مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 365

(37)
جلسة 10 من ديسمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 807 لسنة 10 القضائية

( أ ) دعوى "دفع بعدم الاختصاص". ينبغي أن يكون الفصل فيه سابقاً على البحث في موضوع الدعوى - على المحكمة استثناء نظر الموضوع إذا كان الفصل في الدفع متوقفاً على البحث في الموضوع وذلك بالقدر اللازم للفصل في الاختصاص.
(ب) دعوى "دفع بعدم الاختصاص". لا يجوز للمحكمة بعد قبولها الدفع بعدم الاختصاص الخوض في موضوع الدعوى.
(جـ) دعوى "إثبات في الدعوى. الطعن بالتزوير". مرافعات.
المادة 484 من قانون المرافعات - لا إلزام على المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات الادعاء بالتزوير متى كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية.
(د) أعمال السيادة. اختصاص "اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري". الأصل أن معيار التفرقة بين الأعمال الإدارية وأعمال السيادة مرده إلى القضاء - يجوز للمشرع استثناء أن يتدخل لخلع صفة السيادة على بعض الأعمال الإدارية - يلتزم القضاء بالوصف الذي خلعه المشرع على هذه الأعمال والقرارات.
(هـ) اختصاص "اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري". أعمال السيادة. تفسير. قرارات رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي - تعد بحسب طبيعتها قرارات إدارية عادية مما يخضع في الأصل لرقابة القضاء - اعتبارها من أعمال السيادة بموجب القانون رقم 31 لسنة 1963 - ينبغي أن يلتزم في تفسر وتحديد مداها قواعد التفسير الضيق المرتبط بعلة الحكم - اقتصار الحصانة التي أضفاها المشرع على القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية دون غيره - أثر ذلك - لا يسري الحكم الذي شرعه القانون المذكور على القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي تطبيقاً لأحكام القانون رقم 181 لسنة 1952.
1 - إنه ولئن كان الأصل أن البحث في الاختصاص والفصل فيه ينبغي أن يكون سابقاً على البحث في موضوع الدعوى، إلا أنه متى كان الفصل في الدفع بعدم الاختصاص متوقفاً على بحث الموضوع، فإنه يتعين على المحكمة نظر الموضوع بالقدر اللازم للفصل في الاختصاص باعتباره من المسائل الأولية التي يلزم بحثها أولاً وقبل الفصل في مسألة الاختصاص.
2 - إنه ما كان يجوز للمحكمة وقد انتهت إلى الحكم بقبول هذا الدفع أن تستطرد في أسباب حكمها إلى تقرير مشروعية القرار المطعون فيه من حيث قيامه على أسباب سليمة وعدم الانحراف بالسلطة في إصداره، إذ أن ذلك يعد خوضاً في صميم موضوع الدعوى بما يقتضيه الفصل في الدفع بعدم الاختصاص فضلاً عن كونه مجافياً لما انتهت إليه من الحكم بقبول هذا الدفع.
3 - إنه لا وجه لما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من أن المحكمة لم تستجب إلى ما طلبه من إحالة الدعوى إلى التحقيق - ذلك أن المادة 484 من قانون المرافعات إذ نصت على أنه "إذا كان الادعاء بالتزوير منتجاً في النزاع ولم تكف وقائع الدعوى ومستنداتها لاقتناع المحكمة بصحة الورقة أو بتزويرها ورأت أن إجراء التحقيق منتج وجائز أمرت بالتحقيق" - قد أفادت بأنه لا إلزام على المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات الادعاء بالتزوير متى كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية لتكوين عقيدتها فلها أن تستدل على انتفاء التزوير بما تستظهره من ظروف الدعوى وملابساتها وما تستخلصه من عجز المدعي عن إثبات ما ادعاه.
4 - إن الأصل أن معيار التفرقة بين الأعمال الإدارية التي تباشرها الحكومة في حدود وظيفتها الإدارية وبين أعمال السيادة التي تباشرها باعتبارها سلطة حكم مرده إلى القضاء الذي ترك له المشرع سلطة تقرير الوصف القانوني للعمل المطروح عليه وما إذا كان يعد عملاً إدارياً عادياً يختص بنظره أو عملاً من أعمال السيادة يمتنع عليه النظر فيه، وأن ما يعتبر في بعض الظروف عملاً إدارياً عادياً قد يرقى في ظروف أخرى إلى مرتبة أعمال السيادة لارتباطه في ظل الظروف الجديدة بسياسة الدولة العليا أو بأحوالها الاجتماعية أو الاقتصادية المتطورة - وإذا كان الأصل على ما تقدم فإن للمشرع أن يتدخل من جانبه لخلع صفة السيادة على بعض الأعمال الإدارية ليخرجها بالتبع من ولاية القضاء ولا عليه أن يمارس هذه السلطة وهو مانحها, وفي هذه الحالة يلتزم القضاء بالوصف الذي خلعه المشرع على هذه الأعمال أو القرارات.
5 - إن القرارات الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم بغير الطريق التأديبي إنما تعد بحكم طبيعتها قرارات إدارية عادية مما يخضع في الأصل لرقابة القضاء، وقد كانت معتبرة كذلك إلى أن صدر القانون المشار إليه الذي أدخل تعديلاً على اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالاستثناء منه عن طريق اعتبار القرارات المشار إليها من قبيل أعمال السيادة وبذلك ينحسر عنها ولاية القضاء الإداري بعد أن كانت تشملها في ظل القوانين السابقة.
ويبين من هذا التعديل أن المشرع نزع من ولاية القضاء الإداري - على خلاف الأصل - النظر في القرارات المشار إليها ومن ثم فإنه ينبغي، لكون هذا التعديل استثناء أن يلتزم في تفسيره وتحديد مداه قواعد التفسير الضيق المرتبط بعلة الحكم.
كما يبين من نص المادة الأولى من القانون رقم 31 لسنة 1963 أن المشرع لم يخلع وصف السيادة على قرارات الفصل أياً كانت السلطة التي أصدرتها وإنما خص به القرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية دون سواها، بمعنى أن المعيار الذي وضعه المشرع في تحديد هذه القرارات ليس معياراً مادياً بحتاً ويتمثل في كنة القرار وطبيعته وإنما يرتبط إلى جانب ذلك بمصدر القرار ذاته إذ يلزم أن يكون القرار صادراً من رئيس الجمهورية وذلك لاعتبارات قدرها تتصل بالضمانات التي تحيط بهذا النوع من القرارات دون غيرها - ولا ينال من سلامة هذا النظر أن يعتبر قرار الفصل بغير الطريق التأديبي عملاً من أعمال السيادة إذا كان صادراً من رئيس الجمهورية وعملاً إدارياً عادياً إذا صدر بأداة أخرى، إذ الأصل هو اختصاص القضاء الإداري بهذه القرارات إلا ما جرى النص على استثنائه ولو أراد الشارع أن يبسط الحصانة على القرارات الأخرى التي سبق صدورها من مجلس الوزراء لما أعوزه النص على ذلك ومن ثم فإن الحكم الذي شرعه القانون رقم 31 لسنة 1963 لا يسري على القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء بفصل الموظفين من غير الطريق التأديبي تطبيقاً لأحكام القانون رقم 181 لسنة 1952.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 30 من يناير سنة 1964 وأن الطاعن محمد يس حسن كان قد تقدم في 26 من مارس سنة 1964 إلى لجنة المساعدة القضائية بطلب إعفائه من رسوم الطعن وصدر القرار بقبول طلبه في 6 من إبريل سنة 1964.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - على ما بين من الأوراق - في أن السيد/ محمد يس حسن أقام دعواه بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في أول أغسطس سنة 1954، بطريق المعافاة، ضد وزارة التربية والتعليم طالباً الحكم بإلزام المدعى عليها بأن تدفع له مبلغ ألفين من الجنيهات كتعويض من الأضرار المادية والأدبية التي لحقته بسبب فصله في 6 من يناير سنة 1953 مع إلزام المدعى عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وبجلسة 24 من فبراير سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري بإحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم لاختصاصها بنظرها استناداً إلى أن المدعي كان من موظفي الكادر المتوسط.
ومن حيث إن المدعي ذكر في صحيفة دعواه أنه كان مدرساً بمدرسة دراو الابتدائية الجديدة للبنين وفي 3 من فبراير سنة 1953 أعلن بفصله من الخدمة اعتباراً من 6 يناير سنة 1953 مع معاملته بالمادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 بشأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي وأنه لما كان قد فصل فصلاً تعسفياً دون مبرر، إذ لم يمثل أمام لجنة التحقيق المنصوص عليها في المادة الثانية من المرسوم بقانون المشار إليه ولم تتح له الفرصة للدفاع عما ينسب إليه بغير وجه حق حيث لم يسبق أن نسب إليه ما يمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة منذ التحاقه بخدمة الوزارة سنة 1931 حتى تاريخ فصله قبل بلوغه السن القانونية وبذلك يكون قد حرم من مورد رزقه الوحيد بالإضافية إلى الإساءة التي لحقته بسبب تطبيق هذا المرسوم عليه والذي تضمن النص على عدم جواز الطعن في قرارات فصل الموظفين تطبيقاً لأحكامه مما جعله يقتصر على التعويض.
ومن حيث إن الوزارة قدمت بعض الأوراق المتعلقة بالمدعي وصورة من ملف لجنة التطهير الثالثة بوزارة المعارف والذي انتهت فيه اللجنة إلى الموافقة على فصل المدعي، بعد أن تبين لها سبق توقيع جزاءات متعددة عليه ولما حفل به ملفه من الشكايات التي تطعن في خلقه وسلوكه المشين، وبذلك يكون قد قامت شبهات وشوائب تمس أخلاقه وكرامته، فضلاً عما استظهرته اللجنة من الجزاءات الموقعة عليه لإهماله من أنه غير منتج مما يتعين فصله طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952.
ومن حيث إن المدعي عمد في 16 من نوفمبر سنة 1958 إلى الطعن بالتزوير في الأوراق المقدمة من الجهة الإدارية والمنسوبة إلى لجنة التطهير الثالثة وقرار مجلس الوزراء الصادر في 6/ 1/ 1953، وأعلن الوزارة بشواهد التزوير في 22/ 11/ 1958 وتتحصل هذه الشواهد فيما يلي:
1 - إن اسمه لم يرد بكشوف المفصولين في قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 يناير سنة 1953.
2 - إن الثابت من الخطاب رقم 35/ 281 سرى الموجه من الوزارة إلى إدارة التشريع والتحقيقات أن لجنة التطهير الثانية قررت التخلي عن النظر في أمره لضيق الوقت وكان ذلك في 7/ 1/ 1953 بعد صدور قرار مجلس الوزراء في 6/ 1/ 1953.
3 - إن تحقيقاً أجري في 9/ 4/ 1953 بفصله إدارياً، وكان ذلك بعد انتهاء العمل بقانون التطهير رقم 181 لسنة 1952، مما يدل على أن أمره لم يعرض على لجنة التطهير الثالثة، وأن تخلي لجنة التطهير الثانية لم تبلغ إلى الوزارة إلا بعد انتهاء العمل بالقانون بشهر ونصف.
4 - إن إذن الفصل الذي أرسل إليه والمؤرخ في 28/ 1/ 1953 قد صدر من المستخدمين دون الرجوع إلى سجلات وأوراق محاضر التطهير التي تؤكد تخلي اللجنة عن النظر في أمره لضيق الوقت.
5 - إن الثابت من محضر التحقيق والمذكرة بملف التحقيقات رقم 13011 أن الإذن بفصله صدر في 2/ 4/ 1953 اعتباراً من 6/ 1/ 1953 مع أن قانون التطهير كان انتهى العمل به في 10/ 1/ 1953.
6 - إن الحكومة لم تقدم أصل ملف لجنة التطهير الثالثة رغم أن المحكمة طلبت ذلك منها غير مرة.
7 - إنه لم يثبت بأي دليل أن اللجنة الثالثة كانت مختصة بنظر موضوعه فكل ما ينسب إليه يعتبر مزوراً وباطلاً.
8 - إن اللجنة الثانية كانت طلبت ملف خدمته بكتابها المؤرخ 5/ 1/ 1953 ولم يرد إليها مما يؤيد أنها لم تتمكن من النظر في أمره واتخاذها القرار بالتخلي.
وبجلسة 14 من يناير سنة 1959 عدل المدعي طلباته في مواجهة الحاضر عن المدعى عليها إلى طلب "إلغاء قرار الفصل مع ما يترتب على ذلك من آثار وهي صرف مرتبه من تاريخ الفصل حتى الآن والحكم بتعويض قدره ألفان من الجنيهات مع إلزام المدعى عليها المصروفات والأتعاب" وقال إن تعديل طلبه لا يعد طلباً جديداً ذلك أنه أقام دعواه مطالباً بالتعويض عن قرار الفصل، على أساس أنه صدر استناداً إلى قانون التطهير الذي منع الطعن بالإلغاء في القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكامه إلا أنه بعد أن أطلع على الأوراق المقدمة من الوزارة اتضح له أنه لم يفصل إعمالاً للقانون المذكور، بل فصل بعد انتهاء العمل به وأن الاسم المقصود بالفصل يغاير اسمه. وفيما يتعلق بميعاد رفع دعوى الإلغاء، فإنه لا يسري إلا من تاريخ العلم اليقيني بالقرار والذي لم يكتمل بالنسبة له إلا من تاريخ اطلاعه على القرار الصحيح. وطلب المدعي أن تضم أصول ملفات لجنتي التطهير الثانية والثالثة والملف رقم 13091 لسنة 1953 تحقيقات وزارة المعارف. وبالرغم من أن الوزارة تقدمت بأصل ملف لجنة التطهير الثالثة وملف تحقيقات التربية والتعليم فقد أصر المدعي على التمسك بالطعن بالتزوير.
