مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 65

(7)
جلسة 5 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 19 لسنة 10 القضائية

( أ ) موظف "تأديب" الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي. مديرية التحرير. قرار رئيس الجمهورية رقم 2270 لسنة 1960 باللائحة الداخلية للهيئة المذكورة - نصه على اختصاص مدير عام الهيئة بتأديب الموظفين غير شاغلي الوظائف الرئيسية - مباشرة هذا الاختصاص - لا تتوقف على صدور لوائح التوظف من الجهة المختصة - أساس ذلك.
(ب) موظف "تأديب". نيابة إدارية. الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي. القانون رقم 19 لسنة 1959 في شأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة - سلطة رئيس الجمهورية في استثناء بعض المؤسسات والهيئات من أحكامه - تخوله من باب أولى أن يستثنيها من تطبيق بعض أحكامه - قد يكون قرار الاستثناء صريحاً - أو ضمنياً وفي الحالة الأخيرة يجب أن يحمل القرار الدليل القاطع على أعمال سلطة الاستثناء - مثال.
1- إن مفاد نصوص قرار رئيس الجمهورية رقم 2270 لسنة 1960 باللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي أن مدير عام الهيئة يختص بمباشرة الاختصاصات المنصوص عليها في المادة 13 من اللائحة الداخلية ومن ضمنها تأديب الموظفين من غير شاغلي الوظائف الرئيسية.
وأنه لا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن مباشرة اختصاص تأديب الموظفين منوط بصدور لوائح التوظف من الجهة المختصة بذلك، وأنه لما كانت تلك القواعد لم تصدر بعد فلا يجوز للمدير العام مباشرة ذلك الاختصاص - لا وجه لذلك لأنه وفقاً لنص المادة 13 من قانون المؤسسات العامة رقم 32 لسنة 1957 لا تسري على موظفي المؤسسات العامة أحكام قانون الوظائف العامة إلا فيما لم يرد به نص خاص في قرار إنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارة فإذا وجد النص كان واجب الإعمال بغض النظر عما ينص عليه قانون التوظف، أما إذا لم يوجد النص فيرجع إلي الأحكام التي تضمنها ذلك القانون. وإذ نصت اللائحة الداخلية المشار إليها في المادة 13 فقرة سادساً منها على اختصاص مدير عام الهيئة بتأديب الموظفين من غير شاغلي الوظائف الرئيسة فإن هذا النص يكون نافذاً وينعقد اختصاص التأديب بموجبه لمدير عام الهيئة حتى ولو لم يصدر مجلس الإدارة لوائح التوظف الخاصة بموظفي المؤسسة إذ يرجع في شأنها إلى أحكام قانون الوظائف العامة وفقاً لنص المادة 13 من قانون المؤسسات العامة.
2- أنه وإن كان الأصل أن تسري أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة الذين يحصلون على مرتبات تجاوز خمسة عشر جنيهاً شهرياً عملاً بأحكام المواد 1، 2، 3، 4 من القانون 19 لسنة 1959 المشار إليه، إلا أن الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون أجازت لرئيس الجمهورية الاستثناء من هذا الحكم فنصت على ما يأتي "مع عدم الإخلال بحق الجهة التي يتبعها الموظف في الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق تسري أحكام المواد 3 إلى 11، 14، 17 من القانون 117 لسنة 1958 المشار إليه على (1) موظفي المؤسسات والهيئات العامة، ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية استثناء بعض المؤسسات والهيئات العامة المشار إليها من تطبيق هذا القانون" وليس من شك في أن رئيس الجمهورية كما يملك أن يستثني بعض المؤسسات والهيئات من تطبيق سائر أحكام القانون عليها، يملك أن يستثنى بعض تلك الجهات لاعتبارات خاصة من تطبيق بعض أحكام القانون عليها دون البعض الآخر، لأن من يملك الأكثر يملك الأقل، وكما يمكن أن يكون القرار الصادر من رئيس الجمهورية باستعمال تلك السلطة صريحاً يجوز أن يكون ضمنياً لأن القانون لم يشترط في القرار أن يصدر في شكل معين وإنما يجب في هذه الحالة أن يحمل القرار الدليل القاطع على أن رئيس الجمهورية قصد إعمال السلطة التي خولها له القانون في استثناء بعض المؤسسات من تطبيق أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية كما لو صدر القرار بعد نفاذ القانون رقم 19 لسنة 1959 المشار إليه وعهد ببعض الاختصاصات المخولة للمحكمة التأديبية إلي جهة إدارية أخرى أو غير ذلك من النصوص التي تقطع بأن قصد رئيس الجمهورية قد انصرف إلى استثناء إحدى الجهات من تطبيق أحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 عليها كلياً أو جزئياً.


المحكمة

ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 94 لسنة 9 القضائية ضد وزير الإصلاح الزراعي والهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي لدى المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 8 فبراير سنة 1962 طالباً الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 1253 لسنة 1961 الصادر في 15 من أكتوبر سنة 1961 القاضي بفصله من الخدمة مع حفظ كافة الحقوق الأخرى.
وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه بتاريخ 27 من إبريل سنة 1961 عثر البوليس على بقرتين قادمتين من اتجاه مديرية التحرير فأبلغ الجهات الإدارية المختصة التي شكلت عدة لجان لجرد عهدة مزارع مديرية التحرير من الأبقار، وأسفر الجرد عن وجود عجز مقداره عشرون بقرة في مزرعة "المائة فدان" التي يعمل المدعي رئيساً لها، فأجري تحقيق إداري في الموضوع وتقرر وقف المدعي عن العمل بتاريخ 15 من مايو سنة 1961 ثم أصدر مدير عام الهيئة قراراً في 15 من أكتوبر سنة 1961 بفصله من الخدمة، فتظلم المدعي من هذا القرار ولما لم يتلق رداً على تظلمه أقام الدعوى بطلب إلغاء قرار الفصل، ونعى المدعي على القرار المطعون فيه مخالفة القانون لصدروه من غير مختص ذلك لأنه يشغل وظيفة دائمة فتختص المحاكم التأديبية بمحاكمته طبقاً لأحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 في شأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة، كما أن القرار لم يقم على أسباب تبرره فالتهم التي نسبت إليه والتي استند إليها قرار الفصل ليست صحيحة ذلك لأن المدعي طالما جأر بالشكوى إلى رؤسائه طالباً إنشاء سور من المباني حول الأماكن التي تحفظ فيها أبقار المزرعة لأنها بحالتها لا تمنع من ذلك، وقد سبق وتسربت المواشي أكثر من مرة، أما ما قيل في التحقيق من أنه لم يكلف نفسه عناء القيام بجرد فعلي لمواشي المزرعة وإنما كان يكتفي بإجراء جرد مستندي لها فإنها أقوال غير صحيحة إذ كان يقوم في نهاية كل شهر بجرد محتويات المزرعة بمعاونة باقي الموظفين ومن في عهدتهم الأبقار وهم من المؤمن عليهم مما ينفي عنه أي إهمال في أداء أعمال وظيفته ويجعل القرار المطعون فيه فاقداً لركن السبب.
ومن حيث إن الجهة الإدارية أجابت على الدعوى بأن التحقيقات الإدارية التي أجريت في الموضوع عقب اكتشاف العجز أسفرت عن مسئولية المدعي عن فقد هذا العدد الكبير من الأبقار فقد اعترف بخطئه كما اعترف أنه لم يقم بإجراء الجرد الفعلي لموجودات المزرعة وإنما كان يقوم بعمل جرد مستندي فقط دون أن يطابقه على الطبيعة بالمخالفة للتعليمات التي توجب إجراء جرد حقيقي في مواعيد دورية كما أنه لم يكن يشترك في عمليات الجرد معتمداً في ذلك على نقته بالملاحظين.
ومن حيث إن المفوض قدم تقريراً انتهى فيه إلى طلب الحكم برفض الدعوى مستنداً في ذلك إلى أن القرار المطعون فيه صدر من الجهة المختصة بذلك قانوناً كما أنه مستند إلى أسباب صحيحة تبرره.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية بجلسة أول سبتمبر سنة 1963 حكمت بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر بفصل المدعي من الخدمة مع ما يترتب على ذلك من أثار وألزمت الجهة الإدارية لمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وأقامت قضاءها على أساس أنه وإن كانت المادة 13 فقرة سادساً من اللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 2270 سنة 1960 والتي تسري على موظفي هيئة مديرية التحرير ومن بينهم المدعي نتيجة لإدماج هذه الهيئة في الهيئة الدائمة لاستصلاح الأرضي بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 1403 سنة 1957 - إذا كانت تلك المادة تخول مدير عام الهيئة الحق في تعيين الموظفين في غير الوظائف الرئيسية وترقيتهم ونقلهم وإنهاء خدمتهم إلا أنها قيدته في ذلك بالقواعد والنظم التي يضعها مجلس إدارة الهيئة وتصدر بقرار رئيس الجمهورية إعمالاً لنص المادة الأولى من اللائحة، وإذ كان مجلس إدارة الهيئة لم يصدر بعد اللائحة التي تتضمن هذا النظام فإنه لا تكون هناك لائحة أو قواعد خاصة بعمل بها في شأن موظفي الهيئة وموظفي مديرية التحرير ويتعين لذلك الرجوع إلى القواعد العامة في هذا الخصوص وهي لا تسعف في القول بأن مدير الهيئة يملك إصدار قرار بفصل الموظفين وعلى ذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر ممن لا يملك إصداره قانوناً ويكون حقيقاً بالإلغاء.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن المشرع لم يعلق نفاذ الإحكام التي تضمنتها اللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي على إصدار لائحة بنظام موظفي الهيئة ولذلك تكون الأحكام الواردة باللائحة الداخلية التي تحدد الجهات المختصة بالتأديب هي الأحكام الواجبة التطبيق بجانب الأحكام العامة الأخرى المنصوص عليها بقانون نظام موظفي الدولة فيما لم تتضمنه من أحكام إعمالاً لنص المادة 13 من قانون المؤسسات العامة فيختص مدير عام الهيئة بإصدار قرارات فصل الموظفين بعد اتباع القواعد العامة المنصوص عليها في قانون التوظف وهي لا تخرج عن إجراء تحقيق بشأن الواقعة المنسوبة إلى الموظف وتحقيق دفاعه قبل توقيع الجزاء عليه. وإذ ثبت من التحقيقات مسئولية المطعون عليه عن المخالفات التي نسبت إليه ثم صدر القرار المطعون فيه من مدير عام الهيئة فمن ثم فإنه يكون مطابقاً للقانون. وأضافت إدارة القضايا في مذكراتها الشارحة أنه بالنسبة إلى ما أثاره المدعي من اختصاص المحاكم التأديبية بمحاكمته إعمالاً لأحكام القانون 19 لسنة 1959 المشار إليه فإنه قول على غير أساس، ذلك لأن قرار رئيس الجمهورية العربية رقم 2270 سنة 1960 بإصدار اللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي، وقد صدر بعد نفاذ القانون المشار إليه يعتبر بمثابة استثناء من أحكامه فيما يتعلق بتحديد السلطة المختصة بتأديب الموظفين، تم وفقاً لنص المادة الأولى من القانون، ذلك لأن الاستثناء كما يكون صرحياً يجوز أن يكون ضمنياً بتخويل اختصاص المحاكم التأديبية أي جهة إدارية.
ومن حيث إنه يبين من تقصي القواعد التنظيمية التي كانت سارية على موظفي مديرية التحرير في تاريخ صدور القرار المطعون فيه وتتمثل في اللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 2770 سنة 1960 والتي عمل بها اعتباراً من تاريخ نشرها بالجريدة الرسمية 31 من ديسمبر سنة 1960، أن المادة الأولى من قرار الإصدار تنص على ما يأتي "يعمل باللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي المرافقة لهذا القرار" ونصت المادة الثانية على أن "تلغى اللائحة الداخلية للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي المؤرخة 25 من أكتوبر سنة 1955 وكل قرار يخالف أحكام اللائحة المرافقة" ونصت المادة الأولى من اللائحة المرافقة على أن "يتولى مجلس الإدارة وله على الأخص ما يأتي:
إصدار القرارات المنظمة للشئون المالية والإدارية والفنية للهيئة وبوجه خاص نظام موظفيها وعمالها وترقيتهم ونقلهم وتأديبهم وإنهاء خدمتهم والأجور والمرتبات والمكافآت التي تمنح لهم أو لغيرهم ممن يندبون أو يعارون إليها على أن تصدر هذه النظم بقرار من رئيس الجمهورية". ونصت المادة 12 على ما يأتي" يتولى مدير عام الهيئة إدارتها وتصرف أمورها ويختص بما يأتي:
تعيين الموظفين في غير الوظائف الرئيسية وترقيتهم ونقلهم ومنحهم العلاوات وتأديبهم وإنهاء خدمتهم وفقاً للنظم التي يقررها مجلس الإدارة.
من حيث إن مفاد هذه النصوص أن مدير عام الهيئة يختص بمباشرة الاختصاصات المنصوص عليها في المادة 12 من اللائحة الداخلية ومن ضمنها تأديب الموظفين من غير شاغلي الوظائف الرئيسة.
ومن حيث إنه لا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن مباشرة اختصاص تأديب الموظفين منوطة بصدور لوائح التوظيف من الجهة المختصة بذلك، وأنه لما كانت تلك القواعد لم تصدر بعد فلا يجوز للمدير العام مباشرة ذلك الاختصاص - لا وجه لذلك - لأنه وفقاً لنص المادة 13 من قانون المؤسسات العامة رقم 32 سنة 1957 لا تسري على موظفي المؤسسات العامة أحكام قانون الوظائف العامة إلا فيما لم يرد به نص خاص في قرار إنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارية فإذا وجد النص كان واجب الإعمال بغض النظر عما ينص عليه قانون التوظف، أما إذا لم يوجد فيرجع إلى الإحكام التي تضمنها ذلك القانون. وإذ نصت اللائحة الداخلية المشار إليها في المادة 13 فقرة سادساً منها على اختصاص مدير عام الهيئة بتأديب الموظفين من غير شاغلي الوظائف الرئيسة فإن هذا النص يكون نافذاً وينعقد اختصاص التأديب بموجبه لمدير عام الهيئة حتى ولو لم يصدر مجلس الإدارة لوائح التوظف الخاصة بموظفي المؤسسة إذ يرجع في شأنها إلى أحكام قانون الوظائف العامة وفقاً لنص المادة 13 من قانون المؤسسات العامة.
ومن حيث إنه وإن كان الأصل أن تسري أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة بما يستتبع القول باختصاص المحاكم التأديبية بمحاكمة موظفي المؤسسات العامة الذين يحصلون على مرتبات تجاوز خمسة عشر جنيهاً شهرياً عملاً بأحكام المواد 1، 2، 3، 4 من القانون 19 سنة 1959 المشار إليه، إلا أن الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون أجازت لرئيس الجمهورية الاستثناء من هذا الحكم فنصت على ما يأتي: "مع عدم الإخلال بحق الإدارة التي يتبعها الموظف في الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق تسري أحكام المواد 3 إلى 11، 14، 17 من القانون رقم 117 سنة 1958 المشار إليه على (1) موظفي المؤسسات والهيئات العامة، ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية استثناء بعض المؤسسات والهيئات العامة المشار إليها من تطبيق هذا القانون". وليس من شك في أن رئيس الجمهورية كما يملك أن يستثني بعض المؤسسات والهيئات من تطبيق سائر أحكام القانون عليها، يملك أن يستثني بعض تلك الجهات لاعتبارات خاصة من تطبيق بعض أحكام القانون عليها دون البعض الآخر، لأن من يملك الأكثر يملك الأقل، وكما يمكن أن يكون القرار الصادر من رئيس الجمهورية باستعمال تلك السلطة صريحاً يجوز أن يكون ضمنياً لأن القانون لم يشترط في القرار أن يصدر في شكل معين وإنما يجب في هذه الحالة أن يحمل القرار الدليل القاطع على أن رئيس الجمهورية قصد إعمال السلطة التي خولها القانون في استثناء بعض المؤسسات من تطبيق أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية كما لو صدر القرار بعد نفاذ القانون 19 لسنة 1959 المشار إليه وعهد ببعض الاختصاصات المخولة للمحكمة التأديبية إلى جهة إدارية أخرى أو غير ذلك من النصوص التي تقطع بأن قصد رئيس الجمهورية قد انصرف إلى استثناء إحدى الجهات من تطبيق أحكام القانون 19 لسنة 1959 عليها كلياً أو جزئياً.
ومن حيث إنه بالنسبة لقرار رئيس الجمهورية رقم 2270 سنة 1960 باللائحة الداخلية للهيئة العامة لاستصلاح الأراضي فقد صدر في 18 من ديسمبر سنة 1960 أي بعد نفاذ القانون 19 لسنة 1959 المشار إليه ونصت المادة 13 فقرة 6 من اللائحة المرافقة له على أن يختص مدير عام الهيئة بتأديب الموظفين من غير شاغلي الوظائف الرئيسية وإنهاء خدمتهم، ولما كان النص يتضمن خروجاً على أحكام القانون 19 لسنة 1959 فيما يتعلق بالموظفين الذين يتقاضون مرتبات تزيد على خمسة عشر جنيهاً شهرياً ممن كانت المحاكم التأديبية تختص أصلاً بمحاكمتهم ثم عهد القرار بهذا الاختصاص لمدير عام الهيئة فمن ثم فإن رئيس الجمهورية يكون قد أفصح بما لا يدع مجالاً للشك في أنه قصد استعمال السلطة التي خولها له القانون 19 لسنة 1959 المشار إليه في استثناء موظفي الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي من بعض أحكام القانون وتكون الجهة المختصة بمحاكمة الموظفين من غير شاغلي الوظائف الرئيسية هي مدير عام الهيئة ولو تجاوزات مرتبات هؤلاء الخمسة عشر جنيهاً شهرياً.
ومن حيث إنه لما كان المدعي يشغل وظيفة ناظر زراعة في الدرجة من 15 جنيه إلى 25 جنيهاً. وهي من غير الوظائف الرئيسية المنصوص عليها على سبيل الحصر في المادة 11 من اللائحة المرافقة للقرار الجمهوري رقم 2270 سنة 1960 فمن ثم يختص مدير عام الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي بإصدار قرار فصله وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب يكون قد خالف القانون متعيناً الحكم بإلغائه.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى موضوع الدعوى فإن القرار التأديبي كأي قرار إداري آخر يجب أن يقوم على سبب يبرره فلاً تتدخل الإدارة لتوقيع الجزاء إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخلها وللقضاء الإداري أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوني.
ومن حيث إن قرار الفصل المطعون فيه بني على ثبوت التهم الآتية في حق المطعون عليه:
أولاً: أهمل في الإشراف على المزرعة التي يعمل رئيساً عليها ولم يحكم الرقابة على العاملين فيها ولم يضع النظم السليمة التي تكفل حسن سير العمل بها والمحافظة على أموال الدولة مما ترتب عليه فقد 20 بقرة.
ثانياً: بالرغم من أن التعليمات تقضي بوجوب إجراء جرد فعلي في كل شهر وإحصائية أسبوعية للتأكد من سلامة العهد فإنه لم يكن يجرد المزرعة جرداً فعلياً واعترف أنه كان يقوم بجرد الموجودات جرداً مستندياً معتمداً على ثقته بالملاحظين.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق والتحقيقات المودعة ملف الطاعن أنه عقب اكتشاف العجز بالمزرعة التي يعمل المدعي رئيساً لها أجري تحقيق إداري بمعرفة أحد محققي إدارة الشئون القانونية والتحقيقات وكشف عن أن العمل كان يجري في المزرعة على أن يسلم أمين العهدة حيوانات المزرعة إلى الخفراء ليلاً لحراستها في أماكن مبيتها ثم يتسلمها منهم صباح اليوم التالي ويذهب بها مع العمال إلى المراعي خارج نطاق المزرعة ثم يعيدها إلى الخفراء مساء، وكان التسليم والتسلم يتم كل مرة دون عدد وبغير طريقة سليمة، وبالرغم من أن المدعي كان يعلم بأن تلك الطريقة غير سليمة ويترتب عليها عدم إمكان اكتشاف العجز عند حدوثه أو تحديد المسئولية عنه إذا حصل فإنه لم يضع النظم السليمة التي تكفل المحافظة على أموال الدولة هذا بالرغم من أن عمل المدعي ينحصر في مراقبة المزرعة ووضع النظم السليمة التي تكفل حسن سير العمل بها، كما أنه لم يكن يقوم بإجراء جرد فعلي بصفة دورية لموجودات المزرعة وحيواناتها مما ترتب عليه اكتشاف عجز في الأبقار لا يعرف تاريخ حدوثه.
ومن حيث إن هذه المخالفات ثبتت في حق المطعون عليه من شهادة السيد/ مرعي عبد اللطيف مندوب مدير الإنتاج والمبيعات بمديرية التحرير، فقد شهد بأن تعليمات الإدارة توجب إجراء جرد فعلي لحيوانات المزرعة بصفة دورية ثم تقارن النتيجة بالأرصدة للتأكد من سلامة العهد وأن المطعون عليه مسئول بصفة شخصية عن محاضر الجرد لأنه ينفرد بالتوقيع عليها كما أنه وإن كانت المواشي في عهدة الملاحظ وهو أمين عليها إلا أنه كان يقوم بتسليمها للخفراء ليلاً ثم يتسلمها منهم صباحاً ويذهب بها إلى المرعى ثم يعيد تسليمها إليهم ليلاً وكان يجب على رئيس المزرعة باعتباره المسئول عن المزرعة فنياً وإدارياً أن يضع النظم الكفيلة بضبط عملية التسليم والتسلم حتى يمكن اكتشاف أي عجز في تاريخ حدوثه "ص 50 وما بعدها" كما ثبت إهمال المطعون عليه باعترافه في التحقيقات، فقد قرر أن النظام المتبع في التسليم والتسلم بين الملاحظ والخفراء لا يتم بالعدد وأنه لم يضع نظاماً لضبط هذه العملية وأن الجرد كان يتم شهرياً إلا أنه لا يمكنه الجزم بصحة العدد الوارد في المحاضر نظراً لأن الملاحظين أصحاب العهدة هم الذين كانوا يتولون العدد وأضاف أنه لا يمكنه أن يجزم بصحة الجرد الذي تم في يومي 30 من مارس سنة 1961 و24 من إبريل سنة 1961، وإذا كان قد وقع على هذه المحاضر فكان ذلك لثقته في الملاحظين المسئولين عن العهدة.
ومن حيث إنه لا وجه لما أثاره المدعي من أن واقعة تسرب الأبقار نتجت عن عدم إقامة أسوار حول المزرعة كما حصل في مرات سابقة ذلك لأنه مع فرص ثبوت هذه الواقعة فإنه ليس من شأنها أن تؤثر على ما ثبت في حقه من إهمال وخروج على مقتضى الواجب في أداء أعماله ويضاف إلى ذلك أن عمال المزرعة وخفرائها شهدوا في التحقيقات بتعذر تسرب الحيوانات ليلاً كما أنه ثبت أن وقائع التسرب التي أشار إليها المطعون عليه إنما حدثت نتيجة حوادث عارضة وتم تجميع الحيوانات التي تسربت ولم يفقد منها شيء.
ومن حيث إنه يتضح مما تقدم أن القرار المطعون فيه قد استمد كيانه من أصول صحيحة وعناصر لها وجود في الأوراق تؤدى مادياً وقانونياً إلى النتيجة التي انتهت إليها جهة الإدارة في شأن المطعون عليه والتي استخلصتها من الوقائع والدلائل الثابتة في حقه استخلاصاً سائغاً وقدرت الجزاء التأديبي الذي رأت تناسبه مع خطورة الفعل المسند إليه بما لا إخلال فيه بتحقيق الملائمة بين الذنب والجزاء فمن ثم يكون قرارها قد قام على سببه المبرر له قانوناً لذلك فإنه يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار فصل المطعون عليه من الخدمة والحكم برفض الدعوى وإلزام المطعون عليه بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.