أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 51 - صـ 380

جلسة الأول من مارس سنة 2000

برئاسة السيد المستشار/ أحمد زكي غرابة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ شكري العميري، عبد الصمد عبد العزيز، مجلس فضلى نواب رئيس المحكمة وطه عبد المولى.

(69)
الطعن رقم 2972 لسنة 69 القضائية

(1 - 8) حكم "ماهيته الحكم" "عيوب التدليل: القصور في التسبيب، الفساد في الاستدلال، الخطأ في تطبيق القانون: ما يعد كذلك". قضاة. مسئولية "المسئولية التقصيرية: المسئولية عن النشر". تعويض. حق "حق النشر". دستور.
(1) الحكم القضائي. ماهيته. فصل في خصومة قائمة وفق صحيح القانون. مباشرة القاضي وظيفته القضائية. الهدف منها. وجه الحق في الدعوى. كيفيته. فهم صحيح لواقعها ودراسة أدلتها ثم إنزال حكم القانون عليها. وجوب أن ينزه القاضي نفسه عن التردي في مساجلة فكرية أو مبارزة مذهبية تشغله عن الوقوف عن عناصر الدعوى وإلا كان حكمه مبنياً على غير أسباب. اعتناقه فكراً لا يشهد له علما ولا هدى ولا كتاب منير أو رأياً يناهض ما استقر في ضمير الجماعة أو ما تعارفت عليه في دستورها وقانونها. فساد في الاستدلال وخطأ.
(2) دعوى الطاعنين بالتعويض لإساءة المجلة المطعون ضدها حق النشر والنقد. الفصل فيها. مقتضاه. وجوب بحث وتمحيص المقال المنشور وما إذا كانت عباراته التزمت الضوابط المنظمة لحق النشر والنقد وأن قسوة العبارة اقتضتها ضرورة تجليه قصد الناقد وأن لرائدها المصلحة العامة وليس الطعن والتجريح. القضاء برفضها تأسيساً على أن التطرف الديني وباء يجب استئصاله ولا ضير في نشر الصور الإباحية لشيوعها وإلفها وأن مسك الطاعنين تدخل في شئون الآخرين وأن المجلة تغيت المصلحة العامة. عدم وقوف الحكم على عناصر الدعوى وانشغاله بهذه الآراء التي لا صلة لها بموضوعها. مؤداه. قيامه على غير أسباب تحمله. قصور وفساد في الاستدلال.
(3) النقد المباح هو مجرد إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته.
(4) تناول القضايا بالنشر باعتبارها من الأحداث العامة. ليس بالفعل المباح على إطلاقه. الضوابط المنظمة له. مناطها. المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحقوق العامة واحترام حرية الحياة الخاصة للمواطنين وعدم الاعتداد على شرفهم وسمعتهم وانتهاك محارم القانون.
(5) للناقد أن يشتد في نقد أعمال خصومه. شرطه. ألا يتعدى حد النقد المباح. خروجه عن ذلك إلى الطعن والتشهير والتجريح. أثره.
(6) المقومات الأساسية للمجتمع. ماهيتها. م 12 دستور. التزام الدولة باتباع هذه المبادئ والتمكين لها.
(7) عدم جواز عرض الصور والإعلانات وغيرها المنافية للآداب العامة. المادتان 178، 178مكرر (1) عقوبات. علة ذلك.
(8) انحراف المجلة المطعون ضدها عن حق النشر والنقد وانطواء ما نشرته من طعن في سمعة الطاعنين وتجريحها وازدرائها بالقيمة الدينية والناهضين لحمايتها. أثره. وجوب تعويض الطاعنين عما أصابهم من ضرر أدبي من جراء ذلك.
(9) دعوى "الدفاع في الدعوى"
تحديد نطاق الدفاع في الدعوى وما يعد تجاوزاً له. العبرة فيه بموضوع الخصومة المطروحة وما يستلزمه اقتضاء الحقوق المدعى بها أو دفعها.
(10) محكمة الموضوع. حكم.
إعمال المحكمة لرخصتها في محو العبارات الجارحة والمخالفة للآداب والنظام العام. شرطه. ورود تلك العبارات في مذكرات الخصوم وأوراق مرافعتهم. عدم استطالة ذلك إلى الحكم القضائي. علة ذلك. التفات الحكم المطعون فيه عن طلب الطاعنين محو العبارات بالحكم الابتدائي. لا عيب.
(11) إثبات "طرق الإثبات: الإقرار".
تسليم الخصم افتراضاً على سبيل الاحتياط بطلبات خصمه. لا يعد إقراراً. علة ذلك.
(12) دعوى "تكييف الطلبات في الدعوى".
تكييف طلبات ودفوع الخصوم. العبرة فيه بحقيقة الواقع. عدم التقيد بوصف الخصوم بها.
(13) وكالة. نيابة "نيابة اتفاقية".
الأصل عدم مسئولية الموكل عن الخطأ الذي ارتكبه وكيله. التزام الوكيل وحده بتعويض الغير الذي أضير بخطئه طالما لم يقر الموكل وكيله على هذا الخطأ.
1 - لما كان الحكم القضائي هو فصل في خصومة قائمة، وفق صحيح القانون، وعلى القاضي إذ يباشر وظيفته القضائية أن يجعل بغيته وجه الحق في الدعوى، وهو ما لا ينال إلا بفهم صحيح لواقعها، ودرس عميق لأدلتها، ثم إنزال حكم القانون عليها، وعليه - إذ يقضي بين الناس - أن ينزه نفسه عن التردي في مساجلة فكرية أو مبارزة مذهبية تشغله عن الوقوف على عناصر الدعوى الواقعية والقانونية اللازمة لحسم النزاع فيها فإن هو فعل، كان حكمه مبيناً على غير أسباب، فإذا استلزم الفصل في الدعوى أن يوازن بين المبادئ ويقايس بين الأفكار، كان له ذلك - في حدود سلطته التقديرية - دون أن يعتنق في هذا السبيل - فكراً لا يشهد له علم ولا هدى ولا كتاب منير، أو رأياً يناهض ما استقر في ضمير الجماعة وما تعارفت عليه في دستورها وقانونها، فإن فعل، كان استدلاله فاسداً، وتطبيقه للقانون خاطئاً.
2 - إذ كان الأساس الذي قامت عليه دعوى الطاعنين هو إساءة المجلة المطعون ضدها لحق النشر والنقد، لدى تعليقها على ما ندبوا أنفسهم له من تعقب عارضي الصور المنافية للآداب بالطريق العام، وما أدى إليه من صدور حكم بإدانة أحدهم، إذ أساءت إليهم وشهرت بهم، بما حواه مقالها المذكور، وهو ما عدوه خطأ أصابهم بضرر أدبي يوجب مساءلتها عن تعويضه، وكان الفصل في الدعوى على هذا النحو، يقتضي من محكمة الموضوع أن تتناول بالبحث والتمحيص المقال المشار إليه وتبيان ما إذا كانت عباراته قد التزمت الضوابط المنظمة لحق النشر والنقد، من حيث صحة الخبر أو اعتقاد الناشر صحته بناء على أسباب تسوغه، وأن يكون النقد في إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وعدم الاعتداء على شرفهم وسمعتهم واعتبارهم، وما إذا كانت قسوة العبارة قد اقتضتها ضرورة تجليه قصد الناقد، وأن رائدها المصلحة العامة، ولم يكن الغرض منها الطعن والتجريح، وهي الأمور الواجب استظهارها لإثبات أو نفي عناصر المسئولية محل الدعوى، وكان الحكم الابتدائي - المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه - قد ورد على دعوى الطاعنين بأن أفاض في عرض أفكار جماعها أن التطرف الديني وباء نكبت به البلاد يجب استئصاله. وأن ديدن المبتلين به الحجر على حرية الآخرين مما يعقد بالمجتمع عن مواكبة الحضارة التي لا سبيل إليها إلا بحرية مطلقة من كل قيد، وأنه لا ضير في نشر الصور الإباحية لشيوعها وإلفها، وأن مسلك الطاعنين في محاربتها تدخل مرذول في شئون الآخرين ينم عن أهداف خبيثة ونفوس مريضة، وأن المجلة المطعون ضدها إذ تصدت لهم بمقالها الآنف بيانه، قد تغيت المصلحة العامة وبريء مسلكها من قاله الخطأ، وانتهت من ذلك إلى رفض الدعوى، وإذ كان ذلك، وكانت تلك الأفكار التي أبانت مدونات الحكم أنه يدين بها ويصدر عنها، قد شابها الخلط والتعميم، وجاءت مناهضة للأسس الخلقية القويمة والمبادئ الدينية الصحيحة التي تحكم المجتمع المصري وتضبط حركته، والتي حرص الدستور والقانون - على ما سيلي بيانه - رعايتها، ويتعين على القضاء تثبيتها مهما تفلت الناس من عقالها، كما نأت هذه الأفكار عن الفطرة السوية التي لا ترى في حرية طليقة من كل قيد غير باب لفوضى عارمة، وشعار لعبودية خالصة للشهوات، فضلاً عن أن الحكم قد شغل بهذه الآراء - التي لا صلة لها بموضوع الدعوى - عن الوقوف على عناصرها السالف بيانها - مما أدى به إلى رفضها على غير أسباب تحمله، وهو ما يعيبه بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
3 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النقد المباح هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص الأمر أو العمل بغية التشهير به والحط من كرامته.
