مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 395

(40)
جلسة 17 من ديسمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 1571 لسنة 7 القضائية

( أ ) إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية "موظفوها".
اعتبارها من المؤسسات العامة - موظفوها يعتبرون موظفين عموميين.
(ب) قانون. "لائحة تنفيذية".
إلغاء القانون وعدم النص في القانون اللاحق على بقاء اللوائح التنفيذية الصادرة تنفيذاً للقانون السابق - اعتبار اللوائح السابقة ملغاة دون أن يحل محلها شيء.
(جـ) إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية "موظفوها".
فصل بغير الطريق التأديبي - يكون من اختصاص مجلس الإدارة - أساس ذلك من نصوص القانون رقم 22 لسنة 1954.
(د) موظف "نهاية الخدمة. فصل بغير الطريق التأديبي". قرار إداري. "ركن السبب".
الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي - إذا ذكرت أسباباً لقرارها فإن هذه الأسباب تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون.
(هـ) قرار إداري "ركن السبب". موظف "فصل".
تذرع الإدارة في محضر جلسة مجلس الإدارة بأن الفصل كان بناء على طلب الموظف - علم الموظف بذلك وتظلمه منه حتى قبل أن يخطر بالقرار على أساس أنه لم يقدم استقالته - إبلاغ الموظف بقرار الفصل بعد ذلك دون الإشارة إلى أنه كان بناء على طلبه - محاولة الإدارة إسناد هذا القرار إلى أسباب أخرى تثبت عدم صحتها - ذلك يدل على أن قرار الفصل قد صدر مفتقداً ركن السبب.
(و) موظف "فصل". دعوى الإلغاء.
إلغاء قرار الفصل - لا يترتب عليه أن يعود للموظف حقه في المرتب تلقائياً.
(ز) موظف "معاش".
نص المادة 60 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 بشأن المعاشات المدنية - انطباق قاعدة عدم جواز الجمع بين أكثر من معاش أو مكافأة على المعاشات المستحقة لدى مؤسسة عامة ذات ميزانية مستقلة.
(ح) موظف "معاش".
إذا اتحدث المدة التي يستحق عنها الموظف أكثر من معاش أو مكافأة - حظر الجمع يكون من المسلمات التي لا تحتاج إلى نص بتقريره.
1 - إن إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية تعتبر بحكم إنشائها ومنحها الشخصية المعنوية وقيامها على مرفق النقل بمدينة الإسكندرية وضواحيها وتشكيل مجلس إدارتها والسلطات المخولة له واستقلال ميزانيتها من المؤسسات العامة ويبني على ذلك اعتبار موظفيها من الموظفين العموميين وعلاقتهم بالإدارة علاقة تنظيمية والمستفاد من الأحكام المتقدمة أيضاً أن مجلس الإدارة هو السلطة العليا المهيمنة على شئون هذا المرفق.
2 - إن اللوائح التنفيذية إنما تستمد وجودها وقوتها من القانون الذي تصدر تنفيذاً لأحكامه فإذا ما ألغي هذا القانون، ولم ينص القانون اللاحق على بقاء اللوائح التنفيذية الصادرة تنفيذاً للقانون السابقة قائمة ومعمولاً بها إلى أن تعدل أو تلغى طبقاً للقانون الجديد، فإن ذلك يستتبع حتماً وبالضرورة اعتبار اللوائح السابقة ملغاة دون أن يحل محلها شيء et non remplacée abrogée لأنها إنما تنبثق عن القانون ويتوقف مصيرها عليه وجوداً وعدماً.
3 - إنه وإن كان من الممتنع قانوناً الاستناد إلى اللائحة التنفيذية السابقة في تقرير اختصاص مجلس الإدارة بفصل مدير إدارة النقل من غير الطريق التأديبي، إلا أن في أحكام القانون رقم 22 لسنة 1959 ما يسعف في هذا الشأن، فهو قد خول لمجلس الإدارة، السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة، وخوله في وضع اللائحة الداخلية على أن يبين فيها النظم المتعلقة بالموظفين دون التقيد بنظام موظفي الدولة، وهذا إلى أن مجلس الإدارة هو الذي يملك وحده تعيين المدير وقرارات مجلس الإدارة سواء فيما يتعلق بوضع اللائحة الداخلية أو بتعيين المدير هي من القرارات النهائية التي لا معقب عليها من السلطة القضائية. ومن ثم فإن لا شبهة في اختصاص مجلس الإدارة بفصل مورث المدعيين بغير الطريق التأديبي في الفترة ما بين نفاذ القانون رقم 22 لسنة 1954 وصدور اللائحة الجديدة.
4 - إنه ولئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها بفصل الموظفين من غير الطريق التأديبي إلا أنها إذا ما ذكرت أسباباً لقرارها فإن هذه الأسباب تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مطابقتها وعدم مطابقتها للقانون وأثر ذلك على النتيجة التي انتهى إليها قرارها. فإذا استبان لها أنها غير مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً فقد القرار الأساس القانوني الذي ينبغي أن يقوم عليه وكان مشوباً بعيب مخالفة القانون.
5 - إذا تذرعت الإدارة بادئ الأمر في إنهاء خدمة المدعي بأن ذلك بناء على طلبه على نحو ما هو ثابت بمحضر جلسة مجلس الإدارة. وما أن علم المدعي بهذا القرار حتى بادر قبل أن يبلغ إليه بالتظلم منه، وإذ أيقنت الإدارة أنه لن يسكت على حقه وأنه لا بد لائذ بالقضاء لمخاصمتها لعدم تقديمه أية استقالة عمدت في كتاب التبليغ الموجه إليه إلى إغفال الإشارة إلى أن ثمة طلباً منه باعتزال الخدمة وضمنت هذا الكتاب أن مجلس الإدارة قرر الاستغناء عن خدماته، ولم تفصح في هذا الكتاب عن الأسباب التي استندت إليها في إصدار القرار فمسلك الإدارة على الوجه المتقدم إن دل على شيء فإنما يدل على أن قرارها المطعون فيه قد صدر مفتقداً ركن السبب وأن الإدارة كانت عليمة بذلك وأنها ذهبت بعد صدوره تتلمس الأسباب التي يمكن أن تتذرع بها لحمل القرار.
6 - إن إلغاء قرار الفصل لا يترتب عليه أن يعود للموظف حقه في المرتب تلقائياً بل إن ذلك يخضع لاعتبارات أهمها أن هذا الحق يقابله واجب وهو أداء العمل الذي حيل بين الموظف وبين أدائه كما حرمت منه الجهة الإدارية بالفصل. ومتى كان ذلك فإن الحكم للورثة بمرتب مورثهم خلال فترة الفصل بمقولة إن ذلك مترتب على عدم مشروعية القرار يكون على غير أساس سليم من القانون.
7 - إن المادة 60 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 بشأن المعاشات المدنية والتي يسري حكمها على المدعي تنص على أنه "لا يجوز بحال من الأحوال الاستيلاء على أكثر من معاش واحد من خزانة الدولة، فإذا كان لشخص حق في أكثر من معاش فله أن يختار المعاش الأكثر فائدة له". ويبين من هذا النص أن المخاطبين بحكمه هم الموظفون أو المستحقون عنهم الذين يتقاضون معاشات أو مكافآت بمقتضى أحكام القانون رقم 37 لسنة 1929 فيمتنع عليهم الجمع بين هذا المعاش أو المكافأة وبين أي معاش أو مكافأة مرتب على خزانة الدولة أياً كانت القاعدة التنظيمية التي تقرره وذلك ما لم ينص قانون لاحق أو خاص على إجازة مثل هذا الجمع. وإذ كانت عبارة النص واضحة فإنه لا يجوز الانحراف عنها عن طريق تأويل النص بدعوى أنه من القيود التي ترد على أصل الاستحقاق والتي يلزم عدم التوسع في تفسيرها وذلك توطئة للقول بأن المقصود به إنما هو تحريم الجمع بين معاشات أو مكافآت مرتبه بمقتضى قوانين المعاشات الحكومية دون غيرها، وأنه من ثم يجوز الجمع بين المعاش المستحق من الحكومة بمقتضى أحكام القانون 37 لسنة 1929 وبين المعاش أو المكافأة المستحقة لدى مؤسسة عامة ذات ميزانية مستقلة - ذلك التأويل هو تخصيص بغير مخصص من النص أو حكمة التشريع، إذ أن المؤسسات والهيئات العامة لا تعدو أن تكون مصالح عامة منحت الشخصية المعنوية.
8 - إذا كان الأصل الوارد بالمادة 60 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من معاش مرتب على خزانة الدولة بصورة مطلقة وبصرف النظر عن اتحاد أو اختلاف المدة التي يستحق عنها كل من المعاشين إلا أن الواقع أنه إذا اتحدث المدة التي يستحق عنها الموظف أكثر من المعاش أو مكافأة فإن حظر الجمع يكون من المسلمات التي لا تحتاج إلى نص بتقريره، فما دامت الفترة الزمنية التي يستحق عنها كل من المعاشين واحدة لم يعد ثمة موجب للنص على حظر الجمع بينهما لأن هذا الحكم يكون تطبيقاً للقواعد العامة من حيث عدم الإثراء على حساب الغير بدون سبب ولأنه يتنافى مع الأصول المقررة في منح المعاشات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - على ما يبين من الأوراق - في أن المرحوم حسن راسم كان قد أقام دعواه بصحيفة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" في 14 من أغسطس سنة 1954 ضد السيد وزير المواصلات والسيد عضو مجلس الإدارة المنتدب لإدارة النقل بالإسكندرية، طالباً: الحكم أصلياً بإلغاء القرار الصادر من إدارة النقل العام بمنطقة الإسكندرية في 11/ 2/ 1954 بالاستغناء عن خدماته وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المعلن إليهما بأن يدفعا مبلغ خمسة آلاف جنيه مصري على سبيل التعويض والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. واحتياطياً: بإلزام المدعى عليهما بصفتهما بأن يؤديا 15 ألف جنيه على سبيل التعويض مع الحكم باستحقاقه لمكافأته القانونية من 1/ 1/ 1934 حتى بلوغه 65 سنة وإلزامهما المصروفات ومقابل الأتعاب.
وقال المدعي في شرح دعواه - إنه حصل على دبلوم الهندسة من جامعة ميونخ بألمانيا بعد أن حصل على شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان، وعمل مهندساً بمصلحة السكك الحديدية، ثم ندب منها في أول يناير سنة 1934 كبيراً لمهندسي إدارة النقل وكان ذلك بناء على قرار مجلس إدارة سكك حديد الرمل الكهربائية صادر في 4 من نوفمبر سنة 1933، نص فيه على أن يصرف له بدل ندب قدره تسعة عشرة جنيهاً علاوة على مرتبه الحكومي، ثم رفع بدل الندب في سنة 1938 إلى 30 جنيهاً حيث عين مديراً الإدارة النقل. وفي 19 من يوليه سنة 1945 صدر قرار من مجلس الإدارة برفع مرتبه ابتداء من أول أغسطس سنة 1945 إلى مائة جنيه شهرياً، ثم رفع المرتب إلى 1300 جنيه سنوياً في أول مايو سنة 1948. وبتاريخ أول أكتوبر سنة 1950 أحالته مصلحة السكك الحديدية إلى المعاش وانقطعت صلته بها ابتداء من أول نوفمبر سنة 1950، وظل يعمل مديراً لإدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية إلى أن فوجئ بقرار مجلس الإدارة في 11 من فبراير سنة 1954 بالاستغناء عن خدماته دون إنذار سابق أو تحقيق أو إبداء أسباب، بل إنه صدر في الوقت الذي كان متمتعاً فيه بثقة مجلس الإدارة مما يجعل القرار الإداري الصادر بالاستغناء عن خدماته لا يمت إلى الصالح العام ولا يرتكن إلى أساس من القانون، ولم تراع فيه الإجراءات الشكلية التي نص عليها القانون رقم 22 لسنة 1954 بإنشاء إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية، وأضاف المدعي أنه تظلم من هذا القرار تلغرافياً في 10/ 4/ 1954 فلم يتلق رداً، وأن القرار المطعون فيه يمس مركزه الأدبي خصوصاً وأنه قد صاحبته حملة تشهير مفرضة، لذلك فإنه يكون من حقه أن يطلب مع الحكم بإلغائه تعويضاً أدبياً قدره خمسة آلاف جنيه، وعن الطلب الاحتياطي قال إنه يطلب تعويضاً قدره 15 ألف جنيه منها خمسة آلاف جنيه كتعويض أدبي مقابل الألم النفسي وما أصابه في قدره من جراء هذا الفصل، فضلاً عن حملة التشهير التي صاحبت هذا الفصل مع الحكم بأحقيته في المكافأة اعتباراً من أول يناير سنة 1934 إلى حين بلوغه الخامسة والستين.
دفعت الجهة الإدارية الدعوى بعدم قبولها بالنسبة لوزير المواصلات لرفعها على غير ذي صفة، استناداً إلى ما نصت عليه المادة الثامنة من القانون رقم 22 لسنة 1954 بإنشاء إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية من أن عضو مجلس الإدارة المنتدب هو الذي يمثل الإدارة أمام القضاء، وقد بادر المدعي إلى التنازل عن اختصامه.
وفي 7 من مايو سنة 1958 توفى المدعي فقررت المحكمة بجلسة 21 من مايو سنة 1958 انقطاع سير الخصومة، إلا أن وارثيه السيدة فتحية أحمد فايق أبو أصبع والسيد/ محمد حسن راسم قاما بتعجيل الدعوى، وعدلا الطلبات فيها على الوجه الآتي:
1 - إلغاء القرار الصادر من إدارة النقل العام بمنطقة الإسكندرية في 11/ 2/ 1954 مع إلزام الإدارة بدفع ما كان يستحقه من مرتبات من هذا التاريخ إلى تاريخ وفاته في 6/ 5/ 1958 على أساس أن مرتبه الأصلي 108 جنيه، 333 مليماً وعلاوة الغلاء 15 جنيهاً وبدل التخصص 14 جنيهاً في الشهر الواحد.
2 - ما يستحقه مورثهما من مكافأة قانونية من 1/ 1/ 1934 حتى تاريخ وفاته في 6/ 5/ 1958.
3 - أداء تعويض قدره 15 ألف جنيه.
4 - كافة المصاريف والأتعاب.
ومن حيث إن الجهة الإدارية عقبت على الدعوى بأن القرار المطعون فيه صدر خالياً من الأسباب لأن الإدارة غير ملزمة ببيان أسباب قرارها، وأن الغرض أن القرار الإداري قد صدر بقصد تحقق المصلحة العامة وعلى من يدعي العكس إثبات ذلك، غير أنها لوثوقها من سلامة الأسباب التي بني عليها قرارها وسلامة الهدف الذي قصدت إلى تحقيقه ستقيم الدليل على سلامة تلك الأسباب وخلوها من أي عيب - ذلك أن القرار صدر ممن يملكه وفي حدود اختصاصه طبقاً للمادة الخامسة من القانون رقم 22 لسنة 1954 بإنشاء إدارة النقل العام لمنطقة لإسكندرية التي نصت على أن "مجلس الإدارة هو السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة وأن له على وجه أخص... وضع اللوائح الداخلية للإدارة على أن يبين فيها على الأخص النظم الخاصة بالموظفين والعمال دون التقيد بنظام موظفي الدولة" وأن اللائحة التي أقرها مجلس الإدارة تنفيذاً لهذا النص خولت مجلس الإدارة حق الاستغناء عن خدمات الموظفين الذين يشغلون الوظائف الرئيسية، وأن سلطته في هذا غير مقيدة إلا بما تفرضه المبادئ القانونية العامة، وهي أن يستهدف مصلحة المرفق فيما يتخذه من قرارات، فهو صاحب الرأي الأعلى في تقدير ما يحقق مصلحة المرفق بما لا معقب على قراراته في حدود سلطته التقديرية وأن سلطة الإدارة التقديرية في فصل الموظفين الذين يعملون في خدمة المرافق الصناعية والتجارية دون محاكمة تأديبية ودون تحقيق أوسع من سلطتها في فصل من يعملون في خدمة المرافق الإدارية البحتة، وأن الواقع أن الحكومة تنبهت إلى فساد النظام المتبع في إدارة المرفق ورأت وجوب التدخل لإصلاحه، فأصدرت القانون رقم 22 لسنة 1954 بإنشاء إدارة النقل العام بمنطقة الإسكندرية لإعادة تنظيم هذا المرفق وأصدر وزير المواصلات قراراً بتعيين عضو منتدب لمجلس الإدارة وفقاً لأحكام هذا القانون، وعقد مجلس الإدارة الجديد أولى جلساته في 9 من يناير سنة 1954 مستهدفاً إصلاح العمل في المرفق وعرض لتقارير ديوان المحاسبة وأحالها إلى العضو المنتدب لتحقيقها وموافاة المجلس بالنتائج وقد تقدم بنتيجة بحثه إلى المجلس في جلسته المنعقدة بتاريخ 11 من فبراير سنة 1954 وفي تلك الجلسة أصدر المجلس، في ضوء النتيجة التي عرضت عليه القرار المطعون فيه.. وقالت إن المدعي كان يشغل وظيفة مدير إدارة النقل بطريق الندب ثم بطريق التعيين اعتباراً من 21/ 6/ 1938 وكان المرسوم الصادر في 17/ 10/ 1946 يمنح الشخصية المعنوية لإدارة النقل المشترك بمنطقة الإسكندرية ينص في المادة العاشرة على أن "يدير إدارة النقل المشترك مدير يعينه مجلس الإدارة كما أن اللائحة الداخلية الصادرة استناداً إلى هذا المرسوم تنص على أن مدير الإدارة هو المكلف بتنفيذ قرارات المجلس وهو الذي يدير الأقسام المختلفة للإدارة سواء من حيث التنظيم الداخلي أو كيفية الاستغلال ويكون مسئولاً عن سير العمل جمعيه" وهذه النصوص قاطعة في مسئولية المدير قانوناً عن سير العمل في الأقسام المختلفة.
أما عن أسباب القرار فهي (أولاً) - وبصفة عامة عجز في ميزانية المرفق وخسارة مالية محققة في استغلاله سجلتها تقارير ديوان المحاسبة ومراجع الحسابات. (ثانياً) - فساد واضطراب وفوضى في التنظيم الداخلي لأقسام المرفق المختلفة من ناحية وإهمال وتقصير خطير من جانب كبار الموظفين وعلى رأسهم المدعي في أداء واجباتهم من ناحية أخرى.
ففيما يتعلق بالعجز في الميزانية سجل الحساب الختامي للإدارة عن سنة 1952 عجزاً قدره 25.962.150 جنيهاً وعن سنة 1953 عجزاً قدره 26.797.849 جنيهاً في حين أن الحسابات الختامية عن سنة 1954 وهي السنة التي تم في مطلعها الاستغناء عن المدعي دلت على زيادة في الإيرادات عن المصروفات مقدارها 102.487.463 جنيه ولهذه النتيجة دلالة قاطعة إذ أن مرفق النقل بالإسكندرية من المرافق التجارية والصناعية التي يتبع في إدارتها الأساليب المتبعة في إدارة المشروعات الصناعية والتجارية، ومن ثم فإنه يجب أن يحقق ربحاً. وإنه وإن كان يمكن أن لا يقام للخسارة كبير وزن إذا كانت الخسارة نتيجة ظروف عوامل خارجية لا صلة بها بسوء الإدارة، إلا أنه متى ثبت أنها نتيجة خلل وفساد خطير فإن هذا العجز يكون دليلاً قاطعاً على عدم صلاحية القائمين على إدارة المرفق.
وفيما يتعلق بفساد التنظيم الداخلي للمرفق فإن المدعي أهمل إهمالاً جسيماً في اتخاذ الإجراءات التي تكفل تنظيم العمل في أقسام المرفق رغم تنبيهه لذلك غيره مرة، وإن هذا الإهمال أشاع الاضطراب في سير المرفق وذلك على الوجه الآتي:
إهمال المدعي في اتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط العمل في أقسام المخازن والمشتريات فقد أشار ديوان المحاسبة إلى هذه الإهمال في تقريره المقدم في أول مارس 1952 عن سنة 1950 وفي تقريره عن سنة 1951 المقدم في 15 يوليه سنة 1953 ففي التقرير الأول أشار إلى أنه نبه الإدارة في السنوات الماضية إلى وجوب وضع لائحة للمخازن والمشتريات لكنه لم يتلق رداً إلى تاريخ إعداد التقرير، وفي التقرير الثاني أشار إلى وجود اضطراب في الأعمال المالية والإدارية وإلى وجوب تنفيذ ما سبق أن أشار به من وضع لائحة للمخازن والمشتريات وأخرى للأعمال المالية والحسابية، وأن الإدارة كانت قد وعدت بوضع اللائحتين لكنها لم تف بشيء مما وعدت به.
عدم تنظيم الأرشيف، فقد سجل تقرير ديوان المحاسبة المقدم في 15 يوليه سنة 1953 عن سنة 1951 أن إدارة النقل لا يوجد بها أرشيف وأن كلاً من أقسامها يحفظ أوراقه وصور مكاتباته وفي كثير من الأحيان يحتفظ كل موظف بالأوراق التي تتصل بالعمل الذي يمارسه.
عدم العناية بتوفير الضمانات الكافية في أرباب العهد، وذلك بتعيين عدد من الأمناء أقل من حاجة المخازن واختيارهم من المستخدمين في أدنى الدرجات العمومية دون أن يشترط فيهم تقديم ضمانات.
الإسراف في منح التراخيص المجانية الممنوحة خلال عام 1952، حيث بلغت التراخيص السنوية 10129 ترخيصاً والتراخيص الصيفية 3435 ترخيصاً بما تبلغ قيمته 62 ألف جنيه وهو مبلغ يزيد على مثلى الخسارة المحققة في هذه السنة، في حين أن جملة التراخيص التي منحت سنة 1954 لم تزد على 3218 ترخيصاً.
الإسراف في منح تليفونات مجانية لكبار الموظفين، فقد أثبت تقرير الديوان عن سنة 1951 أن عدد الأجهزة المركبة بمنازل الموظفين بلغت عشرين جهازاً مع أن حاجة العمل لا تدعو لذلك علاوة على أنه خصم على ميزانية الإدارة قيمة اشتراك حبال وتركيبات خاصة ببعض تلك التليفونات.
المخالفات المتعلقة بتوسيع عيادة سيدي جابر، أثبت الديوان في تقريره عن سنة 1951 أن إدارة النقل بعد أن حصلت على موافقة مجلس الإدارة على توسيع العيادة الخارجية بسيدي جابر لازدياد عدد المترددين عليها استخدمت الاعتماد المخصص لتوسيع العيادة في غير الأغراض التي خصصت لها، حيث صرف جزء كبير من الاعتماد في توسيع السكن الخاص في الدور العلوي من المبنى، وفضلاً عن ذلك تجاوزت الإدارة في التنفيذ الاعتماد الذي وافق عليه المجلس دون الرجوع إليه ولم تكن طريقة عرض الموضوع على مجلس الإدارة تسمح للأعضاء بتكوين فكرة صحيحة من الأغراض التي سينفق فيها الاعتماد.
مخالفات تتعلق بالمناقصات والمزايدات، أثبتت تقارير الديوان عن السنوات 1950، 1951، 1952 وقوع مخالفات في إجراءات المناقصات منها ( أ ) إغفال النشر عن المناقصات وقبول العطاء الوحيد المقدم مع مخالفة ذلك للقواعد المالية (ب) الاتفاق المباشر دون إجراء مناقصة بشأن تصليح سيارات ولاحظ الديوان في شأن هذه العملية أن الشركة المتعاقد معها قبلت تخفيض 52% من أصل القيمة المتفق عليها مما يثير الشك حول سلامة العملية. (ج) أثبت الديوان في تقريره عن سنة 1950 أن الإدارة وافقت على بيع صفقة سيارات خردة بمبلغ ألف جنيه دون الرجوع إلى مجلس الإدارة مع مخالفة ذلك للوائح.
مخالفات تتعلق بشئون الموظفين والعمال:
( أ ) تأخر إحالة المخالفات التأديبية إلى مجلس التأديب وتأخر الفصل في القضايا وفي تنفيذ قرارات مجلس التأديب. إذ تبين لعضو مجلس الإدارة المنتدب أن 1440 قضية تأديبية تأخر الفصل فيها في مدة ثمان سنوات من سنة 1946 إلى فبراير سنة 1954 وأن الأحكام التأديبية التي لم تنفذ رغم انقضاء مدة طويلة على صدورها 72 حالة.
(ب) ندب العمال الفنيين من عملهم الأصلي بالورش لأعمال كتابية رغم حاجة العمل إليهم في الورش.
(ج) صرف مرتبات إضافية لموظفين بالمخالفة لأحكام اللوائح.
(د) الترخيص لبعض كبار الموظفين بالاشتغال في الخارج بالمخالفة لأحكام اللوائح، فقد رخص للسيد المهندس أحمد رضا كامل لقيد اسمه في جدول الخبراء رغم أن عضو مجلس الإدارة المنتدب كان قد رفض هذا الطلب كما صرح للسيد عبد العزيز فهمي بالعمل في خارج المرفق.
(هـ) منح إعانة غلاء معيشة لموظف بمصلحة السكك الحديدية ومنتدب للعمل بإدارة النقل رغم عدم استحقاقه لهذه الإعانة.
(و) رفع ماهية أحد الموظفين بدون مبرر بالمخالفة لأحكام اللوائح.
(ز) الترخيص لأحد الموظفين باستخدام عامل بالإدارة لقيادة سيارته الخاصة في غير أعمال الإدارة.
مخالفات مالية أثبتها مراجع الحسابات في تقريره عن سنة 1952:
أثبت المراجع أن كثيراً من أذونات الصرف وحوافظ توريد الخزينة لا تحمل توقيع مدير الإدارة وأن معظم أذونات الصرف بشيكات غير مرفق بها إيصالات الاستلام وأن الكشوف الخاصة بالأجور والمهايا غير ممضاة من مدير الحسابات وغير معتمدة من مدير الإدارة ولا تحمل توقيع الصراف بما يفيد صرفها.
وأضافت إدارة النقل العام أنه ولئن كان القضاء الإداري يملك رقابة أسباب القرار الإداري، من حيث وجودها ومن حيث تكييفها إلا أن سلطته في مراقبة القرار الإداري تقف عند هذا الحد فليس له أن يتدخل فيما للإدارة من حرية تقدير الإجراء أو القرار الذي تراه ملائماً للظروف والوقائع التي يبنى عليها القرار. وأنه متى كان القرار المطعون فيه قد صدر سليماً مستوفياً أركانه غير مشوب بأي عيب فإنه يكون قراراً مشروعاً ولا يستحق المدعي أي تعويض ولا وجه للقول بأن المدعي يستحق تعويضاً عن الضرر الأدبي الذي نتج عن مجرد الفصل حتى ولو لم يحكم بإلغاء القرار لأن هذا القول تأباه المبادئ القانونية السليمة فضلاً عن أن إدارة النقل لا تتحمل مسئولية نشر القرار بالصحف.
أما عن المكافأة فقد أوضحت الإدارة أن المدعي كان يشغل وظيفة مفتش بالدرجة الخامسة بمصلحة المساحة وفي 4/ 1/ 1933 وافق مجلس إدارة سكة حديد الرمل الكهربائية على ندبه للقيام بعمل وظيفة كبير المهندسين بدرجته وماهيته على أن يمنح 19 جنيهاً من الإدارة زيادة على مرتبه ثم نقل من مصلحة المساحة إلى مصلحة السكك الحديدية اعتباراً من أول مايو سنة 1934، وفي 21/ 6/ 1938 قرر مجلس إدارة سكك حديد الرمل الكهربائية ندبه للقيام بأعمال مدير الإدارة ورفع مكافأته إلى 30 جنيهاً شهرياً وكانت مصلحة السكك الحديدية تدفع له ماهيته وعلاواته ويتدرج في درجاتها بطريق الترقية إلى أن بلغ الدرجة الأولى وأحيل إلى المعاش بناء على طلبه في 1/ 10/ 1950، وكان طوال المدة من 1/ 1/ 1934 إلى 1/ 10/ 1950 يقوم بعمله بسكة حديد الرمل ثم بإدارة النقل المشترك بطريق الندب. وكانت إدارة النقل مدة ندبه تتولى صرف مرتبه وتحصل قيمتها من إدارة النقل المشترك.
وتنفيذاً لقرار مجلس إدارة النقل العام الصادر في 11 فبراير سنة 1954 بالاستغناء عن خدمات المدعي مع صرف مكافأته القانونية عن مدة خدمته بالإدارة استفتت الإدارة شعبة الرأي المختص بمجلس الدولة في كيفية احتساب هذه المكافأة، فأفادت الشعبة الداخلية والسياسية في 22 مايو سنة 1954 بأن المدة التي تستحق عنها المكافأة هي المدة من 1/ 10/ 1951 تاريخ إحالته إلى المعاش من مصلحة السكك الحديدية إلى 11/ 2/ 1954 تاريخ الاستغناء عنه بإدارة النقل، وبناء على هذه الفتوى سويت مكافأته وأودعت خزانة الإدارة تحت تصرفه وأخطرته بذلك. ومضت الإدارة تقول إنه لا سند لما يطالب به المدعي أو ورثته بصرف مكافأة عن المدة السابقة على 1/ 10/ 1950 فقد كان طوال الفترة السابقة على هذا التاريخ موظفاً بمصلحة السكك الحديدية منتدباً للعمل بإدارة النقل العام، وكانت إدارة النقل تدفع لمصلحة السكك الحديدية ماهية المدعي إلا أن ذلك ليس معناه أن المرتب الأصلي للمدعي كان يدفع من إدارة النقل إذ لا شأن له هو بهذه التسوية. بل إن الثابت فوق ذلك أنه أنشئت بميزانية مصلحة السكك الحديدية في عام 1934/ 1935 درجة مخصصة لوظيفة كبير المهندسين بسكة حديد الرمل نقل عليها المدعي وبهذا تكون مصلحة السكك الحديدية قد حملت ميزانيتها درجة أنشأتها لموظف تابع لها ولكنها خصصته للعمل في إدارة النقل، أي أن مركزه القانوني في مصلحة السكك الحديدية وعمله في إدارة النقل يؤيد ذلك أن عمله بإدارة خط الرمل قد تم بقرار من وزير المالية في 11/ 12/ 1933 وكانت مصلحة السكك الحديدية هي صاحبة الحق في تقرير إجازته، وأنه مما ينبغي الإشارة إليه أن إدارة سكة حديد الرمل لم تتمتع بالشخصية المعنوية إلا اعتباراً من سنة 1939 تاريخ صدور المرسوم الذي منحها الشخصية الاعتبارية أما قبل ذلك فكانت مجرد إدارة حكومية.
عقب المدعي ومن يعده وارثاه على دفاع الإدارة بأن قرار الاستغناء الصادر من مجلس الإدارة إنما بني على أن المدعي قدم استقالته بشرط دفع مرتب سنتين في حين أن المدعي لم يقدم استقالته مما يجعل القرار الصادر بقبولها غير قائم على سببه. على أن الإدارة أخذت تتصيد أسباباً لقرارها في صورة مآخذ استمدتها من تقارير بالية لديوان المحاسبة. وأنه لا يجدي الإدارة التنقيب عن أسباب الفصل بعد صدور القرار به، إذ إنه متى ثبت أن القرار الإداري قد بني على سبب معين قام الدليل على عدم صحته فلا يجوز إضافة أسباب جديدة بعد صدور القرار المطعون فيه ويتعين الحكم بإلغائه. ونعى المدعيان على القرار أنه صدر بغير تحقيق أو إحالة إلى سلطة تأديبية، وأنه صدر من هيئة تضم عضواً غير صالح للمداولة وهو عضو مجلس الإدارة المنتدب الذي عهد إليه بمهمة بحث مناقضات الديوان، وأن محضر الجلسة لم يتضمن ما أثير من مناقشات عند بحثه بالمخالفة لأحكام المادة 7 من القانون رقم 22 لسنة 1954، وأنه إذا كانت الإدارة قد استندت في إصدار القرار على اللائحة الداخلية للمرفق الصادرة في 1/ 1/ 1948 فإن هذا الاستناد مخالف للقانون لأن هذه اللائحة قد ألغيت بصدور القانون رقم 22 لسنة 1954 وبفرض أنها لم تلغ فإنها باطلة لعدم عرضها على مجلس الدولة، وأضاف المدعيان أنه لا وجه لما أثارته إدارة النقل العام بشأن أسباب القرار فالفرض أن مرفق النقل متحلل من الروتين الحكومي، ومن ثم فكل نعي تعاب به الإدارة لأنها لم تتبع الأساليب الحكومية هو نعي ينبغي أخذه بحذر وإطراحه إذا بدأ متجافياً مع ما ينبغي للمشروعات الحرة من مناهج الإدارة. وإذ كان النقل مرفقاً عاماً يتصل أشد الاتصال بخدمة الشعب فإنه لا ينبغي أن ينظر فيه إلى الربح بقدر ما ينظر فيه إلى تحقيق الخدمة ولو بالتضيحة وأن من الجور القول بأن الخسارة تمثل فساداً في إدارة المرفق، كذلك فإن نقدات ديوان المحاسبة لم تسلم منها إدارة حكومية فكل تقرير له يحوي مثلها. وهي لا تعني في حد ذاتها اتهاماً، وفضلاً عن ذلك فإن المدعى عليها قد تجاهلت أن ثمة عضواً منتدباً يمثل إدارة النقل العام ويشرف عليها ومجلس إدارة هو السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة وألقت المسئولية كلها على عاتق المدير.
وتناول المدعيان الرد على أسباب الفصل على الوجه الآتي:
ففيما يتعلق بالعجز في ميزانية المرفق، نفى المدعيان مسئولية مورثهما ودليل ذلك ما أورده عضو مجلس الإدارة المنتدب والذي كان متحاملاً على المورث في مقدمة مشروع الميزانية الذي قدمه عن عام 1954 بشأن العجز في إيرادات المرفق في سنتي 1952، 1953 بقوله إنه "كان من الطبيعي أن يأخذ صافي الربح في التناقص بعد عام 1948 حتى تصل زيادة المصروفات إلى الحد الذي يستغرق صافي الربح وتصبح زيادة المصروفات بعد ذلك خسارة وهو ما حدث في عامي 1952، 1953 وما ينتظر حدوثه في عام 1954". وفي بيان زيادة المصروفات التي استغرقت الربح قال إنها عبارة عن زيادة في الأجور وتطبيق كادر العمال وزيادة إعانة غلاء المعيشة. يضاف إلى ذلك أنه بمقارنة الحساب الختامي لسنتي 1953، 1954 تبين أن المصروفات في سنة 1953 كانت تزيد بمقدار 77 جنيهاً و476 مليماً ويتمثل هذا الفرق في الإجازات المرضية ومكافآت ترك الخدمة والاستهلاكات فقد عدل نظام الإجازات الذي أدخله المورث في 7/ 10/ 1953 بجعل الإجازة المرضية 45 يوماً بنصف أجر مدفوع بعد أن كانت 21 يوماً بأجر كامل. وهو ما أقر به مجلس الإدارة ذاته في مقدمة مشروع ميزانية 1954، ويعزى الوفر في مصاريف ترك الخدمة عام 1954 إلى تعديل سن التقاعد إلى 65 سنة بدلاً من ستين. كذلك فقد حققت الإدارة إيراداً جديداً عام 1954 من رسوم الإعلانات. ومن جهة أخرى فقد لوحظ أن الإدارة الجديدة عمدت بعد فصل المدعي إلى الأخذ بقاعدة جديدة بأن نقلت بعض مصروفات الصيانة والتشغيل إلى بند الأعمال الجديدة وهي تتعلق بتحديد الأسلاك والقضبان والكابلات والموتورات، وبذلك يكون الربح المزعوم صورياً في حقيقته - ليس ذلك فحسب، بل إن الثابت من مشروع ميزانية المرفق لعام 1952 أنه كان يتضمن في أول الأمر تحقيق ربح قدره 24.600 جنيهاً ثم صدر قرار وزاري برفع سعر الوقود اعتباراً من أول يناير سنة 1952 وهي زيادة بلغت 37.300 جنيهاً مما استتبع تعديل الميزانية.
وفيما يتعلق بلائحة المخازن والمشتريات: ذهب المدعيان إلى أن الإدارة استندت على ما جاء بتقرير الديوان من التوصية بوضع لائحة للمخازن والمشتريات على خلاف ما ينبغي لمرفق النقل من تحرر من الروتين، ولم يطلب ديوان المحاسبة صراحة عمل لائحة في تقريره عامي 48، 1949 بل أشار مجرد إشارة عابرة إلى عدم وجود لائحة، ثم نوه بذلك في 11/ 11/ 1951 فوعدت الإدارة بالعمل على ذلك وشكلت بالفعل لجنة لوضع اللائحة على نحو ما هو ثابت من تأشيرة المدير على تقرير ديوان المحاسبة عن عام 1951 وقامت اللجنة فعلاً بوضع اللائحة، ولما كان الديوان قد أشار بأن تستعين الإدارة باللوائح الحكومية، وكانت الحكومة قد شرعت في تعديل لائحة المخازن والمشتريات، فقد رؤى إرجاء عرض المشروع على مجلس الإدارة لحين إعادة النظر فيه في ضوء التعديل الجديد في اللائحة الحكومية. وحتى بعد فصل المدعي فإن الإدارة الجديدة لم تصدر اللائحة المعنية إلا بعد صدور لائحة الحكومة وقد عرضت اللائحة الجديدة على المجلس بعد عاملين من الفصل.
وعن الأرشيف قالا إن الإدارة الجديدة قد أقرت بعد إصدارها لقرار الفصل بوجود صعوبة عملية في إنشاء الأرشيف لعدم توفر المكان المناسب من ناحية ولتفرق أقسام الإدارة المختلفة بين مصطفى كامل ومحرم بك ومبنى الإدارة الرئيسي من جهة أخرى، أما عن توفير الضمانات الكافية في أرباب العهد فيقول المدعيان إن الإدارة لم تقل بأن أحداً من هؤلاء قد خان الأمانة، وقد كان هذا الأمر متوقفاً على وضع لائحة المخازن وتضمينها نصاً ينظمه.
وفيما يتعلق بالتصاريح المجانية: ذهب المدعيان إلى أن مورثهما لم يستحدث هذا النظام، وأن العمل قد جرى به من قديم بالنسبة لكافة مرافق العمل، وقد عرض أمر هذه التصاريح على اللجنة المالية المنبثقة من مجلس الإدارة وانتهت اللجنة إلى وضع لائحة تصرف بموجبها هذه التصاريح إلا أن اللجنة رأت بعد ذلك أن ترجئ تنفيذ هذه اللائحة إلى أول يناير سنة 1954 وقد اعترض الديوان عليها ورأى إلغاء جميع التصاريح، ثم عرض الأمر على المجلس بمذكرة من السيد عضو مجلس الإدارة المنتدب ورئيس اللجنة ضمنها أنه يرى الموافقة على استمرار صرف هذه التصاريح إذ أن ذلك إجراء تتبعه جميع مؤسسات النقل بصرف النظر عن قيمتها الاسمية لما تجنيه المؤسسة من فوائد من وراء هذه التصاريح مع تحديد مدتها والحد منها. وسبق أن عرض أمر هذه التصاريح على مجلس الإدارة فقرر استمرار العمل بتصاريح سنة 1952 إلى 31 ديسمبر سنة 1953 وإعادة مشروع اللائحة إلى اللجنة المالية للمراجعة النهائية. وقد عدل ديوان المحاسبة موقفه من هذه التصاريح فيما بعد مشيراً إلى إجراء ضغط فيها - ويضيف المدعيان أن مجلس الإدارة أصدر جملة قرارات بعد فصل المدعي بمنح تصاريح جديدة، بل إنه قرر في جلسة 11/ 2/ 1954 التي تقرر فيها فصل المدعي المجانية المطلقة للاشتراكات المدرسية التي كان يدفع منها ربع أجرة والممنوحة لأبناء الموظفين والعمال.
أما التليفونات: فإن مرفق النقل بطبيعته يقوم بنشاط مستمر ليل نهار والفنيون فيه مجندون للخدمة الدائمة مما يقتضي أن يزود هؤلاء بعدد من التليفونات ليتسنى لهم مداومة الإشراف على سير المرفق، وقد كانت تكاليف هذه التليفونات تعرض على مجلس الإدارة سنوياً وعلى عضو مجلس الإدارة المنتدب المنوط به تقديم ميزانية المرفق، ومع ذلك فإن المدعي أمر بتحميل المستفيدين قيمة التركيبات الإضافية اعتباراً من أول عام 1952 ونصف الاشتراك الثابت اعتباراً من أول عام 1953.
