مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 21

(4)
جلسة 5 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيزي زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 32 لسنة 9 القضائية

( أ ) موظف "انتهاء الخدمة. استقالة تيسيرية". دعوى "دعوى تسوية" "التظلم السابق على رفع الدعوى". القانون رقم 120 لسنة 1960 - طلب شاغلي الدرجات الشخصية ممن تحققت فيهم الشروط التي يتطلبها القانون المذكور اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكامه - رخصة مباح لهم استعمالها - الأمر في قبول أو رفض الطلب مرده إلى القانون ذاته وإلى تقدير جهة الإدارة أو اختيارها - الدعوى التي تقام في هذا الخصوص في حقيقة تكييفها دعوى تسوية لا تستلزم تظلماً إدارياً قبل رفعها ولا تخضع لميعاد الستين يوماً.
(ب) محكمة إدارية عليا "الطعن أمامها". موظف "انتهاء الخدمة. استقالة تيسيرية". الطعن المقدم للمحكمة الإدارية العليا من الخصوم ذوي الشأن، على خلاف طعن هيئة مفوضي الدولة، يحكمه أصل مقرر هو ألا يضار الطاعن بطعنه - على أنه في حالة وجود ارتباط جوهري بين شق مطعون فيه من الحكم وشق آخر غير مطعون فيه - يعتبر الطعن القائم في شق منهما مثيراً للطعن في شقه الثاني - أساس ذلك، تجنب قيام حكمين متعارضين - تطبيق ذلك بالنسبة لدعوى أقيمت بطلب أصلي هو تسوية الحالة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 وآخر احتياطي هو الحكم بتعويض مؤقت قضى فيها بعدم قبول الطلب الأول لرفعه بعد الميعاد وبإجابة الطلب الاحتياطي - طعن جهة الإدارة في شق الحكم الخاص بالقضاء بالتعويض المؤقت لا يثير الطعن في شقه الخاص بعدم قبول الدعوى - عدم وجود ارتباط جوهري بينهما [(1)].
1 - أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن طلب شاغلي الدرجات الشخصية اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 رخصة مباحة لهؤلاء الموظفين لهم استعمالها متى تحققت فيهم الشروط التي تطلبها هذا القانون - وإذ كان هدف المشرع من إصداره هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين المنسيين ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها قدر المستطاع وكانت الحكمة التشريعية إنما تعبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة وقدر أنها تبرر إصدار مثل هذا التشريع - فإن ثمة قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقيق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة وتتمثل هذه المصلحة في إلغاء درجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها فلا وجه للتفرقة بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل ما بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه وبناء على ما تقدم فإن الأمر في قبول أو رفض الطلبات التي تقدم منهم لاعتزال الخدمة طبقاً لأحكام القانون المذكور ليس مرده إلى تقدير جهة الإدارة واختيارها، وإنما مرده في الحقيقة إلى أحكام القانون ذاته الذي رتب حقوقاً معينة متعلقة بالمعاش لمن يطلبون اعتزال الخدمة من ذوي الدرجات الشخصية المتوافرة فيهم شروط مقررة بحيث أنه متى توافرت فيهم الشروط الواجبة قانوناً حقت لهم الإفادة من أحكام القانون وحق على جهة الإدارة تمكينهم من هذه الإفادة وبهذه المثابة فإن الدعوى التي تقام في هذا الخصوص في حقيقة تكييفها دعوى تسوية تقوم على منازعة في معاش لا تستلزم تظلماً إدارياً قبل رفعها ولا تخضع لميعاد الستين يوماً.
2 - إن الطعن المقدم للمحكمة العليا من هيئة المفوضين - التي ليست طرفاً ذا مصلحة شخصية في المنازعة وإنما تتمثل فيها الحيدة لصالح القانون وحده - يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون ثم تنزل حكمه في المنازعة غير مقيدة بطلبات هيئة المفوضين - إلا أن الطعن من الخصوم ذوي الشأن الذين إنما يطعنون لصالحهم وحدهم يحكمه أصل مقرر بالنسبة للطعن في الأحكام وهو ألا يضار الطاعن بطعنه - على أنه في حالة قيام ارتباط جوهري بين شق مطعون فيه من الحكم وبين شق آخر غير مطعون فيه بأن كان هذا الشق الأخير مترتباً على الشق الأول بحيث يتأثر الحكم فيه بنتيجة الحكم في ذلك الشق الأول - فإنه لا مندوحة تجنباً لقيام حكمين نهائيين متعارضين من أن يعتبر الطعن القائم في الشق الأول منهما مثيراً للطعن في الشق الثاني.
