مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 282

(27)
جلسة 26 من نوفمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 1362 لسنة 10 القضائية

( أ) أموال عامة "الانتفاع بها". ترخيص. عقد إداري.
اختلاف الترخيص للأفراد بالانتفاع بجزء من المال العام في مداه وفيما يخوله لهم من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان الانتفاع عادياً أم غير عادي - متى يعد الانتفاع عادياً ومتى يعد غير عادي - مثال لكل منهما وبيان سلطة الإدارة بشأنه - اصطباغ الترخيص بصبغة العقد الإداري في حالة إعداد المال العام بطبيعته لينتفع به الأفراد انتفاعاً خاصاً بصفة مستقرة وبشروط معينة وخضوعه للشروط الواردة فيه وللقواعد القانونية التي تنظم هذا النوع من الانتفاع - بقاء الحق في الانتفاع بالمال العام قائماً في هذه الحالة للمدة المحددة للترخيص أو للمدة التي يظل فيها المال مخصصاً للنفع العام في حالة عدم تحديد مدة للترخيص.
(ب) جبانة. ترخيص. عقد إداري.
التراخيص الخاصة بشغل مساحات محدودة من أراضي الجبانات لإقامة مدافن أو أحواش عليها - موقف القضاء والفقه في فرنسا منها - تمتعها في مصر بطابع من الثبات والاستقرار لا يزحزحه إلا إنهاء تخصيص المكان للدفن.
(جـ) قرار إداري "عيب الانحراف". جباية.
انعدام السبب المعقول المبرر للقرار الإداري وانطواء تصرف الإدارة على تمييز بعض الناس على حساب البعض الآخر دون مسوغ مقنع وأساس من الصالح العام - صورة من صور مشوبة القرار الإداري بالانحراف - مثال.
1 - أن الترخيص للأفراد بالانتفاع بجزء من المال العام يختلف في مداه وفيما يخوله للأفراد من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان هذا الانتفاع عادياً أو غير عادي ويكون الانتفاع عادياً إذا كان متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص المال من أجله كما هو الشأن بالنسبة إلى أراضي الجبانات وأراضي الأسواق العامة وما يخصص من شاطئ البحر لإقامة الكبائن والشاليهات ويكون الانتفاع غير عادي إذا لم يكن متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص له المال العام كالترخيص بشغل الطريق العام بالأدوات والمهمات والأكشاك ففي الانتفاع غير العادي يكون الترخيص للأفراد باستعمال جزء من المال العام من قبيل الأعمال الإدارية المبينة على مجرد التسامح ويكون الاختصاص بمنحه عادة لجهات الشرطة وتتمتع الإدارة بالنسبة إلى هذا النوع من الانتفاع بسلطة تقديرية واسعة فيكون لها إلغاء الترخيص في أي وقت بحسب ما تراه متفقاً مع المصلحة العامة، باعتبار أن المال لم يخصص في الأصل لمثل هذا النوع من الانتفاع وأن الترخيص باستعماله على خلاف هذا الأصل عارض موقوت بطبيعته ومن ثم قابلاً للإلغاء أو التعديل في أي وقت لداعي المصلحة العامة. أما إذا كان المال قد أعد بطبيعته لينتفع به الأفراد انتفاعاً خاصاً بصفة مستقرة وبشروط معينة فإن الترخيص به يتم من الجهة الإدارية المنوط بها الإشراف على المال العام ويصطبغ الترخيص في هذه الحالة بصبغة العقد الإداري وتحكمه الشروط الواردة فيه والقواعد القانونية التي تنظم هذا النوع من الانتفاع وهي ترتب للمنتفع على المال العام حقوقاً تختلف في مداها وقوتها بحسب طبيعة الانتفاع وطبيعة المال المقررة عليه على أنها في جملتها تتسم بطابع من الاستقرار في نطاق المدة المحددة في الترخيص أما إذا لم تكن ثمة مدة محددة فإن هذه الحقوق تبقى ما بقى المال مخصصاً للنفع العام وبشرط أن يقوم المنتفع بالوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتقه وتلتزم الإدارة باحترام حقوق المرخص له في الانتفاع فلاً يسوغ لها إلغاء الترخيص كلياً أو جزئياً طالما كان المنتفع قائماً بتنفيذ التزاماته وذلك ما لم تقم اعتبارات متعلقة بالمصلحة العامة تقتضي إنهاء تخصيص المال لهذا النوع من الانتفاع ودون إخلال بما للجهة الإدارية من حقوق في اتخاذ الإجراءات التي تكفل صيانة الأمن والنظام ولو تعارض ذلك مع مصلحة المنتفعين وجلي أن ترتيب هذه الحقوق لصالح المنتفعين بالنسبة إلى هذا النوع من الانتفاع مرده إلى أن الانتفاع في هذه الحالة يكون متفقاً مع ما خصص له المال العام فيتحقق النفع العام عن طريق تحقق النفع الخاص.