وفيما يتعلق بتوسيع عيادة سيدي جابر، فإن الموضوع قد عرض على مجلس الإدارة في صورته الواقعية وأن المختص بهذا العرض هو عضو مجلس الإدارة المنتدب وليس المدعي، ومع ذلك فقد زوده المدعي بجميع الأوراق المتعلقة بهذا الموضوع إلا أن الموضوع نظر على وجه الاستعجال ولا علم للمدعي بكيفية العرض على المجلس، وفضلاً عن ذلك فإن توسيع السكن الواقع في أعلى العيادة لم يكن للمدعي مصلحة فيه، وقد ترتب على هذا التوسيع زيادة القيمة الإيجارية من أربعة جنيهات إلى خمسة وعشرين، وفيما يتعلق بتجاوز الاعتماد فقد جرت الإدارة على عرض التكلفة النهائية لمثل هذه العمليات لاعتماد التجاوز وهو ما يتفق مع النظام التجاري السائد في المرفق ومع ذلك فقد وافقت اللجنة المالية برئاسة العضو المنتدب على هذا التجاوز واعتمده مجلس الإدارة.
وأما ما أشار إليه الديوان بشأن مخالفة القواعد المالية بشأن النشر عن المناقصات فلا سند له إذ ليس ثمة قواعد في هذا الشأن ولأن نظام العمل يجرى من قديم على أساس تجاري، وأما فيما يتعلق بالتعاقد المباشر مع شركة فورد على إصلاح السيارات فالواقع أن السيارات مشتراة منها وكان الأمر يقتضي إصلاحها ومعلوم أنها الشركة المنتجة والمحتكرة القادرة على هذا الإصلاح، وقد كتب الديوان في هذا الشأن يسأل عن مخالفة أحكام اللائحة الداخلية التي لم تجز للمدير الترخيص بالقيام بالأعمال الجديدة التي تجاوز قيمتها ألف جنيه وكان رد المسئول واضحاً في أن الأعمال المتعاقد عليها ليست أعمالاً جديدة وإنها من أعمال الصيانة.
وعن تأخير البت في المخالفات التأديبية. فلا يسأل عنه المدعي إذ يدخل ذلك في اختصاص مدير المستخدمين وهيئة التأديب وندب العمال الفنيين من عملهم الأصلي لأعمال كتابية كان أمراً يقتضيه حسن سير العمل، إذ كان هؤلاء العمال من ذوي المؤهلات وأصدرت الحكومة كادراً لذوي المؤهلات الصناعية فطالب هؤلاء بتطبيقه عليهم، وكان من شأن هذا التطبيق أن يخل بالمساواة بينهم وبين زملائهم ورؤسائهم غير المؤهلين بينما كانت الإدارة في حاجة ماسة إلى موظفين كتابيين فرأى أن من صالح العمل ندب هؤلاء العمال في هذه الوظائف.
أما عن صرف مرتب إضافي لموظفين فقد اقتضى ذلك عملهم في غير أوقات العمل الرسمية وكان الاعتماد المخصص لهذا الغرض يعرض على مجلس الإدارة للموافقة عليه، كذلك فإن لم يكن للمدعي يد في التصريح لبعض كبار الموظفين بالاشتغال في الخارج فضلاً عن أن القواعد المنظمة لهذا الحظر لم تكن قد صدرت بعد. أما عن رفع ماهية أحد الموظفين أو منح علاوة غلاء لآخر خطأ فتلك مسئولية رئيس المستخدمين الذي جوزي عن الواقعة الأولى بالفصل. وفيما يتعلق بالترخيص للمشرف الرياضي باستخدام سائق في نوبة بعد الظهر فليس فيه ما يمكن أن يؤاخذ عليه المدعي. إذ كان هذا المشرف يستعمل سيارته الخاصة دون مقابل وكانت مهمته تقتضي الانتقال اليومي إلى النادي وإلى المباريات المختلفة في الأندية، وكانت الإدارة تتجه دائماً إلى تشجيع هذا النشاط بين موظفي المرفق وعماله وكان لها ناد تليد يعرف باسم ناد الترام.. وأخيراً فإن ما أثير حول أذونات الصرف وحوافظ التوريد فذلك من اختصاص إدارة الحسابات وليس من عمل المدعي، وأن الأمر لا يعدو أن إدارة الحسابات كانت ترى حفظ الإيصالات في الملفات الخاصة بها ولا ترفقها بالأذونات لأن ذلك كان متعذراً عليها لأسباب مادية بحتة.
وقد تحدثت مذكرة المدعين عن مآثر مورثهما على إدارة النقل وما حققه لهذا المرفق خلال عشرين عاماً واستندت في أحقيته في المكافأة على قرار مجلس إدارة النقل العام الصادر في 29/ 7/ 1949 والذي جاء به أنه قد تقرر فيما يختص بالموظفين المنتدبين من السكك الحديدية أن تشمل مرتباتهم المهايا الحكومية وفرق المرتب الذي يعطى لهم من إدارة النقل فإذا زيد المرتب الكلي فتخصم هذه الزيادة من فرق المرتب المشار إليه وتحسب المكافأة عند تركهم الخدمة على أساس جميع ما يتقاضونه من الحكومة ومن إدارة النقل المشترك". وهذا القرار يثبت حق الورثة في المكافأة عن مدة خدمة مورثهم اعتباراً من تاريخ ندبه للعمل بإدارة النقل حتى تاريخ وفاته أي من 1/ 1/ 1934 حتى 6/ 5/ 1958.
ومن حيث إنه بجلسة 7 من يونيه سنة 1961 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بأحقية ورثة المرحوم حسن راسم في صرف مرتب مورثهم عن المدة من 11/ 2/ 1954 إلى تاريخ وفاته في 6/ 5/ 1958 وصرف المكافأة عن مدة خدمة المورث ابتداء من 1/ 10/ 1950 تاريخ إحالته إلى المعاش لغاية 11/ 2/ 1954 تاريخ فصله من إدارة النقل المشترك مع إلزام الطرفين بالمصروفات مناصفة. وأقامت قضاءها على أنه ظاهر من الفقرة ح من قرار مجلس الإدارة الصادر بجلسة 11/ 2/ 1954 أن المجلس قرر الاستغناء عن المهندس حسن راسم اعتقاداً منه بسبق طلب اعتزاله الخدمة. وإذ ثبت أنه لم تقدم استقالة من المذكور - وذلك مسلم به - فإن قرار الاستغناء بهذه المثابة يفقد ركنه وهو الاستقالة ولا يصادف محلاً فيقع باطلاً.@
وفيما يتعلق بصدور القرار المطعون فيه بغير تحقيق أو محاكمة فإنه لما كان مجلس إدارة النقل العام هو السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة وفقاً لحكم المادة الخامسة من القانون رقم 22 لسنة 1954 فإن ذلك يتطلب إطلاق يده في تنظيم المرفق وفي إدارته باختيار أقدر الأشخاص على العمل في خدمته وإبعاد من يرى أنه غير صالح لإدارته متى توفرت لديه الأسباب التي تبرر هذا العزل وذلك دون محاكمة تأديبية ودون أن يكون ملزماً بذكر الأسباب التي يؤسس عليها قراره في هذا الشأن وهذا من الملاءمات المتروكة لتقدير مجلس الإدارة بلا معقب عليه ما دام خلا من عيب إساءة استعمال السلطة فلم يستهدف سوى المصلحة العامة. وأن هذه السلطة تجد لها سنداً كذلك فيما ورد في لائحة الإدارة الصادرة في أول يناير سنة 1948 التي فصل المدعي في ظلها قبل صدور اللائحة الجديدة إذ جاء في فقرتها العاشرة أن البت في شئون الموظفين الذين يشغلون الوظائف الرئيسية من حيث التعيين وتحديد المرتب والترقية ومنح العلاوات والمكافآت والجزاءات والاستغناء وإلغاء وظائفهم من اختصاص مجلس الإدارة - وأنه لا شك في أن ورود عبارتي الجزاءات والاستغناء على هذا الوجه من التتابع يفصح في الدلالة على أن الفصل من الخدمة قد يكون بالطريق التأديبي بعد تحقيق ومحاكمة وقد يكون بغير الطريق التأديبي بقرار يصدره المجلس دون تحقيق أو محاكمة. وأنه ما دام أن الإدارة قد أفصحت عن الأسباب التي تبرر الفصل فإنه يتعين النظر فيما إذا كانت هذه الأسباب تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها الإدارة بتقرير فصل مورث المدعين من الخدمة.
ثم عرض الحكم لهذه الأسباب فقال إن تقارير ديوان المحاسبة من سنة 1950 إلى سنة 1953 قد تضمنت ملاحظات ومخالفات وأخطاء، وأنه يبدو من الاطلاع عليها أن ملاحظات الديوان ليست مقصورة على المدعي بل تشمل أشخاصاً آخرين لهم اختصاص معين حدده مجلس الإدارة الذي يعد المدير القانوني للمرفق يليه عضو مجلس الإدارة المنتدب الذي يعد وكيل المجلس في الإدارة والمسئول عنها، وليس من المعقول أن يعد المدعي مسئولاً عن مسائل تدخل في اختصاص مجلس الإدارة والعضو المنتدب كما أنه ليس من المعقول أن يسأل عن أعمال غيره من الموظفين، وأنه بالنسبة لما نسب إلى المدعي بشأن توسيع عيادة سيدي جابر أو منح التصاريح المجانية فإن هذه المسائل لم تصدر من المدعي وحده بل كان ذلك بإذن وموافقة مجلس الإدارة وكذلك الحال بالنسبة للتراخيص المجانية. والتليفونات للموظفين وغير ذلك من المسائل. وأنه فيما يتعلق بأرباح المرفق فإن مرفق النقل لا يعد مصدراً للربح، وأن المقارنة بين عامي 1953، 1954 لا تعد مقارنة صحيحة بسبب تغيير نظام الإجازات وتعديل سن التقاعد. كما أن الثابت من مشروع ميزانية 1952 ارتفاع أسعار الوقود مما أدى إلى تعديل رقم الأرباح إلى خسائر. أما عن عدم وجود لائحة المخازن والمشتريات فإن الإدارة وعدت بخطابها المؤرخ 27/ 12/ 1951 بالعمل على وضعها وشكلت بالفعل لجنة لهذا الغرض وكما يستفاد من ردها على الديوان في 18/ 3/ 1953 أن اللجنة فرغت من عملها وأنها ستعرض المشروع على مجلس الإدارة إلا أنها أرجئت ريثما تفرغ الحكومة من تعديل لائحتها. كما أنه بالنسبة لعدم إنشاء الأرشيف فإن صعوبة عملية في إنشائه واجهت الإدارة أثناء قيام المدعي بالعمل وبعد فصله. وعن التصاريح المجانية فهذا الأمر لا يعد خطأ ينسب إليه لأن العمل كان يجرى على هذه السنة في مرفق ترام الرمل وفي إدارة النقل منذ عام 1949 وقد سبق للمجلس أن وافق على استمرار العمل بالتصاريح الممنوحة سنة 1952 إلى 31 ديسمبر سنة 1953 كما أن عضو مجلس الإدارة المنتدب سبق أن تقدم إلى مجلس الإدارة في 26/ 9/ 1951 بمذكرة كان من نتيجتها أن انتهت اللجنة المالية إلى وضع اللائحة تصرف بموجبها هذه التصاريح ثم أرجأت اللجنة تنفيذها إلى أول يناير 1954 كما أن مجلس الإدارة منح تصاريح مختلفة بعد الاستغناء عن خدمات المدعي.
وإنه بالنسبة للتليفونات فإن المدعي لم يرتكب عملاً يؤاخذ عليه لأن منحها كان لضرورات العمل فضلاً عن أن تكاليفها كانت تعرض سنوياً على مجلس الإدارة. كذلك فإن توسيع عيادة سيدي جابر إنما عرض على مجلس الإدارة من عضو مجلس الإدارة المنتدب ولا مصلحة للمدعي فيه ولم يترتب عليه أي ضرر بالإدارة بل إن القيمة الإيجارية قد زادت من أربعة جنيهات إلى خمسة وعشرين وأن ما تضمنته تقارير الديوان من وقائع أخرى كإغفال النشر عن العطاءات وقبول العطاء الوحيد والاتفاق مع التجار مباشرة فالواقع أن العمل جرى في إدارة النقل العام على أساس تجاري، فلم تكن هناك قواعد مالية سارية على المصلحة وليس في رأي الديوان إلا التنبيه إلى اقتباس النظم الحكومية. وأنه يفهم من كتاب الديوان أن الأمر يتعلق بعملية إصلاح سيارات أسندت إلى شركة فورد بشأن سيارات كانت الإدارة قد ابتاعتها منها، فكان طبيعياً أن تعهد إليها بإصلاحها بحكم كونها الشركة المنتجة والمحتكرة.
وفيما يتعلق بتأخر إحالة المخالفات التأديبية إلى مجلس التأديب وتأخر الفصل فيها وتأخر تنفيذها فإن من المسلم به أن المخالفات التأديبية لموظفي الإدارة من اختصاص مدير قسم المستخدمين ومن واجباته، وأن الفصل في هذه المخالفات من اختصاص مجلس التأديب فلا سبيل لمساءلة المدعي في هذا الشأن وإلقاء عبء تقصير غيره عليه. أما عن ندب العمال الفنيين من عملهم الأصلي بالورش لأعمال كتابية رغم حاجة العمل إليهم فإن ذلك قد حدث بمناسبة إصدار الحكومة كادراً لذوي المؤهلات الصناعية فطالب هؤلاء العمال بتطبيقه عليهم وكانت لائحة الإدارة لا تمنع من تعيين العمال في وظائف كتابية فرأى المدعي أن من صالح العمل ندب هؤلاء للقيام بأعمال المخازن والحسابات بدلاً من تعيين موظفين من الخارج. وأنه إذا علم أن مجلس إدارة النقل قرر في جلسته المنعقدة في 20/ 5/ 1954 بعد نقل المدعي تخويل الإدارة سلطة توجيه العمل في أي اتجاه تراه للانتفاع بجهودهم وكفاءتهم لدل ذلك على أن المدعي لم يخالف واجباً أو لائحة وأن تصرفه كان قائماً على أساس سليم درجت عليه الإدارة بعد فصله.
أما عن القول بصرف مرتبات إضافية بالمخالفة لأحكام اللوائح فالواقع أن الديوان عنى المكافأة التي كانت تصرف لمساعد مدير الحسابات، ويرد على ذلك بأن عمل مساعد مدير الحسابات كان يجاوز ساعات العمل الرسمية، وكان يصرف له المرتب الإضافي مقابل إشرافه على العمل بأقلام التذاكر والمانفستات والخزانة وكان هذا العمل يتطلب منه الانتقال من مكان إلى آخر. وقد تم صرف هذه المكافأة في حدود الاعتماد المدرج بالميزانية المعتمدة من مجلس الإدارة، وينطبق ذلك على المكافأة التي تصرف لموظف بقسم صيانة السيارات والتي أشار إليها الديوان وقدرها جنيهان إذ كان صرفها في حدود الاعتماد المدرج في الميزانية. ولا وجه لمساءلة المدعي عن الترخيص لأحد كبار الموظفين بقيد اسمه في جدول الخبراء إذ قد صدر هذا الترخيص من المدير العام على ما يبين من الكتاب الموجه إلى المدعي في 4/ 5/ 1946، كذلك فإنه لا وجه لمساءلته عن رفع ماهية أحد الموظفين وهو السيد عبد اللطيف ناصف إذ أجريت تسوية مرتبه بمعرفة رئيس المستخدمين الذي جوزي عن هذا الإهمال. أما الترخيص للمشرف الرياضي باستخدام أحد عمال الإدارة لقيادة سيارته الخاصة فالواقع أن المشرف تطوع للتنقل بسيارته الخاصة في المباريات المختلفة التي يشترك فيها نادي الترام وأن الإدارة وافقت على أن يندب أحد السائقين لقيادة سيارته في نوبة بعد الظهر ولا يمكن نسبة الخطأ إلى المدعي في هذا التصرف إزاء الاهتمام بالنشاط الرياضي.
وخلص الحكم المطعون فيه إلى أنه يتضح مما تقدم أن ما وجه إلى المدعي من ادعاء غير قائم على أساس سليم، وأن الرجوع إلى اللوائح وما جرى عليه العمل ليبعد كل شبهة عن المدعي في نسبة التقصير إليه، وأنه من الأنصاف أن يذكر للمدعي أنه أمضى في خدمة مرفق النقل قرابة العشرين عاماً وكان نشاط الإدارة مقصوراً يوم بدأ العمل فيها على خط ترام الرمل فتوسع نشاطها على مر الأيام فأصبح في الإسكندرية للنقل شبكة متكاملة تجمع ما بين أطرافها وضواحيها القاصية وتضم خدمة النقل كلها من ترام الرمل إلى ترام المدينة إلى أتوبيس الرمل وأتوبيس المدينة تحت إدارة واحدة شاملة فضلاً عما كان له من أعمال مجيدة أخرى إذ صنعت هياكل الأتوبيسات لأول مرة في إدارة النقل وكان هو واضع التصميم ومباشر صنعها وأنه أدار المرفق بشعبة الأربعة وأمكنه أن يحل في هذه الإدارة محل شركات الامتياز وقد غل لهذه الإدارة ربحاً وفيراً تشهد به حصة البلدية من هذا الربح دون الالتجاء إلى القروض وكان المدعي إلى جانب ذلك خبيراً في شئون النقل يرجع إليه في شتى شئونها من كل الجهات.
واستطرد الحكم إلى القول بأنه وبعد كل ما تقدم فإن القرار الصادر بالاستغناء عن خدمات المدعي في 11/ 2/ 1954 فضلاً عن بطلانه لصدوره استناداً إلى استقالة غير موجودة فإنه لم يستند إلى سبب سليم يبرره، ويعد في الواقع قراراً بالفصل من الخدمة لم يتضمن أسباباً تؤدي إليه ومن ثم يتعين الحكم لوارثي المدعي بكافة ما كان يستحقه من مرتبات من تاريخ الاستغناء عنه إلى تاريخ وفاته وفي إجالة هذا الطلب جبر لكل طلب خاص بالتعويض ومن ثم فإنه يتعين إطراح طلب التعويض لهذا السبب. أما عن طلب المكافأة فإنه يتعين صرفها إلى وارثيه عن المدة من 1/ 10/ 1950 لغاية 11/ 2/ 1954 وذلك على أساس أن المدة من أول يناير سنة 1934 لغاية 11 فبراير سنة 1954 كان يتقاضى عنها معاشاً وأنه لا يجوز أن يجمع بين المعاش والمكافأة وأما عن المدة من 11 فبراير سنة 1954 لغاية تاريخ وفاته فإنه لا يستحق عنها مكافأة كذلك لأنه لم يؤد خلالها عملاً وإنما قصد بصرف المرتب عنها أن يكون تعويضاً عن الفصل.
ومن حيث إن طعن السيد/ محمد حسن راسم والسيدة فتحية أحمد أبو أصبع يقوم على أن الحكم في خصوصية ما قضى به بالنسبة لمكافأة مدة خدمة مورث الطاعنين قد أخطأ في تطبيق القانون وصدر مشوباً بعيب القصور في التسبيب مما يجعله باطلاً خليقاً بالإلغاء. فهو قد أخطأ في تطبيق القانون لأن حق مورثهما في المكافأة إنما يستند إلى القرار الصادر من مجلس إدارة النقل العام في 28/ 7/ 1949 وأما قول الحكم بعدم جواز الجمع بين المكافأة والمعاش فلا سند له، ذلك أن المادة 60 من قانون المعاشات رقم 37 لسنة 1959 إنما حظرت الاستيلاء على أكثر من معاش واحد من خزانة الدولة فلا وجه لتطبيق هذا الخطر الذي لا يقوم حكمه إلا إذا كانت المعاشات كلها مستحقة بالتطبيق لقوانين المعاشات الحكومية الخاصة بموظفي الدولة ولما كان الثابت أن إدارة النقل ذات ميزانية مستقلة كل الاستقلال عن الميزانية العامة للدولة وغير ملحقة بها، ولا تخضع للنظم الحكومية بل لها لوائحها ونظمها الخاصة فإن الجمع بين مرتب أو معاش وبين المكافأة التي تقررها لائحة خاصة عمل جائز لا يصادفه الحظر - وفيما يتعلق بقصور التسبيب فإن الحكم لم يبين الأساس القانوني الذي استمد منه حكمه في شأن المكافأة ولم يرد على ما أثارته إدارة النقل بشأن تطبيق قرار مجلس الإدارة الصادر في 19/ 7/ 1945، وتخاذلت أسبابه فيما يتعلق بهذه الواقعة بين الفصل والوفاة إذ رفض الحكم بالمكافأة عن هذه الفترة بمقولة إن المورث لم يؤد عملاً خلالها في حين أن من النتائج المباشرة لبطلان قرار الفصل استعادة المورث مركزه القانوني بكافة حقوقه ومنها استحقاقه المكافأة عن المدة التالية لقرار الفصل الذي أبطله الحكم حتى يوم وفاته.
ونعت إدارة النقل العام في صحيفة طعنها على الحكم مخالفته للقانون إذ قضى للورثة بالتعويض ورددت ما سبق لها من دفاع في هذا الشأن.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى القول بأن قرار الفصل قد قام على أسباب غير سليمة مما يضفي عليه صفة عدم المشروعية بل إنه بالصورة التي صدر بها يمثل انحرافاً في استعمال السلطة مما يستتبع الحكم بتعويض جزافي للورثة. وأنه فيما يتعلق باستحقاق المكافأة فإنه لا شك في استحقاق الورثة للمكافأة اعتباراً من أول يناير سنة 1934 تاريخ التحاق المورث بالعمل في إدارة المرفق إلى أول أكتوبر سنة 1950 إذ أن تحريم الجمع بين المعاش والمكافأة بموجب حكم المادة 60 من القانون رقم 37 لسنة 1929 منوط بأن يكون مما تتحمله الخزانة العامة للدولة على حين أن إدارة النقل العام مؤسسة عامة ذات ميزانية مستقلة كل الاستقلال عن ميزانية الدولة وعلى ذلك فإن الجمع بين المعاش الحكومي وبين المكافأة المستحقة من إدارة النقل يكون عملاً جائزاً.
ومن حيث إنه يبين من تقصي المراحل التي مر بها مرفق النقل بمدينة الإسكندرية والقواعد التنظيمية التي وضعت في شأنه والتي عاصرها مورث المدعين وسرت بعض أحكامها عليه أنه بتاريخ 12 من أغسطس سنة 1928 صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء إدارة لاستغلال خطوط ترام وسيارات سكة حديد الرمل الكهربائية طبقاً للشروط المقررة بالاتفاقات المعقودة بين بلدية الإسكندرية من جهة ووزارات المالية والمواصلات والداخلية من جهة أخرى. وقد منحت هذه الإدارة الشخصية المعنوية بمرسوم صادر في 13 من إبريل سنة 1939. إذ نصت مادته الأولى على أن تعتبر إدارة سكة حديد الرمل الكهربائية شخصاً معنوياً باسم "إدارة النقل المشترك بالرمل" وأعيد تنظيم هذه الإدارة بالمرسوم الصادر في 19 من أكتوبر سنة 1949 بعد انتهاء امتياز شركة ترام الإسكندرية ونصت المادة الأولى من هذا المرسوم على أن تنشأ إدارة الاستغلال شئون النقل جميعاً بمنطقة الإسكندرية وضواحيها ونصت المادة الثالثة على أن تقصر جميع أعمال النقل المشترك في منطقة الإسكندرية على هذه الإدارة بحيث لا يمنح أي ترخيص لغيرها من الشركات أو الأفراد ونصت المواد 8، 9، 10 على أن مجلس الإدارة هو السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة، وأن يتولى عضو مجلس الإدارة المنتدب الإشراف على الإدارة المذكورة، وعلى أن يدير إدارة النقل المشترك مدير يعينه مجلس الإدارة. ونصت المادة 11 على أن يضع مجلس الإدارة لائحة للنظام الداخلي تحدد فيها المسئوليات والاختصاصات واستناداً إلى هذه المادة أصدر مجلس الإدارة في أول يناير سنة 1948 اللائحة الداخلية لإدارة النقل المشترك ونصت في مادتها العاشرة على أن يختص مجلس الإدارة بالبت في شئون الموظفين الذين يشغلون الوظائف الرئيسية - ومنها وظيفة المدير - من حيث التعيين وتحديد المرتب والترقية ومنح العلاوات والمكافآت والجزاءات والاستغناء وإلغاء الوظيفة. وفي 9 من يناير سنة 1954 صدر القانون رقم 22 لسنة 1954 بإنشاء إدارة النقل العام بمنطقة الإسكندرية فألغي المرسوم الصادر في 19 من أكتوبر سنة 1949 ونصت المادة الخامسة منه على أن مجلس الإدارة هو السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة وأن له على وجه خاص وضع اللائحة الداخلية على أن يبين فيها النظم الخاصة بالموظفين والعمال دون التقيد بنظام موظفي الدولة واختصاصات مدير الإدارة ونصت المادة الثامنة على أن يدير إدارة النقل العام مدير يعينه مجلس الإدارة كما نصت المادة التاسعة على أن يكون لإدارة النقل ميزانية مستقلة وفي 24 من إبريل سنة 1954 أصدر مجلس الإدارة اللائحة الداخلية التي نصت على اختصاص المجلس بفصل كبار الموظفين والاستغناء عنهم.
ومن حيث إنه يخلص من الأحكام السابقة أن إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية تعتبر بحكم إنشائها ومنحها الشخصية المعنوية وقيامها على مرفق النقل بمدينة الإسكندرية وضواحيها وتشكيل مجلس إداراتها والسلطات المخولة له واستقلال ميزانيتها من المؤسسات العامة وينبني على ذلك اعتبار موظفيها من الموظفين العموميين وعلاقتهم بالإدارة علاقة تنظيمية والمستفاد من الأحكام المتقدمة أيضاً أن مجلس الإدارة هو السلطة العليا المهيمنة على شئون هذا المرفق.
ومن حيث إن الثابت أن مجلس الإدارة أصدر قراره بفصل المرحوم حسن راسم في 11 فبراير سنة 1954 أي في أعقاب نفاذ القانون رقم 22 لسنة 1954 وقبل صدور لائحته التنفيذية. وإذ خلا القانون من النص على الجهة المختصة بفصل مدير الإدارة على حين عقدت اللائحة السابقة هذا الاختصاص لمجلس الإدارة فقد نازع المدعيان في اختصاص المجلس بهذا القرار استناداً إلى أن اللائحة لم يعد لها بعد نفاذ القانون الجديد من قيام، في حين تمسكت الإدارة بقيام هذه اللائحة.
ومن حيث إن اللوائح التنفيذية إنما تستمد وجودها وقوتها من القانون الذي تصدر تنفيذاً لأحكامه فإذا ما ألغي هذا القانون، ولم ينص القانون اللاحق على بقاء اللوائح التنفيذية الصادرة تنفيذاً للقانون السابق قائمة ومعمولاً بها إلى أن تعدل أو تلغى طبقاً للقانون الجديد، فإن ذلك يستتبع حتماً وبالضرورة اعتبار اللوائح السابقة ملغاة دون أن يحل محلها شيء abrogée et non remplacée لأنها إنما تنبثق عن القانون ويتوقف مصيرها عليه وجوداً وعدماً.
ومن حيث إنه وإن كان من الممتنع قانوناً الاستناد إلى اللائحة التنفيذية السابقة في تقرير اختصاص مجلس الإدارة بفصل مدير إدارة النقل من غير الطريق التأديبي، إلا أن في أحكام القانون رقم 22 لسنة 1954 ما يسعف في هذا الشأن، فهو قد وسد لمجلس الإدارة، السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة، وخوله في وضع اللائحة الداخلية على أن يبين فيها النظم المتعلقة بالموظفين دون التقيد بنظام موظفي الدولة، هذا إلى أن مجلس الإدارة هو الذي يملك وحده تعيين المدير. وقرارات مجلس الإدارة سواء فيما يتعلق بوضع اللائحة الداخلية أو بتعيين المدير هي من القرارات النهائية التي لا معقب عليها من السلطة الوصائية. ومن ثم فإنه لا شبهة في اختصاص مجلس الإدارة بفصل مورث المدعيين بغير الطريق التأديبي في الفترة ما بين نفاذ القانون رقم 22 لسنة 1954 وصدور اللائحة الجديدة.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى محضر الجلسة الثالثة لمجلس إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية التي تقرر فيها الاستغناء عن خدمة مورث المدعيين أنه ورد بها ما يلي:
ح - عن مقدمي الاستقالة بشرط دفع مرتب سنتين.
قرر المجلس الاستغناء ابتداء من 11/ 2/ 1954 عن خدمات السادة: المهندس حسن راسم مدير الإدارة.
وقد أبلغ المرحوم حسن راسم بكتاب تضمن أن مجلس الإدارة قرر الاستغناء عن خدماته دون أن يشار فيه إلى أن ثمة استقالة مقدمة منه ودون أن تبين أسباب هذا الاستغناء على أن الإدارة عمدت أثناء نظر الدعوى إلى تقديم الأسباب والتي تتحصل أولاً وبصفة عامة في وقوع عجز في ميزانية المرفق في السنتين 1952 و1953 على التوالي وثانياً في فساد التنظيم الداخلي لأقسام المرفق المختلفة من ناحية وإهمال من جانب كبار الموظفين وعلى رأسهم المدعي من جهة أخرى، وأن هذا الإهمال يتمثل في عدم وضع لائحة للمخازن والمشتريات وعدم تنظيم الأرشيف، وعدم توفير الضمانات الكافية لأرباب العهد، والإسراف في منح تراخيص الركوب المجانية وفي منح تليفونات للموظفين، واستخدام اعتماد مالي في غير الغرض المخصص له وتجاوز الاعتماد دون الرجوع إلى مجلس الإدارة، ومخالفات تتعلق بالمناقصات وأخرى تتعلق بالموظفين وثالثة تتصل بأعمال الحسابات والشئون المالية.
ومن حيث إنه ولئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها بفصل الموظفين من غير الطريق التأديبي إلا أنها إذا ما ذكرت أسباباً لقرارها فإن هذه الأسباب تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون وأثر ذلك على النتيجة التي انتهى إليها قرارها. فإن استبان لها أنها غير مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً فقد القرار الأساس القانوني الذي ينبغي أن يقوم عليه وكان مشوباً بعيب مخالفة القانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد فند الأسباب التي تذرعت بها الإدارة لإلغاء القرار الصادر بفصل مورث المدعيين وانتهى إلى عدم مشروعية القرار لاستناده إلى استقالة لم تقدم ولعدم قيامه على سبب يبرره.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما انتهى إليه من عدم مشروعية القرار الصادر بفصل مورث المدعيين للأسباب السائغة التي ارتكن إليها والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها والتي تضيف إليها هذه المحكمة أن الإدارة إنما تذرعت بادئ الأمر في إنهاء خدمته بأن ذلك كان بناء على طلبه على نحو ما هو ثابت بمحضر جلسة مجلس الإدارة. وما أن علم المدعي بهذا القرار حتى بادر قبل أن يبلغ إليه بالتظلم منه، وإذ أيقنت الإدارة أنه لن يسكت على حقه وأنه لا بد لائذ بالقضاء لمخاصمتها لعدم تقديمه أية استقالة عمدت في كتاب التبليغ الموجه إليه إلى إغفال الإشارة إلى أن ثمة طلباً منه باعتزال الخدمة وضمنت هذا الكتاب أن مجلس الإدارة قرر الاستغناء عن خدماته، ولم تفصح في هذا الكتاب عن الأسباب التي استندت إليها في إصدار القرار بيد أنها وفي أثناء نظر الدعوى ساقت للفصل أسباباً عدة، ويبين من العرض لهذه الأسباب أنها لم تكن محل بحث الإدارة وتمحيصها وأنها نقلت من ملاحظات لديوان المحاسبة كان قد ضمنها تقاريره الدورية عن المؤسسة في سنوات مختلفة وظهر أن جانباً من هذه الأسباب لم يؤيده الواقع وأقرت الإدارة نفسها بعدم كفايته في مساءلة المدعي وأن الجانب الآخر هو مما لا يجوز مؤاخذة المدعي عنه على ما سبقت الإشارة إليه في أسباب الحكم المطعون فيه والتي تأخذ بها هذه المحكمة.
ومن حيث إن مسلك الإدارة على الوجه المتقدم إن دل على شيء فإنما يدل على أن قرارها المطعون فيه قد صدر مفتقداً ركن السبب وأن الإدارة كانت عليمة بذلك وأنها راحت بعد صدوره تتلمس الأسباب التي يمكن أن تتذرع بها لحمل القرار فزعمت بادئ الأمر أن سبب القرار هو الاستقالة ثم لجأت آخر الأمر إلى تقارير ديوان المحاسبة علها تجد فيها ما تصح نسبته إليه إلا أن الأسباب التي استندت إليها لم تنهض بدورها على أساس مكين.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد رتب على عدم مشروعية قرار الفصل أحقية الورثة فيما كان يستحقه مورثهم من مرتبات عن المدة من تاريخ الاستغناء عنه في 11 من فبراير سنة 1954 إلى تاريخ وفاته في 6 من مايو سنة 1958.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت أن إلغاء قرار الفصل لا يترتب عليه أن يعود للموظف حقه في المرتب تلقائياً بل إن ذلك يخضع لاعتبارات أهمها أن هذا الحق يقابله واجب وهو أداء العمل الذي حيل بين الموظف وبين أدائه كما حرمت منه الجهة الإدارية بالفصل. ومتى كان ذلك فإن الحكم للورثة بمرتب مورثهم خلال فترة الفصل بمقولة إن ذلك مترتب على عدم مشروعية القرار يكون على غير أساس سليم من القانون.
ومن حيث إن المحكمة ترى - في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها - أن تقدر لورثة المدعي تعويضاً جزافياً شاملاً قدره ألفان وخمسمائة جنيه مصري لقاء ما أصاب مورثهم من أضرار وما فاته من كسب نتيجة لقرار الفصل غير المشروع، ويدخل في عناصر ذلك التعويض بطبيعة الحال ما فات المورث من مرتب أو مكافأة في الفترة الواقعة بين تاريخ فصله إلى تاريخ وفاته.
ومن حيث إن مبنى الطعن المقدم من ورثة المدعي أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى بعدم أحقية مورثهم في مكافأة نهاية الخدمة بإدارة النقل العام عن المدة من أول يناير سنة 1934 إلى أول أكتوبر سنة 1950 بحجة أنه لا يجوز الجمع بين المعاش المستحق له من مصلحة السكك الحديدية وبين مكافأة نهاية الخدمة المستحقة له من إدارة النقل فضلاً عن ما شابه من القصور في التسبيب إذ قضي بحرمان مورثهم من هذه المكافأة عن المدة من تاريخ فصله بغير الطريق التأديبي في 11 من فبراير سنة 1954 إلى تاريخ وفاته في 6 من مايو 1958.
ومن حيث إن القاعدة التنظيمية التي يستند إليها ورثة المدعي في صرف مكافأة نهاية الخدمة عن مدة عمله بإدارة النقل وقد وردت بالقرار الصادر من مجلس إدارة النقل المشترك في 19 من يوليه سنة 1945 بشأن المعاملة المالية للموظفين المنتدبين من مصلحة السكك الحديدية، وقد ظل هذا القرار سارياً حتى تاريخ وفاة مورثهم. وينص هذا القرار على أنه "فيما يختص بالموظفين المنتدبين من مصلحة السكك الحديدية تشمل مرتباتهم المهايا الحكومية وفرق المرتب الذي يعطى لهم من إدارة النقل المشترك فإذا زيد المرتب الحكومي فتخصم هذه الزيادة من فرق المرتب المشار إليه، وتحسب المكافأة عند تركهم الخدمة على أساس جملة ما يتقاضونه من الحكومة ومن إدارة النقل المشترك.
ومن حيث إنه قد يؤخذ من هذا النص أن إدارة النقل العام قد رتبت للموظفين المنتدبين للعمل فيها من مصلحة السكك الحديدية حقاً في مكافأة نهاية الخدمة المقررة في الأصل لموظفيها وصرف النظر عن استحقاقهم لمعاش ومكافأة في وظائفهم الأصلية عن ذات مدة الخدمة.
ومن حيث إن المادة 60 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 بشأن المعاشات المدنية والتي يسري حكمها على المدعي تنص على أنه "لا يجوز بحال من الأحوال الاستيلاء على أكثر من معاش واحد من خزانة الدولة، فإذا كان لشخص حق في أكثر من معاش فله أن يختار المعاش الأكثر فائدة له". ويبين من هذا النص أن المخاطبين بحكمه هم الموظفون أو المستحقون عنهم الذين يتقاضون معاشات أو مكافآت بمقتضى أحكام القانون رقم 37 لسنة 1929، فيمتنع عليهم الجمع بين هذا المعاش أو المكافأة وبين أي معاش أو مكافأة مرتب على خزانة الدولة أياً كانت القاعدة التنظيمية التي تقرره وذلك ما لم ينص قانون لاحق أو خاص على إجازة مثل هذا الجمع. وإذ كانت عبارة النص واضحة فإنه لا يجوز الانحراف عنها عن طريق تأويل النص بدعوى أنه من القيود التي ترد على أصل الاستحقاق والتي يلزم عدم التوسع في تفسيرها وذلك توطئة للقول بأن المقصود به إنما هو تحريم الجمع بين معاشات أو مكافآت مرتبه بمقتضى قوانين المعاشات الحكومية دون غيرها، وأنه من ثم يجوز الجمع بين المعاش المستحق من الحكومة بمقتضى أحكام القانون 37 لسنة 1929 وبين المعاش أو المكافأة المستحقة لدى مؤسسة عامة ذات ميزانية مستقلة - ذلك التأويل هو تخصيص بغير مخصص من النص أو حكمة التشريع، إذ أن المؤسسات والهيئات العامة لا تعدو أن تكون مصالح عامة منحت الشخصية المعنوية لتتمتع بقدر من الاستقلال في ممارسة النشاط المرفقي التي تخصصت للقيام عليه فهي من أجهزة الدولة الإدارية وموظفوها موظفون عموميون وأموالها مملوكة للدولة وعلى ذلك فإن المعاشات أو المكافآت التي تصرف من خزانتها تعتبر مصروفة من خزانة الدولة فلا يجوز الجمع بينهما وفقاً للنص المشار إليه. يساند ذلك أن المادة 51 من القانون رقم 37 لسنة 1929 نصت على أنه إذا أعيد صاحب المعاش إلى الخدمة سواء بصفة نهائية أو وقتية أو بصفة مستخدم خارج الهيئة يوقف صرف معاشه. وقد صدر استثناء من حكم هذا النص القانون رقم 25 لسنة 1957 الذي نصت المادة الأولى منه على أنه استثناء من أحكام قوانين المعاشات - ومنها القانون رقم 37 لسنة 1929 - يجوز للوزير وللرئيس المختص بعد موافقة وزير المالية الترخيص في الجمع بين المرتب والمعاش الذي يتقاضاه الموظف السابق الذي يعود للعمل في الحكومة أو في إحدى الهيئات أو المؤسسات العامة ذات الميزانية المستقلة أو الملحقة". وبهذا التشريع يكون المشرع قد أفصح عن مقاصده في تحديد نطاق تطبيق حكم حظر الجمع بين المعاشات والمرتبات فساوى بين المرتبات المستحقة عن الحكومة من جهة وتلك المستحقة من الهيئات العامة والمؤسسات العامة من جهة أخرى، وهو ما يتعين الأخذ به في مجال الحكم الخاص يحظر الجمع بين المعاشات أو المكافآت باعتبار أن المعاشات هي في الواقع من الأمر مرتبات آجلة.
ومن حيث إنه إذا كان الأصل الوارد بالمادة 60 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من معاش مرتب على خزانة الدولة بصورة مطلقة وبصرف النظر عن اتحاد أو اختلاف المدة التي يستحق عنها كل من المعاشين إلا أن الواقع أنه إذا اتحدت المدة التي يستحق عنها الموظف أكثر من معاش أو مكافأة فإن حظر الجمع يكون من المسلمات التي لا تحتاج إلى نص بتقريره، فمادامت الفترة الزمنية التي يستحق عنها كل من المعاشين واحدة لم يعد ثمة موجب للنص على حظر الجمع بينهما لأن هذا الحكم يكون تطبيقاً للقواعد العامة من حيث عدم الإثراء على حساب الغير بدون سبب ولأنه يتجافى مع الأصول المقررة في منح المعاشات.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم فإنه يمتنع الجمع بين المعاش المستحق لمورث المدعين من الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية وبين مكافأة نهاية الخدمة المستحقة له بإدارة النقل العام في الفترة من أول يناير 1934 تاريخ ندبه للعمل بإدارة النقل إلى أول أكتوبر سنة 1950 تاريخ إحالته إلى المعاش من وظيفته بمصلحة السكك الحديدية.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بتعديل الحكم المطعون فيه وذلك بإلزام إدارة النقل العام بالإسكندرية بأن تدفع لورثة المدعي تعويضاً قدره ألفان وخمسمائة جنيه مصري وألزمت الإدارة المذكورة بالمصروفات وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك.