مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 200

(19)
جلسة 19 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 1220 لسنة 8 القضائية

( أ ) تشريع. "سريانه من حيث الزمان". أثر مباشر. أثر رجعي.
المجال الزمني لتطبيق القانون على الوقائع والمراكز القانونية من حيث تكوينها ومن حيث آثارها.
(ب) جنسية. "اكتسابها". تشريع "تعاقب التشريعات".
تعاقب قوانين الجنسية ليس معناه زوال الجنسية عمن اكتسب مركز المصري وفقاً لأحكام أحدها إبان سريانه - يستمر متمتعاً بهذا المركز ما دام القانون الجديد قد خلا من نص صريح يحرمه منها.
(جـ) جنسية. "المصريون الأصلاء". الرعايا العثمانيون - لا يدخل ضمنهم رعايا البلاد التي انفصلت عن الدولة العثمانية قبل تاريخ نفاذ معاهدة لوازن (31/ 8/ 1924) - رعايا تونس لا يعتبرون في مدلول قوانين الجنسية من الرعايا العثمانيين - أساس ذلك.
(د) جنسية. "إثبات الميلاد" دفاتر قنصليات الدولة الأجنبية الخاصة بإدراج أسماء المتمتعين بحمايتها - لم تعد لإثبات واقعة الميلاد - لا حجية لها في هذا الشأن.
(هـ) جنسية. "إثبات. حالة ظاهرة". الحالة الظاهرة ليست لها قطعية في إثبات الجنسية - جواز إقامة الدليل على العكس.
1 - القانون بوجه عام يحكم الوقائع والمراكز التي تتم تحت سلطانه أي في الفترة ما بين تاريخ العمل به وإلغائه وهذا هو مجال تطبيقه الزمني فيسري القانون الجديد بأثره المباشر على الوقائع والمراكز التي تقع أو تتم بعد نفاذه ولا يسري بأثر رجعي على الوقائع أو المراكز القانونية التي تقع أو تتم قبل نفاذه إلا بنص صريح يقرر الأثر الرجعي ومن ناحية أخرى لا يسري القانون القديم على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع أو تتم بعد إلغائه إلا إذا مد العمل به بالنص وهذا كله يصدق على الوقائع والمراكز القانونية من حيث تكوينها أما الآثار المستقبلة المترتبة عليه فتخضع للقانون الجديد بحكم أثره المباشر وبالنسبة لآثار التصرفات القانونية فتظل خاضعة للقانون القديم حتى ما تولد منها ما بعد العمل بالقانون الجديد.
2 - بتاريخ 27 من فبراير سنة 1939 صدر المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 بشأن الجنسية المصرية وعمل به اعتباراً من تاريخ نشره في 10 من مارس سنة 1929 ثم صدر القانون رقم 160 سنة 1950 الخاص بالجنسية المصرية وعمل به اعتباراً من تاريخ نشره في 18 من سبتمبر سنة 1950 ونص في مادته 28 على إلغاء المرسوم بقانون 19 لسنة 29 المشار إليه واعتباراً من 20 نوفمبر سنة 1956 عمل بالقانون رقم 391 لسنة 1956 - الذي نص في المادة 32 منه على إلغاء القانون رقم 1960 لسنة 1950 والقوانين المعدلة له وقد استمر العمل بأحكام هذا القانون بموجب المادة الأولى من القانون 82 لسنة 1958 بشأن جنسية الجمهورية العربية المتحدة التي تنص على أن تثبت جنسية الجمهورية العربية المتحدة لمن كان في 22 من فبراير سنة 1958 متمتعاً بالجنسية المصرية وفقاً لأحكام القانون 391 لسنة 1956 وقد تضمنت كل من هذه التشريعات أحكاماً انتقالية في شأن تحديد المصريين الأصلاء وأحكاماً عامة أخرى بالشروط اللازمة للتمتع بالجنسية المصرية المكتسبة إلا أنه ليس معنى تعاقب قوانين الجنسية زوال الجنسية عن الأفراد الذين اكتسبوا مركز المصري وفقاً لأحكام أحد هذه القوانين إبان سريانه بل أنهم يظلون متمتعين بهذا المركز ما دام القانون الجديد قد خلا من نص صريح يحرمهم منها فمن اعتبر مصرياً فإنه يظل مصرياً ولا تتأثر جنسيته بصدور قانون لاحق تضمن تعديلاً في الشروط اللازمة لشغل مركز المصري ما لم يكن القانون الجديد قد تضمن نصاً صريحاً يقضي بذلك.
3 - أن المصريين الأصلاء ينقسمون إلى طائفتين الأولى: رعايا الدولة العلبة أو الرعايا العثمانيون فهؤلاء يعتبرون مصريين إذا توافرت فيهم شروط خاصة وقد عرف المشرع أفراد هذه الطائفة في المادة 23 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 والفقرة الثامنة من المادة الأولى من القانون رقم 160 سنة 1950 بأنهم رعايا الدولة العثمانية قبل نفاذ معاهدة لوزان في 31 من أغسطس سنة 1924 ومن ثم فلاً يدخل ضمن هؤلاء رعايا البلاد التي انفصلت عن الدولة العثمانية قبل ذلك التاريخ ومنها تونس التي انفصلت عن الدولة العثمانية إثر الاحتلال الفرنسي لها سنة 1881 وتوقيع اتفاقية باردو سنة 1881 والرس سنة 1883 فسقطت تبعاً لذلك الرعوية العثمانية عن الرعايا التونسيين وتأكد للجنسية التونسية وجودها القانوني وإن كان ناقصاً بسبب الاحتلال الفرنسي وقد أقرت الحكومة المصرية هذا الوضع بالاتفاق الذي عقد مع فرنسا في 16 من يوليه سنة 1888 بشأن التونسيين وبموجبه اعترفت الحكومة المصرية بحماية فرنسا للتونسيين (أصول القانون الدولي الخاص المصري للدكتور حامد زكي طبعة سنة 1946) وعلى ذلك فلا يعتبر التونسييون من رعايا العثمانيين في مدلول أحكام قوانين الجنسية المصرية وإنما يعتبرون من الأجانب. وأما الطائفة الثانية فهم بصفة عامة أهل البلاد الأصليون سواء كانوا حقيقة مصريين أو كانوا بلا جنسية ويكفي توطنهم في البلاد قبل أول يناير سنة 1848.
