أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 31 - صـ 1904

جلسة 12 من نوفمبر سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ محمد فاروق راتب نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد المرسي فتح الله، أحمد ضياء عبد الرازق، علي محمد عبد الفتاح ومحمد مختار منصور.

(353)
الطعن رقم 799 لسنة 46 القضائية

(1) إعلان. محكمة الموضوع.
ترك المعلن إليه موطنه من عدمه وقت الإعلان. واقع. استقلال محكمة الموضوع بتقديره.
(2) استئناف "الحكم في الاستئناف". بطلان. حكم "استنفاذ الولاية".
استنفاذ محكمة أول درجة ولايتها بالحكم في موضوع الدعوى. قضاء محكمة الاستئناف ببطلان الحكم لعيب فيه أو في الإجراءات لا يمتد إلى صحيفة الدعوى. التزامها بالفصل في الدعوى.
(3) خبرة. محكمة الموضوع.
طلب ندب خبير. عدم التزام محكمة الموضوع بإجابته. إغفال الإشارة إليه. قضاء ضمني بالرفض.
(4) محكمة الموضوع. نقض "السبب الموضوعي".
الترجيح بين البينات. من سلطة محكمة الموضوع. الجدل في ذلك. عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.
1 - تقدير ما إذا كان المعلن إليه ترك الإقامة في موطنه وقت إعلانه فيه أو لم يتركها هو من المسائل التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع دون ما رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض ما دام قضاؤها قائماً على أسباب سائغة.
2 - المحكمة الاستئنافية لا تملك، عند القضاء ببطلان الحكم المستأنف لعيب فيه أو في الإجراءات المترتب عليها، أن تعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة التي فصلت في موضوعها لتنظر فيها، لأنها إذ فصلت في موضوع الدعوى تكون قد استنفدت ولايتها عليها، وإنما يتعين على المحكمة الاستئنافية في هذه الحالة نظر الدعوى بمعرفتها والفصل فيها.
3 - محكمة الموضوع غير ملزمة أصلاً بإجابة طلب ندب خبير متى وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها للفصل فيها. وقضاؤها فيها دون إشارة إليه يعتبر قضاء ضمنياً برفضه.
4 - إذا كانت التقريرات الواردة بالحكم المستأنف سائغة ولها أصلها الثابت بالأوراق وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها وتتضمن الرد الضمني المسقط لما ساقه الطاعن من أوجه دفاع فإن ما يثيره في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير المحكمة للأدلة وترجيح بينة على أخرى مما لا يجوز التحدي به أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة المطعون عليها تقدمت إلى السيد رئيس محكمة الإسكندرية الابتدائية بطلب إصدار أمر بإلزام الطاعن بأن يؤدي لها مبلغ 2373 ج وفوائده القانونية قائلة إنها، بموجب عقد مؤرخ 6/ 8/ 1967، رخصت له في الانتفاع بقطعة أرض فضاء بناحية سيدي كرير لمدة تسع سنوات تبدأ من 1/ 5/ 1967 مقابل مبلغ 339 ج سنوياً يدفع مقدماً، وأن الطاعن تأخر عن سداد المستحق من 1/ 5/ 1968 وجملته 2373 ج. وقد رفض الطلب وحددت جلسة لنظر الدعوى وقيدت برقم 2398 لسنة 1974 مدني كلي الإسكندرية. وبتاريخ 23/ 2/ 1975 قضت المحكمة للمطعون عليها بطلباتها. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 631 لسنة 31 ق الإسكندرية وفي 9/ 5/ 1976 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف لبطلانه وبإلزام الطاعن بأن يؤدي للمطعون عليها مبلغ 2373 ج وفوائده القانونية. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت لنظره جلسة التزمت فيها النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والتناقض، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك في صحيفة الاستئناف ببطلان جميع إجراءات الدعوى لأن الشركة المطعون عليها أعلنته بها في موطنه المبين في عقد الانتفاع مع أنه كان قد ترك هذا الموطن من قبل رفع الدعوى بتأجير العين التي كان يقيم فيها إلى شركة أسو مصر بموجب عقد مؤرخ 1/ 5/ 1974 وثابت التاريخ في 4/ 7/ 1974 مما كان يتعين معه على المطعون عليها أن تتحرى عن موطنه الجديد لتعلنه فيه، غير أن الحكم المطعون فيه اعتبر إعلانه بالدعوى صحيحاً تأسيساً على أنه تم في 17/ 11/ 1974 قبل تسليمه المسكن إلى شركة أسو مصر في 9/ 12/ 1974 رغم سبق تركه له منذ التأجير ثم اعتبر إعادة إعلانه بالدعوى في ذات المكان باطلاً لتركه العين بعد تأجيرها وتصدى للموضوع بعد أن ألغي الحكم المستأنف فيكون قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه التناقض وأخل بمبدأ التقاضي على الدرجتين.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك لأن تقدير ما إذا كان المعلن إليه ترك الإقامة في موطنه وقت إعلانه فيه أو لم يتركها هو من المسائل التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع دون ما رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض ما دام قضاءها قائماً على أسباب سائغة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد خلص في حدود سلطته الموضوعية إلى أن الطاعن لم يسلم المكان الذي اتخذه موطناً في عقد الترخيص له بالانتفاع بالأرض موضوع النزاع إلى شركة أسو مصر - المستأجرة له - إلا بتاريخ 9/ 12/ 1974، ورتب على ذلك صحة إعلانه بصحيفة الدعوى التي تم قبل هذا التاريخ في 17/ 11/ 1974، وبطلان إعادة إعلانه بعد ذلك في 1/ 1/ 1975 وكانت المحكمة الاستئنافية لا تملك، عند القضاء ببطلان الحكم المستأنف لعيب فيه أو في الإجراءات المترتب عليها، أن تعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة التي فصلت في موضوعها لتنظر فيها، لأنها إذ فصلت في موضوع الدعوى تكون قد استنفدت ولايتها عليها، وإنما يتعين على المحكمة الاستئنافية في هذه الحالة - طالما أن العيب لم يمتد إلى صحيفة الدعوى - نظر الدعوى بمعرفتها والفصل فيها، فإن نعي الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والتناقض يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والخطأ في الاستدلال من وجهين (أولهما) أن الحكم لم يشر إلى المذكرة المقدمة منه وأغفل الرد على ما تضمنته من دفاع وعلى طلبه الاحتياطي ندب خبير لتحديد الجهة المالكة للأرض فيكون معيباً بالقصور، (وثانيهما) أنه أورد في أسبابه أنه لم ينازع في أن سند وضع يده هو عقد الانتفاع الصادر له من الشركة المطعون عليها مع أنه أقام استئنافه على أنه اشترى الأرض من هيئة تعمير الصحاري ووضع اليد عليها منذ سنة 1966 بنية تملكها فيكون معيباً بالخطأ في الاستدلال.
وحيث إن النعي بالوجه الأول مردود. ذلك لأنه لم كان الطاعن لم يبين في صحيفة الطعن ماهية الدفاع الذي أغفله الحكم المطعون فيه وكان لا يغني عن ذلك الإحالة إلى مذكرته أمام محكمة الاستئناف، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة أصلاً بإجابة طلب ندب خبير متى وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها للفصل فيها، وقضاؤها فيها دون إشارة إليه يعتبر قضاء ضمنياً برفضه، فإن النعي عليه بالقصور في التسبيب يكون على غير أساس والنعي بالوجه الثاني عار عن الدليل، ذلك لأن الطاعن لم يقدم ضمن مستنداته صورة من صحيفة الاستئناف التي يقول أنه ذكر فيها أنه اشترى الأرض من هيئة تعمير الصحاري ووضع يده عليها بنية تملكها منذ سنة 1966.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الأخير أن الأرض محل النزاع من أملاك الدولة الخاصة باعتها له هيئة تعمير الصحاري على نحو الثابت بخطابها المؤرخ 30/ 9/ 1971 وطالبته بمقابل الانتفاع بها عن المدة السابقة على البيع مما يعتبر تعرضاً له على خلاف ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، وإذ كان ما ذهب إليه هذا الحكم من أن إيجار ملك الغير صحيح فإنه مشروط بعدم تعرض المالك الحقيقي للمستأجر. وقد تعرضت له هيئة تعمير الصحاري، وقد كانت الأرض في حيازته من قبل عقد الانتفاع ومكنته الهيئة من حيازتها واستغلالها في سنة 1966.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك لأن الحكم المطعون فيه عرض لدفاع الطاعن بقوله إن وضع يده على العين كان استناداً إلى العقد المؤرخ 16/ 8/ 1967، وأنه لم يقدم ما يدل على سداد المبالغ المطالب بها فيتعين إلزامه بها عن السنوات من 1968 إلى 1974 مع الفوائد القانونية وأنه لم ينازع في أن وضع يده على العين كان استناداً إلى العقد الصادر من الشركة المطعون عليها، وقد انتفع بها من هذا التاريخ ولم يتعرض له أحد في ذلك الانتفاع، وأن إيجار ملك الغير صحيح، طالما لم يحدث أي تعرض للمستأجر في الانتفاع بالعين. ولا يتسع نطاق الخصومة المطروحة لبحث أحقية الهيئة العامة لتعمير الصحاري في بيع أرض النزاع المخصصة لمنفعة عامة للطاعن طالما أن بيعاً باتاً لم يتم - لما كان ذلك، وكان هذا الذي قرره الحكم سائغاً وله أصله الثابت في الأوراق ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها ويتضمن الرد الضمني المسقط لما ساقه الطاعن من أوجه دفاع، فإن ما يثيره بهذا النعي لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير المحكمة للأدلة وترجيح بينة على أخرى مما لا يجوز التحدي به أمام محكمة النقض.
لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه.