مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 478

(46)
جلسة 24 من ديسمبر سنة 1966

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: عادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي وعباس فهمي محمد بدر المستشارين.

القضية رقم 1587 لسنة 10 القضائية

( أ ) - موظف. "تعيين. شروط التعيين. شرط حسن السمعة". طوائف خاصة من الموظفين. مأذون. شرط صلاحية لتولي الوظائف العامة وشرط الاستمرار في شغلها - كيفية التدليل على سوء السمعة - نص لائحة المأذونية على هذا الشرط صراحة فيمن يرشح بوظيفة مأذون - إضافة هذا النص لشرط آخر مؤداه ألا يكون قد صدرت ضد المرشح للوظيفة أحكام قضائية أو تأديبية ماسة بالشرف.
(ب) - موظف. "تعيين. شروط التعيين". حكم جنائي - لا يصح الاستناد إليه كقاعدة عامة في القول بتوافر شرط حسن السمعة أو انتفائه - تقادم العهد على الحكم الجنائي الصادر ضد الموظف - لا يصح الاستناد إلى الحكم لاستخلاص عدم توافر حسن السمعة.
(ج) - موظف "تعيين. شروط التعيين". حكم جنائي - لا يجوز ترتيب أية آثار جنائية أو إدارية على الحكم المشمول بإيقاف التنفيذ بعد مضي المدد وتوافر الشروط التي يصبح معها الحكم كأن لم يكن.
(د) - موظف. "تعيين. شروط التعيين" حكم جنائي.
حكم جنائي بالغرامة في قضية مشاجرة - لا يعتبر ماساً بالشرف. 1 - إن حسن السمعة هو من الصفات المطلوبة في كل موظف عام إذ بدون هذه الصفة لا تتوافر الثقة والطمأنينة في شخص الموظف العام مما يكون له أبلغ الأثر على المصلحة العامة فتختل الأوضاع وتضطرب القيم في النشاط الإداري، ولا يحتاج الأمر في التدليل على سوء السمعة إلى وجود دليل قاطع على توافرها وإنما يكفي في هذا المقام وجود دلائل أو شبهات قوية تلقي ظلالاً من الشك على توافرها حتى يتسم الموظف العام بعدم حسن السمعة، وهو على هذا الوجه شرط صلاحية لتولي الوظائف العامة وشرط للاستمرار في شغلها، وقد نصت الفقرة "د" من المادة الثالثة من لائحة المأذونية على هذا الشرط صراحة فيمن يرشح لوظيفة المأذون وأضافت إلى ذلك شرطاً آخر مؤداه ألا يكون قد صدرت ضد المرشح للوظيفة أحكام قضائية أو تأديبية ماسة بالشرف.
2 - إنه وإن كانت الأحكام الجنائية التي تصدر ضد أحد الأشخاص تكفي في غالب الأحيان للحكم على سلوكه ويصح الاستناد إليها كقاعدة عامة في القول بتوافر شرط حسن السمعة أو انتفائه، إلا أنها لا تصلح سنداً لذلك بالنسبة إلى خصوصية الحالة المعروضة نظراً لأنه مضت مدد طويلة على صدور تلك الأحكام فقد مضى على أولها ما يزيد على الأربعين عاماً وعلى الثاني ستة وعشرون عاماً ولم تحل دون تولي المطعون عليه إحدى الوظائف العامة، فقد كان مدرساً عمل في مرفق التعليم مدة تزيد على الثلاثين عاماً حتى أحيل إلى المعاش - كما قرر المطعون عليه ولم تنازعه الحكومة في ذلك ومن ثم فلا يصح الاستناد إلى هذه الأحكام لاستخلاص عدم توافر حسن السمعة بالنسبة إلى المطعون عليه، ويضاف إلى ذلك أن جهة الإدارة لم تستند في استخلاص هذا السبب إلى تحريات قدمت إليها من جهة مختصة تكشف عن انتفاء ذلك الشرط بالنسبة إلى المطعون عليه وإنما بنت اقتناعها بذلك على الأحكام المشار إليها وهي لا تصلح سنداً للقول بانتفاء شرط حسن السمعة عن المدعي على النحو السالف بيانه.