4 - لئن جاز للصحف - وهي تمارس رسالتها بحرية في خدمة المجتمع - تناول القضايا بالنشر باعتبارها من الأحداث العامة التي تهم الرأي العام، إلا أن ذلك ليس بالفعل المباح على إطلاقه، وإنما هو محدود بالضوابط المنظمة له ومنها أن يكون النشر في إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والواجبات العامة واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وعدم الاعتداء على شرفهم وسمعتهم واعتبارهم، أو انتهاك محارم القانون.
5 - إن كان للناقد أن يشتد في نقد أعمال خصومه ويقسو عليهم ما شاء، إلا أن ذلك يجب ألا يتعدى حد النقد المباح، فإذا خرج عن ذلك إلى حد الطعن والتشهير والتجريح، فإنه يكون قد تجاوز ما شرع من أجله حق النقد، وخرج به إلى ما لا يجوز الدخول إليه، وحقت عليه تبعاً لذلك كلمة القانون وحكمه.
6 - المادة 12 من الدستور الدائم قد عدت من بين المقومات الأساسية للمجتمع التزامه برعاية الأخلاق وحمايتها والتمكين للتقاليد المصرية الأصلية، ودعته إلى مراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية والقيم الخلقية.. وألزمت الدولة باتباع هذه المبادئ والتمكين لها.
7 - جرم قانون العقوبات في مادتيه 178، 178 مكرر (1) عرض الصور والإعلانات وغيرها المنافية للآداب العامة - وهي تلك التي تواضع عليها الجمهور في مصر طبقاً لآدابه المرعية وتقاليده المورثة - بحسبان أن نشر هذه الصور أو عرضها أو تقديمها من شأنه أن يحرض الشباب على الفجور، وإثارة الفتون في خياله، وإيقاظ أحط الغرائز في نفسه، وتهوين سلطان الفضيلة على مسلكه.
8 - إذ كانت المجلة - التي يمثلها المطعون ضده - قد نشرت مقالاً في عددها رقم..... بعنوان "....." تناولت فيه خبر صدور حكم قضائي بحبس أحد مديري دور السينما لعرضه إعلانات منافية للآداب العامة، وذلك بعد أن أبلغ الطاعنون ضده، ونقمت منهم تصديهم لهذه الظاهرة، ووصمتهم لذلك بالتطرف والإرهاب ومحاربة الإبداع والتفكير والفن، واستدراج النيابة والقضاء لتحقيق مآربهم، ووصمت الحكم المذكور بأنه صدمة أصابت العقلاء والمحترمين في مصر، وكان ذلك من المجلة مما يعد انحرافاً عن حق النشر والنقد لما انطوى عليه من التشهير بالطاعنين، والطعن في سمعتهم وتجريحهم، فضلاً عما فيه من زراية بالقيم الدينية والأخلاقية والناهضين لحمايتها، بما يمثله ذلك من خروج على المقومات الأساسية للمجتمع وما استنه الدستور والقانون من واجبات عامة ابتغاء رعايتها - على ما سلف بيانه - وإذ كان الطاعنون قد أصابهم من جراء ذلك ضرر أدبي تمثل في النيل من سمعتهم والحط من كرامتهم والمساس بشرفهم بإلصاق تلك السوءات بهم وما أورثه ذلك من معاناة ذات نفوسهم في سبيل إرساء قيم حرص المجتمع على إرسائها، باعتبارها أساساً يتعين الالتزام به حتى لا ينهار فيه أخص ما يحرص عليه، ولا يقوم إلا به، الأمر الذي يوجب تعويضهم بما يجبره.
