مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 441

(43)
جلسة 24 من ديسمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 1868 لسنة 6 القضائية

( أ ) المحكمة الإدارية العليا "الطعن أمامها. ميعاد الطعن" قوة قاهرة.
يترتب على ثبوت القوة القاهرة وقف ميعاد الطعن حتى يزول آثرها. لميعاد الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا ذات الطبيعة التي لميعاد رفع الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية - أثر ذلك - يقبل ميعاد الطعن كل ما يقبله ميعاد رفع الدعوى من وقف أو انقطاع.
(ب) موظف. "إعانة غلاء المعيشة". موظف. "مكافأة عن أعمال إضافية".
لا يستحق الموظف إعانة غلاء عن أية مكافأة تمنح له عن أعمال يقوم بها بالإضافة إلى عمله الأصلي سواء أديت في الجهة التي يقوم فيها بعمله الأصلي أو في أية جهة أخرى.
(جـ) تقادم. "تقادم ديون الحكومة قبل الغير" موظف "مرتب". - دفع غير المستحق.
حق الجهة الإدارية في استرداد ما قامت بأدائه إلى الموظف بغير حق كإعانة غلاء المعيشة - يسقط بانقضاء ثلاث سنوات من يوم علم الجهة الإدارية بحقها في الاسترداد [(1)].
(د) تقادم "قطع التقادم" - استقطاع المبالغ التي صرفت إلى الموظف بطريق الخصم من مرتبه - يتعين حتى ينتج أثره في قطع التقادم أن يكون استقطاعاً صحيحاً مطابقاً للقانون.
(هـ) موظف "مرتب - الاستقطاع من المرتب". قانون "أثر مباشر. القانون رقم 111 لسنة 1951 - لا يتسع نصه لاسترداد ما دفع بغير حق من مبالغ إعانة الغلاء إلى الموظف - تعديل هذا النص بالقانون رقم 224 لسنة 1956 بما يجيز ذلك - يسري من تاريخ نفاذ هذا التعديل وليس على الوقائع السابقة.
(و) موظف "مرتب. الاستقطاع من المرتب". تقادم - ثبوت أن الاستقطاع من مرتب الموظف لم يكن يتفق مع نصوص القانون - حق الموظف في استرداد ما استقطع من مرتبه - منوط بألا تكون هذه المبالغ أصبحت حقاً مكتسباً للجهة الإدارية وفقاً لنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات.
1 - إن القوة القاهرة من شأنها أن توقف ميعاد الطعن إذ من أثرها حتى تزول أن يستحيل على ذي الشأن اتخاذ الإجراءات اللازمة لإقامته - ولا حجة في القول بأن مواعيد الطعن لا تقبل مداً أو وقفاً إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون ذلك أن وقف الميعاد كأثر للقوة القاهرة مرده إلى أصل عام هو عدم سريان المواعيد في حق من يستحيل عليه اتخاذ الإجراءات للمحافظة على حقه وقد رددت هذا الأصل المادة 382 من القانون المدني إذ نصت في الفقرة الأولى منها على أن التقادم لا يسرى كلما وجد مانع بتعذر معه المطالبة بالحق بالإضافة إلى ما تقدم فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن لميعاد الطعن ذات الطبيعة التي لميعاد رفع الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية - إذ استقر قضاؤها على أن ما لطلب المساعدة القضائية من أثر قاطع لميعاد رفع دعوى الإلغاء أو بالأحرى حافظ له وينسحب لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض - يصدق كذلك بالنسبة إلى ميعاد الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا لاتحاد طبيعة كل من الميعادين من حيث وجوب مباشرة إجراء رفع الدعوى أو الطعن قبل انقضائها والأثر القانوني المترتب على مراعاة المدة المحددة فيهما أو تفويتها من حيث قبول الدعوى أو الطعن أو سقوط الحق فيهما وبالتالي إمكان طلب إلغاء القرار الإداري أو الحكم المطعون فيه أو امتناع ذلك على صاحب الشأن المتخلف - ومن مقتضى اتحاد طبيعة كل من الميعادين أن يقبل ميعاد الطعن كل ما يقبله ميعاد رفع الدعوى من وقف أو انقطاع.
2 - إن كتاب وزارة المالية الدوري رقم 234 - 13/ 27 الصادر في 27 من أكتوبر سنة 1941 تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في أول ديسمبر سنة 1941 في شأن إعانة غلاء المعيشة بنص في البند العاشر منه على أن (لا تدخل المرتبات أو المكافآت الإضافية ضمن الماهية التي تصرف عنها إعانة غلاء سواء أكانت تلك المرتبات عينية أو نقدية..). كما ينص في البند الحادي عشر منه على أن (لا تدخل المبالغ التي تصرف في مقابل الشغل في غير أوقات العمل الرسمية في حساب المرتب الذي يبنى عليه تحديد الإعانة على الغلاء) - ووفقاً لهذين النصين لا يستحق الموظف إعانة غلاء في أية مكافأة تمنح له عن أعمال يقوم بها بالإضافة إلى عمله الأصلي سواء أديت هذه الأعمال في الجهة التي يقوم فيها بعمله الأصلي أو في أية جهة أخرى.
3 - إن الجامع الأزهر قد أدى إلى الطاعن إعانة غلاء عن المكافأة بناء على اعتقاده الخاطئ. بأن تلك الإعانة مستحقة له فحقه في استرداد ما دفع منها بغير حق يسقط بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه بحقه في الاسترداد وفقاً للحكم الوارد في صدر المادة 187 من القانون المدني لأن حقه في الاسترداد إنما نشأ عن واقعة قانونية هي واقعة الوفاء الحاصل منه للمدعي في المدة من أول سبتمبر سنة 1941 إلى ديسمبر سنة 1950 والمستفاد من الأوراق أنه قد دفع عن غلط في القانون حين أدى للطاعن إعانة غلاء غير مستحقة له وأن هذا الغلط لم يتكشف له إلا عندما تلقى اعتراض ديوان المحاسبة في 18 من سبتمبر سنة 1950 أو على أحسن الفروض بالنسبة إليه منذ امتناعه عن صرف إعانة الغلاء له اعتباراً من أول يناير سنة 1951 - وعلى أي حال فإنه سواء حسبت مدة التقادم الثلاثي المسقط لحقه منذ التاريخ الأول أو الثاني فإنها تكون قد انقضت قبل أن يقيم الجامع الأزهر دعواه الأولى أمام محكمة غير مختصة هي محكمة الإسكندرية الابتدائية في 14 من أكتوبر سنة 1957.