3 - وأما فيما يتعلق بالشرط الثاني الذي تضمنته الفقرة "د" من المادة الثالثة من لائحة المأذونية والخاص بألا يكون قد صدرت ضد المرشح للوظيفة أحكام قضائية أو تأديبية ماسة بالشرف فإنه يبين من الاطلاع على صورة الحكم الصادر ضد المطعون عليه في الجنحة رقم 800 سنة 1925 والمرفق بملف الطعن أن المحكمة الاستئنافية قضت بحبسه شهراً مع الشغل لارتكابه جريمة اختلاس عدة نسيج مملوكة له ولآخر وقيامه ببيعها وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة، لما كانت المادة 59 من قانون العقوبات تنص على أن الحكم الصادر بإيقاف العقوبة يعتبر كأن لم يكن إذا مضى على المحكوم عليه خمس سنوات من تاريخ صيرورته نهائياً ولم يرتكب جناية أو جنحة حكم عليه من أجلها بعقوبة مقيدة للحرية، فإنه بناء على ذلك لا يجوز ترتيب أية آثار جنائية أو إدارية على ذلك الحكم بعد مضي المدد المشار إليها لأن القانون نفسه قد أعدم كل أثر للحكم وقضى باعتباره كأن لم يكن وبالتالي فلاً يعتبر هذا الحكم مانعاً من التوظف أو من التعيين في وظيفة المأذونية.
4 - وأما بالنسبة إلى الحكم الآخر الذي صدر ضد المطعون عليه في الجنحة رقم 226 لسنة 1940 فإنه صدر بالغرامة في قضية مشاجرة وبهذه المثابة لا يعتبر ماساً بالشرف أو النزاهة ولا يصلح سنداً لاستبعاد المطعون عليه بمقولة إنه لم تتوافر فيه الشروط اللازمة للتعيين في وظيفة المأذون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 278 سنة 10 القضائية لدى المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 29 من مايو سنة 1963 طالباً إلغاء القرار الصادر من وزير العدل بتاريخ 6 من فبراير سنة 1963 باعتماد تعيين السيد محمد عبد الباقي منصور مأذوناً لناحية كفر شبين مركز شبين القناطر قليوبية فيما تضمنه من عدم تعيين المدعي في الوظيفة المذكورة مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه في سنة 1961 خلت مأذونية ناحية كفر شبين قليوبية فتقدم إلى الامتحان الذي أجرته دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة بنها لاختيار أصلح المرشحين للوظيفة وجاء ترتيبه أول الناجحين، فعمد منافسه محمد عبد القادر منصور إلى تقديم شكاوى ضده مفادها أنه حكم عليه بالحبس شهراً في سنة 1925 وبغرامة في سنة 1940، وعلى أساس ما جاء بهذه الشكاوى قررت لجنة المأذونية استبعاده، واقترحت تعيين منافسه، وأرسلت الأوراق إلى وزارة العدل للتصديق على هذا التعيين، إلا أن الوزارة أعادت الأوراق إلى محكمة بنها لأن الحكمين اللذين بني عليهما قرار الاستبعاد قديمان ورد اعتبار المرشح عنهما ومن ثم فلا يجوز الارتكان إليهما، غير أن محكمة بنها أصرت على موقفها من تعيين منافسه في الوظيفة وأعادت الأوراق إلى الوزارة التي صدقت على قرار التعيين بتاريخ 6 من فبراير سنة 1963، ولما كان ذلك القرار مخالفاً للقانون لأنه أحق بالتعيين من منافسه إذ حصل على درجات أعلى في الامتحان الذي عقدته محكمة بنها لشغل الوظيفة كما أن السبب الذي بني عليه استبعاده هو سبب غير صحيح لأن صحيفة سوابقه جاءت خالية كما أنه يتمتع بسمعة حسنة وكان موظفاً بوزارة التربية والتعليم لمدة جاوزت الثلاثين عاماً ولا يتصور أن يكون شرطاً للصلاحية مطلوب فيمن يقوم بالعمل في ذلك المرفق العام أقل منه فيمن يرشح مأذوناً لإحدى القرى، ولهذا فقد تظلم إلى وزير العدل بتاريخ 26 من مارس سنة 1963 طالباً إلغاء القرار المطعون فيه وإذ لم يتلق رداً على تظلمه أقام الدعوى بطلب إلغاء ذلك القرار.
وقد دفعت إدارة قضايا الحكومة الدعوى بعدم قبولها تأسيساً على أن المدعي لم يتظلم من القرار المطعون فيه قبل رفع الدعوى، أما بالنسبة إلى الموضوع فقالت إن المادة الثالثة من قرار وزير العدل المؤرخ 4 من يناير سنة 1955 بإصدار لائحة المأذونية حددت الشروط الواجب توافرها فيمن يعين في وظيفة المأذون ومن ضمنها شرط حسن السمعة وألا يكون قد صدرت ضد المرشح أحكام قضائية أو تأديبية ماسة بالشرف والنزاهة، وإذ كان هذا الشرط متخلفاً بالنسبة إلى المدعي لأنه ثبت من الأوراق أنه صدر ضده حكمان أولهما في سنة 1925 - الجنحة رقم 800 سنة 1925 مستأنف القاهرة قضي بحبسه شهراً مع وقف التنفيذ لارتكابه جريمة اختلاس ونصب والثاني في قضية مشاجرة سنة 1940 فمن ثم يكون غير صالح للترشيح للوظيفة ويكون قرار استبعاده مطابقاً للقانون ولا عبرة في هذا المقام بأن المدعي قد رد إليه اعتباره لأن ذلك ليس من شأنه أن يزيل ما علق بالمدعي من شبهات قوية تفقده الثقة المفروضة فيمن يعين في مثل هذه الوظيفة، فضلاً من أن التحقق من توافر شرط حسن السمعة هو أمر موكول تقديره إلى الإدارة ودون معقب عليها من القضاء.
وبجلسة 28 من يونيه سنة 1964 قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم تعيين المدعي في الوظيفة المذكورة وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات وثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة، وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة إلى الدفع على أن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 5 من فبراير سنة 1963، وتظلم منه المدعي بتاريخ 28 من مارس سنة 1963 ثم أقام الدعوى في الميعاد القانوني، وأما فيما يتعلق بالموضوع فقالت المحكمة إن قرار الاستبعاد بني على أساس فقدان المدعي لشرط حسن السمعة وقد اعتمدت جهة الإدارة في ذلك على الأحكام الصادرة ضد المدعي في الجنحتين رقمي 800 سنة 1925، 226 سنة 1940 الذي قضى أولهما بحبس المدعي شهراً مع إيقاف التنفيذ لارتكابه اختلاساً ونصباً وفي الثاني بغرامة قدرها خمسون قرشاً لتعديه بالضرب على آخر، ولما كان المدعي قد رد إليه اعتباره بحكم القانون ولم تنازعه جهة الإدارة في ذلك فمن ثم يترتب على ذلك محو حكم الإدانة بالنسبة إلى المستقبل وزوال ما ترتب عليه من انعدام الأهلية والحرمان من الحقوق طبقاً لنص المادة 500 من قانون الإجراءات الجنائية وتكون اللجنة إذ استندت إلى الحكم على المدعي في تلك الجرائم التي رد إليه اعتباره عنها للقول بأنه لم تتوافر فيه شروط حسن السمعة قد خالفت القانون.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون ذلك لأن رد الاعتبار لا يمحو إلا الآثار الجنائية ودون أن يرفع عن المحكوم عليه ما علق بسمعته من شوائب تجعله غير أهل لتولي وظيفة المأذون، وإذا كان قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أنه لا يلزم لوصم الموظف بسوء السمعة أن تكون قد صدرت ضده أحكام جنائية فإنه من باب أولى يكون من صدرت ضده مثل هذه الأحكام سيء السمعة ولو كان قد رد إليه اعتباره، كما أن القرار المطعون فيه صدر من هيئة قضائية رأت أن رد الاعتبار لا يمنح المطعون عليه الأفضلية على المرشح الآخر الذي خلت صحيفته من أية أحكام جنائية ومن ثم يكون أفضل من المطعون عليه في ميزان الامتياز والأفضلية.
ومن حيث إنه بناء على نص المادة 381 من المرسوم بقانون 78 سنة 1931 المشتمل على لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها صدر قرار وزير العدل المؤرخ 4 من يناير سنة 1955 بإصدار لائحة المأذونية وقد نصت المادة الثالثة منه على أنه "يشترط فيمن يعين في وظيفة المأذون... (ج) أن يكون حائزاً لشهادة التخصص أو شهادة العالمية أو شهادة الدراسة العالية من إحدى كليات الجامع الأزهر. (د) أن يكون حسن السمعة وألا يكون قد صدرت ضده أحكام قضائية أو تأديبية ماسة بالشرف أو النزاهة". ونصت المادة الخامسة على أنه "إذا لم يرشح من يكون حائزاً لإحدى الشهادات المنصوص عليها في المادة الثالثة جاز ترشيح غيره ممن يكون حائزاً لشهادة الأهلية أو الشهادة الثانوية من الجامع الأزهر وإذا لم يرشح من يكون حائزاً لإحدى الشهادات المتقدمة جاز ترشيح غيره بشرح أن ينجح في الامتحان المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة التاسعة" ونصت المادة الثانية عشرة على أنه "بعد استيفاء جميع الإجراءات تصدر اللجنة قراراً بتعيين من تتوافر فيه الشروط من المرشحين ولا يكون قرارها نافذاً إلا بعد تصديق الوزير عليه، وفي حالة تعدد من تتوافر فيهم شروط التعيين يفضل من يحمل مؤهلاً أعلى ثم الحائز لدرجات أكثر في الامتحان المنصوص عليه في المادة التاسعة ثم الحائز لدرجات أكثر في أحكام الزواج والطلاق وعند التساوي يقدم حنفي المذهب ثم يكون التفضيل بطريق القرعة".
ومن حيث إنه تطبيقاً للأحكام المتقدمة أعلنت دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة بنها عن خلو مأذونية كفر شبين القناطر بسبب استقالة شاغلها وعن فتح باب الترشيح للمأذونية المذكورة، فتقدم كل من السادة فؤاد سليمان غيه الحاصل على ثانوية الأزهر ومحمد عبد الله البليدى (المطعون عليه) ومحمد عبد الباقي منصور ولا يحملان مؤهلات من المؤهلات المنصوص عليها في المادة الثالثة من اللائحة وقد أدى كل منهما الامتحان الذي عقدته لجنة المأذونية ونجحا فيه وحصل المطعون عليه على 146 درجة أما محمد عبد الباقي منصور فقد حصل على 127.5 درجة، وبتاريخ 13 من نوفمبر سنة 1961 قررت لجنة المأذونية تعيين السيد فؤاد سليمان غيه مأذوناً، وأرسلت الأوراق إلى وزارة العدل للاعتماد إلا أن الأوراق أعيدت إليها لتحقيق الشكاوى المقدمة ضد المرشحين الثلاثة، وقد انتهى تحقيق اللجنة إلى العدول عن قرارها الأول وإلى حفظ الطلبين المقدمين من السيدين فؤاد سليمان غيه ومحمد عبد الله البليدى لما تبين من أن الأول ليس من أهالي دائرة المأذونية وأنه صدرت ضده ثلاثة أحكام ومن أن الثاني سبق الحكم عليه استئنافياً في الجنحة رقم 800 سنة 1925 استئناف القاهرة بالحبس شهراً مع إيقاف التنفيذ لارتكابه جريمة اختلاس ونصب كما حكم عليه بالغرامة في الجنحة رقم 126 سنة 1940 وهي خاصة بواقعة ضرب، ثم أصدرت لجنة المأذونية قراراً في 10 من سبتمبر سنة 1962 بتعيين المرشح محمد عبد الباقي منصور مأذوناً وأرسلت الأوراق إلى وزارة العدل للاعتماد، فأعادت الوزارة الأوراق إلى اللجنة لإجراء المفاضلة بين المطعون عليه والمرشح للوظيفة لأن الأحكام التي صدرت ضد المطعون عليه قديمة ورد اعتباره عنها، بيد أن لجنة المأذونية أصرت على قرارها السابق على أساس أنه سبق الحكم على المطعون عليه بالإدانة في جرائم اتصل بها علم القضاء وثبت لديه ارتكابها الأمر الذي شوه سمعته وأساء إليها وبذلك يكون قد فقد شرطاً من شروط التعيين، ثم صدقت الوزارة على هذا القرار بتاريخ 5 من فبراير سنة 1963.
ومن حيث إن حسن السمعة هو من الصفات المطلوبة في كل موظف عام إذ بدون هذه الصفة لا تتوافر الثقة والطمأنينة في شخص الموظف العام مما يكون له أبلغ الأثر على المصلحة العامة فتختل الأوضاع وتضطرب القيم في النشاط الإداري، ولا يحتاج الأمر في التدليل على سوء السمعة إلى وجود دليل قاطع على توافرها وإنما يكفي في هذا المقام وجود دلائل أو شبهات قوية تلقي ظلالاً من الشك على توافرها حتى يتسم الموظف العام بعدم حسن السمعة، وهو على هذا الوجه شرط صلاحية لتولي الوظائف العامة وشرط للاستمرار في شغلها، وقد نصت الفقرة "د" من المادة الثالثة من لائحة المأذونية على هذا الشرط صراحة فيمن يرشح لوظيفة المأذون وأضافت إلى ذلك شرطاً آخر مؤداه ألا يكون قد صدرت ضد المرشح للوظيفة أحكام قضائية أو تأديبية ماسة بالشرف.
ومن حيث إنه وإن كانت الأحكام الجنائية التي تصدر ضد أحد الأشخاص تكفي في غالب الأحيان للحكم على سلوكه ويصح الاستناد إليها كقاعدة عامة في القول بتوافر شرط حسن السمعة أو انتفائه، إلا أنها لا تصلح سنداً لذلك بالنسبة إلى خصوصية الحالة المعروضة نظراً لأنه مضت مدد طويلة على صدور تلك الأحكام فقد مضى على أولها ما يزيد على الأربعين عاماً وعلى الثاني ستة وعشرين عاماً ولم تحل دون تولي المطعون عليه إحدى الوظائف العامة، فقد كان مدرساً عمل في مرفق التعليم مدة تزيد على الثلاثين عاماً حتى أحيل إلى المعاش - كما قرر المطعون عليه ولم تنازعه الحكومة في ذلك - ومن ثم فلا يصح الاستناد إلى هذه الأحكام لاستخلاص عدم توافر حسن السمعة بالنسبة إلى المطعون عليه، ويضاف إلى ذلك أن جهة الإدارة لم تستند في استخلاص هذا السبب إلى تحريات قدمت إليها من جهة مختصة تكشف عن انتفاء ذلك الشرط بالنسبة إلى المطعون عليه وإنما بنت اقتناعها بذلك على الأحكام المشار إليها وهي لا تصلح سنداً للقول بانتفاء شرط حسن السمعة عن المدعي على النحو السالف بيانه.
وأما فيما يتعلق بالشرط الثاني الذي تضمنته الفقرة "د" من المادة الثالثة من لائحة المأذونية والخاص ألا يكون قد صدرت ضد المرشح للوظيفة أحكام قضائية أو تأديبية ماسة بالشرف فإنه يبين من الاطلاع على صورة الحكم الصادر ضد المطعون عليه في الجنحة رقم 800 سنة 1925 والمرفق بملف الطعن أن المحكمة الاستئنافية قضت بحبسه شهراً مع الشغل لارتكابه جريمة اختلاس عدة نسيج مملوكة له ولآخر وقيامه ببيعها وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة، ولما كانت المادة 59 من قانون العقوبات تنص على أن الحكم الصادر بإيقاف تنفيذ العقوبة يعتبر كأن لم يكن إذا مضى على المحكوم عليه خمس سنوات من تاريخ صيرورته نهائياً ولم يرتكب جناية أو جنحة حكم عليه من أجلها بعقوبة مقيدة للحرية، فإنه بناء على ذلك لا يجوز ترتيب أية آثار جنائية أو إدارية على ذلك الحكم بعد مضي المدد المشار إليها لأن القانون نفسه قد أعدم كل أثر للحكم وقضى باعتباره كأن لم يكن وبالتالي فلا يعتبر هذا الحكم مانعاً من التوظف أو من التعيين في وظيفة المأذونية.
وأما بالنسبة إلى الحكم الآخر الذي صدر ضد المطعون عليه في الجنحة رقم 226 سنة 1940 فإنه صدر بالغرامة في قضية مشاجرة وبهذه المثابة لا يعتبر ماساً بالشرف أو النزاهة ولا يصلح سنداً لاستبعاد المطعون عليه بمقولة إنه لم تتوافر فيه الشروط اللازمة للتعيين في وظيفة المأذون.
ومن حيث إنه وقد توافرت في المطعون عليه شروط التعيين المنصوص عليها في المادة الثالثة من لائحة المأذونية فإنه كان يجب على لجنة المأذونية أن تجري المفاضلة بينه وبين المرشح الآخر السيد/ محمد عبد الباقي منصور على أساس قواعد التفضيل المنصوص عليها في المادة 12 من اللائحة، كما طلبت إليها وزارة العدل بكتابها المؤرخ 10 من ديسمبر سنة 1962، وهي تقضي بأنه في حالة تعدد من تتوافر فيهم شروط التعيين يفضل من يحمل مؤهلاً أعلى ثم الحائز على درجات أكثر في الامتحان المنصوص عليه في المادة التاسعة ثم الحائز لدرجات أكثر في أحكام الزواج والطلاق عند التساوي يقدم حنفي المذهب ثم يكون التفضيل بطريق القرعة، أما وقد استبعدت اللجنة المطعون عليه من الترشيح للوظيفة وعينت منافسه مع أن المطعون عليه أحق منه بالتعيين فيها لحصوله على درجات أعلى من درجات منافسه في الامتحان الذي أجرته اللجنة لهما طبقاً للمادة التاسعة من اللائحة فمن ثم فإن قرار وزير العدل المؤرخ 6 من فبراير سنة 1963 باعتماد قرار لجنة المأذونية بتعيين السيد/ محمد عبد الباقي منصور مأذوناً يكون قد خالف القانون وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلغاء ذلك القرار فيما تضمنه من عدم تعيين المطعون عليه في تلك الوظيفة فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه ويكون الطعن على غير أساس حقيقاً بالرفض مع إلزام وزارة العدل بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعنة بالمصروفات.