مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 128

(13)
جلسة 12 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 907 لسنة 9 القضائية

( أ ) مؤسسة عامة. بنك مصر. الوضع القانوني لبنك مصر بعد نقل ملكيته إلى الدولة بموجب القانون رقم 39 لسنة 1960 - يعتبر مؤسسة عامة بصريح نص مادته الأولى. اتفاق ذلك وأحكام القانون رقم 32 لسنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة الذي لم يقصر تحديد المؤسسات العامة على معناها التقليدي - عدم تخويل البنك اختصاصات السلطة العامة - لا ينفي عنه صفحة المؤسسة العامة وإنما يدل على أن تحقيق أغراض هذه المؤسسة لا يستلزم تخويلها تلك السلطات - عدم تأثر وضع البنك المذكور كمؤسسة عامة خاضعة للقانون رقم 32 لسنة 1957 بصدور القانون رقم 265 لسنة 1960 بتنظيم المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي أو القانون رقم 60 لسنة 1963 بإصدار قانون المؤسسات العامة أو بالقانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت - أساس ذلك.
(ب) مؤسسة عامة. بنك مصر. تحويل بنك مصر إلى مؤسسة عامة خاضعة للقانون رقم 32 لسنة 1957 يترتب عليه اعتبار موظفيه موظفين عموميين - خضوعهم للأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الحكومة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في العقود المبرمة معهم أو اللوائح التنظيمية الصادرة من الجهات المختصة بالبنك قبل تحويله إلى مؤسسة عامة - عدم انطباق القرارات الجمهورية رقمي 1528، 1598 لسنة 1961 ورقم 3546 لسنة 1962 ورقم 800 لسنة 1963 وبالتالي أحكام قانون العمل على موظفي البنك.
(ج) موظف "تأديب. المحاكمة التأديبية". حكم. بنك مصر.
تحويل مؤسسة بنك مصر إلى شركة بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 872 لسنة 1965 - يترتب عليه انطباق لائحة العاملين بالشركات على العاملين به من تاريخ نفاذه - ليس له من أثر على الحكم الصادر قبل هذا التحويل - بحث مشروعية الحكم يتم على أساس القواعد التنظيمية التي كان معمولاً بها عند صدوره.
1 - أن بنك مصر كان شركة مساهمة يحكمها القانون رقم 26 لسنة 1954 بشأن بعض الأحكام الخاصة بالشركات المساهمة وظل كذلك حتى 11 من فبراير سنة 1960 فصدر القانون رقم 39 سنة 1960 في شأن انتقال ملكية بنك مصر إلى الدولة ونص في مادته الأولى على أن "يعتبر بنك مصر مؤسسة عامة وتنتقل ملكيته إلى الدولة" ونصت المادة السادسة على أن "يظل بنك مصر مسجلاً كبنك تجاري ويجوز له أن يباشر كافة الأعمال التي يقوم بها قبل صدور القانون". وأشارت ديباجة القانون إلى القانون 32 سنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة وهو ينص في مادته الأولى على أن "للمؤسسات العامة شخصية اعتبارية ويكون إنشاؤها بقرار من رئيس الجمهورية وفقاً للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون.
ويؤخذ من هذا النصوص أن المشرع قد أفصح بعبارات صريحة واضحة لا تحتمل أي تأويل، أنه قصد إلى تأميم بنك مصر ونقل ملكيته إلى الدولة، وأنه بما له من سلطة تقديرية مطلقة في تحديد طرق إدارة المشروعات المؤممة قد اختار له طريق المؤسسة العامة دون شكل الشركة المساهمة. ولا وجه لما أثاره الطاعن من أن بنك مصر لا يقوم على مرفق عام يبرر اعتباره مؤسسة عامة إذ أن المشرع لم يخوله التمتع بسلطات القانون العام مما يقطع بانصراف نيته عن إضفاء صفة المؤسسة العامة على البنك إذ أن قرار رئيس الجمهورية 249 سنة 1961 بإنشاء مؤسسة مصر قد كشف عن قصد المشرع في الشكل الذي أراد أن يضفيه على بنك مصر - ذلك لأنه بالنسبة إلى الاعتراض الأول فإنه يستخلص من نصوص القانون رقم 32 لسنة 1957 المشار إليه ومذكرته الإيضاحية أن المقصود بالمؤسسات العامة في حكم ذلك القانون هو الأشخاص الإدارية التي تنشأ لإدارة المرافق العامة بمعناها المحدد في القانون الإداري، وكذلك الأشخاص الإدارية الأخرى التي تنشأ لإدارة المشروعات العامة التي تنشؤها الدولة أو تملكها عن طريق التأميم، فلم يرد المشرع أن يقصر فكرة المؤسسات العامة على المعنى التقليدي وإنما أراد أن يترك الباب مفتوحاً ليدخل في نطاقها الأشخاص الإدارية التي تدير مشروعات لا يمكن اعتبارها مرافق عامة. وعلى ذلك يكون هذا الاعتراض على غير أساس، أما بالنسبة إلى الاعتراض الثاني فقد نصت المادة الثانية من القانون 32 لسنة 1957 المشار إليه على أن "يبين القرار الصادر بإنشاء المؤسسة ما يكون لها من اختصاصات السلطة العامة لتحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله" ومفاد هذا النص أن قرار الإنشاء هو الذي يحدد الاختصاصات اللازمة لتحقيق أغراض المؤسسة، فإذا خلا قرار الإنشاء من سلطات من هذا القبيل فليس معنى ذلك تخلف ركن من الأركان اللازم توافرها لإنشاء المؤسسات وإنما يحمل ذلك على أن تحقيق أغراض المؤسسة لا يستلزم تخويلها تلك السلطات، وأما بالنسبة للاعتراض الثالث فإنه يبين من الاطلاع على قرار رئيس الجمهورية رقم 249 لسنة 1961 أنه قضى في مادته الأولى بإنشاء مؤسسة عامة تسمى مؤسسة مصر ونصت المادة الثانية منه على ما يأتي: "يتكون رأس مال المؤسسة المذكورة من............. (ب) رأس مال بنك مصر وغيره من المؤسسات العامة التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية، ويظل لبنك مصر الشخصية المعنوية". فهذا القرار لم يمس الكيان القانوني لبنك مصر بعد أن أصبح مؤسسة عامة ولم يدمجه في المؤسسة الجديدة وإنما ملكها رأس ماله.
أن وضع بنك مصر كمؤسسة عامة ينطبق عليها أحكام القانون رقم 32 لسنة 1957 لم يتأثر بصدور القانون 265 سنة 1960 بتنظيم المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي أو القانون 60 سنة 1963 بإصدار قانون المؤسسات العامة ذلك لأنه مناط انطباق هذين القانونين على المؤسسات العامة القائمة وقت صدورها هو أن يصدر بذلك قرار من رئيس الجمهورية (المادة الأولى من القانون الأول والمادة 35 من القانون الثاني) وهو الأمر الذي لم يتحقق بالنسبة إلى مؤسسة مصر فلم يصدر قرار بتطبيق أي من هذين القانونين عليها. كما لم يتأثر الوضع القانوني للبنك بصدور القانون رقم 117 لسنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت والذي بموجبه أممت جميع البنوك وشركات التأمين، ذلك لأن هذا القانون لا يسري إلا بالنسبة إلى الشركات والمنشآت المنصوص عليه في الجدول المرافق للقانون وليس من بينها بنك مصر.
