أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 51 - صـ 825

جلسة 14 من يونيه سنة 2000

برئاسة السيد المستشار/ محمد شهاوي عبد ربه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ الهام نجيب نوار، محمد خيري أبو الليل، درويش مصطفى أغا وأحمد هاشم عبد الله نواب رئيس المحكمة.

(154)
الطعن رقم 2418 لسنة 69 القضائية

(1 - 4) إيجار "إيجار الأماكن" "أسباب الإخلاء: الإخلاء لتكرار التأخير في سداد الأجرة" "نطاق سريان القانون". قانون "القانون الواجب التطبيق". نظام عام.
(1) أحكام القوانين. الأصل سريانها على ما يقع من تاريخ العمل بها. الاستثناء. الأحكام المتعلقة بالنظام العام سريانها بأثر فوري على المراكز والوقائع القانونية القائمة وقت نفاذه ولو كانت ناشئة قبله.
(2) الأحكام الخاصة بتعين أسباب الإخلاء. تعلقها بالنظام العام. سريانها بأثر فوري على المراكز والوقائع التي لم تستقر نهائياً وقت نفاذها ولو كانت ناشئة قبل تاريخ العمل بها.
(3) صدور تشريع لاحق يستحدث حكماً جديداً يتعلق بذاتية القاعدة الموضوعية الآمرة. سريانه بأثر فوري على المراكز والوقائع القائمة وقت نفاذه. تعلق التعديل ببعض شروط إعمال القاعدة الآمرة. عدم سريانه إلا من تاريخ نفاذها على الدعاوى التي رفعت في ظله. م 9 مدني.
(4) تكرار امتناع المستأجر أو تأخيره في الوفاء بالأجرة دون مبرر. وجوب إخلائه من العين المؤجرة ولو أوفى بها قبل إقفال باب المرافعة. م 22/ أ ق 52 لسنة 1969، 31/ أ ق 49 لسنة 1977، 18/ ب ق 136 لسنة 1981، سريانها بأثر فوري على المراكز القانونية القائمة التي استمرت حتى نفاذها. عدم انسحابها على المراكز التي نشأت وانتهت قبل العمل بها. مؤداه. التأخير في الوفاء بالأجرة الذي أقيمت به الدعوى وصدر الحكم فيها قبل العمل بتلك القوانين. لا تقوم به حالة التكرار الموجب للحكم بالإخلاء. (مثال لتسبيب معيب).
1 - من الأصول الدستورية المقررة - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن أحكام القوانين لا تسري إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، وأنه لا يترتب عليها أثر فيما قبلها، مما مؤداه عدم جواز انسحاب أثر القانون الجديد على ما يكون قد وقع قبل العمل به من تصرفات أو تحقق من أوضاع، إذ يحكم هذه وتلك القانون الذي كان معمولاً به وقت وقوعها إعمالاً لمبدأ عدم رجعية القوانين، غير أن ذلك لا ينقص من سريان أحكام القانون الجديد على ما يقع منذ العمل به من تصرفات أو يتحقق من أوضاع ولو كانت مستندة إلى علاقات سابقة عليه إعمالاً لمبدأ الأثر المباشر للقانون، وذلك ما دامت تلك القواعد والأحكام الجديدة غير متعلقة بالنظام العام، أما إذا استحدث القانون الجديد أحكاماً متعلقة بالنظام العام فإنها تسري بأثر فوري على المراكز والوقائع القانونية القائمة وقت نفاذها ولو كانت ناشئة قبله.
2 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن الأحكام الخاصة بتعيين أسباب الإخلاء في قوانين إيجار الأماكن هي قواعد آمرة ومتعلقة بالنظام العام، ومن ثم فإنها تسري بأثر فوري على جميع المراكز والوقائع القائمة والتي لم تستقر نهائياً وقت نفاذها ولو كانت ناشئة قبل تاريخ العمل بها.
3 - المقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه إذا صدر قانون لاحق تضمن تعديلاً في تشريعات إيجار الأماكن كان من شأنه استحداث حكم جديد متعلق بذاتية تلك القواعد الموضوعية الآمرة سواء بالإلغاء أو بالتغيير إضافة أو حذفاً فإن هذا التعديل يأخذ حكم القاعدة الآمرة من حيث سريانه بأثر فوري على المراكز والوقائع القائمة وقت نفاذه، أما إذا كان التعديل منصباً على بعض شروط إعمال القاعدة الآمرة - دون مساس بذاتيتها أو حكمها - كما لو استوجب لتطبيقها توافر شروط خاصة أو اتخذا إجراءات معينة سواء من إجراءات التقاضي أو الإثبات لم تكن مطلوبة ولا مقررة من قبل فإن التعديل لا يسري في هذه الحالة إلا من تاريخ نفاذه وعلى الوقائع والمراكز التي تنشأ في ظله دون أن يكون له أثر على الوقائع التي نشأت في ظل القانون السابق باعتبار أن القانون الذي رفعت الدعوى في ظله هو الذي يحكم شروط قبولها وإجراءاتها وقواعد إثباتها وقد نصت المادة التاسعة من القانون المدني على أن "تسري في شأن الأدلة التي تعد مقدماً النصوص المعمول بها في الوقت الذي أعد فيه الدليل أو في الوقت الذي كان ينبغي فيه إعداده".
4 - إذ كان المشرع قد استحدث بالتعديل الذي أورده بالفقرة "أ" من المادة 23 من القانون 52 لسنة 1969 حكماً يقضي بأن على المحكمة أن تقضي بالإخلاء حتى ولو أوفى المستأجر بالأجرة المتأخرة قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى متى تحقق لها تكرار امتناعه أو تراخيه عن الوفاء بالأجرة بلا مبرر تقتنع به وأورد هذا الحكم من بعد في المادة 31/ 1 من القانون 49 لسنة 1977 ثم في المادة 18/ ب، من القانون الحالي رقم 136 لسنة 1981 وكانت هذه القوانين تسري بأثر فوري على المراكز القانونية القائمة التي استمرت حتى نفاذها ولا تنسحب على المراكز التي نشأت وانتهت قبل العمل بها، بما مؤداه أن التأخير في الوفاء بالأجرة الذي أقيمت به الدعوى وصدر الحكم فيها قبل العمل بتلك القوانين التي استحدثت التكرار في التأخير في الوفاء بالأجرة كسبب من أسباب الإخلاء لا تقوم بها حالة التكرار الموجب للحكم بالإخلاء، ولما كان الثابت من الأوراق أن التأخير السابق في الوفاء بالأجرة قد أقيمت عنه الدعوى السابقة في سنة 1965 وصدر الحكم فيها بتاريخ 17/ 3/ 1966 أي قبل العمل بالقانون 52 لسنة 1969، ومن ثم لا تعد هذه الدعوى ضمن حالات التأخير التي يتوافر بها ركن التكرار في خصوص الدعوى الراهنة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتد بذلك الحكم فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن مورث المطعون ضدهم الثلاثة الأول أقام على مورث الطاعن وباقي المطعون ضدهم الدعوى رقم 344 لسنة 1996 أمام محكمة الجيزة الابتدائية بطلب الحكم بإخلاء العين المبينة بالصحيفة والتسليم لتأخره عن الوفاء بأجرتها رغم تكليفه بذلك. حكمت المحكمة بالإخلاء والتسليم. استأنف مورث الطاعن وباقي المطعون ضدهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 12199 لسنة 113 ق لدى محكمة استئناف القاهرة حيث ندبت خبيراً وبعد أن قدم تقريره طلب ورثة المؤجر - المطعون ضدهما الاثنتان الأخيرتان - الإخلاء للتكرار في التأخير في الوفاء بالأجرة، وبتاريخ 22/ 9/ 1999 قضت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إن الحكم استدل في قضائه بتوافر التكرار في التأخير في الوفاء بالأجرة إلى سبق صدور حكم في الدعوى 1179 لسنة 65 محكمة الجيزة الابتدائية في حين أنه لا يصلح سنداً للتكرار لصدوره في ظل قانون لم يكن يجعل من التكرار سبباً مستقلاً للإخلاء.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أنه من الأصول الدستورية المقررة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن أحكام القوانين لا تسري إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، وأنه لا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، مما مؤداه عدم جواز انسحاب أثر القانون الجديد على ما يكون قد وقع قبل العمل به من تصرفات أو تحقق من أوضاع، إذ يحكم هذه وتلك القانون الذي كان معمولاً به وقت وقوعها إعمالاً لمبدأ عدم رجعية القوانين، غير أن ذلك لا ينقص من سريان أحكام القانون الجديد على ما يقع منذ العمل به من تصرفات أو يتحقق من أوضاع ولو كانت مستندة إلى علاقات سابقة عليه إعمالاً لمبدأ الأثر المباشر للقانون، وذلك ما دامت تلك القواعد والأحكام الجديدة غير متعلقة بالنظام العام، أما إذا استحدث القانون الجديد أحكاماً متعلقة بالنظام العام فإنها تسري بأثر فوري على المراكز والوقائع القائمة وقت نفاذه ولو كانت ناشئة قبله. وكان المقرر في قوانين إيجار الأماكن هي قواعد أمرة ومتعلقة بالنظام العام، ومن ثم فإنها تسري بأثر فوري على جميع المراكز والوقائع القائمة والتي لم تستقر نهائياً وقت نفاذها ولو كانت ناشئة قبل تاريخ العمل بها، ومؤدى ذلك أنه إذا صدر قانون لاحق تضمن تعديلاً في تشريعات إيجار الأماكن كان من شأنه استحداث حكم جديد متعلق بذاتية تلك القواعد الموضوعية الآمرة سواء بالإلغاء أو بالتغيير إضافة أو حذفاً فإن هذا التعديل يأخذ حكم القاعدة الآمرة من حيث سريانه بأثر فوري على المراكز والوقائع القائمة وقت نفاذها، أما إذا كان التعديل منصباً على بعض شروط إعمال القاعدة الآمرة - دون مساس بذاتيتها أو حكمها - كما لو استوجب لتطبيقها توافر شروط خاصة أو اتخاذ إجراءات معينة سواء من إجراءات التقاضي أو الإثبات لم تكن مطلوبة ولا مقررة من قبل فإن التعديل لا يسري في هذه الحالة إلا من تاريخ نفاذه وعلى الوقائع والمراكز التي تنشأ في ظله دون أن يكون له أثر على الوقائع التي نشأت في ظل القانون السابق باعتبار أن القانون الذي رفعت الدعوى في ظله هو الذي يحكم شروط قبولها وإجراءاتها وقواعد إثباتها وقد نصت المادة التاسعة من القانون المدني على أن "تسري في شأن الأدلة التي تعد مقدماً النصوص المعمول بها في الوقت الذي أعد فيه الدليل أو في الوقت الذي كان ينبغي فيه إعداده". لما كان ذلك، وكان المشرع قد استحدث بالتعديل الذي أورده بالفقرة "أ" من المادة 23 من القانون 52 لسنة 1969 حكماً يقضي بأن على المحكمة أن تقضي بالإخلاء حتى ولو أوفى المستأجر بالأجرة المتأخرة قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى متى تحقق لها تكرار امتناعه بالأجرة أو تراخيه عن الوفاء بالأجرة بلا مبرر تقتنع به وأورد هذا الحكم من بعد في المادة 31/ 1 من القانون 49 لسنة 1977 ثم في المادة 18/ ب، من القانون الحالي رقم 136 لسنة 1981 وكانت هذه القوانين تسري بأثر فوري على المراكز القانونية القائمة التي استمرت حتى نفاذها ولا تنسحب على المراكز التي نشأت وانتهت قبل العمل بها، بما مؤداه أن التأخير في الوفاء بالأجرة الذي أقيمت به الدعوى وصدر الحكم فيها قبل العمل بتلك القوانين التي استحدثت التكرار في التأخير في الوفاء بالأجرة كسبب من أسباب الإخلاء لا تقوم بها حالة التكرار الموجب للحكم بالإخلاء، ولما كان الثابت من الأوراق أن التأخير السابق في الوفاء بالأجرة قد أقيمت عنه الدعوى السابقة في سنة 1965 وصدر الحكم فيها بتاريخ 17/ 3/ 1966 أي قبل العمل بالقانون 52 لسنة 1969، ومن ثم لا تعد هذه الدعوى ضمن حالات التأخير التي يتوافر بها ركن التكرار في خصوص الدعوى الراهنة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتد بذلك الحكم فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، وكان الثابت من الأوراق ومن مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن قد قام بتوقي الإخلاء بالوفاء بالأجرة وملحقاتها وما استجد منها وكذا النفقات والمصاريف الفعلية التي قدرتها المحكمة قبل إقفال باب المرافعة بما يتعين معه إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى.