مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1959 إلى آخر مايو سنة 1959) - صـ 769

(63)
جلسة 14 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة علي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفي كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 246 لسنة 3 القضائية

دعوى - صدور حكم من محكمة القضاء الإداري باعتبار المدعيين أسبق في أقدمية الدرجة السادسة التنسيقية من المطعون عليهم وقتذاك - المنازعة فيما إذا كان مقتضى هذا الحكم أن يوضع المدعيان في كشف أقدمية الدرجة المذكورة قبل المطعون في ترقيتهم أم أن مقتضاه غير ذلك - هذه المنازعة ليست دعوى مبتدأه وإنما هي دعوى لتحديد مقصود المحكمة فيما انتهت إليه من نتيجة مربوطاً بالأسباب التي قام عليها قضاؤها - اختصاص محكمة القضاء الإداري التي أصدرت الحكم بنظر هذه المنازعة طبقاً للمادة 366 مرافعات - لا يغير من ذلك أن المنازعة كانت تقوم بين موظفين في الكادر الكتابي وأصبحت بعد صدور القانون رقم 165 لسنة 1955 من اختصاص المحكمة الإدارية.
إن كان مثار المنازعة هو ما إذا كان من مقتضى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري باعتبار المدعيين أسبق في أقدمية الدرجة السادسة التنسيقية من المطعون عليهم وقتذاك أن يوضعا في كشف أقدمية الدرجة المذكورة قبلهم أم أن مقتضاه غير ذلك، فإن المنازعة على هذا الوجه هي في حقيقتها خلاف بين المدعيين والإدارة في فهم الحكم وتأويل مقتضاه، والمنازعة بهذه المثابة ليست دعوى مبتدأه وإنما هي دعوى في فهم الحكم وتحديد مقصود المحكمة فيما انتهت إليه من نتيجة، مربوطاً ذلك بالأسباب التي قام عليها قضاؤها، ولهذا الخلف في الفهم ما قد يبرره على حسب الظاهر؛ لأن الأسباب في ذاتها لم تتضمن تحديد الترتيب في الأقدمية بين ذوي الشأن، وإن كانت النتيجة انتهت إلى إلغاء ترك المدعيين في الترقية في دورهما، مما يقتضي من المحكمة التي أصدرت الحكم تحديداً في هذا الخصوص. وعلى هذا الوجه تكون المحكمة المختصة هي التي أصدرت الحكم طبقاً للمادة 366 من قانون المرافعات؛ للحكمة التشريعية الظاهرة لذلك، وهي أن المحكمة التي أصدرت الحكم هي الأقدر على فهم مقصوده وتحديده وإزالة ما قد يثور من غموض، وهي هنا محكمة القضاء الإداري. ولا يغير من ذلك أن المنازعة كانت تقوم بين موظفين في الكادر الكتابي وأصبحت بعد صدور القانون رقم 165 لسنة 1955 من اختصاص المحكمة الإدارية دون محكمة القضاء الإداري؛ لأن محل إعمال حكم القانون الجديد لو أن الدعوى أقيمت ابتداء بعد هذا القانون أو كانت مقامة قبل نفاذه ولما يفصل فيها من محكمة القضاء الإداري، أما إذا كان قد فصل فيها من محكمة القضاء الإداري وكانت المنازعة مقصورة على تفسير الحكم، فغنى عن القول أنها هي التي تختص بهذا التفسير بالتطبيق للمادة 366 من قانون المرافعات.


إجراءات الطعن

في يوم السبت 16 من فبراير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات في 17 من ديسمبر سنة 1956 في القضية رقم 276 لسنة 2 القضائية المرفوعة من السيدين عزمي درباس وردخان وعبد الرحمن فهمي طه ضد مصلحة السكك الحديدية، والقاضي "بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري المختصة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء باختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى، وإعادة القضية إليها للفصل فيها من جديد". وقد أعلن الطعن للحكومة في 17 من مارس سنة 1957، وللمدعي في 18 منه، وعين لنظره جلسة 11 من أكتوبر سنة 1958، وأجلت لجلسة 6 من ديسمبر سنة 1958 للسبب المبين بالمحضر. وفي هذه الجلسة سمعت الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعيين أقاما الدعوى رقم 276 لسنة 2 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات يطلبان فيها الحكم بتعديل أقدميتهما بحيث تسبق أقدمية السيد/ محمد صادق فرغلي تنفيذاً للحكم الصادر لصالحهما من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 117 لسنة 2 القضائية. وقالا شرحاً لذلك إنهما كانا يشغلان وظيفة كتابية من الدرجة السابعة بإدارة المخازن عندما طعنا في القرارين الصادرين في 30 من سبتمبر سنة 1947 و30 من أكتوبر سنة 1947 المتضمنين ترقية السادة محمد صادق فرغلي ومحمد عبد المنعم الغزولي وأحمد كمال فيما تضمناه من تخطيهما في الترقية إلى الدرجة السادسة طبقاً لقواعد التنسيق. وقد أصدرت محكمة القضاء الإداري بجلستها المنعقدة في 16 من يونيه سنة 1948 حكمها بإلغاء القرارين المشار إليهما فيما تضمناه من تركهما في الترقية إلى الدرجة السادسة بالتطبيق لقواعد التنسيق، وقد كان الواجب على المصلحة عند قيامها بتنفيذ هذا الحكم أن تنفذه تنفيذاً كاملاً بما يترتب عليه من نتائج، أهمها أن يكون ترتيبهما في كشف الأقدمية سابقاً على من قضى بإلغاء ترقيتهم، ولكنها اكتفت بأن رقتهما وقتئذ على درجتين خاليتين من درجات الميزانية، ثم استصدرت قراراً بإعطائهما الفروق المالية التي يستحقانها طبقاً للحكم وبإرجاع أقدميتهما إلى 31 من مارس سنة 1947 بالنسبة للأول وأول يونيه سنة 1947 بالنسبة للثاني، فترتب على ذلك أن ظل محمد صادق فرغلي يسبقهما في ترتيب الأقدمية. ولذلك فهما يطلبان الحكم بتعديل أقدميتهما بجعلها سابقة على أقدمية السيد/ محمد صادق فرغلي. وقد ردت الحكومة على ذلك بأنها قامت بتنفيذ الحكم ورقت المدعيين على درجتين سادسة كتابية خاليتين بالميزانية، واعتبرت أقدميتهما طبقاً لقواعد التنسيق في التاريخ الذي يستحق كل منهما الترقية فيه. وبجلسة 17 من ديسمبر سنة 1956 قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري المختصة. وأسست قضاءها على أن الخلاف في هذه الدعوى ينحصر في الخلاف بين الطرفين على تفسير الحكم الصادر بجلسة 16 من يونيه سنة 1948 في القضية رقم 117 لسنة 2 القضائية؛ ومن ثم فإنه طبقاً لنص المادة 366 من قانون المرافعات يكون الاختصاص في تفسيره للمحكمة التي أصدرت الحكم وهي محكمة القضاء الإداري. ولا يغير من حكم هذه القاعدة ما نص عليه في المادة 73 من القانون رقم 165 لسنة 1955 من أن جميع القضايا المنظورة الآن أمام محكمة القضاء الإداري وأصبحت من اختصاص المحاكم الإدارية تحال بحالتها إلى المحكمة المختصة ما لم تكن مهيأة للفصل فيها؛ إذ أن المقصود من ذلك هي الدعاوى التي لم تصل بعد إلى درجة أنها أصبحت مهيأة للفصل فيها، فإذا ما وصلت إلى هذه الدرجة امتنعت إحالتها، ومن باب أولى إذا كان قد حكم فيها فعلاً وأصبحت محل دعوى تفسير، فإن الحكم الصادر بالتفسير يعتبر من كل الوجوه - طبقاً للمادة 367 من قانون المرافعات - متمماً للحكم الذي يفسره.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن كلاً من المدعيين يستهدف من هذه الدعوى تعديل أقدميته على مقتضى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 117 لسنة 2 القضائية؛ فهي بهذه الصورة دعوى مبتدأه، سند المدعي فيها الحكم المذكور؛ ومن ثم فإنها إن اعتبرت كذلك أو اعتبرت دعوى تفسير للحكم المشار إليه رغم أن منطوقه واضح لا غموض فيه ولا إبهام، فإنها على الحالين مما تختص به المحكمة الإدارية التي حلت محل محكمة القضاء الإداري في المنازعات المتعلقة بالموظفين أمثال المدعي الذين هم من غير الفئة العالية أو الضباط بموجب القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً، فإنه يكون قد خالف القانون، ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إن مثار المنازعة الحالية هو ما إذا كان من مقتضى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في 16 من يونيه سنة 1948 اعتبار المدعيين أسبق في أقدمية الدرجة السادسة التنسيقية من المطعون عليهم وقتذاك، وأن تنفيذ الحكم على أساس هذا الفهم يقتضي أن يوضعا في كشف أقدمية الدرجة المذكورة قبلهم، أم أن مقتضاه غير ذلك.
ومن حيث إن مثار المنازعة على هذا الوجه هو في حقيقته خلاف بين المدعيين والإدارة في فهم الحكم وتأويل مقتضاه، والمنازعة بهذه المثابة ليست دعوى مبتدأه، وإنما هي دعوى في فهم الحكم وتحديد مقصود المحكمة فيما انتهت إليه من نتيجة، مربوطاً ذلك بالأسباب التي قام عليها قضاؤها، ولهذا الخلف في الفهم ما قد يبرره على حسب الظاهر؛ لأن الأسباب في ذاتها لم تتضمن تحديد الترتيب في الأقدمية بين ذوي الشأن، وإن كانت النتيجة قد انتهت إلى إلغاء ترك المدعيين في الترقية في دورهما؛ مما يقتضي من المحكمة التي أصدرت الحكم تحديداً في هذا الخصوص. وعلى هذا الوجه تكون المحكمة المختصة هي التي أصدرت الحكم طبقاً للمادة 366 من قانون المرافعات؛ للحكمة التشريعية الظاهرة لذلك، وهي أن المحكمة التي أصدرت الحكم هي الأقدر على فهم مقصوده وتحديده وإزالة ما قد يثور من غموض، وهي هنا محكمة القضاء الإداري. ولا يغير من ذلك أن المنازعة كانت تقوم بين موظفين في الكادر الكتابي وأصبحت بعد صدور القانون رقم 165 لسنة 1955 من اختصاص المحكمة الإدارية دون محكمة القضاء الإداري، لأن محل إعمال حكم القانون الجديد لو أن الدعوى أقيمت ابتداء بعد هذا القانون أو كانت مقامة قبل نفاذه ولما يفصل فيها من محكمة القضاء الإداري، أما إذا كان قد فصل فيها من محكمة القضاء الإداري، وكانت المنازعة مقصورة على تفسير الحكم، فغنى عن القول أنها هي التي تختص بهذا التفسير بالتطبيق للمادة المشار إليها؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه، ويكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون، متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.