أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 31 - صـ 2115

جلسة 23 من ديسمبر سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ محمد محمود الباجوري نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد العزيز الجندي، وجلال أنسي، محمد أحمد حمدي، وأحمد كمال سالم.

(393)
الطعن رقم 45 لسنة 48 القضائية "أحوال شخصية"

(1) أحوال شخصية. موطن.
الموطن في الشريعة الإسلامية. المقصود به. الموطن يحتمل التعدد، ولا ينتقض بموطن السكن.
(2) موطن. محكمة الموضوع.
تقدير قيام عنصر الاستقرار ونية الاستيطان. واقع تستقل به محكمة الموضوع.
(3) إثبات "البينة". أحوال شخصية "الإثبات".
شهادة القرابات بعضهم لبعض. مقبولة. الاستثناء. شهادة الأصل لفرعه، والفرع لأصله.
(4، 5) أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية" "الطلاق". صلح. وكالة. دعوى "التحكيم في الدعوى".
(4) التحكيم في النزاع بين الزوجين. شرطه. تكرار طلب الزوجة التفريق مع عجزها عن إثبات الضرر. م 6 مرسوم بقانون 25 لسنة 1929.
(5) ثبوت عجز القاضي عن الإصلاح بين الزوجين. كفاية حضور الوكيلين المفوضين ورفض أحدهما الصلح. لا يلزم مثول الزوجين بشخصيهما.
1 - الموطن الأصلي طبقاً للرأي السائد في فقه الشريعة الإسلامية هو وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض [(1)] موطن الشخص في بلدته أو في بلدة أخرى اتخذها داراً توطن فيها مع أهله وولده وليس في قصده الارتحال عنها، وأن هذا الموطن يحتمل التعدد ولا ينتقض بموطن السكن. وهو ما استلهمه المشرع حين نص في المادة 20 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أن "محل الإقامة هو البلد الذي يقطنه الشخص على وجه يعتبر مقيماً فيه عادة.
2 - جرى قضاء محكمة النقض [(2)] على أن تقدير قيام عنصر الاستقرار ونية الاستيطان من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع.
3 - إذ كان من الأصول المقررة شرعاً وجوب انتفاء التهمة عن الشاهد، فلا تقبل شهادة الأصل لفرعه الفرع لأصله من جهة الأبوة أو الأمومة سواء علا الأصل أو سفل، أما فيما عدا ذلك من شهادة سائر القرابات بعضهم لبعض وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض [(3)] فهي مقبولة.
4 - مفاد نص المادة 6 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية يدل على أن التجاء القاضي إلى التحكيم في النزاع بين الزوجين لا يلزمه إلا إذا تكرر من الزوجة طلب التفريق لأضرار الزوج بها بعد رفض طلبها الأول مع عجزها عن إثبات ما تتضرر منه، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى ثبوت وقائع الأضرار المدعاة، فإن موجب أعمال قاعدة التحكيم يكون منتفياً.
5 - إذ كان من المقرر في قضاء محكمة النقض [(4)] أنه لا يشترط لإثبات عجز القاضي عن الإصلاح بين الزوجين وفقاً لنص المادة 6 من المرسوم بقانون 25 لسنة 1929 مثولهما بشخصيهما أمامه، وإنما يكفي فيه حضور الوكيلين المفوضين بالصلح عنهما ورفض أحدهما الصلح، وكان البين من الصورة الرسمية لمحضر جلسة 7/ 5/ 1977 أمام محكمة أول درجة أن وكيل المطعون عليها حضر بالجلسة ورفض الصلح، فإن ما جاء بالحكم من عجز المحكمة عن الإصلاح بين الزوجين لا تكون فيه مخالفة للثابت بالأوراق، ويكون النعي بهذا السبب في غير محله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 39 لسنة 1976 أحوال شخصية نفس أمام محكمة الزقازيق الابتدائية ضد الطاعن بطلب الحكم بتطليقها منه طلقة أولى بائنة للضرر وقالت بياناً لدعواها أنها تزوجت بالطاعن بصحيح العقد في 7/ 9/ 1967 ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج إلا أنه أسماء عشرتها بأن اعتدى عليها بالضرب والسب مما أصابها بضرر بالغ وبما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما. وفي 17/ 4/ 1976 قضت المحكمة غيابياً بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها أنها زوجة للطاعن بصحيح العقد الشرعي ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج ولا زالت في عصمته وطاعته، وقد أضر بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها بأن اعتدى عليها بالسب والضرب، وبجلسة 22/ 5/ 1976 دفع الحاضر عن الطاعن بعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى تأسيساً على أنه والمطعون عليها يقيمان بدولة قطر ليس لأحدهما محل إقامة بدائرة المحكمة، كما دفع باعتبار الدعوى كأن لم تكن لعدم إعلانه بصحيفتها في الميعاد إعلاناً صحيحاً. وبعد أن سمعت المحكمة شاهدي المطعون عليها وأمهلت الطاعن لإحضار شهوده فلم يفعل، حكمت في 31/ 12/ 1977 برفض الدفعين المبديين من الطاعن وبتطليق المطعون عليها منه طلقة بائنة. استأنف الطاعن الحكم بالاستئناف رقم 3 لسنة 21 ق نفس المنصورة (مأمورية الزقازيق). وفي 13/ 5/ 1978 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على المحكمة غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول فيها على الحكم المطعون الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال. وفي بيان ذلك يقول أن الاختصاص المحلي بنظر دعوى الفرقة بين الزوجين معقود طبقاً لنص المادتين 22، 24 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية للمحكمة التي بدائرتها محل إقامة المدعي أو المدعى عليه، فإن يكن فللمحكمة التي في دائرتها محل وجود المدعى عليه وقت الإعلان وإلا فمحل وجود المدعي في هذا الوقت. وقد تمسك الطاعن أمام محكمة الموضوع بأنه والمطعون عليها مقيمان بدولة قطر وليس لأحدهما محل إقامة بدائرة المحكمة أو محل وجود بمصر وقت الإعلان مما مؤداه انعقاد الاختصاص بنظر الدعوى لمحكمة القاهرة طبقاً لنص المادة 61 من قانون المرافعات وهو ما استند إليه الطاعن في الدفع بعد اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى إلا أن الحكم الابتدائي - المؤيد بالحكم المطعون فيه لأسبابه - قضى برفض الدفع تأسيساً على أن للطاعن محل إقامة في شارع الخياط بمدينة أبو كبير محافظة الشرقية واستدل على ذلك بإعلان الطاعن بصحيفة الدعوى في هذا المحل ثم إعلانه فيه مرة أخرى بالحكم الصادر بإحالة الدعوى إلى التحقيق وبما هو ثابت بعقد زواجه بالمطعون عليها من أن له محل إقامة بهذه المدينة في حين أن الثابت بالإعلانين أن الطاعن لم يخاطب مع شخصيه فلا يسوغ اعتبارهما دليلاً على الإقامة كما لا يصلح عقد الزواج دليلاً عليها إذ فضلاً على أنه يعد أصلاً لإثبات محل إقامة الزوجين فإن تاريخه سابق على إقامة الدعوى بعشر سنوات ومن ثم فإن الحكم إذ قضى برفض الدفع على هذا الأساس يكون معيباً بالفساد في الاستدلال فضلاً عما أدى إليه من الخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي بهذا السبب مردود ذلك أن الموطن الأصلي طبقاً للرأي السائد في فقه الشريعة الإسلامية هو - وعلى ما جرى به قضاء المحكمة موطن الشخص في بلدته. أو في بلدة أخرى اتخذها داراً توطن فيها مع أهله وولده وليس في قصده والارتحال عنها وأن هذا الموطن يحتمل التعدد ولا ينتقص بموطن السكن. وهو ما استلهمه المشرع حين نص في المادة 20 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أن "محل الإقامة هو البلد الذي يقطنه الشخص على وجه يعتبر مقيماً فيه عادة فلم يفرق بين الموطن وبين محل الإقامة العادي وجعل المعول عليه في تعيينه الإقامة فيه بصفة مستقرة ولو لم تكن مستمرة تتخللها فترات غيبة متفاوتة أو متباعدة، ولما كان تقدير قيام عنصر الاستقرار ونية الاستيطان - وعلى ما جرى به قضاء المحكمة - من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضع متى كان استخلاصه لها سائغاً. وكان البين من مدونات الحكم الابتدائي - المؤيد بالحكم المطعون فيه لأسبابه - أنه أورد في هذا الخصوص قوله. "وحيث إن الدفع المبدى من المدعى عليه بعدم الاختصاص المحلي... فمردود بأن الثابت من مستندات الدعوى أن كلا الطرفين يقيم بأبو كبير شرقية ذلك أن وثيقة زواج المدعى عليه بالمدعية ثابت منها إنه يقيم بأبو كبير كما أن صحيفة إعلانه بالدعوى ثابت منها أن السيد المحضر خاطب والدة المدعى عليه المقيمة معه إلا أنها رفضت الاستلام، كما أن الثابت من إعلانه بحكم الإثبات إنه أعلن في محل إقامته بكفر أبو كبير مخاطباً مع زوجته......، مما يؤكد صدق الشاهد الثاني من شهود المدعية من أنه تزوج بزوجة ثانية، ومن أن - المدعى عليه له محل إقامة أصيل بدائرة بندر أبو كبير، هذا بالإضافة إلى أن محل لإقامة المدعية الأصلي هو بندر أبو كبير، ومن ثم وعملاً بالمادة 24 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ينعقد الاختصاص المحلي بنظر الدعوى لهذه المحكمة" وهو استخلاص سائغ بقرائن متساندة مما له أصل ثابت بالأوراق تؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم من وجود موطن للطاعن بدائرة المحكمة. ولا يجوز مناقشة كل قرينة فيها على حده لبيان عدم كفايتها في الإثبات، ولا يجدي الطاعن في هذا الصدد الاحتجاج بوجود موطن له في دولة قطر لأن الموطن يحتمل التعدد كما سلف البيان. وإذ كان ذلك وكان الحكم قد رتب على ما تقدم قضاءه برفض الدفع بعدم الاختصاص المحلي وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى، فإنه يكون قد طبق القانون في هذا الخصوص تطبيقاً صحيحاً ولم يعبه فساد في الاستدلال، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ويقول الطاعن في بيان ذلك أن الحكم أقام قضاءه على ما شهد به شاهدا المطعون عليها في حين أن قرابتها بهما تفقدهما الصلاحية للشهادة بما أدعت من ضرر فضلاًَ عن أن شهادتها بالتسامع مما لا يقبل شرعاً في دعوى التطليق للضرر، هذا إلى أن الحكم لم يرد على تجريح الطاعن لهما ولم تستجب المحكمة إلى طلبه إعلان شهوده.
وحيث إن النعي بهذا السبب مردود من جميع الوجوه، ذلك أنه وإن كان من الأصول المقررة شرعاً وجوب انتفاء التهمة عن الشاهد، فلا تقبل شهادة الأصل لفرعه والفرع لأصله من جهة الأبوة أو الأمومة سواء علا الأصل أو سفل، أما فيما عدا ذلك من شهادة سائر القرابات بعضهم لبعض - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - فهي مقبولة، ولما كان البين من الصورة الرسمية لمحاضر جلسات التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة أن الشاهد الأول للمطعون عليها زوج بنت عمتها والشاهد الثاني ابن عمتها وجاءت شهادتهما مباشرة في خصوص ما أوقعه للطاعن بالمطعون عليها من شرر ولم تك من قبيل الشهادة بالتسامع فإنه لا تثريب على المحكمة في الاعتداد بشهادتهما بما لها من سلطة تقدير أقوال الشهود والترجيح بين البينات إذ كان ذلك وكان الثابت من محاضر جلسات التحقيق المشار إليها أن المحكمة أجابت الطاعن إلى طلب التأجيل لإحضاره شهوده أكثر من مرة ولم يفعل، فإنه لا على محكمة الاستئناف إذا هي لم تستجب إلى طلبه إحالة الدعوى إلى التحقيق من جديد ويكون النعي بهذا السبب قائماً على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه بطلان إجراءاته ومخالفة الثابت بالأوراق ويقول الطاعن في بيان ذلك أنه سبق الحكم برفض دعوى من المطعون عليها بتطليقها منه للضرر فكان يتعين على المحكمة مع عدم كفاية الأدلة في الدعوى الماثلة لإثبات الضرر ألا تحكم بالتطليق قبل أن تبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها طبقاً لنصوص المواد من 6 إلى 11 من القانون رقم 25 لسنة 1929 وإذ لم تتبع المحكمة ذلك فإن الحكم يكون معيباً ببطلان إجراءاته - هذا إلى أن ما أورده الحكم من عجز المحكمة عن الإصلاح بين الزوجين يخالف الثابت بمحضر جلسة 7/ 5/ 1977 من أن المحكمة وقفت عند حد عرض الصلح عن وكيلي الطرفين فأباه وكيل الزوجة ولم يبد الحاضر عن وكيل الزوج رأياً فيه وطلب أجلاً لحضور المحامي الأصلي، وهو ما لا يتمثل فيه عجز المحكمة عن إتمام الصلح.
وحيث أن هذا النعي غير سديد، ذلك إنه لما كان النص في المادة 6 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية على أنه "إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما فإذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى ولم يثبت الضرر بعث القاضي حكمين على الوجه المبين بالمواد 7، 8، 9، 10، 11 "يدل على أن التجاء القاضي إلى التحكيم في النزاع بين الزوجين لا يلزمه إلا إذا تكرر من الزوجة طلب التفريق لأضرار الزوج بها بعد رفض طلبها الأول مع عجزها عن إثبات ما تتضرر منه، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى ثبوت وقائع الأضرار المدعاة، فإن موجب أعمال قاعدة التحكيم يكون منتفياً. إذ كان ذلك وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يشترط لإثبات عجز القاضي عن الإصلاح بين الزوجين وفقاً لنص المادة 6 سالفة البيان مثولهما بشخصيهما أمامه، وإنما يكفي فيه حضور الوكيلين المفوضين بالصلح عنهما ورفض أحدهما الصلح، وكان البين من الصورة الرسمية لمحضر جلسة 7/ 5/ 1977 أمام محكمة أول درجة أن وكيل المطعون عليها حضر الجلسة ورفض الصلح، فإن ما جاء بالحكم من عجز المحكمة عن الإصلاح بين الزوجين لا تكون فيه مخالفة للثابت بالأوراق، ويكون النعي بهذا السبب في غير محله.
ولما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه.


[(1)] نقض 25/ 11/ 1970 مجموعة المكتب الفني السنة 21 ص 1161.
[(2)] نقض 1/ 6/ 1977 مجموعة المكتب الفني السنة 28 ص 1354.
[(3)] نقض 3/ 12/ 1975 مجموعة المكتب الفني - السنة 26 ص 1544.
[(4)] نقض 12/ 2/ 1975 مجموعة المكتب الفني - السنة 26 ص 378.