إن طعن الوزارة في الحكم الصادر لصالح المدعي إنما ينصب على شقه الخاص بالقضاء له بتعويض مؤقت ومن ثم فهو لا يفتح الباب لنقض ما قضى به لصالحها ضد المدعي من عدم قبول طلبه الأصلي شكلاً وهو الطلب الخاص بتسوية حالته والذي كان مطروحاً أمام المحكمة الإدارية وقعد عن الطعن في شق الحكم الصادر فيه إذ فضلاً عن ألا تضار الوزارة الطاعنة بطعنها فإنه ليس هناك ارتباط جوهري من قبيل ما سلف بيانه بين هذا الشق الذي لم يطعن فيه من الحكم وبين شقة الآخر المطعون فيه والخاص بالتعويض المؤقت - ذلك أن الحكم في الطعن بما يؤكد حق المدعي في التعويض أو بما ينفي حقه فيه لا يؤثر على ما حكم به في طلبه الأصلي سالف الذكر من عدم قبوله شكلاً إذ أن الحكم بذلك مبني على تكييف الطالب المذكور بأنه طلب إلغاء لقرار إداري لا طلب تسوية وعلى أنه وقد رفع بعد الميعاد القانوني وذلك دون تعرض لمشروعية تصرف الجهة الإدارية أو عدم مشروعيته بما قد يتعارض مع الأساس الموضوعي الذي يبنى عليه الحكم بالتعويض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين في 15 من يناير سنة 1962 أقام المرحوم/ علي حسن إبراهيم الدعوى رقم 156 لسنة 9 القضائية ضد السيد وزير الزراعة طالباً الحكم أصلياً بتعويضه تعويضاً عينياً وذلك بتسوية حالته طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 واحتياطياً بإلزام المدعى عليه بأن يدفع له مبلغ قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت مع إلزامه بالمصروفات والأتعاب وقال شرحاً لدعواه أنه من مواليد 7 من أكتوبر سنة 1900 وبلغ سن الإحالة إلى المعاش في 6 من أكتوبر سنة 1960 وتقدم بطلب إحالته إلى المعاش مع تسوية حالته طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 ورغم استيفائه جميع الشروط التي نص عليها هذا القانون صدر قرار بحفظ طلبه وهو قرار مخالف للقانون ولقصد المشرع من إصداره وهو علاج مشكلة الموظفين المنسبين علاجاً شاملاً وتعويضهم تعويضاً عادلاً إلى جانب الرغبة الملحة في التخلص من الدرجات الشخصية - وكان سبب الرفض هو أن المدة الباقية على بلوغه سن الإحالة إلى المعاش أقل من سنة وهو شرط باطل لمخالفته للقانون ولقصد الشارع علاوة على أنه مناف للعدالة يخلق أوضاعاً شاذة بإغداق المزايا على الموظف الأقل سناً ومرتباً ودرجة ويجعله يتقاضى معاشاً يزيد عما يتقاضاه زميله الأكبر سناً والأطول خدمة وقد سكت القانون عن تحديد الحد الأقصى لسن طالب الاعتزال حرصاً من الشارع على المساواة بين الموظفين ومما يدل على أن هذا القانون يعتبر من قبيل الإنصاف أو قواعد التسوية أن النية كانت متجهة إلى تعميمه بالنسبة لمن خرجوا قبل صدوره فيكون من باب أولى واجب التطبيق على جميع من خرجوا في ظله - أما عبارة الصالح العام التي وردت بالمذكرة الإيضاحية فكان المقصود بها الموظفين الذين على درجات أصلية دون أصحاب الدرجات الشخصية وقد وردت نصوص بعبارات عامة صريحة الدلالة على قصد المشرع تعميم تطبيقه وأضاف المدعي أنه واضح من المذكرة المرفوعة من مراقبة المستخدمين إلى السيد الوزير في شأن طلبه أن سبب الرفض هو أن المدة الباقية أقل من سنة وذكر أنه يحق له المطالبة بتعويض عما أصابه من أضرار نتيجة لهذا القرار الباطل وأنه قد تقدم بطلب إعفاء قيد برقم 136 لسنة 8 القضائية قضى بقبول بجلسة 20 من ديسمبر سنة 1961.
وأجابت الوزارة على الدعوى بمذكرة قالت فيها أنه جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 120 لسنة 1960 أن على المصالح والوزارات البت في طلبات ترك الخدمة في ضوء المصلحة العامة وأن المدعي قد تقدم في 30 من مايو سنة 1960 بطلب يلتمس فيه إحالته إلى المعاش طبقاً للقانون المشار إليه وعرض على الوزارة فاستعملت سلطتها طبقاً لما جاء بالمذكرة الإيضاحية وحفظت الطلب في 11 من يونيو سنة 1960.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بأحقية المدعي في مبدأ التعويض عن القرار المطعون فيه والحكم له بقرش واحد على سبيل التعويض المؤقت وإلزام المدعى عليها المصروفات.
وبجلسة أول أكتوبر سنة 1962 قضت المحكمة الإدارية بعدم قبول الطلب الأصلي شكلاً لرفعه بعد الميعاد وبأحقية المدعي في تعويض مؤقت قدره قرش واحد وإلزام الوزارة المصروفات وأقامت قضاءها بعدم قبول الطلب الأصلي على أن القضاء به يعني ضمناً الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير الزراعة في 11 من يونيو سنة 1960 ونظراً إلى أنه لم يتبع ما نصت عليه المادتان 12، 20 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فإن هذا الطلب يكون غير مقبول شكلاً - كما أقامت قضاءها بالتعويض المؤقت على أن سلطة جهة الإدارة في البت في الطلبات المقدمة من الموظفين إعمالاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 مقيدة بما تتطلبه المصلحة العامة فإن ثبت أن رفض الطلب كان تحقيقاً للمصلحة العامة التي تقضي بحسن سير المرفق وانتظامه كان قرارها سليماً أما إذا انتهجت جهة الإدارة منهجاً لا يرتبط بالمصلحة العامة ولم يكن الدافع لها إلا قرب نهائية خدمة الموظف كان تصرفها مجاوزاً لحدود سلطتها ومخالفاً للقانون والثابت أن الجهة الإدارية قد حفظت الطلب المقدم من المدعي بتاريخ 11 من يونيو سنة 1960 استناداً إلى سبب لم ينص عليه القانون وهو أن المدة الباقية له تقل عن سنة من تاريخ تقديم طلبه فتصرفها على هذا الوجه يكون غير مشروع - ونظراً إلى أن تطبيق القانون رقم 120 لسنة 1960 كان سيحقق للمدعي فائدة محتمة فيكون عدم إجابته إلى طلبه قد أصابه بضرر محقق الأمر الذي رأت معه المحكمة إجابته إلى طلبه الاحتياطي والحكم له بتعويض مؤقت قدره قرش واحد.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ قرر أن الجهة الإدارية قد حفظت طلب المدعي استناداً إلى أن المدة الباقية على إحالته إلى المعاش من تاريخ تقديم الطلب تقل عن سنة ذلك أن قرار الرفض قد صدر غير مسبب ولم تفصح جهة الإدارة عن سببه ولا يغير من هذا أن المذكرة التي رفعت للوزارة بشأن هذا الطلب قد ذكر بها أن تاريخ إحالة مقدم الطلب إلى المعاش هو 6 من أكتوبر سنة 1960 إذ أن ذكر هذه العبارة كان من قبيل سرد حالته كما أنه على فرض أن السبب الذي استنتجه الحكم صحيح فإنه ليس في ذلك أية مخالفة للقانون أو خروج على المحكمة التي توخاها الشارع بل أنه إعمالاً لهذه الحكمة ذلك أن المسلم أن للجهة الإدارية سلطة البت في طلبات الموظفين المقدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 على ضوء المصلحة العامة وهذا ما قررته المذكرة الإيضاحية له وقد قصد المشرع منه تحقيق هدف خاص هو التخلص من الدرجات الشخصية بعد أن تضخم عددها لكثرة ترقية الموظفين المنسيين فإذا كان هذا الهدف متحققاً بإعمال القواعد العامة المقررة في قانون الموظفين بانتهاء خدمة الموظف لبلوغه السن القانونية للإحالة إلى المعاش فلا محل في هذه الحالة لتطبيق القانون رقم 120 لسنة 1960 وإلا كان في ذلك تحميل للخزانة العامة بأعباء مالية بمنح الموظف ميزات مالية دون مبرر مما يعتبر خروجاً على الهدف الذي قصده المشرع وانحرافاً في استعمال السلطة وهذا ما حاولت الجهة الإدارية تفاديه في حالة المطعون ضده إذ تبين أنه يبلغ السن القانونية للإحالة إلى المعاش خلال مدة تقل عن سنة من تاريخ تقديم طلبه فلم تجد محلاً لتطبيق القانون 120 لسنة 1960 ومما تقدم يتضح أن القرار المطعون فيه قرار سليم متفق مع القانون ومن ثم يكون قد انعدم ركن الخطأ وتنتفي مسئولية الإدارة.
ومن حيث أن هيئة مفوضي الدولة قد أودعت تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكومة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى أحقية المطعون ضده في تسوية حالته طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية مع إلزام الحكومة المصروفات وذلك تأسيساً على أن الصحيح في الأمر هو أن دعوى المنازعة في القرار الصادر برفض طلب المدعي اعتزاله الخدمة بمقتضى أحكام القانون المذكور تعد بحسب تكييفها القانوني السليم دعوى تسوية تقوم على منازعة في معاش فلاً تستلزم تظلماً إدارياً قبل رفعها ولا تخضع لميعاد الستين يوماً المقرر لطلبات الإلغاء - وأن الطعن وأن اقتصر على شق الحكم الخاص بالتعويض يثير المنازعة في شقه الخاص بالإلغاء لأن مثار المنازعة في الواقع هو مشروعية أو عدم مشروعية موقف الإدارة من عدم تسوية حالة المدعي طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 فالتسوية والتعويض نتيجتان مترتبتان على أساس قانوني واحد وترتبط إحداهما بالآخر ارتباطاً جوهرياً.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي ولد في 7 من أكتوبر سنة 1900 فكان سنة عند العمل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وقد جاوز الخامسة والخمسين - وقد تقدم في 30 من مايو سنة 1960 بطلب يلتمس فيه أحالته إلى المعاش طبقاً للقانون المشار إليه - وفي 2 من يونيو سنة 1960 أعدت مراقبة المستخدمين والمعاشات مذكرة في شأن هذا الطلب تضمنت أن المدعي قد رقي إلى الدرجة السابعة الكتابية بصفة شخصية اعتباراً من 26 من مارس سنة 1960 وأن مرتبه أصبح خمسة وثلاثين جنيهاً اعتباراً من أول إبريل سنة 1960 وأن المدة الباقية لبلوغه السن القانونية في 6 من أكتوبر سنة 1960 تقل عن سنة - وفي 9 من يونيو سنة 1960 أشر السيد وكيل الوزارة المساعد على هذه المذكرة بما نصه (للعرض على السيد الدكتور الوزير رجاء التفضل بالنظر مع العلم بأن تاريخ إحالته على المعاش 6/ 10/ 1960) وفي 11 من يونيو سنة 1960 أشر السيد الوزير على المذكرة بما يفيد رفض الطلب.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن طلب شاغلي الدرجات الشخصية اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 رخصة مباحة لهؤلاء الموظفين لهم استعمالها متى تحققت فيهم الشروط التي تطلبها هذا القانون - وإذ كان هدف المشرع من إصداره هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين المنسيين ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها قدر المستطاع وكانت المحكمة التشريعية إنما تعبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة وقدر أنها تبرر إصدار مثل هذا التشريع - فإن ثمة قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة وتتمثل هذه المصلحة في إلغاء درجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها فلا وجه للتفرقة بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل ما بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه وبناء على ما تقدم فإن الأمر في قبول أو رفض الطلبات التي تقدم منهم لاعتزال الخدمة طبقاً لأحكام القانون المذكور ليس مرده إلى تقدير جهة الإدارة واختيارها وإنما مرده في الحقيقة إلى أحكام القانون ذاته الذي رتب حقوقاً معينة متعلقة بالمعاش لمن يطلبون اعتزال الخدمة من ذوي الدرجات الشخصية المتوافرة فيهم شروط مقررة بحيث إنه متى توافرت هذه الشروط الواجبة قانوناً حقت لهم الإفادة من أحكام القانون وحق على جهة الإدارة تمكينهم من هذه الإفادة - وبهذه المثابة فإن الدعوى التي تقام في هذا الخصوص تكون في حقيقة تكييفها دعوى تسوية تقوم على منازعة في معاش لا تستلزم تظلماً إدارياً قبل رفعها ولا تخضع لميعاد الستين يوماً.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم فإن عدم قبول الوزارة طلب المدعي اعتزال الخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 رغم أنه توافرت فيه الشروط التي تطلبها هذا القانون يكون غير قائم على أساس سليم ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى للمدعي بما طلبه من تعويض مؤقت تأسيساً على خطأ الوزارة في عدم قبول طلبه المذكور قد أصاب الحق في قضائه ومن ثم فإن طعن الوزارة على هذا الحكم يكون غير سديد مما يتعين معه القضاء برفضه.
ومن حيث إنه ولئن كان صحيحاً أن الطعن المقدم للمحكمة العليا من هيئة المفوضين - التي ليست طرفاً ذا مصلحة شخصية في المنازعة وإنما تتمثل فيها الحيدة لصالح القانون وحده - يفتح الباب أمام تلك المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون ثم تنزل حكمها في المنازعة غير مقيدة بطلبات هيئة المفوضين - إلا أن الطعن من الخصوم ذوي الشأن الذين إنما يطعنون لصالحهم وحدهم يحكمه أصل مقرر بالنسبة للطعن في الأحكام وهو إلا يضار الطاعن بطعنه - على أنه في حالة قيام ارتباط جوهري بين شق مطعون فيه من الحكم وبين شق آخر غير مطعون فيه بأن كان هذا الشق الأخير مترتباً على الشق الأول بحيث يتأثر الحكم فيه بنتيجة الحكم في ذلك الشق الأول - فإنه لا مندوحة تجنباً لقيام حكمين نهائيين متعارضين من أن يعتبر الطعن القائم في الشق الأول منهما مثيراً للطعن في الشق الثاني.
ومن حيث إن طعن الوزارة في الحكم الصادر لصالح المدعي إنما ينصب على شقة الخاص بالقضاء له بتعويض مؤقت - وهذا الطعن لا يفتح الباب لنقض ما قضى به صالحها ضد المدعي من عدم قبول طلبه الأصلي شكلاً وهو الطلب الخاص بتسوية حالته والذي كان مطروحاً أمام المحكمة الإدارية وقعد عن الطعن في شق الحكم الصادر فيه إذ فضلاً عن أن الأصل هو ألا تضار الوزارة الطاعنة بطعنها فإنه ليس هناك ارتباط جوهري من قبيل ما سلف بيانه بين هذا الشق الذي لم يطعن فيه من الحكم وبين شقه الآخر المطعون فيه والخاص بالتعويض المؤقت - ذلك أن الحكم في الطعن بما يؤكد حق المدعي في التعويض أو بما ينفي حقه فيه لا يؤثر على ما حكم به في طلبه الأصلي سالف الذكر من عدم قبوله شكلاً إذ أن الحكم بذلك مبني على تكييف الطلب المذكور بأنه طلب إلغاء لقرار إداري لا طلب تسوية وعلى أنه وقد رفع بعد الميعاد القانوني وذلك دون تعرض لمشروعية تصرف الجهة الإدارية أو عدم مشروعيته بما قد يتعارض مع الأساس الموضوعي الذي يبني عليه الحكم بالتعويض.
ومن حيث إنه لذلك يتعين الحكم برفض الطعن مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.


[(1)] قارن حكم المحكمة الإدارية العليا في القضية رقم 1565 لسنة 3 القضائية الصادر بجلسة 27/ 4/ 1957 والمنشور بمجموعة السنة الثانية المبدأ رقم 101 ص 975، والحكم الصادر في القضية رقم 161 لسنة 3 القضائية بجلسة 29/ 6/ 1957 والمنشور بمجموعة السنة الثانية المبدأ رقم 137 ص 1335، والحكم الصادر في القضية رقم 230 لسنة 9 القضائية بجلسة 23/ 5/ 1965 والمنشور بمجموعة السنة العاشرة مبدأ رقم 133 ص 1470.