2 - أنه وقد حول بنك مصر إلى مؤسسة عامة وفقاً للقانون 32 لسنة 1957 المشار إليه فمن ثم فإن موظفيه يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لشخص من أشخاص القانون العام وتسري عليهم تبعاً لذلك الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الحكومة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في العقود المبرمة معهم أو اللوائح التنظيمية الصادرة من الجهات المختصة بالشركات قبل تحويلها إلى مؤسسة عامة عملاً بنص المادة 13 من القانون 32 لسنة 1957 المشار إليه وهي تنص على ما يلي "تسري على موظفي المؤسسات العامة أحكام قانون الوظائف العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارة". وقد أشارت المذكرة الإيضاحية للقانون لهذا المعنى صراحة بقولها "ونظراً لما يترتب على اعتبار المؤسسة شخصاً من أشخاص القانون العام من اعتبار موظفيها موظفين عموميين فقد عنى بالنص على أن تسري عليهم الأحكام العامة في شأن التوظف التي تسري على موظفي الحكومة.
ولا وجه للاعتداد بما أبداه أطراف الخصومة من انطباق القرارات الآتية على موظفي بنك مصر وهي قرارات رئيس الجمهورية أرقام 1598 سنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفي الشركات التابعة للمؤسسات العامة والقرار 1528 سنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفي وعمال المؤسسات العامة والقرار 3546 سنة 1962 بإصدار لائحة نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة والقرار 800 سنة 1963 الذي قضى بتطبيق القرار 3546 سنة 1962 على موظفي المؤسسات العامة - كل في نطاقه الزمني وكل هذه القرارات عدا القرار الثاني منها تحيل إلى قانون العمل فيما لم ينص عليه نظام المؤسسة أو الشركة - لا اعتداد بذلك - لأن القرارين 1598 لسنة 1961، 3546 لسنة 1962 خاصان بموظفي الشركات التابعة للمؤسسات العامة فهو لا يسري على موظفي المؤسسات العامة ومن بينها موظفو بنك مصر. كما أن القرار 1528 سنة 1961 خاص بموظفي المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي والتي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية، وبنك مصر لا يعتبر من هذه المؤسسات على الوجه السالف بيانه، وأما بالنسبة إلى القرار 800 سنة 1963 فإنه مقصور التطبيق على موظفي المؤسسات العامة بالمفهوم الذي عناه قانون المؤسسات العامة رقم 60 لسنة 1963 دون العاملين بمؤسسات عامة لا ينطبق عليها أحكام القانون 60 سنة 1963 المشار إليه وعلى هذا الوجه فلا ينطبق على موظفي مؤسسة بنك مصر.
3 - أنه بتاريخ 21 مارس سنة 1965 وبعد أن صدر الحكم المطعون فيه صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 872 سنة 1965 بتحويل مؤسسة بنك مصر إلى شركة مساهمة عربية يتولى البنك المركزي وضع نظامها، إلا أن هذا القرار وما ترتب عليه من انطباق لائحة العاملين بالشركات على العاملين بالبنك اعتباراً من تاريخ نفاذه ليس له من أثر على الحكم المطعون فيه الذي تبحث مشروعيته على أساس القواعد التنظيمية التي كان معمولاً به عند صدوره دون غيرها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بتاريخ 11 من يوليه سنة 1962 أودعت النيابة الإدارية سكرتيرية المحكمة المختصة بمحاكمة موظفي وزارات الحكومة مصالحها من الدرجة الأولى فما فوقها ومن في حكمهم من موظفي المؤسسات والهيئات العامة أوراق الدعوى التأديبية التي قيدت بسجل المحكمة تحت رقم 10 لسنة 4 القضائية وتقرير اتهام فيها ضد السيد/ مختار عبد الغفار خليفة وكيل بنك مصر فرع المنصورة متضمناً اتهامه بأنه في خلال المدة من يوليه سنة 1958 إلى مايو سنة 1961 بتوكيل بنك مصر فرع المنصورة بدائرة محافظة الدقهلية لم يؤد عمله بالدقة والأمانة وخرج على مقتضى الواجب الوظيفي وعرض إيراد البنك للخسارة وأخل بنظام الائتمان الخاص بالبنك وقام بإجراءات المشتروات الخاصة بالفرع بالمخالفة للتعليمات وحمل أموال البنك بمصروفات دون حق وقد تم ذلك على الوجه الآتي:
أولاً - عن إخلاله بنظام الائتمان الخاص بالبنك:
(1) قام خلال موسمي 1959/ 1960، 1960/ 1961 بتسليف عملاء البنك الموضحة أسماؤهم في التحقيقات مبالغ أكثر من قيمة البضائع المودعة والضامنة لمسحوباتهم.
(2) صرح لعملاء الفرع، أخوان أبو الحسن بشحن كميات من الأرز الأبيض قيمتها 23 ألف جنيه إلى الإسكندرية وتخزينها بمعرفتهم مما أخرجها من حيازة البنك مع أنها كانت مرهونة لديه بمعرفة هؤلاء العملاء الأمر الذي من شأنه الانتقاص من ضمانات هذا الرهن ويخل بحقوق البنك ويلحق الضرب بماليته لولا أن تنبه فرع مينا البصل بالإسكندرية الذي أخطر الإدارة العامة فاتخذت الإجراءات لتثبيت حيازة البنك على هذا الأرز.
(3) خالف الشروط التي وضعتها إدارة البنك لإعادة التعامل مع عميل الفرع السابق محمود متولي رمضان فأخل بضمانات البنك قبل هذا العميل ومن أمثلة ذلك:
( أ ) في أنه كان يسلف هذا العميل بأكثر من قيمة بضائعه المودعة بالبنك مخالفاً بذلك الشروط التي تقضي بأن يحتفظ البنك في هذه الحالة بالاحتياط الكامل وقدره 25% فلاً تجاوز السلعة 75% من قيمة البضائع.
(ب) صرف إلى العميل المذكور مبالغ مقابل أقطان تحت الوزن.
(ج) لم يستوف شروط حيازة البنك على البضائع المخزونة بالشونة الملحقة بمحلج العميل والمملوكة لهذا الأخير، فلم يحرر عقد إيجار لمكان التشوين وفقاً للمتبع.
(د) لم يتثبت من ملكية العميل للمحلج باستخراج كشوف مكلفة أو شهادات مصرف.
(هـ) لم يظهر مركز هذا العميل على حقيقته خلال المدة من 25/ 1 حتى 23/ 4/ 1961 فلم يقيد فواتير حلج الأقطان أولاً بأول طبقاً للتعليمات بل فعل ذلك دفعة واحدة في نهاية الموسم ليخفي حقيقة مركز العميل عن إدارة البنك.
