مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 254

(23)
جلسة 20 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي والدكتور أحمد ثابت عويضة وسليمان محمود جاد المستشارين.

القضية رقم 235 لسنة 7 القضائية

( أ) موظف. "نهاية الخدمة. استقالة". الاستقالة طبقاً للأصول العامة للوظيفة - لا تنتج بذاتها أثرها القانوني في فصم رابطة التوظف - ترتب هذا الأثر - يتوقف على القرار الصادر من الجهة الإدارية بقبولها صراحة أو على مضي المدة التي تعتبر بصدها مقبولة حكماً - سريان هذا الحكم على عمال المرافق العامة كافة.
(ب) موظف "استقالة". مكافأة ترك الخدمة. سكك حديدية. وفاة الموظف في ذات اليوم الذي عبر فيه عن رغبته في التخلي عن الخدمة المنصوص عليه في المادة التاسعة من القواعد المنظمة للمكافآت المستحقة للعاملين بالهيئة العامة للسكك الحديدية المقررة بالمنشور ( أ ) المصدق عليه من مجلس إدارتها في 13/ 4/ 1964 وقبل أن تقبل منه هذه الاستقالة - تحديد المكافأة المستحقة له على أساس أنه توفي وهو في الخدمة - صحيح لا تثريب عليه.
1 - أن الاستقالة طبقاً للأصول العامة للوظيفة وللحكمة التي قام عليها تنظيمها لضمان دوام حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد لا تنتج بذاتها أثرها القانوني في فصم رابطة التوظف، وإنما يتوقف حدوث هذا الأثر المنهي للخدمة على القرار الصادر من الجهة الإدارية المختصة بقبولها صراحة أو على المدة التي تعتبر بعدها مقبولة حكماً، كما أن مقدم الاستقالة يجب عليه أن يستمر في عمله إلى أن يبلغ إليه قرار قبول الاستقالة أو إلى أن ينقضي الميعاد المقرر لاعتبارها مقبولة، فإرادته المنفردة - وهو في علاقته بالإدارة في مركز قانوني أي تنظيمي عام تحكمه القوانين واللوائح لا في مركز تعاقدي - لا تكفي وحدها لترتيب أثر ذاتي فوري على تقديم الاستقالة بمجرد تحقق هذه الواقعة. ويصدق هذا الأصل في عمال المرافق العامة كافة وإن خلت القواعد المنظمة لعلاقتهم بهذه المرافق من نص مردد له.
2 - متى كان الثابت من أوراق الدعوى أن مورث المدعي قدم استقالته إلى الهيئة العامة للسكك الحديدية في أول مايو سنة 1954 ثم وافته المنية في اليوم ذاته، ولم تكن الهيئة قد قبلت هذه الاستقالة بعد ومن ثم فإن الجهة الإدارية، إذ حددت المكافأة المستحقة له على أساس أنه توفي في الخدمة، تكون قد طبقت القانون تطبيقاً صحيحاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إنه يتبين من الأوراق أن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 11 من نوفمبر سنة 1959 وأن الطاعن تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بهذه المحكمة يطلب إعفائه من الرسوم القضائية المستحقة على هذا الطعن في 7 من يناير سنة 1960، أي في خلال الميعاد المقرر قانوناً، وقد صدر قرار اللجنة في طلب المساعدة القضائية رقم 14 لسنة 6 بإعفائه من هذه الرسوم بجلسة 18 من سبتمبر سنة 1960 فتقدم بطعنه هذا إلى قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا خلال الستين يوماً التالية بإيداع عريضته في 14 من نوفمبر سنة 1960. ومن ثم يكون الطعن مقبولاً شكلاً ومستوفياً لأوضاعه وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة في شأن أثر المساعدة القضائية القاطع لميعاد رفع الطعن أمامها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 202 لسنة 6 القضائية ضد الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات في 28 من ديسمبر سنة 1958 بموجب قرار من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة بإعفائه من الرسوم القضائية صادر في 11 من أكتوبر سنة 1958، طلب فيها الحكم باستحقاق الورثة الشرعيين للمرحوم سيد أحمد سالم أوسطى نجارين سابقاً بورشة عموم هندسة السكة والأشغال بالعباسية في صرف المكافأة المستحقة عن مدة خدمته كاملة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وما يترتب على ذلك من آثار بإلزام الهيئة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه أن والده التحق بخدمة الهيئة وظل يتدرج حتى وصل إلى درجة أوسطى نجارين بورشة عموم الهندسة بالعباسية ثم مرض مرضاً أقعده عن العمل فتقدم في أول مايو سنة 1954 بطلب اعتزال الخدمة مع حفظ حقه في صرف المكافأة المستحقة له عن مدة خدمته حتى أول مايو سنة 1954 إلا أنه توفي مساء اليوم ذاته فاعتبرته الهيئة متوفياً أثناء الخدمة - وعلى هذا أعطت الورثة ثلاثة أرباع المكافأة، ولم تمنحهم المكافأة كاملة باعتبار مورثهم قد اعتزل الخدمة فعلاً مع أن حق التخلي عن الخدمة بإرادة العامل المنفردة مع صرف المكافأة بتمامها هو حق مستمد من نص المادة التاسعة من لائحة مكافآت السكة الحديد.
وقد أجابت الهيئة عن الدعوى بأن مورث المدعي توفي في أول مايو سنة 1954 في الساعة الحادية عشرة مساء، وذلك كنص شهادة الوفاة الصادرة من مكتب صحة العدوية قسم بولاق المقيدة برقم 773 في 2 من مايو سنة 1954 وكان قد ورد للهيئة طلب من المذكور صباح يوم أول مايو سنة 1954 يبدي فيه رغبته في إعفائه من الخدمة نظراً لسوء حالته الصحية وقد أرسل هذا الطلب في 6 من مايو سنة 1954 إلى القسم الطبي الذي قرر الموافقة على مد الأجازة المرضية الممنوحة للطالب حتى أول مايو سنة 1954 تاريخ وفاته مع عدم الموافقة على طلب التشريك وفقاً للتعليمات المالية.
وبجلسة 11 من نوفمبر سنة 1959 قضت المحكمة الإدارية برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات وأقامت قضاءها على أن المنشور حرف "أ" الخاصة بمكافآت مصلحة سكك حديد وتلغرافات وتليفونات الحكومة هو الذي يحكم تسوية مكافأة مورث المدعي عن مدة خدمته. وطبقاً لأحكامه يحرم العامل من المكافأة عند الاستقالة فيما عدا حالتين أولاهما تأدية الخدمة العسكرية، وثانيهما الاستقالة بسبب كبر السن ببلوغ الخامسة والخمسين. وهذه الاستقالة الأخيرة لا تتم بإرادة العامل المنفردة بل يجب موافقة الجهة الإدارية عليها. ومن ثم فإن مورث المدعي كان في خدمة الهيئة وقت وفاته على الرغم من طلبه التخلي عن الخدمة ما دامت الهيئة لم تكن قد قبلت استقالته بعد، ويكون صرف المكافأة على هذا الأساس صحيحاً مطابقاً لأحكام القانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف حكم المادة التاسعة من لائحة المكافآت المصلحية التي نصت على أنه "يجوز لكل مستخدم تنطبق عليه الشروط المتقدمة للتخلي عن العمل بسبب كبر السن إذا بلغ عمره 55 سنة" وقد توفرت هذه الشروط في مورث المدعي، ولم يكن يحول دون تطبيق هذه المادة في حقه سوى صدور تعبير حاسم من جانبه برغبته في التخلي، وقد صدر منه هذا التعبير فعلاً، ولا تملك الجهة الإدارية التعقيب على إرادة العامل في التخلي عن العمل. ومن ثم فلا محل لتطبيق القواعد العامة في الاستقالة المنصوص عليها في قانون نظام الدولة رقم 210 لسنة 1951 ذلك لأن أحكام هذا القانون إنما تنصرف إلى الموظفين الدائمين الذين يخضعون لأحكامه دون من عداهم. كذلك خالف الحكم كتاب وزارة المالية الدوري رقم 234/ 9/ 20 الصادر في 30 من إبريل سنة 1933 في شأن مكافأة المستخدمين الخارجين عن الهيئة الذين يطلبون اعتزال الخدمة لمرضهم ثم يتوفون قبل الكشف عليهم طبياً وهو الذي انتهى إلى اعتبارهم قد تركوا الخدمة لعدم اللياقة الطبية ثم وافتهم المنية بعد ذلك وقضى في هذه الحالة بأن تعتبر المكافأة تركة تصرف لورثتهم الشرعيين.
ومن حيث إن الطاعن قد عدل طلباته في محضر جلسة 23 من أكتوبر سنة 1966 وقصرها على طلب الحكم بنصيبه في المكافأة المستحقة لمورثة قبل وفاته على الأساس المتقدم طبقاً لقواعد مكافأة عمال مصلحة السكة الحديد وتلغرافات وتليفونات الحكومة وهو تعديل يبرره أنه لا صفة له - اتفاقاً أو قانوناً - في إقامة الدعوى نيابة عن باقي الورثة للمطالبة بحق لهم.
ومن حيث إن القواعد المنظمة للمكافآت المستحقة للعاملين بالهيئة العامة للسكك الحديدية قد وردت في المنشور حرف "أ" الذي صدق عليه من المجلس الأعلى للسكك الحديدية بجلسته المنعقدة في 13 من إبريل سنة 1940. وقد تضمن هذا المنشور شروط استحقاق المكافآت، وأسباب سقوط الحق فيها، وجعل الاستقالة سبباً لسقوط حق العامل في هذه المكافأة، إلا إذا كانت الاستقالة لأداء الخدمة العسكرية أو بسبب كبر السن فنص في المادة الخامسة منه على أن "كل مستخدم تنطبق عليه الشروط المتقدمة لا يستحق مكافأة إذا قدم استقالته، فيما عدا الحالة المنصوص عليها في المادة التاسعة، أو كان مصري الجنسية واضطر للاستقالة لتأدية الخدمة العسكرية في الجيش المصري" كما نص في مادته التاسعة على أنه "يجوز لكل مستخدم تنطبق عليه الشروط المتقدمة التخلي عن الخدمة بسبب كبر السن إذا بلغ عمره 55 سنة. وتجب إقالته حتماً عند بلوغ الخامسة والستين إلا إذا صرح له مدير المصلحة بناء على طلبه وبموافقة المجلس الأعلى بالبقاء في الخدمة مدة معينة. ولا يجوز بحال من الأحوال أن يبقى في الخدمة بعد بلوغه سن السبعين".
ومن حيث إنه يتضح من صريح هذه النصوص أن التخلي عن الخدمة المشار إليه في المادة التاسعة إن هو في حقيقة معناه الاستقالة من الخدمة بتعبير آخر. وغني عن البيان أن الاستقالة طبقاً للأصول العامة للوظيفة وللحكمة التي قام عليها تنظيمها لضمان دوام حسن سير المرافق العامة بانتظام واضطراد لا تنتج بذاتها أثرها القانوني في فصم رابطة التوظف، وإنما يتوقف حدوث هذا الأثر المنهي للخدمة على القرار الصادر من الجهة الإدارية المختصة بقبولها صراحة أو على مضي المدة التي تعتبر بعدها مقبولة حكماً كما أن مقدم الاستقالة يجب عليه أن يستمر في عمله إلى أن يبلغ إليه قرار قبول استقالة أو إلى أن ينقضي الميعاد المقرر لاعتبارها مقبولة فإرادته المنفردة - وهو في علاقته بالإدارة في مركز قانوني أي تنظيمي عام تحكمه القوانين واللوائح لا في مركز تعاقدي - لا تكفي وحدها لترتيب أثر ذاتي فوري على تقديم الاستقالة بمجرد تحقيق هذه الواقعة. ويصدق هذا الأصل على عمال المرافق العامة كافة وإن خلت القواعد المنظمة لعلاقتهم بهذه المرافق من نص مردد له.
ولم تتضمن المادة التاسعة من المنشور حرف "أ" آنف الذكر أي تعبير أو معنى يمكن أن ينصرف إلى قصد مخالفة هذا الأصل الذي لا ينال من سلامته ومن وجوب إعمال حكمه ما ورد في كتاب وزارة المالية الدوري رقم 234/ 9/ 20 الصادر في 30 من إبريل سنة 1933 من اعتبار من يطلب اعتزال الخدمة لمرضه ثم يتوفى قبل الكشف عليه - أنه ترك الخدمة قبل الوفاة لانتفاء الحاجة به.
ومن حيث إن الثابت من أوراق الدعوى أن مورث المدعي قدم استقالته إلى الهيئة العامة للسكك الحديدية في يوم أول مايو سنة 1954 ثم وافته المنية في اليوم ذاته، ولم تكن الهيئة قد قبلت الاستقالة بعد ومن ثم فإن الجهة الإدارية، إذ حددت المكافأة المستحقة له على أساس أنه توفي وهو في الخدمة، تكون قد طبقت القانون تطبيقاً صحيحاً.
ويكون الحكم المطعون فيه قد صادف الصواب إذ قضى برفض الدعوى مما يتعين معه القضاء برفض الطعن لعدم قيامه على أساس سليم من القانون، مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.