2 - من التراخيص التي يرى القضاء والفقه في فرنسا أن لها صفة العقود الإدارية وتتسم بطابع الاستقرار التراخيص الخاصة بشغل مساحات محدودة من أراضي الجبانات لإقامة مدافن أو أحواش عليها. ويذهب القضاء الفرنسي إلى أن حق المرخص له في الانتفاع بجزء من أراضي الجبانات حق عيني عقاري موضوعه الانتفاع بالجزء المخصص في الأغراض المحددة في التراخيص بمراعاة أن رغبة الأسرة هي أن يستقر موتاهم في المكان الذي خصص لهم.
والترخيص بمثل هذا النوع من الانتفاع في مصر يرتبط باعتبارات ومعتقدات دينية وأعراف مقدسة عميقة الجذور في نفوس الكافة منذ فجر التاريخ باعتبار أن القبر هو مثوى المرء بعد مماته وداره التي يواري فيها بعد انتهاء رحلته الدنيوية ومزار ذويه وعارفيه في المناسبات الدينية المختلفة كذلك فإن أفراد الأسرة الواحدة حريصون بحكم التقاليد على أن يضم قبورهم على تعاقب الأجيال مكان واحد. كل ذلك أضفى على التراخيص بشغل أراضي الجبانات في مصر منذ وجدت طابعاً من الثبات والاستقرار لا يزحزحه إلا إنهاء تخصيص المكان للدفن وقلما يتم ذلك إلا فيما يتعلق بالجبانات التي بطل الدفن فيها ودرست معالمها.
3 - أن الملابسات التي اكتشفت إصدار القرار محل الطعن تفصح بجلاء عن أن الإدارة تذرعت بالادعاء بإخلال المطعون ضده ورفاقه بالتزاماتهم بالبناء والتسوير بقصد الاستيلاء على الجانب الأكبر من القطعة المخصصة لهم لتوزيعها على آخرين غيرهم بمقولة أن في ذلك تحقيقاً لمصلحة عامة هي تفريج أزمة المقابر وذلك حجة داحضة فالثابت أن الجبانة غصت بالمساحات التي سبق تخصيصها للمنتفعين ولم يعد فيها متسع لمساحات أخرى وأن المساحات التي سبق أن خصصت روعي في تخصيصها حاجة المنتفعين بها وليس في اقتطاع أجزاء من القطع التي خصصت لأربعة ممن سبق الترخيص لهم ما يعتبر حلاً للأزمة التي صورتها المحافظة ولا إجراء عاماً يدعو إليه الصالح العام ويجعل الناس أمامه سواسية في التضحيات والمنافع فإذا أضيف أن الاتجاه إلى اقتطاع هذه الأجزاء لم يكن وليد بحث جدي لتفريج هذه المشكلة سواء فيما يتعلق باحتياجات المقتطع منهم من جهة أو كفاية الأجزاء القليلة المقتطعة في سد حاجة المواطنين الذين قيل أن طلباتهم انهالت للحصول على مساحات بأرض الجبانة من جهة أخرى وإذا روعي أيضاً أن المحافظة لم تلق بالاً إلى ما اقترح من تخصيص قطعة أرض لإقامة جبانة جديدة تفي بحاجة المنتفعين، دل ذلك في مجموعة على انعدام السبب المعقول المبرر للقرار والمؤدي إلى صحة النتيجة التي انتهى إليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - على ما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض بصحيفة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 29 من يونيه سنة 1963 طالباً بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار رقم 103 لسنة 1963 سالف الذكر فيما يتعلق بحقوق الطالب وفي الموضوع بإلغاء القرار وما يترتب على ذلك من آثار مع حفظ حقوق الطالب عما لحقه من أضرار وإلزام المدعى عليه المصروفات وأتعاب المحاماة. "وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه أخطر من رئيس لجنة الجبانات بالإسكندرية في 30 من إبريل 1963 بصدور قرار السيد محافظ الإسكندرية رقم 103 لسنة 1963 بالاستيلاء على جزء كبير من الأرض التي سبق أن خصصتها له لجنة الجبانات بجبانة المنارة بموجب شهادة صادرة من اللجنة في 13/ 8/ 1944 ولم يحدد تاريخاً لانتهاء هذه المنفعة مما يفيد صراحة انصراف إرادة الطرفين إلى جعل هذه المنفعة مؤبدة غير موقوتة بميعاد معين. وأضاف أن محكمة القضاء الإداري قد استقرت على أن تمليك المنفعة يعتبر عقداً إدارياً وليس ترخيصاً وأن سلطة الإدارة في تعديل العقود الإدارية مناطها احتياجات المرافق العامة ويشترط لذلك أن تكون قد استجدت بعد إبرام العقد ظروف تبرر هذا التعديل وأن سلطة التعديل لا تتناول جميع شروط العقد وإنما تقتصر على تلك المتعلقة بتسيير المرفق العام ومن ثم فإن الإدارة لا تملك تعديل شروط العقد الأخرى لا سيما تلك المتعلقة بمحل العقد نفسه وأنه لما كان الاستيلاء على هذه الأرض يتضمن تعديلاً لشروط