مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1959 إلى آخر مايو سنة 1959) - صـ 913

(78)
جلسة 14 من مارس سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني ومحيى الدين حسن والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 504 لسنة 4 القضائية

( أ ) قواد الإنصاف - نصها على رفع الماهيات والأجور التي تقل عن ثلاثة جنيهات شهرياً إلى هذا القدر - عدم تطبيق هذا الحكم على معلمي القرآن الكريم - مرد ذلك إلى عدم إنشاء الاعتماد المالي اللازم لهذا الغرض.
(ب) معادلات دراسية - البند 25 من الجدول المرافق للقانون رقم 371 لسنة 1953 - نصه على منح معلمي القرآن الكريم بالمدارس الإلزامية مكافأة مقدارها ثلاثة جنيهات شهرياً لمن تقل مكافأته عن هذا القدر - عدم تعيين هؤلاء على وظيفة دائمة داخل الهيئة أو على اعتمادات مقسمة إلى درجات وعدم حصولهم على مؤهلات دراسية لا يمنع من تطبيق هذا النص - أساس ذلك.
(ج) معادلات دراسية - تطبيق قانون المعادلات الدراسية على معلمي القرآن الكريم - ذلك يقتضي صرف الفروق المالية من تاريخ نفاذ القانون وخصم الزيادة المترتبة على تنفيذ القانون المذكور من إعانة الغلاء المقررة - أساس ذلك.
1 - إن النص الوارد بقواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 والذي يقضي برفع الماهيات والأجور التي تقل عن ثلاثة جنيهات في الشهر إلى هذا القدر لا يمكن تطبيقه على معلمي القرآن الكريم؛ إذ أن الثابت - من مذكرة إدارة الميزانية المؤرخة 23 من مارس سنة 1947 والتي وافق عليها الوزير في اليوم ذاته، ومن ميزانية الوزارة عن السنة المالية 1946/ 1947، ومن قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من يناير سنة 1955 - أن مجالس المديريات لم تدرج في ميزانيتها أي اعتماد لرفع مكافآت معلمي القرآن الكريم غداة نفاذ قواعد الإنصاف. وقد أصدر وزير المعارف قراراً في 23 من يوليه سنة 1947 برفع اعتماد مكافآت معلمي القرآن الكريم من 3430 جنيهاً إلى عشرة آلاف جنيه في مشروع ميزانية الوزارة عن السنة المالية 1946/ 1947، وقد اعترض ديوان المحاسبة على رفع هذه المكافآت، وأشار بضرورة الحصول على الترخيص المالي اللازم. وعند بحث تكاليف تعديل قيم بعض المؤهلات الدراسية وافق مجلس الوزراء في 2 من ديسمبر سنة 1951 على رفع المكافآت من تاريخ صدور القانون الخاص بفتح الاعتماد. وقد تقدمت وزارة المالية لمجلس الوزراء بمذكرة أوضحت فيها أن صرف المكافأة لهؤلاء المعلمين ابتداء من السنة المالية 1952/ 1953 صحيح؛ إذ أنه يستند إلى قرار مجلس الوزراء المشار إليه. أما ما صرف ابتداء من السنة المالية 1946/ 1947 لغاية السنة المالية 1951/ 1952 فقد كان ينبغي الرجوع إلى مجلس الوزراء للحصول على موافقته في رفع هذه المكافأة. ولما كانت هذه المكافآت قد رفعت فعلاً وصرفت لهؤلاء المعلمين فترى وزارة المالية إقرار ما تم صرفه. وقد وافق مجلس الوزراء على هذا الرأي في 12 من يناير سنة 1955. ويخلص من هذا الاستطراد أن قواعد الإنصاف لا يمكن تطبيقها على حالات محفظي القرآن الكريم؛ إذ لم ينشأ الاعتماد المالي اللازم لهذا الغرض في الميزانية. وغني عن البيان أنه إذا كان القرار الإداري من شأنه أن يرتب أعباء مالية على الخزانة العامة وجب لكي يصبح جائزاً وممكناً قانوناً أن يعتمد المال اللازم لمواجهة تلك الأعباء من الجهة المختصة بحسب الأوضاع الدستورية.
2 - إن البند 25 من الجدول المرافق للقانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية صريح في منح معلمي القرآن الكريم بالمدارس الإلزامية ثلاثة جنيهات شهرياً مكافأة، لمن تقل مكافأته عن هذا القدر؛ فلا جدوى إذن من التحدي بأن القانون المذكور - مفسراً بالقانون رقم 151 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1956 - لا ينطبق إلى على الموظفين المعينين على وظائف دائمة داخل الهيئة أو على اعتمادات مقسمة إلى درجات، دون الموظفين المعينين على وظائف مؤقتة أو المستخدمين الخارجين عن الهيئة أو عمال اليومية، وأن معلمي القرآن الكريم ليسوا من الموظفين المعينين على وظائف دائمة داخل الهيئة أو على اعتمادات مقسمة إلى درجات، فضلاً عن أنهم لا يحملون مؤهلاً، ولا يتناولون ماهية شهرية بل مجرد مكافأة - لا جدوى من ذلك، ما دام نص القانون صريحاً في منحهم تلك المكافأة الشهرية. وقد ورد باسمهم في الجدول تحت خانة "اسم المدرسة أو المعهد أو الشهادة"، كما ورد تقدير المكافأة لهم تحت خانة "تقدير الشهادة أو المؤهل". ولا اجتهاد في مقام النص الصريح؛ إذ اعتبر الشارع حفظ القرآن الكريم وتعليمه في ذاته تأهيلاً خاصاً يستحق تقدير تلك المكافأة باعتبارها مقابل العمل بصرف النظر عن التسميات من الناحية الفنية البحتة.
3 - ما دامت حالة المدعي ينطبق عليها قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953، فإنه يسري في حقه نص المادة الثالثة منه التي تقضي بعدم صرف الفروق المالية إلا من تاريخ نفاذه وعن المدة التالية له فقط، كما يسري في حقه كذلك نص المادة الخامسة التي تقضي بخصم الزيادة المترتبة على تنفيذ القانون المذكور من إعانة الغلاء المقررة، وذلك بالنسبة لكل موظف يستفيد من أحكامه؛ ذلك أن القانون المذكور يعتبر وحدة متكاملة في تطبيقه بالنسبة لكل من تسري عليه أحكامه.


إجراءات الطعن

في 10 من مايو سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 504 لسنة 4 ق في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 11 من مارس سنة 1958 في الدعوى رقم 310 لسنة 3 ق المقامة من محمد محمد شبانه ضد وزارة التربية والتعليم، والذي يقضي "بأحقية المدعي في تسوية حالته بمنحه مكافأة شهرية قدرها ثلاثة جنيهات، وتثبيت إعانة الغلاء على هذا المبلغ، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق من خمس سنوات سابقة على تاريخ 6 من يوليه سنة 1955، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصاريف، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بأحقية المدعي في تسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات، وإلزام المدعي المصروفات المناسبة". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة التربية والتعليم في 7 من يونيه سنة 1958، وإلى المطعون عليه في 11 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 14 من فبراير سنة 1959، وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته. وفي 18 من يناير سنة 1959 أعلن الطرفان بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 310 لسنة 3 ق أمام المحكمة الإدارية لوزارات التربية والتعليم والشئون الاجتماعية والإرشاد القومي بعريضة أودعها سكرتارية تلك المحكمة في 19 من أبريل سنة 1956 طلب فيها الحكم: أصلياً - بتسوية حالته برفع مكافأته إلى ثلاثة جنيهات شهرياً من تاريخ تعيينه، وحساب إعانة الغلاء على أساس هذه المكافأة، وعدم خصم الزيادة من إعانة غلاء المعيشة، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق. واحتياطياً - بتسوية حالته برفع مكافأته إلى ثلاثة جنيهات شهرياً من تاريخ تعيينه، وحساب إعانة غلاء المعيشة على أساس هذه المكافأة، وعدم خصم الزيادة في المكافأة من إعانة الغلاء، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق اعتباراً من 22 من يوليه سنة 1952، مع إلزام الوزارة المصروفات ومقابل الأتعاب. وقال شرحاً لدعواه إنه عين معلماً للقرآن الكريم بمكافأة شهرية قدرها 230 قرشاً، وفي 30 من يناير سنة 1944 صدر قرار مجلس الوزراء بوضع حد أدنى لماهيات ومكافآت الخدمة الخارجين عن الهيئة وعمال اليومية من موظفي الدولة، وهو ثلاثة جنيهات مصرية، وأشارت إلى ذلك المادة 19 من كتاب المالية الدوري رقم ف 234 - 11/ 302 في 2/ 9/ 1944، كما أشارت مذكرة اللجنة المالية رقم 234 - 11/ 302 التي وافق عليها مجلس الوزراء في 23/ 11/ 1944 إلى أن هذا إنما يهدف إلى وضع حد أدنى لمستوى المعيشة. ونصت المادة 17 من قواعد الإنصاف على أنها تسري على كل من عين في وظيفة دائمة أو مؤقتة أو على اعتماد أو بالمياومة أو بمكافأة أو بوظيفة خارج الهيئة بشرط أن تكون المدة متصلة. ولما كان المدعي من الخدمة الخارجين عن الهيئة ومدة خدمته متصلة فإنه يحق له أن تسوى حالته تأسيساً على قواعد الإنصاف. وقال إنه صدر بعد ذلك القانون رقم 371 لسنة 1953، وهو يقضي بمنح معلم القرآن الكريم ثلاثة جنيهات مكافأة شهرية منذ تعيينه، ولا يتأثر وضعه بصدور القانون رقم 151 لسنة 1955؛ إذ هو مقصور الأثر على أصحاب المؤهلات، ومعلمو القرآن الكريم جميعاً خارج الهيئة وغير مؤهلين، وقد أفرد لهم القانون رقم 371 لسنة 1953 وضعاً خاصاً لهم. ويقول المدعي إن له في رفع مكافأته إلى ثلاثة جنيهات طلباً يتصل بحساب إعانة غلاء المعيشة يقضي: (1) بأن تحسب الإعانة على أساس الثلاثة الجنيهات بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في أغسطس سنة 1947 وفي 5 من يناير سنة 1952، خلافاً لقواعد تثبيت إعانة غلاء المعيشة. (2) بأن لا تخصم الزيادة المترتبة على رفع المكافأة من إعانة الغلاء؛ لأن نص المادة الخامسة من قانون المعادلات - حين نص على خصم الزيادة من إعانة غلاء المعيشة - إنما قصر ذلك على الماهيات دون المكافآت، والمدعي لا يتناول ماهية شهرية، وإنما يتناول بنص القانون مكافأة فقط. ردت الوزارة على الدعوى بأن المدعي وأمثاله إنما يخرجون عن نطاق تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من يناير سنة 1944 الخاص بالإنصاف؛ لأنهم ليسوا من الموظفين ولا من المستخدمين ولا من عمال اليومية، وهي الفئات التي عناها مجلس الوزراء بقراره المذكور؛ لأنهم كانوا يقومون بعمل مؤقت بمكافأة قدرها جنيه واحد في الشهر نظير عمل مؤقت لمدة عشرة أشهر في العام، فلما تقررت إعانة الغلاء زيدت مكافآتهم إلى 150 قرشاً، وحسب الفرق إعانة غلاء، فلما زيدت نسبة إعانة الغلاء بنسبة 40% صرف لكل منهم 200 م، فصارت جملة ما يتقاضونه 700 م و1 ج، ثم رفعت مكافآتهم إلى ثلاثة جنيهات شهرياً بما فيها إعانة غلاء المعيشة من 23 من مارس سنة 1947 تنفيذاً لقرار وزير التربية والتعليم، واعتبرت الـ 700 م غلاء معيشة، والباقي وقدره 300 م و2 ج مكافأة لتعليم القرآن الكريم. ثم صدر قرار مجلس الوزراء الصادر في 2 من ديسمبر سنة 1951 بالموافقة على هذا الرفع، ويكون هذا القرار هو المنظم لحال هؤلاء المعلمين دون قواعد الإنصاف الصادرة في 30 من يناير سنة 1944، وهو تعبير صريح عن رأي مجلس الوزراء في أنه لم يقصد أن ينصرف أثر قواعد الإنصاف إلى هذه الطائفة من معلمي القرآن. وقد نص قانون المعادلات الدراسية في المادة الرابعة منه على إلغاء قرار 2 من ديسمبر سنة 1951 من وقت صدوره، ويعود الوضع إلى قرار وزير التربية والتعليم في 23 من مارس سنة 1947 والذي يتبين أنه صدر دون الحصول على الترخيص المالي اللازم، فيجب النظر إلى المكافأة التي كانت تصرف قبل هذا القرار ويطبق قانون المعادلات على هذا الأساس مع خصم الزيادة من إعانة الغلاء. وواضح من المذكرة التفسيرية للقانون رقم 371 لسنة 1953 أن المشرع رأى أن القانون يتضمن مزايا مادية ومعنوية للموظفين، وأن تنفيذه يكلف الخزانة العامة مبالغ طائلة، ورأى أن يقترن التنفيذ بإجراء من شأنه تخفيف بعض أعباء الخزانة العامة من ناحية اعتماد غلاء المعيشة، كما رؤى تطبيق نفس الحكم على من استفاد بزيادة في مرتبه ناشئة عن تنفيذ قرارات مجلس الوزراء التي نص على إلغائها في شأن تقدير القيم المالية، ومنها قرار 2 من ديسمبر سنة 1951، وهذه النصوص واضحة في أن غرض المشرع هو التسوية بين كل من استفاد من قانون المعادلات بخصم الزيادة من إعانة غلاء المعيشة. وخلصت وزارة المعارف إلى طلب رفض الدعوى، وإلزام المدعي المصروفات. وبجلسة 11 من مارس سنة 1958 قضت المحكمة الإدارية في هذه الدعوى "بأحقية المدعي في تسوية حالته بمنحه مكافأة شهرية قدرها ثلاثة جنيهات، وتثبيت إعانة الغلاء على هذا المبلغ، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق من خمس سنوات سابقة على تاريخ 6/ 7/ 1955، وإلزام الجهة الإدارية المصاريف، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وأقامت قضاءها على أن الجهة الإدارية قد انتهت إلى استحقاق المدعي لتسوية حالته بالتطبيق لأحكام قانون المعادلات؛ حيث ورد بالبند 25 من الجدول المرافق للقانون أمام (معلمي القرآن الكريم بالمدارس الإلزامية) عبارة ثلاثة جنيهات شهرية مكافأة لمن تقل مكافأته عن هذا القدر، أما بالنسبة لخصم الزيادة التي لحقت الماهية، تنفيذاً لقانون المعادلات الدراسية، من إعانة الغلاء المقررة لكل موظف يستفيد من أحكامه، فقد قالت المحكمة الإدارية في ذلك "إنه لا وجه للتوسع في تفسير ما جاء بنص المادة الخامسة من قانون المعادلات الدراسية والمذكرة الإيضاحية له من تعميم الخصم من إعانة الغلاء بمقدار الزيادة في المكافأة؛ ذلك لأن المادة الأولى من القانون قد أشارت إلى اعتبار حملة المؤهلات المحددة في الجدول المرافق لهذا القانون في الدرجة وبالماهية أو المكافأة المحددة عند كل منهم. وجاء تحديد المكافأة المقررة بالقانون بالبند رقم 25 من الجدول المرافق له بالنسبة لطائفة معلمي القرآن الكريم بالمدارس الإلزامية؛ ومن ثم فإن القول بعدم خصم الزيادة في المكافأة المستحقة لمن أفاد منهم من حكم هذا القانون من إعانة الغلاء - هذا القول يتفق ونصوص القانون، وكذلك مع مراعاة أن الزيادة التي قررها بالنسبة لحملة المؤهلات الدراسية مما يسمح بإجراء الخصم بمقابلها من إعانة الغلاء. أما بالنسبة لطائفة معلمي القرآن الكريم فإن ما تقرر من زيادة المكافأة التي تصرف لهم كان بحيث تصل هذه المكافأة إلى الحد الأدنى اللازم لمواجهة تكاليف المعيشة بالنسبة لموظف عمومي". وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتارية هذه المحكمة في 10 من مايو سنة 1958 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بأحقية المدعي في تسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات، وإلزام المدعي بالمصروفات المناسبة". واستند في أسباب طعنه إلى أنه مما لا خلاف عليه أن القانون رقم 371 لسنة 1953 يسري في شأن طائفة معلمي القرآن الكريم؛ ومعنى ذلك أن أحكامه - باعتبارها وحدة متكاملة - تنطبق على حالتهم، بما لا مندوحة معه من النزول على حكم المادة الخامسة من القانون المشار إليه، والتي تقضي بأن تخصم الزيادة في الماهيات المترتبة على تنفيذ هذا القانون من إعانة الغلاء المقررة لكل موظف يستفيد من أحكامه، بدون اعتداد بما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن ما تقرر من زيادة المكافأة التي تصرف لمعلمي القرآن الكريم كان بحيث تصل هذه المكافأة إلى الحد الأدنى اللازم لمواجهة تكاليف المعيشة بالنسبة لموظف عمومي، طالما أن هذه الطائفة قد أصابها تحسين برفع مكافآتها طبقاً لأحكام هذا القانون دون غيره.
ومن حيث إن المدعي، بوصفه معلماً للقرآن الكريم بمدرسة كفر أبي ناصر الإلزامية، وقد التحق بهذا العمل منذ أول فبراير سنة 1942، يطلب بصفة أصلية تطبيق قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 على حالته؛ بمقولة إن النص الوارد بها والذي يقضي برفع الماهيات والأجور التي تقل عن ثلاثة جنيهات في الشهر إلى هذا القدر قد جاء من العموم والشمول بحيث يشمل كافة طوائف الموظفين؛ لأنه استهدف به رسم حدود الكفاف لشاغلي الوظائف الدنيا من موظفي الدولة الذين بلغ بهم الإنصاف مبلغ الإسعاف، إلا أن الثابت - من مذكرة إدارة الميزانية المؤرخة 23 من مارس سنة 1947 والتي وافق عليها الوزير في اليوم ذاته، ومن ميزانية الوزارة عن السنة المالية 1946/ 1947، ومن قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من يناير سنة 1955 - أن مجالس المديريات لم تدرج في ميزانيتها أي اعتماد لرفع مكافآت معلمي القرآن الكريم غداة نفاذ قواعد الإنصاف. وقد أصدر وزير المعارف قراراً في 23 من يوليه سنة 1947 برفع اعتماد مكافآت معلمي القرآن الكريم من 3430 ج إلى عشرة آلاف جنيه في مشروع ميزانية الوزارة عن السنة المالية 1946/ 1947، وقد اعترض ديوان المحاسبة على رفع هذه المكافآت، وأشار بضرورة الحصول على الترخيص المالي اللازم. وعند بحث تكاليف تعديل قيم بعض المؤهلات الدراسية وافق مجلس الوزراء في 2 من ديسمبر سنة 1951 على رفع المكافآت من تاريخ صدور القانون الخاص بفتح الاعتماد. وقد تقدمت وزارة المالية لمجلس الوزراء بمذكرة أوضحت فيها أن صرف المكافأة لهؤلاء المعلمين ابتداء من السنة المالية 1952/ 1953 صحيح؛ إذ أنه يستند إلى قرار مجلس الوزراء المشار إليه. أما ما صرف ابتداء من السنة المالية 1946/ 1947 لغاية السنة المالية 1951/ 1952 فقد كان ينبغي الرجوع إلى مجلس الوزراء للحصول على موافقته في رفع هذه المكافأة. ولما كانت هذه المكافآت قد رفعت فعلاً وصرفت لهؤلاء المعلمين فترى وزارة المالية إقرار ما تم صرفه. وقد وافق مجلس الوزراء على هذا الرأي في 12 من يناير سنة 1955. ويخلص من هذا الاستطراد أن قواعد الإنصاف لا يمكن تطبيقها على حالات محفظي القرآن الكريم؛ إذ لم ينشأ الاعتماد المالي اللازم لهذا الغرض في الميزانية. وغني عن البيان أنه إذا كان القرار الإداري من شأنه أن يرتب أعباء مالية على الخزانة العامة، وجب لكي يصبح جائزاً وممكناً قانوناً أن يعتمد المال اللازم لمواجهة تلك الأعباء من الجهة المختصة بحسب الأوضاع الدستورية، ومن ثم يكون طلب المدعي تسوية حالته على أساس قواعد الإنصاف غير متفق وأحكام القانون متعيناً رفضه.
ومن حيث إن وزارة التربية والتعليم تدفع الطلب الاحتياطي الخاص بتطبيق أحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية على حالته بأن القانون رقم 151 لسنة 1955 صدر بإضافة فقرة جديدة إلى نص المادة الثانية من القانون رقم 371 لسنة 1953 مفادها ألا يطبق قانون المعادلات الدراسية إلا على الموظفين المعينين بصفة دائمة على وظائف دائمة داخل الهيئة دون الموظفين المؤقتين أو الموظفين المعينين على وظائف مؤقتة أو المستخدمين الخارجين عن الهيئة أو عمال اليومية. وما دام المدعي وأمثاله من معلمي القرآن الكريم بالمدارس الإلزامية هم من المستخدمين الخارجين عن الهيئة فإنه يكون قد تخلف في حالتهم شرط انطباق قانون المعادلات الدراسية عليهم.
ومن حيث إن البند 25 من الجدول المرافق للقانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية صريح في منح معلمي القرآن الكريم بالمدارس الإلزامية ثلاثة جنيهات شهرياً مكافأة لمن تقل مكافأته عن هذا القدر، فلا جدوى إذن من التحدي بأن القانون المذكور - مفسراً بالقانون رقم 151 لسنة 1955 المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1956 - لا ينطبق إلى على الموظفين المعينين على وظائف دائمة داخل الهيئة أو على اعتمادات مقسمة إلى درجات، دون الموظفين المعينين على وظائف مؤقتة أو المستخدمين الخارجين عن الهيئة أو عمال اليومية، وأن معلمي القرآن الكريم ليسوا من الموظفين المعينين على وظائف دائمة داخل الهيئة أو على اعتمادات مقسمة إلى درجات، فضلاً عن أنهم لا يحملون مؤهلاً ولا يتناولون ماهية شهرية بل مجرد مكافأة - لا جدوى من ذلك، ما دام نص القانون صريحاً في منحهم تلك المكافأة الشهرية، وقد ورد باسمهم في الجدول تحت خانة "اسم المدرسة أو المعهد أو الشهادة"، كما ورد تقدير المكافأة لهم تحت خانة "تقدير الشهادة أو المؤهل"، ولا اجتهاد في مقام النص الصريح؛ إذ اعتبر الشارع حفظ القرآن الكريم وتعليمه في ذاته تأهيلاً خاصاً يستحق تقدير تلك المكافأة، باعتبارها مقابل العمل، بصرف النظر عن التسميات من الناحية الفنية البحتة.
ومن حيث إنه ما دامت حالة المدعي مما ينطبق عليها قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953، فيسري في حقه نص المادة الثالثة منه التي تقضي بعدم صرف الفروق المالية إلا من تاريخ نفاذه وعن المدة التالية له فقط، كما يسري في حقه كذلك نص المادة الخامسة التي تقضي بخصم الزيادة المترتبة على تنفيذ القانون المذكور من إعانة الغلاء المقررة، وذلك بالنسبة لكل موظف يستفيد من أحكامه؛ ذلك أن القانون المذكور يعتبر وحدة متكاملة في تطبيقه بالنسبة لكل من تسري عليه أحكامه.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بتسوية حالة المدعي بالتطبيق لأحكام القانون المشار إليه على الوجه المبين في المنطوق.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي تسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعدلات الدراسية، وبإلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة، ورفضت ما عدا ذلك.