أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 30 - صـ 10

جلسة 4 من إبريل سنة 1979

برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد الباجوري، إبراهيم فراج، صبحي رزق ومحمد أحمد حمدي.

(188)
الطعن رقم 524 لسنة 45 القضائية

(1) حكم. "الأحكام الجائز الطعن فيها". استئناف.
الأحكام الصادرة قبل الحكم المنهي للخصومة كلها. اعتبارها مستأنفة مع الاستئناف المرفوع عنه. شرطه. ألا تكون قد قبلت صراحة - المحكوم ضده.
(2) استئناف. دفاع.
أوجه الدفاع والدفوع المبداة من المستأنف عليه أمام محكمة الدرجة الأولى. اعتبارها مطروحة على محكمة الاستئناف دون حاجة لاستئناف فرعي ولو لم يتمسك بها طالما لم يتنازل عنها.
(3) استئناف.
الأثر الناقل للاستئناف. انطواء موضوع المنازعة في حقيقته على طلب واحد. استئناف الحكم المنهي للخصومة. أثره. اعتبار الموضوع مطروحاً برمته في الاستئناف. شموله الأحكام السابق صدورها في ذات الموضوع.
(4) إيجار. "إيجار الأماكن". استئناف.
القضاء لصالح المؤجر بأن الأجرة الواردة بالعقد هي الأجرة القانونية. استئناف المستأجر هذا الحكم. أثره. اعتبار الحكم السابق صدوره لصالحه في الدعوى مستأنفاً. والذي قضى بخضوع العين لقانون إيجار الأماكن. علة ذلك.
1 - مؤدى نصوص المواد 212، 229/ 1، 232 من قانون المرافعات في أن جميع الأحكام التي سبق صدورها في القضية سواء كانت فرعية أم موضوعية، قطعية أو غير قطعية، صادرة لمصلحة المستأنف أم صادرة ضده، مستأنفة بقوة القانون عند استئناف الحكم المنهي كمقدمة كلها، طالما كانت مزورة بين ذات المستأنف والمستأنف عليه، ولم تقبل من الخصم الصادرة لغير مصلحته قبولا صريحاً.
2 - مقتضى الأثر الناقل للاستئناف أن يعتبر مطروحاً على محكمة الدرجة الثانية كل ما أبداه المستأنف عليه من دفوع وأوجه دفاع أمام محكمة الدرجة الأولى دون حاجة لاستئناف فرعي، ويتعين بهذه المثابة على محكمة الاستئناف أن تقول كلمتها في موضوع النزاع وأن تفصل فيه مواجهة عناصره الواقعية والقانونية، سواء ما استجد منها أمامها أو ما سبق إبداؤه أمام محكمة أول درجة، ولو لم يتمسك بها المستأنف عليه إلا أن تكون قد تنازل عنها شريطة أن تلتزم القضية المستأنفة الحدود التي يقررها الأثر الناقل سواء من حيث الموضوع أو من حيث الأطراف.
3 - ربط الأثر الناقل للاستئناف بالموضوع يستتبع القول بأن المناط هو ما تتضمنه المنازعة المعروضة من طلبات موضوعية، فلا تطرح على المحكمة الاستئنافية إلا ما فصلت فيه محكمة أول درجة ورفع عنه الاستئناف فقط منها، بحيث إذا انطوى موضوع المنازعة في حقيقة الواقع على طلب واحد ومن ثم فإن من شأن استئناف الحكم المنهي تضرمه أن يجعل الموضوع مطروحاً برمته وبكافة ما أثير عمله من أوجه دفاع ووقوع، شاملة ما سبق صدوره من أحكام في ذات الموضوع.
4 - إذ كان الدافع في الدعوى أنها أقيمت بطلب تحديد أجرة عين النزاع باعتبارها أرضاً فضاء تحكمها القواعد العامة في القانون المدني دون أحكام قوانين الإيجار الاستثنائية، وكان الحكم الصادر من محكمة أول درجة بتاريخ 25/ 1/ 1973 قطع بإخضاعها لهذه القوانين الأخيرة، وناط بأحد الخبراء تحديد قيمتها الإيجارية وخفضها، وكان الحكم المنهي للخصومة صدر في 23/ 4/ 1974 طرحاً تقدير الخبير ومعتبراً الأجرة المثبتة بالعقد هي الأجرة القانونية، وكان الطلب المطروح في الدعوى وهو تحديد الأجرة يستدعي لزوماً بيان القانون الواجب التطبيق، فإن ما قطع في الحكم الأول من تطبيق التشريع الاستثنائي لا يعد فصلاً في طلب موضوعي مستقل بذاته وإنما هو قضاء في وجه من وجوه الدفاع المثار حول طبيعة العين المؤجرة، من شأن استئناف الحكم المنهي للخصومة طرحه مع الموضوع على المحكمة الاستئنافية. لما كان ما تقدم وكان لم يكن في استطاعة المطعون عليه استئناف الحكم الأول رغم انطوائه على قضاء لغير صالحه تبعاً لأنه غير منه للخصومة في معنى المادة 212 من قانون المرافعات، وكان ممنوعاً أيضاً من استئناف الحكم الأخير أخذاً بأنه استجاب لطلباته وفق المادة 211 من ذات القانون، فإن انفراد الطاعن برفع الاستئناف وقصره على الحكم الصادر في 23/ 4/ 1974 ليس من شأنه أن يحول دون محكمة الاستئناف والتصدي لموضوع النزاع ولكافة ما أثير حوله من أوجه دفاع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 143 سنة 1972 مدني أمام محكمة سوهاج الابتدائية ضد الطاعن؛ بطلب الحكم بتحديد القيمة الإيجارية للعين الموضحة بالصحيفة بمبلغ قدره 6 ج و750 م شهرياً طبقاً للثابت بعقد الإيجار وقال تبياناً لدعواه أنه بموجب عقد مؤرخ 24/ 9/ 1963 استأجر فيه رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي - الطاعن بصفته - قطعة أرض فضاء بشارع النهضة ببندر سوهاج لاستعمالها جراجاً للسيارات مقابل أجرة قدره 6 ج و750 م شهرياً، وإذ خفض الطاعن الأجرة إلى مبلغ 4 ج و250 م شهرياً قولاً بأن العين المؤجرة تسري عليها أحكام قوانين إيجارات الأماكن الاستثنائية ومنها القانون رقم 7 لسنة 1965 رغم أنها أرض فضاء مستثناة منها، فقد أقام دعواه. وبتاريخ 25/ 1/ 1973 حكمت المحكمة أولاً - بخضوع المكان المؤجر لقانون إيجار الأماكن رقم 52 لسنة 1969 - ثانياً - بندب أحد الخبراء لمعاينة المكان المؤجر على الطبيعة وبيان تاريخ إقامته ومدة إنشائه وإعداده للتأجير ومدى خضوعه لقوانين تقدير الأجرة وتخفيضها وتحديد القيمة القانونية للأجرة على ضوء القوانين السارية. وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت بتاريخ 23/ 4/ 1974 باعتبار القيمة الإيجارية بواقع 6 ج و750 م شهرياً، استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 138 س 49 ق أسيوط "مأمورية سوهاج" بطلب إلغائه وتحديد القيمة الإيجارية بمبلغ 4 ج و250 م وبتاريخ 12/ 2/ 1975 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض، دفع المطعون عليه ببطلان إعلان الطعن تأسيساً على أن صورة صحيفته المعلنة ليست مطابقة لأصلها لخلوها من بيان تاريخ الإيداع. وقدمت النيابة مذكرة طلبت فيها رفض الدفع وأبدت الرأي في موضوع الطعن برفضه. عرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأته جديراً بالنظر وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الدفع مردود، ذلك أن خلو صحيفة الطعن المعلنة مع بيان تاريخ الإيداع ليس من شأنه إبطال الطعن.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد، ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم ذهب إلى أن موضوع النزاع برمته يعد مطروحاً على محكمة الدرجة الثانية وفي المادتين 229، 232 من قانون المرافعات، بصرف النظر عما سبق صدوره بشأنه من أحكام أمام محكمة الدرجة الأولى وانتهى إلى أن العين المؤجرة تخرج عن مجال تطبيق قواعد التشريع الاستثنائي بوصفها أرضاً فضاء، في حين أن الحكم الصادر من المحكمة الابتدائية بتاريخ 25/ 1/ 1973 تضمن قضاء قطعياً مؤداه خضوع عين النزاع لقوانين إيجار الأماكن وإذ نصب الطعن بالاستئناف المرفوع من الطاعن بمفرده على الحكم الابتدائي الصادر في 23/ 4/ 1974 فحسب، استناداً إلى مخالفة حجية القضاء السابق صدوره في 25/ 1/ 1973 من نفس المحكمة وبين ذات الخصوم، تبعاً لاعتباره الأجرة المثبتة في العقد هي الأجرة القانونية دون تقيد بتطبيق أحكام التشريع الاستثنائي، فإن ما خلص إليه الحكم المطعون فيه من تصديه تلقائياً لما فصل فيه الحكم الأول بقضاء قطعي حاز حجية الشيء المحكوم فيه ولم يرفع عنه استئناف، ورغم أن المطعون عليه لم يوجه أي طعن لتلك الحجية، فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك إن النص في المادة 212 من قانون المرافعات على أنه "لا يجوز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها، وذلك فيما عدا الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى والأحكام القابلة للتنفيذ الجبري" وفي الفقرة الأولى من المادة 229 منه على أن رد استئناف الحكم المنهي للخصومة يستتبع حتماً استئناف جميع الأحكام التي سبق صدورها في القضية ما لم تكن قد تبلغا صراحة وذلك مع مراعاة ما نصت عليه المادة 232......" وفي المادة 232 من ذات القانون على أن الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف فقط....، يدل على أن جميع الأحكام التي سبق صدورها في القضية سواء كانت فرعية أم موضوعية، قطعية أو غير قطعية، صادرة لمصلحة المستأنف أم صادرة ضده، تعتبر مستأنفة بقوة القانون عند استئناف الحكم المنهي للخصومة كلها طالما كانت مردودة بين ذات المستأنف والمستأنف عليه، ولم تقبل من الخصم الصادرة لغير مصلحته قبولاً صريحاً. ولما كان مقتضى الأثر الناقل للاستئناف أن يعتبر مطروحاً على محكمة الدرجة الثانية كل ما أبداه المستأنف عليه من دفوع وأوجه دفاع أمام محكمة الدرجة الأولى دون حاجة لاستئناف فرعي، وكان يتعين بهذه المثابة على محكمة الاستئناف أن تقول كلمتها في موضوع النزاع وأن تفصل فيه مواجهة عناصره الواقعية والقانونية، سواء ما استجد منها أمامها أو ما سبق إبداءه أمام محكمة أول درجة، ولو لم يتمسك بها المستأنف عليه، إلا أن يكون قد تنازل عنها، شريطة أن تلتزم القضية المستأنفة الحدود التي يقررها الأثر الناقل سواء من حيث الموضوع أو من حيث الأطراف، وكان ربط الأثر الناقل للاستئناف بالموضوع يستتبع القول بأن المناط هو بما تتضمنه المنازعة المعروضة من طلبات موضوعية، فلا يطرح على المحكمة الاستئنافية إلا ما فصلت فيه محكمة أول درجة ورفع عنه الاستئناف فقط منها، بحيث إذا انطوى موضوع المنازعة في حقيقة الواقع على طلب واحد، فإن من شأن استئناف الحكم المنهي للخصومة أن يجعل الموضوع مطروحاً برمته، وبكافة ما أثير حوله من أوجه دفاع ودفوع، شاملة ما سبق صدوره من أحكام في ذات الموضوع. لما كان ذلك وكان الواقع في الدعوى أنها أقيمت بطلب تحديد أجرة عين النزاع باعتبارها أرضاً فضاء تحكمها القواعد العامة في القانون المدني دون أحكام قوانين إيجارات الأماكن الاستثنائية وكان الحكم الصادر من محكمة أول درجة بتاريخ 25/ 1/ 1973 قطع بإخضاعها لهذه القوانين الأخيرة، وناط بأحد الخبراء تحديد قيمتها الإيجارية وفقها، وكان الحكم المنهي للخصومة صدر في 23/ 4/ 1974 مطرحاً تقرير الخبير ومعتبراً الأجرة المثبتة بالعقد هي الأجرة القانونية، وكان الطلب المطروح في الدعوى وهو تحديد الأجرة يستدعي لزوماً بيان القانون الواجب التطبيق، فإن ما قطع به الحكم الأول من تطبيق التشريع الاستثنائي لا يعد فصلاً في طلب موضوعي مستقل بذاته، وإنما هو قضاء في وجه من وجوه الدفاع المثار حول طبيعة العين المؤجرة، من شأن استئناف الحكم المنهي للخصومة طرحه مع الموضوع على المحكمة الاستئنافية. لما كان ما تقدم وكان لم يكن في استطاعة المطعون عليه استئناف الحكم رغم انطوائه على قضاء لغير صالحه تبعاً لأنه غير منه للخصومة في معنى المادة 212 من قانون المرافعات، وكان ممنوعاً أيضاً من استئناف الحكم الأخير أخذاً بأنه استجاب لطلباته وفي المادة 211 من ذات القانون، فإن انفراد الطاعن برفع الاستئناف وقصره على الحكم الصادر في 23/ 4/ 1974 ليس من شأنه أن يحول دون محكمة الاستئناف والتصدي لموضوع النزاع، ولكافة ما أثير حوله من أوجه دفاع، لما كان ما سلف وكان الطعن لم يحو تخطئة لقضاء الحكم المطعون فيه بشأن القانون الواجب التطبيق، فإن النعي يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.