4 - لا اعتداد بما جاء في كتاب السفارة السويسرية المؤرخ 2 من يوليه سنة 1958 من أن شعبان إبراهيم جد المطعون عليه قد ولد في القاهرة سنة 1945 ذلك لأنه فضلاً عن أن دفاتر القنصلية لم تعد لإثبات واقعة الميلاد فلاً تكون لها حجية في هذا الشأن فإن قوائم التونسيين لم تنشأ في القنصليات إلا عقب الاحتلال الفرنسي لتونس أي بعد سنة 1881 - فإذا كان تاريخ ميلاد الجد ومكان الميلاد مقيدين في القنصلية وكان تاريخ الميلاد راجعاً إلى ما قبل إنشاء تلك السجلات فلا يتصور أن يتم القيد إلا بإملاء صاحب المصلحة في ذلك وعلى هذا الوجه لا يكون له أية حجية في الإثبات.
5 - لا اعتداد في هذا الشأن بما أثاره المطعون عليه من أن حالته الظاهرة تعتبر دليلاً كافياً على جنسيته المصرية ذلك أنه وقد توافرت فيه شروطها وعاملته مختلف الجهات الحكومية على هذا الأساس بدليل أن وزارة الخارجية قد أصرت على معاملته معاملة المصريين عندما اتهم في إحدى القضايا كما أنه استدعى للخدمة العسكري وتسلم بطاقته الانتخابية ومارس حق الانتخاب ومنح جواز سفر مصري وقبل عضواً في الاتحاد الاشتراكي ويعمل في إحدى شركات القطاع العام وقد أفادت سفارة تونس وزارة الخارجية بأنه لم يقيد في سجلاتها ولم يقدم إليها بوصفه من التونسيين - لا اعتداد بكل ذلك لأن الحالة الظاهرة ليست لها حجية قطعية ويجوز دائماً إقامة الدليل على عكس ما تشهد به تلك الحالة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 915 سنة 12 القضائية ضد وزير الداخلية لدى محكمة القضاء الإداري "هيئة منازعات الأفراد والهيئات" بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 3 من يونيه سنة 1958 طالباً الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من إدارة الجوازات والجنسية بسحب جواز سفره مع إلزام الحكومة بالمصروفات وقال بياناً لذلك في عريضة الدعوى والمذكرات الشارحة أنه استخرج جواز سفر مصري في سنة 1940 وظل يجدده إلى أن استدعته إدارة الجوازات والجنسية في 5 من فبراير سنة 1958 وسحبت منه الجواز بمقولة أنه لا يعتبر مصرياً وإنما هو تونسي الجنسية على أن هذا الزعم صحيح لأن المدعي ووالده وجده من الرعايا المصريين بقوة القانون فقد كان والد جد المدعي تونسياً من رعايا الدولة العثمانية نزح إلى مصر في تاريخ سابق على سنة 1845 ثم ولد جد المدعي أحمد شعبان إبراهيم في مصر سنة 1845 وأقام بنية التوطن إلى أن توفي سنة 1922 وولد والد المدعي عبد المجيد شعبان إبراهيم بالقطر المصري سنة 1888 وتوطن في مصر وتمتع بجميع حقوق المواطنين وكان يعمل في الحكومة المصرية لدى مصلحة الأملاك الأميرية حتى توفي سنة 1937 وعلى ذلك فهما يعتبران مصريين طبقاً لحكم المادة الأولى من المرسوم بقانون 19 سنة 1929 بشأن الجنسية المصرية والأمر العالي الصادر في سنة 1900 ولا ينال من ذلك أن القنصلية الفرنسية قد قيدت الجد ضمن التونسيين الذين يتمتعون بالحماية في ظل الامتيازات الأجنبية ذلك لأن تونس كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية ويعتبر أهلها من رعايا الدولة العليا ولم يقم شك بالنسبة إليه إلا بعد الغزو الفرنسي لتونس في سنة 1881 وتوقيع معاهدة باردو بين فرنسا وتونس وبموجبها فرضت فرنسا الحماية على التونسيين ولو وجدوا في بلاد الإمبراطورية العثمانية وهكذا بدأت القنصليات الفرنسية تعد قوائم بأسماء الأفراد الذين ينتمون بأصلهم إلى تونس والمقيمين بمصر وبعد أن وقع الاحتلال البريطاني خضعت السلطات المصرية للضغط الإنجليزي وقبل وزير الخارجية المصري الاعتراف بالحماية لبعض التونسيين وهم الذين شملتهم القوائم التي تبادلتها الحكومتان وهؤلاء وحدهم هم الذين يتمتعون بالحماية دون غيرهم أما مجرد القيد في دفاتر القنصلية الفرنسية فليس بذي أثر في هذا الشأن وعلى ذلك فلاً يؤثر مجرد قيد جده في القنصلية الفرنسية على اعتباره داخلاً في الجنسية المصرية وفقاً للقانون المشار إليه على أية حالة فحتى لو اعتبر تونسياً فإن ذلك لن يؤثر على اعتباره داخلاً في الجنسية المصرية ذلك لأن الجنسية التونسية لم تظهر في الوجود القانوني إلا منذ سنة 1955 - وترتيباً على ذلك فإن المدعي يعتبر مصرياً تبعاً لوالده وجده وقد عاملته الحكومة على هذا الأساس فقد اقترع للخدمة العسكرية وعندما اتضح أنه ضعيف البنية أعفي من أدائها شأن سائر المصريين وعندما وجد من أراد له الإفلات من الخدمة العسكرية كتبت القنصلية الفرنسية خطاباً إلى الحكومة المصرية تطلب إليها فيه إعفاءه من الخدمة العسكرية إلا أنها