(4) صرف إلى السيدة/ إحسان النمر عدة مبالغ بلغ مجموعها في شهر إبريل سنة 1961 مائة جنيه دون عقد سلفة وبغير ضمان ودون حساب فوائد مخالفاً بذلك تعليمات البنك.
(5) صرف إلى العميل حسن صالح الحديدي مبالغ تزيد على 700 جنيه خلال النصف الأول من عام 1961 دون تأمين أو عقد سلفة أو حساب فواتير مخالفاً بذلك تعليمات البنك.
ثانياً - عن خروجه على تعليمات البنك الخاصة بنظام المشتريات:
خالف تعليمات البنك المنظمة لأعمال المشتريات فتعمد القيام بمشتريات لفرع المنصورة محلياً بلغت قيمتها 2700 جنيه دون الرجوع إلى المركز الرئيسي للبنك ودون أن يتبع الإجراءات السليمة في هذه المشتريات وبغير تصريح منه قاصداً من وراء ذلك تحقيق نفع لنفسه الأمر الذي كان من شأنه إلحاق الضرر بمالية البنك، وقد تم ذلك على الوجه الموضح بأوراق التحقيق.
ثالثاً - حمل ميزانية البنك دون حق أثمان مشتريات خاصة به كماكينة تجديف للرياضة وبطاطين وأدوات منزلية ومفروشات وتكاليف ترميمات وعمل أرفف بمسكنه كما حملها مبالغ دون حق ثمناً لمشتريات لم يثبت أنها وردت للبنك وقد تم ذلك على الوجه المبين بالأوراق.
رابعاً - حمل ميزانية البنك دون حق قيمة ما كان يجب عليه أن يدفعه مقابل الاستهلاك الكهربائي في منزله طوال مدة عمله بالفرع منذ يوليو سنة 1958 حتى شهر إبريل سنة 1961 مخالفاً بذلك المنشور الدوري رقم 435 في 18/ 7/ 1936 الذي يقضي بأن يتحمل وكلاء الفروع استهلاكاتهم من التيار الكهربائي بواقع 20% من جملتها يدفع شهرياً في الجهات التي ليس بها استراحة، 15% في الجهات التي بها استراحة.
خامساً - أمر بصرف بدل غذاء لموظفي الفرع متجاوزاً بذلك ما تقضي به أحكام اللائحة العامة لموظفي البنك.
وبناء على ذلك يكون الموظف المذكور قد ارتكب المخالفات الإدارية والمالية المنصوص عليها في المواد 12، 20، 21، 23، 24 من اللائحة الخاصة بموظفي وعمال بنك مصر والمادتين 9، 1/ 6 من لائحة الجزاءات الخاصة بموظفي البنك والمادة 82 مكرراً فقرة 5 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة لذلك طلبت النيابة الإدارية محاكمته بالمواد المذكورة تطبيقاً للقانون رقم 39 لسنة 1960 باعتبار بنك مصر مؤسسة عامة والمادة 4 من القانون 19 لسنة 1959 والمواد 14، 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958.
وبجلسة 20 من أكتوبر سنة 1962 قررت المحكمة وقف السير في الدعوى حتى تنتهي النيابة العامة من التحقيقات التي تباشرها بشأن موضوع الاتهام. وبعد أن قررت النيابة العامة إحالة الأوراق إلى الجهة التي تتولى محاكمته تأديبياً لاستئناف السير في محاكمته على ما وقع منه من مخالفات، استأنفت المحكمة التأديبية نظر الدعوى.
وبجلسة 25 من مايو سنة 1963 حكمت المحكمة بمجازاة المتهم بعقوبة العزل من الوظيفة مع حرمانه من عشر مكافأة انتهاء الخدمة وأقامت المحكمة قضاءها على أن ما دفع به المتهم من بطلان التحقيقات استناداً إلى المادة 66 من القانون 91 سنة 1959 بإصدار قانون العمل في غير محله لأن المتهم يحاكم وفقاً لأحكام القانونين 39 سنة 1960، 117 سنة 1958، وأما بالنسبة للموضوع فقالت المحكمة أن التهم المسندة إلى المتهم قد ثبتت في حقه على الوجه الآتي:
فبالنسبة إلى التهمة الأولى الخاصة بالإخلال بنظام الائتمان الخاص بالبنك فقد ثبتت التهمة في حقه بجميع أشطارها ذلك لأنه يتضح من الكشوف المدونة بها بيانات المناقضات عن مراكز العملاء أن الإدارة كانت تناقض المتهم في تصرفاته بالنسبة إلى عملاء الفرع وقد ذكر السيد/ طه برعي مهنا مدير إدارتي التفتيش والفروع أن الإدارة لفتت نظر المتهم عدة مرات إلى خروجه على تعليمات البنك ووصل الأمر إلى حد تهديده واستدعائه للإدارة، وكان دائماً يطلب الصفح والتجاوز، وأنه لهذا السبب هدده السيد/ محمود العتال عضو مجلس الإدارة المنتدب وأنذره بالوقف والفصل. وقد شهد السيد العضو المنتدب أنه تبين للبنك أن هناك تجاوزاً كبيراً في حساب بعض العملاء فاستدعى المتهم وأنذره ثم تفاهم معه على كيفية تسوية العجز. ولم ينازع المتهم في أنه لم يلتزم تعليمات البنك فيما يتعلق بالتجاوز عن الحدود القصوى المصرح بها بالنسبة للعملاء وإن كان قد أرجع ذلك إلى أسباب غير مقبولة وليس من شأنها إعفاؤه من المسئولية، أما عن قول المتهم أن الإدارة كانت تعلم بكل تجاوز وأنها كانت تقره بعض الحالات أو تزيد عليه حسبما يبين من الأمثلة التي أوردها في دفاعه فإن هذا لا يصلح سبباً في خروجه على الأنظمة كما أن موافقة الإدارة على بعض التجاوز كان مرجعه في غالب الأحيان أن المتهم وضعها أمام الأمر الواقع بالمخالفة لأحكام الأنظمة المعمول بها، وأن السياسة التي انتهجها المتهم كانت من الخطورة إلى الحد الذي يخشى منها على ضياع أموال البنك - وأما بالنسبة للتصريح الصادر لأخوان أبو الحسن فقد ثبت للمحكمة أن خروج الأرز من حيازة البنك كان مرجعه عدم اتخاذ المتهم الإجراءات اللازمة لضمان استمرار حيازة البنك لذلك الأرز بنقله إلى شونه، ولا يعفيه من هذه المسئولية محاولة إلقائها على عاتق موظفين آخرين لأنه مسئول معهم عن تنفيذ التعليمات. وأما بالنسبة للمخالفة الخاصة بمركز العميل محمود متولي رمضان فرأت المحكمة أنه كان على المتهم أن يلتزم الشروط التي وضعتها الإدارة.. عندما وافقت على إعادة التعامل مع العميل، ولا يتجاوزها إلا بعد الحصول مقدماً على موافقتها، ولا يبرر هذه المخالفة علم البنك بالتجاوز بعد وقوعه كما أن ما يقوله المتهم في تبرير صرف مبالغ لهذا العميل مقابل أقطان تحت الوزن، من أن الإدارة وافقت على الصرف لبعض العملاء مقابل أقطان تحت الوزن لا يبرر تصرف