مخالفاً بذلك ما تقضي به المادة 57 من قانون الإثبات وقد أقام هذا القضاء على سند من القول بأن الجدل حول كون الادعاء بالتزوير منتجاً قد حسمه الحكم الصادر بتاريخ 21/ 3/ 1972 وعلى أنه رغم عدم تمسكه بجدوى التوقيع يتمسك بأن المطعون ضدها هي التي قدمت صورة العقد مع أن الحكم السابق بعد لم يقطع في أصل الحق وعدم توقيع المطعون ضدها على صورة العقد لا يستتبع لزاماً أن يكون غير مقدم منها.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن قرر "بعدم التمسك بتوقيع الطاعنة ولا شأن له بهذا التزوير وإنما هو يتمسك بإقرارها بحصول البيع الذي ينطوي عليه تقديم الطلب دون حاجة لصورة عقد البيع التي طعنت عليها بالتزوير مما يجعل التمسك بالتزوير في هذا الخصوص غير منتج" واستطرد يقول "إن الإدعاء بدس صورة العقد خلسة هو قول لا يلتفت إليه لأن الموظف المختص أثبت بالملف تعهدها بتقديم الصورة ولا يغير من الأمر شيئاًَ عدم التوقيع على الصورة من أحد الموظفين وهو - أي الطاعن - لم يعرف بهذا كله إلا عرضاً" وقد استدل الحكم من ذلك على أن الطاعن وإن نزل عن التمسك بصحة توقيع المطعون ضدها الأولى على صورة العقد فقد ظل متمسكاً بباقي أجزاء الورقة التي شملها الإدعاء بالتزوير مما حدا بالمحكمة إلى المضي إلى الفصل في الادعاء بالتزوير وهو استدلال سائغ ونهج سليم لا مخالفة فيه لأحكام الفقرة الأولى من المادة 57 من قانون الإثبات التي تقضي بأن للمدعي عليه بالتزوير إنهاء إجراءات الادعاء إجراءات الادعاء في أية حالة كانت عليها بنزوله عن التمسك بالمحرر المطعون عليه. وأما عن قول الحكم المطعون فيه بأن الجدل حول كون الادعاء بالتزوير منتجاً قد حسمه الحكم الصادر بتاريخ 21/ 3/ 1972 فهو أيضاً يتفق وصحيح القانون إذ يبين من الاطلاع على الصورة طبق الأصل المقدمة من الحكم المذكور أنه قضى بقبول الادعاء بالتزوير وأورد في أسبابه "إن المحكمة لا تشاطر المستأنف (الطاعن) وجهة نظره وفي أن الطعن بالتزوير غير منتج في النزاع، ذلك أنه وقد تمسك برجوع الموصي عن الوصية وساق سنداً له في هذا الخصوص الطلب رقم 30/ 1969 شهر عقاري شبرا وصورة عقد البيع المرفقة به فإنه يتعين على المحكمة قبل أن تقول كلمتها في هذا الشأن وفي مدي دلالة هذه الأوراق في إثبات الرجوع الضمني عن أن تقطع بصورة التوقيع المذيل به صورة عقد البيع من المستأنف عليها (المطعون ضدها الأولى) لأن تحقيق التزوير مسألة أولية ويتعين على المحكمة قبل أن يمحص حجج المستأنف في هذا الخصوص أن تستيقن من صحة التوقيع المذيل به تلك الصورة... ولأن المطعون عليه بالتزوير ليس هو صورة عقد البيع فحسب إنما التوقيع المذيل به الصورة والإقرار الذي سطر على التوقيع بأن ما ورد من نصوص هذه الصورة هي حقيقة ما ارتضاه كل من المستأنف عليها الأولى والموصى لها من بيع...." ولا شك في أن هذا الذي أورده الحكم يعتبر من محكمة الاستئناف فصلاًَ في مسألة كون الادعاء بالتزوير منتجاً من عدمه فإنه لا يجوز العودة إلى هذه المسألة مرة أخرى، إذ من المقرر أنه إذا فصلت في مسألة من المسائل المعروضة عليها انقضت سلطتها بشأنها وبالتالي خرجت عن ولايتها ومن ثم يكون النعي في غير محله.
وحيث إن مبنى الطعن بالأسباب من الثاني حتى الخامس من أسباب الطعن هو البطلان والخطأ في تطبيق القانون وتأويله، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه أبدى دفاعاً مؤداه أن عقد الهبة المؤرخ 9/ 7/ 1962 باطل بطلاناً لا تصححه أجازة لوروده على حق الرقبة فقط ولأن الاتفاق على بقاء المال الموهوب في يد الواهب لم يكن بعد انعقاد عقد الهبة وإنما عاصر الهبة فمنع عقدها ولم ترد المحكمة على هذا الدفاع الجوهري كما أغفلت القرينة القضائية التي تقضي بأن احتفاظ المتصرف بالحيازة والانتفاع طيلة حياته دليل على أن التصرف مضاف إلى ما بعد الموت إذا كان التصرف بغير وارث لأن الطاعن يمثل تركة المتصرف ويؤيد الظاهر من أن عقد الهبة الذي تمسكت به المطعون ضدها الأولى مضاف إلى ما بعد الموت لاحتفاظ المتصرف بالحيازة ولأنه بغير عوض ولأن الشريعة الإسلامية هي مصدر الأحكام الموضوعية في الهبة وهي تقضي بأن القبض شرط في إتمام الهبة وأنه على ذلك كان على الحكم المطعون فيه أن يقول إن الطعون الموجهة إلى عقد هبة حق الانتفاع الأخير المؤرخ 26/ 9/ 1968 غير منتجة باعتبار أن عقد هبة الرقبة الأول المؤرخ 9/ 7/ 1962 سليم مع أن العقد الأول باطل لم ينشئ التزاماً بالتسليم والعقد الثاني لا يصحح هذا البطلان.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن القانون المدني قد نظم عقد الهبة تنظيماً كاملاً بالمواد من 486 إلى 504 وإذ كان من المسلم كما جاء بمذكرته الإيضاحية أنه قد استمد الأحكام الموضوعية في الهبة من الشريعة الإسلامية فإن هذا لا يسوغ الخروج على النصوص التشريعية بدعوى اللجوء إلى مصدرها ما دامت واضحة الدلالة فيما يتناوله لفظها أو فحواها، لما كان ذلك. وكان إعمال القواعد العامة للعقود المنصوص عليها في الفصل الأول من الباب الأول من القسم الأول من التقنين المدني يقضي بأن تصح هبة جميع أنواع الأموال والحقوق العينية التي عليها كحق الانتفاع وحق الرقبة وحق الارتفاق، فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من رفض الدفع ببطلان عقد الهبة المؤرخ 9/ 7/ 1962 لوروده على حق الرقبة دون المنفعة يكون صحيحاً ولا يقدح في ذلك احتفاظ الواهب بحقه في الانتفاع ما دام التصرف بالهبة قد تم منجزاً وهو ما استدل عليه الحكم من تسجيل الواهب لعقد الهبة بغير توثيقه مباشرة وعدم اشتراطه فيه منع المطعون ضدها الأولى من التصرف في العقار موضوع الهبة وبما أفصح عنه في العقد المؤرخ 26/ 9/ 1968 ثم أنه لا على الحكم المطعون فيه بما لقاضي الموضوع من سلطة تقديرية في استخلاص القرائن القضائية فيما ارتآه من أن احتفاظ الواهب بحقه في الانتفاع بالمال الموهوب بعد هبة حق الرقبة لا يفيد اعتبار هذا التصرف للمطعون ضدها الأولى وهي غير وارثة تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت، إذ أن التمسك من الطاعن بأن عقد الهبة يستر وصية هو طعن بالصورية النسبية بطريق التستر يخضع للقواعد العامة في الإثبات التي تلقى على الطاعن وهو وارث الواهب عبء إثبات هذه الصورية فإن عجز وجب الأخذ بظاهر نصوص العقد الذي يعد حجة عليه ويكون الحكم المطعون فيه حين اعتبر الطعون الموجهة لعقد هبة لانتفاع الأخير المؤرخ 26/ 1/ 1968 غير منتجة لأنها تقوم على اعتبار العقد الأول باطلاً قد التزم صحيح القانون.
