مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1959 إلى آخر مايو سنة 1959) - صـ 735

(60)
جلسة 7 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 609 لسنة 3 القضائية

رسوم السيارات - مناط استحقاق رسوم السيارات طبقاً للقانون رقم 44 لسنة 1934 أن تكون السيارة معدة للسير في الطريق العام، وليس المناط ثبوت استعمالها بالفعل في الطرقات العامة - مثال.
إن ثمت فرقاً بين أن تكون السيارة معدة للسير في الطرق العام وبين استعمالها فعلاً لهذا الغرض، وإن مناط استحقاق الرسم هو أن تكون معدة للغرض المذكور، وليس المناط استعمالها بالفعل بالسير في الطرقات العامة. وآية ذلك أن القانون رقم 44 لسنة 1934 المتعلق برسوم السيارات يفترض في السيارة أنها معدة للسير في الطريق العام؛ ولذا يجب دفع الرسوم مقدماً سنوياً أو كل ستة أشهر أو كل ثلاثة أشهر (المادة الثانية)، ثم أجاز لكل حائز سيارة لا ينوي استعمالها بالفعل أن يطلب إعفاءه من دفع الرسم بالشروط والقيود المبينة في المادة التاسعة، فنظم القانون بذلك الوسيلة لرفع الرسم استثناء من الأصل المذكور الذي يفترضه، وهو استحقاق هذا الرسم مقدماً، ما دامت السيارة معدة للغرض المشار إليه الذي يستتبع في نظر القانون افتراض السير على الطرق العامة، ولكن يتعين على حائز السيارة الذي ينوي عدم استعمالها أن يلتزم بالقيود والشروط المفروضة عليه طبقاً للقانون، وأخصها ألا يعود إلى استعمالها فعلاً، سواء ضبطت في طريق عام أم في طريق خاص، فهذا يخرجها عن الحالة التي استثناها القانون من الأصل المذكور، ويلتزم عندئذ - بحسب الأحوال - بالرسم الأصلي والإضافي على النحو المحدد فيه. وإذا كان المدعي يقر بأنه يمتهن صناعة النقل التجاري بالسيارات، وأنه يملك مجموعة كبيرة منها لهذا الغرض، وأن السيارات محل المنازعة كانت مرخصة في الأصل، ولكنه ألغى ترخيصها بدعوى أنها أصبحت مستهلكة ولم تعد تصلح للغرض المقصود منها الذي أعدت له وهو النقل، فليس من شك في أن ظروف الحال وملابساته لا تترك مجالاً لأية شبهة في أن المدعي عاد فاستعمل تلك السيارات في النقل فعلاً، أي فيما كانت معدة له من قبل، فيفترض القانون - والحالة هذه - أنها أصبحت بحكم هذا الغرض تسير على الطرقات العامة، بل إنه فضلاً عن الافتراض القانوني فلا يتصور من حيث الواقع وصول السيارات من مأواها إلى مكان ضبطها إلا بالسير على الطريق العام؛ بهذه المثابة يقع المدعي تحت طائلة المادة التاسعة من القانون المشار إليه من حيث التزامه بالرسم الأصلي والإضافي. أما ما يتمحل له من أن هذه السيارات قد ضبطت وهى تنقل في طريق خاص على ما يزعم فلا غناء فيه، ولا يغير من الفهم الصحيح لحكم القانون وقصد الشارع.


إجراءات الطعن

في 28 من مارس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 609 لسنة 3 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "الهيئة الأولى" بجلسة 29 من يناير سنة 1957 في الدعوى رقم 3864 لسنة 9 ق المقامة من فؤاد أحمد سافستكي ضد إدارة المرور ومصلحة الأموال المقررة، الذي يقضي "بإلغاء القرار الصادر بفرض رسم على السيارات المملوكة للمدعي والتي تسير على الطريق الخاص بشركة أسمنت بورتلاند بحلوان بين مصانع الشركة والمحجر الخاص بها، وألزمت المحكمة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم والمطعون فيه، ورفض الدعوى، إلزام المدعي المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 23 من أبريل و9 من مايو سنة 1957، وإلى المطعون عليه في 21 من مايو سنة 1957. وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 15 من مارس سنة 1958. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكورة بملاحظاته. وفي 19 من فبراير سنة 1958 أعلن الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحاضر جلسات المرافعة، ثم قررت المحكمة ضم ملف التراخيص الصادرة من بلدية القاهرة، وبعد أن ضمت فعلاً قررت المحكمة بجلسة 27 من ديسمبر سنة 1958 إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 3864 لسنة 9 ق أمام محكمة القضاء الإداري "الهيئة الأولى" بعريضة أودعها سكرتارية تلك المحكمة في 16 أغسطس سنة 1955 طلب فيها: الحكم بإيقاف تنفيذ القرار الصادر من قوموندان إدارة مرور القاهرة بفرض مبلغ 50 م و2152 ج بوصفه ضريبة وغرامة قدرت على سيارات المدعي، باعتبار أن تلك السيارات قد استخدمت في طريق عام دون ترخيص. وكذلك طلب المدعي الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه، مع إلزام المعلن إليهما - إدارة مرور القاهرة ومصلحة الأموال المقررة - بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه يمتهن صناعة النقل التجاري بالسيارات وخاصة نقل المواد البترولية؛ الأمر الذي استتبع أن يملك مجموعة كبيرة من السيارات المختلفة التي يقتضي العمل استخدامها وفقاً لحاجة نشاطه من ناحية ووفقاً لدرجة استهلاكها من ناحية أخرى؛ ولذا فإنه فيما يتصل بالتراخيص لهذه السيارات فقد دأب على تجديد رخصها وفقاً لأحكام القانون، إلا بالنسبة للسيارات التي استهلكت إلى حد بعيد فإنه لا يجدد رخصها، ويسلم النمر المعدنية الخاصة بها، ويحفظ بذات السيارة في مخازنه ليستعملها عند الحاجة في أحد أمرين: أخذ الصالح منها كقطع غيار، أو تشغيلها في النقل الخاص، أي في غير الطرق العامة. ولقد حدث في شهر مايو سنة 1955 أن عرضت علية شركة أسمنت بورتلاند بحلوان أن يقوم بنقل الحجارة من منطقة تقع بين محاجر الشركة ومصانعها بحلوان في نطاق طريق خاص أنشأته الشركة لهذا الغرض واختصت به، فرأى المدعي استخدام بعض السيارات المعطلة لاتساق حالتها مع طبيعة العملية ولكونها قاصرة على طريق غير عمومي، ونظراً لأن السيارات ضرب من الآلات التي تدار بالغاز والسولار، واستعمالها يقتضي ترخيصاً خاصاً من الجهة المختصة، وهى مصلحة الميكانيكا والكهرباء بوزارة الأشغال، فقد لجأ المدعي إليها وعرض الأمر عليها فبحثته المصلحة وأصدرت له في 20 من يونيه سنة 1955 التراخيص اللازمة أرقام 34/ 14/ 64/ 1، وزيادة في التوقي كتبت شركة الأسمنت المتعاقد معها المدعي إلى قلم المرور بمصر في 6 من أبريل سنة 1955 تخطره بالموضوع وبأمر التراخيص الصادرة من مصلحة الميكانيكا والكهرباء، وتسأل عما إذا كان لا بد لذلك من ترخيص قلم المرور بتيسير تلك السيارات، فلم تجب إدارة المرور على طلب المدعي بإيجاب أو بنفي. وبناء على ذلك تعاقد المدعي مع شركة الأسمنت في 17 من يونيه سنة 1955 وتعهد بعملية النقل وشرع في اليوم التالي مباشرة بنقل الأحجار، ولكنه فوجئ في اليوم نفسه، 18 من يونيه سنة 1955، بقوة من قلم مرور مصر تقوم بمصادرة السيارات وما يتبعها من جرارات، وسحبتها من الطريق الخاص عنوة دون مسوغ، على الرغم من أنها لا تستعمل في طريق عام، فبادرت شركة الأسمنت إلى التظلم من هذا الإجراء، ووجهت خطاباً إلى وزارة الداخلية في 27 من يونيه سنة 1955، موضحة فيه البيانات المتقدمة ومقررة ضمانتها للمدعي في كل ما يكن أن يطالب به من رسوم أو مصاريف. فأجابت وزارة الداخلية بخطابها رقم 13/ 2/ 1052 بأنه "إذا كان طريق عاماً استحق الرسم على السيارات، أما إذا كان الطريق خاصاً بشركة الأسمنت أو مؤجراً لها بحيث يحق لها الانفراد دون غيرها في استعمال هذا الطريق فإنه لا يستحق الرسم في هذه الحالة". ويقول المدعي إنه على الرغم من ذلك، وقبل القطع برأي في أمر عمومية الطريق أو خصوصيته، فقد بادرت إدارة المرور بالقاهرة إلى إصدار قرار بفرض مبلغ 050 م و2152 ج على السيارات المشار إليها بوصفه ضريبة قدرت على السيارات منذ تسليم الرخص، إلى جانب الغرامة القانونية؛ باعتبار السيارات قد استخدمت في طريق عام دون ترخيص. وفي 23 من يونيه سنة 1955 أوقعت مصلحة الأموال المقرر الحجز الإداري على السيارات نفاذاً للقرار الإداري المتقدم. وتنعى صحيفة الدعوى على القرار المذكور مخالفته للقانون: من حيث إن فرض الضريبة والغرامة أساسه استعمال السيارات في الطريق العام؛ الأمر الذي لم يثبت من وقائع الدعوى. وأنه على فرض أن هنالك وجها لمثل هذه الضريبة فلا مسوغ لإرجاع تقديرها إلى يوم تسليم نمر السيارات، كما ذهب القرار موضوع الطعن؛ إذ أن ذلك أساسه افتراض استخدام هذه السيارات استخداماً عاماً منذ تسليم نمرها، الأمر الذي لا دليل عليه إطلاقاً في أوراق الدعوى. وقدر ردت إدارة المرور ببلدية القاهرة على هذه الدعوى بمذكرة في 25 من أغسطس سنة 1955جاء فيها أنها قامت في 18 من يونيه سنة 1955 بعمل تفتيش مفاجئ على السيارات بجهة منطقة المحاجر بحلوان، فضبطت ثلاث سيارات تستعمل في نقل الأحجار، وبها آثار تدل على ذلك وتسير بدون تراخيص وبدون سداد الرسوم المقررة بالقانون، وتستعمل طريقاً عبر الصحراء يوصل ما بين محاجر شركة أسمنت بورتلاند ومصانعها، واتضح أن سيارات النقل هذه مملوكة للمدعي الذي تعاقد مع الشركة على نقل الأحجار اللازمة لمصانعها على سياراته المعدة للنقل. ثم قامت إدارة المرور بسحب السيارات المضبوطة بحلوان إلى مقر الإدارة تمهيداً لفحصها ووزنها وفرض الرسوم الأصلية والإضافية المستحقة عليها. وقد تم ذلك وفرضت الرسوم الأصلية والإضافية المستحقة على تلك السيارات. وقد اتضح أن بعضها كان قد سبق الترخيص به من الإدارة ثم ألغي الترخيص بناء على طلب المدعي، ففرضت إدارة المرور على تلك السيارات الرسوم الأصلية والإضافية من تاريخ إلغاء الترخيص السابق، وأن البعض الآخر لم يسبق الترخيص به وإن كانت مملوكة للمدعي من مدة طويلة، ففرضت عليه الرسوم الأصلية والإضافية عن مدة ثلاث سنوات سابقة على تاريخ الضبط. وقد تظلم المدعي من فرض هذه الرسوم عليه بمقولة إن سياراته المضبوطة كانت تعمل على طريق عبر الصحراء، وهو طريق خاص غير عمومي لا تطرقه إلا السيارات التي تنقل الأحجار لمصنع شركة الأسمنت، وقال إن سياراته كانت حاصلة في نفس الوقت على تراخيص من مصلحة الميكانيكا والكهرباء. وقالت شركة الأسمنت بورتلاند إن الطريق الذي وجدت به السيارات هو طريق أنشأته الشركة حديثاً عبر الصحراء وغير متصل بأي طريق عام خارجي، وأن الشركة قامت بعمل الإجراءات اللازمة لجعل هذا الطريق طريقاً خاصاً. وقالت إدارة المرور إن قسم الرأي أفتى بأنه إذا ثبت أن الطريق الذي وجدت به السيارات هو طريق مملوك لشركة الأسمنت أو مؤجر لها فإنه يعتبر طريقاً خاصاً ولا تفرض رسوم على السيارات المضبوطة فيه، أما إذا ثبت عكس ذلك فإن الرسوم واجبة. ثم جاء في دفاع إدارة المرور عن مقدار الرسوم الواجب فرضها على السيارات التي تضبط بدون ترخيص إن الإدارة قد طبقت تعليمات وزارة الداخلية الصادرة بكتابها الدوري رقم 149 الصادر في 19 من إبريل سنة 1939، وقد نص على ما يأتي "إنه بناء على ما أفتى به قسم القضايا تفرض على السيارة مهما كان نوعها رسم أصلي عن مدة الثلاث السنوات الأخيرة ورسم إضافي مساو لثلث الرسم السنوي عن كل سنة من السنوات الثلاث وذلك فيما إذا ظهر أن السيارة لم يسبق الترخيص بها مطلقاً أو أن أجل رخصتها قد انتهى من مدة تزيد على ثلاث السنوات أو أنها قديمة ويتعذر معرفة تاريخ انتهاء رخصتها. أما السيارات التي انتهى أجل رخصتها من مدة تقل عن ثلاث سنوات فتحاسب من تاريخ انتهاء أجل رخصتها، وكذلك السيارات الجديدة الواردة من الخارج تحاسب من تاريخ دخولها مصر، بعد أن يقدم صاحبها من المستندات ما يثبت حقيقة تاريخ الوصول". هذا وقد طبقت إدارة المرور هذه التعليمات على حالة السيارات المضبوطة بحلوان؛ ومن أجل هذا فإنها تطلب الحكم برفض دعوى المدعي، مع إلزامه بالمصروفات. وبجلسة 4 من أكتوبر سنة 1955 قضت محكمة القضاء الإداري "بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه"؛ تأسيساً على أن المدعي قدم مستندات تفيد أن الطريق الذي تسير فيه تلك السيارات هو طريق خاص بشركة أسمنت بورتلاند، ولم تدحض الحكومة صحة المستندات المقدمة؛ ومن ثم يكون طعن المدعي قائماً على أسباب جدية تبرر وقف تنفيذه؛ نظراً لما يترتب على تنفيذه من نتائج قد يتعذر تداركها من تعطيل تلك السيارات عن العمل وشل حركتها. وبجلسة 29 من يناير سنة 1957 أصدرت الهيئة الأولى من محكمة القضاء الإداري حكمها في طلب الإلغاء، وهو يقضي "بإلغاء القرار الصادر بفرض رسم على السيارات المملوكة للمدعي والتي تسير على الطريق الخاص بشركة أسمنت بورتلاند بحلوان بين مصانع الشركة والمحجر الخاص بها، وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها بالإلغاء على أن المادة الأولى من القانون رقم 44 لسنة 1934 المتعلق برسوم السيارات تنص على أنه "يحصل على كل سيارة أو مركبة مقطورة معدة للسير في الطريق العام رسم يحسب طبقاً للتقسيم والفئات المبينة بالجدول المرافق لهذا القانون"، كما أن المادة 35 من لائحة السيارات الصادرة في 16 من يوليه سنة 1913 تقضي "بوجوب الحصول على رخصة خصوصية سنوية تسير بمقتضاها - على الطرق العمومية - السيارات المعدة لنقل البضائع لأي استعمال صناعي أو زراعي أو تجاري". وقالت المحكمة إنه يبين من ذلك أن مناط استحقاق الرسم على السيارات النقل هو استعمالها للسير على الطرق العامة، فإذا كان الطريق خاصاً فلا تفرض رسوم على السيارات التي تسلكه وتسير فيه. وقد بان للمحكمة أن شركة بورتلاند للأسمنت قررت أن الطريق الذي ضبطت سيارات المدعي تسير فيه إن هو إلا طريق خاص يوصل بين الجبل وبين مصنع الشركة وأنه لا يوصل إلى أي طريق عام، وأن الشركة أنشأته لنقل الأحجار من الجبل إلى المصنع، وقد تأيد ذلك بالصورة الزنكوغرافية لكتابي مراقبة النقل والإدارة العامة بوزارة المواصلات المؤرخين 4 من يوليه سنة 1955 المرسل أولهما من الوزارة لمراقبة النقل، والمرسل ثانيهما من مراقبة النقل المشترك لإدارة المرور؛ إذ ثابت منها أن وزارة المواصلات وإدارة النقل المشترك تقرران أن هذا الطريق التي ضبطت سيارات المدعي تسير فيه هو طريق خصوصي وليس بطريق عام. ومتى ثبت ذلك فلا تكون ثمت رسوم مستحقة على سيارات المدعي الذي لا يكون ملزماً بدفع رسوم عن هذه السيارات إلا إذا سارت على الطريق العام، ولا يكون المدعي ملزماً إلا بتصريح من قسم الآلات البخارية، وقد حصل المدعي على هذا الترخيص بالفعل.
ومن حيث إن الطعن قد بني على أن الطريق الخاص هو الذي يمر بأرض خاصة مملوكة لصاحب الطريق ولا يكون للغير حق في استعماله، ويكون صاحب الطريق قد حدد معالمه بإحاطته بسياج أو بوضع علامات مميزة أو غير ذلك، أو يكون قد صدر قرار من الجهات المختصة بجعله خاصاً. وأن الطريق الذي ضبطت فيه السيارات المملوكة للمدعي يمر عبر الصحراء وهي ملك عام. فهي ليست مملوكة للمدعي ولا لشركة الأسمنت، وكان هذا الطريق - حتى تاريخ ضبط السيارات - طريقاً عاماً مفتوحاً للجميع؛ إذ لم يكن قد صدر أي إجراء يكسب هذا الطريق الصفة الخاصة. وآية ذلك المستند المقدم من وزارة الداخلية وهو كتاب صادر من شركة أسمنت بورتلاند تقر فيه أنها بسبيل إتمام الإجراءات لجعل هذا الطريق خاصاً. وتأسيساً على ذلك يكون القرار المطعون فيه قد جاء مطابقاً للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه، وقد ذهب غير هذا المذهب، قد وقع مخالفاً للقانون، متعيناً الطعن فيه بالإلغاء، والقضاء برفض الدعوى.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن السيارات محل المنازعة كان بعضها قد سبق الترخيص به، ثم ألغي بناء على طلب المدعي وسلمت نمرها المعدنية، وأن باقيها لم يسبق الترخيص به، وأن مثار المنازعة هو ما إذا كانت تستحق على هذه السيارات جميعاً الرسوم الأصلية والإضافية بحسب الأحوال وذلك بالتطبيق للقانون رقم 44 لسنة 1934 واللوائح المنفذة له ما دامت قد ضبطت وهي تعمل في النقل العام، فيتوافر بذلك شرط إعدادها لهذا الغرض، وبالتالي إعدادها للسير على الطرق العامة تبعاً للغرض المذكور، وذك حسبما ذهبت إليه الحكومة في دفاعها، أم أن مناط استحقاق الرسم هو أن تضبط وهي تسير على الطرقات العامة، فإن كان الطريق الذي ضبطت فيه خاصاً فلا يستحق الرسم، وذلك على ما ذهب إليه المدعي وأخذ به الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 44 لسنة 1934 الذي تمت واقعة المنازعة في ظله تنص على أن "يحصل على كل سيارة أو مركبة مقطورة معدة للسير في الطريق العام رسم يحسب طبقاً للتقسيم والفئات المبينة بالجدول المرافق لهذا القانون"، ونصت المادة 9 على أنه "يجوز لكل حائز سيارة لا ينوي استعمالها إعفاؤه من دفع الرسم، ويجوز أيضاً لكل حائز سيارة يرغب أثناء السنة أو الستة شهور في إيقاف تسيير السيارة لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور أن يطلب استرداد جزء من الرسم مناسب للمدة التي يوقف فيها تسيير السيارة. ويحدد وزير المالية بقرار يصدره الإجراءات التي تتبع للإعفاء من الرسم أو لرده، وفي كل من الحالتين إذا سيرت السيارة بفرض رسم إضافي مساء لنصف الرسم السنوي". ونصت المادة 6 من قرار وزير الداخلية الصادر في 5 من أغسطس سنة 1934 بشأن تنفيذ القانون المذكور على أن "كل تغيير في وجوه استعمال السيارة أو تخصيصها يكون من شأنه زيادة الرسم، وكل تعديل في السيارة نفسها كذلك يجب إبلاغه في خلال خمسة عشر يوماً إلى مكتب إدارة السيارات". وظاهر من هذه النصوص أن ثمت فرقاً بين أن تكون السيارة معدة للسير في الطريق العام وبين استعمالها فعلاً لهذا الغرض، وأن مناط استحقاق الرسم هو أن تكون معدة للغرض المذكور، وليس المناط استعمالها بالفعل بالسير في الطرقات العامة. وآية ذلك أن القانون يفترض في السيارة أنها معدة للسير في الطريق العام؛ ولذا يجب دفع الرسم مقدماً سنوياً أو كل ستة أشهر أو كل ثلاثة أشهر (مادة 2)، ثم أجاز لكل حائز سيارة لا ينوي استعمالها بالفعل أن يطلب إعفاءه من دفع الرسم بالشروط والقيود المبينة في المادة (9)، فنظم القانون بذلك الوسيلة لرفع الرسم استثناء من الأصل المذكور الذي يفترضه، وهو استحقاق هذا الرسم مقدماً، ما دامت السيارة معدة للغرض المشار إليه الذي يستتبع في نظر القانون افتراض السير على الطرق العامة، ولكن يتعين على حائز السيارة الذي ينوي عدم استعمالها أن يلتزم بالقيود والشروط المفروضة عليه طبقاً للقانون، وأخصها ألا يعود إلى استعمالها فعلاً، سواء ضبطت في طريق عام أم في طريق خاص، فهذا يخرجها عن الحالة التي استثناها القانون من الأصل المذكور، ويلتزم عندئذ - بحسب الأحوال - بالرسم الأصلي والإضافي على النحو المحدد فيه.
ومن حيث إن المدعي يقر بأنه يمتهن صناعة النقل التجاري بالسيارات، وأنه يملك مجموعة كبيرة منها لهذا الغرض، وأن السيارات محل المنازعة كانت مرخصة في الأصل، ولكنه ألغى ترخيصها بدعوى أنها أصبحت مستهلكة ولم تعد تصلح للغرض المقصود منها الذي أعدت له وهو النقل. وليس من شك في أن ظروف الحال وملابساته لا تترك مجالاً لأية شبهة في أن المدعي عاد فاستعمل تلك السيارات في النقل فعلاً، أي فيما كانت معدة له من قبل، فيفترض القانون - والحالة هذه - أنها أصبحت بحكم هذا الغرض تسير على الطرقات العامة، بل إنه فضلاً عن الافتراض القانوني فلا يتصور من حيث الواقع وصول السيارات من مأواها إلى مكان ضبطها إلا بالسير على الطريق العام؛ وبهذه المثابة يقع المدعي تحت طائلة المادة التاسعة من القانون المشار إليه من حيث التزامه بالرسم الأصلي والإضافي. أما ما يتمحل له من أن هذه السيارات قد ضبطت وهي تنقل في طريق خاص على ما يزعم فلا غناء فيه، ولا يغير من الفهم الصحيح لحكم القانون وقصد الشارع.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، فيتعين إلغاؤه، والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.