المتهم من تلقاء نفسه لأن الإدارة هي المختصة في الحالتين بالموافقة على الصرف أو عدم الموافقة على ذلك، ويضاف إلى ذلك أن المتهم مسئول عن عدم قيد فواتير حلج الأقطان أولاً بأول لمخالفة ذلك للتعليمات ولأن هذا التصرف يساعد على عدم أظهار مركز العميل بقدر قيمة الفواتير وكذلك فهو مسئول عن عدم تحرير عقد بإيجار شونة العميل وعدم استخراج صور مكلفات للمحلج. وأما بالنسبة إلى موضوع السلفة الخاصة بالسيدة أحسان عارف النمر فإنه وإن كان المتهم هو المختص بالموافقة على منح الفرق فقد كان يجب عليه أن يضمن تقديمه الشروط التي تستوجبها التعليمات من تحرير عقد أو كمبيالة، ولا يمكن إلقاء أي مسئولية في هذا الصدد على الموظفين المختصين لأن التصريح بالصرف صدر دون أي قيد أو شرط. وأما بالنسبة للسلفة الخاصة بالعميل حسن صالح الحديدي ومقدارها 700 جنيه فإنها من ناحية تجاوز حدود اختصاص المتهم. وفقاً للأمر الصادر في 30 من نوفمبر سنة 1957 حسبما ذكر في التحقيق عند أجابته على سلفة السيد أحسان النمر، إذ يعطي لوكيل الفرع حق التصريح بالسلفة الجديدة في حدود 250 جنيهاً وحق تجديد السلفة في حدود 500 جنيه ومن جهة أخرى أصدر المتهم التصريح بصرفها دون أي قيد أو شرط، ولا يحول دون قيام هذه المسئولية ما قاله من أنه يملك إصدار كتابات الضمان في حدود 1000 جنيه مقابل حساب جار قدره 25% باعتبار أن المخاطرة في الأمرين واحدة طالما أن للاختصاص بالموافقة على السلف نصاباً يقل عن ذلك. وأما بالنسبة للتهمة الثانية والمتعلقة بخروج المتهم على تعليمات البنك الخاصة بنظام المشتريات. فقد رأت المحكمة أن المتهم أقحم نفسه في عدة مشتريات وأن كلاً من العضو المنتدب ومدير التوريدات قد شهدا بأن التعليمات لا تجيز الشراء محلياً بغير تصريح سابق من إدارة البنك وأن مدير التوريدات أضاف أن الصرف جرى على أنه يجوز للفروع الشراء في الحالات الطارئة في حدود بسيطة وهو ما لا ينطبق على معظم المشتريات. وأما بالنسبة للمخالفات الثالثة والخاصة بتحميل ميزانية البنك ثمن مشتريات خاصة بالمتهم فقالت المحكمة أن التحقيقات أسفرت عن أن المتهم استغل وظيفته أسوأ استغلال وبشكل غير لائق بموظف في مثل مركزه ولا ينفي هذه المسئولية قيامه برد المبالغ التي قدر البنك أنه تحملها نتيجة لتصرف المتهم.
وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للمخالفة الرابعة والخاصة بتحميل الميزانية دون حق مقابل استهلاك مسكنه عن التيار الكهربائي على أن منشورات الإدارة تنشأ في حق المتهم هذا الالتزام وقد برر عدم دفعه بمبررات غير مقبولة ومن ثم تكون مخالفة عدم الدفع ثابتة في حقه.
وأما بالنسبة للتهمة الأخيرة وهي قيام المتهم بصرف بدل غذاء للموظفين بالمخالفة لتعليمات البنك فرأت المحكمة أنها ثابتة في حقه لأنه كان يتعين عليه تنفيذ أحكام اللائحة الخاصة بالبنك ولا يخالفها إلا بعد الرجوع مقدماً إلى الإدارة المختصة.
وانتهت المحكمة إلى أن المخالفات التي ثبتت في حق المتهم من الخطورة بحيث تجعله غير أهل لتحمل مسئوليات وظيفته وغير صالح للاستمرار فيها مما يستوجب الحكم بعزله مع حرمانه من عشر مكافأته.
ومن حيث إن مبنى الطعن - على ما جاء في عريضة الطعن والمذكرات الشارحة - أن الحكم المطعون فيه قد شابته المخالفات الآتية:
أولاً - الخطأ في تطبيق القانون وتأويله فقد اعتبرت المحكمة بنك مصر مؤسسة عامة والطاعن موظفاً عاماً تنطبق في شأنه قواعد التوظف على أن هذا التكييف غير صحيح، ذلك لأنه وإن كان القانون رقم 39 سنة 1960 في شأن انتقال ملكية بنك مصر إلى الدولة قد وصف البنك بأنه مؤسسة عامة تابعة للمؤسسة الاقتصادية إلا أن هذا الوصف يجاوز قصد المشرع ولا يتطابق والواقع القانوني الذي أفصح عنه القرار الجمهوري رقم 249 لسنة 1961 الذي أنشأ مؤسسة مصر وجعل بنك مصر أحد فروعها، فالمعيار المميز للمؤسسات العامة أنها تقوم على إدارة مرفق عام الأمر الغير متوافر بالنسبة إلى بنك مصر، فهو لا يقوم إلا بالأعمال المصرفية شأنه في ذلك شأن سائر البنوك الأخرى التي خضعت لأحكام القانون رقم 117 سنة 1961 وانتقلت ملكيتها إلى الدولة، ولا خلاف في أنها ظلت جميعها شركات خاضعة لأحكام القانون الخاص ولم ينازع أحد في أنها تعتبر مؤسسات عامة. ولا أدل على قصد المشرع أنه لم يقصد اعتبار بنك مصر مؤسسة عامة كما أنه لم يخوله التمتع بسلطات القانون العام كنزع الملكية وحق التنفيذ المباشر، وهي أهم ما يميز أشخاص القانون العام عن أشخاص القانون الخاص وقد رأى المشرع في النهاية أن يصحح الوضع فأصدر القرار الجمهوري رقم 872 سنة 1965 باعتبار بنك مصر شركة مساهمة عامة وهذا القرار ليس إنشاء لوضع جديد وإنما هو كشف عن حقيقة قانونية خشي المشرع أن تضيع في غمار تسمية خاطئة. ويترتب على تكييف بنك مصر أنه شركة من شركات القطاع العام وليس مؤسسة عامة النتائج الآتية:
( أ ) أن الحكم المطعون فيه صدر من محكمة مختصة بإصداره. ذلك لأن الأصل في تحديد الجهة التي تملك التأديب أن يتوقف ذلك على الجهة التي يتبعها الموظف فإذا كان عاملاً في مؤسسة أو هيئة عامة اختصت بمحاكمته المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة الموظفين العموميين، أما إذا كان عاملاً في شركة فإنه تختص بمحاكمته المحكمة التي نص عليها القانون رقم 19 لسنة 1959، وإذا كان بنك مصر شركة من شركات القطاع العام وفقاً للتكييف الصحيح فإن المحكمة المختصة بمحاكمة المدعي تكون هي المحكمة المختصة بتأديب موظفي الشركات. ولما كان الحكم قد صدر من محكمة أخرى هي المحكمة المختصة بمحاكمة الموظفين فأنه يكون باطلاً لصدوره من محكمة لا ولاية لها.