وحيث إن حاصل السبب السادس من أسباب الطعن الخطأ في القانون وفي بيانه يقول الطاعن إن حق الانتفاع الذي نصت عليه المادتان 985، 986 من القانون المدني هو حق شخصي مؤقت يكتسب بمستند ولا يورث بخلاف حق التمتع الذي للمالك الأصلي على الشيء المملوك له وهو الذي يجوز التصرف فيه بالبيع والهبة والوصية فضلاً عن أنه يورث وأن ما جاءت به المادة 993 من أن حق الانتفاع ينتهي بوفاة المنتفع إنما ينطبق على كل من نشأ له حق الانتفاع طارئاً عليه فيرده لمن كسبه منه أو تلقاه عنه ولا مجال لتطبيقها على من كان له أصلاً حق الانتفاع الذي يتضمنه حق التمتع، وأنه لما كان عقد الهبة الأول المؤرخ 9/ 7/ 1962 لم ينشئ لمورث الطاعن حق انتفاع لم يكن له أصلاً فلا يترتب عليه حق للمطعون ضدها الأولى ويؤول إلى ورثة الدكتور...... طبقاً لأحكام الشريعة في حين أن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أنه إذا احتفظ الواهب بحق الانتفاع فإن هذا الحق ينتهي بوفاته مما يعيبه بالخطأ في القانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك بأنه لا أثر في التشريع المصري لتلك التفرقة التي أوردها الطاعن بين نوعيين من حقوق الانتفاع وقد نصت المادة 993 من القانون المدني صراحة على أن ينتهي حق الانتفاع بانقضاء الأجل المعين فإن لم يعين له أجل عد مقرراً لحياة المنتفع وهو ينتهي على أي حال بموت المنتفع حتى قبل انقضاء الأجل المعين. وأمام صراحة النص فلا محل للخروج عليه أو تأويله وأمام عموميته فلا محل لتخصيصه ويكون الحكم المطعون فيه قد التزم صحيح القانون حين قال بسريان هذه الأحكام على جميع الأحوال أياً كان مصدر حق الانتفاع وسواء أكان قد نشأ بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر.
وحيث إن حاصل السبب السابع من أسباب الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه للثابت بالأوراق والخطأ في تطبيق القانون والقصور بأن أقام قضاءه على أن التصرف ابتداء في حق الرقبة بالهبة مع احتفاظ المالك الأصلي الواهب بحق الانتفاع لنفسه يقتضي أن تبقى له اليد المادية على العين لينتفع بها ويصبح في شأن الرقبة نائباً في الحيازة عن صاحب هذا الحق الموهوب له فيحوز هذا الحق لحسابه وليس لحساب نفسه وهذا يخالف العبارة الصريحة في صلب العقد المؤرخ 9 يوليه سنة 1964 الذي يقضي في بنده السابع بأن "الواهب احتفظ لنفسه بحق إدارة المنزل الموهوب من تأجير وصيانة وخلافه كما أن له الحق في الاستيلاء على ريعه وريع ملحقاته لنفسه وذلك طول حياته، ولأن الأصل أن من عنده الحيازة يفترض أنه حائز لنفسه إلى أن يقوم الدليل على أنه حائز لغيره ولأن مقتضى ذلك استمرار حيازة العقار للواهب طوال حياته واعتبار العقد وصية.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن استظهار نية العاقدين من ظروف الدعوى ووقائعها مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع وقد استخلصت المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها وبأسباب سائغة أن المتعاقدين قصدا أن يكون التصرف هبة منجزه لا وصية مضافة إلى ما بعد الموت بما يعد معه هذا المعنى جدلاً موضوعياً فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره ولا تسوغ إثارته أمام هذه المحكمة.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسببين الثامن والتاسع من أسباب الطعن القصور في التسبيب، وفي بيان يقول أنه تمسك أمام محكمة الموضوع ببطلان عقد هبة الانتفاع الأخير المؤرخ 26/ 9/ 1968 لصدوره في شيخوخة المورث ومرض موته بالسرطان وتحت تأثير استغلال وهو مسلوب الإرادة ضعيف الإدراك إلا أن الحكم جارى المطعون ضدها الأولى فيما قررته من أن هذا الطعن غير منتج إلى أن حق الانتفاع ينتهي بوفاة المنتفع فيؤول إلى المطعون ضدها المذكورة باعتبارها مالكة الرقبة في حين أن عقد الرقبة باطل بطلاناً مطلقاً فيكون إغفال الرد على هذا الدفاع قصوراً.