العقد فيما يتعلق بمحله كما أنها لم تستهدف الصالح العام إذ أنها أنما تقتطع هذه الأجزاء من الطالب بقصد توزيعها على أشخاص معينين بالذات وأنه ليس في أحكام القوانين واللوائح ما يخول السيد المحافظ الاستيلاء على أي جزء من المرافق الخصوصية وبذلك يكون القرار المشار إليه مشوباً بعيب الانحراف وإساءة استعمال السلطة والمخالفة للقانون فضلاً عن إخلاله بالعقد الإداري إخلالاً يجعله متجاوزاً الحدود التي يجوز في مجالها تعديل العقود الإدارية وأضاف المدعي أنه كان قد قدم رسماً للبلدية لبناء مرفق على الأرض المستولى عليها وتم اعتماده بالفعل في 26 من نوفمبر سنة 1962 وأنه كان قد شرع في تسوير الأرض وبسطها تمهيداً لإقامة المبنى. ومضى المدعي قائلاً أنه فيما يتعلق بالناحية الموضوعية ما كان يليق بجهة الإدارة أن تتصدى للمرافق والقبور بالاستيلاء عليها على النحو المذكور لما ينطوي عليه ذلك من إساءة بالغة بالشعائر الدينية.
ومن حيث إن محافظة الإسكندرية لم تعقب على الدعوى اكتفاء بدفاعها في الدعوى رقم 1591 لسنة 17 القضائية التي أقيمت من السيد/ محمد صادق محمود في شأن إلغاء القرار ذاته والذي يتحصل في أن المدعي وآخرين سبق أن حصلوا على قطع أرض بجبانة المنارة لإقامة مقابر عليها مقابل انتفاع معين وحدث أن تلقت الإدارة الصحية بالمحافظة في العامين الأخيرين العديد من طلبات المواطنين للحصول على أجزاء في تلك الجبانة لإقامة مرافق عليها إلا أنه تبين للإدارة أن جميع الأراضي المعدة لهذا الغرض قد نفدت وأن هناك مساحات كبيرة سبق الترخيص بها لبعض المواطنين ومنهم المدعي فلم يقوموا بالبناء عليها أو تسويرها وتركوها خالية حتى أصبحت مستودعاً للقاذورات فقامت المحافظة بعد استطلاع رأي المستشار القانوني بإصدار القرار المطعون فيه متضمناً النص على تعديل التراخيص السابق منحها لخمسة أشخاص من بينهم المدعي واختصت كلاً منهم بجزء من الأرض واستولت هي على الباقي بالطريق الإداري لتوزيعه على المواطنين الذين لا يجدون أماكن لدفن موتاهم وزادت المحافظة أن أرض الجبانات من الأموال العامة التي لا يجوز التصرف فيها بالبيع أو الشراء وأن دفن الموتى بالجبانات من المرافق العامة لاتصاله الوثيق بالشئون الشرعية والصحية وأنه من أجل ذلك تدخل المشرع فنظم هذا المرفق تنظيماً عاماً بتشريعات متعاقبة وأنه بالنسبة لمدينة الإسكندرية فإن لائحة الجبانات الصادر بها قرار القومسيون الطبي في 6 فبراير سنة 1911 ما زال معمولاً بها فيما عدا نص المادة الأولى الذي جرى تعديله سنة 1957 تعديلاً مؤداه إحلال الإدارة الصحية بالمحافظة محل لجنة الجبانات في تنفيذ أحكام اللائحة وأن المادة 2 من اللائحة قد نصت على أن كل من أراد الحصول على قطعة أرض في أية جبانة ليبنى فيها قبراً أو أكثر أو مرفقاً خصوصياً فعليه أن يقدم بذلك طلباً مبيناً فيه اسمه ولقبه ومحل إقامته والمسطح الذي يريد الحصول عليه وموقعه وعليه مقابل المصروفات التي تقوم بها اللجنة دفع مبلغ معين عن كل متر بحسب ما تقرره اللجنة ولا تعطي الرخصة إلا بعد المعاينة وتحصيل المبلغ المطلوب ما لم يكن الطالب فقيراً وتستطرد المحافظة إلى القول بأنه إذا تعاقد أحد الأفراد مع جهة الإدارة فإن هذا التعاقد لا يتضمن تمليكاً لهذه الأرض لكنه بحسب التكييف الذي انتهت إليه المحكمة الإدارية العليا يعتبر تخصيصاً للمال العام لانتفاع شخصي بعينه ولا يعني ذلك الحد من حرية الإدارة فيما رخصت فيها وتعديله لدواعي المصلحة العامة ذلك أن العقد الذي محله الانتفاع بمال عام هو بطبيعته من العقود التي تخضع لأحكام القانون العام لأنها توافق طبيعة المال العام ومتى كان العقد إدارياً فإن من حق الجهة الإدارية إنهاء تلك العلاقة بناء على سلطتها التقديرية طالما كان ذلك متفقاً مع وجه المصلحة العامة وعلى ذلك فإنها رأت لمقتضيات المصلحة العامة قصر بعض العقود المبرمة مع المدعي وآخرين على أجزاء مما سبق الترخيص لهم به حتى تتيح الفرصة لآخرين للحصول على قطع لإقامة مدافن خاصة لهم خصوصاً وأن المدعي ترك الأرض المرخص له بها دون انتفاع لمدة طويلة ولم يقم بتسويرها مما جعلها مستودعاً للقمامة.
وبجلسة 24 من مايو سنة 1964 قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرار رقم 103 لسنة 1963 الصادر من محافظ الإسكندرية وأقامت قضاءها على أن مركز المدعي الناشئ من قرار لجنة الجبانات الإسلامية ليس من المراكز القانونية التي تستعصي على التعديل بل أن من حق جهة الإدارة أن تعدله إذا اقتضى الصالح العام ذلك التعديل لأن الأرض التي اختص بها المدعي كانت وما تزال مالاً عاماً مخصصاً لمنفعة عامة وأن مقطع النزاع في الدعوى هو ما إذا كان القرار المطعون فيه قد صدر لمصلحة عامة تبرره أم أن الباعث عليه كان يستهدف مصالح خالصة وأنه لا وجه لما تنعاه المحافظة على المدعي من أنه لم يقم بتسوير قطعة الأرض التي سبق الترخيص له بها أو البناء عليها ذلك لأن اللائحة جاءت خلواً من أي نص يلزم بالتسوير أو بالبناء خلال مدة معينة بل أن الأمر على العكس من ذلك فإن البند الثالث من المادة 16 من اللائحة تتضمن نصاً صريحاً بإبقاء أراضي المرافق الخاصة دون تسوير كما أنه لا يمكن أن يلام المدعي من عدم انتفاعه بقطعة الأرض المذكورة زهاء عشرين عاماً كذلك فإنه لا وجه لما تذرعت به المحافظة من أن لوالد المدعي مرفقاً كبيراً يقع خلف تلك الأرض لأن المدعي إنما طلب الانتفاع بقطعة الأرض لنفسه ولعائلته وإذا كان لهذا الاعتبار وزن ما فقد كان للجنة الجبانات أن ترفض منحه قطعة الأرض من مبدأ الأمر وعندما تقدم بطلبه وخلصت المحكمة إلى أن المدعي يكون قد تصرف وفقاً للائحة التي كانت ولا زالت سارية المفعول وليس في الأوراق ما يشير إلى أن جهة الإدارة طلبت من المدعي أن يقوم بتسوير هذه الأرض أو إقامة المرافق عليها وأنه امتنع أو تأخر وأنه ترتيباً على ذلك لا يكون ثمة ما يؤخذ على المدعي من مخالفة لا من ناحية اللائحة ولا من ناحية شروط الترخيص وأن المحكمة لا ترى فيما ساقته المحافظة لتبرير إصدار القرار المطعون فيه ما يمكن أن يقوم سبباً صحيحاً من الناحية القانونية بوصف أن ما أقدمت عليه من سلخ الجزء الأكبر من الأرض المرخص بها للمدعي كمرفق له ولأفراد عائلته أن هذا الفعل كان يستهدف المصلحة العامة لأن المساحات المستقطعة بالقرار المطعون لا يمكن أن تعتبر حلاً لمواجهة طلبات المواطنين بمنحهم أراضي لدفن موتاهم الذين يتزايد عددهم بتزايد عدد السكان الأمر الذي يظهر هذا القرار على حقيقة أمره وهو انحرافه من استهداف الصالح العام وإهداره للمركز القانوني للمدعي ولباقي المنتفعين الخمسة الآخرين الأمر الذي يجعله حقيقاً بالإلغاء".
ومن حيث إن الطاعنة قد نعت على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون وقالت في طعنها أن سلطة الإدارة في التعديل أو إلغاء العقد الإداري لا تفقد عند حد ما دام متفقاً مع مقتضيات الصالح العام وكل ما للمتعاقد هو أن يكون له الحق في فسخ العقد أو التعويض دون أن يتعدى ذلك إلى إجبار الجهة الإدارية على العدول عن التعديل الذي اقتضاه الصالح العام واحتياجات المرفق وأنه ليس صحيحاً أن التعديل الذي أجرته الإدارة كان يهدف إلى تحقيق أغراض خاصة وأنه لا يغير من هذا النظر أن تكون أشخاص المنتفعين قد تحددت عند إجراء التعديل في العقد موضوع الدعوى لأن أشخاصهم إنما تتحدد حتماً بالطلب الذي يتقدم كل منهم به إلى جهة الإدارة بالترخيص له في الانتفاع.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً بالرأي القانوني ذهبت فيه إلى أن المحافظة كانت في حاجة ماسة إلى أكبر قدر ممكن من المساحات الخالية بأرض جبانة المنارة لتتمكن من مجابهة الطلبات العديدة التي تلقتها من المواطنين مؤخراً لإقامة مرافق عليها بعد أن أسفر البحث عن استغراق جميع مساحة أرض الجبانة المذكورة بالتراخيص السابقة وأنها أخذت في البحث عن حل لهذه الأزمة فولت وجهها شطر التراخيص السابقة التي تفيض عن حاجة أصحابها واجتزأت من بعضها قطعاً لتتمكن من النهوض بأعبائها إزاء الطلبات التي انهالت عليها وأنه وإن كان يجوز استعمال السلطة المخولة بلائحة الجبانات لإلغاء التراخيص القائمة في حالة حدوث مخالفة تقتضي إلغاء الترخيص، إلا أنه يجوز أيضاً وفي نفس الوقت إلغاء هذه التراخيص أو تعديلها لأسباب تتعلق بظروف المرفق المذكور أو بالسياسة العامة التي يخضع لها والتي تخضع لسنة التطور والتغيير بحيث يترتب على تغيير السياسة العامة للخدمة العامة أن يصبح الترخيص الذي كان صالحاً لترتيب آثاره في الماضي غير قادر على مجاراة الظروف التي استجدت بالمرفق في الحاضر. وأنه سواء أكان الحل الذي انتهت إليه المحافظة يفي بجميع طلبات المواطنين أو يقصر عن الوفاء بجميع هذه الطلبات فإن ذلك لا يعني أن المحافظة كانت تسعى لغير الأغراض التي أنشئ مرفق الدفن من أجلها أو يصم قرارها بعيب الانحراف عن الصالح العام إذ العبرة بما قصدت إليه الإدارة أصلاً لا بما تمخضت عنه آثار تصرفها وأن ما ورد بمذكرة المحافظة ورددته في صحيفة الطعن من أن المدعي لم يستعمل قطعة الأرض التي سبق الترخيص له بها منذ عام 1944 وتركها دون تسوير، فإن ذلك لم يكن هو السبب الحقيقي لإصدار القرار المطعون فيه ولا يعدو أن يكون ذلك وصفاً لحال القطع التي يمكن أن ينالها التعديل المقترح وبياناً بأن هذا التعديل لن يمس رفات الموتى ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر تلك البيانات التي أوردتها المحافظة في معرض دفاعها من قبيل الأسباب التي قام عليها قرارها يكون قد أخطأ في تحصيل الوقائع وتحديد مضمون ما انصرفت إليه إرادة الجهة الإدارية حسب ظروف الدعوى والملابسات التي صاحبت صدور القرار المطعون فيه. وانتهى التقرير إلى أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله مما يتعين معه الحكم بإلغائه والقضاء برفض الدعوى.
ومن حيث إنه يبين من استظهار الأوراق التي احتواها ملف الجهة الإدارية أن التفكير في الاستيلاء على أجزاء من القطع التي خصصت للمطعون ضد وأربعة آخرين بجبانة المنارة قد بدأ برسالة بعثت بها الإدارة الصحية إلى إدارة الشئون القانونية في 29 من إبريل سنة 1962 ضمنتها أن لجنة الجبانات قد منحت قطع أراضي بجبانة المنارة لبعض الأفراد لإقامة مدافن خاصة عليها لهم ولأسرهم وأنهم لم يقوموا ببنائها أو تسويرها حتى الآن وأنه لما كانت الجبانة قد ضاقت ولم تعد تتسع لإقامة مدافن خاصة أو قبور وأنه نظراً لوجود طلبات كثيرة بطلب الحصول على قطع أراضي الجبانة فإنه يستطلع الرأي فيما إذا كان للجنة الجبانات أن تلغي حق الانتفاع لمن سبق الترخيص لهم ولم يقوموا بالبناء أو التسوير وفي مذكرة تالية مؤرخة 26 مايو سنة 1962 كتبت الإدارة الصحية إلى الإدارة القانونية رداً على ما طلبت الأخيرة موافاتها به بشأن وجود أحكام تنظيمية خاصة بتسوير الأراضي داخل الجبانة بأن المادة 22 من اللائحة الداخلية للجبانات الإسلامية تنص على أن تخصص باقي الأرض لذوي اليسار الذين يريدون أن تكون لهم مدافن خاصة مسورة أو غير مسورة وقد عقبت الشئون القانونية على هذه الرسالة بمذكرة مرفقة بالملف مؤرخة 26 من مايو سنة 1962 بعدم جواز إلغاء حق الانتفاع الممنوح لهؤلاء الأشخاص استناداً إلى أنهم لم يقوموا بتسويرها أو بنائها إلى الآن. وفي 29 من أغسطس سنة 1962 كتبت الإدارة الصحية إلى الشئون القانونية مذكرة تردد فيها ما سبق أن ضمنته مذكرتها المؤرخة 29 من إبريل سنة 1962 وأضافت إليها أن المساحات التي سبق منحها لبعض الأشخاص هي مساحات كبيرة في حين أن اللجنة راعت في منح ما كان قد تبقى بأرض الجبانة أن يكون المنح بمساحات صغيرة لا تجاوز 35 ذراعاً مربعاً وأنها تستطلع الرأي فيما إذ كان يجوز للجنة أن تنتقص أجزاء من هذه المساحات الكبيرة لتفريج الأزمة خصوصاً وأن بعض من منحوا أراضي يتاجرون فيها أو يتنازلون عن حق انتفاعهم بها لآخرين بأثمان مرتفعة وقد ردت الشئون القانونية بمذكرة مؤرخة 25 من أكتوبر سنة 1962 انتهت فيها إلى عدم أحقية المحافظة في استعادة أجزاء من قطع الأراضي التي سبق الترخيص بها وقد أشر على هذه المذكرة بأن هناك طلبات كثيرة لا يمكن التغاضي عنها وهي أمور لها أهميتها فإما أن يستعجل إنشاء جبانة جديدة أو ما ترونه سيادتكم. وأعقب ذلك كتاب من الإدارة الصحية إلى الإدارة الهندسية لمعاينة الجبانة والإفادة عما يكمن اتخاذه لإيجاد أراض يمكن إعطاء حق نفعيتها للمواطنين حتى يمكن العرض على السيد المحافظ بشأن طلب تقدم به أحد المواطنين وأعدت الإدارة الهندسية تقريراً نفت فيه وجود أراضي فضاء بالجبانة وذكرت أنه توجد قطعة أرض مشغولة بمقابر الجنود الهنود المسلمين وأخرى بموتى المستشفيات المجهولين وأنه يمكن الاتفاق على ترخيص مساحة محددة لكل من الطائفتين والاستعانة بالباقي لتوزيعه على الطالبين. وفي 21 من نوفمبر سنة 1962 كتبت الإدارة الطبية إلى السيد المستشار القانوني للمحافظة كتاباً رددت فيه ما سبق أن ضمنته كتابها إلى إدارة الشئون القانونية وقد رد السيد المستشار بكتابه المؤرخ 27 من نوفمبر سنة 1962 الذي انتهى فيه إلى أنه يبين من كتابكم المشار إليه أن بعض الأفراد قد سبق الترخيص لهم بمساحات كبيرة في جبانة المنارة وأنهم لم يقوموا ببنائها أو تسويرها وأنه على هدى ما تقدم من البيانات والقواعد القانونية يجوز للإدارة الصحية إنهاء عقود التراخيص التي من هذا القبيل وإعطاء المرخص لهم بذلك والاستيلاء على الأراضي المرخص بها بالطريق الإداري وذلك نظراً لما تقتضيه المصلحة العامة واحتياجات المرفق من استمرار عمليات الدفن في تلك الأراضي المعطلة واستناداً إلى هذه المذكرة أعد القرار المطعون فيه وعرض على السيد المحافظ الذي اعتمده في 19 من مارس سنة 1962 وقد أشير في ديباجته إلى ما جاء في مذكرة المستشار القانوني المؤرخة 25 من أكتوبر سنة 1962 من أن الترخيص للأفراد بالانتفاع بجزء من المال العام يختلف في مداه وفيما يخوله للأفراد من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان هذا الانتفاع عادياً أو غير عادي. ويكون الانتفاع عادياً إذا كان متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص المال من أجله كما هو الشأن بالنسبة إلى أراضي الجبانات أراضي الأسواق العامة وما يخصص من شاطئ البحر لإقامة الكبائن والشاليهات ويكون الانتفاع غير عادي إذا لم يكن متفقاً مع الغرض الأصلي الذي خصص له المال العام كالترخيص بشغل الطريق العام للأدوات والمهمات والأكشاك ففي الانتفاع غير العادي يكون الترخيص للأفراد باستعمال جزء من المال العام من قبيل الأعمال الإدارية المبنية على مجرد التسامح ويكون الاختصاص بمنحه عادة لجهات الشرطة وتتمتع الإدارة بالنسبة إلى هذا النوع من الانتفاع بسلطة تقديرية واسعة فيكون لها إلغاء الترخيص في أي وقت بحسب ما تراه متفقاً مع المصلحة العامة، باعتبار أن المال لم يخصص في الأصل لمثل هذا النوع من الانتفاع وأن الترخيص باستعماله على خلاف هذا أصل عارض وموقوت بطبيعته ومن ثم يكون قابلاً للإلغاء أو التعديل في أي وقت لداعي المصلحة العامة. أما إذا كان المال قد أعد بطبيعته لينتفع به الأفراد انتفاعاً خاصاً بصفة مستمرة وبشروط معينة فإن الترخيص به يتم من الجهة الإدارية المنوط بها الإشراف على المال العام ويصطبغ الترخيص في هذه الحالة بصبغة العقد الإداري وتحكمه الشروط الواردة فيه والقواعد القانونية التي تنظم هذا النوع من الانتفاع وهي ترتب للمنتفع على المال العام حقوقاً تختلف في مداها وقوتها بحسب طبيعة الانتفاع وطبيعة المال المقرر عليه على أنها في جملتها تتسم بطابع من الاستقرار في نطاق المدة المحددة في الترخيص أما إذا لم تكن ثمة مدة محددة فإن هذه الحقوق تبقى ما بقى المال مخصصاً للنفع العام وبشرط أن يقوم المنتفع بالوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتقه وتلتزم الإدارة باحترام حقوق المرخص له في الانتفاع فلاً يسوغ لها إلغاء الترخيص كلياً أو جزئياً طالما كان المنتفع قائماً بتنفيذ التزاماته وذلك ما لم تقم اعتبارات متعلقة بالمصلحة العامة تقتضي إنهاء تخصيص المال لهذا النوع من انتفاع ودون إخلال بما للجهة الإدارية من حق في اتخاذ الإجراءات التي تكفل صيانة الأمن والنظام ولو تعارض ذلك مع مصلحة المنتفعين وجلي أن ترتيب هذه الحقوق لصالح المنتفعين بالنسبة إلى هذا النوع من الانتفاع مرده إلى أن الانتفاع في هذه الحالة متفق مع ما خصص له المال العام فيتحقق النفع العام عن طريق تحقق النفع الخاص.
ومن حيث إن من التراخيص التي يرى القضاء والفقه في فرنسا أن لها صفة العقود الإدارية وتتسم بطابع الاستقرار التراخيص الخاصة بشغل مساحات محدودة من أراضي الجبانات لإقامة مدافن أو أحواش عليها. ويذهب القضاء الفرنسي إلى أن حق المرخص له في الانتفاع بجزء من أراضي الجبانات حق عيني عقاري موضوعه الانتفاع بالجزء المخصص في الأغراض المحددة في الترخيص بمراعاة أن رغبة الأسرة هي أن يستقر موتاهم في المكان الذي خصص لهم.
ومن حيث إن شأن الترخيص بمثل هذا النوع من الانتفاع في مصر يرتبط باعتبارات ومعتقدات دينية وأعراف مقدسة عميقة الجذور في نفوس الكافة منذ فجر التاريخ باعتبار أن القبر هو مثوى المرء بعد مماته وداره التي يواري فيها بعد انتهاء رحلته الدنيوية ومزار ذويه وعارفيه في المناسبات الدينية المختلفة كذلك فإن أفراد الأسرة الواحدة حريصون بحكم التقاليد على أن يضم قبورهم على تعاقب الأجيال مكان واحد. كل ذلك أضفى على التراخيص بشغل أراضي الجبانات في مصر منذ وجدت طابعاً من الثبات والاستقرار لا يزحزحه إلا انتهاء تخصيص المكان للدفن وقلما يتم ذلك إلا فيما يتعلق بالجبانات التي بطل الدفن فيها ودرست معالمها.
ومن حيث إنه يتبين من الاطلاع على القرار رقم 103 لسنة 1963 الصادر من السيد محافظ الإسكندرية بالاستيلاء على جانب من الأرض المخصصة للمطعون ضده بأرض جبانة المنارة أن القرار بني على مذكرة السيد المستشار القانوني المؤرخة 27 من نوفمبر 1963 التي أجملت أسباب القرار في تراخي المطعون ضده في القيام بالبناء والتسوير مما يشكل على حد قول المذكرة تعطيلاً لمرفق الدفن على حين أن أشخاصاً آخرين يرغبون في الحصول على قطع من الأرض بهذه الجبانة الأمر الذي يقتضي إلغاء الترخيص ومنح المنفعة لطالبيها.
ومن حيث إنه ليس في لائحة الجبانات الصادرة في 6 من فبراير سنة 1911 والسارية على واقعة الطعن ولا في شهادة الانتفاع الصادرة لصالح المطعون ضده من لجنة الجبانات ما يلزم المنتفع بالبناء أو التسوير خلال أجل معين بل أن اللائحة قد تضمنت نصاً صريحاً يحظر التسوير إلا بإذن من اللجنة كذلك فإن القول بأن التأخر في إقامة المدفن الخاص على أرض الجبانة يشكل تعطيلاً لمرفق دفن الموتى هو مما لا يجوز في العقل قبوله، فأرض الله واسعة وإقامة المدافن ميسور في أي مكان آخر يخصص لهذا الغرض وبناء المدافن الخاصة لا يمكن أن يعد في حد ذاته تسييراً لمرفق دفن الموتى وعادات الناس قد جرت من قديم على عدم إقامة المدافن إلا عند الشعور بدنو الأجل.
ومن حيث إنه وأن تكن الإدارة غير ملزمة ببيان أسباب قرارها إلا حيث يوجب القانون عليها ذلك إلا أنها متى ذكرت أسباباً لقرارها فإن هذه الأسباب تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري لتعرف مدى صحتها من الوجهة الواقعية ومن جهة مطابقتها أحكام القانون نصاً وروحاً فإذا استبان أنها غير صحيحة كان القرار معيباً.
ومن حيث إنه متى كان ذلك وكان ممتنعاً قانوناً على الجهة الإدارية إلغاء الترخيص بشغل جزء من أرض الجبانة كلياً أو جزئياً إلا في حالة إخلال المنتفع بالتزاماته أو إنهاء تخصيص الجبانة للدفن. وكان الثابت أن المطعون ضده لم يخل بشيء من التزاماته التي يفرضها الترخيص أو اللائحة فإن القرار الصادر بإلغاء الترخيص في جزء منه استناداً إلى هذه الأسباب يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه من جهة أخرى فإن الملابسات التي اكتنفت إصدار القرار محل الطعن تفصح بجلاء عن أن الإدارة تذرعت بالادعاء بإخلال المطعون ضده ورفاقه بالتزاماتهم بالبناء والتسوير بقصد الاستيلاء على الجانب الأكبر من القطع المخصصة لها لتوزيعها على آخرين غيرهم بمقولة أن في ذلك تحقيقاً لمصلحة عامة هي تفريج أزمة المقابر وتلك حجة داحضة فالثابت أن الجبانة قد غصت بالمساحات التي سبق تخصيصها للمنتفعين ولم يعد فيها متسع لمساحات أخرى وأن المساحات التي سبق أن خصصت روعي في تخصيصها حاجة المنتفعين بها وليس في اقتطاع أجزاء من القطع التي خصصت لأربعة ممن سبق الترخيص لهم ما يعتبر حلاً للأزمة التي صورتها المحافظة ولا إجراء عاماً يدعو إليه الصالح العام ويجعل الناس أمامه سواسية في التضحيات والمنافع فإذا أضيف أن الاتجاه إلى اقتطاع هذه الأجزاء لم يكن وليد بحث جدي لتفريج هذه المشكلة سواء فيما يتعلق باحتياجات المقتطع منهم من جهة أو كفاية الأجزاء القليلة المقتطعة في سد حاجة المواطنين الذين قيل أن طلباتهم انهالت للحصول على مساحات بأرض الجبانة من جهة أخرى وإذا روعي أيضاً أن المحافظة لم تلق بالاً إلى ما اقترح من تخصيص قطعة أرض لإقامة جبانة جديدة تفي بحاجة المنتفعين، دل ذلك في مجموعه على انعدام السبب المعقول المبرر للقرار والمؤدي إلى صحة النتيجة التي انتهى إليها وعلى أن الإدارة قد انطوى تصرفها على تمييز بعض الناس على حساب البعض الآخر ودون مسوغ مقنع وأساس من الصالح العام مما يجعل القرار مشوباً بالانحراف حقيقاً بالإلغاء.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون على حق فيما انتهى إليه من إلغاء القرار رقم 103 لسنة 1963 الصادر من السيد محافظ الإسكندرية ويكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت محافظة الإسكندرية بالمصروفات.