وقال الطاعن أنه مع التسليم جدلاً بأن بنك مصر هو مؤسسة عامة وليس شركة فليس مناط تحديد الاختصاص التأديبي بالنسبة لغير موظفي الحكومة هو الوصف الذي يعطي للجهة التي يعمل بها الموظف وإنما بطبيعة مركز العامل المقدم إلى المحاكمة وهل هو مركز تنظيمي فيعتبر موظفاً بمؤسسة أو هيئة عامة ويجري في شأنه ما يجري في شأنه الموظفين من ضوابط تأديبية أو هو مركز تعاقدي فيخرج من عداد موظفي المؤسسات والهيئات. ولا شبهة في أن موظفي بنك مصر لا يعتبرون موظفين عامين ولا تعتبر مراكزهم تنظيمية وإنما هم يخضعون للوائح الخاصة بهم ولقانون العمل، ولا يترتب على التأميم إلا انتقال عقود استخدامهم إلى المؤسسة الجديدة دون أن يمس ذلك بمراكزهم التعاقدية. وقد أخذ المشرع بها الرأي فأصدر القرار الجمهوري رقم 800 لسنة 1963 بسريان لائحة العاملين بالشركات رقم 3546 سنة 1962 على موظفي المؤسسات العامة وتنص المادة الأولى من هذا القرار الأخير على أن قانون العمل يسري على موظفي المؤسسات العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في اللائحة يكون أكثر سخاء بالنسبة إليهم. وعلى أساس هذه الفكرة أيضاً جرى قضاء المحاكم التأديبية على الاختصاص بالنظر في محاكمة موظفي البنوك المؤممة (بنك الجمهورية وبنك الاتحاد التجاري).
(ب) المحكمة طبقت قانوناً غير القانون الواجب التطبيق: ذلك لأنه يتوقف على تحديد طبيعة المؤسسة التي يعمل بها الطاعن تحديد القانون الواجب التطبيق من الناحية الموضوعية وهل هو قانون نظام موظفي الدولة فيما لم يرد بشأنه نص خاص بلائحة المؤسسة، أو هو قانون العمل، وإذ كان بنك مصر في حقيقته شركة من شركات القطاع العام فمن ثم يكون القانون الواجب التطبيق هو قانون العمل في كل ما يتعلق بعناصر التأديب أي سواء ما تعلق منها بطبيعة الدعوى أما ما يجري في شأنها من تحقيق أو سقوط. ونتيجة لذلك كان يجب على المحكمة أن تقضي ببطلان تحقيق النيابة الإدارية وسقوط المخالفات المنسوبة إلى الطاعن عملاً بنص المادة 66 فقرة 2، 3 من قانون العمل رقم 91 سنة 1959 التي تقضي بعدم جواز اتهام العامل في مخالفة مضى على كشفها أكثر من 15 يوماً أو توقيع عقوبة تأديبية بعد ثبوت المخالفة بأكثر من ثلاثين يوماً، إذ الثابت أن الاتهام وجه إلى الطاعن بعد كشف المخالفات بأكثر من خمسة عشر يوماً ووقعت العقوبة بعد أكثر من ثلاثين يوماً، وإذا فرض جدلاً أن التحقيقات التي أجرتها النيابة الإدارية صحيحة فإنها قد انتهت من التحقيق في يناير سنة 1962 ولم تقم بإيداع الدعوى التأديبية سكرتيرية المحكمة إلا في شهر يوليه سنة 1962 أي بعد أكثر من ثلاثين يوماً منذ ثبوت المخالفة الأمر الذي يترتب عليه سقوط الدعوى التأديبية.
(جـ) إذا كان بنك مصر مؤسسة عامة عند نظر الدعوى التأديبية وغدا أثناء نظر الطعن شركة تجارية وتغيرت الطبيعة القانونية للعاملين فيه (وهو ما لا يسلم به الطاعن) نتيجة لصدور قرار رئيس الجمهورية رقم 872 سنة 1965 فإن الأثر الفوري لهذا القرار يقتضي إعادة النظر في الحكم المطعون فيه باعتبار أن الأمر يتعلق بنظام العقاب على النحو الذي فصلته المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر في الطعن رقم 702 سنة 10 قضائية.
ثانياً: عدم استخلاص الحكم المطعون فيه النتائج التي انتهى إليها استخلاصاً سائغاً فقد انتهى الحكم المطعون فيه إلى إدانة الطاعن في جميع التهم المنسوبة إليه وهي تندرج تحت طائفتين:
(1) المخالفات الفنية.
(2) المخالفات الإدارية.
وأما بالنسبة إلى المخالفات الفنية وهي التي تقوم على إخلال مزعوم من جانب الطاعن بنظام الائتمان فقد تصور الحكم أنها تخضع لقواعد جامدة أو تعليمات صارمة دون اعتبار لظروف المرنة التي يترك تقديرها للموظفين الذين يشغلون وظائف رئيسية وفات الحكم أن الطاعن بحكم منصبه يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في تصريف شئون البنك ولاسيما فيما يتعلق بالمسائل الفنية، وإذا جاز أن يحاسب على خطأ في التقدير فلاً يجوز أن يحاسب تأديبياً عن أمر تتفاوت فيه التفسيرات ووجهات النظر، والطاعن لم يخرج عن نطاق التقدير ويجاوزه إلى حد الانحراف الذي يمكن أن يحاسب عليه تأديبياً. وقد شهد الأستاذ علي البسيوني المدير المساعد المختص بفروع البنك بالوجه البحري "أن حالة العمل وظروفه قد تضطر وكيل الفرع إلى التجاوز عن الحد المصرح به وإلى التجاوز في الصرف تحت مسئوليته الشخصية ولم تجر العادة على عمل تحقيق مع الوكيل عند كشف حساب العميل ويجوز عند الصرف أن يكون الوكيل يأمل في تحسين المركز نتيجة ضرب الأرز أو حلج القطن ويستفيد الفرع من كثرة الوارد، وأن إدارة البنك كانت على علم بحالة الصرف وهذا هو السبب في إرسال المناقضات". وشهد بذلك أيضاً السيد محمود العتال العضو المنتدب. وإذ كان للوكيل أن يتصرف تحت مسئوليته فإن الصرف يعتبر أمراً فنياً يخضع لتقديره ولا يعد من الأخطاء التأديبية وإنما هو خطأ فني مما تتسع له مخاطر المهنة ولا يجوز أن يكون محلاً لمحاكمة تأديبية.
وأما بالنسبة إلى المخالفات الإدارية فقد أورد الطاعن بصحيفة طعنه ومذكراته الشارحة رده على جميع التهم التي نسبت إليه بما يتفق وما سبق أن أبداه في مذكراته التي قدمها إلى المحكمة التأديبية العليا. وانتهى الطاعن إلى أن المحكمة التأديبية إذ قضت بإدانته وهي غير مختصة بمحاكمته تكون قد أخطأت في تأويل القانون وتطبيقه كما أخطأت في استخلاص النتيجة التي انتهت إليها من ملف التحقيقات مما يجعل حكمها باطلاً.
ومن حيث إن مفوض الدولة قدم تقديراً انتهى فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء في موضوع الدعوى بالجزاء المناسب عما ثبت في حق الطاعن من مخالفات، وأقام رأيه على أساس أن بنك مصر يعتبر مؤسسة عامة وأن موظفيه هم موظفون عموميون فتسري عليهم أحكام قانون التوظف فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارة، فضلاً عن أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 1538 سنة 1961 ثم قرار رئيس الجمهورية رقم 800 سنة 1963 الذي قضى سريان لائحة العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 3546 سنة 1962 على العاملين بالمؤسسات العامة كل في نطاقه الزمني. ويسري في شأن تأديب هؤلاء الموظفين أحكام القانونيين رقمي 117 لسنة 1958، 91 لسنة 1959، وأنه إذا عرضت الدعوى التأديبية على المحكمة المختصة وفقاً لهذين القانونين فهي لا تتقيد بالأحكام الموضوعية المنصوص عليها في القانون رقم 91 سنة 1959 أو المواعيد المحددة لسقوط حق رب العمل في توقيع الجزاء الوارد به وإنما هي تطبق أحكام قانون النيابة الإدارية، وعلى ذلك يكون الدفع ببطلان التحقيق وسقوط الدعوى التأديبية على غير أساس من القانون.
وأما بالنسبة إلى الموضوع فيرى المفوض أن جميع التهم ثابتة في حق الطاعن وأن المحكمة التأديبية استخلصت أدلة الإدانة من واقع التحقيقات فيما عدا التهمتين الثانية والرابعة، فالتهمة الثانية خاصة بخروج الطاعن على التعليمات الموضوعة لنظام مشتريات البنك. وقد أسند إلى الطاعن أنه قام بشراء مهمات تقدر بمبلغ 2700 جنيه دون الرجوع في ذلك إلى المركز الرئيسي ودون اتباع الإجراءات السليمة في الشراء كالشراء بالمناقصة أو بالممارسة بمعرفة لجنة قاصداً من ذلك تحقيق منفعة لنفسه وإذ كانت الأوراق قد خلت من تعليمات كما لم يثبت أن الطاعن أراد أن يحقق منفعة ذاتية، ولا يكفي في هذا الصدد مجرد الشبهات التي حامت حوله فإن المحكمة التأديبية تكون قد أخطأت في تحصيل الواقعة وأما بالنسبة للتهمة الرابعة والخاصة بتحمل التيار الكهربائي فالملاحظ أن الطاعن لم يتبع أساليب احتيالية للتحلل من دفع قيمة الاستهلاك وأنه كان واقعاً في خطأ يتحصل في أن وكيل الفرع معفى من دفع القيمة وقد بادر إلى سداد المبلغ بمجرد مطالبته ومن ثم فلاً يكون هناك وجه للمخالفة. ولما كان الجزاء الذي وقعته المحكمة والحالة هذه يكون غير قائم على كامل سببه فمن ثم يتعين إلغاء الحكم وتوقيع للجزاء المناسب لأن الدعوى مهيأة للفصل في موضوعها.
ومن حيث إن إدارة قضايا الحكومة قدمت مذكرات رددت فيها ما جاء في تقرير مفوض الدولة إلا فيما يتعلق بما ارتآه بالنسبة إلى التهمتين الثانية والرابعة فقد رأت.. إدارة قضايا الحكومة أن ما ورد بالتقرير بشأنهما لا يتفق مع الواقع أو القانون ذلك لأنه من الأمور المسلمة أن للمحكمة التأديبية الحرية المطلقة في أن تستمد الدليل الذي تقتنع به فلها أن تأخذ بأقوال الشهود وإذا اطمأنت إليها أو بما تطمئن إليه منها كما لها إلا تأخذ بها إطلاقاً دون معقب عليها في ذلك وإذا بنت المحكمة التأديبية رأيها على أساس من الوقائع التي استخلصتها من التحقيقات فإن حكمها يكون سليماً ولا معقب عليه. وانتهت إدارة قضايا الحكومة إلى أن المخالفات التي أسندت إلى الطاعن ثابتة في حقه ومنها ما يكفي وحده لتوقيع الجزاء الذي وقعته المحكمة التأديبية وأنه لا يؤثر على سلامة هذا الحكم تحويل بنك مصر إلى شركة بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 872 سنة 1965 - وطلبت قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن فإن مقطع النزاع فيه ينحصر في معرفة الوضع القانوني لبنك مصر وهل يعتبر شركة من شركات القطاع العام كما يذهب إلى ذلك الطاعن أو أنه مؤسسة عامة وكذلك في تحديد النظام القانوني للعاملين في البنك.
ومن حيث إن بنك مصر كان شركة يحكمها القانون رقم 26 سنة 1954 بشأن بعض الأحكام الخاصة بالشركات المساهمة وظل كذلك حتى 11 من فبراير سنة 1960 تاريخ صدور القانون رقم 39 سنة 1960 في شأن انتقال ملكية بنك مصر إلى الدولة ونص في مادته الأولى على أن "يعتبر بنك مصر مؤسسة عامة وتنتقل ملكيته إلى الدولة" ونصت المادة السادسة على أن "يظل بنك مصر مسجلاً كبنك تجاري ويجوز له أن يباشر كافة الأعمال التي كان يقوم بها قبل صدور القانون". وأشارت ديباجة القانون إلى القانون 32 سنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة وهو ينص في مادته الأولى على أن "للمؤسسات العامة شخصية اعتبارية ويكون إنشاؤها بقرار من رئيس الجمهورية وفقاً للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون".
