مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 335

(34)
جلسة 4 من ديسمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادسة الأساتذة محمد مختار العزبى وأحمد علي البحراوي وسليمان محمد جاد ومحمد فهمي طاهر المستشارين.

القضية رقم 955 لسنة 11 القضائية

( أ ) قرار إداري. "نفاذه". أثر القرار الإداري لا يتولد حالاً ومباشرة إلا حيث تتجه إرادة الإدارة لإحداثه على هذا النحو، ويكون ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً أو متى أصبح كذلك.
(ب) موظف. "بدلات. بدل العدوى". قرار رئيس الجمهورية رقم 2255 لسنة 1960 بشأن تقرير بدل عدوى لجميع الطوائف المعرضة لخطرها - توقف أثره بخصوص صرف بدل العدوى على صدور قرار وزير الصحة المنصوص عليه في المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية المشار إليه - الاعتداد بالتاريخ الذي عينه وزير الصحة، بعد موافقة وزير الخزانة، في قراره بداية للصرف وهو أول يوليو سنة 1963 دون الارتداد بهذه البداية إلى تاريخ نشر قرار رئيس الجمهورية آنف الذكر. أساس ذلك.
(جـ) موظف. "علاقة الموظف بالحكومة". علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح - يجوز أن تمنع عنه إحدى مزايا الوظيفة بصفة مطلقة أو مؤقتة دون التحدي بأن له أصل حق دائم فيها.
1 - إن القرار الإداري لا يولد أثره حالاً ومباشرة إلا حيث تتجه الإرادة لإحداثه على هذا النحو، كما أن أثر القرار لا يتولد على هذا الوجه إلا إذا كان ممكناً وجائزاً قانوناً أو متى أصبح كذلك، وهذا كله مستمد من طبيعة القرار الإداري باعتباره إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة.
2 - إنه لو صح أن السلطة التي أصدرت القرار رقم 2255 لسنة 1960 سالف الذكر قد اتجهت إرادتها - في خصوص صرف بدل العدوى إلى مستحقيه بحسب النظام الجديد - إلى أن يتولد أثره حالاً ومباشرة من تاريخ النشر فإنه ما كان ممكناً أن يتولد أثره في هذا الخصوص على هذا الوجه. ذلك أن القرار المشار إليه، وإن حدد فئات بدل العدوى ونظم أحكام منحه في الحالات المختلفة، إلا أنه لم يعين الوظائف المعرضة لخطر العدوى ووحدات الأمراض بل فوض وزير الصحة في هذا التعيين - بالإنفاق مع الوزير المختص بعد موافقة ديوان الموظفين ووزارة الخزانة أي أن مستحقي بدل العدوى بحسب النظام الجديد لم يكونوا معينين عند نشر القرار المبين آنفاً، ومن ثم فإنه ما كان ممكناً أن يتولد أثره حالاً ومباشرة عند نشره في خصوص صرف هذا البدل - سواء أكانت ثمة اعتمادات مالية مدرجة في الميزانية كافية للصرف أم لم تكن - ما دام المستحقون لبدل العدوى المذكور كانوا غير معينين وقتئذاك وإنما يتولد أثره - والحالة هذه - متى أصبح ذلك ممكناً وهو ما لا يتحقق إلا عند ما يصدره قرار وزير الصحة بتحديد الوظائف المعرضة لخطر العدوى ووحدات الأمراض ويتم بذلك تعيين المستحقين لهذا البدل.
وبناء على ما تقدم ولما كان قرار رئيس الجمهورية سالف البيان لم يتولد عند أثر صرف بدل العدوى حالاً ومباشرة من تاريخ نشره، وإنما تولد هذا الأثر عند صدور قرار وزير الصحة على الوجه المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية المشار إليه، فقد لزم عند صرف بدل العدوى المذكور الاعتداد بالتاريخ الذي عينه وزير الصحة - بعد موافقة وزير الخزانة في قراره بداية للصرف، وهو أول يوليه سنة 1963 دون الارتداد بهذه البداية إلى تاريخ نشر قرار رئيس الجمهورية آنف الذكر وذلك إعمالاً للأصل المقرر وهو عدم رجعية القرارات الإدارية.
3 - إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح فمركز الموظف هو مركز قانوني عام، وأفادته من مزايا الوظيفة العامة ليست حقاً يقاس على الحقوق الخاصة كحق الملكية مثلاً، وإنما هي أمر يخضع لما تقرره القوانين واللوائح الخاصة بالوظيفة العامة التي يجوز تعديلها وتغييرها وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، ومن ثم فإنه يجوز أن تمنع عن الموظف إحدى مزايا الوظيفة بصفة مطلقة أو لبعض الوقت دون التحدي بأن له أصل حق دائم فيها، ما دام ذلك قد تم من السلطة المختصة، بالشروط والأوضاع المقررة قانوناً، وبغير إساءة استعمال السلطة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 524 لسنة 11 القضائية ضد وزارة الصحة بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة الصحة في 22 من أغسطس سنة 1964 بناء على قرار صادر من لجنة المساعدات القضائية بالمحكمة المذكورة في 27 من مايو سنة 1964 في طلب الإعفاء رقم 457 لسنة 11 القضائية المقدم من المدعي ضد وزارة الصحة في 29 من فبراير سنة 1964. وطلب المدعي في عريضة الدعوى "الحكم له بأحقيته في صرف مرتب بدل العدوى بفئة جنيه واحد شهرياً اعتباراً من أول يناير سنة 1961 حتى أول يوليه سنة 1963 وما يترتب على ذلك من آثار عملاً بالقرار الجمهوري رقم 2255 لسنة 1960، وإلزام المدعى عليها مصاريف الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة". وتوجز أسانيد دعواه في أنه التحق بخدمة وزارة الصحة في وظيفة "تمورجى" من الدرجة الثانية خارج الهيئة وكان يتقاضى مرتب بدل عدوى بفئة 500 مليم شهرياً عملاً بقرار مجلس الوزراء الصادر في 18 من يوليه سنة 1936 ثم انقطع صرف هذا المرتب إليه حين صدر القرار الجمهوري رقم 2255 لسنة 1960 بتنظيم صرف بدل العدوى وهو القرار الذي عمل به من تاريخ نشره في يناير سنة 1961، ونص فيه على منح عمال اليومية في مستشفيات الصدر والحميات... إلخ مرتب بدل عدوى بفئة جنيه واحد شهرياً. وقد أدرجت فعلاً الاعتمادات المالية اللازمة لذلك في السنة المالية 61/ 1962 بمبلغ يربو على المبلغ الذي كان مدرجاً في السنة المالية السابقة وعلى الرغم من ذلك فإن وزارة الصحة لم تصرف مرتب بدل العدوى إلا في أول يوليه سنة 1963 مع أن تنفيذ القرار الجمهوري رقم 2255 لسنة 1960 كان جائزاً وممكناً من أول يناير سنة 1961 لوجود الاعتماد المالي اللازم لتنفيذه، وقد أجابت وزارة الصحة على الدعوى بأن القرار الجمهوري المشار إليه كان موقوف التطبيق على صدور قرار من وزير الصحة بتحديد الوظائف المعرضة لخطر العدوى ووحدات الأمراض وذلك بما له من سلطة تفويضية بموجب نص الفقرة الأخيرة من القرار الجمهوري المذكور، وأنه إذا صدر قرار إداري من سلطة معينة وكان من المستحيل تطبيق هذا القرار إلا بصدور قرار آخر من سلطة ما، كان القرار الأول موقوف الأثر حتى يصدر هذا القرار الأخير. كما أنه لا يحق للمدعي في فترة وقف تطبيق القرار الجمهوري سالف الذكر أن يستند في صرف مرتب بدل العدوى إلى القرارات التي كانت سارية من قبل لأن كلاً من هذه القرارات قد صدر في شأن شاغلي وظائف معينة بوحدات محددة وردت على سبيل الحصر والتحديد والمدعي لا يعتبر من المخاطبين بأحكام أي منها لأنه أصبح يشغل وظيفة عامل يومية. وإذا كان قد استطال الوقت حتى صدر قرار وزير الصحة باللائحة التنفيذية، فإن هذه الاستطالة لا تعتبر تقصيراً أو تراخياً لأن القرار الجمهوري المشار إليه قد فرض على وزير الصحة قبل إصدار القرار باللائحة التنفيذية أخذ رأي الوزير المختص في كل وزارة يعنيها أو يمسها هذا القرار، ثم أخذ موافقة ديوان الموظفين ووزير الخزانة مما يستغرق تحقيقه وقتاً طويلاً وفي جلسة 31 من مايو سنة 1965 قضت المحكمة الإدارية بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع باستحقاق المدعي لبدل العدوى بالتطبيق لأحكام القرار الجمهوري رقم 2255 لسنة 1960 المشار إليه اعتباراً من 29 من ديسمبر سنة 1960 وإلزام وزارة الصحة المصروفات. وأقامت قضاءها على أن المادة السابعة من القرار الجمهوري رقم 2255 لسنة 1960 سالف الذكر قد نصت على أن ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ نشره، وقد نشر القرار المذكور في 29 من ديسمبر سنة 1960. هذا على حين أن القرار الوزاري رقم 508 لسنة 1963 الصادر في 3 من سبتمبر سنة 1963 من وزير الصحة طبقاً للمادة الأولى من القرار الجمهوري المشار إليه قد نص في المادة الثانية منه على أن يمنح بدل العدوى اعتباراً من أول يوليه سنة 1963. وإزاء هذا التعارض بين التاريخين لا تتردد المحكمة في تغليب التاريخ الذي حدده القرار الاسمى، أي التاريخ الذي حدده القرار الجمهوري، وهو إن كان موقوف الأثر على صدور القرار الوزاري الذي نص عليه بحيث لم يكن في الإمكان قبل صدوره تطبيق القرار الجمهوري من التاريخ الذي عينه لنفاذه، إلا أنه بصدور القرار الوزاري ينفذ القرار الجمهوري من التاريخ الذي حدده فيه، إذ تقوم بين القرارين علاقة شبيهة بتلك التي تقوم بين العمل القانوني في القانون الخاص والشرط المعلق عليه هذا العمل، هذا بالإضافة إلى أن القرار الوزاري المشار إليه في خصوص تحديد تاريخ منح البدل يفتقد مشروعيته لأنه خرج في هذا الخصوص على حدود التفويض.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القاعدة في القانون العام أن الحق لا ينشأ إلا بنص صريح وما دام المشرع قد ناط بوزير الصحة تحديد الوظائف المعرضة لخطر العدوى فإن الحق في بدل العدوى لا ينشأ إلا بنص في قرار وزير الصحة. وفكرة تشبيه استحقاق بدل العدوى بالعمل القانوني المعلق على شرط موقف تتعارض مع المبدأ المقدم. هذا فضلاً عن أن القرار الجمهوري رقم 2255 لسنة 1960 قد صدر في 18 من ديسمبر سنة 1960 أي في وقت كانت فيه الميزانية النافذة حينئذ قد صدرت من السلطة التشريعية منذ عدة شهور، ومن ثم لم تكن تتضمن حساباً لمواجهة الأعباء المترتبة على تنفيذ هذا القرار وعلى هذا يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القواعد المستقرة في فقه القضاء الإداري من عدم نفاذ أية تسوية إلا منذ توافر الاعتمادات المالية اللازمة بميزانية الدولة لمواجهة تكاليفها.
ومن حيث إنه في 18 من ديسمبر سنة 1960 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 2255 لسنة 1960 بشأن تقرير بدل عدوى لجميع الطوائف المعرضة لخطرها ونصت المادة الأولى منه على أن "يمنح بدل عدوى للمعرضين لخطرها بسبب طبيعة أعمال وظائفهم بالفئات الآتية:
60 جنيهاً سنوياً لموظفي الكادر الفني العالي (أطباء - كيمائيون - مهندسون).
24 جنيهاً سنوياً لموظفي الدرجة السادسة الفنية أو الإدارية أو الكتابية فما فوقها من غير الوظائف السابقة.
18 جنيهاً سنوياً لموظفي الدرجة السابعة.
12 جنيهاً سنوياً لموظفي الدرجة الثامنة والتاسعة والعمال.
وتحدد الوظائف المعرضة لخطر العدوى ووحدات الأمراض بقرار من وزير الصحة بالاتفاق مع الوزير المختص بعد موافقة ديون الموظفين ووزارة الخزانة".
كما تضمنت المواد من الثانية إلى الخامسة من هذا القرار أحكام منح بدل العدوى في حالات الندب والإعارة والإجازات الاعتيادية والمرضية والبعثات والإجازات الدراسية وزيارات الأخصائيين من الأطباء الذين يزورون وحدات الأمراض المعدية وكذا حالات الجمع بين بدل العدوى وغيره من الرواتب الإضافية الأخرى. ونصت المادة السادسة على أن "تلغى جميع القرارات السابقة الصادرة في هذا الشأن". وقضت المادة السابعة بأن "ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ نشره". وقد نشر هذا القرار في 29 من ديسمبر سنة 1960 في العدد رقم 299 من الجريدة الرسمية. وفي 3 من سبتمبر سنة 1963 صدر قرار وزير الصحة رقم 508 لسنة 1963، ونصت المادة الأولى على تحديد الوظائف المعرض شاغلوها لخطر العدوى كما نصت المادة الثانية على أن يمنح بدل العدوى لشاغلي هذه الوظائف بالفئات الواردة بقرار رئيس الجمهورية رقم 2255 لسنة 1960 اعتباراً من أول يوليه سنة 1963. وفي 26 من نوفمبر سنة 1963 صدر قرار وزير الصحة رقم 757 لسنة 1963 بإضافة وظائف أخرى إلى الوظائف المعرض شاغلوها لخطر العدوى، ونصت المادة الثانية من هذا القرار الأخير على أن يمنح بدل العدوى شاغلو هذه الوظائف بالفئات الواردة بقرار رئيس الجمهورية رقم 2255 لسنة 1960 اعتباراً من أول يوليه سنة 1963.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن القرار الإداري لا يولد أثره حالاً ومباشرة إلا حيث تتجه إرادة الإدارة لإحداثه على هذا النحو، كما أن أثر القرار لا يتولد على هذا الوجه إلا إذا كان ممكناً وجائزاً قانوناً أو متى أصبح كذلك، وهذا كله مستمد من طبيعة القرار الإداري باعتباره إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة.
ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية رقم 2255 لسنة 1960 بشأن تقرير بدل عدوى لجميع الطوائف المعرضة لخطرها، ولئن نص في المادة السابعة منه على أن يعمل به من تاريخ نشره الذي تم في 29 من ديسمبر سنة 1960 إلا أنه في خصوص صرف بدل العدوى إلى مستحقيه بحسب النظام الجديد الذي وضعه، لا يتولد أثره حالاً ومباشرة من هذا التاريخ. ذلك أن إرادة السلطة التي أصدرت القرار المذكور لم تتجه لإحداث أثره في هذا الخصوص على هذا النحو. إذ نصت الفقرة الأخيرة من المادة الأولى منه على أن "تحدد الوظائف المعرضة لخطر العدوى ووحدات الأمراض بقرار من وزير الصحة بالاتفاق مع الوزير المختص بعد موافقة ديوان الموظفين ووزارة الخزانة"، فهي إذن قد ناطت صرف بدل العدوى هذا - المعلق على قرار وزير الصحة - بموافقة وزارة الخزانة - إلى جانب ديوان الموظفين - حتى ينتهي الأمر إلى التنظيم الذي ترى الوزارة المذكورة أنه يوفق بين الوقت الملائم للصرف في حدود المصلحة العامة وبين إمكانيات الميزانية، باعتبار أن الوزارة المشار إليها هي التي تهيمن على تدبير المال وتخطيط أوجه صرفه. إنه لو صح أن السلطة التي أصدرت القرار رقم 2255 لسنة 1960 سالف الذكر قد اتجهت إرادتها - في خصوص صرف بدل العدوى إلى مستحقيه بحسب النظام الجديد - إلى أن يتولد أثره حالاً ومباشرة من تاريخ النشر فإنه ما كان ممكناً أن يتولد أثره في هذا الخصوص على هذا الوجه. ذلك أن القرار المشار إليه، وإن حدد فئات بدل العدوى ونظم أحكام منحه في الحالات المختلفة، إلا أنه لم يعين الوظائف المعرضة لخطر العدوى ووحدات الأمراض بل فوض وزير الصحة في هذا التعيين بالاتفاق مع الوزير المختص بعد موافقة ديوان الموظفين ووزارة الخزانة. أي أن مستحقي بدل العدوى بحسب النظام الجديد لم يكونوا معينين عند نشر القرار آنفاً. ومن ثم فإنه ما مكان ممكناً أن يتولد أثره حالاً ومباشرة عند نشره في خصوص صرف هذا البدل - سواء أكانت ثمة اعتمادات مالية مدرجة في الميزانية كافية للصرف أم لم تكن - ما دام المستحقون لبدل العدوى المذكور كانوا غير معينين وقتذاك، وإنما يتولد أثره - والحالة هذه - متى أصبح ذلك ممكناً، وهو ما لا يتحقق إلا عندما يصدر قرار وزير الصحة بتحديد الوظائف المعرضة لخطر العدوى ووحدات الأمراض ويتم بذلك تعيين المستحقين لهذا البدل.
وبناء على ما تقدم، ولما كان قرار رئيس الجمهورية سالف البيان لم يتولد عنه أثر صرف بدل العدوى حالاً ومباشرة من تاريخ نشره، وإنما تولد هذا الأثر عند صدور قرار وزير الصحة على الوجه المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية المشار إليه، فقد لزم عند صرف بدل العدوى المذكور الاعتداد بالتاريخ الذي عينه وزير الصحة - بعد موافقة وزارة الخزانة في قراره بداية للصرف، وهو أول يوليه سنة 1963 دون الارتداد بهذه البداية إلى تاريخ نشر قرار رئيس الجمهورية آنف الذكر وذلك إعمالاً للأصل المقرر وهو عدم رجعية القرارات الإدارية.
ومن حيث إنه لا وجه للاحتجاج بأن تعيين وزير الصحة للتاريخ المذكور يعتبر خروجاً على التفويض الذي خوله إياه قرار رئيس الجهورية، ذلك أن تعيين التاريخ المشار إليه إن هو إلا تأكيد وتنفيذ لقرار رئيس الجمهورية الذي لا ينتج أثره في خصوص صرف بدل العدوى إلا عند صدور قرار وزير الصحة بعد موافقة وزارة الخزانة كما سلف البيان. كما أنه لا وجه للتحدي بأن تعيين التاريخ سالف الذكر بدءاً للصرف يخلق فراغاً يمتنع خلاله صرف بدل العدوى - ذلك أن قرار رئيس الجمهورية قد افترض حدوث هذا الفراغ عندما ألغي النظام القديم لبدل العدوى الذي كان سارياً من قبل إلغاء لا رجعة فيه إذ نص في المادة السادسة منه على أن "تلغى جميع القرارات السابقة الصادرة في هذا الشأن" دون أن يورد في الوقت ذاته نصاً انتقالياً على إبقاء هذه القرارات مؤقتاً حتى يتم تحديد الوظائف المعرضة لخطر العدوى ووحدات الأمراض، بينما أوجب على وزير الصحة أن يصدر قراره "بالاتفاق مع الوزير المختص بعد موافقة ديوان الموظفين ووزارة الخزانة " أي بعد أبحاث واتصالات ومشاورات تستغرق بطبيعتها زمناً كالذي استغرقه وزير الصحة لإصدار قراره. وغني عن البيان أن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح فمركز الموظف هو مركز قانوني عام، وإفادته من مزايا الوظيفة العامة ليست حقاً يقاس على الحقوق الخاصة كحق الملكية مثلاً، وإنما هي أمر يخضع لما تقرره القوانين واللوائح الخاصة بالوظيفة العامة التي يجوز تعديلها وتغييرها وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة. ومن ثم فإنه يجوز أن تمنع عن الموظف إحدى مزايا الوظيفة بصفة مطلقة أو لبعض الوقت، دون التحدي بأن له أصل حق دائم فيها، ما دام ذلك قد تم من السلطة المختصة، بالشروط والأوضاع المقررة قانوناً، وبغير إساءة لاستعمال السلطة.
ومن حيث إنه لما تقدم تكون الدعوى على أساس غير سليم من القانون. وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر، فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ومن ثم يتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.