مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 229

(22)
جلسة 19 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وأحمد البحراوي ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 620 لسنة 11 القضائية

( أ ) دعوى. "الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع. قرار المحكمة بندب خبير". إثبات "خبرة". القرار الصادر بندب خبير - يعتبر حكماً - عدم تسبيبه - ليس من شأنه أن ينال من صفته أو شوبه بالبطلان - أساس ذلك.
(ب) دعوى. "وقف التنفيذ". أسلحة وذخائر. طلب وقف التنفيذ - ركناه قيام الاستعجال والأسباب الجدية - "مثال".
(ج) أمراض عقلية. القانون رقم 141 لسنة 1944 نصه على اختصاص مجلس مراقبة الأمراض العقلية بالنظر في حجز المصابين بأمراض عقلية والإفراج عنهم والترخيص للمستشفى المعدة لهم والتفتيش عليها - لا يحول دون إبدائه الرأي في الحالات التي ترجع إليه فيها الجهات الإدارية ولو كانت خاصة بأشخاص غير محجوزين أو مطلوب حجزهم أو دخولهم مستشفيات الأمراض العقلية.
(د) قضاء إداري. "سلطته في الاستعانة بأهل الخبرة". خبرة. وصم الشخص بأنه مريض بمرض عقلي في نزاع جدي - سلطة القضاء الإداري في أن يتخذ ما يلزم للتحقق من ذلك. [(1)]
(هـ) أسلحة وذخائر. "ترخيص". القانون رقم 394 لسنة 1954 معدلاً بالقانونين 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 في شأن الأسلحة والذخائر - سلطة الجهة الإدارية في منح ومنع الترخيص - من الملاءمات المتروكة لها حسبما تراه متفقاً مع صالح الأمن العام بلا معقب عليها ما دامت مطابقة للقانون وخالية من إساءة استعمال السلطة - وجوب تسبيب قراراتها في حالة رفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغائه - ثمة حالات أوجب فيها القانون على الإدارة رفض منح الترخيص أو رفض تجديده أو سحبه - مثال.
(و) قرار إداري "سببه". ترخيص. سلطة إدارية. تذرع الإدارة في رفضها الترخيص بسبب من الأسباب الداخلة في الظاهر استناداً إلى سلطتها المقيدة - رقابة القضاء الإداري على صحة هذا السبب - ليس له أن يتعداها إلى ما وراء ذلك من أسباب فنية أو افتراضية قد تحمل عليها سلطتها التقديرية في الترخيص - أساس ذلك.
1 - لا شك في أن القرار الصادر بندب الخبير لا يخرج عن كونه حكماً توافرت له مقومات الأحكام إذ أصدرته محكمة القضاء الإداري بما لها من سلطة قضائية في خصومة مطروحة عليها متضمناً اتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات - ولئن كان هذا الحكم صدر غير مسبب إلا أن ذلك ليس من شأنه أن ينزع صفة الحكم أو يشوبه بالبطلان إذ من المسلم أن الأحكام غير القطعية الصادرة باتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات لا يلزم تسبيبها لأن النطق بها يفصح بذاته عن سبب إصدارها.
2 - أن طلب وقف التنفيذ يقوم على ركنين - الأول قيام الاستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها - والثاني يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية - ولا شك في أن تنفيذ القرار المتضمن رفض الترخيص للمدعي في الاتجار في الأسلحة وما ينطوي عليه من تقييد لحريته في العمل بتنحيته على إدارة محلات الأسلحة والذخائر التي يملكها استناداً إلى أنه مصاب بمرض عقلي من شأنه أن تترتب عليه أضرار جسيمة يتعذر تداركها تتمثل ليس فحسب في حرمانه من مباشرة نشاطه التجاري بل فيما يترتب على هذا الحرمان المستند إلى وصمه بأنه مصاب بمرض عقلي من عدم الثقة فيه والقضاء على سمعته كتاجر في المجال الذي يعمل فيه وهو مجال تقوم العلاقات فيه على أساس الثقة والائتمان وتأسيساً على ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بوقف تنفيذ القرار المذكور بعد أن استظهر الركنين اللذين يقوم عليها هذا الطلب يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في هذا الشأن.
3 - بالرجوع إلى أحكام القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية يبين أنه قد حدد اختصاص مجلس مراقبة الأمراض العقلية بالنظر في حجز المصابين بأمراض عقلية والإفراج عنهم وفي الترخيص بالمستشفيات المعدة لهم والتفتيش عليها وذلك حسبما هو مستفاد من نص المادة الأولى من القانون المذكور ومن سائر أحكامه وتحديد اختصاص مجلس المراقبة على هذا الوجه لا يحول دون إبدائه لرأيه في الحالات التي ترجع إليه - فيها الجهات الإدارية ولو كانت خاصة بأشخاص غير محجوزين أو مطلوب حجزهم أو دخولهم في مستشفيات الأمراض العقلية باعتبار أن ذلك من الأمر التي تتصل بتخصصه.
4 - نظراً إلى أن وصم الشخص بأنه مريض بمرض عقلي من شأنه أن يؤثر على أهليته وقد يؤدي إلى تقييد حريته الشخصية فإنه يجوز للقضاء الإداري إذا ما ثار أمامه نزاع جدي حول الإصابة أو عدم الإصابة بمرض عقلي أن يتخذ ما يلزم للتحقيق من ذلك لاسيما إذا قام من الشواهد في أوراق الدعوى ما يسوغ اتخاذ مثل هذا الإجراء.
5 - أن المستفاد من أحكام المادتين 4، 12 من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر المعدل بالقانونين رقم 546 لسنة 1954 ورقم 75 لسنة 1958 أن الترخيص أو عدم الترخيص في حمل الأسلحة واستيرادها والاتجار بها وصنعها من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة تترخص فيما حسبما تراه متفقاً مع صالح الأمن العام بناء على ما تطمئن إليه من الاعتبارات التي تزنها والبيانات والمعلومات التي تتجمع لديها من المصادر المختلفة لا يقيدها سوى وجوب التسبيب في حالة رفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغائه ولا معقب على قراراتها في هذا الشأن ما دامت مطابقة للقانون وخالية من إساءة استعمال السلطة على أنه ولئن كان ذلك هو الأصل في منح الترخيص أو رفضه أو سحبه إلا أن هناك حالات قيد فيها القانون سلطة الإدارة وفرض عليها رفض منح الترخيص أو رفض تجديده أو سحبه وهي الحالات المنصوص عليها في المادتين 7، 15 منه فإذا ما قامت بطالب الترخيص أو التجديد إحدى هذه الحالات تعين رفض طلبه دون أن يكون للجهة الإدارية أية سلطة تقديرية في هذا الشأن ومن بين هذه الحالات أن يكون طالب الترخيص أو التجديد قد سبق دخوله مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية بحسبان أن دخوله ذلك المستشفى أو تلك المصحة دليل على إصابته بمرض عقلي يجعل من الخطورة الترخيص له في حمل الأسلحة أو الاتجار بها أو صنعها.