ومن حيث إنه يؤخذ من هذه النصوص أن المشرع قد أفصح بعبارات صريحة واضحة لا تحتمل أي تأويل، أنه قصد إلى تأميم بنك مصر ونقل ملكيته إلى الدولة، وأنه بما له من سلطة تقديرية مطلقة في تحديد طرق إدارة المشروعات المؤممة قد اختار له طريق المؤسسة العامة دون شكل الشركة المساهمة. ولا وجه لما أثاره الطاعن من أن بنك مصر لا يقوم على مرفق عام يبرر اعتباره مؤسسة عامة إذ أن المشرع لم يخوله التمتع بسلطات القانون العام مما يقطع بانصراف نيته عن إضفاء صفة المؤسسة العامة على البنك إذ أن قرار رئيس الجمهورية رقم 249 سنة 1961 بإنشاء مؤسسة مصر قد كشف عن قصد المشرع في الشكل الذي أراد أن يضفيه على بنك مصر - ذلك لأنه بالنسبة إلى الاعتراض الأول فإنه يستخلص من نصوص القانون رقم 32 لسنة 1957 المشار إليه ومذكرته الإيضاحية أن المقصود بالمؤسسات العامة في حكم ذلك القانون، هو الأشخاص الإدارية التي تنشأ لإدارة المرافق العامة بمعناها المحدد في القانون الإداري، وكذلك الأشخاص الإدارية الأخرى التي تنشأ لإدارة المشروعات العامة التي تنشئها الدولة أو تملكها عن طريق التأميم، فلم يرد المشرع أن يقصر فكرة المؤسسات العامة على المعنى التقليدي وإنما أراد أن يترك الباب مفتوحاً ليدخل في نطاقها الأشخاص الإدارية التي يدير مشروعات لا يمكن اعتبارها مرافق عامة. وعلى ذلك يكون هذا الاعتراض على غير أساس، أما بالنسبة إلى الاعتراض الثاني فقد نصت المادة الثانية من القانون 32 لسنة 1957 المشار إليه على أن "يبين القرار الصادر بإنشاء المؤسسة ما يكون لها من اختصاصات السلطة العامة لتحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله" ومفاد هذا النص أن قرار الإنشاء هو الذي يحدد الاختصاصات اللازمة لتحقيق أغراض المؤسسة، فإذا خلا قرار الإنشاء من سلطات من هذا القبيل فليس معنى ذلك تخلف ركن من الأركان اللازم توافرها لإنشاء المؤسسة وإنما يحمل ذلك على أن تحقيق أغراض المؤسسة لا يستلزم تخويلها تلك السلطات، وأما بالنسبة للاعتراض الثالث فإنه يبين من الاطلاع على قرار رئيس الجمهورية رقم 249 سنة 1961 أنه قضى في مادته الأولى بإنشاء مؤسسة عامة تسمى مؤسسة مصر ونصت المادة الثانية على ما يأتي "يتكون رأس مال المؤسسة المذكورة من......... (ب) رأس مال بنك مصر وغيره من المؤسسات العامة التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية، ويظل لبنك مصر شخصيته المعنوية". فهذا القرار لم يمس الكيان القانوني لبنك مصر بعد أن أصبح مؤسسة عامة ولم يدمجه في المؤسسة الجديدة وإنما ملكها رأس ماله.
ومن حيث إن وضع بنك مصر كمؤسسة عامة ينطبق عليها أحكام القانون رقم 32 سنة 1957 لم يتأثر بصدور القانون 265 سنة 1960 بتنظيم المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي أو القانون 60 سنة 1963 بإصدار قانون المؤسسات العامة ذلك لأن مناط انطباق هذين القانونين على المؤسسات العامة القائمة وقت صدورهما هو أن يصدر بذلك قرار من رئيس الجمهورية (المادة الأولى من القانون الأول والمادة 35 من القانون الثاني). وهو الأمر الذي لم يتحقق بالنسبة إلى مؤسسة مصر فلم يصدر قرار بتطبيق أي من هذين القانونين عليها. كما لم يتأثر الوضع القانوني للبنك بصدور القانون رقم 117 سنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت والذي بموجبه أممت جميع البنوك وشركات التأمين، ذلك لأن هذا القانون لا يسري إلا بالنسبة إلى الشركات والمنشآت المنصوص عليه في الجدول المرافق للقانون وليس من بينها بنك مصر.
ومن حيث إنه وقد حول بنك مصر إلى مؤسسة عامة وفقاً للقانون 32 سنة 1957 المشار إليه فمن ثم فإن موظفيه يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لشخص من أشخاص القانون العام وتسري عليهم تبعاً لذلك الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الحكومة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في العقود المبرمة معهم أو اللوائح التنظيمية الصادرة من الجهات المختصة بالشركة قبل تحويلها إلى مؤسسة عملاً بنص المادة 13 من القانون 32 سنة 1957 المشار إليه وهي تنص على ما يأتي "تسري على موظفي المؤسسات العامة أحكام قانون الوظائف العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارة". وقد أشارت المذكرة الإيضاحية للقانون لهذا المعنى صراحة بقولها "ونظراً لما يترتب على اعتبار المؤسسة شخصاً من أشخاص القانون العام من اعتبار موظفيها موظفين عموميين فقد عنى بالنص على أن تسري عليهم الأحكام العامة في شأن التوظف التي تسري على موظفي الحكومة".
ومن حيث إنه لا وجه للاعتداد بما أبداه أطراف الخصومة من انطباق القرارات الآتية على موظفي بنك مصر وهي قرارات رئيس الجمهورية أرقام 1598 سنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفي الشركات التابعة للمؤسسات العامة والقرار 1528 سنة 1961 بإصدار لائحة نظام موظفي وعمال المؤسسات العامة والقرار 3546 سنة 1962 بإصدار لائحة نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة والقرار 800 سنة 1963 الذي قضى بتطبيق القرار 3546 سنة 1962 على موظفي المؤسسات العامة - كل في نطاقه الزمني وكل هذه القرارات عدا القرار الثاني منها تحيل إلى قانون العمل فيما لم ينص عليه نظام المؤسسة أو الشركة – لا اعتداد بذلك - لأن القرارين 1598 لسنة 1961، 3546 لسنة 1962 خاصان بموظفي الشركات التابعة للمؤسسات العامة فهو لا يسري على موظفي المؤسسات العامة ومن بينها موظفو بنك مصر، كما أن القرار 1528 سنة 1961 خاص بموظفي المؤسسات العامة ذات الطابع لاقتصادي والتي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية، وبنك مصر لا يعتبر مع هذه المؤسسات على الوجه السالف بيانه، وأما بالنسبة إلى القرار 800 سنة 1963 فإنه مقصور التطبيق على موظفي المؤسسات العامة بالمفهوم الذي عناه قانون المؤسسات العامة رقم 60 سنة 1963 دون العاملين بمؤسسات عامة لا ينطبق عليها أحكام القانون 60 سنة 1963 المشار إليه وعلى هذا الوجه فلاً ينطبق على موظفي مؤسسة بنك مصر.
ومن حيث إنه يخلص من ذلك أن بتلك مصر كان مؤسسة عامة طبقاً لأحكام القانونين رقمي 32 سنة 1957، 39 سنة 1960 المشار إليهما وأن موظفيه يعتبرون موظفين عموميين يعاملون بالقواعد التنظيمية التي تضمنتها اللوائح الخاصة بالبنوك وعقود استخدامهم مكملة بأحكام قانون نظام موظفي الدولة فيما لم يرد بشأنه نص خاص فيها ولا ينطبق في شأنهم قانون العمل ومن ثم فإن المحكمة التأديبية المختصة بموظفي الحكومة تكون هي المختصة بمحاكمتهم تأديبياً طبقاً لأحكام القانونين رقمي 117 سنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، 19 سنة 1959 في شأن سريان أحكام ذلك القانون على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة وعلى هذا الأساس يكون نعي الطاعن على الحكم المطعون فيه بأنه صدر من محكمة غير مختصة وأن هذه المحكمة طبقت قانوناً غير القانون الواجب التطبيق على غير أساس سليم من القانون حقيقاً بالرفض.
ومن حيث إنه بالنسبة للموضوع فإن الطعن يقوم على المخالفات التي أسندها الحكم المطعون فيه إلى الطاعن تندرج تحت طائفتين:
الأولى: المخالفات الفنية المتعلقة بنظام الائتمان "موضوع التهمة الأولى 1، 2، 3" وهي لا تعتبر من المخالفات التي يجوز مساءلة وكيل الفرع عنها تأديبياً وإنما يعتبر الخطأ فيها خطأ فنياً مما تتسع له مخاطر المهنة.
الثانية: مخالفات إدارية وقد استخلصت المحكمة التأديبية أدلة إدانتها من غير أصول تنتجها.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الأول من هذا الدفاع فإنه مردود بأن التهمة الأولى التي أسندت إلى الطاعن والتي حكم عليه من أجلها تنحصر في إخلاله بنظام الائتمان الخاص بالبنك بأن قام بتسليف العملاء مبالغ أكثر من قيمة المبالغ الضامنة لحسابهم بالمخالفة لتعليمات البنك التي تضع حدوداً قصوى للتسليف لا يجوز الخروج عليها إلا بعد موافقة إدارة البنك، وكذلك لقيامه بالترخيص لأحد العملاء بنقل بضائع مرهونة لدى البنك دون أن يتخذ من الإجراءات ما يضمن استمرار حيازة البنك لها، وفي مخالفة الشروط التي وضعتها الإدارة لإعادة التعامل مع أحد العملاء، والواقع أن التعليمات ونظام البنك لم يتركا للطاعن أي سلطة تقديرية في التحلل من تعليمات الإدارة، بل ألزمته باتباعها وإذا أراد المخالفة فإن عليه أن يحصل على موافقة الإدارة على ذلك، وما دامت ليست للطاعن حرية التصرف في التجاوز بدون تصديق جهته الرئيسية فإن أي إخلال من جانبه بتلك التعليمات لا يعد بمثابة خطأ فني وإنما هو في حقيقة الأمر مخالفة صريحة تعد بمثابة إخلال بواجبات الوظيفة يجوز أن يكون محلاً للمساءلة التأديبية.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الثاني من دفاع الطاعن فقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن أحكام المحاكم التأديبية هي أحكام نهائية ولا يجوز الطعن فيها إلا أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحوال المنصوص عليها في القانون 55 سنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة، فإذا انتفى قيام حالة من هذه الحالات وكان الحكم مستنداً إلى وقائع صحيحة قائمة لها أصول ثابتة وموجودة في الأوراق كيفها تكييفاً قانونياً سليماً. واستخلص منها نتيجة سائغة تبرر اقتناعه الذي بنى عليه قضاءه فلا محل للتعقيب عليه باستئناف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى المحكمة التي أصدرت الحكم من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب في توقيع الجزاء أو بالتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار أو فيما استخلصته من هذه الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال وما كونت منه عقيدتها واقتناعها فيمت انتهت إليه ما دام تكييفها للوقائع سليما وما استخلصته منها هو استخلاص سائغ من أصول تنتجه مادياً أو قانونياً ولها وجود في الأوراق.
ومن حيث إنه بان لهذه المحكمة من الاطلاع على التحقيقات والأوراق المودعة ملف الطعن أن المحكمة التأديبية قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها فيما يتعلق بالتهم جميعها من عناصر سليمة تنتجها ولها أصل ثابت في الأوراق ومن ثم فلا معقب على حكمها، ولا اعتداد بما أثاره المفوض من أن تلك المحكمة قد استخلصت اقتناعها بإدانة الطاعن عن التهمتين الثانية والرابعة من غير أصول تنتجها - ذلك لأنه بالنسبة إلى التهمة الثانية فقد ثبت من أقوال الشهود أن ثمة تعليمات تقضي بأن يقوم المركز الرئيسي للبنك بالمشتروات ولا يجوز للفروع أن تتولى الشراء محلياً ما لم يرخص لها بذلك وفي كل حالة على حده، إلا في أحوال الضرورة أو الترميمات العاجلة وفي حدود معينة، فقد شهد بذلك السيد عضو مجلس الإدارة المنتدب (ص 245 من التحقيقات) والسيد طه برعي مهناً مدير إدارة الفروع والتفتيش (ص 198) والسيد محمد نجيب حسن المفتش بالبنك (ص 24) ومحمد محمد يكن مدير قلم التوريدات بالمركز الرئيسي، كما شهد السيد محمد نجيب حسن أن الطاعن هو الذي كان يتعاقد بنفسه مع الموردين دون أن يلجأ إلى الطرق السليمة في الشراء أي بالمناقصة أو بالممارسة عن طريق لجنة تشكل لهذا الغرض، وأن أغلبية المشتريات قد تمت عن طريق أحد التجار بإحدى القرى التابعة لمركز كفر صقر وكانت الأسعار تزيد زيادة كبيرة من الأسعار السوقية، وأن الطاعن كان يوقع على فواتير الشراء ثم يوقع على فيشات الصرف المرفقة بأوامر الشراء الأمر الذي يجعله مسئولاً عن صحة تلك العمليات، ويضاف إلى ذلك أن بعض المهمات التي تم شراؤها لم يتم توريدها فعلاً إلى البنك ومنها على سبيل المثال خمس إطارات اشتراها ذلك التاجر لحساب البنك من شركة رول للتجارة والمقاولات وحصل على ثمنها. وقد ثبت من شهادة يوسف عبد الأحد الموظف المختص بتلك الشركة أن عملية الشراء لم تتم وأن ذلك التاجر استرد نقوده (ص 177) كما أثبت وكيل النيابة الإدارية بعد إطلاعه على دفاتر الشركة أن عملية الشراء لم تتم فعلاً وأن التاجر عبد البديع متولي استرد ما دفعه (ص 185) وإذ انتهت المحكمة التأديبية إلى اعتبار التهمة المشار إليها ثابتة في حق الطاعن على أساس أنه اتضح لها من التحقيقات ما يلقى ظلالاً كثيفة من الشك حول بعض تصرفاته إلى الحد الذي يكفي مساءلته تأديبياً فإنها تكون قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها بالنسبة إلى هذه التهمة من أصول تنتجها ويكون تقديرها بمنأى من الطعن. وأما بالنسبة إلى التهمة الرابعة فلما كان الحكم المطعون فيه استخلص دليل الإدانة مما استظهره من مسلك الطاعن في التحلل من دفع قيمة التيار الكهربائي المستحق عليه تنفيذاً للتعليمات التي كان يعلمها الطاعن فمن ثم كان استخلاصه يكون سائغاً ولا معقب عليه.
ومن حيث: إنه بتاريخ 21 من مارس سنة 1965 وبعد أن صدر الحكم المطعون فيه صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 872 سنة 1965 بتحويل مؤسسة بنك مصر إلى شركة مساهمة عربية يتولى البنك المركزي وضع نظامها، إلا أن هذا القرار وما ترتب عليه من انطباق لائحة العاملين بالشركات على العاملين بالبنك اعتباراً من تاريخ نفاذه ليس له من أثر على الحكم المطعون فيه الذي تبحث مشروعيته على أساس القواعد التنظيمية التي كان معمولاً به عند صدوره دون غيرها.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه ويكون الطعن على غير أساس من القانون متعيناً رفضه مع إلزام الطاعن بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.