ومن حيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى بالتطبيق لأحكام المادة 12 من القانون 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة معدلة بالقانون 31 لسنة 1963 والتي تنص على أن "لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة ويعتبر من قبيل أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي.." وأشارت إلى أن المذكرة الإيضاحية للقانون المعدل تقطع في وجوب إسباغ الحصانة التي تلحق كل أعمال السيادة على كافة القرارات الصادرة بالفصل بغير الطريق التأديبي، أياً كانت الإدارة التي صدرت بها هذه القرارات، سواء أكانت مرسوماً أو قراراً جمهورياً أو قراراً من مجلس الوزراء لأنها تصدر جميعها من السلطة التنفيذية بصفتها المهيمنة على مصالح الدولة والمسئولة عن تسيير أمورها، وأن هذه الإجراءات إنما تتخذها الحكومة بقصد صيانة النظام العام وضمان سير المرافق العامة بانتظام واضطراد، وأن المقصود إذن هو حماية طائفة معينة من القرارات التي حددها النص وهي قرارات إحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي أياً كانت الأداة التي تصدر بها إذ يتوافر بالنسبة لهذه القرارات جميعها العلة التي دعت إلى اعتبارها عملاً من أعمال السيادة، وأنه إذا كان الشارع قد ذكر القرارات الجمهورية في عبارة نص المادة الأولى من القانون رقم 31 لسنة 1963 فذلك لأنها أصبحت الصورة الوحيدة التي تصدر بها تلك القرارات منذ إلغاء النظام الملكي وقيام النظام الجمهوري في يونيه سنة 1953 وإلغاء مجلس الوزراء منذ عام 1956 - وانتهت الحكومة إلى أن الثابت أن المدعي فصل بغير الطريق التأديبي بقرار من مجلس الوزراء في 6/ 1/ 1953 وأن هذا الأمر من قبيل أعمال السيادة طبقاً للقانون 31 لسنة 1963 التي تخرج من ولاية القضاء عامة. وإذ كان من المقرر أن قواعد الاختصاص تسري بأثر مباشر على كافة الدعاوى التي لم يتم الفصل فيها في أية مرحلة كانت عليها الدعوى فإن الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى إلغاء وتعويضاً يكون قائماً على سند من القانون. أما ادعاء المدعي بالتزوير فلاً يقوم على أساس، فالثابت أن منطقة أسوان التعليمية أرسلت إلى الوزارة كتاباً سرياً في 17/ 12/ 1952 بالجزاءات التي وقعت عليه وقد أشر عليه بإحالته إلى لجنة التطهير الثالثة وأن ثمة مكاتبات متبادلة بين اللجنة والمنطقة بشأن التقارير السرية وملف الخدمة. وأن الثابت من الاطلاع على أصل محاضر لجنة التطهير الثالثة أن أمر المدعي عرض عليها بجلستها المنعقدة في أول يناير سنة 1953 وقررت الموافقة على فصله وأنها استندت إلى الجزاءات التي وقعت عليه وعددها ستة عشر جزاء استنتجت منها أنه قد قامت به شبهات قوية وشوائب تعيب أخلاقه وكرامته، ومن ثم فقد قررت فصله عملاً بأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952، مؤدي ذلك أن إجراء فصل المدعي بغير الطريق التأديبي قد تمت طبقاً لأحكامه، وأنه لا حجة فيما يذهب إليه المدعي من أن أمره لم يعرض على اللجنة الثالثة إذ أن الثابت بالمحاضر يقطع في عدم صحة ما يدعيه. وقد تم فصله في الميعاد المحدد لسريان القانون. وأما ما أشار إليه المدعي بشأن الاسم الوارد في قرار مجلس الوزراء فلا يعدو أن يكون خطأ مادياً، وأن ما اتخذته الوزارة من إجراءات لاحقة بعد صدور قرار مجلس الوزراء بفصله بشأن النظر في أمره إدارياً فيما نسب إليه إنما كان نتيجة لبس وقع نتيجة الخطأ المادي. وانتهت إلى طلب الحكم برفض الادعاء بالتزوير مع الحكم عليه بالغرامة المقررة بالمادة 288 مرافعات وبعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى مع إلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إنه بجلسة 30 من يناير سنة 1964 قضت المحكمة الإدارية بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى وألزمت الحكومة المصروفات وأقامت قضاءها على أن ما أثاره المدعي بشأن الطعن بالتزوير مردود بما قدمته الوزارة من مستندات يبين منها أن منطقة أسوان التعليمية أرسلت إلى الوزارة كتابها السري رقم 49 في 27/ 12/ 1952 موضحاً به العقوبات التي وقعت على المدعي منذ دخوله الخدمة وما صدر منها ماساً بكرامة الوظيفة وقد تأشر عليه في 20/ 12/ 1952 بإحالة المدعي