مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والثلاثون - الجزء الأول (من أكتوبر سنة 1993 إلى أخر فبراير سنة 1994) - صـ 10

(2)
جلسة 6 من يناير سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ علي فؤاد الخادم - رئيس مجلس الدولة
وعضوية كل من: 1 - السيد الأستاذ المستشار/ د. محمد جودت أحمد الملط, 2 - السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا, 3 - السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت, 4 - السيد الأستاذ المستشار/ رأفت محمد السيد يوسف, 5 - السيد الأستاذ المستشار/ محمد معروف محمد, 6 - السيد الأستاذ المستشار/ فاروق علي عبد القادر, 7 - السيد الأستاذ المستشار/ محمد مجدي خليل هارون, 8 - السيد الأستاذ المستشار/ د. أحمد مدحت حسن علي, 9 - السيد الأستاذ المستشار/ عويس عبد الوهاب, 10 - السيد الأستاذ المستشار/ محمد أبو الوفا عبد المتعال، نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1264 لسنة 35 القضائية

كليات عسكرية - الكلية الحربية - رد نفقات الدراسة - فوائد قانونية.
المادة 226 من التقنين المدني.
علاقة الطلبة بالكليات العسكرية ومنها الكلية الحربية يحكمها النظام الأساسي للكليات العسكرية الصادر بالقانون رقم 92 لسنة 1975 واللائحة الداخلية للكلية الحربية الصادرة بقرار نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية رقم 14 لسنة 1976 المنشود بأوامر القيادة العامة للقوات المسلحة بتاريخ 14/ 2/ 1976 - يحكمها أيضاً شروط التعهد الكتابي الذي يوقعه الطالب وولي أمره عند الالتحاق بالكلية - من هذه الشروط أن يقدم الطالب تعهداً كتابياً موقعاً منه ومن ولي أمره بأن يرد للكلية التكاليف التي تكبدتها أثناء الدراسة وذلك في حالة الاستقالة أو الفصل بسبب غير عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ مرات الرسوب - هذه العلاقة علاقة مركبة تخضع في الجانب الأكبر منها إلى أحكام تنظيمية عامة وتصطبغ في شق منها بصبغة عقدية تتمثل في اتجاه إرادة الطالب وولي أمره إلى الانضواء تحت مظلة الأحكام التنظيمية العامة سالفة البيان وتوقيع التعهد المشار إليه من جانبهما - العقد في هذه الحالة عقد إداري - التزام الطالب وولي أمره برد النفقات يجد مصدره في هذا العقد المكمل بأحكام النظام الأساسي للكليات العسكرية واللوائح الداخلية لها - أثر ذلك: استحقاق الفوائد التأخيرية كتعويض عن التأخير في الوفاء بالتزام محله مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب - أساس التعويض في هذه الحالة هو التأخير في الوفاء بالمبلغ النقدي - الضرر مفترض بنص المادة 228 من القانون المدني - أساس الالتزام برد النفقات هو الإخلال بالالتزام بالاستمرار في الدراسة بالكلية حتى تمام التخرج والالتحاق كضابط بالقوات المسلحة - مؤدى ذلك: أنه لا وجه للقول بأن رد هذه النفقات واستحقاق الفوائد القانونية عليها هما تعويضان عن واقعة واحدة - لا وجه للقول بأن الفوائد المشار إليها تمثل رباً تحرمه مبادئ الشريعة الإسلامية - أساس ذلك: أن الامتناع عن تطبيق نص قانون قائم بحجة أنه يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء التي هي المصدر الرئيسي للتشريع وفقاً للدستور يشكل في واقعه تعرضاً لمدى دستورية النص وقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بدستورية المادة 226 من القانون المدني وما دام النص قائماً ولم يعدل أو يلغ بالطريق الذي رسمه المشرع فإنه يجب على المحكمة أعمال حكمه ومقتضاه متى توافرت شروطه - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 22/ 3/ 1989 أودع الأستاذ/ ......... المستشار بهيئة قضايا الدولة نائباً عن السيد وزير الدفاع قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1264 لسنة 35 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) بجلسة 29/ 1/ 1989 في الدعوى رقم 5783 لسنة 38 ق المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهما والقاضي بإلزام المدعى عليهما بأن يؤديا إلى المدعي بصفته مبلغ 2200 جنيه مع إلزامهما المصروفات. وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى إلزام المطعون ضدهما متضامنين بالمبلغ المحكوم به وفوائده القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأعلن الطعن قانوناً، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه - للأسباب المبينة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بإلزام المطعون ضدهما بأن يؤديا إلى الطاعن بصفته مبلغ 2200 جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 26/ 6/ 1984 حتى تمام السداد والمصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا 16/ 5/ 1990 وتدوول أمامها بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر إلى أن قررت بجلسة 19/ 9/ 1990 إحالته إلى الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 23/ 10/ 1990 وفيها نظرته الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا وتدوول أمامها بالجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر الجلسات. وبجلسة 25/ 12/ 1990 قررت إصدار الحكم فيه بجلسة 26/ 3/ 1991 وفيها قررت المحكمة فتح باب المرافعة فيه لجلسة 21/ 5/ 1991 لنظره بهيئة أخرى، وبجلسة 8/ 10/ 1991 قررت إصدار الحكم بجلسة 19/ 11/ 1991 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة 10/ 12/ 1991. وفي هذه الجلسة الأخيرة قررت المحكمة إحالة موضوع مدى التزام أصحاب الشأن بالفوائد القانونية عن نفقات الدراسة بالكلية الحربية التي يلتزمون بأدائها للجهة الإدارية المختصة، إلى الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة وتأجيل نظر الطعن لجلسة 21/ 1/ 1992 حتى تفصل الدائرة المشار إليها في هذا الموضوع.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى إلزام المطعون ضدهما بأن يؤديا إلى الجهة الإدارية مبلغ 2200 جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 26/ 6/ 1984 وحتى تمام السداد مع إلزامهما المصروفات.
وقد حدد لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 6/ 2/ 1992، وفيها وفي الجلسات التالية نظرت المحكمة الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن قررت المحكمة بجلسة 4/ 11/ 1993 إصدار الحكم بجلسة 6/ 1/ 1994 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وإتمام المداولة قانوناً.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن (وزير الدفاع بصفته) أقام الدعوى رقم 5783 لسنة 38 ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) وذلك بإيداع صحيفتها قلم كتاب تلك المحكمة بتاريخ 2/ 4/ 1989 مختصماً المطعون ضدهما وطلباً في ختام صحيفة دعواه الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا له بصفته مبلغ 2200 جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد والمصروفات. وقال في بيان دعواه أن المدعى عليه الأول (المطعون ضده الأول) تقدم بتاريخ 17/ 8/ 1982 بطلب التحاق بإحدى الكليات العسكرية، وتمت الموافقة على طلبه وعلى قضاء مدة الدراسة المقررة بالكلية الحربية، وأن يخضع خلال مدة الدراسة للقوانين واللوائح المقررة وأن يعمل في المستقبل كضابط بالقوات المسلحة، ومكث بالكلية الحربية الفترة من 23/ 10/ 1982 حتى 12/ 10/ 1983 ثم تقدم باستقالته. وبتاريخ 12/ 10/ 1983 قرر مجلس الكلية قبول استقالته اعتباراً من ذات التاريخ مع إلزامه بما أنفق عليه خلال فترة التحاقه بالكلية الحربية ويبلغ 2200 جنيهاً، وأضاف الطاعن أن المدعى عليه الأول وقع إقراراً مع ولي أمره بسداد ما أنفق عليه خلال فترة وجوده بالكلية، كما وقع المدعى عليه الثاني (المطعون ضده الثاني) إقراراً آخر بتحمل النفقات التي تنفق على المدعى عليه الأول وبالتالي يكون كل من المطعون ضدهما متضامنين في سداد هذه النفقات تطبيقاً لنصوص قانون النظام الأساسي للكليات العسكرية رقم 92 لسنة 1975 واللائحة الداخلية للكلية والتعهد المشار إليه، وقد تأخرا في الوفاء بقيمة هذه النفقات بالرغم من المطالبة الودية وبالتالي يستحق عليهما فوائد تأخير بواقع 4% سنوياً طبقاً لنص المادة 226 من القانون المدني وذلك اعتباراً من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد ولا سيما أنه مبلغ معلوم المقدار. وقدمت هيئة قضايا الدولة لدى تحضير الدعوى حافظة مستندات طويت على (1) الطلب المقدم من المطعون ضده الأول للالتحاق بالكليات العسكرية (2) التعهد المقدم من المطعون ضده الثاني بصفته ولي أمر المطعون ضده الأول والذي تعهد فيه بسداد قيمة المبالغ والتكاليف التي تتحملها القوات المسلحة طوال مدة وجود الطالب بالكلية في حالة استقالته أو فصله بسبب خلاف عدم اللياقة الطبية أو تجاوزه مرات الرسوب المسموح بها، وموقع على هذا التعهد من الطالب (3) طلبا الاستقالة المقدمان من المطعون ضده الأول (ذلك لعدم قدرته على تحمل الحياة العسكرية) (4) إقرار ولي أمره (المطعون ضده الثاني) برغبته في تقديم استقالة نجله (5) إقرار مقدم من الطالب بأنه قدم الاستقالة بمحض إرادته ودون أي ضغط أو تهديد (6) بيان تفصيلي بمفردات التكاليف والنفقات التي قدرت بمبلغ 2200 جنيهاً.
وبجلسة 29/ 1/ 1989 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه تأسيساً على أنه وفقاً للتعهد الموقع عليه من المدعى عليهما فإنهما يلتزمان في حالة استقالة المدعى عليه الأول من الكلية الحربية برد ما أنفق عليه من نفقات طوال فترة التحاقه بالكلية استناداً على أنه إذا استحال التنفيذ العيني أو كان من غير الممكن أو المنتج فإنه يتولد في ذمة المدعى عليهما التزام برد ما أنفق على المدعى عليه الأول من نفقات أثناء فترة التحاقه بالكلية والتي قدرت بمبلغ 2200 جنيهاً ومن ثم يتعين بإلزام المدعى عليهما بأدائه إلى المدعي بصفته ولا سند لما يطالب به المدعي من إلزامهما بهذا المبلغ على سبيل التضامن إذ قد خلا التعهد المأخوذ عليهما من النص على التضامن، كما أن هذه الواقعة لا يسري عليها القانون رقم 5 لسنة 1985 الذي استحدث النص على التضامن والمعمول به في تاريخ لاحق لتاريخ الاستقالة وبالنسبة لطلب الحكم بالفوائد القانونية عن المبلغ المطالب به، فقد قررت المحكمة أنه لما كان الثابت أن المبلغ المطالب به لا يعدو في حقيقته أن يكون تعويضاً عن إخلال المدعى عليه الأول بالتزامه الأصلي وكانت الفوائد القانونية لا يعدو أن يكون بدورها من قبيل التعويض وكان من غير الجائز الحكم بتعويضين عن ذات الواقعة. ومن ثم تعين الحكم برفض طلب الفوائد القانونية عن المبلغ المطالب به.
ومن حيث أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وبيان ذلك بالنسبة إلى مسألة الفوائد - وهي مثار النزاع أمام هذه الدائرة دون غيرها - أن المبلغ المطالب به في صحيفة الدعوى المطعون على حكمها معلوم المقدار وقت المطالبة وتحدد مقداره على أسس ثابتة ليس للقضاء فيه سلطة تقديرية فهو بمثابة النفقات الفعلية التي صرفت أثناء دراسة المطعون ضده الأول بالكلية وقد تأخر المطعون ضدهما في الوفاء به رغم مطالبتهما قضائياً ولذلك تستحق للطاعن بصفته الفوائد القانونية لتوافر شروط استحقاقها طبقاً لحكم المادة 226 من القانون المدني من وجود مبلغ من النقود هو محل الالتزام، معلوم المقدار وقت الطلب، وتأخر المدين في الوفاء به. وإذا اعتبر الحكم المطعون فيه أن المبلغ المقضي به تعويضاً رغم أنه نفقات فعليه وليس تعويضاً لاختلاف الأساس القانوني لكل منهما مما يكون معه قد أخطأ في تطبيق القانون حرياً بالإلغاء في هذا الشق.
ومن حيث أن مثار الخلاف المعروض هو مدى أحقية وزارة الدفاع في الحصول على فوائد قانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد على المبالغ التي يتم إنفاقها على الطلبة الذين تنقضي علاقتهم بالكليات العسكرية بالاستقالة أو بالفصل لغير سبب عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ مرات الرسوب حتى صدر الحكم بإلزامهم برد هذه المبالغ.
ومن حيث إنه سبق للمحكمة الإدارية العليا أن قضت بجلستها المعقودة في 12/ 3/ 1988 في الطعن رقم 1384 لسنة 28 ق بإلزام المطعون ضدهم (طالب مفصول من الكلية الحربية وولي أمره وضامنة) بالنفقات التي تكبدتها الكلية الحربية أثناء فترة التحاق الطالب بها والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد وذلك إعمالاً لحكم المادة 226 من القانون المدني. كما قضت جلسة 31/ 7/ 1990 في الطعن رقم 2367 لسنة 34 ق بالفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً على النفقات الدراسية المستحقة على الطالب المفصول لعدم الصلاحية من المدرسة الأساسية للقوات المسلحة من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد، وقد ذهبت فيه المحكمة الإدارية العليا إلى أن الفوائد المطلوبة في مثل هذه الحالة إنما هي فوائد تأخيرية عن مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب، فإذا تأخر المدين في الوفاء بالمبلغ المذكور فإن الدائن يستحق الفوائد القانونية وفقاً لنص المادة 226 من القانون المدني وذلك من تاريخ المطالبة القضائية بها والضرر مفترض في هذه الحالة بحكم القانون فقد نصت المادة 228 من القانون المدني على أنه "لا يشار لاستحقاق فوائد التأخير قانونية كانت أو أن يثبت الدائن ضرراً لحقه من هذا التأخير, وغنى عن القول أن المادتين 226 و228 سالفتي الإشارة وإن وردتا في القانون المدني إلا أن أحكامها تسري في نطاق الروابط العقدية الإدارية".
وإذا كانت المحكمة الإدارية العليا قد نحت في هذين الحكمين وغيرهما من الأحكام إلى إعمال نص المادة 226 من القانون المدني باستحقاق الفوائد القانونية التي تطالب بها وزارة الدفاع ممن لم يستمر بالدراسة بالكليات أو المدارس العسكرية من الملتحقين بهذه الكليات أو المدارس بسبب الاستقالة أو الفصل بسبب غير عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ مرات الرسوب، إلا أنها اتجهت اتجاهاً مخالفاً في حكمها الصادر بجلسة 30/ 4/ 1991 في الطعن رقم 2229 لسنة 34 ق المقام من وزير الدفاع بصفته طعناً على حكم محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) الصادر بجلسة 10/ 4/ 1988 في الدعوى رقم 5546 لسنة 39 ق، فرفضت القضاء بالفوائد القانونية على المبالغ التي أنفقتها وزارة الدفاع على الطالب أثناء تواجده بالكلية الحربية قبل استقالته منها، واستندت في ذلك إلى أن الفوائد وهي بطبيعتها تعويض آخر من واقعه واحدة، ومن ثم فلا يجوز الجمع بين تعويضين عن واقعة واحدة.
ومما سبق يبين أن ثمة اتجاهين في قضاء المحكمة الإدارية العليا بالنسبة لاستحقاق الفوائد القانونية على المبالغ التي تستحق على الملحقين بالكليات العسكرية بسبب استقالتهم أو فصلهم منها لغير سبب عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ مرات الرسوب، فالاتجاه الأول يقضي بهذه الفوائد إعمالاً لنص المادتين 226 و228 من القانون المدني، أما الاتجاه الثاني والأخير فإنه يرفض القضاء بالفوائد المشار إليها.
- ومن حيث إن علاقة الطلبة الملتحقين بالكليات العسكرية ومنها الكلية الحربية إنما تحكمها أحكام النظام الأساسي للكليات العسكرية الصادرة بالقانون رقم 92 لسنة 1975 واللائحة الداخلية للكلية الحربية الصادرة بقرار نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية رقم 14 لسنة 1976 المنشور بأوامر القيادة العامة للقوات المسلحة بتاريخ 14/ 2/ 1976 إضافة إلى شروط التعهد الكتابي الذي يوقعه كل من الطالب وولي أمره عند الالتحاق بالكلية والذي نصت عليه المادة 24 من اللائحة الداخلية للكلية الحربية سالفة الذكر من أنه "يشترط فيمن يتقدم للالتحاق بالكلية الحربية توافر الشروط الآتية: "...... ومن هذه الشروط أن يقدم الطالب تعهداً كتابياً موقعاً منه ومن ولي أمره بأن يرد للكلية التكاليف التي تكلفتها أثناء الدراسة وذلك في حالة استقالته أو فصلة بسبب غير عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ مرات الرسوب ومن جماع هذه الأحكام تبين أن هذه العلاقة علاقة مركبة تخضع في الجانب الأكبر منها إلى أحكام تنظيمية عامة وتصطبغ في شق منها بصبغه عقدية تتمثل في اتجاه إرادة الطالب وولي أمره إلى الانضواء تحت مظلة الأحكام التنظيمية العامة المذكورة وتوقيع التعهد المشار إليه من جانبهما هو الذي يضفي على هذه العلاقة الطابع العقدي.
وقد استقر القضاء الإداري على إلباس هذا العقد وأشباهه ثوب العقد الإداري وبذلك فإن التزام الطالب وولي الأمر الذي تنتهي علاقته بالكلية العسكرية بسبب الاستقالة أو الفصل بغير سبب عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ عدد مرات الرسوب إنما يجد مصدره في هذا العقد الإداري المكمل بأحكام النظام الأساسي للكليات العسكرية واللوائح الداخلية لهذه الكلية.
ومن حيث إنه وبناء على ما تقدم يلتزم الطالب مع ولي أمره والذي تنقضي علاقته بالكلية العسكرية قبل التخرج منها بسبب الاستقالة أو الفصل - عدا الفصل لأسباب صحية أو لاستنفاذ مرات الرسوب - برد المبالغ التي أنفقت عليه أثناء فترة تواجده بالكلية، وهذه المبالغ تكون بتمام الواقعة معلومة المقدار حالة الأداء، وهو ما يستدعي إعمال حكم المادة 226 من القانون المدني في حالة التأخير في أداء هذه المبالغ فقد نصت المادة المذكورة على أنه "إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين في الوفاء به كان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد قدرها أربعة في المائة في المسائل المدنية وخمسة في المائة في المسائل التجارية. وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخاً آخر لسريانها، وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره." وإذا كانت هذه المادة تحكم في الأصل روابط العقود المدنية، فقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على تطبيق حكمها في نطاق العقود الإدارية باعتبارها من الأصول العامة في الالتزامات ولا تتعارض مع طبيعة هذه الروابط الإدارية.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما قد يثار من شبهة أن الفوائد القانونية المنصوص عليها في المادة 226 من القانون المدني تمثل رباً تحرمه مبادئ الشريعة الإسلامية التي تعتبر المصدر الرئيسي للتشريع وفقاً لحكم المادة الثانية من الدستور الحالي الصادر عام 1971 فقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 13/ 6/ 1982 في الطعن رقم 1610 لسنة 26 ق على أن الامتناع عن تطبيق نص قانوني قائم بحجة أنه يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء التي هي المصدر الرئيسي للتشريع وفقاً للدستور يشكل في واقعه تعرضاً لمدى دستورية النص أياً كانت الصورة التي يتم بها التعرض بطريق مباشر أو غير مباشر وأنه مادام النص التشريعي قائماً ولم يعدل أو يلغى بالطريق الذي رسمه المشرع وحده خطاه وجب على المحكمة إعمال حكمه ومقتضاه دون إهمال أو إغفال وأياً كان السبب الذي تحتمي به أو تتخذه تكئه لقضائها وإلا غدا حكمها مجافياً القانون في صحيحه مشوباً بالقصور. وفضلاً عما تقدم فقد سبق أن قضت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 4/ 5/ 1985 في الطعن رقم 20 لسنة 1 ق بدستورية المادة 226 من القانون المدني آنفة الذكر، ومن ثم فإنه لا مناص أمام القضاء من إعمال حكم تلك المادة متى توافرت شروط إعمالها في النزاع المطروح أمامه، وهي أن يكون محل الالتزام مبلغاً من النقود، معلوم المقدار وقت الطلب، وتأخر المدين في الوفاء به في الموعد المحدد.
ومن حيث إنه عن المستقر عليه فقهاً وقضاءً أن الفوائد التأخيرية إنما تستحق كتعويض عن التأخير في الوفاء بالتزام محله مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب، أي أن أساس التعويض في هذه الحالة هو التأخير في الوفاء بالمبلغ النقدي، والضرر الذي هو أحد عناصر التعويض مفترض بنص المادة 228 من القانون المدني التي تقضي أنه "لا يشترط لاستحقاق فوائد التأخير قانونية كانت أو اتفاقية أن يثبت الدائن ضرراً لحقه من هذا التأخير". أما الالتزام برد النفقات التي أنفقت على الطالب في إحدى الكليات العسكرية أثناء تواجده بها فإن أساس هذا الالتزام هو الإخلال بالالتزام الأصيل وهو الاستمرار في الدراسة بالكلية حتى تمام التخرج والالتحاق كضابط بالقوات المسلحة, وبناء على ذلك فلا وجه للقول بأن رد هذه النفقات واستحقاق الفوائد القانونية عليها هما تعويضان عن واقعة واحدة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة باستحقاق الفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد على المبالغ التي يتم إنفاقها على الطلبة الذين تنقضي علاقتهم بالكليات العسكرية بالاستقالة أو الفصل بغير سبب عدم اللياقة الطبية أو استنفاذ مرات الرسوب متى حكم بإلزامهم برد هذه المبالغ، وقررت إعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل فيه.


[(1)] راجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 13/ 6/ 1982 في الطعن رقم 1610 لسنة 26 ق. والحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 4/ 5/ 1985 في الطعن رقم 20 لسنة 1 ق.