مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 55

(6)
جلسة 5 من نوفمبر سنه 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر الدين المستشارين.

القضية رقم 11 لسنة 10 القضائية

( أ ) موظف "انتهاء الخدمة. أسبابها. الحكم في جريمة مخلة بالشرف".
لم يحدد القانون الجرائم المخلة بالشرف تحديداً جامعاً مانعاً - تعريفها - هي التي ترجع إلي ضعف في الخلق وانحراف في الطبع - مثال - جريمة إصدار شيك بدون رصيد [(1)].
(ب) موظف "انتهاء الخدمة. أسبابها. حكم نهائي في جريمة مخلة بالشرف" القانون رقم 210 لسنه 1951 - انتهاء خدمة الموظف بحكم القانون - لا يغير من ذلك شمول الحكم الجنائي بوقف التنفيذ ما دام أن المحكمة أمرت بوقف تنفيذ العقوبة ولم تأمر توقف تنفيذ الآثار المترتبة على الحكم.
(ج) تشريع "نفاذه". موظف "انتهاء الخدمة" القانون رقم 46 لسنة 1964 في شأن العاملين المدنيين بالدولة - نصه على أن يكون الفصل جوازياً للوزير في حاله الحكم مع وقف التنفيذ - عدم سريان أحكامه متى ثبت أن الحكم قد صدر قبل العمل به [(2)].
1 - تكفل المشرع في قانون العقوبات بتحديد الجنايات في وضوح وجلاء. إما الجرائم المخلة بالشرف فلم تحدد في هذا القانون أو في سواه تحديداً جامعاً مانعاً كما كان شأنه بالنسبة للجنايات، على أن المتفق عليه أنه يمكن تعريف هذه الجرائم بأنها هي تلك التي ترجع إلي ضعف في الخلق وانحراف في الطبع. والشخص إذا انحدر إلي هذا المستوى الأخلاقي لا يكون أهلاً لتولي المناصب العامة التي تقتضي فيمن يتولاها إن يكون متحلياً بالأمانة والنزاهة والشرف واستقامة الخلق ولما كانت جريمة إصدار شيك بلا رصيد المنصوص عليها في المادة 337 من قانون العقوبات هي - كجريمة النصب - تقتضي الالتجاء إلي الكذب كوسيلة لسلب مال الغير فهي لذلك لا تصدر إلا عن انحراف في الطبع وضعه في النفس، ومن ثم فإنها تكون في ضوء التعريف - سالف الذكر - مخلة بالشرف.
2 - أن الطاعن - وقد حكم عليه بالعقوبة في جريمة إعطاء شيك بلا رصيد وأصبح هذا الحكم نهائياً - فأنه يقوم في شأنه سبب من أسباب انتهاء الخدمة المنصوص عليها في المادة 107 المنوه عنها ويتعين لذلك فصله من الخدمة بحكم القانون، دون حاجه إلي محاكمة تأديبية، ولا بغير من ذلك إن المحكمة الجنائية قد أمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمده معينة - وذلك للظروف التي ارتأتها ومنها قيام الطاعن بسداد قيمة الشيكات أثناء المحاكمة - ذلك لأنه تبين من الاطلاع على هذا الحكم أن المحكمة قد أمرت بوقف تنفيذ العقوبة فقط ولم تحكم بوقف تنفيذ الآثار المترتبة على هذا الحكم، وعلي ذلك فإن هذا الحكم - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يمنع من ترتيب الآثار المترتبة على الحكم، سواء أكانت آثارا جنائية أم مدنيه أم إدارية.
3- لئن كان قانون العاملين المدنيين رقم 46 لسنه 1964 قد جعل الفصل جوازياً للسيد الوزير في حالة الحكم بوقف التنفيذ - إلا أن هذا القانون لا يسرى على الوقائع السابقة على تاريخ العمل به وقد صدر الحكم على الطاعن في تلك الجريمة المخلة بالشرف قبل العمل بالقانون المذكور، وفضلاً عن ذلك فإن أمر مقصور على جهة الإدارة أما القضاء فعليه أن ينزل حكم الفصل استناداً إلي الأصل المنصوص عليه في حاله صدور حكم في جناية أو جنحة مخلة بالشرف.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في إن الطاعن السيد/ عبد العزيز محمد علي أقام الدعوى رقم 124 لسنة 6 القضائية بصحيفة أودعها سكرتارية المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة والاقتصاد والتخطيط والصناعة والزراعة والتموين في 14 من ديسمبر سنه 1961 ضد وزارة الخزانة ومصلحه الضرائب طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر بفصله من الخدمة وما يترتب على ذلك من أثار وإلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال - شرحاً لدعواه - أنه ألمت به ظروف طارئة استدعته إلي الاقتراض من أحد زملائه بالمصلحة وحرر له ستة شيكات بمبلغ خمسين جنيهاً - هو قيمة المبلغ المقترض وفوائده - تسحب من بنك سوارس المحول عليه راتبه. ثم طلب قرضاً من هذا البنك لسداد دينه فرفض، فسعى لدى بنك الجمهورية فوافق بشرط تحويل راتبه فحوله إليه وأخطر المقرض بذلك طالباً إليه تغيير مكان سحب الشيكات إلي بنك الجمهورية فتعلل بان الشيكات ليست معه وبأن الزمالة تحول دون الأضرار بزميله في العمل. وحدث أن شجر خلاف بينه وبين أحد أقارب المقترض ترتب عليه أن حصل هذا الأخير من بنك سوارس على تأشيرة بعدم وجود رصيد للساحب به وأبلغ النيابة العامة التي أحالته إلي المحاكمة الجنائية في القضية رقم 3260 لسنه 1959 جنح السيدة. فقضت المحكمة بجلسة 23 من يناير سنه 1961 بحبسه شهراً. فاستأنف فقضت المحكمة الاستئنافيه بتأييد الحكم المطعون فيه مع إيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات فطعن في هذا الحكم أمام محكمة النقض ولما يفصل في هذا الطعن، وفي 31 من يوليه سنه 1961 أبلغ بالقرار الوزاري رقم 53 لسنة 1961 بفصله من الخدمة اعتباراً من 23 من يناير سنة 1961 تطبيقاً لنص المادة 107 من قانون التوظف على اعتبار أن الجريمة التي حكم بها عليه مخلة بالشرف، فتظلم في 19 من أغسطس سنة 1961 ولما لم يصله رد أقام هذه الدعوى، وينعى على قرار فصله أنه صدر بلا مبرر ولا سند من القانون بمقولة إن جريمة إصدار شيك بدون رصيد لا تدل بذاتها على انحراف في السلوك ومن ثم فإنها لا تعتبر من الجرائم المخلة بالشرف إذ هي لا تكون كذلك إلا إذا صاحبتها طرق احتيالية وأن ركن الاحتيال من واقع أسباب الحكم الجنائي غير متوفرة فيه لأن ما أتاه ليس نصباً بدليل أنه كان له رصيد في بنك الجمهورية وامتنع المقرض عن تحويل مكان السحب إليه وبدليل أنه لم ينحرف بطبعه ولم يكن به ضعف في الخلق أدى به لاجتناب الفضيلة مما استوجب احتقاره في المجتمع أو عدم ائتمانه على المصلحة العامة وأضاف المدعي أنه لا يحوز للجهة الإدارية أن تفصله تلقائياً بمجرد صدور الحكم الجنائي بل كان يجب التحقق من توافر جريمة النصب لأن القاضي الجنائي لم يتوقع أن يترتب على حكمه إقصاء موظف أمضى في خدمه الدولة بسلوك حسن أكثر من ثلاثين عاماً ثم يختلف مع المستفيد من الشيك فيتنازعان في مكان السحب فيؤدي إلى أن يتمكن المستفيد بسوء نيته إلي إقصاء موظف عن وظيفته.
وطلبت مصلحة الضرائب رفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصرفات ومقابل أتعاب المحاماة واستندت في ذلك أن قرار فصل المدعي صدر سليماً طبقاً لحكم المادة 107 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 لأن واقعه إمضاء شيك بدون رصيد بسوء نية يعتبر عملاً مخلاً بالشرف وأن الحكم بإيقاف التنفيذ لا يتعدى الآثار الجنائية ولا يجوز مد أثر الإيقاف ليشمل الناحية الإدارية وقدمت حافظة مستندات أرفقت بها صورة من الحكم الجنائي الاستئنافي وملف خدمة المدعي.
ثم قدم المدعي حافظة مستندات ومذكرة ردد فيها ما جاء بصحيفة الدعوى وأضاف إليه أن بعض أحكام المحاكم التأديبية قضت بأن جريمة إصدار شيك بلا رصيد لا تعتبر مخلة بالشرف إلا إذا خالطتها طرق احتيالية أدت بها إلى صفه النصب، وأنه يلزم بحث كل حالة على حدة لاستظهار ما يصاحبها من ظروف وملابسات ومن ثم فلاً يسرى عليها بصفة مطلقة حكم المادة 107 سالفة الذكر بل ينعقد النظر في شأن توافر حكم هذه المادة للجهة التأديبية المختصة، كما ذكر المدعي في مذكرته أن إيقاف الحكم يضع المحكوم عليه في موضع البريء أو على الأقل في صف من رد إليهم اعتبارهم - وأن الحكم ضده - وقد كان مع الإيقاف لظروفه ولأنه قام بسداد قيمة الشيك - فإنه يستنبط منه أسلوب الرحمة الذي أخذته به محكمة الجنح وهو الأسلوب الذي يرجو أن تأخذه به المحكمة الإدارية.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الدعوى انتهت فيه إلي أنها ترى الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وبإلزام رافعها المصروفات. واستندت في ذلك إلي نفس الأسباب التي استندت إليها الحكومة في ردها على الدعوى.
قدم المدعي مذكرتين بالتعقيب على تقرير هيئه المفوضين أوضح فيهما تاريخ جريمة إصدار شيك بلا رصيد ومصدرها التشريعي، وانتهى إلي القول بأن هذه الجريمة، وبصفه عامة، لا يمكن أن تعتبر مخلة بالشرف لأنها جريمة خاصة قصد بها المشرع - لاعتبارات اقتصادية بعيد الصلة عن الأخلاق والشرف - تمكين الشيك كي يغدو أداة للوفاء بديلاً عن النقود، وأن العلاقة بينه وبين زميله المستفيد من الشيك هي علاقة مديونية، والاستدانة ليست مخلة بالشرف إذا كانت لسبب مشروع لا يمت إلي الوظيفة بصلة، كما أن المستفيد كان يعلم، عند تحرير الشيكات، أنه ليس له رصيد في البنك المسحوب عليه مما يجعله شريكاً بالتحريض على الجريمة، ثم ردد المدعي ما جاء بدفاعه السابق وانتهى إلي التصميم على طلباته، وقدم حافظتين بمستنداته.
وبجلسة 27 من إبريل سنه 1963 قضت المحكمة الإدارية بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وألزمت المدعي بالمصروفات، وأقامت قضاءها - بعد أن أوردت نص المادة 107 من قانون نظام الموظفين رقم 210 لسنه 1951، الذي كان سارياً حينذاك - على أن مقتضى هذا النص أنه إذا حكم على موظف في جناية أو في أي جريمة مخلة بالشرف، ولو كانت جنحه، فالفصل يقع بقوة القانون. وأنه لما كانت الجريمة التي فصل بسببها المدعي - وهي جريمة إصدار شيك بدون رصيد - هي جريمة مخلة بالشرف - فإن قرار فصله يكون قد صدر سليماً ومطابقاً للقانون، واستندت المحكمة، في القول بأن هذه الجريمة مخلة بالشرف، إلى أن قصد المشرع من العقاب عليها - بنص المادة 337 من قانون العقوبات - هو حماية الشيك باعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات. وأن سوء النية في هذه الجريمة يتوافر بمجرد علم مصدر الشيك بعدم وجود رصيد مقابل له في تاريخ إصداره.. وأن المشرع وقد أورد المادة 337 من قانون العقوبات في الباب العاشر منه الخاص بالنصب وخيانة الأمانة وعاقب على هذه الجريمة بذات عقوبة جريمة النصب المنصوص عليها في المادة 336 من القانون المذكور - فإنه يكون قد أوضح عن قصده باعتبار هذه الجريمة من جرائم النصب وخيانة الأمانة وهي جريمة لا شك في أنها مخلة بالشرف.. وأنه فضلاً عن ذلك فإن المشرع قد نص في المادة 49 من قانون العقوبات على أن تعتبر السرقة والنصب وخيانة الأمانة جنحاً متماثلة في العود وأن التفسير الراجح أن هذا التعداد هو على سبيل التمثيل لا الحصر فإذا الحق المشرع جريمة النصب وخيانة الأمانة بالسرقة، فإنه أنما اعتبر أن جميع الجرائم الواردة تحت باب النصب وخيانة الأمانة - ومنها جريمة إصدار شيك بدون رصيد - متماثلة مع السرقة في العود لاتفاقها كلها في الطبيعة وهذا التماثل يقتضي بحكم طبائع الأشياء أن يكون لجريمة إصدار شيك بدون رصيد نفس الأثر الماس بالنزاهة والشرف الذي لجريمة السرقة.
وقد طعن المدعي في هذا الحكم طالباً قبول طعنه شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبالتالي إلغاء القرار الصادر بفصله من العمل وما يترتب على ذلك من آثار. أو إعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها من جديد مع إلزام المطعون ضدها بالمصروفات والأتعاب. وبني طعنه على أن الحكم المطعون فيه قد صدر مبنياً على خطأ في تفسير القانون كما أنه أخل بحقه في الدفاع. وقال في بيان السبب الأول أن جريمة إصدار شيك بدون رصيد ليست مخلة بالشرف واستند في ذلك إلى نفس الأسباب التي استند إليها في عريضة دعواه وفي المذكرات المقدمة منه، وأضاف إليها أن الجرائم المخلة بالشرف هي التي تجرع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع يدفعان بالشخص إلى اجتناب الفضائل واقتراف الكبائر التي توجب احتقاره ولا يؤتمن معها على المصلحة العامة خشيه أن يضحي بها في سبيل مصالحه الخاصة لتحقيق شهواته فتنحسر عنه صفه الموظف العام وتنعدم صلاحيته للوظيفة بقوة القانون وأنه بتطبيق هذا الضابط على الجريمة التي أدين فيها يبين أنه لا يمكن أن تعتبر مخلة بالشرف بالمعنى السابق إيضاحه لأنه لم يقصد اغتيال المستفيد من الشيك. أما عن سبب الطعن الثاني - وهو الإخلال بحق الدفاع - فقد أسسه المدعي على أن المحكمة في حكمها المطعون فيه لم ترد على نقط الدفاع القانونية التي وردت بمذكراته الأمر الذي يؤدي إلى قصور في التسبيب.
ثم قدم المدعي مذكرة ردد فيها دفاعه السابق وأضاف إليه أن مجرد تحرير شيك وعدم وجود رصيد يكفي للوفاء به - رغم أنه يعتبر سلوكاً غير قويم إلا أنه لا يسئ إلى سلوك الموظف الوظيفي أو ينعكس عليه أو يؤثر في حسن سمعته بالقدر الذي يؤدي إلى فقده عنصر الصلاحية لتولي الوظائف العامة وأنه بتطبيق ذلك على الدعوى الحالية يبين أنه لم يفعل ما يعتبر مخلاً بالشرف ولم يفسر سلوكه عن نزوع إلى اغتيال مال الدائن أو خداعه بشيك وهمي أو خداعه بمظاهر غير صادقه بل أنه كان في ظروف تنم عن صدقه ورغبته في الوفاء وليس في سلوكه ما يتنافى مع واجبات الوظيفة ولاعتبارات الشرف والأمانة التي يجب أن تتوافر في الموظف. ثم أشار المدعي إلى أن قانون العاملين المدنين رقم 46 لسنة 1964 قد نص على أن تنتهي خدمة العامل عند الحكم عليه بعقوبة جنائية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ويكون الفصل جوازياً للوزير المختص إذا كان الحكم مع وقف تنفيذ العقوبة.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام رافعه المصروفات استناداً إلى أن جريمة إصدار شيك بلا رصيد من الجرائم المخلة بالشرف وأن الحكم بوقف التنفيذ لا يمنع من إنزال حكم المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951.
عقب المدعي على تقرير هيئة مفوضي الدولة بمذكرة ثم أعقبها أخيراً بمذكرتين وقد لخص فيها دفاعه السابق على ما سبق بيانه وأضاف إليه أن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد اتجه إلى أنه إذا حكم بوقف تنفيذ العقوبة فلاً يترتب عليه الفصل وأنه لا مجال للنظر فيما إذا كان وقف التنفيذ شاملاً للآثار الجنائية أم غير شامل لها بمقولة أن العزل في هذه الحالة لا يترتب كأثر جنائي بل كأثر إداري ولا ولاية للقضاء الجنائي في أن يشمل التنفيذ بإيقاف الآثار الإدارية.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن محكمة السيدة الوطنية قد قضت بجلسة 2 من يناير سنة 1961 في الجنحة رقم 3260 سنة 1959 بحبس الطاعن - السيد/ عبد العزيز محمد علي - شهراً مع الشغل وكفالة مائة قرش لإيقاف التنفيذ وألزمته أن يدفع للمدعي المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية المناسبة لهذا المبلغ ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة بلا مصرفات جنائية. وذلك لما ثبت لديها من أنه قد أصدر شيكين للسيد/ مراد يوسف لمعي على بنك سوارس فرع القاهرة بلا مقابل وفاء لهما وقد عاقبته لذلك بمقتضى المادة 337 من قانون العقوبات. وقد استأنف الطاعن هذا الحكم وفي 10 من مايو سنة 161 قضي في الاستئناف بقبوله شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت المحكمة بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثالث سنوات. وألزمت المتهم بالمصروفات المدنية. وجاء في أسباب هذا الحكم أن الحكم المستأنف جاء سليماً صحيحاً في تقديره للعقاب بما يتعين معه تأييده غير أن المحكمة ترى نظراً لظروف الواقعة ولما يستشعر في غضونها من أن المتهم لن يعود إلي ارتكاب جرم مماثل ولأنه قام بسداد قيمة الشيك إيقاف لتنفيذ العقوبة على مقتضى المادة 55 من قانون العقوبات. وقد قرر الطاعن بجلسة 26 من مارس سنة 1966 أن محكمة النقض قد قضت برفض الطعن الذي كان رفعه عن الحكم الجنائي الصادر ضده. وفي 11 من يوليه سنه 1961 أصدرت مصلحه الضرائب التي كان يعمل بها الطاعن قراراً فصله من الخدمة بالتطبيق لحكم المادة 107 من قانون نظام الموظفين رقم 210 لسنة 1951 الذي كان سارياً حينذاك.
ومن حيث إن هذه المادة قد نصت على أن تنتهي خدمة الموظف لأحد الأسباب التي عددتها ومنها السبب الذي ذكرته الفقرة الثامنة منها وهي الحكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف. ويستفاد من هذا النص أن الجرائم ليست كلها سواء من حيث أثرها على رابطه التوظف التي تربط الموظف بالحكومة فمنها ما يستتبع ارتكابها والحكم بالإدانة فيها فصم هذه الرابطة، وينتظم هذا النوع الجنايات كافة وكذا الجرائم المخلة بالشرف، ومنها ما لا يستتبع هذه النتيجة بحكم القانون وهو ما عدا ذلك من الجرائم. وقد تكفل المشرع في قانون العقوبات بتحديد الجنايات في وضوح وجلاء. أما الجرائم المخلة بالشرف فلم يحددها في هذا القانون أو في سواه تحديد جامعاً مانعاً كما كان شأنه بالنسبة للجنايات. على أن المتفق عليه أنه يمكن تعريف هذه الجرائم بأنها هي تلك التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع. والشخص إذا انحدر إلى هذا المستوى الأخلاقي لا يكون أهلاً لتولي المناصب العامة التي تقتضي فيمن يتولاها أن يكون متحلياً بالأمانة والنزاهة والشرف واستقامة الخلق. ولما كانت جريمة إصدار شيك بلا رصيد المنصوص عليها في المادة 337 من قانون العقوبات هي - كجريمة النصب - تقتضي الالتجاء إلى الكذب كوسيلة لسلب مال الغير فهي لذلك لا تصدر إلا عن انحراف في الطبع وضعف في النفس ومن ثم فإنها تكون، في ضوء التعريف سالف الذكر، مخلة بالشرف. وسبق لهذه المحكمة أن قضت بأن هذه الجريمة من الجرائم المخلة بالشرف. بمدلوله المعني بالفقرة الثانية من المادة 107 السابق الإشارة إليها وذلك لمساسها بسمعة الموظف وذمته وتأثيرها على الثقة في أمانته ونزاهة معاملاته إذ أنها تتطلب قصداً جنائياً خاصاً يقوم على توافر سوء النية وقصد الإضرار بالمجني عليه حتى أن الشارع ألحقها في المادة 337 من قانون العقوبات بجريمة النصب وعاقب عليها بذات العقوبة التي قررها في المادة 336 منه لجريمة النصب وأن الحكم على الموظف بالعقوبة في جريمة هكذا شأنها مما يؤثر في صلاحيته لتولي الوظيفة العامة أو الاستمرار فيها. إذ ينعكس صداها على هيبة الوظيفة وكرامتها واعتبارها.
ومن حيث إن الطاعن - وقد حكم عليه بالعقوبة في جريمة إعطاء شيك بلا رصيد وأصبح هذا الحكم نهائياً وقد أقر بأن محكمة النقض قد حكمت برفض الطعن الذي قدمه في هذا الحكم حسبما تقدم - فإنه يقوم في شأنه سبب من أسباب انتهاء الخدمة المنصوص عليها في المادة 107 المنوه عنها ويتعين لذلك فصله من الخدمة بحكم القانون دون حاجة إلي محاكمة تأديبية. ولا يغير من ذلك أن المحكمة الجنائية قد أمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة معينة - وذلك للظروف المخففة التي ارتأتها ومنها قيام الطاعن بسداد قيمة الشيكات أثناء المحاكمة - ذلك لأنه تبين من الاطلاع على هذا الحكم أن المحكمة قد أمرت بوقف تنفيذ العقوبة فقط ولم تحكم بوقف تنفيذ الآثار المترتبة على هذا الحكم. وعلى ذلك فإن هذا الحكم - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يمنع من ترتيب الآثار المترتبة على الحكم سواء أكانت أثاراً جنائية أم مدنية أم إدارية، ومن الآثار الإدارية التي تترتب على الحكم في جريمة مخلة بالشرف ما نصت عليه الفقرة 8 من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 سالفة الذكر من إنهاء خدمة الموظف فور الحكم عليه في هذه الجريمة. ولا وجه لما أثاره الطاعن - من أن قانون العاملين المدنيين رقم 46 لسنة 1964 قد جعل الفصل جوازياً للسيد الوزير في حالة الحكم مع وقف تنفيذ - لأن هذا القانون لا يسري على الوقائع السابقة على تاريخ العمل به وقد صدر الحكم على الطاعن في تلك الجريمة المخلة بالشرف قبل العمل بالقانون المذكور. وفضلاً عن ذلك فإن هذا أمر مقصور على جهة الإدارة. أما القضاء فعليه أن ينزل حكم الفصل استناداً إلى الأصل المنصوص عليه في حالة صدور حكم في جناية أو جنحة مخلة بالشرف.
ومن حيث إنه لا صحة لما ذهب إليه الطاعن - من أن جريمة إصدار شيك بلا رصيد لا تعتبر من الجرائم المخلة بالشرف إلا إذا صاحبتها طرق احتيالية - ذلك لأن المادة 337 من قانون العقوبات تقضي بأن يحكم بالعقوبات الخاصة بجريمة النصب على كل من أعطى بسوء نية شيكاً لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب، أو كان الرصيد أقل من قيمة الشيك أو سحب بعد إعطاء الشيك كل الرصيد أو بعضه بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك، أو أمر المسحوب عليه الشيك بعدم الدفع ويبين من هذا النص أن المشرع قد اعتبر الحالات التي عددها في هذه المادة، والتي تتوافر فيها أركان الجريمة، من قبيل الوسائل الاحتيالية التي تهدد قيمة الشيك باعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات.
ومن حيث إنه لا يقبل من الطاعن أمام القضاء الإداري أن يناقش المعاملة التي حرر من أجلها الشيك أو البواعث التي دفعته إلى تحريره أو علم المستفيد بعدم وجود رصيد، ما دام أن الحكم الجنائي الصادر بإدانته قد اكتسب حجية نهائية وأصبح لذلك مقيداً لجهات القضاء الأخرى في خصوص ما قضى به ما دام أن إنهاء الخدمة هو أثر لازم له.
ومن حيث إنه، لما تقدم، يكون القرار الصادر بفصل الطاعن من وظيفته - للحكم عليه في جريمة مخلة بالشرف مع وقف تنفيذ العقوبة - قد صدر صحيحاً متفقاً وأحكام القانون ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه، إذ قضي برفض دعواه بإلغاء هذا القرار، يكون قد أصاب الحق في قضائه وبالتالي يكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون، ولا وجه لما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه - من أنه أخل بحق الدفاع لأنه لم يرد على كل نقاط دفاعه - ذلك لأنه، فضلاً عن أن المحكمة ليست ملزمة بتقصي كافة أوجه دفاع المدعي والرد عليها - فإن الحكم المطعون فيه قد بني على أسباب صحيحة فيها الرد الكافي على دفاع المدعي.
ومن حيث إنه لذلك يتعين القضاء بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] بمثل هذا المبدأ قضت المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر في القضية رقم 1762 لسنة 7 ق بجلسة 29/ 12/ 1962 المنشور بمجموعة السنة الثامنة - المبدأ 33 ص 353، وفي حكمها الصادر في القضية رقم 574 لسنة 11 ق بجلسة 31/ 12/ 1966.
[(2)] يمثل هذا المبدأ قضت المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر في القضية رقم 1413 لسنة 7 ق بجلسة 24/ 4/ 1965 المنشور بمجموعة السنة العاشرة - المبدأ 110 ص 1113، وفي حكمها الصادر في القضية رقم 574 لسنة 11 ق بجلسة 31/ 12/ 1966.