إلى لجنة التطهير الثالثة التي شكلت أخيراً وأحيلت الأوراق الخاصة بالمدعي إلى اللجنة تحت رقم 27 محافظة اشتملت على مذكرة موضحاً به العقوبات التي وقعت عليه والكتاب السري رقم 59 في 28/ 12/ 1952 من منطقة أسوان التعليمية إلى رئيس لجنة التطهير الثالثة رداً على كتابه بطلب التقارير السرية الخاصة بالمدعي والكتاب السري رقم 37 من المنطقة إلى اللجنة الثالثة رداً على كتابها بطلب ملف خدمة المدعي. وأنه بالاطلاع على أصل محاضر لجنة التطهير الثالثة المودعة ملف الدعوى يبين أن المدعي قد عرض أمره عليها بجلستها المنعقدة في أول يناير سنة 1953، فقررت الموافقة على فصل المدعي "محمد يس حسن المدرس بمنطقة أسوان" وقد استندت اللجنة في إصدار قرارها إلى كثرة الجزاءات التي وقعت عليه وعددها 16 جزاء عددت في صدر القرار، وانتهت أنه قام بالمدعي شبهات قوية شوائب تعيب أخلاقه وكرامته، بالإضافة إلى ما تستظهر اللجنة من كثرة الجزاءات الموقعة عليه لإهماله إلى أنه غير منتج لهذا قررت اللجنة فصله طبقاً لأحكام المرسوم بقانون 181 لسنة 1952 ومخاطبة وزارة العدل لفصله من وظيفة المأذونية بسبب ما نسب إليه من أمور طبقاً لما جاء بكتاب وزارة العدل المرفق بالملف واستخلصت المحكمة من ذلك أن إجراءات فصل المدعي قد تمت طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 وأنه لا حجة فيما ذهب إليه المدعي من أن أمره لم يعرض على لجنة التطهير الثالثة إذ أن هذا الادعاء تدحضه عيون الأوراق وقرائن الأحوال. وأضافت المحكمة أن الثابت من الكتاب رقم 35/ 281 سرى الموجه من المراقبة العامة للمستخدمين إلى المدير العام للتشريع والتحقيقات أن اللجنة الثانية للتطهير قررت التخلي لضيق الوقت عن النظر في المسائل المنسوبة إلى المدعي، فأحيل الأمر إلى إدارة التحقيقات لإجراء تحقيق تمهيداً للنظر في أمره إدارياً، وقد ثبت في محضر التحقيق أنه بالاطلاع على ملف خدمة المدعي تبين أنه صدر إذن بفصله من الخدمة في 2/ 4/ 1953 اعتباراً من 6/ 1/ 1953 طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في هذا التاريخ. وتضمن محضر التحقيق أن الاسم الذي ورد بكشف المفصولين هو "محمد السيد حسن مدرس بمنطقة أسوان"، وأن المراقبة العامة للمستخدمين قد أفادت بكتابها المؤرخ 29 يناير سنة 1953 أن صحة اسمه "محمد يس حسن"، وانتهت إدارة التحقيقات إلى أن المسائل المنسوبة إلى محمد يس حسن قد انتهى أمرها بفصله بغير الطريق التأديبي فلا محل لإعادة النظر فيها إدارياً، وأنه يبدو أن طلب النظر فيها إدارياً كان نتيجة الخطأ الذي وقع في اسمه في إذن الفصل الصادر من مجلس الوزراء بتاريخ 6 من يناير سنة 1953 وقد صحح الوضع وأشر على هذه المذكرة بالحفظ من مدير التحقيقات في 17/ 6/ 1953.
وانتهت المحكمة إلى أن أصل محاضر اللجنة الثالثة تقطع بأن أمره عرض عليها فقررت الموافقة على فصله طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 وأن مجلس الوزراء قد ضمن قراره الصادر في 6 يناير سنة 1953 اسم المدعي ولا عبرة بما وقع من خطأ مادي إذ أن الخطأ المادي لا يرتب آثاراً قانونية ولا يعتد به فضلاً عن أن الوزارة قد صححت هذا الخطأ.
واستطردت المحكمة إلى القول بأنه متى كان الثابت أن لجنة التطهير الثالثة قد استخلصت النتيجة التي انتهى إليها قرارها المطعون فيه استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها بدلائل من عيون الأوراق وقرائن الأحوال تبرر هذا الفهم فانتهت إلى أن المدعي قامت به شبهات قوية وشوائب تعيب أخلاقه وكرامته وأنه غير منتج ويتعين فصله طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 ولم يقم دليل على إساءة استعمال السلطة. ومن ثم فإن استعمال الإدارة للرخصة المخولة لها بالمرسوم بقانون المشار إليه يكون عملاً مشروعاً ومضت المحكمة تقول إنه وقد ثبت من الأوراق بأن الجهة الإدارية قد وقعت في خطأ مادي في كتابة اسم المدعي في قرار مجلس الوزراء وإن كان ذلك لا يعد تزويراً في صحيح القانون إلا أنه يعد مبرراً لإعفاء المدعي من الغرامة الوجوبية المنصوص عليها في المادة 288 مرافعات وعلى ذلك فإنه يتعين القضاء برفض ادعاء المدعي بالتزوير لعدم قيامه على أساس سليم من القانون مع إعفائه من الغرامة الوجوبية.
وفيما يتعلق بالدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، ذهبت المحكمة بعد أن عرضت لنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة بعد تعديله بالقانون رقم 31 لسنة 1963 والمذكرة الإيضاحية وإلى أن عبارات المذكرة المتقدم بيانها تقطع بوجوب إسباغ الحصانة التي تلحق كل أعمال السيادة على كافة القرارات الصادرة بالفصل غير التأديبي، أياً كانت الأداة التي صدرت بها مرسوماً أو قراراً جمهورياً أو قرار من مجلس الوزراء لأنها تصدر جميعها من السلطة التنفيذية بصفتها المهيمنة على مصالح الدولة العليا والمسئولة عن تسيير أمورها والمحافظة على الأمن فيها.. وإذا كان الشارع قد ذكر القرارات الجمهورية وحدها فذلك لأنها أصبحت الصورة الوحيدة التي تصدر بها هذه القرارات منذ إعلان الجمهورية في 17/ 6/ 1953 وبعد إلغاء مجلس الوزراء منذ عام 1956 حيث صدر القانون رقم 283 لسنة 1956 متضمناً إدخال بعض التعديلات على التشريعات القائمة عند صدوره ناصاً في مادته الأولى على أن تستبدل بعبارة رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء في جميع القوانين وغيرها من التشريعات القائمة عبارة "رئيس الجمهورية"، كما أن المشرع سوى بين هذه القرارات في الحكم حيث نص في المادة 107 من القانون 210 لسنة 1951 على أن تنتهي خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة لأحد الأسباب الآتية:
9 - الفصل بمرسوم أو بأمر جمهوري أو بقرار خاص من مجلس الوزراء وأن القول بغير ذلك معناه أن يعتبر قرار الفصل بغير الطريق التأديبي عملاً من أعمال السيادة إذا صدر بقرار جمهوري في حين يعتبر القرار عملاً إدارياً إذا صدر بأداة أخرى مع أن الشارع إنما اعتد بطبيعة العمل وفحوى القرار... وخلصت المحكمة إلى القول بأن قرار مجلس الوزراء المطعون فيه يعتبر عملاً من أعمال السيادة ويخرج بذلك من ولاية القضاء الإداري وأنه فيما يتعلق بمصروفات الدعوى فإن زوال الاختصاص بعد رفع الدعوى لصدور القانون رقم 31 لسنة 1963 والعمل به قبل قفل باب المرافعة فيها يوجب إلزام الحكومة بالمصروفات، وأضافت المحكمة إلى أنه وإن كان المدعي ممنوعاً قانوناً من الطعن بإلغاء القرار الصادر بفصله من الخدمة بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 دون طلب التعويض إلا أنه لم يطعن بالإلغاء إلا تبعاً لطعنه بالتزوير الذي انتهت المحكمة إلى عدم ثبوته ومن ثم يتعين القضاء بإلزام الحكومة بالمصروفات لزوال اختصاص مجلس الدولة بعد رفعها فيما يتعلق بطلب التعويض. وانتهت المحكمة إلى الحكم بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى وألزمت الحكومة بالمصروفات.
وحيث إن مبنى طعن هيئة المفوضين أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون إذ اعتبر قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي الصادرة من مجلس الوزراء من قبيل أعمال السيادة وسوى في الحكم بينها وبين القرارات الجمهورية إذ يبين من القانون رقم 31 لسنة 1963 المعدل للمادة 12 من قانون مجلس الدولة أنه خص بهذا الوصف القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية ولم يكن ذلك عن غير قصد وإنما لحكمة مقصودة قدرها وبينها وأسندها إلى ظروف الأحوال والملابسات والضمانات والأوضاع القائمة وقت إصدار القانون المذكور كما أن تخصيص المشرع للقرارات الجمهورية هو استثناء من الأصل. إذ أن القرارات المذكورة لا تخرج في الأصل من حيث طبيعتها عن كونها قرارات إدارية والاستثناء لا يصح التوسع في تفسيره أو القياس عليه هذا إلى جانب عدم توفر العلة التي يرتبط بها الحكم أو الحكمة التي توخاها المشرع لأن السلطة التي أراد المشرع إطلاق يدها وتحصين قراراتها من هذا القبيل هي سلطة رئيس الجمهورية وليست سلطة أخرى لأن حصانة هذه السلطة هي وليدة ظروف الأحوال والملابسات والضمانات والأوضاع القائمة وقت إصدار القانون المذكور وليست وليدة ظروف الأحوال المالية التي صدرت في كنفها أوامر ملكية أو مراسيم أو قرارات خاصة من مجلس الوزراء وأنه لا وجه للاحتجاج بأحكام القانون رقم 311 لسنة 1953 أو بأحكام القانون رقم 283 لسنة 1956 للقول بسريان أحكام القانون 31 لسنة 1963 على الأوامر الملكية والمراسيم وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت في الماضي بفصل الموظفين عن غير الطريق التأديبي ذلك أن القانون رقم 311 لسنة 1953 إنما ينص على استبدال لفظ جمهوري بلفظ "ملكي" في التشريعات القائمة كما أن المادة الأولى من القانون رقم 283 لسنة 1956 إنما تنص على أن تستبدل بعبارتي رئيس مجلس الوزارة ومجلس الوزراء عبارة رئيس الجمهورية في التشريعات القائمة. وأعمال الأثر المباشر لهذين القانونين في مجال فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي إنما يقتضي فقط أن ما كان يصدر من قرارات فردية بأوامر ملكية فإنه يصدر من تاريخ العمل بالقانون رقم 311 لسنة 1953 بأوامر جمهورية وإن ما كان يصدر قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 283 لسنة 1956 من رئيس مجلس الوزراء يصدر من رئيس الجمهورية وأما ما سبق إصداره قبل تاريخ العمل بهذين القانونين من قرارات فردية تظل بوصفها الذي صدرت به دون أن يلحقها أي تعديل. وانتهى التقرير إلى أنه لا يجوز اعتبار قرار فصل المدعي من أعمال السيادة وأن الحكم المطعون فيه إذ جرى على خلاف هذا النظر فإنه يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن المحكوم ضده ردد في صحيفة طعنه دفاعه أمام المحكمة الإدارية فيما يتعلق بتمسكه بالطعن بالتزوير ونعى على الحكم مخالفته للقانون إذ قضي بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى، قائلاً إن اختصاص مجلس الدولة بالفصل في الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي قد ورد في المادة 13 من قانون مجلس الدولة وأن الاستثناء الذي ورد بالمادة 12 قصر على القرارات الجمهورية ونعى على الحكم أن المحكمة لم تأمر بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الادعاء بالتزوير وانتهى إلى طلب رفض الدفع بعدم الاختصاص والحكم بطلباته.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الحكومة دفعت بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى استناداً إلى أن المدعي قد فصل فصلاً تأديبياً بقرار من مجلس الوزراء في 6 من يناير سنة 1953 بالتطبيق لأحكام القانون 181 لسنة 1952 وأن هذا القرار قد أضحى من أعمال السيادة التي يمتنع على المجلس نظرها أسوة بقرارات رئيس الجمهورية الصادرة بفصل الموظفين والتي اعتبرها القانون رقم 31 لسنة 1963 من قبيل أعمال السيادة، في حين نفى المدعي أن فصله تم بقرار من مجلس الوزراء وادعى بتزوير الأوراق المتعلقة بفصله والمقدمة من الحكومة.
ومن حيث إنه ولئن كان الأصل أن البحث في الاختصاص والفصل فيه ينبغي أن يكون سابقاً على البحث في موضوع الدعوى، إلا أنه متى كان الفصل في الدفع بعدم الاختصاص متوقفاً على بحث الموضوع، فإنه يتعين على المحكمة نظر الموضوع بالقدر اللازم للفصل في الاختصاص، وإذ كان الفصل في الاختصاص في النزاع الراهن يتوقف على مدى جدية الادعاء بالتزوير فإنه لا يتصور الحكم في الدفع بعدم الاختصاص قبل الفصل في الادعاء بالتزوير.
ومن حيث إنه وإن يكن سديداً ما اتجهت إليه المحكمة الإدارية المطعون في حكمها من نظر الادعاء بالتزوير قبل البت في الدفع بعدم الاختصاص، إلا أنه ما كان يجوز للمحكمة وقد انتهت إلى الحكم بقبول هذا الدفع أن تستطرد في أسباب حكمها إلى تقرير مشروعية القرار المطعون فيه من حيث قيامه على أسباب سليمة وعدم الانحراف بالسلطة في إصداره، إذ إن ذلك يعد خوضاً في صميم موضوع الدعوى بما لا يقتضيه الفصل في الدفع بعدم الاختصاص فضلاً عن كونه مجافياً لما انتهت إليه من الحكم بقبول هذا الدفع.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالادعاء بالتزوير، فإن الثابت من الاطلاع على أصول أوراق ملف لجنة التطهير الثالثة لوزارة المعارف أن أمر الطاعن قد أحيل إليها في 20 من ديسمبر سنة 1952 بناء على مذكرة صادرة من منطقة أسوان التعليمية في 17 من ديسمبر سنة 1952 تضمنت قائمة بالجزاءات الستة عشر التي وقعت عليه وأن اللجنة كتبت إلى المنطقة تطلب ملف خدمته والتقارير السرية عنه، بدليل أصل الكتابين الموجهين من المنطقة إلى اللجنة في هذا الشأن المرفقين بالملف والمؤرخين 27 و28 من ديسمبر سنة 1952، والثابت كذلك من الاطلاع على أصل محاضر اللجنة المشار إليه أن اللجنة بعد أن استعرضت الجزاءات الموقعة على المدعي وافقت على فصله بجلستها المنعقدة في أول يناير سنة 1953، وأصدرت في ذات التاريخ قراراً مسبباً بهذا الفصل تناولت فيه هذه الجزاءات ونوهت بخطورة بعض الذنوب الإدارية التي ارتكبها ودلالتها على انحرافه وانتهت إلى قيام شبهات قوية وشوائب تعيب أخلاقه وكرامته، فضلاً عما استظهرته من كثرة الجزاءات المتعلقة بإهماله في عمله من كونه غير منتج أما ما أشار إليه المدعي من أن الأوراق الأخرى تدل على أن أمره عرض على اللجنة الثانية وأنها قررت التخلي عن نظر المسائل المنسوبة إليه لضيق الوقت، فإن ذلك مرده إلى ما وقع من لبس أدى إلى شيء من الازدواج في العرض على كلتا اللجنتين وقد أوقفت الإجراءات بمجرد اكتشاف هذا الخطأ على النحو الذي أورده الحكم المطعون فيه وإذا كان قد وقع خطأ مادي في ذكر اسم المدعي ضمن المفصولين بقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يناير سنة 1953 إلا أن الواضح أن القرار إنما نبى على قرار لجنة التطهير الثالثة مما يدل على أن المدعي كان هو المقصود دون غيره وقد تم بالفعل تصحيح هذا الخطأ، ولم يقدم المدعي ما يدل على وقوع تزوير في الأوراق المقدمة من الجهة الإدارية أو في الوقائع التي تضمنتها هذه الأوراق.
ومن حيث إنه متى كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه من رفض الادعاء بالتزوير للأسباب السابقة التي بنى عليها قضاءه، والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها.
ومن حيث إنه لا وجه لما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من أن المحكمة لم تستجب إلى ما طلبه من إحالة الدعوى إلى التحقيق ذلك أن المادة 484 من قانون المرافعات إذ نصت على أنه "إذا كان الادعاء بالتزوير منتجاً في النزاع ولم تكف وقائع الدعوى ومستنداتها لاقتناع المحكمة بصحة الورقة أو بتزويرها ورأت أن إجراء التحقيق منتج وجائز أمرت بالتحقيق" - قد أفادت بأنه لا إلزام على المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات الادعاء بالتزوير متى كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية لتكوين عقيدتها فلها أن تستدل على انتفاء التزوير بما تستظهره من ظروف الدعوى وملابساتها وما تستخلصه من عجز المدعي عن إثبات ما ادعاه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالدفع بعدم الاختصاص استناداً إلى حكم المادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة بعد تعديلها بالقانون رقم 31 لسنة 1963 والتي يجري نصها بأن لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، ويعتبر من أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي.
ومن حيث إن مفاد هذا القانون أن المشرع رأى للعلة التي أشار إليها في المذكرة الإيضاحية. أن يضفي على طائفة من القرارات الإدارية التي تصدر في شأن الموظفين العموميين، وهي تلك التي يصدرها رئيس الجمهورية بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي حصانة تعصمها من الطعن فيها أمام القضاء الإداري باعتباره إياها من أعمال السيادة.
ومن حيث إن الأصل أن معيار التفرقة بين الأعمال الإدارية التي تباشرها الحكومة في حدود وظيفتها الإدارية وبين أعمال السيادة التي تباشرها باعتبارها سلطة حكم مرده إلى القضاء الذي ترك له المشرع سلطة تقرير الوصف القانوني للعمل المطروح عليه وما إذا كان يعد عملاً إدارياً عادياً يختص بنظره أو عملاً من أعمال السيادة يمتنع عليه النظر فيه، وأن ما يعتبر في بعض الظروف عملاً إدارياً عادياً قد يرقى في ظروف أخرى إلى مرتبة أعمال السيادة لارتباطه في ظل الظروف الجديدة بسياسة الدولة العليا أو بأحوالها الاجتماعية أو الاقتصادية المتطورة - وإذا كان الأصل على ما تقدم فإن للمشرع أن يتدخل من جانبه لخلع صفة السيادة على بعض الأعمال الإدارية ليخرجها بالتبع من ولاية القضاء ولا عليه أن يمارس هذه السلطة وهو مانحها، وفي هذه الحالة يلتزم القضاء بالوصف الذي خلعه المشرع على هذه الأعمال أو القرارات.
ومن حيث إن القرارات الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم بغير الطريق التأديبي إنما تعد بحكم طبيعتها قرارات إدارية عادية مما يخضع في الأصل لرقابة القضاء، وقد كانت معتبرة كذلك إلى أن صدر القانون المشار إليه الذي أدخل تعديلاً على اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالاستثناء منه عن طريق اعتبار القرارات المشار إليها من قبيل أعمال السيادة وبذلك ينحسر عنها ولاية القضاء الإداري بعد أن كانت تشملها في ظل القوانين السابقة.
ومن حيث إنه يتبين من هذا التعديل أن المشرع نزع من ولاية القضاء الإداري - على خلاف الأصل - النظر في القرارات المشار إليها ومن ثم فإنه ينبغي، لكون هذا التعديل استثناء أن يلتزم في تفسيره وتحديد مداه قواعد التفسير الضيق المرتبط بعلة الحكم.
ومن حيث إنه يبين من نص المادة الأولى من القانون رقم 31 لسنة 1963 - أن المشرع لم يخلع وصف السيادة على قرارات الفصل أياً كانت السلطة التي أصدرتها وإنما خص به القرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية دون سواها، بمعنى أن المعيار الذي وضعه المشرع في تحديد هذا القرارات ليس معياراً مادياً بحتاً يتمثل في كنة القرار وطبيعته وإنما يرتبط إلى جانب ذلك بمصدر القرار ذاته إذ يلزم أن يكون القرار صادراً من رئيس الجمهورية وذلك لاعتبارات قدرها تتصل بالضمانات التي تحيط بهذا النوع من القرارات دون غيرها - ولا ينال من سلامة هذا النظر أن يعتبر قرار الفصل بغير الطريق التأديبي عملاً من أعمال السيادة إذا كان صادراً من رئيس الجمهورية وعملاً إدارياً عادياً إذا صدر بأداة أخرى، إذ الأصل هو اختصاص القضاء الإداري بهذه القرارات إلا ما جرى النص على استثنائه، ولو أراد الشارع أن يبسط الحصانة على القرارات الأخرى التي سبق صدورها من مجلس الوزراء لما أعوزه النص على ذلك. ومن ثم فإن الحكم الذي شرعه القانون رقم 31 لسنة 1963 لا يسري على القرارات التي صدرت من مجلس الوزراء بفصل الموظفين من غير الطريق التأديبي تطبيقاً لأحكام القانون رقم 181 لسنة 1952.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى على غير أساس سليم من القانون يتعين القضاء بإلغائه وباختصاص المجلس بنظرها وإعادتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم للفصل فيها بهيئة أخرى بعد أن وضح أن الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اتجاهه في موضوع الدعوى.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين رقم 807 لسنة 10 القضائية ورقم 1151 لسنة 10 القضائية شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وبإعادتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم للفصل فيها.