9 - العبرة في تحديد نطاق الدفاع في الدعوى، وما يعد تجاوزاً له، هي بموضوع الخصومة المطروحة، وما يستلزمه اقتضاء الحقوق المدعى بها أو دفعها.
10 - النص في المادة 105 من قانون المرافعات على أن "للمحكمة ولو من تلقاء نفسها أن تأمر بمحو العبارات الجارحة أو المخالفة للآداب أو النظام العام من أية ورقة من أوراق المرافعات أو المذكرات" يدل على أن مناط إعمال المحكمة للرخصة الواردة بها، أن ترد تلك العبارات في مذكرات الخصوم وأوراق مرافعتهم التي يقدمون فيها بين يدي المحكمة ما يعن لهم من أوجه الدفاع، فلا تستطيل هذه الرخصة إلى الحكم القضائي الذي حدد القانون طرق تصحيحه، والطعن فيه على سبيل الحصر، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ التفت عن طلب الطاعنين محو عبارات بالحكم الابتدائي، لا يكون معيباً بالقصور أو الخطأ في تطبيق القانون.
11 - لئن كان الإقرار المشار إليه بوجه النعي لم يصدر عن الطاعن الثالث على سبيل الجزم واليقين بمسئوليته - وحده - عن التعويض محل الطلب العارض، تسليماً بحق خصمه فيه، وإنما كان افتراضاً جدلياً سلم به الطاعنون احتياطياً لما عسى أن تتجه إليه المحكمة من إجابة خصمهم إلى طلبه، وهو ما لا يعد إقراراً في مفهوم المادة 103 من قانون الإثبات، الذي يشترط أن يكون مطابقاً للحقيقة.
12 - العبرة في تكييف طلبات ودفوع الخصوم هي بحقيقة الواقع، لا بما يطلقونه عليها من أوصاف، وكانت حقيقة دفاع الطاعنين بحسب مرماه، وهو نفي مسئوليتهم عن خطأ وكيلهم - وهو الطاعن الثالث - عند تحريره صحيفة الدعوى عن نفسه ووكيلاً عنهم، بتضمينها عبارات السب المذكورة آنفاً.
13 - الأصل أن الموكل لا يكون مسئولاً عن الخطأ الذي ارتكبه وكيله، فالوكيل إذا كان ينوب عن الموكل في التصرف أو العمل القانوني محل الوكالة، فتنصرف إليه آثاره، إلا أنه لا ينوب عنه في الخطأ الذي يرتكبه هو في حق الغير بسبب تنفيذ الوكالة، فيلتزم الوكيل وحده بتعويض الغير الذي أضير بخطئه، طالما لم يقرر الموكل وكيله على هذا الخطأ بقصد إضافة آثاره إلى نفسه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا على مجلة...... - التي يمثلها المطعون ضده - الدعوى رقم 2423 لسنة 1997 مدي جنوب القاهرة الابتدائية، طالبين الحكم بإلزامها بأن تؤدي لهم مائه ألف جنيه، وقالوا شرحاً لدعواهم، إن بعض دور العرض السينمائي بالقاهرة دأبت على عرض لافتات دعاية بالطريق العام تحوي صوراً عارية، بما يتنافى مع القيم الدينية والآداب العامة، وتجرمه المادة 178/ 1 من قانون العقوبات، وقد عمد الطاعنون إلى الإبلاغ عن مديريها، وقدمت النيابة العامة أحدهم - مدير سينما........ - إلى المحاكمة، وقضي بإدانته، وما كان ذلك من الطاعنين إلا غيره على محارم الله أن تنتهك وحرصاً منهم - كمواطنين - على صيانة الأخلاق والقيم، إلا أن المجلة المطعون ضدها شنت حملة صحفية عليهم، ونشرت في عددها رقم..... الصادر في 10/ 7/ 1994 مقالاً علقت فيه على الحكم المشار إليه بعنوان "......" ... رمتهم فيه بالتطرف والإرهاب الفكري والعبث بالقضاء، كما وصفت الحكم بأنه مهزلة صدمت العقلاء والمحترمين في مصر. وإذ كان ما نسبته المجلة إليهم في مقالها المذكور يعد قذفاً وسباً في حقهم، نال من سمعتهم واعتبارهم، مما ألحق بهم ضرراً أدبياً يقدرون التعويض الجابر له بالمبلغ المطالب به، ومن ثم فقد أقاموا الدعوى. قدم المطعون ضده بصفته طلباً عارضاً بإلزام الطاعنين بأن يؤدوا له مليون جنيه تعويضاً عما ناله من أضرار أساءت إلى سمعة المجلة التي يمثلها، والعاملين بها، نتيجة لما تضمنته صحيفة الدعوى الأصلية من عبارات مهينة تصم المجلة بأنها تأكل بثدييها لاعتيادها نشر الصور العارية على أغلفتها وبداخلها، ابتغاء الكسب بزيادة التوزيع. حكمت محكمة أول درجة برفض الدعوى الأصلية وفي الطلب العارض بإلزام الطاعنين بأن يؤدوا للمطعون ضده بصفته عشرين ألف جنيه. استأنف الطاعنون هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة برقم 10653 لسنة 114 ق. ومحكمة الاستئناف وحكمت بتاريخ 27/ 4/ 1999 بتعديل الحكم المستأنف فيما قضت به في الطلب العارض إلى إلزام الطاعنين بتعويض قدره ثلاثة آلاف جنيه، وتأييده فيما عدا ذلك. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه القصور والفساد في الاستدلال وذلك أنهم - وبصدد دعواهم الأصلية - تمسكوا أمام محكمة الموضوع، بدفاع حاصله أن انبعاثهم إلى الإبلاغ ضد عارض الإعلانات الفاضحة كان نهوضاً بواجبهم في الإبلاغ عن جريمة تفشت، وحثت جهة الإفتاء الرسمية كل مسئول في الدولة على مواجهتها، وقد أدان القضاء أحد المبلغ عنهم، مما كان السبب المباشر في هجوم المجلة المطعون ضدها عليهم لكونها تسلك مسلكهم في نشر الصور الفاضحة على صفحاتها - وهو ما قدموا أدلته بين يدي المحكمة - إلا أنها جاوزت بمقالها المشار إليه آنفاً حق النشر والنقد إلى تجريح الطاعنين والطعن في سمعتهم واعتبارهم مما أصابهم بأضرار تستوجب التعويض، غير أن الحكم المطعون فيه لم يرد على دعواهم بما يقسطها، ولم يمحص أدلتها، واكتفى بتأييد الحكم الابتدائي، محمولاً على أسبابه. رغم أنه - بدوره - لم يتقصى حكم القانون في الدعوى وينزله على واقعها، بل أقام قضاءه على محض فكر تبناه، مؤداه إباحة نشر الصور الفاضحة، وأن التصدي لها تخلف ورجعية وإرهاب فكري، وأن المجلة كانت على حق إذ تصدت للطاعنين بتجلية فكرهم المتطرف ومسلكهم الإرهابي، بما ينفي عنها الخطأ كأساس للمسئولية، وإذ كان هذا الذي أقام عليه الحكم محض افتراضات، لا تواجه عناصر الدعوى، ولا تصلح دعامة له، فإنه يكون معيباً مستوجباً نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن الحكم القضائي هو فصل في خصومة قائمة، وفق صحيح القانون، وعلى القاضي إذ يباشر وظيفته القضائية أن يجعل بغيته وجه الحق في الدعوى، وهو ما لا ينال إلا بفهم صحيح لواقعها، ودرس عميق لأدلتها، ثم إنزال حكم القانون عليها، وعليه - إذ يقضي بين الناس - أن ينزه نفسه عن التردي في مساجلة فكرية أو مبارزة مذهبية تشغله عن الوقوف على عناصر الدعوى الواقعية والقانونية اللازمة لحسم النزاع فيها فإن هو فعل، كان حكمه مبنياً على غير أسباب، فإذا استلزم الفصل في الدعوى أن يوازن بين المبادئ ويقايس بين الأفكار، كان له ذلك - في حدود سلطته التقديرية - دون أن يعتنق في هذا السبيل - فكراً لا يشهد له علم ولا هدى ولا كتاب منير، أو رأياً يناهض ما استقر في ضمير الجماعة وما تعارفت عليه في دستورها وقانونها، فإن فعل، كان استدلاله فاسداً، وتطبيقه للقانون خاطئاً. لما كان ذلك، و كان الأساس الذي قامت عليه دعوى الطاعنين هو إساءة المجلة المطعون ضدها لحق النشر والنقد، لدى تعليقها على ما ندبوا أنفسهم له من تعقب عارضي الصور المنافية للآداب بالطريق العام، وما أدى إليه من صدور حكم بإدانة أحدهم، إذ أساءت إليهم وشهرت بهم، بما حواه مقالها المذكور، وهو ما عدوه خطأ أصابهم بضرر أدبي يوجب مساءلتها عن تعويضه، وكان الفصل في الدعوى على هذا النحو، يقتضي من محكمة الموضوع أن تتناول بالبحث والتمحيص المقال المشار إليه وتبيان ما إذا كانت عباراته قد التزمت الضوابط المنظمة لحق النشر والنقد، من حيث صحة الخبر أو اعتقاد الناشر صحته بناء على أسباب تسوغه، وأن يكون النقد في إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وعدم الاعتداء على شرفهم وسمعتهم واعتبارهم، وما إذا كانت قسوة العبارة قد اقتضتها ضرورة تجلية قصد الناقد، وأن رائدها المصلحة العامة، ولم يكن الغرض منها الطعن والتجريح، وهي الأمور الواجب استظهارها لإثبات أو نفي عناصر المسئولية محل الدعوى، وكان الحكم الابتدائي - المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه - قد رد على دعوى الطاعنين بأن أفاض في عرض أفكار جماعها أن التطرف الديني وباء نكبت به البلاد يجب استئصاله. وأن ديدن المبتلين به الحجر على حرية الآخرين مما يعقد بالمجتمع عن مواكبة الحضارة التي لا سبيل إليها إلا بحرية مطلقة من كل قيد، وأنه لا ضير في نشر الصور الإباحية لشيوعها وإلفها، وأن مسلك الطاعنين في محاربتها تدخل مرذول في شئون الآخرين ينم عن أهداف خبيثة ونفوس مريضة، وأن المجلة المطعون ضدها إذ تصدت لهم بمقالها الآنف بيانه، قد تغيت المصلحة العامة وبرئ مسلكها من قالة الخطأ، وانتهت من ذلك إلى رفض الدعوى، وإذ كان ذلك، وكانت تلك الأفكار التي أبانت مدونات الحكم أنه يدين بها ويصدر عنها، قد شابها الخلط والتعميم، وجاءت مناهضة للأسس الخلقية القويمة والمبادئ الدينية الصحيحة التي تحكم المجتمع المصري وتضبط حركته، والتي حرص الدستور والقانون - على ما سيلي بيانه - على رعايتها، ويتعين على القضاء تثبيتها مهما تفلت الناس من عقالها، كما نأت هذه الأفكار عن الفطرة السوية التي لا ترى في حرية طليقة من كل قيد غير باب لفوضى عارمة، وشعار لعبودية خالصة للشهوات، فضلاً عن أن الحكم قد شغل بهذه الآراء - التي لا صلة لها بموضوع الدعوى - عن الوقوف على عناصرها السالف بيانها - مما أدى به إلى رفضها على غير أسباب تحمله، وهو ما يعيبه بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، بما يوجب نقضه - في هذا الخصوص دون حاجة للرد على باقي الأسباب.
وحيث إن موضوع الدعوى الأصلية صالح للفصل فيه، وكان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النقد المباح هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به والحط من كرامته، وأنه ولئن جاز للصحف وهي تمارس رسالتها بحرية في خدمة المجتمع - تناول القضايا بالنشر باعتبارها من الأحداث العامة التي تهم الرأي العام، إلا أن ذلك ليس بالفعل المباح على إطلاقه، وإنما هو محدود بالضوابط المنظمة له ومنها أن يكون النشر في إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والواجبات العامة واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وعدم الاعتداء على شرفهم وسمعتهم واعتبارهم، أو انتهاك محارم القانون وأنه وإن كان للناقد أن يشتد في نقد أعمال خصومه ويقسو عليهم ما شاء، إلا أن ذلك يجب ألا يتعدى حد النقد المباح، فإذا خرج عن ذك إلى حد الطعن والتشهير والتجريح، فإنه يكون قد تجاوز ما شرع من أجله حق النقد، وخرج به إلى ما لا يجوز الدخول إليه، وحقت عليه تبعاً لذلك كلمة القانون وحكمه، لما كان ذلك، وكانت المادة 12 من الدستور الدائم قد عدت من بين المقومات الأساسية للمجتمع التزامه برعاية الأخلاق وحمايتها والتمكين للتقاليد المصرية الأصلية، ودعته إلى مراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية والقيم الخلقية.. وألزمت الدولة باتباع هذه المبادئ والتمكين لها، وكان قانون العقوبات - تثبيتاً لهذه الأسس قد جرم في مادتيه 178، 178 مكرر (1) عرض الصور والإعلانات وغيرها المنافية للآداب العامة - وهي تلك التي تواضع عليها الجمهور في مصر طبقاً لآدابه المرعية وتقاليده المورثة - بحسبان أن نشر هذه الصور أو عرضها أو تقديمها من شأنه أن يحرض الشباب على الفجور، وإثارة الفتون في خياله، وإيقاظ أحط الغرائز في نفسه، وتهوين سلطان الفضيلة على مسلكه، وكانت المجلة - التي يمثلها المطعون ضده - قد نشرت مقالاً في عددها رقم.... بعنوان "........" تناولت فيه خبر صدور حكم قضائي بحبس أحد مديري دور السينما لعرضه إعلانات منافية للآداب العامة، وذلك بعد أن أبلغ الطاعنون ضده، ونقمت منهم تصديهم لهذه الظاهرة، ووصمتهم لذلك بالتطرف والإرهاب ومحاربة الإبداع والتفكير والفن، واستدراج النيابة والقضاء لتحقيق مآربهم، ووصمت الحكم المذكور بأنه صدمة أصابت العقلاء والمحترمين في مصر، وكان ذلك من المجلة مما يعد انحرافاً عن حق النشر والنقد لما انطوى عليه من التشهير بالطاعنين، والطعن في سمعتهم وتجريحهم، فضلاً عما فيه من زراية بالقيم الدينية والأخلاقية والناهضين لحمايتها، بما يمثله ذلك من خروج على المقومات الأساسية للمجتمع وما استنه الدستور والقانون من واجبات عامة ابتغاء رعايتها - على ما سلف بيانه - وإذ كان الطاعنون قد أصابهم من جراء ذلك ضرر أدبي تمثل في النيل من سمعتهم والحط من كرامتهم والمساس بشرفهم بإلصاق تلك السوءات بهم وما أورثه ذلك من معاناة ذات نفوسهم في سبيل إرساء قيم حرص المجتمع على إرسائها، باعتبارها أساساً يتعين الالتزام به حتى لا ينهار فيه أخص ما يحرص عليه، ولا يقوم إلا به، الأمر الذي يوجب تعويضهم بما يجبره، وهو ما تقدره المحكمة بالمبلغ الوارد بمنطوق حكمها.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه - فيما قضى به في الطلب العارض - القصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق ومخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وذلك من وجوه ثلاثة، حاصل أولها أنهم تمسكوا في دفاعهم بأن العبارات التي ضمنوها صحيفة دعواهم - واعتبرتها المجلة، المطعون ضدها، سباً وقذفاً في حقها - إنما اقتضتها ضرورات الدفاع، وتدخل في باب النقد المباح، بما ينفي عنها وصف الخطأ لا سيما وأن ما نسبوه للمجلة لا يجاوز ما هي عليه، كما لم يصبها ضرر من ورائه، وإذ لم يرد الحكم على هذا الدفاع الجوهري، يكون معيباً مستوجباً نقضه.
وحيث إن النعي بهذا الوجه مردود، ذلك أن العبرة في تحديد نطاق الدفاع في الدعوى، وما يعد تجاوزاً له، هي بموضوع الخصومة المطروحة، وما يستلزمه اقتضاء الحقوق المدعى بها أو دفعها، وكان الطاعنون قد أقاموا دعواهم بطلب مساءلة مجلة...... بالتعويض عن الأضرار الأدبية التي نالت سمعتهم واعتبارهم بما ألصقته من سوءات، مجاوزة حق النقد والنشر - على ما تقدم بيانه - وكان اقتضاء هذا الحق المدعى به لا ينهض سبباً لوصمهم إياها - بصحيفة دعواهم - بأنها تأكل بثدييها بدأبها على نشر الصور العارية على أغلفتها وبداخلها لزيادة التوزيع، بياناً منهم للباعث وراء حملتها عليهم، فالباعث على إساءة الناشر أو الناقد لحقه، لا يعد من بين عناصر المسئولية، فلا يلزم مدعي الضرر إيراده ولا يلزم القاضي بحثه، فضلاً عن أن هذه الأوصاف عورات يجب سترها - حتى وإن كانت صحيحة - طالما انتفت الضرورة الملجئة لبيانها بحسبان أن لياقة الخطاب من حسن الاقتضاء، لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي قد قضى بتعويض المجلة عما نالها من ضرر أدبي من جراء إيراد تلك العبارات لكونها خروجاً عما يقتضيه حق الدفاع المباح، فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة صحيحة، ولا يعيب الحكم المطعون فيه - الذي أيده وأحال إلى أسبابه - عدم الرد على دفاع الطاعنين في هذا الصدد، لكونه يفتقر إلى أساس قانوني صحيح، ومن ثم يضحى النعي لا أساس له.
وحيث إن حاصل النعي بالوجه الثالث أن الحكم التفت عن بحث طلبهم الوارد بصحيفة استئنافهم بمحو عبارات القذف والسب التي كالها لهم الحكم الابتدائي على سند من نص المادة 105 من قانون المرافعات، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن النص في المادة 105 من قانون المرافعات على أن "للمحكمة ولو من تلقاء نفسها أن تأمر بمحو العبارات الجارحة أو المخالفة للآداب أو النظام العام من أية ورقة من أوراق المرافعات أو المذكرات" يدل على أن مناط إعمال المحكمة للرخصة الواردة بها، أن ترد تلك العبارات في مذكرات الخصوم وأوراق مرافعتهم التي يقدمون فيها بين يدي المحكمة ما يعن لهم من أوجه الدفاع، فلا تستطيل هذه الرخصة إلى الحكم القضائي الذي حدد القانون طرق تصحيحه، والطعن فيه على سبيل الحصر، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ التفت عن طلب الطاعنين محو عبارات بالحكم الابتدائي، يكون معيباً بالقصور أو خطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن حاصل النعي بالوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه لم يرد على دفع الطاعنين بعدم قبول الطلب العارض بالنسبة لهم - عدا الثالث منهم - لإقراره إقراراً قضائياً بمسئوليته عن العبارات الواردة بصحيفة الدعوى - مثار الطلب المذكور - لكونه محررها، بما ينفي مسئولية من عداه عن التعويض، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه لئن كان الإقرار المشار إليه بوجه النعي لم يصدر عن الطاعن الثالث على سبيل الجزم واليقين بمسئوليته - وحده - عن التعويض محل الطالب العارض، تسليماً بحق خصمه فيه، وإنما كان افتراضاً جدلياً سلم به الطاعنون احتياطياً لما عسى أن تتجه إليه المحكمة من إجابة خصمهم إلى طلبه، وهو ما لا يعد إقراراً في مفهوم المادة 103 من قانون الإثبات، الذي يُشترط أن يكون مطابقاً للحقيقة، إلا أنه متى كانت العبرة في تكييف طلبات ودفوع الخصوم هي بحقيقة الواقع، لا بما يطلقونه عليها من أوصاف، وكانت حقيقة دفاع الطاعنين بحسب مرماه، وهو نفي مسئوليتهم عن خطأ وكيلهم - وهو الطاعن الثالث - عند تحريره صحيفة الدعوى عن نفسه ووكيلاً عنهم، بتضمينها عبارات السب المذكورة آنفاً، وكان الأصل أن الموكل لا يكون مسئولاً عن الخطأ الذي ارتكبه وكيله، فالوكيل إذا كان ينوب عن الموكل في التصرف أو العمل القانوني محل الوكالة، فتتصرف إليه آثاره، إلا أنه لا ينوب عنه في الخطأ الذي يرتكبه هو في حق الغير بسبب تنفيذ الوكالة، فيلتزم الوكيل وحده بتعويض الغير الذي أضير بخطئه، طالما لم يقرر الموكل وكيله على هذا الخطأ بقصد إضافة آثاره إلى نفسه، وكان الحكم المطعون فيه إذ لم ينتبه إلى حقيقة دفاع الطاعنين ولم يرد عليه بما يقتضيه - رغم كونه جوهرياً - ومضى إلى إلزامهم جمعياً بمبلغ التعويض الذي قدره فإنه يكون معيباً فضلاً عن القصور في التسبيب بالخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب نقضه - في هذا الخصوص.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - فيما قضى به في الطلب العارض - صالح للفصل فيه - ولما تقدم، فإنه يتعين تعديل الحكم المستأنف إلى إلزام المستأنف الرابع - الطاعن الثالث - بالتعويض وقدره ثلاثة آلاف جنيه.