4 - إن ما يتذرع به الجامع الأزهر من أنه قد صدر منه إجراء قاطع للتقادم يؤكد استمساكه بحقه وتحفزه لاقتضائه وهو الاستقطاع من مكافأة الطاعن الذي بدأ من أول مايو سنة 1951 وظل يتكرر شهرياً حتى 15 من يناير سنة 1956 تاريخ إنهاء ندبه - ما يتذرع به الجامع الأزهر في هذا الشأن مردود بأنه يتعين لكي ينتج الاستقطاع مثل هذا الأثر أن يكون إجراء إدارياً صحيحاً - فإذا كان باطلاً طبقاً للقانون الذي تم في ظله فإنه وفقاً لما سبق أن قضت به هذه المحكمة - لا يكون من شأنه أن يقطع مدة التقادم المسقط حتى لو استقام في مجال الروابط الإدارية قياس الاستقطاع الإداري من المرتب أو ما في حكمه على الحجز من حيث اعتباره سبباً قاطعاً للتقادم.
5 - إن الاستقطاع من مكافأة المدعي قد تم حسبما سبق البيان في ظل القانون رقم 111 لسنة 1951 قبل تعديله بالقانون رقم 324 لسنة 1956 - ولقد كانت المادة الأولى منه قبل تعديلها تقضي بعدم جواز الحجز على المرتبات والمكافآت إلا فيما لا يجاوز الربع وذلك لوفاء نفقة محكوم بها من جهة الاختصاص أو لأداء ما يكون مطلوباً من الموظف بسبب يتعلق بأداء وظيفته - ووفقاً لأحكام هذا النص ما كان يجوز للجامع الأزهر أن يستقطع من مكافأة المدعي أي مبلغ وفاء لما سبق أن دفعه إليه بغير حق فيعتبر ما أجراه من استقطاع إجراء باطلاً عديم الأثر في شأن سريان مدة التقادم الثلاثي - وإنه ولئن كان التعديل الذي أدخل على هذا النص بمقتضى القانون رقم 324 لسنة 1956 قد أجاز الخصم من المرتبات والمكافآت لاسترداد ما صرف من الموظف بغير وجه وحق إلا أن الحكم الذي استحدثه هذا القانون لا يسري على واقعة الدعوى إذ تم الاستقطاع من مكافأة الطاعن قبل العمل به.
6 - إن الاستقطاع من مكافأة المدعي الذي تم في ظل القانون رقم 111 لسنة 1951 مخالف لأحكام هذا القانون كما أن حق الجامع الأزهر في استرداد ما صرفه من إعانة الغلاء إلى الطاعن قد سقط بالتقادم الثلاثي فإنه يكون من حق الطاعن استرداد ما استقطع من تلك المكافأة عدا ما أصبح منها حقاً مكتسباً للجامع الأزهر وفقاً لحكم المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحاسبات التي تقضي (بأن الماهيات التي لم يطالب بها في مدة خمس سنوات (هلالية) يصبح حقاً مكتسباً للحكومة). وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن مفاد هذا النص أن الماهيات وما في حكمها من المبالغ التي تكون مستحقة قبل الجهة الإدارية تصبح حقاً مكتسباً لها إذا لم تتم المطالبة بها قضائياً أو إدارياً خلال خمس سنوات من تاريخ نشوء الحق في اقتضائها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 16 من نوفمبر سنة 1957 أقام المرحوم الدكتور علي عطية نجم الدعوى رقم 81 لسنة 5 القضائية ضد السيد شيخ معهد الإسكندرية الديني والسد شيخ الجامع الأزهر بصفته الرئيس الأعلى للمعاهد الأزهرية والدينية طالباً الحكم له برد مبلغ 102 جنيه و500 مليم وهو قيمة ما خصم من مكافأته ابتداء من أول مايو سنة 1952 حتى آخر سبتمبر سنة 1955 بواقع 2 جنيهاً و500 مليم شهرياً مع إلزامهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال شرحاً لدعواه إنه عين في يونيه سنة 1926 طبيباً لمعهد الإسكندرية الديني مقابل مكافأة تصرف له بصفة دائمة وفي استمارة واحدة مع سائر موظفي المعهد كما كانت تصرف له خلال أشهر العطلة الصيفية لطلاب المعهد ومنذ أن تقررت أحكام إعانة غلاء المعيشة صرف له ما يستحقه منها بوصف أنه يشغل وظيفة دائمة على اعتماد دائم حتى فوجئ في أول يناير سنة 1951 بخصم قيمة ما كان يحصل عليه من الإعانة المذكورة بعد أن ظلت تصرف له قرابة عشر سنوات سابقة - وفي أول مايو سنة 1952 استقطعت إدارة المعهد ما يوازي ربع المكافأة التي كان يحصل عليها بدعوى استرداد ما سبق أن صرف له من الإعانة بغير حق وظلت تخصم هذا القدر حتى تاريخ الاستغناء عن خدماته في 31 من يناير سنة 1956 ولم تصرف له مكافأة عن المدة من أول أكتوبر سنة 1955 حتى تاريخ إبلاغه بنبأ الاستغناء عن خدماته في 26 من يناير سنة 1956 - وأشار المدعي إلى أن الاعتماد الذي كانت تصرف منه مكافأته كان يرد دائماً ضمن الباب الأول وذكر أنه كان يشغل وظيفة دائمة وعلى اعتماد دائم حوالي ثلاثين سنة ولما صدر القانون 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة نص في المادة 26 منه على سريان أحكامه على الموظفين المؤقتين الشاغلين وظائف دائمة - وقال إن الاستقطاع من مكافأته يعد من قبيل الحجز عليها وهو ما لا يجوز وأنه وفقاً للمادة 26 المشار إليها يستحق إعانة غلاء على المكافأة التي تصرف له وأن نص الفقرة العاشرة من البند (ثالثاً) من الكتاب الدوري رقم ف 234 - 13/ 27 الصادر من أول ديسمبر سنة 1941 يقضي على أن لا تدخل المرتبات والمكافآت الإضافية ضمن الماهية التي تصرف عنها إعانة الغلاء - مقصود به المكافآت الإضافية على مرتب أصلي لا المكافآت الأصلية التي تقوم مقام المرتب المذكور - وأنه لما كان يشغل وظيفة دائمة بالمعهد فإنه يحق له طلب رد ما خصم منه مخالفاً للقانون.
وقد أجاب الجامع الأزهر على هذه الدعوى بقوله إن المجلس الأعلى للأزهر وافق بجلسته المنعقدة في 7 من ديسمبر سنة 1925 على انتداب المدعي لعيادة معهد الإسكندرية وتدريس فن قواعد الصحة مقابل مكافأة قدرها تسعون جنيهاً في السنة زيدت بعد ذلك إلى مائة وعشرين جنيهاً سنوياً وتم هذا الندب بعد استئذان بلدية الإسكندرية التي كان يعمل بها ويتقاضى منها مرتباً أصلياً وباشر عمله بمعهد الإسكندرية الديني في فترات معينة كل أسبوع اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1935 وعند تقرير إعانة غلاء المعيشة للموظفين بقرار مجلس الوزراء الصادر في أول ديسمبر سنة 1941 منحه المعهد إعانة غلاء بالإضافة إلى مكافأته - وطلب ديوان المحاسبة بكتابة المؤرخ في 18 من سبتمبر سنة 1950 إيقاف صرف تلك الإعانة إليه نظراً إلى أنه يشغل وظيفة دائمة من الدرجة الثانية بمرتب 64 جنيهاً بالإدارة الصحية ببلدية الإسكندرية وكان يتقاضى عنها إعانة غلاء معيشة وإلى أنه لا يجوز منح الإعانة على المكافأة أصلاً على اعتبار أنها مرتب إضافي وذلك وفقاً للمادة العاشرة من كتاب وزارة المالية رقم 234 - 12/ 27 المؤرخ في 6 من يناير سنة 1942 وترتب على ذلك وقف صرف إعانة الغلاء إليه من أول يناير سنة 1951 وتبين أنه حصل على إعانة بلغت في مجموعها 592 حينهاً و882 مليماً - ولتحصيل هذا المبلغ خصم منه اعتباراً من شهر مايو سنة 1952 ربع مكافأته شهرياً وبلغ ما خصم منها حتى تاريخ فصله من خدمة الأزهر في 15 من يناير سنة 1956 مبلغ 78 جنيهاً و969 مليم - وتبين من الاطلاع على ملف الخدمة وجود التماس منه تضمن اعتذاره عن الخطأ وطلبه إعفاءه من رد المبالغ التي استولى عليها - وأضاف الأزهر أنه بالرجوع إلى قواعد منح إعانة غلاء المعيشة الصادر بها الكتب الدورية لوزارة المالية وديوان الموظفين والمحاسبة يبين أنها تنص صراحة على عدم جواز الحصول على الإعانة على المكافأة أو الجمع بين إعانتين - وأن العمل الذي أسنده الأزهر للمدعي هو عمل إضافي إلى عمله الأصلي ببلدية الإسكندرية ومن ثم فتكون المكافأة التي منحت إليه من الأزهر شهرياً هي مكافأة إضافية عن عمل إضافي خصوصاً وأن عمله بالمعهد كان بصفة غير منتظمة لأن كان يحضر بصفة غير منتظمة في فترات معينة من كل أسبوع فلا يستحق إعانة غلاء معيشة عن المكافأة الإضافية التي كانت تمنح له.
وبجلسة 11 من ديسمبر سنة 1958 قضت المحكمة الإدارية بالإسكندرية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص تأسيساً على أن الدعوى تنطوي على منازعة في مبدأ استحقاق المدعي إعانة غلاء المعيشة على مكافأة كان يتقاضاها من المعهد الديني وعلى أنه - وهو طبيب - من موظفي الفئة العالية.
وبعد إحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري - قيدت بجدولها تحت رقم 340 لسنة 13 القضائية.
وبصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 31 من ديسمبر سنة 1958 أقام الجامع الأزهر الدعوى رقم 375 لسنة 13 القضائية ضد الدكتور علي عطية نجم طالباً الحكم بإلزامه بدفع مبلغ 513 جنيه و913 مليماً مع فوائده القانونية منذ المطالبة الرسمية حتى السداد مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال بياناً لدعواه إن المدعى عليه كان يشغل وظيفة دائمة من الفئة العالمية بالإدارة الصحية ببلدية الإسكندرية وفي 7 من ديسمبر سنة 1925 وافق المجلس الأعلى للأزهر على ندبه بمعهد الإسكندرية الديني مقابل مكافأة سنوية قيدت في عام 1948 إلى مائة وعشرين جنيهاً سنوياً وردد الأزهر في صحيفة دعواه ما تضمنته مذكرته المقدمة إلى المحكمة الإدارية بالإسكندرية في شأن إعانة الغلاء التي صرفت للمدعى عليه وما استرد منها وذكر أن الباقي المستحق عليه بلغ 513 جنيه و913 مليماً وأنه في 14 من أكتوبر سنة 1957 أقام ضده الدعوى المدنية رقم 1610 لسنة 1957 أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية مطالباً المدعى عليه بدفع هذا المبلغ ولكن هذه المحكمة قضت بجلسة 30 من مارس سنة 1958 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى لانطوائها على منازعة في مرتب يختص بها مجلس الدولة.
وأودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها في الدعويين انتهت فيه إلى أنها ترى:
أولاً: رفض دعوى المدعي وإلزامه بالمصروفات والأتعاب.
وثانياً: قبول دعوى الجامع الأزهر والحكم بإلزام المدعى عليه الدكتور علي عطية نجم بأن يدفع له ما حصل عليه بدون وجه حق مع الفوائد القانونية منذ المطالبة الرسمية حتى السداد مع إلزامه بالمصروفات والأتعاب.
وبجلسة 25 من يناير سنة 1960 قررت المحكمة ضم الدعوى رقم 340 لسنة 13 القضائية إلى الدعوى رقم 375 لسنة 13 القضائية.
وقضت بجلسة 15 من فبراير سنة 1960:
أولاً: في الدعوى رقم 340 لسنة 13 القضائية برفضها وإلزام المدعي بالمصروفات.
وثانياً: في الدعوى رقم 375 لسنة 13 القضائية بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي بصفته مبلغ 513 جنيه و913 مليم والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية للسداد والمصروفات - وأقامت قضاءها على أن قواعد منح إعانة غلاء المعيشة مجمعة على عدم جواز الجمع بين إعانتي غلاء معيشة وأن الفقرة العاشرة من البند ثالثاً من الكتاب الدوري رقم ف 234 - 13/ 27 الصادر في أول ديسمبر سنة 1941 بشأن إعانة غلاء المعيشة تنص على أن لا تدخل المرتبات الإضافية أو المكافآت الإضافية ضمن الماهية التي يصرف عنها إعانة غلاء سواء أكانت هذه المرتبات عينية أو نقدية وأن المدعي بصرف إعانة غلاء عن مرتبه الأصلي في عمله الدائم ببلدية الإسكندرية فإذا ما صرف إليه الأزهر خطأ إعانة غلاء معيشة عن مكافأة عن عمل عارض إضافي فإنه يكون قد صرف إعانة الغلاء بغير وجه حق ويكون إجراء الحجز على ربع المرتب هو إجراء سليم من الوجهة القانونية وفقاً لأحكام القانون رقم 324 لسنة 1956 الصادر تعديلاً للقانون رقم 111 لسنة 1951 ويحق بناء على ذلك للجامع الأزهر مطالبته برد كل ما صرف إليه من إعانة غلاء بغير وجه حق عن المكافأة المذكورة مع الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية ولما كان الأزهر قد حصل مبلغ 78 جنيهاً و969 مليم فيكون المبلغ المستحق على المدعي هو 513 جنيهاً و913 مليم بخلاف الفوائد.
ومن حيث إن تقرير الطعن قد تضمن قبل بيان أوجه الطعن التحدث عن الناحية الشكلية فذكر الطاعن أن الحكم المطعون فيه قد صدر في 15 من فبراير سنة 1960 وكان ميعاد الطعن فيه ينتهي في يوم 15 من إبريل سنة 1960 ولم يعلم هو به عقب صدوره وفي 26 من مارس سنة 1960 أصيب فجأة بشلل نصفي سقط على أثره فاقد النطق والحركة وقضت ضرورات العلاج بمنع أي اتصال به ومنعه من التفكير في أي أمر ومنع وصول المشاغل التي تستوجب التفكير إليه وطال العلاج إلى أواخر مايو سنة 1960 ثم أخذت حالته تتحسن بطيئاً وعندما سمحت حالته بسماع الأخبار السيئة أبلغ بأن الأزهر حكم لصالحه في الدعويين المشار إليهما وعندئذ تحامل على نفسه وتوجه إلى مكتب التوثيق بالإسكندرية في 20 من يونيو سنة 1960 وأصدر توكيلاً إلى محامية للطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعويين - وذكر أنه إثباتاً لهذه الحالة يقدم تقريراً طبياً من السادة الأطباء الدكتور عباس عامر مدير مستشفى أحمد ماهر بالإسكندرية والدكتور حسن حمودة أخصائي الأمراض الباطنية والدكتور عزيز عبد المجيد أخصائي الأمراض الباطنية بالمستشفى القبطي بالإسكندرية مؤرخاً في 10 من يونيو سنة 1960 - وأنه يبين من هذا التقرير أن قوة قاهرة قد نزلت به أثناء الميعاد الذي حدده القانون للطعن في حكم محكمة القضاء الإداري وجعلته في حالة عجز عن مباشرة أي إجراء قانوني والقوة القاهرة تمد مواعيد الطعن في الأحكام ومن ثم فإن هذا الطعن الذي رفعه بعد أن أصبح في حالة تمكنه من القيام به لا يكون غير مقبول شكلاً لتقديمه بعد الميعاد لأن ميعاد الطعن بالنسبة له يمتد إلى حين زوال القوة القاهرة التي نزلت به.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن محكمة القضاء الإداري قد أخطأت في تطبيق القانون لأن المرتب أو المكافأة الإضافية المعنيين بنص الفقرة العاشرة من البند ثالثاً من الكتاب الدوري رقم 2341 - 13/ 27 الصادر في أول ديسمبر سنة 1941 واللذين لا يجوز صرف إعانة غلاء معيشة عليهما هما ما يتقاضاه الموظف من نفس الجهة التي يتناول منها راتبه الأصلي لانتفاء الحكمة في هذه الحالة من صرف إعانة غلاء معيشة عن هذا المرتب الإضافي أو هذه المكافأة الإضافية أما في حالة الاستخدام لدى هيئة حكومية أخرى فإن الأمر يكون أمر علاقة وظيفية أخرى غير العلاقة الوظيفية الأولى التي يتناول منها الموظف رابته وإعانة الغلاء المقررة عليه وتترتب عليها كافة الآثار القانونية فيتناول الموظف إعانة الغلاء وفي نهاية الخدمة يمنح مكافأة نهاية الخدمة ولا يمكن اعتبار الراتب الذي يتقاضاه الموظف نظير قيامه بشئون الوظيفة الثانية راتباً إضافياً لأنه لا يضاف إلى راتب أصلي من ذات الجهة التي يعمل في خدمتها فلا يمكن أن ينصرف إليه نص الفقرة العاشرة من البند ثالثاً سالفة الذكر - كما أخطأت محكمة القضاء الإداري في تطبيق القانون لأنه لم تراع أن إعانة الغلاء التي تصرف إلى الطاعن إنما صرفت إليه بموجب اختيار الأزهر فعلى فرض صحة النظر الذي أقام عليه الأزهر دعواه ما كان يجوز الحكم باسترداد هذه المبالغ منه لأنه قبضها بحسن نية وأنفقها في حاجاته ومطالبه - وأخطأت المحكمة أيضاً إذ لم تراع أن فروق إعانة الغلاء التي طالبه بها الأزهر كان معظمها بل كلها قد سقط بالتقادم لأن صرفها إليه بدأ في سنة 1941 واستمر حتى آخر ديسمبر سنة 1950 ولم يطالب بها الأزهر إلا بالدعوى التي أقامها أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية في سنة 1957 وإذ كانت هذه الإعانة تعتبر في حكم المرتبات الدورية وتتقادم بخمس سنوات فإن مطالبة الأزهر بها في سنة 1957 تكون قد وقعت بعد تمام سقوطها.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قد أودعت تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى قبول الطعن شكلاً والقضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وإجابة طلبات المدعي في الدعوى رقم 340 لسنة 13 القضائية ورفض الدعوى المقامة من الجهة الإدارية رقم 370 لسنة 13 القضائية وإلزامها المصاريف وذلك تأسيساً على أن عبارة المرتبات الإضافية التي وردت في كتاب وزارة المالية الدوري المؤرخ في أول ديسمبر سنة 1941 إنما تنصرف إلى ما يتقاضاه الموظف من الجهة الإدارية المعين بها ويتقاضى منها مرتباً أساسياً بالزيادة على هذا المرتب وذلك لقاء القيام بأعمال إضافية بذات الجهة أما ما يتقاضاه من مرتب أو مكافأة مقابل عمله في جهة أخرى غير المعين بها بصفة أصلية ودائمة فلا يدخل في مدلول عبارة (المرتب الإضافي أو المكافأة الإضافية) المشار إليها بالكتاب الدوري المذكور.
ومن حيث إن الجامع الأزهر قد تقدم بمذكرة بدفاعه طلب فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الطعن شكلاً ومن باب الاحتياط برفض الطعن مع إلزام الطاعنين بصفاتهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين - وبني الدفع بعدم القبول على أن الحكم المطعون فيه قد صدر في 15 من فبراير سنة 1960 وانتهى ميعاد الطعن فيه في 16 من إبريل سنة 1960 ولم يودع تقرير الطعن إلا في 2 من يوليو سنة 1960 أي بعد الميعاد القانوني وعقب الجامع الأزهر على ما ورد في تقرير الطعن في خصوص سبب تخطي الميعاد بقوله إن ميعاد الطعن في الأحكام من مواعيد السقوط التي لا تقبل مداً ولا وقفاً إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون ولا يمكن التحدي بالقوة القاهرة في خصوص مواعيد الطعن التي هي مواعيد سقوط - والقول بأن مرض الطاعن الذي ألم به في فترة سريان ميعاد الطعن يعتبر بمثابة القوة القاهرة لا يقوم على أساس بالنظر إلى العناصر التي يتطلبها القانون لاعتبار ظروف ما قوة قاهرة لأن المرض أمر متوقع وكان الطاعن يستطيع تفادياً للظرف المحتمل وقوعه أن يوكل محامياً عنه - وحتى لو أخذ بقول الطاعن إن مرضه يعتبر بمثابة قوة قاهرة استناداً إلى التقرير المقدم منه والصادر من الأطباء الذين كانوا يعالجونه فإن هذا التقرير لا يحدد التاريخ الذي أصبح فيه قادراً على مباشرة إجراءات الطعن فالتقرير أشار إلى أن حالته آخذة في التحسن ببطء اعتباراً من أواخر مايو سنة 1960 ولم يشر إلى حالته في يوم 10 من يونيه سنة 1960 تاريخ تحرير التقرير - ولو أخذ بالوقائع التي سردها الطاعن على علاتها وبأن المرض الذي ألم به يعتبر بمثابة القوة القاهرة التي يتعين معها أن تمتد مواعيد الطعن حتى يصبح قادراً على مباشرة الإجراءات فإن ذلك لا ينتج إذ حرر توكيلاً لمحاميه في 20 من يونيو سنة 1960 وكان يتعين أن يودع تقرير الطعن في اليوم الثاني على أكثر تقدير ولكن هذا التقرير لم يودع إلا في 2 من يوليو سنة 1960 دون أن يتضمن بياناً للسبب الذي من أجله يتعين أن يمتد سريان ميعاد الطعن منذ تحرير التوكيل إلى يوم الإيداع - ثم تحدث الجامع الأزهر عن الموضوع مبيناً أن من حقه استرداد المبالغ التي حصل عليها الطاعن كإعانة غلاء معيشة وأن هذا الحق لم يسقط بالتقادم الخمسي لأن مطالبته باسترداد هذه المبالغ باعتبار أنها دفعت بغير حق لا يحكمها إلا نص المادة 187 من القانون المدني - ولا وجه للقول بأن الجامع الأزهر إذ علم بحقه في الاسترداد اعتباراً من أول يناير سنة 1951 تاريخ إجراء خصم قيمة ربع المكافأة المستحقة للطاعن ولم يرفع دعواه إلا في سنة 1957 أي بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات فإن الحق يكون قد سقط ولا يمكن التعويل على الخصم الذي أجري كإجراء قاطع للتقادم في ظل أحكام القانون رقم 111 لسنة 1951 قبل تعديله بالقانون رقم 324 لسنة 1956 حيث لم يكن المشرع قد أقر بعد طريق الخصم أو الاستقطاع من المرتب لاستيفاء دين الحكومة على الموظف بغير سند تنفيذي واتباع إجراءات الحجز - لا وجه لذلك لأن مقتضيات النظام الإداري تقتضي انقطاع التقادم لأن السلطة التي أعملت الاستقطاع قد تغيت وجه الحق وهذا الإجراء يغني عن الالتجاء إلى القضاء - وذلك بالإضافة إلى أن المدعي كان قد تقدم بالتماس بتضمن اعتذاره عن الخطأ ويلتمس إعفاءه من المبالغ المطلوب ردها وهذا الالتماس هو إقرار صريح بالمديونية يقطع مدة التقادم.
عن الدفع بعدم قبول الطعن شكلاً:
من حيث إن الجامع الأزهر قد دفع بعدم قبول الطعن شكلاً لإقامته بعد الميعاد استناداً إلى أن الحكم المطعون فيه قد صدر بجلسة 15 من فبراير سنة 1960 في حين أن تقرير الطعن لم يودع بقلم كتاب المحكمة إلا في 2 من يوليو سنة 1960 - وإلى أن مواعيد الطعن لا تقبل مداً ولا وقفاً إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون - وإلى أنه لا يمكن التحدي بالقوة القاهرة في خصوص المواعيد المذكورة وذلك بالإضافة إلى أن مرض المدعي لا يعتبر قوة قاهرة.