رفضت ذلك على أساس مصريته كما سلمته الجهات المختصة تذكرة انتخاب ومارس هذا الحق باطراد وهو عضو في الاتحاد الاشتراكي ويشغل وظيفة في إحدى شركات القطاع العام وقد أفادت السفارة التونسية وزارة الخارجية بأن المدعي غير مقيد في سجلاتها وأنه لم يتقدم إليها باعتباره تونسي الجنسية وكل هذا يقطع بأنه مصري الجنسية ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون قد خالف القانون وقد أجابت الحكومة بأن المدعي تقديم بتاريخ 24 من فبراير سنة 1946 طالباً منحه جواز سفر مصري فصرف إليه الجواز دون التثبت من جنسيته اكتفاء بالشهادة الإدارية التي قدمها ثم تجدد هذا الجواز عدة مرات إلى أن قدمت ضد المدعي شكوى بتاريخ 10 من ديسمبر سنة 1957 ملخصها أنه من رعايا فرنسا وأنه مقيد بسجلات القنصلية الفرنسية وعلى أثر ذلك قامت إدارة الجوازات بأول بحث جدي في شأن جنسية المدعي واتضح لها أن هناك ملفين يتعلقان به أولهما رقم 232/ 8/ 10 تبعيات باسم عبد المجيد شعبان والد المدعي والثاني رقم 23/ 2/ 5210 الخاص بالمدعي ويتضح من أوراق هذين الملفين أن المدعي مقيد في سجلات التونسيين بالقنصلية الفرنسية مع والده تحت رقم 220 منذ 18 نوفمبر سنة 1934 كما أن القنصلية السويسرية التي كانت تقوم بأعمال القنصلية الفرنسية مدة الحرب العالمية الثانية أخطرت وزارة الخارجية في سنة 1944 أن المدعي يرغب في قيد اسمه في سجلات الرعاية الفرنسية واستعلمت عما إذا كان قد تجنس بالجنسية المصرية حتى يمكنها البت في طلبه وكذلك وجد بالملفين تحريات ومذكرات تدل على أن جد المدعي المدعو شعبان إبراهيم كان أول من حضر من عائلته إلى مصر وكان ذلك في سنة 1882 وسارع فور دخوله إلى قيد اسمه في سجلات القنصلية الفرنسية على اعتبار أنه تونسي يتمتع بالحماية الفرنسية أما بالنسبة إلى أحمد شعبان الذي ذكر المدعي أنه جده وأنه تنازل عن جنسيته فأما هو في حقيقة الأمر عم المدعي وليس جده كما يتضح من أوراق الملفين وأضافت إدارة القضايا قائلة أن الخلاف بين الحكومة المصرية وبين فرنسا في شأن معاملة التونسيين لم ينصب حول التسليم بأن جميع التونسيين من الأجانب الخاضعين للحماية الفرنسية وإنما كان محور الخلاف يدور حول تمتع هؤلاء بالامتيازات المقررة للفرنسيين وقد جرت وزارة الداخلية باضطراد على أنه يكفي أن تخطرها القنصلية الفرنسية بقيد أحد الأشخاص في دفاترها على أنه تونسي لتعامله معاملة الأجانب ويتضح من ذلك أن المدعي تونسي انحدر من عائلة كلها من التونسيين ولم يختر الجنسية المصرية وفقاً للمادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 التي أجازت لمن كان في حالته اختيار الجنسية في خلال سنة من بلوغه سن الرشد إذا قدم طلباً بذلك وتنازل عن جنسيته الأصلية ويكون المدعي بعدم تقديمه ذلك الطلب متمسكاً بجنسيته الأصلية ومما يؤكد هذا المعنى أنه تقدم إلى القنصلية الفرنسية بالقاهرة سنة 1933 يطلب إعفاءه من الخدمة العسكرية على أساس أنه من رعايا فرنسا وفعلاً أرسلت القنصلية كتاباً بذلك إلى الحكومة في 19 من يناير سنة 1933 كما أنه اتهم في عام 1934 بالتعدي على أحد رجال الشرطة فتمسك بأنه تونسي مشمول بالحماية الفرنسية وإذا كانت الحكومة المصرية قد تمسكت بوجوب تقديمه إلى المحاكم الأهلية استناداً إلى أنه لم يقيد بسجلات القنصلية الفرنسية بصفته الشخصية فإن هذا لم يكن له من سبب إلا محاولة التضييق من نطاق الامتيازات الأجنبية وردت الحكومة على ما جاء بالمستندات التي قدمها المدعي فقالت أنه بالنسبة إلى كتاب القنصلية السويسرية الذي تضمن تاريخ ميلاد الجد فإن دفاتر القنصلية غير معدة لإثبات واقعة الميلاد وإنما لإدراج أسماء التونسيين الذين يريدون التمتع بالحماية الفرنسية ولم تنشأ هذه القوائم إلا بعد احتلال فرنسا لتونس سنة 1881 من ثم فلا تكون لها حجية في شأن إثبات ما يرجع إلى ما قبل إنشائها وأما بالنسبة إلى توظف والد المدعي في مصلحة الأملاك الأميرية فقالت أن المدعي كان موظفاً مؤقتاً بالشركة العقارية ولما آلت هذه الشركة إلى الحكومة تبعت لمصلحة الأملاك الأميرية بما لديها من الموظفين فضلاً عن أن الجنسية المصرية لم تكن شرطاً للتعيين إلا في الوظائف الإدارية الكبرى أما عن واقعة عدم قيد المدعي بصفته الشخصية في القنصلية الفرنسية فلاً يدل على أنه فقد جنسيته التونسية أو أنه اكتسب الجنسية المصرية وانتهت الحكومة إلى أن المدعي تونسي الجنسية ومن ثم فإن القرار الصادر بسحب جواز سفره يكون قد قام على سببه المسوغ له قانوناً وطلبت رفض الدعوى.
قدم المفوض تقريراً ذهب فيه إلى أن القانون رقم 391 سنة 1956 هو القانون الواجب التطبيق في الدعوى وقد نصت مادته الأولى على أن يعتبر مصرياً المتوطنون في الأراضي المصرية قبل أول يناير سنة 1900 الذي حافظوا على أقامتهم فيه حتى تاريخ نشر القانون ولم يكونوا من رعايا دولة أجنبية وأن إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع ووفقاً لأحكام هذا النص يعتبر المدعي مصرياً ذلك لأنه وإن كان جده ووالده يعتبران تونسيين نظراً لإدراج اسم جد المدعي المدعو شعبان إبراهيم ضمن القوائم التي تبادلتها الحكومتان المصرية والفرنسية سنة 1884 عقب الاتفاق الشفوي الذي تم بينهما في شأن إضفاء الحماية على الرعايا التونسيين - إلا أنه من ناحية أخرى فإن وزارة الخارجية وهي الجهة المنوط بها تنفيذ أحكام ذلك الاتفاق وكذلك الجهة المختصة ببحث رعوية الأجانب المقيمين في مصر ومعرفة جنسيتهم قد اعتبرت المدعي غير تونسي بعد إذ بلغ سن الرشد ولم يقيد في سجلات القنصلية الفرنسية بصفته الشخصية وطلبت من الجهات المختصة معاملته على هذا الأساس وقد جاء ذلك في الكتب المتبادلة بين محافظة مصر ووزارة الخارجية سنة 1937 وترتيباً على ذلك فلا يمكن اعتبار المدعي من الرعايا الأجانب في حكم المادة الأولى من القانون 391 سنة 1956 ولما كان قد ولد في مصر سنة 1909 وحافظ على إقامته فيها بنية التوطن وتكمل إقامته بإقامة أصوله فإنه يعتبر مصرياً وتكون الدعوى على أساس سليم من القانون.
وعقب المدعي على ذلك بمذكرة قال فيها أنه مع موافقته على النتيجة التي انتهى إليها المفوض في تقريره إلا أنه يخالفه فيما عدا ذلك لأن المشرع لم يقصد إلى المساس بالجنسية التي ثبتت للأفراد بموجب القوانين السابقة على ذلك القانون الأخير فمن اعتبر مصرياً وفقاً لأحكام تلك القوانين فلاً ينال من جنسيته قانون لاحق وإذ كان "المدعي" يعتبر مصرياً وفقاً للمرسوم بقانون 19 سنة 1929 على النحو السابق شرحه في المذكرات فإنه يظل مصرياً.
ومن حيث إنه بتاريخ 3 من إبريل سنة 1962 قضت المحكمة بإلغاء القرار الصادر من إدارة الجوازات والجنسية في فبراير سنة 1958 بسحب جواز سفر المدعي وما يترتب على ذلك من آثار وأقامت قضاءها على أساس أن المدعي من أصل تونسي ولد في مصر سنة 1909 وأقام بنية التوطن حتى تاريخ نفاذ القانون 391 سنة 1956 وتكمل إقامته فيما قبل سنة 1909 بإقامة والده عبد المجيد شعبان الذي ولد في القطر المصري سنة 1888 واستمر مقيماً فيه حتى وفاته ولا يعتبر المدعي تونسياً أي أجنبي الجنسية ما دام لم يدخل في هذه الجنسية دخولاً صحيحاً طبقاً لقانونها كما أنه لم يتصف في أي وقت بهذه الجنسية خاصة وأن السفارة التونسية أفادت بأن المدعي غير مقيد بسجلاتها ولم يتقدم لها باعتباره تونسي الجنسية كما أن الحكومة المصرية عاملته على أنه مصري الجنسية فقدمته إلى المحاكم الأهلية أسوة بالمصريين وعومل بقانون الخدمة العسكرية وفي هذا ما يكفي لاعتباره مصرياً بالتطبيق للفقرة الأولى من القانون 391 سنة 1956 المشار إليه.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن شروط انطباق المادة الأولى من القانون 391 سنة 1956 لم تتوافر في المطعون عليه فهذه المادة تشترط للإفادة من أحكامها ألا يكون المتوطن من رعايا دولة أجنبية والمطعون عليه وفقاً لما هو ثابت من أوراق الملف يتمتع بالجنسية التونسية تبعاً لوالده ويخضع لحماية فرنسا ومن ثم فلا يمكن اعتباره مصرياً وفقاً للنص المشار إليه، أما القول بأن الجنسية الأجنبية التي تمنح الإفادة من أحكامه هي الجنسية التي يتم الدخول فيها دخولاً صحيحاً فإنه قول على غير أساس لأن الجنسية التونسية كانت موجودة قبل استقلال تونس وكان لها كيانها الخاص قبل فرض الحماية على تونس بموجب اتفاق باردو والمرسى وقد اعتبر المطعون عليه تونسياً تبعاً لوالده وجده اللذين احتفظا بجنسيتهما، وأما عدم قيد المطعون عليه في السفارة التونسية فلا أثر له على جنسيته ذلك لأن القيد إجراء شكلي لا يترتب عليه إسقاط الجنسية وأما عما جاء في كتاب وزارة الخارجية من معاملة المطعون عليه معاملة المصريين فإنه صادر من جهة لا اختصاص لها في المسائل المتعلقة بالجنسية وليس من شأنه أن يسبغ الجنسية المصرية عليه.
ومن حيث إنه أثناء فترة حجز الطعن للحكم قدم المطعون عليه مذكرتين ألحقهما ببرقية ردد فيها دفاعه السابق وأضاف إليه أنه عندما تقدم إلى إدارة الجوازات والجنسية في سنة 1945 طالباً منحه جواز السفر أرفق بطلبه العديد من الأحكام والمستندات القاطعة في إثبات جنسيته المصرية وأنه بناء على ذلك صرفت له الإدارة جواز السفر بعد اقتنعت الآن بأنه يعتبر داخلاً في الجنسية المصرية وقد أثار موضوع تلك المستندات أمام محكمة القضاء الإداري - فقررت بجلسة 7 من فبراير سنة 1961 ضم تلك الأوراق إلا أن الحكومة لم تقدمها وتبين أنها فقدت منها ولم يعلق المطعون عليه أهمية كبرى على تلك المستندات لاعتقاده في كفاية المستندات المقدمة منه إلا أنه إزاء موقف الإدارة من الطعن في الحكم الذي صدر لصالحه وإصرارها على القول بأن جواز السفر صرف إليه دون بحث جنسيته فإنه يصر على ضرورة إرفاق تلك المستندات وما دامت الإدارة ممتنعة عن تقديمها فلا مندوحة من اعتبارها كما لو كانت مقدمة فعلاً وكافية لإثبات جنسية المطعون عليه أو إعادة الطعن إلى المرافعة لتحقيق واقعة فقد تلك المستندات.
ومن حيث إن القانون بوجه عام يحكم الوقائع والمراكز التي تتم تحت سلطانة أي في الفترة ما بين تاريخ العمل به وإلغائه وهذا هو مجال تطبيقه الزمني فيسري القانون الجديد بأثره المباشر على الوقائع والمراكز التي تقع أو تتم بعد نفاذه ولا يسري بأثر رجعي على الوقائع أو المراكز القانونية التي تقع أو تتم قبل نفاذه إلا بنص صريح يقرر الأثر الرجعي ومن ناحية أخرى لا يسري القانون القديم على الوقائع والمراكز القانونية التي تقع أو تتم بعد إلغائه إلا إذا مد العمل به بالنص وهذا كله يصدق على الوقائع والمراكز القانونية من حيث تكوينها أما الآثار المستقبلة المترتبة عليه فتخضع للقانون الجديد بحكم أثره المباشر وبالنسبة لآثار التصرفات القانونية فتظل خاضعة للقانون القديم حتى ما تولد منها بعد العمل بالقانون الجديد.
ومن حيث إنه بتاريخ 27 من فبراير سنة 1929 صدر المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 بشأن الجنسية المصرية وعمل به اعتباراً من تاريخ نشره في 10 من مارس سنة 1929 ثم صدر القانون رقم 160 سنة 1950 الخاص بالجنسية المصرية وعمل به اعتباراً من تاريخ نشره في 18 من سبتمبر سنة 1950 ونص في مادته 28 على إلغاء المرسوم بقانون 19 لسنة 1929 المشار إليه واعتباراً من 20 نوفمبر سنة 1956 عمل بالقانون رقم 391 سنة 1956 الذي نص في المادة 32 منه على إلغاء القانون 160 سنة 1950 والقوانين المعدلة له وقد استمر العمل بأحكام هذا القانون بموجب المادة الأولى من القانون 82 سنة 1958 بشأن جنسية الجمهورية العربية المتحدة التي تنص على أن تثبت جنسية الجمهورية العربية المتحدة لمن كان في 22 من فبراير سنة 1958 متمتعاً بالجنسية المصرية وفقاً لأحكام القانون 391 سنة 1956 وقد تضمنت كل من هذه التشريعات أحكاماً انتقالية في شأن تحديد المصريين الأصلاء وأحكاماً عامة أخرى بالشروط اللازمة للتمتع بالجنسية المصرية المكتسبة إلا أنه ليس معنى تعاقب قوانين الجنسية زوال الجنسية عن الأفراد الذين اكتسبوا مركز المصري وفقاً لأحكام أحد هذه القوانين إبان سريانه بل أنهم يظلون متمتعين بهذا المركز ما دام القانون الجديد قد خلا من نص صريح يحرمهم منها فمن اعتبر مصرياً فإنه يظل مصرياً ولا تتأثر جنسيته بصدور قانون لاحق تضمن تعديلاً في الشروط اللازمة لشغل مركز المصري ما لم يكن القانون الجديد قد تضمن نصاً صريحاً يقضي بذلك.
ومن حيث إنه لما كان المطعون عليه يذهب إلى أنه اعتبر داخلاً في الجنسية طبقاً لأحكام المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 فإنه يجب بحث جنسيته على أساس هذا القانون فإذا توافرت شروطه في شأنه اعتبر مصرياً ولا يؤثر على جنسيته صدور قانون لاحق ما دام هذا القانون لم يتضمن أثراً رجعياً يمس ذلك المركز القانوني وغني عن البيان أن ذلك ليس من شأنه أن يؤثر على أحقية المطعون عليه في الاستفادة من أي تعديل يرد في تشريع لاحق إذا توافرت فيه شروط تطبيقه إعمالاً للأثر المباشر لهذا التشريع.
ومن حيث إن المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 المشار إليه تنص على ما يأتي "يعتبر داخلاً في الجنسية المصرية بحكم القانون (أولاً) أعضاء الأسرة المالكة (ثانياً) كل من يعتبر في تاريخ نشر هذا القانون مصرياً بحكم المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 (ثالثاً) من عدا هؤلاء من الرعايا العثمانيين الذين كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في 5 نوفمبر سنة 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون" وتنص المادة الأولى من الأمر العالي المشار إليه على ما يأتي "عند إجراء العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 يعتبر حتماً من المصريين الأشخاص الآتي بيانهم وهم":
أولاً: المتوطنون في القطر المصري قبل أول يناير سنة 1848 وكانوا محافظين على محل إقامتهم فيه.
ثانياً: رعايا الدولة العلية المولودون في القطر المصري من أبوين مقيمين فيه متى حافظ الرعايا المذكورون على محل إقامتهم فيه.
ثالثاً: رعايا الدولة العلية المولودون والمقيمون في القطر المصري الذين يقبلون المعاملة بموجب قانون القرعة العسكرية سواء بأدائهم الخدمة العسكرية أو بدفع البدلية.
رابعاً: الأطفال المولودون في القطر المصري من أبوين مجهولين ويستثنى من الأحكام المذكورة الذين يكونون من رعايا إحدى الدول أو تحت حمايتها. وقد ضمن المشرع هذه الأحكام ذاتها في المادة الأولى من كل من القانونين رقم 160 سنة 1950 ورقم 82 لسنة 1958 في شأن الجنسية المصرية.
ومن حيث إن مفاد هذه النصوص أن المصريين الأصلاء ينقسمون إلى طائفتين الأولى: رعايا الدولة العلية أو الرعايا العثمانيون فهؤلاء يعتبرون مصريين إذا توافرت فيهم شروط خاصة وقد عرف المشرع أفراد هذه الطائفة في المادة 23 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 والفقرة الثامنة من المادة الأولى من القانون رقم 160 سنة 1950 بأنهم رعايا الدولة العثمانية قبل نفاذ معاهدة لوزان في 31 من أغسطس سنة 1924 ومن ثم يدخل ضمن هؤلاء رعايا البلاد التي انفصلت عن الدولة العثمانية قبل ذلك التاريخ ومنها تونس التي انفصلت عن الدولة العثمانية إثر الاحتلال الفرنسي لها سنة 1881 وتوقيع اتفاقية باردو سنة 1881 والرس سنة 1883 فسقطت تبعاً لذلك الرعوية العثمانية عن الرعايا التونسيين وتأكد للجنسية التونسية وجودها القانوني وإن كان ناقصاً بسبب الاحتلال الفرنسي وقد أقرت الحكومة المصرية هذا الوضع بالاتفاق الذي عقد مع فرنسا في 16 من يوليه سنة 1888 بشأن التونسيين وبموجبه اعترفت الحكومة المصرية بحماية فرنسا للتونسيين.
"أصول القانون الدولي الخاص المصري للدكتور حامد زكي طبعه سنة 1946".
وعلى ذلك فلاً يعتبر التونسيون من الرعايا العثمانيين في مدلول أحكام قوانين الجنسية المصرية وإنما يعتبرون من الأجانب. وأما الطائفة الثانية فهم بصفة عامة أهل البلاد الأصليون سواء كانوا حقيقة مصريين أو كانوا بلا جنسية ويكفي توطنهم في البلاد قبل أول يناير سنة 1884.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن جد المطعون عليه المدعو شعبان إبراهيم كان من رعايا تونس وقيد في القوائم المتبادلة بين الحكومتين المصرية والفرنسية سنة 1884 وهي القوائم التي تضمنت أسماء التونسيين اللذين يتمتعون بالحماية الفرنسية "القاموس العام للإدارة والقضاء لفيليب جلاد جزء أول صفحة 526" وقد أثبتت التحريات التي أجريت بتاريخ 7 من مارس سنة 1933 أنه ولد بتونس وكان أول من حضر من عائلة المطعون عليه إلى القطر المصري في حوالي سنة 1883 "الملف رقم 10/ 8/ 232 ص 18" وقد عملت عنه تحريات أخرى سنة 1907 اتضح منها أنه تونسي الأصل وأنه فتح له دوسيه رقم 503 تونسيين "صفحة 3 ملف" "أما عبد الحميد شعبان والد المطعون عليه فقد ولد بمصر في 12 من إبريل سنة 1888" حافظة المطعون عليه رقم 3 دوسيه مستند "وتزوج بقسيمة زواج في 23 من أغسطس سنة 1907 ثابتاً فيها أنه تابع لدولة فرنسا وأنه حصل على تصريح بالزواج من القنصلية الفرنسية" "حافظة المطعون عليه رقم 4 دوسيه مستند رقم 1" وأنه قيد في سجل التونسيين بالقنصلية الفرنسية تحت رقم 220 في 18 أكتوبر سنة 1934 "ملف رقم 10/ 8/ 232 ص 1" أما المطعون عليه فقد ولد بالقطر المصري في 14 من إبريل سنة 1909 "حافظة المطعون عليه رقم 10 دوسيه مستند رقم 1" وقيد على والده عبد الحميد شعبان في سجل التونسيين تحت رقم 220 بتاريخ 18 أكتوبر سنة 1934 ويبين من الصفحات 17، 18، 29 من الملف رقم 10/ 8/ 232 المشار إليه أن المطعون عليه طلب للخدمة العسكرية كما أنه اتهم في قضية تعدي على أحد رجال الشرطة وبالرغم من أنه ثبت للجهات المختصة أن جده ووالده من التونسيين وطلبت القنصلية الأجنبية معاملة المطعون عليه على هذا الأساس إلا أن وزارة الخارجية أصرت على معاملته معاملة المصريين لأنه لم يقيد بالقنصلية على سبيل الاستقلال وإنما مع والده وقد جاء في التحريات التي عملت لتحقيق تبعية المطعون عليه عقب اتهامه في حادث التعدي أن الجد مولود في تونس وتوفى في مصر كما تبين من الاطلاع على الملف رقم 100/ 10251 المرفق بملف الطعن أنه بتاريخ 24 من فبراير سنة 1946 - تقدم المطعون عليه طالباً منحه جواز سفر مصري ومؤشر على الطلب بأنه لم يقدم شهادة الميلاد ثم تأشر في نفس اليوم بصرف جواز سفر مصري له وبتاريخ 17 من أكتوبر سنة 1946 قدم طلبا لإضافة اسم زوجته على جواز سفره فطولب بتقديم شهادة ميلاد ووعد بذلك "صفحة 2،1 ملف" ثم استمر المطعون عليه يجدد جواز سفره إلى أن قدم البرت مزراحي صاحب وكالة مصر للصحافة شكوى ضده ذكر فيها أنه تونسي الجنسية "صفحة 37 ملف" وبعد أن أجريت التحريات وثبتت صحة الشكوى تقرر سحب جواز سفر المطعون عليه وعمل تحقيق لمعرفة الظروف التي أدت إلى صرف جواز السفر الأول له والمتسبب في ذلك "صفحة 60، 61 ملف".
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن المطعون عليه ووالده عبد المجيد شعبان إبراهيم كانا من التونسيين المشمولين بالحماية الفرنسية عند نفاذ المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 - المشار إليه وقد حضر الجد شعبان إبراهيم إلى القطر المصري في تاريخ لاحق لأول يناير سنة 1848 ومن ثم فلا يستفيدون من نص الفقرة الأولى من المادة الأولى من الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 لتخلف شرطي التوطن وعدم الانتماء إلى دولة أجنبية بالنسبة إليهم جميعاً كما أنهم لا يعتبرون من الرعايا العثمانيين في تأويل أحكام قانون الجنسية ولذلك فلا تنطبق في شأنهم الأحكام الانتقالية الخاصة بالرعايا العثمانيين المنصوص عليها في المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 19 سنة 1929 والمادة الأولى من الأمر العالي الصادر سنة 1900 والمادة الأولى من القانون رقم 160 سنة 1950 وبالتالي فلا يعتبرون من المصريين الأصلاء بحكم القانون لا اعتداد في الشأن بما جاء في كتاب السفارة السويسرية المؤرخ 2 من يوليه سنة 1958 "المستند رقم 8 دوسيه المقدم من المدعي" من أن شعبان إبراهيم جد المطعون عليه قد ولد في القاهرة سنة 1845 ذلك لأنه فضلاً على أن دفاتر القنصلية لم تعد لإثبات واقعة الميلاد فلاً تكون لها حجية في هذا الشأن فإن قوائم التونسيين لم تنشأ في القنصليات إلا عقب الاحتلال الفرنسي لتونس أي بعد سنة 1881 فإذا كان تاريخ ميلاد الجد وكان الميلاد مقيدين في القنصلية وكان تاريخ الميلاد راجعاً إلى ما قبل إنشاء تلك السجلات فلا يتصور أن يتم القيد إلا بإملاء صاحب المصلحة في ذلك وعلى هذا الوجه لا يكون لما به حجية في الإثبات يضاف إلى ذلك أيضاً أن شرط انطباق المادة الأولى من الأمر العالي المشار إليه ألا يكون المتوطن من رعايا الدول الأجنبية أو تحت حمايتها وهو الأمر الذي لم يتوافر في شأن جد المطعون عليه أو والده أو المطعون عليه نفسه لأنهم كانوا تونسيين مشمولين بالحماية الفرنسية على النحو السالف بيانه كما لا صحة لما يذهب إليه المطعون عليه من أن والده كان يعمل في الحكومة مما يقطع بأنه تنازل عن الحماية وعومل على أنه مصري الجنسية ذلك لأنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة والد المطعون عليه أنه كان يعمل في الشركة العقارية بعقد مؤقت ولما آلت تلك الشركة إلى الحكومة ضمت موظفيها إلى مصلحة الأملاك الأميرية وعلى ذلك فلاً يمكن أن يستخلص من هذه الواقعة تنازل والد المطعون عليه من جنسيته الأصلية أو اعتباره مصرياً.
ومن حيث إنه اعتباراً من 20 نوفمبر سنة 1956 عمل بأحكام القانون رقم 391 سنة 1956 الخاص بالجنسية المصرية ونصت مادته الأولى على ما يأتي "المصريون هم: أولاً: المتوطنون في الأراضي المصرية قبل أول يناير سنة 1900 المحافظون على إقامتهم فيها حتى تاريخ نشر هذا القانون ولم يكونوا من رعايا الدول الأجنبية وتعتبر إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع والزوجة متى كانت لديهم نية التوطن..." ومفاد هذا النص أن المشرع جعل مناط التمتع بالجنسية المصرية هو التوطن في مصر قبل أول يناير سنة 1900 والمحافظة على الإقامة فيها حتى تاريخ نشر القانون ما لم يكن المتوطن من رعايا الدول الأجنبية.
ومن حيث إنه لما كان المطعون عليه يعتبر من رعايا تونس على النحو السالف بيانه لبنوته لأب ولجد تونسيين ولم يثبت أنه تنازل عن هذه الرعوية أو أنها أسقطت عنه لأي سبب من الأسباب بل على العكس من ذلك فقد كشف استعراض ملفات الجنسية الخاصة به عن أنه تمسك برعويته الأصلية وبالحماية الفرنسية في مختلف أطوار حياته كما أنه لم يرغب في اختيار الجنسية المصرية وفقاً لأحكام المادة السابعة من القانون 19 سنة 1929 التي أجازت لمن كان في مثل حالته اختيار الجنسية المصرية في خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد ومن ثم يعتبر المطعون عليه من رعايا الدول الأجنبية في حكم المادة الأولى من القانون 391 سنة 1956 المشار إليه ولا يكتسب الجنسية بالتطبيق لها.
ومن حيث إنه لا اعتداد في هذا الشأن بما أثاره المطعون عليه من أن حالته الظاهرة تعتبر دليلاً كافياً على جنسيته المصرية أنه وقد توافرت فيه شروطها وعاملته مختلف الجهات الحكومية على هذا الأساس بدليل أن وزارة الخارجية قد أصرت على معاملته معاملة المصريين عندما اتهم في إحدى القضايا كما أنه اقترع للخدمة العسكرية وتسلم بطاقته الانتخابية ومارس حق الانتخاب ومنح جواز سفر مصري وقبل عضواً في الاتحاد الاشتراكي ويعمل في إحدى شركات القطاع العام وقد أفادت سفارة تونس وزارة الخارجية بأنه لم يقيد في سجلاتها ولم يتقدم إليها بوصفه من التونسيين - لا اعتداد بكل ذلك لأن الحالة الظاهرة ليست لها حجية قطعية ويجوز دائماً إقامة الدليل على عكس ما تشهد به تلك الحالة.
كما أن وزارة الخارجية ليست هي الجهة المختصة ببحث الجنسية وفضلاً عن ذلك فإنها لم تعترف بأن المطعون عليه مصري الجنسية وإنما رأت معاملته معاملة المصريين عندما اتهم في إحدى القضايا ولا يدل هذا التصرف إلا على أن وزارة الخارجية رأت أن تنكر على المطعون عليه ما كان يدعيه من أنه كان من الأجانب أصحاب الامتيازات أما عن بطاقة الانتخاب التي سلمت إلى المطعون عليه وكذلك استعماله الحق الدستوري المخول له بمقتضاها فإنه من الأمور المسلمة أن ذلك لا يعتبر دليلاً قاطعاً في ثبوت الجنسية المصرية وكذلك الشأن بالنسبة إلى صرف جواز السفر وعضوية الاتحاد الاشتراكي أو العمل في إحدى شركات القطاع العام وأما عما جاء بكتاب السفارة التونسية فإن عدم قيد المطعون عليه بتلك السفارة أو عدم تقدمه إليها ليس من شأنه أن يسقط عنه جنسيته الأصلية أو يكسبه حقاً في الجنسية المصرية.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما أثاره المطعون عليه في مذكرته الختامية من أن بعض المستندات القاطعة في إثبات جنسيته قد فقدت فالذي يبين من الاطلاع على الأوراق المرفقة بملف الطعن أن محكمة القضاء الإداري قررت حجز القضية للحكم في الطلب المستعجل الخاص بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه ثم قررت فتح باب المرافعة لجلسة 18 من نوفمبر سنة 1958 لاستكمال الملفات التي قال محامي المدعي أن بعض مرفقاتها قد انتزعت وكان المدعي قد قدم مذكرة "رقم 9 دوسيه" أرفق بها بياناً بالمستندات التي قال أنها انتزعت من الملف ثم قدمت إدارة الجوازات والجنسية مذكرة بتاريخ 4 من ديسمبر سنة 1958 فندت فيها أقوال المدعي في شأن تلك المستندات وأثبتت أن الملفات المقدمة منها كاملة ومرفق بها جميع المستندات وبجلسة 13 من يناير سنة 1959 ترافع محامي المدعي أمام المحكمة في موضوع الطلب ولم يشر إلى المستندات التي كان قد ادعى بفقدها ثم حكمت المحكمة بجلسة 3 من مارس سنة 1959 برفض طلب وقف التنفيذ وعندما نظرت محكمة القضاء الإداري الموضوع بجلسة 7 من فبراير سنة 1961 أثار المدعي موضوع تلك المستندات مرة ثانية فقال محامي الحكومة أنه قدم الملف كاملاً ثم تداولت القضية في الجلسات حتى جلسة 6 من يونيه سنة 1961 وفيها تقرر تأجيل نظر الدعوى بناء على طلب المدعي لتقديم مستندات وبجلسة 31 من أكتوبر سنة 1961 أثبت محامي المدعي أنه غير متمسك مؤقتاً بالأوراق التي سلختها الحكومة من الملف ثم أثار المطعون عليه موضوع فقد تلك المستندات أمام المحكمة الإدارية العليا بمذكرته المؤرخة 25 من يونيه سنة 1966 وفي مذكرته المؤرخة 7 من نوفمبر سنة 1966 وفي برقيته دون أن يبين كنه تلك المستندات أو موضوعها أو يقدم صوراً منها مع أنه قدم حافظة مستندات بتاريخ 2 من يونيه سنة 1966.
ومن حيث إنه لا وجه لما طلبه المطعون عليه في مذكرته الختامية من اعتبار تلك المستندات كما لو كانت موجودة والأخذ بما استخلصت الإدارة منها عند تقديمها وهو إثبات جنسيته أو فتح باب المرافعة للتحقيق في فقد تلك المستندات - لا وجه لذلك لأن مصلحة الجوازات والجنسية قدمت ما يدل دلالة قاطعة على أنها قدمت ملفات الموضوع كاملة ويضاف إلى ذلك أنه يبين من الاطلاع على الطلب المقدم من المطعون عليه في 24 من فبراير سنة 1946 لصرف جواز سفر إليه أنه لم يقدم مع طلبه مستندات وأنه طولب بتقديم شهادة الميلاد ووعد بتقديمها ثم تأشر بصرف جواز السفر وتم صرفه إليه فعلاً في نفس اليوم "مستند رقم 1 من الملف رقم 10251/ 100" أي أن جواز السفر صرف إليه دون بحث جنسيته كما تقرر المصلحة المختصة وإذ لم يقدم المطعون عليه المستندات التي يدعي أنها تثبت جنسيته أو يقدم صوراً منها مع أن المجال كان منفسحاً أمامه لتقديمها منذ أن أفصحت هذه الإدارة عن رأيها في شأن المستندات المدعى بفقدها بالمذكرة المؤرخة 14 من ديسمبر سنة 1958 حتى تاريخ تقديم مذكرة المطعون عليه في 7 من نوفمبر سنة 1966 فمن ثم يتعين الالتفات عن طلب المطعون عليه المشار إليه في هذه المذكرة لعدم جديته.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم فإن المطعون عليه لا يعتبر داخلاً في جنسية الجمهورية العربية المتحدة بحكم القانون بالتطبيق لقوانين الجنسية أرقام 19 سنة 1928، 160 سنة 1950، 391 سنة 1956 المشار إليها ويكون القرار الصادر من وزارة الداخلية بسحب جواز سفره المصري هو قرار مطابقاً للقانون وبمنأى عن الطعن، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعيناً إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.