6 - لو صح أن المدعي كان مريضاً بمرض نفسي عرضة للتحول إلى مرض عقلي وأنه كان يجوز للجهة الإدارية أن تستند إلى هذا السبب لإصدار القرارين المطعون فيهما بما لها من سلطة تقديرية وفقاً لأحكام المادتين 4، 12 من القانون رقم 394 لسنة 1954 فإن ذلك ما كان يسوغ على أية حال أن يقوم القضاء الإداري مقام الإدارة في إحلال سبب آخر محل السبب غير الصحيح الذي قام عليه القراران المذكوران بغية حملهما وأن يحكم من ثم برفض الدعوى ذلك أنه متى كان الأمر متعلقاً بسلطة تقديرية يترك فيها القانون للجهة الإدارية قدراً من الترخص تزن على مقتضاه ملاءمة منح الترخيص أو رفضه لم يجز للقضاء أن يترجم عنها إحساسها واقتناعها بتحقق أو عدم تحقق الاعتبارات الموضوعية التي يبنى عليها تصرفها التقديري ولا أن يصادر حريتها في اختيار الأسباب التي يقوم عليها قرارها لأن هذا المسلك من شأن الإدارة وحدها لا يجوز فيه قيام القضاء مقامها فيما هو حري بتقديرها ووزنها وعلى ذلك يقتصر دور القضاء الإداري على مراقبة صحة السبب الذي تذرعت به الإدارة في رفضها للترخيص فإن كان من الأسباب الداخلة في الظاهر ضمن المبررات التي تحتم رفضها للترخيص استناداً إلى سلطتها المقيدة لم يسغ له أن يتعداها إلى ما وراء ذلك بافتراض أسباب ظنية أخرى قد تحمل عليها سلطتها التقديرية بل تقتصر ولايته على رقابة صحة السبب المزعوم فإن تبين له عدم صحته وجب عليه الحكم بإلغاء القرار الذي قام على هذا السبب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 23 من مايو سنة 1963 أقام السيد/ حنفي محمود السجلابي الدعوى رقم 1434 لسنة 17 القضائية ضد السيد وزير الداخلية والسيد مدير عام مصلحة الأمن العام طالباً الحكم أولاً - بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر في 15 من يناير سنة 1963 بسحب ترخيص المحال التجارية المملوكة له والكائنة بالقاهرة والإسكندرية ودمنهور والمنصورة للاتجار في الأسلحة والذخائر والمصنع المملوك له الكائن بمحرم بك بالإسكندرية لصناعة الخرطوش وتعبئة وتجميع بنادق الصيد وضغط الهواء والرماية وكذلك القرار الصادر بتاريخ 5 من فبراير سنة 1963 بحسب رخصة حمل السلاح له وثانياً - وفي الموضوع بإلغاء القرارين المذكورين وثالثاً - بإلزام المدعى عليها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وقال شرحاً لدعواه أنه منذ سنة 1948 يتجر في الأسلحة والذخائر في عدة محلات في القاهرة والإسكندرية ودمنهور والمنصورة ويمتلك مصنعاً بالإسكندرية لصناعة الخرطوش وتعبئته وصناعة وتجميع بنادق الصيد وضغط الهواء والرماية وظل يمارس هذه الصناعة والتجارة على نحو لا ترقى إليه شبهة حتى إذا كان النصف الثاني من سنة 1962 وجهت له حملة مغرضة من منافسين له في التجارة قدر الله له فيها النصر واستنفذت المعركة منه جهداً أرهقه فالتمس الراحة والعلاج مما أصابه من جد ونصب فدخل القسم النفساني بمستشفى الدكتور بهمان ثم غادره بعد فترة بسيطة استكمل فيها صحته ثم رأى أن يتخفف من مسئولية الأعمال الجسيمة التي يضطلع بها بأن يشرك أخاه السيد/ أحمد محمود إبراهيم السجلابي في إدارة أعماله وانعقد بينهما عقد شركة ثابت التاريخ في 20 من ديسمبر سنة 1962 فتقدم إلى إدارة اللوائح والرخص لإضافة اسم هذا الأخ إلى رخص المصنع والمحلات التجارية إلا أن خصومه تقدموا بشكاوى إلى الوزارة يفترون عليه بأنه أدخل مستشفى بهمان للأمراض العقلية واستجابت الوزارة لهذه الفرية دون بحث أو تمحيص وألغت ترخيص المحلات والمصنع باسمه ثم حان موعد تجديد رخصة سلاح يحمله فاشترطت جهة الإدارة لذلك عرضه على الطبيب الشرعي وتم ذلك ووضحت سلامته عن كل عيب جسمي أو عقلي ورغم ذلك قررت مصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية سحب الترخيص بحمل السلاح ونعى المدعي على القرارين المذكورين أنهما مقامان على سبب منعدم قانوناً وواقعيا ذلك أن المستشفى الذي دخله قرر صراحة أنه لم يلحق بقسم الأمراض العقلية به كما أن الطبيب الذي عالجه قرر أنه لم يعالج من مرض عقلي بل من مجرد مرض نفساني وذكر أن مقتضى ذلك أن يكون سحب ترخيص المحال التجارية والمصنع وكذلك ترخيص حمل السلاح بالتطبيق للقانون رقم 384 لسنة 1954 والقوانين المعدلة له منعدم السبب وأضاف أنه تظلم من هذين القرارين إلا أن تظلمه رفض وأن في نفاذهما ضرر جسيم يلحق به وأنه لذلك يحق له طلب الحكم بوقفهما حتى يفصل في موضوعهما بإلغائهما.
وأجابت الوزارة على الدعوى بمذكرة قالت فيها أن المدعي تقدم بطلب لتجديد رخصة الاتجار في الأسلحة والذخائر الخاصة بمحله بالإسكندرية وببحث توافر الشروط التي ينص عليها القانون ورد في 5 من أغسطس سنة 1962 كتاب من قسم حلوان مرافقاً له كتاب مستشفى بهمان المؤرخ في 2 من أغسطس سنة 1962 المتضمن أن المدعي دخل القسم العصبي بالمستشفى للراحة والعلاج من حالة اكتئاب مصحوب بقلق نفساني وباستطلاع رأي (مجلس المراقبة للأمراض العقلية) بوزارة الصحة فيما إذا كانت حالة المدعي تعتبر من الأمراض العصبية ورد رده مصحوباً بتقدير السيد مفتش مجلس مراقبة الأمراض العقلية الذي جاء به أن المجلس يرى أن حالة المدعي (تعتبر حالة نفسية مصحوبة بأعراض عقلية طارئة) وأنها عرضه للتطور - وأشارت إدارة الفتوى والتشريع بعدم إمكان تجديد الترخيص الممنوح له نظراً إلى سابقة دخوله مستشفى بهمان للأمراض العقلية ثلاث مرات خلال المدة من 20 من يونيو إلى 20 من أكتوبر سنة 1962 حيث مكث حوالي 52 يوماً فيكون قد قام به مانع من موانع الترخيص - وذكرت الوزارة أنها تيسيراً للمدعي ومراعاة لظروفه وافقت على درج اسم شقيقه (باعتباره شريكاً له) في تراخيص الاتجار والمصنع مع شطب اسم المدعي منها وعلى إلغاء رخصة حمل وإحراز السلاح الخاصة به. وظلت المحلات والمصنع تباشر نشاطها تحت إشراف هذا الشقيق الشريك - وتقدم المدعي بتظلم أرفق به شهادة من المستشفى الذي عولج فيه تفيد أن علاجه كان بالقسم العصبي وهو وحدة مستقلة عن مستشفى الأمراض العقلية وشهادة من الطبيب المعالج تفيد أنه شفي من الأمراض التي يشكو منها - ودفعت الوزارة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد استناداً إلى أن القرارات المطعون فيها صدرت في 15 من يناير سنة 1963 وإلى أنه تظلم منهم في 17 من فبراير سنة 1963 ورفض تظلمه فأقام دعواه في 23 من مايو سنة 1963 طاعناً في القرار الصادر في 15 من يناير سنة 1963 بسحب ترخيص المحال التجارية والمصنع والقرار الصادر في 5 من فبراير سنة 1963 بسحب رخصة السلاح وكان يتعين عليه أن يطعن على القرارات الصادرة برفض تظلمه كما تقضي بذلك المادة 22 من قانون مجلس الدولة - ثم تحدثت الوزارة عن موضوع الدعوى فأشارت إلى أحكام المادتين 7، 15 من القانون رقم 394 لسنة 1954 وذكرت أنه وفقاً لهذه الأحكام يكفي مجرد دخول شخص مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية لعدم جواز الترخيص له في حمل وإحراز السلاح أو في صنعه أو الاتجار به وأن مجرد دخول المدعي مستشفى الأمراض العقلية كان لشطب اسمه من التراخيص الخاصة بحمل وصنع والاتجار بالأسلحة والذخائر وذلك بصرف النظر عما وجه إليه من اتهامات في القضية رقم 40 مالية لسنة 1962 الخاصة بضبط قطع غيار أسلحة مفرج عنها بدون دفع الرسوم الجمركية الواجبة وفي القضية رقم 6 أحوال شرطة المنتزه لسنة 1962 بشأن تهديده لرئيس حساباته بالقتل وشروعه في هتك عرضه - وأنه لا يقدح في ذلك ما ذهب إليه المدعي من أنه كان يعالج بالقسم العصبي وهو وحدة مستقلة داخل مستشفى الأمراض العقلية إذ أن هذه تقسيمات داخلية بالمستشفى حسب طريقة العلاج وقد قطعت الجهة الفنية المختصة وهو مجلس مراقبة الأمراض العقلية بأن حالته تنطبق عليها المادة 21 من القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية وانتهت الوزارة إلى القول بأنه لما كان السبب في إصدار القرارات المطعون عليها هو قيام حالة بالمدعي هي دخوله مستشفى الأمراض العقلية فإنه يكون ولا حق له في دعواه - ثم تحدثت الوزارة عن طلب وقف التنفيذ فقالت أن الشروط التي يتطلبها القانون لإجابة هذا الطلب غير متوافرة - وطلبت الحكم أولاً وأصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد القانوني وثانياً واحتياطياً رفض طلب وقف التنفيذ وفي الموضوع برفضها مع إلزام المدعي في أية حالة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وتقدم المدعي بمذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الدفع بعدم قبول الدعوى تأسيساً على أنه أقامها في الميعاد وتحدث عن الموضوع فقال أن القرار قد بني على أنه أودع إحدى مصحات الأمراض العقلية وعقب على ذلك بقوله أن مستشفى بهمان قد نفى ذلك بكتابه المؤرخ في 24 من ديسمبر سنة 1962 الذي جاء به أن القسم الذي عولج فيه هو القسم العصبي وهو وحدة مستقلة تمام الاستقلال عن مستشفى الأمراض العقلية كما نفاه الدكتور المعالج الذي بين بشهادته المؤرخة في أول أكتوبر سنة 1963 أنه كان يعاجله من حالة قلق نفسي مصحوب باكتئاب نفساني تسبب من صدمات ومشاكل خاصة بعمله وذلك أثناء وجوده بالقسم النفساني في المستشفى وأضاف المدعي أن الإيداع بمستشفيات الأمراض العقلية وفقاً للقانون رقم 141 لسنة 1944 يتم في حالتين الأولى - حالة المرضى الخطرين على أمن الغير أو أمن أنفسهم والثانية - حالة المرض غير المصحوبة بهياج وتشترط المادة السابعة أن يكون إيداع المريض وحجزه بناء على طلب من أحد أقاربه ثم بتقرير يكتبه طبيبان لهما من أطباء المستشفى الذي يودع به المريض وفي هذه الحالة يجب المبادرة بإخطار مجلس المراقبة ليتولى فحص الحالة بنفسه ثم يقرر في مدى ثلاثين يوماً ما إذا كان الحجز سليماً وإلا أخلى سبيل المريض فوراً - وذكر أنه لم يحدث في حقه شيء من ذلك فهو لم يكن مودعاً في مستشفى للأمراض العقلية ولم يتوفر في حقه أي شرط مما نص عليه القانون 141 لسنة 1947 وعقب المدعي على تقرير مفتش مراقبة الأمراض العقلية الذي صدرت بناء عليه الفتوى بإجازة سحب الترخيص منه بقوله: أن هذا المفتش لم يكشف عليه بنفسه ولم يفحص حالته إنما اكتفى بالاطلاع على أوراق علاجه ورغم ذلك وصف حالته بأنها نفسية مصحوبة بأعراض عقلية طارئة يمكن علاجها في فترة وجيزة جداً وأنها عرضة للتطور الذي يجعل من المحتمل أن تتحول إلى حالة عقلية - وذكر أنه رغم عدم دقة هذا الكلام فإن المستفاد منه أن مرضه كان نفسياً وأنه لم يكن هناك إلا مجرد احتمال لأن يصاب بمرض عقلي هو احتمال قائم في حق كل إنسان ثم تحدث المدعي عن طلب وقف التنفيذ وقال أن مبرراته قائمة.
وبعد أن أمم مصنع المدعي بمقتضى القانون رقم 141 لسنة 1963 قرر الحاضر عنه بجلسة 24 من ديسمبر سنة 1963 أنه يقصر طلباته على محلات التجارة ورخصة السلاح الشخصية.
وقررت المحكمة بجلسة 3 من مارس سنة 1964 ندب السيد الدكتور يوسف براده أستاذ الأمراض العصبية سابقاً لوضع تقرير عن المدعي لبيان نوع الحالة التي أصيب بها وعولج من أجلها بمستشفى الدكتور بهمان وذلك لتحديد ما إذا كانت هذه الحالة تعتبر مرضاً عقلياً أم مرضاً نفسياً.
وأودع الدكتور يوسف براده تقريره في 10 من مارس سنة 1964.
وبجلسة 27 من أكتوبر سنة 1964 ناقشت المحكمة الدكتور أحمد سعد الدين مفتش مجلس المراقبة العقلية وواضع التقرير المشار إليه بخطاب المجلس المذكور.
وبجلسة أول ديسمبر سنة 1964 طلب الحاضر عن الوزارة من المحكمة أن تعدل عن قرارها الصادر بندب خبير وبعد أن ناقشت المحكمة الدكتور يوسف براده والدكتور أحمد سعد الدين قررت تكليف الدكتور يوسف براده بتقديم تقرير تكميلي تعقيباً على التقرير المقدم بالجلسة من الدكتور سعد الدين.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في طلب وقف التنفيذ انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم برفضه كما أودعت تقريراً في الموضوع انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء القرارين المطعون فيهما وإلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وفي 31 من ديسمبر سنة 1964 أودع الدكتور يوسف براده تقريره التكميلي.
وبجلسة 30 من مارس سنة 1965 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها على الوجه السابق بيانه وبنت قضاءها برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً على أنه يستوي أن ينصب الطعن على القرار في التظلم برفضه أو على القرار المتظلم منه وأن الثابت أن القرار الأول بسحب ترخيص المحال التجارية صدر في 15 من يناير سنة 1963 والقرار الثاني بسحب رخصة السلاح صدر في 5 من فبراير سنة 1963 وتظلم منهما المدعي في 17 من فبراير سنة 1963 ثم رفض تظلمه في 23 من مارس سنة 1963 ورفع دعواه في 23 من مايو سنة 1963 فتكون قد رفعت في الميعاد وعقبت المحكمة على طلب الوزارة عدولها عن القرار الصادر في 3 من مارس سنة 1964 بندب خبير بأنه فضلاً عن أن هذا الطلب أبدي بجلسة أول ديسمبر سنة 1964 بعد أن أدى الخبير مأموريته فإن عدول المحكمة عن إقرارها بندب خبير أمر متروك لتقديرها كما أن ندب هذا الخبير ليس من شأنه حلولها محل الجهة الإدارية في اختصاصها وبنت المحكمة قضاءها بوقف تنفيذ القرار الخاص بسحب ترخيص المحال التجارية على أن تنفيذه من شأنه حرمان المدعي من مورد رزقه بالإضافة إلى ما تبين من عدم مشروعيته كما بنت قضاءها رفض طلب وقف تنفيذ القرار الخاص بسحب ترخيص حمل السلاح على أن المدعي لم يثبت أن في سحب السلاح منه خطراً عليه وبنت قضاءها في الموضوع على أن الثابت من الأوراق أن القرارين المطعون فيهما يقومان على سابقة دخول المدعي مستشفى للأمراض العقلية عملاً بالمادتين 7 و15 من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر وأن الثابت من الأوراق أيضاً أنه دخل القسم العصبي بمستشفى الدكتور بهمان بحلوان ست مرات في المدة من 23 من يونيو سنة 1962 إلى 3 من مايو سنة 1963 منها ثلاث مرات قبل صدور أول القرارين المطعون فيهما وأربع مرات قبل صدور ثاني هذين القرارين وكان تشخيص حالته أثناء العلاج في المرة الأولى (حالة قلق واكتئاب وعند الخروج كان في حالة تحسن طفيف) وفي الثانية (كان في حالة اكتئاب مصحوب بقلق نفسي وعند الخروج كان في حالة تحسن جداً) وفي المرة الثالثة (كان في حالة اكتئاب وعند الخروج كان في حالة تحسن جداً) وفي المرة الرابعة (كان في حالة قلق واكتئاب وعند الخروج كان في حالة تحسن) - وفي المرة الخامسة (كان في حالة قلق واكتئاب وعند الخروج كان في حالة تحسن جداً - وفي المرة السادسة (كان في حالة اكتئاب وعند الخروج كان في حالة تحسن قليلاً) - وقرر مفتش مجلس مراقبة الأمراض العقلية (الدكتور أحمد سعد الدين الحكيم) في تقريره المقدم منه إلى المجلس المذكور أنه اتضح له من أوراق المدعي في مستشفى بهمان ومن تقارير من تولى علاجه فيها (أن حالته تعتبر حالة نفسية مصحوبة بأعراض عقلية طارئة ممكن علاجها في فترة وجيزة جداً وأن هذه الحالة عرضة للتطور الذي يجعلها من المحتمل أن تتحول إلى حالة عقلية) وبناء على هذا التقرير رأى المجلس أن حالة المدعي نفسية مما تنطبق عليه أحكام المادة 21 من القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية ثم تحدثت المحكمة عن تقرير الدكتور يوسف براده الخبير المنتدب فذكرت أنه بعد أن أشار إلى التفرقة بين المرض العقلي والمرض النفسي قال أن المريض نفسياً تظل شخصيته متماسكة للحد الذي تكون معه تصرفاته منسجمة مع الواقع وتسودها رعاية الحقائق القائمة ويظل اهتمامه بالمجتمع قائماً بخلاف المريض العقلي الذي يفقد هذا الاهتمام وأن الاكتئاب في المريض النفسي يتقرر ويتأثر بالعوامل المحيطة به ويحتفظ المريض عاطفياً بحماسيته وتفاعله مع الجو السائد في حين أن المريض العقلي غالباً ما يكون متبلد العاطفة لما حوله تحكمه أفكاره الداخلية وأن ميزة التبصر في المريض النفسي واضحة، وقليلة أو مفقودة في المريض العقلي - وأشارت المحكمة إلى أن الدكتور يوسف براده قد استند في تقريره إلى