وحيث إن النعي بدوره مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه قد انتهى بحق إلى أن عقد هبة رقبة العقار المؤرخ 9/ 7/ 1962 قد تم صحيحاً وأن مقتضى نص المادة 993 من القانون المدني أن يؤول حق الانتفاع بعد موت الواهب إلى المطعون ضدها الأولى مما يجعل الطعون الموجهة إلى عقد هبة الانتفاع غير منتجة في النزاع ومعالجة الدفع ببطلانه غير مجد ويسقط عن الحكم قالة القصور.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب العاشر من أسباب الطعن القصور في التسبيب وحاصله أن دعواه التي رفعت في الميعاد غير قابلة للتجزئة لأن النزاع غير قابل للتجزئة ويجب أن يفيد منهم الورثة الآخرون وأن انضمام المرحوم المهندس...... لها ورفعه طلباً عارضاً في دعوى المطعون فيه ضدها الأولى ويعتبر استعمالاً لحقه في الميعاد إلا أنه عندما دفع ببطلان عقدي الهبة على أساس الاستغلال دفعت المطعون ضدها الأولى بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد سنة من تاريخ عقد هبة المنفعة الصادر في 26/ 9/ 1968 وقبلته منها محكمة الموضوع في حين أنه لا يتصور أن تكون الهبة صحيحة بالنسبة لبعض الورثة وباطلة بالنسبة للآخرين كما أنه يجب النظر إلى التصرفات المنسوبة إلى المورث باعتبارها غير قابلة للتجزئة ولكن الحكم المطعون فيه لم يرد على دفاع الطاعن ومورثة المهندس..... بصدد عدم التجزئة.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن الثابت من مدونات الحكم أن الطاعن قد أقام دعواه بعد مضي أكثر من سنة على صدور كل من الوصية وعقد هبة الرقبة المؤرخ 9/ 7/ 1962 وقد نفى قيام الاستغلال بالنسبة لعقد حق الانتفاع بأسباب سائغة تكفي لحمله ومن ثم فلا عليه إن هو لم يرد على دفاع الطاعن القائم على عدم التجزئة في هذا الصدد لأنه غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الحادي عشر أنه أمر باستبعاد بعض ما جاء بمذكرة مورث الطاعن عن المرحوم...... مع أنه من صميم خصوصية الدعوى ولا يمكن فصله عنها لأنه من مستلزمات الدفاع فيها.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه متى كانت المحكمة فيما أمرت به من نحو بعض العبارات الواردة بمذكرة الطاعن لها وأنه فيها من الخروج على الآداب قد استعملت حقاً خوله القانون لما في المادة 105 من قانون المرافعات فليس للطاعن بعد ذلك أن يعيب عليها استعمال هذه الرخصة ولو تضمنت هذه العبارات دفاعاًَ له.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بباقي أسباب الطعن مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله القصور في التسبيب، في بيان ذلك يقول إن الحكم أيد حكم محكمة أول درجة في قضائها برفض دفاعه المتضمن أن المورث الدكتور...... قد رجع قبل وفاته عن الوصية المؤرخة 1/ 1/ 1952 على أنه عار من الدليل وأضاف أن الإقرار المنسوب للمطعون ضدها الأولى في الطلب المقدم منها للشهر العقاري يراعى فيه أن المقرر يأخذ في وضع المدين في الالتزام فيغير لصالحها وتلزم بما أقرت به في أضيق الحدود بحيث يقتصر على واقعة تقديمها للطلب متضمناً ما جاء به دون أن يعني ذلك لزوماً أن العقد المشار إليه في الطلب قد أبرم هذا غير صحيح لأن الإقرار حجة قاطعه ضدها ولا محل للبحث عن الإرادة الباطنة إزاء وضوح عبارات الإقرار وأن المقرة تعتبر خلفاًَ خاصاً للموصي البائع فيعتبر إقرارها ببيع الموصى لها العين محل الوصية إقراراً من ذات الوصي وأن هذا التصرف يعتبر بنص المادة 18 من قانون الوصية قرينة قانونية كاملة قاطعة في العدول عن الوصية وأنه إذا كان هناك شك أو غموض فيجب أن يفسر لمصلحة الطاعن الذي يمثل التركة المثقلة بالوصية خاصة وأن الوصية من التزامات التي يفسر فيها الشك لصالح ورثة المتبرع ويضف الطاعن إلى ذلك قوله أن الحكم استند في قضائه برفض دفاعه إلى عدم وجود توقيع من المطعون ضدها على صورة عقد البيع المرفقة بالطلب المقدم منها للشهر العقاري رغم أن هذه الصورة جاءت مطابقة تماماً لما تضمنه الطلب الذي اعترفت بتقديمه فضلاً عن أن الحكم الصادر بجلسة 21/ 3/ 1972 أورد بأسبابه أنه يتعين على المحكمة أن تقرر كلمتها في مدى دلالة الطلب المقدم من المطعون ضدها الأولى إلى الشهر العقاري وصورة عقد البيع المرفقة في إثبات الرجوع الضمني عن الوصية ورغم ذلك أغفل الحكم الصادر بجلسة 2/ 4/ 1975 ما لهذه الدلالة وقضى على عكسها.
وحيث إن النعي غير سديد ذلك أن الإقرار المقصود بالمادة 104 من قانون الإثبات باعتباره حجة قاطعة على المقر هو الصادر أمام القضاء أما الإقرار خارج القضاء فيخضع للقواعد العامة إذ لم يرد في شأنه نص خاص ولمحكمة الموضوع سلطة تقدير قوته في الإثبات بغير معقب عليها في ذلك متى كان تقديرها سائغاً، وإذ كان الإقرار المنسوب للمطعون ضدها الأولى في الطلب المقدم منها للشهر العقاري حال حياة الموصى إقرار غير قضائي فلا على الحكم المطعون فيه إن هو رفض التعويل عليه للقول بأن الموصي قد عاد وتصرف بالبيع في العقار الذي كان محلاً لوصيته المؤرخة في 1/ 1/ 1952 مقيماً قضاءه في هذا الصدد على أسباب تكفي لحمله. وفحواها أن الطاعن لم يقدم الدليل على تصرف الموصي في العقار الموصى به قبل وفاته لأن الصورة العرفية من عقد البيع المقال بصدوره من الموصي والمقدمة من الطاعن لا قيمة لها في الإثبات لأنها لا تحمل توقيع من صدر منه التصرف، هذا ولا يغير من الأمر شيئاً عدم رد الحكم على ما أثاره الطاعن من مطابقة صورة العقد المقدمة منه للطلب المقدم من المطعون ضدها الأولى للشهر العقاري إذ من المقرر أن لقاضي الموضوع السلطة في تحصيل فهم الواقع في الدعوى وبحسبه أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب كافية فليس عليه بعد ذلك أن يتتبع الخصوم في مختلف أقوالهم وحججهم وطلباتهم ويرد استقلالاً على كل قول أو حجة أو طلب أثاروه ما دام قيام الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها فيه الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج والطلبات ثم أنه لا تعارض بين ما أورده الحكم الصادر بجلسة 21/ 3/ 1972 وبين ما انتهى إليه الحكم الصادر من ذات المحكمة من عدم أخذه بدلالة الطلب المقدم من المطعون ضدها في الشهر العقاري وصورة عقد البيع المرفقة به، إذ أنه فضلاً عما ثبت من تزوير التوقيع المنسوب صدوره للمطعون ضدها الأولى على صورة عقد البيع، فإن ما أورده الحكم الأول كان بشأن مسألة من مسائل الإثبات مما لا تستنفذ به المحكمة ولايتها ولا يقيدها، إذ لها ألا تأخذ بنتيجة إجراء أمرت به.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.