ومن حيث إن القوة القاهرة من شأنها أن توقف ميعاد الطعن إذ من أثرها حتى تزول أن يستحيل على ذي الشأن اتخاذ الإجراءات اللازمة لإقامته - ولا حجة في القول بأن مواعيد الطعن لا تقبل مداً أو وقفاً إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون ذلك أن وقف الميعاد كأثر للقوة القاهرة مرده إلى أصل عام هو عدم سريان المواعيد في حق من يستحيل عليه اتخاذ الإجراءات للمحافظة على حقه وقد رددت هذا الأصل المادة 382 من القانون المدني إذ نصت في الفقرة الأولى منها على أن التقادم لا يسري كلما وجد مانع يتعذر معه المطالبة بالحق.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن لميعاد الطعن ذات الطبيعة التي لميعاد رفع الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية - إذ استقر قضاؤها على أن - ما لطلب المساعدة القضائية من أثر قاطع لميعاد رفع دعوى الإلغاء أو بالأحرى حافظ له وينسحب لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض - يصدق كذلك بالنسبة إلى ميعاد الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا لاتحاد طبيعة كل من الميعادين من حيث وجوب مباشرة إجراء رفع الدعوى أو الطعن قبل انقضائها والأثر القانوني المترتب على مراعاة المدة المحددة فيها أو تقويتها من حيث قبول الدعوى أو الطعن أو سقوط الحق فيهما وبالتالي إمكان طلب إلغاء القرار الإداري أو الحكم المطعون فيه أو امتناع ذلك على صاحب الشأن المتخلف - ومن مقتضى اتحاد طبيعة كل من الميعادين أن يقبل ميعاد الطعن كل ما يقبله ميعاد رفع الدعوى من وقف أو انقطاع.
ومن حيث إن الثابت من التقرير الطبي المقدم من الطاعن لإثبات مرضه خلال ميعاد الطعن والمؤرخ في 10 من يونيو سنة 1960 أنه (أصيب في 26 من مارس سنة 1960 بشلل نصفي مفاجئ مع فقد النطق والحركة وقد اقتضى علاجه منع أي اتصال به أو زيارة له ومنعه من التفكير في أي أمر ومنع وصول أي مشاغل تستوجب التفكير إليه واستمرت حالته هكذا إلى أواخر مايو حيث أخذت حالته في التحسين ببطء).
ومن حيث إن هذا المرض الذي فاجأ الطاعن خلال ميعاد الطعن وأفقده النطق وأقعده عن الحركة كان من شأنه - أثناء إصابته به - أن استحال عليه اتخاذ الإجراءات اللازمة لإقامة الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا - فيعبر بمثابة قوة قاهرة خارجة عن إرادته من شأنها أن توقف ميعاد الطعن حتى تزول - وليس في الأوراق ما يفيد أن حالة العجز التي أصابت الطاعن نتيجة للمرض المذكور قد زايلته قبل عشرين من يونيو سنة 1960 اليوم الذي انتقل فيه إلى مكتب التوثيق لتوكيل محام لإقامة الطعن.
ومن حيث إن الأثر الذي يترتب على وقف ميعاد الطعن هو عدم حساب المدة التي وقف خلالها - وحساب المدة السابقة والمدة التالية - وإذ كانت قد مضت من ميعاد الطعن قبل أن يصاب الطاعن بالشلل مدة تسعة وثلاثين يوماً وإذ أودع تقرير الطعن قلم كتاب المحكمة بعد اثنى عشر يوماً من تاريخ مزايلة حالة العجز له فإن الطعن يكون قد أقيم في الميعاد ومقبولاً شكلاً.
عن الموضوع:
ومن حيث إنه تبين من الرجوع إلى الأوراق أن الطاعن كان طبيباً موظفاً ببلدية الإسكندرية وفي 3 من ديسمبر سنة 1925 وافق المجلس الأعلى للأزهر على ندبه بالإضافة إلى عمله الأصلي للقيام بعيادة المرضى من طلاب معهد الإسكندرية الديني وتدريس قواعد الصحة - وذلك بعد موافقة بلدية الإسكندرية على الندب - وحددت المكافأة التي تصرف له عن الأعمال التي ندب لها بمبلغ تسعين جنيهاً سنوياً وزيدت بعد ذلك إلى مائة وعشرين جنيهاً - وابتداء من أول ديسمبر سنة 1941 صرفت له إعانة غلاء عن هذه المكافأة - وفي 18 من سبتمبر سنة 1950 اعترض ديوان المحاسبة على صرف هذه الإعانة استناداً إلى عدم جواز الجمع بين إعانة الغلاء على المرتب الذي كان يتقاضاه من البلدية وبين إعانة الغلاء التي كانت تصرف له من المعهد الديني وطلب تحصيل ما صرف له دون وجه حق - وبناء على ذلك أوقف صرف إعانة الغلاء عن المكافأة ابتداء من أول يناير سنة 1951 - كما بدئ في استرداد ما صرف منها عن طريق الخصم من المكافأة ابتداء من أول مايو سنة 1951 - وفي 2 من يناير سنة 1952 قدم الطاعن طلباً إلى معهد الإسكندرية الديني ذكر فيه أنه ليس لديه استعداد لدفع أي مبلغ صرف له كإعانة غلاء عن مدة سابقة لأنه ليس مسئولاً عن أخطاء الغير وأنه طبقاً للقانون رقم 111 لسنة 1951 لا يجوز الحجز على الماهيات والمرتبات والمكافآت إلا لنفقة شرعية أو دين حكومي يتعلق بأعمال الوظيفة وأن حالته ليست كذلك وطلب عرض الموضوع على مجلس الأزهر الأعلى ليبت فيه على ضوء ما تقدم لأنه يملك الإعفاء - كما أرسل في 18 من مايو سنة 1952 برقية إلى الجامع الأزهر ذكر فيها أن خصم ربع مكافأته يتنافي مع القانون رقم 111 وطلب إصدار التعليمات بالكف عن الخصم حتى يقدم مذكرة بالموضوع - وفي 14 من أكتوبر سنة 1957 أقام الجامع الأزهر ضده الدعوى المدنية رقم 1610 لسنة 1957 أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية طالباً الحكم برد باقي ما صرف له مع إعانة الغلاء - وقد قضي في هذه الدعوى في 30 من مارس سنة 1958 بعدم الاختصاص - وبصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 16 من نوفمبر سنة 1957 أقام المدعي دعواه مطالباً برد المبالغ التي خصمت من مكافأته وقد حكمت فيها المحكمة الإدارية بعدم اختصاصها بنظرها وأحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص - ثم بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 31 من ديسمبر سنة 1958 أقام الجامع الأزهر دعواه ضد الطاعن مطالباً برد الباقي من المبالغ التي صرفت له كإعانة غلاء عن المكافأة التي كان يتقاضاها.
ومن حيث إن كتاب وزارة المالية الدوري رقم 234 - 13/ 27 الصادر في 27 من أكتوبر سنة 1942 تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في أول ديسمبر سنة 1941 في شأن إعانة غلاء المعيشة ينص في البند العاشر منه على أن (لا تدخل المرتبات أو المكافآت الإضافية ضمن الماهية التي تصرف عنها إعانة غلاء سواء أكانت تلك المرتبات عينية أو نقدية..). كما ينص في البند الحادي عشر منه على أن (لا تدخل المبالغ التي تصرف في مقابل الشغل في غير أوقات العمل الرسمية في حساب المرتب الذي يبنى عليه تحديد الإعانة على الغلاء). ووفقاً لهذين النصين لا يستحق الموظف إعانة غلاء عن أية مكافأة تمنح له عن أعمال يقوم بها بالإضافة إلى عمله الأصلي سواء أديت هذه الأعمال في الجهة التي يقوم فيها بعمله الأصلي أو في أية جهة أخرى.
ومن حيث إنه لذلك فإن الطاعن ما كان يستحق إعانة غلاء معيشة على المكافأة التي كانت تصرف له من المعهد الديني بالإسكندرية أثناء مدة ندبه للقيام ببعض الأعمال في هذا المعهد بالإضافة إلى عمله الأصلي ببلدية الإسكندرية وكان من حق الجامع الأزهر أن يطالبه برد ما صرف إليه دون وجه حق من تلك الإعانة.
ومن حيث إنه ولئن كان الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما ذهب إليه من عدم أحقية المدعي في الجمع بين إعانة الغلاء عن مرتبه الأصلي وإعانة الغلاء عن المكافأة إلا أنه قد أخطأ فيما تضمنته أسبابه من أن إجراء الحجز على ربع المكافأة هو إجراء سليم من الوجهة القانونية وفقاً لأحكام القانون رقم 324 لسنة 1956 الصادر تعديلاً للقانون رقم 111 لسنة 1951 بجواز ذلك - إذ فاته أن ما قام به المعهد الديني من خصم جزء من المكافأة قد تم في المدة من أول مايو سنة 1951 إلى 15 من يناير سنة 1956 أي قبل العمل بالقانون رقم 324 لسنة 1956 الذي صدر في 28 من أغسطس سنة 1956 وعمل به اعتباراً من 2 من سبتمبر سنة 1956 تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
ومن حيث إن الطاعن قد دفع بسقوط حق الجامع الأزهر في استرداد إعانة الغلاء بالتقادم استناداً إلى أن صرفها إليه بدأ من سنة 1941 حتى آخر ديسمبر سنة 1950 ولم يطالب بها الجامع الأزهر إلا بالدعوى التي أقامها أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية في سنة 1957 - وإلى أن الإعانة تعتبر في حكم المرتبات الدورية وتتقادم بخمس سنوات طبقاً لما استقر عليه قضاء مجلس الدولة وإلى أن المطالبة بها قد وقعت بعد تمام سقوطها.
ومن حيث إن الجامع الأزهر قد أدى إلى الطاعن إعانة غلاء عن المكافأة بناء على اعتقاده الخاطئ بأن تلك الإعانة مستحقة له فحقه في استرداد ما دفع منها بغير حق يسقط بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه بحقه في الاسترداد وفقاً للحكم الوارد في صدر المادة 187 من القانون المدني لأن حقه في الاسترداد إنما نشأ من واقعة هي واقعة الوفاء الحاصل منه للمدعي في المدة من أول سبتمبر سنة 1941 إلى ديسمبر سنة 1950 والمستفاد من الأوراق أنه قد دفع عن غلط في القانون حين أدى للطاعن إعانة غلاء غير مستحقة له وأن هذا الغلط لم يتكشف له إلا عندما تلقى اعتراض ديوان المحاسبة في 18 من سبتمبر سنة 1950 أو على أحسن الفروض بالنسبة إليه منذ امتناعه عن صرف إعانة الغلاء له اعتباراً من أول يناير سنة 1951 - وعلى أي حال فإنه سواء حسبت مدة التقادم الثلاثي المسقط لحقه منذ التاريخ الأول أو الثاني فإنها تكون قد انقضت قبل أن يقيم الجامع الأزهر دعواه الأولى أمام محكمة غير مختصة هي محكمة الإسكندرية الابتدائية في 14 من أكتوبر سنة 1957.
ومن حيث إن ما يتذرع به الجامع الأزهر من أنه قد صدر منه إجراء قاطع للتقادم يؤكد استمساكه بحقه وتحفزه لاقتضائه وهو الاستقطاع من مكافأة الطاعن الذي بدأ من أول مايو سنة 1951 وظل يتكرر شهرياً حتى 15 من يناير سنة 1956 تاريخ إنهاء ندبه - ما يتذرع به الجامع الأزهر في هذا الشأن مردود بأنه يتعين لكي ينتج الاستقطاع مثل هذا الأثر أن يكون إجراءاً إدارياً صحيحاً - فإذا كان باطلاً طبقاً للقانون الذي تم في ظله فإنه وفقاً لما سبق أن قضت به هذه المحكمة - لا يكون من شأنه أن يقطع مدة التقادم المسقط حتى لو استقام في مجال الروابط الإدارية قياس الاستقطاع الإداري من المرتب أو ما في حكمه على الحجز من حيث اعتباره سبباً قاطعاً للتقادم.
ومن حيث إن الاستقطاع من مكافأة المدعي قد تم حسبما سبق البيان في ظل القانون رقم 111 لسنة 1951 قبل تعديله بالقانون رقم 324 لسنة 1956 فقد كانت المادة الأولى منه قبل تعديلها تقضي بعدم جواز الحجز على المرتبات والمكافآت إلا فيما لا يجاوز الربع وذلك لوفاء نفقة محكوم بها من جهة الاختصاص أو لأداء ما يكون مطلوباً من الموظف بسبب يتعلق بأداء وظيفته - ووفقاً لأحكام هذا النص ما كان جوز للجامع الأزهر أن يستقطع من مكافأة المدعي أي مبلغ وفاء لما سبق أن دفعه إليه بغير حق فيعتبر ما أجراه من استقطاع إجراءاً باطلاً عديم الأثر في شأن سريان مدة التقادم الثلاثي - وأنه ولئن كان التعديل الذي أدخل على هذا النص بمقتضى القانون رقم 324 لسنة 1956 قد أجاز الخصم من المرتبات والمكافآت لاسترداد ما صرف من الموظف بغير وجه حق إلا أن الحكم الذي استحدثه هذا القانون لا يسري على واقعة الدعوى إذ تم الاستقطاع من مكافأة الطاعن قبل العمل به.
ومن حيث إن استناد الجامع الأزهر إلى أن المدعي قد تقدم بتظلم يتضمن اعترافه بالدين اعترافاً قاطعاً للتقادم - مردود بأنه بالإضافة إلى أن التظلم المشار إليه قد قدم قبل أن يقيم الجامع الأزهر دعواه بأكثر من خمس سنوات. فإن هذا التظلم الذي تضمنه طلب الطاعن المؤرخ في 2 من يناير سنة 1952 ثم برقيته إلى الجامع الأزهر في 18 من مايو سنة 1952 لا ينطوي على إقرار قاطع للتقادم بل على العكس من ذلك إذ أفصح الطاعن في ذلك الطلب وتلك البرقية عن عدم استعداده لرد أي مبلغ صرف له وعن تمسكه ببطلان الخصم من مكافأته لمخالفته لأحكام القانون رقم 111 لسنة 1951.
ومن حيث إنه لما تقدم فإنه ليس فيما صدر عن الجامع الأزهر أو عن الطاعن ما يصلح لأن يكون سبباً قاطعاً للتقادم الثلاثي المسقط وإذ لم يرد على هذا التقادم أي انقطاع يعتد به منذ تاريخ علم الجامع الأزهر بحقه في الاسترداد حتى أقام دعواه فإن حقه في استرداد المبلغ موضوع تلك الدعوى والذي صرف إلى المدعي دون وجه حق كإعانة غلاء على المكافأة يكون قد سقط - الأمر الذي كان يتعين معه رفض تلك الدعوى المقيدة برقم 357 لسنة 13 القضائية.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الدعوى التي أقامها الطاعن ضد الجامع الأزهر رقم 340 لسنة 13 القضائية والتي طلب فيها الحكم له برد ما استقطع من مكافأته وفاء لما صرف إليه من إعانة فإنه لما كانت الثابت مما تقدم أن الاستقطاع من مكافأة المدعي الذي تم في ظل القانون رقم 111 لسنة 1951 مخالف لأحكام هذا القانون كما أن حق الجامع الأزهر في استرداد ما صرفه من إعانة غلاء إلى الطاعن قد سقط بالتقادم الثلاثي فإنه يكون من حق الطاعن استرداد ما استقطع من تلك المكافأة عدا ما أصبح منها حقاً مكتسباً للجامع الأزهر وفقاً لحكم المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات التي تقضي (بأن الماهيات التي لم يطالب بها في مدة خمس سنوات (هلالية) يصبح حقاً مكتسباً للحكومة). وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن مفاد هذا النص أن الماهيات وما في حكمها من المبالغ التي تكون مستحقة قبل الجهة الإدارية تصبح حقاً مكتسباً لها إذا لم تتم المطالبة بها قضائياً أو إدارياً خلال خمس سنوات من تاريخ نشوء الحق في اقتضائها.
ومن حيث إن حق المدعي في المطالبة برد ما استقطع من مكافأته بالمخالفة للقانون الذي تم الاستقطاع في ظله قد نشأ عنه إجراء هذا الاستقطاع الذي تم خلال المدة من أول مايو سنة 1951 حتى 15 من يناير سنة 1956 ولكنه لم يقم دعواه إلا في 16 من نوفمبر سنة 1957 أي بعد أكثر من خمس سنوات من تاريخ بدء الاستقطاع ومن تاريخ تقدمه بتظلمه الأخير - لذلك يكون حقه في الاسترداد مقصوراً على ما خصم من مكافأته خلال السنوات الخمس الهلالية السابقة على إقامة الدعوى أي ما خصم ابتداء من 11 من يناير سنة 1953 أما ما استقطع قبل ذلك فقد أصبح حقاً مكتسباً للجامع الأزهر وفقاً لحكم المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات السابق الإشارة إليها - لذلك كان يتعين الحكم بإلزام الجامع الأزهر برد ما اقتطعه من تلك المكافأة ابتداء من التاريخ سالف الذكر.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب إذ قضى بإجابة الجامع الأزهر إلى طلباته في الدعوى رقم 375 لسنة 13 القضائية ضد الطاعن وبرفض الدعوى رقم 340 لسنة 13 القضائية المقامة من الطاعن ضد الجامع الأزهر الأمر الذي يتعين معه إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى المقامة من الجامع الأزهر وبإلزام الجامع الأزهر بأن يرد ما استقطع من مكافأة الطاعن ابتداء من 11 يناير سنة 1953 وذلك مع إلزامه بالمصروفات.
ومن حيث إن الطاعن الدكتور علي عطيه نجم قد توفى إلى رحمة الله وقام ورثته بتعجيل نظر هذا الطعن على الوجه السابق بيانه.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى رقم 375 لسنة 13 القضائية المقامة من الجامع الأزهر وألزمته بالمصروفات وبالنسبة إلى الدعوى رقم 340 لسنة 13 القضائية بإلزام الجامع الأزهر بأن يرد إلى ورثة الدكتور علي عطيه نجم ما استقطع من مكافأة مورثهم ابتداء من 11 من يناير سنة 1953 وألزمته بالمصروفات.


[(1)] على خلاف هذا المبدأ قضت المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 9/ 12/ 1964 في القضية رقم 698 لسنة 7 ق المنشور بمجموعة السنة العاشرة. المبدأ 26 - ص 238.