الشهادات الطبية المقدمة من الدكتور عمر الجارم (رئيس قسم الأمراض العصبية والنفسية بجامعة الإسكندرية وهو الطبيب المعالج للمدعي) وللدكتور فتحي لوزه (الذي قام بعلاجه بمستشفى بهمان) وأطلع على التحقيقات التي كان المدعي طرفاً فيها وذكرت أنه قام بمقابلة المدعي في عيادته يوم أول يونيو سنة 1964 وتبين له أنه كان أثناء المحادثة هادئاً رزيناً لم تظهر عليه أية أعراض من مرضه السابق كما كان منطقياً في مناقشاته ومتزناً في حركاته - وأنه اتضح له من المشاهدات اليومية في مستشفى بهمان في المرات الستة التي داخلها المدعي أن تشخيص حالته قلق نفسي وكآبة وكانت متاعب العمل وإشكالاته هي مصدر شكواه الرئيسي كما كان اهتمامه بعمله وخوفه عليه محور كلامه وإذا حدثت مصادمات بينه وبين موظفيه وأخفيت مستندات لها قيمتها في قضايا ضرائبية اتهم فيها كذباً بالتهرب من الجمارك مما ترتب عليها تفتيش منزله ومحلاته أكثر من مرة ثم سحبت رخصة مصنع السلاح ورخص محلات الاتجار بالأسلحة ورخصة حمل السلاح فأدت هذه الصدمات المتعاقبة إلى حالة القلق النفسي والاكتئاب وكان كلما تحسنت حالته وخرج ليواجه مشاكل العمل ينتكس وتزداد حالة القلق والاكتئاب فيغلب عليه الملل والتشاؤم ويزهد في العمل ويعتكف كما أن خيبة أمله في الناس وخياناتهم له جعله يشك فيهم وفي أعمالهم ويضطرب نومه فيسعى إلى العلاج والراحة بالمستشفى وفي كل الأوقات - ومهما اشتد قلقه - كان متعلقاً بعمله تحدوه دائماً الرغبة في الرجوع إليه وفي كل مرة دخل المستشفى كان يخرج منه عندما تزول أعراض المرض وهو في تحسن طفيف أو في تحسن لاهتمامه بعمله ومصنعه ولما أمم المصنع في نوفمبر سنة 1963 وأصبح خالياً من المشاغل هدأت نفسه ولما سئل عن هدفه من الاستمرار في الدعوى أجاب بأن ذلك من أجل محلاته التجارية وهوايته للصيد ولرد اعتباره وهذا يدل على مدى ولع المدعي بعمله وشدة تعلقه به والمحافظة على سمعته وذكرت المحكمة أن الدكتور يوسف براده خلص مما تقدم إلى أن حالة الاكتئاب والقلق النفسي التي أصابت المدعي كانت نتيجة عوامل خارجية لم تؤثر في شخصيته ولم تفقده الصلة بالواقع المحيط به بل كان متفاعلاً معه منطقياً في تصرفاته ولم يشذ عن المألوف رغم ما قابل من صدمات قاسية وأن تبصره واضح ويعي الموقف تماماً ويتألم لمرضه ويسعى تلقائياً للعلاج بشتى الطرق وانتهى إلى أن مرضه نفسي لم يتدهور إلى مرض عقلي - ثم عرضت المحكمة التقرير المقدم من الدكتور سعد الدين الحكيم تعقيباً على تقرير الدكتور براده وقالت أنه قد جاء بهذا التقرير أن المرض العقلي المبكر لا يفقد المريض الصلة بواقعه بل يظل في حالة إدراك لأعراضه المرضية فيتقدم بنفسه ويبحث عن العلاج وأن غالبية الحالات التي تنطبق عليها المادة 21 من القانون رقم 141 لسنة 1944 إما حالات اكتئاب مبكرة أو قلق نفسي مصحوب باكتئاب وأن هناك فرقاً بين الاكتئاب الاستجابي والاكتئاب الأصلي وأساس التفرقة بينهما هو توافق أو عدم توافق شدة الاكتئاب مع العامل المؤثر وكذلك استمرار حالة الاكتئاب أو عدم استمرارها بعد زوال هذا المؤثر وأن الأعراض الإكلينيكية للاكتئاب الأصلي تبدأ بقلق نفسي ثم تزداد الحالة تدريجياً وتنصح فتبدو حالة الاكتئاب وتكون حالة المريض في الصباح أسوأ منها في آخر اليوم ويعاني من الشعور بفقد الأمل في الحياة والاكتئاب لدى المدعي كان من هذا النوع الثاني وهو التشخيص الذي بني عليه العلاج بالمستشفى حيث عولج بصدمات كهربائية وبالتوفرائيل وهو علاج لا يكون إلا في الحالات العقلية من الاكتئاب وذكرت المحكمة أن السيد مفتش مجلس المراقبة للأمراض العقلية الدكتور سعد الدين الحكيم رأى في تقريره المذكور أن حالة المدعي تعتبر حالة نفسية مصحوبة بأعراض عقلية طارئة ممكن علاجها في فترة وجيزة جداً وأن هذه الحالة عرضة للتطور الذي يجعلها من المحتمل أن تتحول إلى حالة عقلية وأنه إذا كان الدكتور يوسف براده قد اتفق معه على أن حالة المدعي التي عولج منها بمستشفى بهمان هي حالة نفسية إلا أنه اختلف معه في أنها تحولت إلى حالة عقلية إذ قرر أنها لم تتدهور إلى مرض عقلي كما أن مجلس مراقبة الأمراض العقلية قد رأى بناء على تقرير مفتشه أن حالة المدعي حالة نفسية وذلك بجلسته المنعقدة في 5 من نوفمبر سنة 1962 ولكن المجلس اعتبرها مما ينطبق عليها حكم المادة 21 من القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية مع أن مجال إعمال أحكام هذا القانون هو الإصابة بمرض عقلي وأضافت المحكمة أن مفتش مجلس مراقبة الأمراض العقلية قد أسس تقريره على مجرد الاطلاع على أوراق المدعي بمستشفى بهمان دون أن يكشف عليه أو يفحصه واستنبط نوع المرض الذي أصابه من طريقه العلاج وهي الصدمات الكهربائية والتوفرائيل بمقولة أن هذا العلاج يعطي لحالات الاكتئاب الأصلي - وذكرت المحكمة أنها لا تطمئن إلى تشخيص المرض بناء على طريقة العلاج لأنها قد تختلف من مستشفى إلى مستشفى ومن طبيب إلى طبيب بل قد تختلف من مريض إلى مريض آخر في ذات المستشفى وأشارت إلى ما قرره الدكتور يوسف براده في تقريره الثاني رداً على تقرير الدكتور سعد الدين الحكيم وذكرت أنه قال أن الدواء لا يدل على نوع المرض بل توجد أعراض وعلامات تدل عليه مع الاستناد إلى الأسس الطبية وأن الصدمات الكهربائية قد تستعمل في الحالات النفسية وفي بعض الأمراض الجسمية - النفسية وفي بعض حالات الهستريا وفي الاكتئاب بدرجات متفاوتة وأن الاكتئاب الأصلي ليس أسرع هذه الحالات استجابة للصدمات الكهربائية حتى يعتبر استعمالها دليلاً على وجوده وأن التوفرائيل يستعمل أيضاً في بعض الأمراض (النفسوبدنية) وفي التبول ليلاً عند الأطفال وأن الثابت أن المدعي استعمل التوفرانيل سبعة أيام في المرة الثالثة ويوماً واحداً في المرة الرابعة ثم أوقف استعماله أي أن استعماله كان لمدة ثمانية أيام خلال فترة علاج مدتها خمسة وثمانون يوماً أقامها بالمستشفى وهي مدة قصيرة لا تنهض دليلاً على نوع المرض بل أن عدول المستشفى عن استمرار المدعي في استعماله إياه يدل على أن هذا الدواء لا يصلح أصلاً لعلاج المدعي من الناحية الطبية - وذكرت المحكمة أن مفتش مجلس مراقبة الأمراض العقلية قد قررت أمامها بجلسة 27 من أكتوبر سنة 1964 أن الاكتئاب كرد فعل لظروف سيئة يعتبر حالة عقلية إذا وصلت حالة الاكتئاب إلى درجة أن أصبحت مستمرة بعد انتهاء الظرف الذي حصلت فيه مع أصحابها بأعراض الاكتئاب وفقدان الثقة وفي غير هذه الأحوال فإن الاكتئاب كرد فعل لظروف سيئة لا يعتبر حالة عقلية - وأضافت أن الثابت من تقرير الدكتور براده أن حالة الاكتئاب والقلق النفسي التي يعاني منها المدعي كانت تتكرر وتتأثر تأثراً مباشراً بالظروف والصدمات القاسية التي كان يواجهها في عمله ولم يترتب عليها تفكك في شخصيته ولم ينفصل بسببها عن الواقع المحيط به ولم ينكر الحقائق القائمة أو يتمسك بمعتقدات خاطئة أو يكشف عن تصرفات شاذة خارجة عن المألوف بل أنه بعد أن هدأت المشاكل نهائياً في بعضها زالت عنه أعراض الاضطراب النفسي والاكتئاب - واستخلصت المحكمة من كل ما تقدم أن المدعي كان مريضاً بمرض نفسي كما أنه لم يدخل مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية - إذا الثابت من كتاب مستشفى بهمان المؤرخ في 24 من ديسمبر سنة 1962 أنه كان يعالج بالقسم العصبي به وأن هذا القسم وحدة مستقلة تمام الاستقلال عن مستشفى الأمراض العقلية وذكرت بأن القرارين المطعون فيهما إذ صدرا استناداً إلى المادتين 7، 15 من القانون رقم 394 لسنة 1954 وتأسيساً على أن المدعي دخل مستشفى للأمراض العقلية - وذلك على خلاف الواقع - فإنهما يكونان فاقدين لركن السبب لقيامهما على سبب غير صحيح وباطلين لمخالفتهما للقانون ولذلك يتعين الحكم بإلغائهما على أن ذلك لا يحول دون أن تعيد جهة الإدارة النظر في أمر الترخيص للمدعي في ضوء حالته وبمراعاة صالح الأمن العام وذلك في حدود السلطة التقديرية المخولة لها في المادتين 4 و12 من القانون رقم 394 لسنة 1954.
ومن حيث إن الطعن يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً: أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ وجانبه الصواب إذا لم يقض بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد القانوني إذا الثابت مما أورده الحكم أن تظلم المدعي رفض في 23 من مارس سنة 1963 وأنه رفع دعواه في 23 من مايو سنة 1963 أي أن الدعوى رفعت في اليوم الحادي والستين من تاريخ رفض التظلم فتكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد.
ثانياً: أن الحكم المطعون فيه باطل لأن المحكمة لم تسلك الطريق الذي رسمه القانون في المادة 225 من قانون المرافعات فبدلاً من أن تصدر حكماً بندب خبير اكتفت بقرار بندبه فيكون هذا الإجراء باطلاً ويكون الحكم إذ بني على تقرير الخبير المذكور باطلاً بدوره - كما أن ندب الخبير كان أثناء نظر طلب وقف التنفيذ وذلك غير جائز قانوناً لأن ندب الخبراء مقصور على الدعاوى الموضوعية.
ثالثاً: أن الحكم قد جانب الصواب إذ قضى بوقف تنفيذ القرار الخاص بسحب ترخيص الأعمال التجارية استناداً إلى قوله أن تنفيذ هذا القرار من شأنه حرمان المدعي من عمله وهو مصدر رزقه الذي يتعيش منه - ذلك أن الجهة الإدارية لم تسحب ترخيص المحال التجارية أنما ألغت الترخيص بالنسبة إلى المطعون ضده ووافقت على درج اسم شقيقه فظلت المحلات تباشر نشاطها.
رابعاً: أن الحكم قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه إذ قضى بإلغاء القرارين المطعون فيهما استناداً إلى ما أبداه الخبير من رأي في الدعوى - ولم يكن يجوز أصلاً ندب خبير في مسألة فنية تعد من خصوصيات الجهة الإدارية كما أنه لم يكن للمحكمة أن تهدر رأي الجهة الفنية المتخصصة وهي مجلس مراقبة الأمراض العقلية مجتمعاً بأن تندب خبيراً هو الأستاذ السابق للأمراض العصبية - في حين أن تشكيل هذا المجلس يشمل عضوية أستاذ الأمراض العصبية فضلاً عن غيره من كبار الأطباء المتخصصين والقانونيين ولما كانت الجهة الإدارية لم تستقل بالرأي وإنما رجعت إلى الجهات المتخصصة فنياً ولم يطعن عليها بإساءة استعمال السلطة فما كان يجوز للقضاء الإداري أن يحل نفسه محل الإدارة ويدخل في ثنايا العمليات الفنية كما أن المستفاد أن المادتين 4 و21 من القانون رقم 141 لسنة 1944 أن ثمة أمراضاً مبكرة ليس من شأنها أن تخل بالأمن أو النظام ويمكن للمصاب بها أن يتقدم بنفسه بطلب إلى المستشفيات أو المصحات المعدة لذلك للاستشفاء من هذه الأمراض ويمكنه ترك المستشفى بناء على طلب كتابي منه أو ممن طلب إدخاله وإذ كان الثابت أن المطعون ضده دخل مستشفى بهمان ست مرات في الفترة من 23 يونيو سنة 1962 إلى 10 من يوليو سنة 1963 وأن حالته انتكست في فترات متقاربة وأنه عولج بأنواع متعددة من العلاج وإذ كانت تقارير مستشفى بهمان ذاتها قد شخصت مرضه بأنه قلق نفسي واكتئاب أو اكتئاب فإن ما ذهب إليه مجلس مراقبة الأمراض العقلية يكون صحيحاً قائماً على أسباب تبرره في الواقع وتؤدي إليه - أما أخذه الحكم على مفتش مجلس المراقبة من أنه أسس تقريره على مجرد اطلاعه على أوراق المدعي بمستشفى بهمان دون أن يكشف عليه أو يفحصه - ما نعاه الحكم في هذا الشأن هو بذاته الحدود التي رسمتها المحكمة للخبير الذي انتدبته.
خامساً - أن الحكم المطعون فيه بعد أن انتهى إلى القول بأن القرارين المطعون عليهما فاقدان لركن السبب ويتعين إلغاؤهما استدرك فقال أن ذلك لا يحول دون أن تعيد - جهة الإدارة النظر في الترخيص للمدعي في ضوء حالته وبمراعاة صالح الأمن العام في حدود السلطة التقديرية المخولة لها في المادتين 4 و12 من القانون 394 لسنة 54 وكان من المتعين رفض إلغاء القرارين متى ثبت أن الإدارة كان لا بد لها من إصدارهما على أي حال.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قد أودعت تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب تنفيذ القرار الصادر بسحب الترخيص الممنوح للمطعون ضده للاتجار بالأسلحة والذخائر ويرفض طلب المدعي إلغاء القرارين المطعون فيهما وإلزامه المصروفات - وذلك تأسيساً على أنه ولئن كانت الإدارة قد استندت في إصدار القرارين المطعون فيهما إلى سبب غير صحيح هو سابقة دخول المدعي بمستشفى للأمراض العقلية إلا أنه لا محل لإلغائهما رغم تخلف هذا السبب متى ثبت أن الإدارة لا بد لها من إصدار القرارين على أي حال نظراً إلى أن مرض المدعي النفسي كان عرضة للتطور إلى مرض عقلي واستناداً إلى أن المشرع قد منح وزير الداخلية سلطة تقديرية واسعة في سحب تراخيص حمل الأسلحة أو الاتجار فيها وهي سلطة حدها الانحراف.
من حيث إن المدعي قد عقب على الطعن وعلى تقرير هيئة مفوضي الدولة بمذكرتين قال فيهما أن الدفع بعدم قبول الدعوى غير قائم على أساس لأنه لم يعلن برفض تظلمه وأن قرار محكمة القضاء الإداري بندب خبير إنما هو حكم صادر قبل الفصل في الموضوع ولا يعيبه أنه غير مسبب وأشار إلى خيانة مدير مصنعه له وذكر أن هذا الموظف الذي كان يعمل لديه هو الذي قام بتلفيق جميع الاتهامات التي وجهت ضده والتي حفظت بعد أن أسفر التحقيق فيها عن أنها ملفقة وقال أنه نتيجة لهذا الموضوع أحس بالإرهاق والقلق فالتمس الراحة في أحد الأماكن الملائمة فدخل القسم النفسي بمستشفى بهمان - ولكن مدير المصنع استغل هذا الوضع فأرسل شكوى مجهولة إلى الشرطة يخبرها فيها أنه دخل مستشفى للأمراض العقلية - وعقب على ما قيل من احتمال تطور حالته إلى مرض عقلي بمقولة أن هيئة المفوضين قد استندت في هذا الشأن إلى أقوال الدكتور يوسف براده أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة أول ديسمبر سنة 1964 في حين أن الاستنتاج السليم من هذه الإجابة يخلص في أمرين أولهما أن التنبؤ بالمستقبل أمر لا يتفق مع الأصول العلمية بل أنه على حد تعبير الدكتور براده ليس داخلاً في حدود الاستطاعة، والأمر الثاني أنه يفرض إمكان التطور إلى مرض عقلي فإن حالة المدعي بالذات لم تتطور بدليل أنه كشف عليه بعد خروجه من المستشفى بعام كامل وكان ما زال على أحسن الأحوال بعد أن استقر استقراراً تاماً بعد التأميم الشامل لأن اتجاهه في الحياة تحدد - وأشار إلى أقوال الدكتور يوسف براده التي ذكر فيها أن حالته تسمح له بحمل السلاح شأنه في ذلك شأن شخص أصيب بمرض نفسي أو عصبي.
ومن حيث إن وزارة الداخلية قد تقدمت بمذكرة بدفاعها في الطعن أصرت فيها على طلباتها الواردة في تقرير الطعن مستندة في ذلك إلى ما أبدته من دفاع أمام محكمة القضاء الإداري وإلى الأسباب التي بنت عليها طعنها.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى الأوراق أن المدعي كان مرخصاً له في حمل بعض الأسلحة كما كان مرخصاً له في الاتجار في الأسلحة والذخائر في عدة محلات يملكها ومرخصاً له في صنع بعض الأسلحة والذخائر في مصنعه وعند تقدمه في سنة 1962 بطلبات لتجديد هذه التراخيص أجريت تحريات في شأن استيفائه للشروط التي يتطلبها القانون وفي 5 من أغسطس سنة 1962 ورد كتاب من قسم شرطة حلوان مرفقاً به كتاب من مستشفى بهمان مؤرخ في 2 من أغسطس سنة 1962 يفيد أن المدعي دخل المستشفى المذكورة بالقسم العصبي للراحة والعلاج من حالة اكتئاب مصحوبة بقلق نفساني وذلك في المدة من 23 إلى 28 من يونيو سنة 1962 - ومن 16 إلى 31 من يوليو سنة 1962 وطلبت مصلحة الأمن العام من مجلس مراقبة الأمراض العقلية بكتابها المؤرخ في 17 من أكتوبر سنة 1962 الإفادة عما إذا كانت الحالة التي انتابت المدعي تعتبر من الأمراض العقلية فأجاب رئيس المجلس المذكور بكتابه المؤرخ في 8 من نوفمبر سنة 1962 بأن المجلس قرر تكليف السيد مفتشه بالاطلاع على أوراق علاج المدعي وإبداء الرأي في حالته وأنه لما عرض تقريره على المجلس بجلسته المنعقدة في 5 من نوفمبر سنة 1962 قرر أنه يرى أن حالة المدعي نفسية مما تنطبق عليه أحكام المادة 21 من القانون رقم 141 لسنة 1944 وأرفق المجلس مع كتابه صورة من تقرير مفتشه وقد جاء به أنه انتقل إلى المستشفى في أول نوفمبر سنة 1962 وأطلع على أوراق المدعي فتبين أنه دخل المستشفى ثلاث مرات وأن حالته شخصت في المرة الأولى بأنها قلق نفسي مصحوب باكتئاب وفي المرة الثانية اكتئاب مصحوب بقلق نفسي وفي المرة الثالثة اكتئاب وأن التشخيص في المرات الثلاثة يتفق مع العلاج الذي أعطي له وأنه من ذلك يتضح أن هذه الحالة تعتبر حالة نفسية مصحوبة بأعراض عقلية طارئة ممكن علاجها في فترة وجيزة جداً وأن هذه الحالة عرضة للتطور الذي يجعلها من المحتمل أن تتحول إلى حالة عقلية وفي 27 من نوفمبر سنة 1962 أحيل المدعي إلى طبيب أول قسم الشرطة فقرر أنه وجده بصحة جيدة ولا توجد عنده أية عاهة تمنعه من إحراز السلاح ونظراً إلى أن تقرير هذا الطبيب جاء خالياً من بيان حالته العصبية فقد طلب منه إعادة الكشف عليه من هذه الزاوية فأعاد الكشف عليه في 29 من ديسمبر سنة 1962 وقرر أنه وجده بصحة عادية وقد شفي من الحالة التي كانت عنده ولا يوجد ما يمنعه من إحراز رخصة حمل سلاح ورجعت الوزارة في شأن تجديد التراخيص الخاصة بالمدعي إلى إدارة الفتوى والتشريع المختصة التي أجابت بكتابها المؤرخ في 29 من نوفمبر سنة 1962 بأنها ترى عدم إمكان تجديدها وذلك استناداً إلى أنه ثبت أنه دخل فعلاً أحد المستشفيات العقلية نتيجة للحالة التي ألمت به على النحو الذي ورد بتقرير مفتش مجلس مراقبة الأمراض العقلية ومن ثم يكون قد قام به مانع من موانع الترخيص في الاتجار بالأسلحة والذخائر - وبناء على ذلك رفضت طلبات المدعي فصدر القرار برفض تجديد رخصة حمل السلاح في 25 من يناير سنة 1963 أما رخص محلات الاتجار بالأسلحة فقد ووفق في 15 من يناير سنة 1963 على تجديدها بعد حذف اسم المدعي منها وإضافة اسم أخيه محمود إبراهيم السجلابي وتظلم المدعي من هذين القرارين في 17 من فبراير سنة 1963 وأرفق بتظلمه صورة فوتوغرافية من كتاب مرسل إليه من مستشفى بهمان في 24 من ديسمبر سنة 1962 يفيد أن القسم الذي عولج به خلال إقامته بالمستشفى هو القسم العصبي المستقل تمام الاستقلال عن مستشفى الأمراض العقلية كما أرفق به أيضاً صورة من شهادة مؤرخة في 18 من ديسمبر سنة 1962 صادر من الطبيب الذي كان يعالج بالمستشفى تضمنت أنه قام بعلاجه من حالة قلق نفسي مصحوب باكتئاب نفساني تسبب عن صدمات ومشاكل خاصة بعمله أثناء وجوده في القسم النفساني في المستشفى وبعد خروجه وأنه قد شفي من الأعراض التي يشكو منها - وقد قررت الوزارة رفض هذا التظلم في 23 من مارس سنة 1963 أرسل السيد مدير عام مصلحة الأمن العام كتاباً إلى مدير أمن القاهرة بطلب فيه اتخاذ اللازم نحو إخطار المدعي بحفظ تظلمه وفي 23 من مايو سنة 1963 أقام المدعي دعواه طالباً وقف تنفيذ وإلغاء القرارات الصادرة بسحب ترخيص حمل السلاح وتراخيص المحال التجارية والمصنع ثم قصر طلباته بعد ذلك على رخصة حمل السلاح وتراخيص المحال التجارية وبجلسة 30 من مارس سنة 1965 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها على الوجه السابق بيانه تأسيساً على أن القرارين المطعون فيهما إذ صدرا استناداً إلى المادتين 7، 15 من القانون رقم 394 لسنة 1954 وتأسيساً على أن المدعي دخل مستشفى للأمراض العقلية وذلك على خلاف الواقع فإنهما يكونان فاقدين ركن السبب لقيامهما على سبب غير صحيح وباطلاً لمخالفتهما للقانون.
ومن حيث إن الوزارة تنعى في السبب الأول من أسباب طعنها على الحكم المطعون فيه أنه خطأ إذا لم يقض بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد القانوني.
ومن حيث إن المدعي قد تظلم من القرارين المطعون فيهما في 17 من فبراير سنة 1963 أي قبل مضي ستين يوماً على صدورهما ولئن كان هذا التظلم قد تقرر رفضه في 23 من مارس سنة 1963 إلا أنه ليس في الأوراق ما يفيد أن المدعي قد أعلن بقرار رفضه أو أنه علم به علماً يقيناً في تاريخ معين قبل إقامة دعواه فلا وجه لما ذهبت إليه الوزارة من اعتبار أن تاريخ رفض التظلم هو التاريخ الذي يجري منه ميعاد رفض الدعوى بل يتعين حساب هذا الميعاد على مقتضى حكم المادة 22 من القانون رقم 55 لسنة 1955 - في شأن تنظيم مجلس الدولة وذلك بأن ترفع الدعوة خلال الستين يوماً التالية لانقضاء ستين يوماً على تقديم التظلم وإذ أقيمت الدعوى في 23 من مايو سنة 1963 فإنها تكون قد رفعت في الميعاد وبالتالي مقبولاً شكلاً ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بذلك قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في هذا الشأن.
ومن حيث إن السبب الثاني من أسباب الطعن يتحصل في أن محكمة القضاء الإداري لم تسلك الطريق الذي رسمه القانون فبدلاً من أن تصدر حكماً بندب الخبير اكتفت بندبه عند نظر طلب وقف التنفيذ فيكون هذا الإجراء باطلاً وما بني عليه باطل ولما كان الحكم المطعون فيه قد بني على تقرير الخبير فإنه يكون باطلاً بدوره.
ومن حيث إن المستفاد من الأوراق أن محكمة القضاء الإداري قد اتجهت إلى إصدار حكم واحد في طلب وقف التنفيذ وطلب الإلغاء وأنها بعد تداول الدعوى بالجلسات قررت في جلسة 28 من يناير سنة 1964 إصدار الحكم بجلسة 18 من فبراير سنة 1964 وفيها قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة 3 من مارس سنة 1964 وفي هذه الجلسة قررت المحكمة ندب السيد الدكتور يوسف برادة أستاذ الأمراض العصبية سابقاً لأداء المأمورية التي حددتها له.
ومن حيث إنه لا شك في أن هذا القرار الصادر بندب الخبير لا يخرج عن كونه حكماً توافرت له مقومات الأحكام إذ أصدرته محكمة القضاء الإداري بما لها من سلطة قضائية في خصومة مطروحة عليها تضمناً اتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات - ولئن كان هذا الحكم قد صدر غير مسبب إلا أن ذلك ليس من شأنه أن ينزع صفة الحكم أو يشوبه بالبطلان إذ من المسلم أن الأحكام غير القطعية الصادرة باتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات لا يلزم تسبيبها لأن النطق بها يفصح بذاته عن سبب إصدارها.
ومن حيث إنه لذلك يكون النعي على الحكم المطعون فيه بالبطلان لاستناده إلى تقرير الخبير المنتدب في غير محله.
ومن حيث إن الوزارة تنعى في السبب الثالث من أسباب طعنها على الحكم المطعون فيه أنه جانب الصواب إذ قضى بوقف تنفيذ القرار الصادر بعدم تحديد الترخيص للمدعي في الاتجار في الأسلحة والذخائر تأسيساً على أنه لم يترتب على تنفيذ هذا القرار نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إن طلب وقف التنفيذ يقوم على ركنين - الأول قيام الاستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها - والثاني يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسبابه جدية - ولا شك في أن تنفيذ القرار المتضمن رفض الترخيص للمدعي في الاتجار في الأسلحة وما ينطوي عليه من تقييد لحريته في العمل بتنحيته عن إدارة محلات الأسلحة والذخائر التي يملكها استناداً إلى أنه مصاب بمرض عقلي من شأنه أن تترتب عليه أضرار جسيمة يتعذر تدركها تتمثل ليس فحسب في حرمانه من مباشرة نشاطه التجاري بل فيما يترتب على هذا الحرمان المعتمد إلى وصمه بأنه مصاب بمرض عقلي من هدم الثقة فيه والقضاء على سمعته كتاجر في المجال الذي يعمل فيه وهو مجال العلاقات فيه على أساس الثقة والائتمان وتأسيساً على ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بوقف تنفيذ القرار المذكور بعد أن استظهر الركنين اللذين يقوم عليهما هذا الطلب يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في هذا الشأن.
ومن حيث إن الوزارة تنعى في السبب الرابع أسباب طعنها على الحكم المطعون فيه أنه خالف القانون إذا قضى بإلغاء القرارين المطعون فيهما استناداً إلى ما أبداه الخبير من رأي في الدعوى إذ لم يكن يجوز ندب خبير في مسألة فنية تعد من خصوصيات الجهة الإدارية وقد رجعت فيها إلى جهة متخصصة منشأة بمقتضى القانون رقم 141 لسنة 1944 هي مجلس مراقبة الأمراض العقلية.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى أحكام القانون رقم 141 لسنة 1944 بشأن حجز المصابين بأمراض عقلية يبين أنه قد حدد اختصاص مجلس مراقبة الأمراض العقلية بالنظر في حجز المصابين بأمراض عقلية والإفراج عنهم وفي الترخيص بالمستشفيات المعدة لهم والتفتيش عليها وذلك حسبما هو مستفاد من نص المادة الأولى من القانون المذكور ومن سائر أحكامه وتحديد اختصاص مجلس المراقبة على هذا الوجه لا يحول دون إبدائه لرأيه في الحالات التي ترجع إليها فيها الجهات الإدارية ولو كانت خاصة بأشخاص غير محجوزين أو مطلوب حجزهم أو دخولهم في مستشفيات الأمراض العقلية باعتبار أن ذلك من الأمور التي تتصل بتخصصه.
على أنه نظراً إلى أن وصم الشخص بأنه مريض بمرض عقلي من شأنه أن يؤثر على أهليته وقد يؤدي إلى تقييد حريته الشخصية فإنه يجوز للقضاء الإداري إذا ما ثار أمامه نزاع جدي حول الإصابة أو عدم الإصابة بمرض عقلي أن يتخذ ما يلزم للتحقق من ذلك لاسيما إذا قام من الشواهد في أوراق الدعوى ما يسوغ اتخاذ مثل هذا الإجراء.
ومن حيث إن الثابت في الأوراق أنه عندما رجعت إدارة الأمن العام إلى مجلس مراقبة الأمراض العقلية لاستطلاع رأيه في حالة المدعي - كلف المجلس مفتشه بالاطلاع على أوراق علاج المدعي وإبداء الرأي في حالته واقتصر المفتش على الاطلاع على تلك الأوراق وانتهى في تقريره إلى أن حالة المدعي لا تعتبر حالة نفسية مصحوبة بأعراض عقلية طارئة ممكن علاجها في فترة وجيزة جداً وهذه الحالة عرضة للتطور الذي يجعلها من المحتمل أن تتحول إلى حالة عقلية وقد انتهى السيد المفتش إلى هذه النتيجة دون أن يكشف على المدعي أو يفحصه مستخلصاً لها من الطريقة التي أتبعت في علاجه ورغم أنه لم يقطع في تقريره بإصابة المدعي فعلاً بمرض عقلي بل أشار إلى احتمال تطور حالته وتحولها إلى حالة عقلية فإن مجلس المراقبة قد انتهى استناداً إلى هذا التقرير إلى أنه يرى أن حالة المدعي (حالة نفسية مما ينطبق عليها أحكام المادة 21 من القانون رقم 141 لسنة 1944) وهذه المادة تجيز أن يقبل في المستشفيات المعدة للمصابين بأمراض عقلية كل مصاب بمرض عقلي ليس من شأن مرضه أن يخل بالأمن أو النظام العام أو يخشى منه على سلامة المريض أو سلامة الغير - وإذ قرر مجلس المراقبة انطباق حكمها على حالة المدعي فإنه يكون قد اعتبره مصاباً بمرض عقلي.
ومن حيث إنه لا تثريب على محكمة القضاء الإداري إذ انتهت في الظروف السابق بيانها إلى أنها لا تطمئن إلا تشخيص المرض بناء على طريقة العلاج التي قد تختلف من مستشفى إلى مستشفى ومن طبيب إلى طبيب بل قد تختلف من مريض إلى آخر في ذات المستشفى كما أنها لم تخالف القانون ولم تخطئ في تطبيقه أو تأويله إذ استعانت بأحد أهل الخبرة المتخصصين لتستنير برأيه في أمر بالغ الخطورة يتوقف عليه وصم أحد الأفراد بمرض عقلي من شأنه أن يؤثر على أهليته وقد يؤدي إلى الحد من حريته الشخصية، أو اعتباره بريئاً من هذا المرض.
ومن حيث إنه بعد أن قدم الخبير المنتدب تقريره قامت المحكمة بمناقشته في مواجهة السيد مفتش مجلس مراقبة الأمراض العقلية الذي تقدم بدوره بتقرير معزز لرأيه ثم عقب الخبير المنتدب على هذا التقرير بتقرير تكميلي - وقد تولى الحكم المطعون فيه تمحيص تلك التقارير ومناقشتها مناقشة مستفيضة على الوجه الذي تضمنته أسبابه واستخلص منها ومن باقي أوراق الدعوى أن المدعي كان مريضاً بمرض نفسي وأنه لم يدخل مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية بل كان يعالج بالقسم العصبي بمستشفى بهمان وما أورده الحكم في هذا الشأن سائغ وسديد ويستقيم به التدليل على صحة النتيجة التي انتهى إليها هي أن المدعي لم يكن مصاباً بمرض عقلي.
ومن حيث إن الوزارة تنعى في السبب الخامس من أسباب طعنها على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ إذ قضى بإلغاء القرارين باعتبارهما فاقدين لركن السبب وكان يتعين أن يرفض إلغاءهما متى ثبت أن الإدارة كان لا بد لها من إصدارهما - وهذا النعي ذاته هو ما أقامت عليه هيئة مفوضي الدولة الرأي الذي انتهت إليه في تقريرها في الطعن إذ ذهبت إلى أنه وإن كانت الإدارة قد أقامت قراريها المطعون فيهما على سبب غير صحيح هو سابقة دخول المدعي مستشفى للأمراض العقلية إلا أنه نظراً إلى أن حالة المدعي المرضية كانت عرضة للتطور إلى مرض عقلي فإن ذلك يكفي سبباً صحيحاً للقرارين مبرراً لتصرف الإدارة بما لها من سلطة تقديرية في الترخيص أو عدم الترخيص في حمل الأسلحة والاتجار فيها.
ومن حيث إن هذا الوجه من أوجه الطعن يقوم في الواقع على أنه كان يتعين على محكمة القضاء الإداري أن تحل من تلقاء نفسها سبباً صحيحاً للقرارين المطعون فيهما محل السبب غير الصحيح الذي قاما عليه متى ثبت أنه كان لا بد للإدارة من إصدارهما وأن ترفض على هذا الأساس طلب وقف تنفيذهما وإلغائهما.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر المعدل بالقانونين رقم 546 لسنة 1954 ورقم 75 لسنة 1958 يبين أنه قد نص في المادة الأولى منه على أن (يحظر بغير ترخيص من وزير الداخلية أو من ينيب عنه حيازة أو إحراز أو حمل الأسلحة النارية المبينة بالجدول رقم 2 وبالقسم الأول من الجدول رقم 3....) وفي المادة الرابعة على أن (لوزير الداخلية أو من ينيبه عنه رفض الترخيص أو تقصير مدته أو قصره على أنواع معينة من الأسلحة أو تقييده بأي شرط يراه وله سحب الترخيص مؤقتاً أو إلغاؤه ويكون قرار الوزير برفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغائه مسبباً) وفي المادة السابعة على أنه (لا يجوز منح الترخيص المنصوص عليه في المادة الأولى إلى: ( أ ) من تقل سنه عن 21 سنة ميلادية (ب) من حكم عليه بعقوبة جنائية أو بعقوبة الحبس لمدة سنة على الأقل في جريمة من جرائم الاعتداء على النفس أو المال... (ز) من سبق دخوله مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية ونص في المادة 12 منه على أنه (لا يجوز بغير ترخيص خاص من وزير الداخلية أو من ينيبه عنه استيراد الأسلحة المنصوص عليها في المادة الأولى وذخائرها أو الاتجار فيها لو صنعها أو إصلاحها... ولوزير الداخلية أو من ينيبه رفض إعطائه كما له تقصير مدته أو قصره على أنواع معينة من الأسلحة والذخائر أو تقييده بما يراه من شروط لمصلحة الأمن العام وله سحبه في أي وقت أو إلغاؤه على أن يكون قراره في حالتي الإلغاء أو السحب مسبباً) كما نص في المادة 15 منه على أنه (يشترط لمنح الترخيص في صنع الأسلحة أو ذخائرها المنصوص عليها في المادة الأولى أو الاتجار بها أو استيرادها علاوة على الشروط المنصوص عليها في المادة السابعة ما يأتي: ( أ ) أن يكون طالب الترخيص محمود السيرة... والمستفاد من أحكام المادتين 4، 12 من هذا القانون أن الترخيص أو عدم الترخيص في حمل الأسلحة واستيرادها والاتجار بها وصنعها من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة تترخص فيها حسبما تراه متفقاً مع صالح الأمن العام بناء على ما تطمئن إليه من الاعتبارات التي تزنها والبيانات والمعلومات التي تتجمع لديها من المصادر المختلفة لا يقيدها سوى وجوب التسبيب في حالة رفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغائه ولا معقب على قراراتها في هذا الشأن ما دامت مطابقة للقانون وخالية من إساءة استعمال السلطة على أنه ولئن كان ذلك هو الأصل في منح الترخيص أو رفضه أو سحبه إلا أن هناك حالات قيد فيها القانون سلطة الإدارة وفرض عليها فيها رفض منح الترخيص أو رفض تجديده أو سحبه وهي الحالات المنصوص عليها في المادتين 7، 15 منه فإذا ما قامت بطالب الترخيص أو التجديد إحدى هذه الحالات تعين رفض طلبه دون أن يكون لجهة الإدارة أية سلطة تقديرية في هذا الشأن ومن بين هذه الحالات أن يكون طالب الترخيص أو التجديد (قد سبق دخوله مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية) بحسبان أن دخوله ذلك المستشفى أو تلك المصحة دليل على إصابته بمرض عقلي يجعل من الخطورة الترخيص له في حمل الأسلحة أو الاتجار بها أو صنعها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية المختصة عندما فحصت طلبات المدعي الخاصة بتحديد تراخيص حمل السلاح والاتجار في الأسلحة والذخائر وأصدرت قرار بها في هذا الشأن لم تعمل سلطتها التقديرية في إجابة الطلبات أو رفضها في المجال الذي ترك لها فيه القانون حرية التقدير وفقاً لأحكام المادتين 4، 12 منه بل صدرت في تصرفها عن سلطتها المقيدة بمقتضى المادتين 7 و15 يقطع بذلك أنها حرصت على التحقق من نوع مرض المدعي وهل هو مرض عقلي مما يمتنع معه تجديد الترخيص أو مرض من نوع آخر - ورجعت في هذا الشأن إلى مجلس مراقبة الأمراض العقلية ثم أصدرت قرار بها بناء على سبب محدد بالذات هو (سبق دخوله مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية) واستناداً إلى المادتين 7، 15 المشار إليها من القانون رقم 394 لسنة 1954.
ومن حيث إن محصل ما يثيره الوجه الأخير من أوجه طعن الوزارة هو حسبما سبق البيان ما إذا كان على محكمة القضاء الإداري بعد أن ثبت لها عدم صحة السبب المذكور أن تحل محطة سبباً آخر كان يجوز للجهة الإدارية أن تستند إليه بما لها من سلطة تقديرية لعدم إجابة المدعي إلى طلبات تجديد التراخيص.
ومن حيث إنه لو صح أن المدعي كان مريضاً بمرض نفسي عرضه للتحول إلى مرض عقلي وأنه كان يجوز للجهة الإدارية أن تستند إلى هذا السبب لإصدار القرارين المطعون فيهما بما لها من سلطة تقديرية وفقاً لأحكام المادتين 4، 12 من القانون رقم 394 لسنة 1954 فإن ذلك ما كان يسوغ على أية حال أن يقوم القضاء الإداري مقام الإدارة في إحلال سبب آخر محل السبب غير الصحيح الذي قام عليه القراران المذكوران بغية حملهما وأن يحكم من ثم برفض الدعوى ذلك أنه متى كان الأمر متعلقاً بسلطة تقديرية يترك فيها القانون للجهة الإدارية قدراً من الترخيص تزن على مقتضاه ملائمة منح الترخيص أو رفضه لم يجز للقضاء أو يترجم عنها إحساسها واقتناعها بتحقيق أو عدم تحقق الاعتبارات الموضوعية التي يبنى عليها تصرفها التقديري ولا أن يصادر حريتها في اختيار الأسباب التي يقوم عليها قرارها لأن هذا المسلك من شأن الإدارة وحدها لا يجوز فيه قيام القضاء مقامها فيما هو حري بتقديرها ووزنها وعلى ذلك يقتصر دور القضاء الإداري على مراقبة صحة السبب الذي تذرعت به الإدارة في رفضها للترخيص فإن كان من الأسباب الداخلة ضمن المبررات التي تحتم رفضها للترخيص استناداً إلى سلطتها المقيدة لم يسغ له أن يتعداها إلى ما وراء ذلك بافتراض أسباب ظنية أخرى قد تحمل عليها سلطتها التقديرية بل يقتصر ولايته على رقابة صحة السبب المزعوم فإن تبين له عدم صحته وجب عليه الحكم بإلغاء القرار الذي قام على هذا السبب.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به ويكون الطعن غير قائم على أساس سليم مما يتعين معه رفضه وإلزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.


[(1)] يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا في القضية رقم 467 لسنة 5 القضائية بجلسة 27 من يونيه سنة 1959 المنشور بمجموعة السنة الرابعة - ص 1623.