أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 51 - صـ 1148

جلسة 25 من ديسمبر سنة 2000

برئاسة السيد المستشار/ محمد مصباح شرابية نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عبد الحميد الحلفاوي، ناجي عبد اللطيف نائبي رئيس المحكمة، أمين فكري غباشي ومحمد فوزي.

(223)
الطعن رقم 76 لسنة 65 القضائية "أحوال شخصية"

(1) أحوال شخصية "دعوى الأحوال الشخصية (الإثبات فيها): طاعة". إثبات (البينة). حكم "عيوب التدليل: ما لا يعد عيباً".
الأصل في الشهادة. وجوب معاينة الشاهد محل الشهادة بنفسه عيناً أو سماعاً الشهادة بالتسامع في إثبات أو نفي الأوجه التي تستند إليها الزوجة في امتناعها عن طاعة زوجها. غير جائزة. نصابها شهادة أصلية من رجلين عدلين أو من رجل وامرأتين عدول. عدم اعتداد الحكم المطعون فيه بها في إثبات عدم أمانة المطعون ضده على الطاعنة. صحيح.
(2، 3) أحوال شخصية "نفقة (الحكم بالنفقة: حجيته): طاعة".
(2) نفقة الزوجة على زوجها. مناطه. احتباسه لها تحقيقاً لمقاصد الزواج. كيفية الاحتباس. علة ذلك. النفقة حق للزوجة وانتقالها إلى زوجها حقه. شرطه. عدم تحقق شرط وجوب النفقة. أثره. عدم وجوبها. مؤداه. عدم استحقاق الناشزة النفقة.
(3) صدور حكم بالنفقة للزوجة على زوجها. لا يبرر امتناعها عن الدخول في طاعته ما لم يكن الامتناع بحق. علة ذلك. استيفاء شروط النفقة وقت الحكم بها لا يمنع عدم توافرها في وقت لاحق للحجية المؤقتة للأحكام الصادرة بالنفقات.
(4) محكمة الموضوع "سلطتها في فهم الواقع وتقدير الأدلة".
محكمة الموضوع. لها السلطة التامة في فهم الواقع وتقدير الأدلة دون رقابة عليها في ذلك. شرطه. ألا تعتمد على واقعة بلا سند وأن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وإقامة قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
1 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الأصل في الشهادة وجوب معاينة الشاهد محل الشهادة بنفسه، فلا يجوز أن يشهد بشيء لم يعاينه عيناً أو سماعاً، وذلك في غير الأحوال التي تصح فيها الشهادة بالتسامع، وليس من بينها إثبات أو نفي الأوجه الشرعية التي تستند إليها الزوجة في امتناعها عن طاعة زوجها إذ تكون البينة فيها شهادة أصلية من رجلين عدلين أو من رجل وامرأتين عدول أخذاً بالراجح في فقه الأحناف الواجب الرجوع إليه إعمالاً بنص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية - الواجبة التطبيق على الدعوى - لما كان ذلك، وكان الثابت من التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة أن أياً من شهود الطاعنة لم ير بنفسه واقعة اعتداء المطعون ضده عليها بالضرب وإنما شاهدوا آثاره، فإن شهادتهم تكون سماعية غير مقبولة شرعاً في إثبات عدم أمانة المطعون ضده عليها ولا يكتمل بها نصاب الشهادة، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى عدم الاعتداد بأقوال شهود الطاعنة على سند من أنهم لم يشاهدوا واقعة الاعتداء، فإنه لا يكون قد خالف القانون.
2 - النص في المادة 11 مكرراً ثانياً من القانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على أنه "إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق توقف نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع، وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة...." مفاده على ما ورد بالمذكرة الإيضاحية والراجح في مذهب أبي حنيفة أن نفقة الزوجة على زوجها جزاء احتباسه لها تحقيقاً لمقاصد الزواج بأن تسلمه نفسها حقيقة أو حكماً بأن تكون مستعدة للدخول في طاعته وغير ممتنعة عن الانتقال إليه، فكل من كان محبوساً بحق مقصود لغيره فنفقته عليه، ولأن النفقة حقها وانتقالها إليه حقه ما دام قد أوفاها عاجل صداقها وأعد لها مسكناً شرعياً وكان أميناً عليها، فإن طالبها بالنقلة إليه فامتنعت، فإن كان امتناعها بحق، كأن امتنعت لاستيفاء مهرها العاجل فلها النفقة، وإن امتنعت بغير حق فلا نفقة لها لأنها تستوجب النفقة بتسليم نفسها لزوجها، فلم يتحقق شرط وجوب النفقة فلا تجب، ولذا لا تستحق الناشزة النفقة.
3 - مجرد صدور حكم بالنفقة للزوجة على زوجها لا يبرر امتناعها عن الدخول في طاعته، إلا إذا كان هذا الامتناع بحق كما سلف، لأنها إن كانت قد استوفت شروط وجوب النفقة وقت الحكم بها، فإن هذه الشروط قد لا تتوافر في وقت لاحق، ذلك بأن الأصل في الأحكام الصادرة بالنفقات - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها ذات حجية مؤقتة، لأنها مما يقبل التغيير والتعديل وترد عليها الزيادة والنقصان بسبب تغير الظروف، كما يرد عليها الإسقاط بسبب تغير دواعيها.
4 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة، دون رقابة عليها في ذلك، طالما لم تعتمد على واقعة بلا سند ما وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 716 لسنة 1992 كلي أحوال شخصية الجيزة على المطعون ضده بطلب الحكم بعدم الاعتداد بإنذار الطاعة الموجه إليها منه بتاريخ 15/ 12/ 1992، وقالت بياناً لدعواها، إنها زوج له وأنه دخل بها وأنه دأب على الاعتداء عليها بالضرب وطردها من منزل الزوجية ولم ينفق عليها، ومن ثم أقامت الدعوى، أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، وبعد أن سمعت شهود الطاعنة، قضت بتاريخ 28/ 2/ 1994 برفض الدعوى، استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 761 لسنة 111 ق القاهرة، وبتاريخ 8/ 12/ 1994 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، عُرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب، تنعى الطاعنة بالثاني منها على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال، وتقول بياناً لذلك، إن الحكم انتهى إلى إطراح أقوال شهودها على سند من أنهم لم يشاهدوا واقعة اعتداء المطعون ضده عليها بالضرب، في حين أنهم قرروا أنهم شاهدوا عليها آثار هذا الاعتداء.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك بأنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الأصل في الشهادة وجوب معاينة الشاهد محل الشهادة بنفسه، فلا يجوز أن يشهد بشيء لم يعاينه عيناً أو سماعاً، وذلك في غير الأحوال التي تصح فيها الشهادة بالتسامع، وليس من بينها إثبات أو نفي الأوجه الشرعية التي تستند إليها الزوجة في امتناعها عن طاعة زوجها إذ تكون البينة فيها شهادة أصلية من رجلين عدلين أو من رجل وامرأتين عدول أخذاً بالراجح في فقه الأحناف الواجب الرجوع إليه إعمالاً بنص المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية - الواجبة التطبيق على الدعوى - لما كان ذلك، وكان الثابت من التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة أن أياً من شهود الطاعنة لم ير بنفسه واقعة اعتداء المطعون ضده عليها بالضرب وإنما شاهدوا آثاره، فإن شهادتهم تكون سماعية غير مقبولة شرعاً في إثبات أمانة المطعون ضده عليها ولا يكتمل بها نصاب الشهادة، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى عدم الاعتداد بأقوال شهود الطاعنة على سند من أنهم لم يشاهدوا واقعة الاعتداء، فإنه لا يكون قد خالف القانون، ومن ثم فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسببين الأول والثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول، إنها تقدمت بمستندات تفيد عدم أمانة المطعون ضده عليها لعدم إنفاقه عليها، ومنها الحكمان الصادران في الدعويين رقمي 131 لسنة 1988، 183 لسنة 1991 شرعي جزئي الدقي، وكذلك الحكم الصادر في الجنحة رقم 1255 لسنة 1992 الدقي بحبسه لمدة شهر، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي مردود، ذلك بأن النص في المادة 11 مكرراً ثانياً من القانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على أنه "إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق توقف نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع، وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة...." مما مفاده على ما ورد بالمذكرة الإيضاحية والراجح في مذهب أبي حنيفة أن نفقة الزوجة على زوجها جزاء احتباسه لها تحقيقاً لمقاصد الزواج بأن تسلمه نفسها حقيقة أو حكماً بأن تكون مستعدة للدخول في طاعته وغير ممتنعة عن الانتقال إليه، فكل من كان محبوساً بحق مقصود لغيره فنفقته عليه، ولأن النفقة حقها وانتقالها إليه حقه ما دام قد أوفاها عاجل صداقها وأعد لها مسكناً شرعياً وكان أميناً عليها، فإن طالبها بالنقلة إليه فامتنعت، فإن كان امتناعها بحق، كأن امتنعت لاستيفاء مهرها العاجل فلها النفقة، وإن امتنعت بغير حق فلا نفقة لها لأنها تستوجب النفقة بتسليم نفسها لزوجها، فلم يتحقق شرط وجوب النفقة فلا تجب، ولذا لا تستحق الناشزة النفقة، ومجرد صدور حكم بالنفقة للزوجة على زوجها لا يبرر امتناعها عن الدخول في طاعته، إلا إذا كان هذا الامتناع بحق كما سلف، لأنها إن كانت قد استوفت شروط وجوب النفقة وقت الحكم بها، فإن هذه الشروط قد لا تتوافر في وقت لاحق، ذلك بأن الأصل في الأحكام الصادرة بالنفقات - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنها ذات حجية مؤقتة، لأنها مما يقبل التغيير والتعديل وترد عليها الزيادة والنقصان بسبب تغير الظروف، كما يرد عليها الإسقاط بسبب تغيير دواعيها، لما كان ما تقدم، وكان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة، دون رقابة عليها في ذلك، طالما لم تعتمد على واقعة بلا سند ما وحسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله، وإذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه على سند من أن المحكمة لا تطمئن لأقوال شهود الطاعنة لأن أياً منهم لم يشاهد بنفسه اعتداء وقع من المطعون ضده عليها وأن ما تمسكت به من أنه لا ينفق عليها لا يعد من الأوجه المقبولة للاعتراض على إنذار الطاعة وأن إدانته بمقتضى الحكم المقدم منها لا ينفي أمانته عليها لأن الاعتداء لم ينصب على شخصها، وهذه أسباب سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق، وتؤدي إلى النتيجة الصحيحة التي خلص إليها الحكم من أن الطاعنة امتنعت عن طاعة زوجها بغير حق، ومن ثم فإن النعي يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.