مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1966 إلى منتصف فبراير سنة 1967) - صـ 621

(64)
جلسة 12 من فبراير سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي والدكتور أحمد ثابت عويضة وسليمان محمود جاد المستشارين.

القضية رقم 380 لسنة 8 القضائية

( أ ) دعوى. "رسوم قضائية". شطب الدعوى. لا تطبيق لهذا النظام في الدعاوى الإدارية ولا في طلبات الإعفاء من الرسوم القضائية - قرار بشطب طلب الإعفاء من أداء رسوم دعوى إدارية - لغو ولا أثر له.
(ب) عامل يومية. تعيينه. شرط اللياقة الطبية. موظف. شرط اللياقة الطبية هو من الشروط الجوهرية اللازمة للصلاحية في الخدمة والاستمرار فيها - المصدر التشريعي لهذا الشرط بالنسبة لعمال اليومية الدائمين.
(ج) عامل يومية "إنهاء خدمته". عامل. "شرط اللياقة الطبية" قرار إداري. "تحصنه". ثبوت عدم لياقته الطبية - إنهاء خدمته مع تحويله إلى سلك اليومية المؤقتة صحيح - طول العهد على العامل دون استيفاء شرط اللياقة الطبية بالنسبة إليه - لا يعتبر إعفاء ضمنياً له - عدم تحصن قرار التعيين غير المقترن بثبوت اللياقة الطبية [(1)].
1 - حيث إن نظام الشطب لا يطبق في الدعاوى الإدارية التي تعتمد أساساً على المذكرات المكتوبة، وحتى لو سلم بنظام الشطب في هذه الدعاوى فإن ذلك لا يسرى على طلبات الإعفاء من الرسوم لأنها ليست دعاوى وإنما طلبات ترفع للجنة المساعدة القضائية للإعفاء من الرسوم تمهيداً لرفع الدعاوى. ولذلك فإن قرار الشطب في طلب الإعفاء لغو لا يعتد به ولا أثر له.
2 - إن ثبوت لياقة الموظف الطبية للخدمة هو شرط من الشروط الجوهرية اللازمة للصلاحية للتعيين في الخدمة والاستمرار فيها. وقد رددت هذا الأصل بالنسبة إلي عمال اليومية الدائمين - ومن قبل صدور كادر العمال - التعليمات المالية الصادرة في عام 1922 والمتضمنة للأحكام التي وافق عليها مجلس الوزراء في 8 من مايو سنة 1922 إذ نصت الفقرة 29 من هذه التعليمات على "ألا يعاد إلى الخدمة أحد عمال اليومية المفصولين لعدم اللياقة الطبية ما لم يقرر لياقته القومسيون الطبي العام أو أية سلطة ينتدبها القومسيون لهذا الغرض" وأنه لا شبهة في أن اللياقة الطبية التي تشترط لبقاء العامل في وظيفته الدائمة طبقاً للتعليمات المالية هي من الأمور التي يتعين اعتبارها مكملة بطبيعتها ودون حاجة إلى نص لأحكام كادر عمال اليومية ما دام لم يرد في هذه الأحكام ما يتعارض معها.
3 - إن إنهاء الإدارة لخدمة المدعى باليومية الدائمة مع تحويله إلى سلك اليومية المؤقتة يعد إعمالاً صائباً للأصل المقرر القاضي بإنهاء خدمة العامل الدائم عند ثبوت عدم لياقته الطبية، وبالتالي عجزه عن القيام بأعباء وظيفته الناتج عن عدم لياقته الطبية. وليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن تسوية حالة المدعى طبقاً لأحكام كادر العمال بوصف أنه عامل دائم دون توقيع الكشف الطبي عليه في حينه تعتبر بمثابة إعفاء ضمني له من الكشف الطبي، إذ الأصل أن الإعفاء من شرط اللياقة الطبية هو استثناء من وجوب توفر هذه اللياقة للصلاحية للتعيين في الوظيفة والبقاء فيها، وهذا الاستثناء لا يكون إلا بنص في القانون أو بقرار صريح ممن خوله القانون رخصة هذا الإعفاء. أما طول العهد على تعيين العامل دون استيفاء شرط اللياقة الطبية بالنسبة إليه، فلاً يعتبر إعفاء ضمنياً له من هذا الشرط يترتب عليه سقوط حق الإدارة في التمسك به قبله ولا ينطوي على هذا المعنى لتعلق الأمر بصلاحية متجددة تتطلبها مصلحة الوظيفة العامة ذاتها. وهذه الصلاحية الواجب استمرارها والتي هي حق الوظيفة العامة على المكلف بعملها هي شرط جوهري لازم لقيام العلاقة الوظيفية وطوال قيامها، وبهذه المثابة فإن الإعفاء فيها أو النزول عنها لا يفترض. ومتى انتفى هذا الافتراض سقطت بالتالي حجة تحصن قرار التعيين غير المقترن بثبوت اللياقة الطبية بل إن فقدان هذه اللياقة لسبب ما بعد سابقة ثبوتها هو في ذاته سبب مبرر لإنهاء خدمة العامل وهو من باب أولى موجب لهذا الإنهاء في حالة عدم ثبوتها أصلاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاع الشكلية باعتبار أن نهاية ميعاد الستين يوماً المقرر لرفع الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا قد صادف يوم جمعة وهو عطلة رسمية ومن ثم فإن ميعاد الطعن يمتد إلى أول يوم عمل تال لها طبقاً لنص المادة 23 من قانون المرافعات المدنية والتجارية وهو يوم السبت الموافق 27 من يناير سنة 1962 الذي تم فيه إيداع تقرير الطعن قلم كتاب هذه المحكمة وعلى هذا يكون الطعن مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن - المدعى أقام الدعوى رقم 271 لسنة 8 القضائية ضد وزارة الأشغال بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية في 4 من فبراير سنة 1961 بناء على قرار لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة الصادر في 11 من يناير سنة 1961 بقبول طلب الإعفاء من الرسوم المقدم منه والمقيد بجدولها تحت رقم 1352 لسنة 6 القضائية. وطلب المدعى الحكم "بإلغاء القرار الإداري الصادر بتاريخ أول مايو سنة 1959 القاضي بتحويله من اليومية المستديمة إلى اليومية المؤقتة ومنحه العلاوات المستحقة إليه بعد صدور القرار المذكور وكافة ما يترتب على ذلك من آثار ومع حفظ كافة حقوقه الأخرى حالاً ومستقبلاً وتحميل الحكومة بالمصاريف وأتعاب المحاماة". وقال شرحاً للدعوى أنه عين باليومية المستديمة بتفتيش قناطر الدلتا منذ 1940 وظل يتقاضى أجره وعلاواته ويتمتع بما يتمتع به أمثاله من عمال اليومية المستديمة، ولكنه فوجئ في عام 1955 بامتناع الإدارة عن صرف علاوته الدورية المستحقة له، فتقدم بطلب استحقاقه لهذه العلاوة إلى المحكمة الإدارية التي قضت بإجابته إلى طلبه. ثم عادت الإدارة وأصدرت في أول مايو 1959 قراراً بفصله من الخدمة وتحويله إلى عامل مؤقت باليومية بحجة أنه لم يوقع عليه الكشف الطبي مع أن سكوت الإدارة عن تحويله إلى الكشف الطبي عند تعيينه يتضمن إعفاء له من هذا الكشف الطبي، فضلاً عن أنه ضيع عليه فرصة ثبوت لياقته الصحية قبل أن تضعف صحته نتيجة العمل أبان مدة خدمته الطويلة. وأضاف إلى ما تقدم أنه تظلم من هذا القرار في 31 من مايو سنة 1959 ثم بطلب الإعفاء من الرسوم القضائية المستحقة على الدعوى الراهنة في 28 من سبتمبر سنة 1959 أي في الميعاد القانوني. وبجلسة 27 من نوفمبر سنة 1961 حكمت المحكمة الإدارية "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر في 22 من إبريل سنة 1959 بتحويل المدعى من سلك اليومية المستديمة إلى سلك اليومية المؤقتة، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبأن تدفع للمدعى مبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة" وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً على أن القرار المطعون فيه قد صدر في 24 من إبريل سنة 1959 فتظلم منه المدعى في 31 من مايو سنة 1959، ثم قدم طلباً لإعفائه من الرسوم القضائية في 28 من سبتمبر سنة 1959، وفي 20 من يناير سنة 1960 قررت اللجنة شطب الطلب، فقدم في 16 من يوليه سنة 1960 طلباً مجدداً له قررت اللجنة قبوله في 11 من يناير سنة 1961، ثم أقام دعواه الراهنة بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الإدارية في 4 من فبراير سنة 1961 أي في الميعاد القانوني، ذلك أن نطاق الشطب لا يطبق في الدعاوى الإدارية التي تعتمد أساساً على المذكرات المكتوبة، وحتى لو سلم بنظام الشطب في هذه الدعاوى فإن ذلك لا يسرى على طلبات الإعفاء من الرسوم لأنها ليست دعاوى وإنما طلبات ترفع للجنة المساعدة القضائية للإعفاء من الرسوم تمهيداً لرفع الدعاوى. ولذلك فإن قرار الشطب في طلب الإعفاء لغو لا يعتد به ولا أثر له فضلاً عن أن المدعى قد قدم بعد الشطب طلب إعفاء صدر فيه قرار بالقبول فقام برفع دعواه خلال ستين يوماً من قرار القبول هذا وبالنسبة إلى الموضوع أسست المحكمة قضاءها على أن المدعى عين باليومية الدائمة في سنة 1945 دون كشف طبي، وظل كذلك حتى سنة 1954 مما يقطع بأن الجهة الإدارية قد قصدت إعفاءه من هذا الشرط من شروط التعيين، ثم عادت فأوقعت عليه الكشف الطبي في 14 من سبتمبر سنة 1954 حيث ثبت عدم لياقته صحياً ومع هذا ظل باليومية الدائمة بعد ذلك حتى صدر قرار بفصله في 22 من إبريل سنة 1959 وبذلك تكون قد فصلته من وظيفته الدائمة بالمخالفة لأحكام القانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً المبدي من هيئة مفوضي الدولة لدى المحكمة الإدارية، وذلك للأسباب التي قام عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة.
ومن حيث إنه فيما يختص بالموضوع أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن ثبوت لياقة الموظف الطبية للخدمة هو شرط من الشروط الجوهرية اللازمة للصلاحية للتعيين في الخدمة والاستمرار فيها. وقد رددت هذا الأصل بالنسبة إلى عمال اليومية الدائمة - ومن قبل صدور كادر العمال - التعليمات المالية الصادرة في عام 1922، والمتضمنة للأحكام التي وافق عليها مجلس الوزراء في 8 من مايو سنة 1922، إذ نصت الفقرة 29 من هذه التعليمات على ألا يعاد إلى الخدمة أحد عمال اليومية المفصولين لعدم اللياقة الطبية ما لم يقرر لياقته القومسيون الطبي العام أو أية سلطة ينتدبها القومسيون لهذا الغرض". وأنه لا شبهه في أن اللياقة الطبية التي تشترط لبقاء العامل في وظيفته الدائمة طبقاً للتعليمات المالية هي من الأمور التي يتعين اعتبارها مكملة بطبيعتها ودون حاجة إلى نص لأحكام كادر عمال اليومية ما دام لم يرد في هذه الأحكام ما يتعارض معها.
ومن حيث إنه على هدى ما تقدم، يعد إنهاء الإدارة لخدمة المدعى باليومية الدائمة مع تحويله على سلك اليومية المؤقتة إعمالاً صائباً للأصل المقرر القاضي بإنهاء خدمة العامل الدائم عند ثبوت عدم لياقته الطبية، وبالتالي عجزه عن القيام بأعباء وظيفته الناتج عن عدم اللياقة هذه. وليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن تسوية حالة المدعى طبقاً لأحكام كادر العمال بوصف أنه عامل دائم دون توقيع الكشف الطبي عليه في حينه بمثابة إعفاء ضمني له من الكشف الطبي، إذ الأصل أن الإعفاء من شرط اللياقة الطبية هو استثناء من وجوب توفر هذه اللياقة للصلاحية للتعيين في الوظيفة والبقاء فيها، وهذا الاستثناء لا يكون إلا بنص في القانون أو بقرار صريح ممن خوله القانون رخصة هذا الإعفاء. أما طول العهد على تعيين العامل دون استيفاء شرط اللياقة الطبية بالنسبة إليه، فلاً يعتبر إعفاء ضمنياً له من هذا الشرط يترتب عليه سقوط حق الإدارة في التمسك به قبله ولا ينطوي على هذا المعنى لتعلق الأمر بصلاحية متجددة تتطلبها مصلحة الوظيفة العامة ذاتها. وهذه الصلاحية الواجب استمرارها والتي هي حق الوظيفة العامة على المكلف بعملها هي شرط جوهري لازم لقيام العلاقة الوظيفية وطوال قيامها، وبهذه المثابة فإن الإعفاء فيها أو النزول عنها لا يفترض. ومتى انتفى هذا الافتراض سقطت بالتالي حجة تحصن قرار التعيين غير المقترن بثبوت اللياقة الطبية بل إن فقدان هذه اللياقة لسبب ما بعد سابقة ثبوتها هو في ذاته سبب مبرر لإنهاء خدمة العامل وهو من باب أولى موجب لهذا الإنهاء في حالة عدم ثبوتها أصلاً.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، إذ ذهب غير هذا المذهب، يكون قد خالف القانون وجانب الصواب في تأويله وتطبيقه، ويتعين من ثم القضاء بإلغاء وبرفض الدعوى وإلزام المدعى بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعى بالمصروفات.


[(1)] يراجع حكم المحكمة الصادر بجلسة 18/ 2/ 1967 في القضية رقم 487 لسنة 10 القضائية.