مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1959 إلى آخر مايو سنة 1959) - صـ 907

(77)
جلسة 7 من مارس سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي ومحيى الدين حسن وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 908 لسنة 3 القضائية

عمال الجيش البريطاني - قرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1955 - نصه على تصحيح درجة وأجر كل عامل طبقاً لنتيجة امتحانه - المناط في استحقاق العامل الأجر الخاص بمهنته طبقاً لأحكام هذا القرار - هو مزاولته المهنة فعلاً ووجود درجة في الميزانية مخصصة للمهنة التي أدى امتحانها وتعيينه في تلك الدرجة - تخلف أي من هذه الشروط يجعل العامل غير مستحق للأجر الخاص بالمهنة.
إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1955 بشأن تعيين عمال القنال على درجات بالميزانية يقضي بأن يجرى تصحيح درجة وأجر كل عامل طبقاً لنتيجة امتحانه ولأحكام كادر عمال القنال، بصرف النظر عما استولوا عليه من أجور، على ألا تصرف لهم الأجور الخاصة بمهنتهم إلا إذا كانوا يزاولونها فعلاً. كما ينص - بالنسبة للعمال الفنيين - على أن يعين كل منهم في الدرجة الخالية بالميزانية والمخصصة للمهنة التي أدى امتحانها، ويمنح أول مربوط تلك الدرجة وفقاً للأحكام العامة لكادر العمال، وذلك بدون أثر رجعي. ويقضي هذا القرار كذلك بأنه لا يترتب على تنفيذه تحصيل أو صرف أية فروق عن الماضي. ومفاد ذلك أن يصحح وضع كل عامل فني طبقاً لنتيجة امتحانه، ويمنح الدرجة والأجر حسبما تسفر عنه تلك النتيجة، ويعين في الدرجة المخصصة للمهنة التي أدى امتحانها، بشرط وجود درجة خالية بالميزانية، ويمنح أول مربوط تلك الدرجة، بصرف النظر عما كان يستولي عليه من أجور قبل، على ألا تصرف أية فروق عن الماضي، ولا يصرف الأجر الخاص بالمهنة إلا لمن يزاولها فعلاً.


إجراءات الطعن

في 8 من أغسطس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الزراعة بجلسة 12 من يونيه سنة 1957 في الدعوى رقم 117 لسنة 4 ق المرفوعة من أنيس أيوب عبد الملك ضد وزارة الزراعة، والقاضي بأحقية المدعي في أجر يومي قدره 300 م اعتباراً من 6 من سبتمبر سنة 1956، وما يترتب على ذلك من آثار، على النحو المبين بأسباب هذا الحكم، ورفضت ما عدا ذلك، وألزمت كلاً من الطرفين بنصف المصروفات، ورفضت طلب مقابل أتعاب المحاماة. وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات. وقد أعلن الطعن للحكومة في 24 من أكتوبر سنة 1957، وللمدعي في 31 منه، وتحدد لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 7 من فبراير سنة 1959، وفي 18 من يناير سنة 1959 أبلغت الحكومة والمدعي بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي بتاريخ 9 من يناير سنة 1957 أودع سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين عريضة الدعوى، بعد أن حصل على قرار بمعافاته من رسومها، طلب فيها الحكم بتكملة أجره إلى بداية مربوط درجته من تاريخ الامتحان وصرف الفروق المالية المترتبة عليه ذلك، وإلزام وزارة الزراعة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه إنه من عمال الجيش البريطاني الذين ألحقوا بوزارة الزراعة عام 1951, وقد اجتاز الامتحان لمهنة ساعاتي بالفئة 300/ 500 م في 18 من فبراير سنة 1952، ولكن الجهة الإدارية لم تمنحه إلا 240 م كأجر يومي؛ ومن ثم فإنه بالتطبيق لأحكام كادر العمال يتعين القضاء باستحقاقه بداية الدرجة من تاريخ امتحانه في 18 من فبراير سنة 1952، وما يترتب على ذلك من آثار. وأجابت الوزارة على الدعوى بأن المدعي ألحق بخدمتها ضمن عمال القنال بوظيفة ساعاتي، وقد اختبر بمصلحة الطبيعيات في أعمال مهنته بتاريخ 18 من فبراير سنة 1952، وتقرر أنه يستحق أجرة يومية قدرها 240 م خلاف إعانة غلاء المعيشة، وصرف له هذا الأجر فعلاً. ولما كان المدعي قد أقام دعواه بعد صدور القانون رقم 569 لسنة 1955 وقرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1955 والذي تضمنت مادته الثانية في البند الثاني على أن يجرى تصحيح درجة وأجر كل عامل طبقاً لنتيجة اختباره ولأحكام كادر عمال القنال، بصرف النظر عما استولوا عليه من أجور من قبل، على ألا تصرف لهم الأجور الخاصة بمهنتهم إلا إذا كانوا يزاولونها فعلاً، كما نصت المادة السابعة على ألا يترتب على تنفيذ هذا القرار تحصيل أو صرف أية فروق عن الماضي. وتنفيذاً لذلك شكلت الوزارة في 24 من فبراير سنة 1956 لجنة فنية لتنفيذ ما تقدم، وقد قررت هذه اللجنة إعادة اختبار المدعي، فأعيد اختباره بمصلحة الطبيعيات بتاريخ 6 من سبتمبر سنة 1956، فوجد أنه يصلح لوظيفة ساعاتي في درجة دقيق التي تبدأ من 300 م. ولما كان رفع أو خفض الأجور تنفيذاً للقرار المشار إليه لا يتم من تاريخ وضع العامل على درجة خالية بالميزانية، فإنه إعمالاً لمفعول ما تقدم يقتضي رفع أجر المدعي إلى 300 م اعتباراً من تاريخ وضعه على إحدى الدرجات الخالية بالميزانية وبدون صرف أية فروق عن الماضي، وهو ما ستراعيه الوزارة في حالته، وخلصت الوزارة إلى أنه يتضح أن المدعي غير محق في دعواه، ويتعين الحكم برفضها. وبجلسة 12 من يونيه سنة 1957 قضت المحكمة بأحقية المدعي في أجر يومي قدره 300 م اعتباراً من 6 من سبتمبر سنة 1956، وما يترتب على ذلك من آثار، على النحو المبين بأسباب هذا الحكم، ورفضت ما عدا ذلك، وألزمت كلاً من الطرفين بنصف المصروفات، ورفضت طلب مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من ملف خدمة المدعي أن صلاحيته لمهنة ساعاتي كانت بناء على الامتحان الذي أداه في 18 من فبراير سنة 1952 قبل العمل بكادر عمال القنال، إلى أن تقرر إعادة امتحانه في 6 من سبتمبر سنة 1956، تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1955 بشأن تعيين عمال القنال على درجات بالميزانية، فإنه - والحالة هذه - يعتبر في مركز مؤقت حتى تاريخ امتحانه الثاني، طالما أنه لم يؤد امتحاناً أمام اللجنة المختصة التي شكلت تنفيذاً لأحكام كادر عمال القنال؛ ولذلك فلا يستحق الأجر المقرر بالكادر المشار إليه استناداً إلى اختباره الأول. وذكر الحكم أنه بناء على البند 2/ ج من المادة الثانية من قرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1955، ومن مقتضاه أنه متى ثبت أن المدعي أدى امتحاناً أمام اللجنة في 6 من سبتمبر سنة 1956 وتبين للجنة صلاحيته لحرفة ساعاتي الواردة بالكشف رقم 8 الملحق بكادر عمال القنال والمقرر لها درجة صانع دقيق (300/ 500 م) ببداية قدرها 300 م، وأنه يزاول هذه الحرفة؛ فإنه يكون قد نشأ له مركز نهائي يستمد حقه فيه من القانون رأساً، وهو ما يقتضي أحقيته لهذا المركز القانوني الذي ينطبق عليه قانوناً، وهذا ما يستتبع أحقيته في الأجر المقرر للحرفة من تاريخ ثبوت صلاحيته باجتيازه الامتحان أمام اللجنة المشار إليها بتاريخ 6 من سبتمبر سنة 1956.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن ثمت قاعدة جوهرية تضمنها كادر عمال القنال تقضي بأن الأجر المقرر لحرفة من الحرف لا يستحق إلا لمن يزاول عملها فعلاً، وأما العمال الذين لا توجد لهم أعمال في الحكومة تتفق مع حرفهم الأصلية فإنهم يكلفون أداء حرف قريبة منها بقدر المستطاع أو يكلفون أداء أعمال أخرى تبعاً لحاجة المرفق، على أن تؤدي إليهم أجور الأعمال التي يؤدونها؛ وبالتالي فإن صلاحية العامل لحرفة ما لا ترتب له الحق في الأجر المقرر لها إلا إذا قام بعملها. فإذا كانت وزارة الزراعة قد قررت في طلب الطعن المرافق أن المدعي لم يزاول مهنة ساعاتي التي تثبت صلاحيته لها، وإنما عهد إليه بعمل كتابي، وهو قول يؤيده المستفاد من ملف خدمة المدعي، فإنه - طبقاً للقاعدة السابقة - لا يستحق الأجر المقرر للمهنة على مقتضى الكادر، والحكم المطعون فيه إذ أخذ بغير هذا النظر قد خالف القانون، ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إنه يبين من استظهار الأوراق أن المدعي كان من عمال الجيش البريطاني الذين تركوا الخدمة بعد إلغاء معاهدة سنة 1936، ووردت مهنته بكشوف مصلحة العمل (ساعاتي)، وقد ألحق بقسم الهندسة الميكانيكية بوزارة الزراعة، وتحول لمصلحة الطبيعيات في 9 من فبراير سنة 1952 لاختباره وتقدير أجرته، فأفادت المصلحة المذكورة بأنه يستحق أجراً قدره 240 م خلاف إعانة غلاء المعيشة؛ وبناء عليه صرف إليه هذا الأجر. وتنفيذاً لأحكام القانون رقم 569 لسنة 1955 بشأن تعيين عمال القنال على درجات بالميزانية وقرار مجلس الوزراء بجلسة 23 من نوفمبر سنة 1955 بشأن تعيين عمال القنال على درجات بالميزانية والمتضمن في بنده الثاني فقرة ( أ ) "يجري تصحيح درجة وأجر كل عامل طبقاً لنتيجة امتحانه ولأحكام كادر عمال القنال، بصرف النظر عما استولوا عليه من أجور على ألا تصرف لهم الأجور الخاصة بمهنتهم إلا إذا كانوا يزاولونها فعلاً" - تنفيذاً لهذه الأحكام أعيد اختبار المدعي بمصلحة الطبيعيات في مهنة (ساعاتي) بتاريخ 6 من سبتمبر سنة 1956، فوجد أنه يصلح لهذه المهنة في درجة دقيق التي تبدأ من 300 م.
ومن حيث إن قرار مجلس الوزراء المشار إليه يقضي في الفقرة (ب) من البند الثاني الخاص بالعمال الفنيين بأن "يعين كل منهم في الدرجة الخالية بالميزانية والمخصصة للمهنة التي أدى امتحانها ويمنح أول مربوط تلك الدرجة وفقاً للأحكام العامة لكادر العمال وذلك بدون أثر رجعي"، كما ينص ذلك القرار في مادته السابعة على أنه "لا يترتب على تنفيذ هذا القرار تحصيل أو صرف أية فروق عن الماضي".
ومن حيث إن مفاد ذلك أن يصحح وضع كل عامل فني طبقاً لنتيجة امتحانه، ويمنح الدرجة والأجر حسبما تسفر عنه تلك النتيجة، ويعين في الدرجة المخصصة للمهنة التي أدى امتحانها، بشرط وجود درجة خالية بالميزانية، ويمنح أول مربوط تلك الدرجة، بصرف النظر عما كان يستولي عليه من أجور من قبل، على ألا تصرف أية فروق عن الماضي، ولا يصرف الأجر الخاص بالمهنة إلا لمن يزاولها فعلاً.
ومن حيث إن وزارة الزراعة تقرر أنه لا توجد درجة خالية بالميزانية مخصصة للمهنة التي أدى المدعي امتحانها؛ فمن ثم فإن الحكم المطعون فيه - إذ قضى بأحقية المدعي في أجر يومي قدره 300 م اعتباراً من 6 من سبتمبر سنة 1956، وما يترتب على ذلك من آثار - يكون قد بني على غير أساس سليم من القانون، وأخطأ في تأويله وتطبيقه، ويتعين الحكم بإلغائه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.