مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 601

(62)
جلسة 11 من فبراير سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار وعبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي المستشارين.

القضية رقم 191 لسنة 11 القضائية

موظف. تعيين. تحديد السن. حالة مدنية.
القانون رقم 260 لسنة 1960 في شأن الأحوال المدنية - وجوب التبليغ عن المواليد وقيدها بالسجلات وتحرير شهادة الميلاد - عدم جواز قيد شخص في السجلات المذكورة إذا كان قد سبق قيده بها - الاعتداد بتاريخ القيد الأول في حساب سن الموظف.
إن المواد من 15 إلى 19 من القانون رقم 260 لسنة 1960، في شأن الأحوال المدنية قد أوجبت التبليغ عن المواليد وقيدها بالسجلات وتحرير شهادة الميلاد. ثم نصت المادة 40 على أن المواليد التي لم يكن قد بلغ عنها خلال السنة التالية للولادة لا تقيد في تلك السجلات إلا بناء على قرار يصدر من اللجنة المنصوص عليها في المادة 41 من القانون المذكور. ويستفاد من نصوص هذه المواد أنه لا يجوز قيد شخص في السجلات المذكورة إذا كان قد سبق قيده بها. ولما كان الثابت مما تقدم أن المدعي مقيد بسجلات مواليد ناحية محلة أحمد في 10 من مارس سنة 1898 طبقاً للشهادة الرسمية المرفقة بملف خدمته فإنه لا يجوز قيده بها مرة أخرى ومن ثم يكون التاريخ الوارد بهذه الشهادة هو الذي يعول عليه في تحديد سن المدعي. ولا يغير من ذلك أنها قد استخرجت بناء على طلب جهة الإدارة لأن هذه الجهة إنما طلبتها بطبيعة الحال، بناء على بيانات قدمها لها المدعي لأنه هو صاحب المصلحة في إرفاقها بملف خدمته باعتبارها المستند المثبت لتاريخ ميلاده.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي السيد/ عبد الجليل مبروك سيد جنيدي العامل بأرصاد مطار إمبابة أقام الدعوى رقم 585 لسنة 10 القضائية بصحيفة أودعها سكرتارية المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية في 8 من يوليه سنة 1963 ضد وزارة الحربية طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مصلحة الأرصاد الجوية في 2 من ديسمبر سنة 1962 بإنهاء مدة خدمته اعتباراً من اليوم التالي ليوم 6 من مارس سنة 1963 واعتبار هذا القرار كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال - شرحاً لدعواه - إنه عين في سنة 1920 وقدم مسوغات التعيين في ذلك الوقت شهادة الإعفاء من التجنيد المسلمة إليه من مركز إمبابة في سنة 1919 واستمر في عمله حتى فوجئ بكتاب مصلحة الأرصاد الجوية في 21 من نوفمبر سنة 1961 تطلب فيه منه تقديم مسوغات تعيينه ومنها شهادة ميلاده. وأنه لما كان من سواقط القيد فقد أعد الأوراق المطلوبة وأرسلها للمصلحة ومن بينها شهادة ميلاد صادرة من مصلحة الأحوال المدنية في 12 من سبتمبر سنة 1962 تفيد أن اسمه عبد الجليل مبروك سيد جنيدي مولود بناحية إمبابة في 22 مارس سنة 1905 وبالرغم من ذلك أصرت المصلحة على عدم قانونيتها مستندة في ذلك إلى أن شهادة الميلاد لا تخصه لأنها باسم عبد الجليل مبروك خير مولود بدمنهور. وعلى أساس هذه الشهادة قررت في 2 من ديسمبر سنة 1962 انتهاء مدة خدمته اعتباراً من اليوم التالي ليوم 9/ 3/ 1963 لبلوغه السن القانونية. ونعى المدعي على القرار المذكور مخالفته لقانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951، وقرر أنه قد تظلم منه في 24 من يناير سنة 1963 وفي 18 من فبراير سنة 1963 أخطر بما يفيد رفض تظلمه فتقدم بطلب لمعافاته من رسوم الدعوى فقرر قبوله في أول مايو سنة 1963 فأقام هذه الدعوى.
وردت الحكومة على الدعوى بأن المدعي عين اعتباراً من أول أغسطس سنة 1920 فراشاً من الدرجة الثانية باسم عبد الجليل مبروك وأنه مرفق بملف خدمته الأوراق الآتية:
(1) مستخرج رسمي لشهادة ميلاد ثابت به أنه قيد بدفتر مواليد ناحية محلة أحمد بحيرة في 10 من مارس سنة 1898 باسم عبد الجليل مبروك خير واسم والدته كعب الخير.
(2) شهادة تحقيق شخصية من إدارة الأمن العام بوزارة الداخلية في 6 من سبتمبر 1920 باسم عبد الجليل مبروك وأن سنه عشرون سنة.
(3) طلب مقيد برقم 12599 في 5 من أغسطس سنة 1961 طلب فيه إعفاؤه من العمل ليلاً (النوباتجية) وأقر فيه بأنه من مواليد سنة 1898.
ثم قالت الحكومة إن المدعي قد اعترف بأنه عين بمقتضى شهادة الإعفاء من التجنيد ولما كانت هذه الشهادة مؤرخة في 23 من يوليه سنة 1919 فإنها تدل على أن المدعي لا بد وأن يكون قد ولد قبل سنة 1900 لأن الشخص لا يطلب للتجنيد إلا إذا بلغ من العمر 19 سنة على الأقل وأنه طبقاً للشهادة المقدمة منه أخيراً يكون سنه وقت صدور شهادة الإعفاء من التجنيد 14 سنة ولا يعقل أن يطلب للتجنيد من يبلغ هذه السن. وأن المصلحة لما رأت عدم استيفائه مسوغات تعيينه طالبته بتقديمها فاعترض بأن اسمه عبد الجليل مبروك سيد وأبدى استعداده لتقديم شهادة ميلاد باسمه الصحيح إلا أنه أحضر مستخرجاً من شهادة ميلاده باعتباره من سواقط القيد ومولود بناحية إمبابة ولذلك فإنها قد عرضت الأمر على إدارة الفتوى والتشريع فأفتت - للأسباب الواردة بها - أنه لا يحتج بهذا المستخرج الأخير ولذلك فقد صدر قرار في 2 من ديسمبر سنة 1962 بإنهاء خدمة المدعي اعتباراً من 10 من مارس سنة 1963 استناداً إلى المستخرج الرسمي المرفق بملف خدمته والذي يتمشى مع شهادة إعفائه من التجنيد وهي المسوغ الوحيد المعين على أساسه ولذلك فإنه يكون قد صادف محله مستند إلى أساس سليم من القانون - وأضافت الحكومة أنه لم يتظلم من ذلك القرار وانتهت إلى طلب الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً واحتياطياً برفضها وإلزام المدعي بالمصروفات.
وعقب المدعي على رد الحكومة بمذكرة رد فيها ما سبق أن أبداه بصحيفة الدعوى وأضاف إليه أن شهادة الإعفاء من التجنيد المقدمة منه عند التعيين ثابت بها أن اسمه عبد الجليل مبروك سيد ولما طولب بمسوغات التعيين قدم شهادة ميلاد بهذا الاسم ثابت بها أنه من مواليد 22 من مارس سنة 1905 كما أن الاسم المذكور ثابت في وثيقة زواجه وفي شهادة ميلاد أبنائه وبالقرار الصادر بترقيته في 21 من ديسمبر سنة 1959 وفي الحكم الصادر من محكمة روض الفرج الشرعية في 27 من يونيه سنة 1957 بتقرير نفقة شرعية لزوجة ابنه. كما أن الثابت أن من يتقدم لمصلحة الأحوال المدنية طالباً استخراج شهادة ميلاد باعتباره من سواقط القيد فإن عليه أن يقوم بإجراءات معينة وقد قام بهذه الإجراءات وانتهت بمنحه شهادة ميلاد باعتباره من مواليد 22 من مارس سنة 1905 وقام بنشر ذلك في الصحف وله تعترض المصلحة ومن ثم فإنه لا يجوز لها بعدم ذلك أن تعترض على تاريخ ميلاده أو اسمه. وقدم المدعي حافظة بمستنداته.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الدعوى انتهت فيه إلى التوصية بالحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد وإلزام المدعي بمصروفاتها.
عقب المدعي على تقرير هيئة مفوضي الدولة بأن الذي حال بينه وبين رفع الدعوى في الميعاد القانوني هو إصابته بمرض أعجزه تماماً عن الحركة إثر تسلمه لقرار معافاته من الرسوم، ثم ردد دفاعه السابق وانتهى إلى طلب الحكم بصفة أصلية برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً والقضاء بإلغاء القرار المطعون فيه مع باقي طلباته المبينة بصحيفة الدعوى واحتياطياً بإلزام الحكومة بأن تدفع له مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت من جراء إحالته إلى المعاش باسم عبد الجليل مبروك خير مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة..
وقد دفع محامي الحكومة بعدم اختصاص المحكمة بنظر الطلب الاحتياطي إذ أنه لا يدخل ضمن المنازعات المحددة في قانون مجلس الدولة.
وبجلسة 21 من نوفمبر سنة 1964 قضت المحكمة الإدارية برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى فيما يتعلق بالطلب الاحتياطي وباختصامها بنظرها، وبعدم قبول طلب المدعي الأصلي شكلاً وفي الموضوع بالنسبة للطلب الاحتياطي بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت وألزمت الحكومة بالمصروفات وبأن تدفع له مبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة وأقامت قضاءها بإلزام الحكومة بهذا التعويض - على أن المستفاد من الأوراق المودعة ملف الدعوى أن المدعي دخل الخدمة ابتداء دون أن يكون لديه شهادة ميلاد، وإلا لقدمت عند التعيين، وأن كل مسوغات تعيينه لم تكن سوى شهادة الإعفاء من التجنيد. وأن شهادة الميلاد التي هي المستند الأول في تحديد سن الموظف فإنها تطلب منه أو يطالب بمستخرج رسمي منها ابتداء عند التعيين أما الشهادة التي أخذت بها المصلحة فإنها مودعة ملف المدعي بعد ثمانية عشر عاماً من التحاقه بالخدمة ومستخرجة بناء على طلب المصلحة وينكر المدعي أنها تخصه بل ينكر معرفته بها كما أن المصلحة ذاتها تشككت في كونها تخص المدعي وذلك بطلبها منه، في 21 من نوفمبر سنة 1961، مسوغات تعيينه التي من ضمنها مستخرج رسمي لشهادة ميلاده - مما اضطره إلى استخراج شهادة ميلاد كساقط قيد، وهذه مبين بها أنه من مواليد سنة 1905 وأن المدعي قد دلل على صحة أقواله بما قدمه من مستندات أخرى أودعها حافظة مستنداته أهمها وثيقة زواجه وبطاقته الشخصية وحكم شرعي صادر ضده لزوجة ابنه بنفقة شرعية تجري المصلحة خصمها من مرتبه وكلها باسم عبد الجليل مبروك سيد وانتهت المحكمة إلى أنه لما تقدم تكون الشهادة المستخرجة من مكتب السجل المدني بهذا الاسم الأخير والمبين بها أن المدعي من مواليد عام 1905 هي المعول عليها في تحديد سنه مما يتعين معه الحكم له بالتعويض والذي قدره مؤقتاً بمبلغ قرش صاغ واحد.
وردت المحكمة على ما أثارته الحكومة من أن شهادة الإعفاء من التجنيد مؤرخة في سنة 1919 فإذا كان المدعي من مواليد سنة 1905 فإنه على هذا الأساس يكون سنه عند تقديم هذه الشهادة لا يزيد على الأربعة عشر عاماً - ردت المحكمة على ذلك بأن المدعي، وهو من سواقط القيد، فإن الذي يحدد سنه عند طلبه للخدمة العسكرية هو العمدة أو شيخ البلد وأن تقديرهما لسن المدعي قد يشوبه الخطأ تبعاً لطول قامته أو لاكتمال رجولته قبل بلوغه السن التي تكتمل فيها الرجولة عادة.
وقد طعنت الحكومة في هذا الحكم بصحيفة أودعتها سكرتيرية هذه المحكمة في 20 من يناير سنة 1965 طالبة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون عليه مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وبنت طعنها على أن المحكمة قد أخطأت في تقديرها لوقائع الدعوى وانتهت في حكمها إلى نتيجة لا تتفق مع التقدير السليم لقيمة ودلالة هذه الوقائع واستندت في ذلك إلى ما استندت إليه في ردها على الدعوى وأضافت إليه أنه لا يجوز للمحكمة أن تهدر قرينة قوية مستندة من ورقة رسمية - هي شهادة الإعفاء من التجنيد - بناء على مجرد افتراض من عندها، وهو افتراض ساذج غير متصور لأن الخطأ في تقدير السن إذا جاز أن يحدث في سنة أو سنتين فإنه مستحيل في سبع سنوات وأن المحكمة لم ترد على القرائن الأخرى التي أشارت إليها الوزارة في ردها على الدعوى والتي تدل على أن المدعي من مواليد عام 1898.
وعقبت هيئة مفوضي الدولة على الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الحكومة بالمصروفات واستندت في ذلك إلى أن الحكم المطعون فيه قد صادف محله لأنه قد وازن بين القرائن والأدلة المقدمة من طرفي الخصومة واقتنع بصحة المستندات المقدمة من المطعون عليه وكان اقتناعه مبنياً على تقدير سليم لوقائع لها أصل ثابت بالأوراق وانتهى إلى نتيجة تتفق مع هذا التقدير وإنه لا تثريب على المحكمة إذا هي أغفلت الرد على بعض القرائن التي ساقتها جهة الإدارة ذلك أنها أيضاً لم تتناول كل ما قدمه المطعون عليه من مستندات واكتفت بإسراد الوقائع والمستندات التي تؤدي إلى اقتناعها بالنتيجة التي توصلها إليها.
ثم قدمت الحكومة مذكرة رددت فيها دفاعها السابق وأضافت إليه أن الشهادة المقدمة من المطعون عليه مؤخراً ليست بذات قيمة ذلك أن المستفاد من نص المادة 40 من القانون رقم 260 لسنة 1960 - في شأن الأحوال المدنية - أنه لا يجوز قيد شخص في السجلات إذا كان قد سبق قيده. ولما كان المدعي قد قيد بدفاتر مواليد ناحية محلة أحمد بحيرة باعتباره من مواليد 10 مارس سنة 1898 فإنه ما كان يجوز له طلب قيد اسمه باعتباره من سواقط القيد. وانتهت الحكومة إلى التصميم على طلباتها الواردة في صحيفة الطعن.
ومن حيث إن المحكمة - بحكمها المطعون فيه - قد قضت للمدعي بالتعويض المؤقت استناداً إلى أن قرار إنهاء خدمته اعتباراً من 10 من مارس سنة 1963 لبلوغه السن القانونية، غير صحيح بمقولة إنه لم يكن قد بلغ هذه السن في ذلك التاريخ لأن المعول عليه في تحديد سنة هي الشهادة المستخرجة من مصلحة الأحوال المدنية والثابت بها أنه من مواليد 22 من مارس سنة 1905.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي وباقي أوراق الطعن أنه عين اعتباراً من أول أغسطس سنة 1920 فراشاً بمصلحة الطبيعيات باسم عبد الجليل مبروك ولم يقدم حينذاك شهادة ميلاده أو مستخرجاً منها وفقط قدم شهادة إعفاء من التجنيد مؤرخة 23 من يوليه سنة 1919 باسم عبد الجليل مبروك سيد. وفي سنة 1938 طلبت المصلحة مستخرجاً رسمياً من شهادة ميلاده من مديرية البحيرة فتبين أنه مقيد بدفتر مواليد ناحية محلة أحمد التابعة لهذه المديرية في 10 من مارس سنة 1898 باسم عبد الجليل مبروك خير. ونظراً لأن اسم الجد في هذا المستخرج يختلف عما جاء في شهادة الإعفاء من التجنيد فقد زعم المدعي أنه لا يخصه وأنه من سواقط القيد وقد قيد بمحافظة البحيرة على أنه من مواليد سنة 1905. وقد رأت الجهة الإدارة عدم الالتفات إلى هذا التاريخ الأخير والأخذ بالتاريخ الوارد في الشهادة المستخرجة في سنة 1938 التي تفيد أنه من مواليد 10 مارس سنة 1898 وأصدرت قرارها المطعون فيه بإنهاء خدمة المدعي اعتباراً من 10 من مارس سنة 1963 لبلوغه سن إنهاء الخدمة وهي 65 سنة.
ومن حيث إن المواد من 15 إلى 19 من القانون رقم 260 لسنة 1960، في شأن الأحوال المدنية، قد أوجبت التبليغ عن المواليد وقيدت بالسجلات وتحرير شهادة الميلاد. ثم نصت المادة 40 على أن المواليد التي لم يكن قد بلغ عنها خلال السنة التالية للولادة لا تقيد في تلك السجلات إلا بناء على قرار يصدر من اللجنة المنصوص عليها في المادة 41 من القانون المذكور. ويستفاد من نصوص هذه المواد أنه لا يجوز قيد شخص في السجلات المذكورة إذا كان قد سبق قيده بها.. ولما كان الثابت مما تقدم أن المدعي مقيد بسجلات مواليد ناحية محلة أحمد في 10 من مارس سنة 1898 طبقاً للشهادة الرسمية المرفقة بملف خدمته فإنه لا يجوز قيده بها مرة أخرى ومن ثم يكون التاريخ الوارد بهذه الشهادة هو الذي يعول عليه في تحديد سن المدعي. ولا يغير من ذلك أنها قد استخرجت بناء على طلب جهة الإدارة لأن هذه الجهة إنما طلبتها، بطبيعة الحال، بناء على بيانات قدمها لها المدعي لأنه هو صاحب المصلحة في إرفاقها بملف خدمته باعتبارها المستند المثبت لتاريخ ميلاده. أما عن اختلاف اسم الجد الوارد بها - وهو خير - عن ذلك الوارد بشهادة الإعفاء من التجنيد - وهو سيد - فإنه خطأ مادي أما في الشهادة الأولى أو الثانية. يعزز ذلك أن اسم والده المدعي الوارد بشهادة الميلاد المنوه عنها - وهو كعب الخير - هو نفس اسم والدته في الشهادة التي قدمت أخيراً منه. كما أن ملف خدمته زاخراً بأوراق أخرى تدل دلالة قاطعة على أنه من مواليد سنة 1898 منها محضر التحقيق الذي أجري مع المدعي في 14 من يناير سنة 1961، والموقع عليه منه، فقد سأله المحقق عن سنه حينذاك فقرر أنه 63 سنة. وكذلك الطلب المقدم منه للجهة الإدارية في 5 من أغسطس سنة 1961 الذي طلب فيه، مراعاة لكبر سنه وضعف بصره، إعفاءه من العمل ليلاً "النوباتجية" وقد أقر في هذا الطلب أنه من مواليد سنة 1898 وأن عمره وقتذاك هو 64 سنة. كما أن المدعي سبق أن تقدم بشهادة من الإدارة العامة لمكافحة الأمية مؤرخة في 3 من ديسمبر سنة 1957 وقد ورد بها أن سنه في ذلك التاريخ كان 59 سنة وذلك فضلاً عن شهادة الإعفاء من التجنيد المؤرخة 23 من يوليه سنة 1919 والتي قدمها كمسوغ لتعيينه في سنة 1920 لأنه إذا كان حقيقة من مواليد سنة 1905، كما يزعم، فإنه يكون قد جند وهو في الرابعة عشرة من عمره مع أن الشخص لا يطلب للتجنيد إلا بعد بلوغه سن التاسعة عشرة. ولا اعتداد بما ذكرته المحكمة بحكمها المطعون فيه - من أن الذي حدد سن المدعي عند طلبه للتجنيد هو العمدة أو شيخ البلد وأن تقديرهما لسنه قد شابه الخطأ تبعاً لطول قامته أو لاكتمال نموه واشتداد عوده - لا اعتداد بذلك لأن الخطأ في تقدير السن، كما قالت الحكومة بحق، إن جاز أن يحدث في حدود سنة أو سنتين فإنه يستحيل حدوثه لفارق بلغ ست أو سبع سنين.
ومن حيث إنه متى ثبت أن المدعي من مواليد 10 من مارس سنة 1898 طبقاً لشهادة الميلاد المعمول عليها والمرفقة بملف خدمته فإن قرار إنهاء خدمته اعتباراً من اليوم التالي ليوم 9 من مارس سنة 1963 - وهو القرار المطعون فيه - يكون قد صدر صحيحاً بمراعاة أن السن المقررة لإنهاء خدمة مثل المدعي هي الخامسة والستين على اعتبار أنه من الموظفين الخارجين عن الهيئة، ومن ثم يكون طلب المدعي الاحتياطي بتعويضه عن هذا القرار غير قائم على أساس سليم من القانون متعين بالرفض. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً، فيما قضى به بالنسبة لهذا الطلب - من إلزام الوزارة بأن تدفع للمدعي مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت - هذا القضاء يكون قد جانب الصواب ويتعين من ثم الحكم بإلغائه في هذا الشق من قضائه والحكم برفض هذا الطلب الاحتياطي مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من الحكم للمدعي بتعويض مؤقت قدره قرش صاغ واحد وبرفض هذا الطلب وألزمت المدعي بالمصروفات.