مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1959 إلى آخر مايو سنة 1959) - صـ 961

(83)
جلسة 21 من مارس سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 125 لسنة 4 القضائية

قانون - الأصل أن يكون نفاذه من تاريخ العلم به - افتراض هذا العلم من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية أو بعد فوات ميعاد محدد من هذا النشر - عدم حساب اليوم المعتبر في نظر القانون مجرياً للميعاد وحساب اليوم الأخير - دخول يوم النشر في المجال الزمني لنفاذ القانون القديم - أساس ذلك.
إن الأصل الدستوري هو أن القوانين لا يعمل بها إلا من تاريخ العلم بها, وأن هذا العلم يفترض من واقعة نشرها في الجريدة الرسمية أو بعد فوات ميعاد محدد من هذا النشر. والعلم - والحالة هذه - لا يفترض إلا بعد تمام واقعة معينة، فلا يبدأ المجال الزمني الحقيقي لتطبيق القانون الجديد إلا بعد اليوم المعين لتمام هذا النشر؛ لأن هذا اليوم هو فاصل زمني يمتد أربعاً وعشرين ساعة، وقد يتم النشر في أي وقت فيه، وقد يتراخى هذا الوقت لآخره، فكيف يفترض علم الناس بالقانون الجديد من أوله؟ ولذا كان الأصل المسلم في حساب المواعيد كافة أنه إذا كان الميعاد لا يبدأ قانوناً إلا بحدوث أمر معين هو الذي يعتبره القانون مجرياً للميعاد فلا يحسب منه اليوم المعتبر في نظر القانون مجرياً لهذا الميعاد، وإنما يحسب اليوم الأخير، وقد ردد قانون المرافعات هذا الأصل الطبعي في المادة 20 منه في خصوص حساب المواعيد الخاصة بهذا القانون. وتطبيقاً لهذا الأصل الطبعي ذاته في شأن تحديد المجال الزمني لكل من القانون القديم والقانون الجديد، فما دام المجال الزمني للقانون الجديد لا يبدأ إلا بعد تمام الأمر المعين الذي يعتبره الدستور هو المجرى لهذا المجال، وهذا الأمر هو تمام النشر في الجريدة الرسمية، وهذا النشر قد يتراخى لآخر اليوم كما تقدم، فإن هذا اليوم لا يدخل في المجال الزمني للقانون الجديد، بل يبدأ هذا المجال من أول اليوم التالي، وكان لا محيص من اعتبار يوم النشر ذاته داخلاً في المجال الزمني لنفاذ القانون القديم.


إجراءات الطعن

في يوم 23 من يناير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "ب") بجلسة 25 من نوفمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 2246 لسنة 2 القضائية المرفوعة من وزارة الحربية ضد ألفي حنا خلة، والقاضي بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، ورفض الدعوى، وإلزام المستأنف ضده بالمصروفات. وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم جواز الاستئناف، مع إلزام الحكومة بالمصروفات. وقد أعلن الطعن للحكومة في أول فبراير سنة 1958، وللمدعي في 5 منه، وعين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 10 من يناير سنة 1959. وفي 21 من ديسمبر سنة 1958 أبلغت الحكومة والمدعي بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليه أقام في 22 من فبراير سنة 1955 الدعوى رقم 682 لسنة 2 ق أمام المحكمة الإدارية لجميع الوزارات والمصالح بالإسكندرية. وقال شرحاً لها إنه حصل على دبلوم مدرسة الفنون والصنايع، والتحق بخدمة مصلحة المواني والمنائر في 4 من يونيه سنة 1932 بماهية قدرها خمسة جنيهات شهرياً، واستمر يتقاضاها إلى 31 من أكتوبر سنة 1937، ثم زيدت ماهيته بوضعه بالدرجة الثامنة بماهية ثمانية جنيهات شهرياً من أول نوفمبر سنة 1937. ويقول إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يناير سنة 1929 ومنشور وزارة المالية رقم 31 لسنة 1931 الصادر في 30 من أغسطس سنة 1931 قضياً بمنح حملة هذا المؤهل مرتباً قدره ثمانية جنيهات في الشهر بالدرجة الثامنة من بدء التعيين؛ ولذلك يتعين اعتباره في الدرجة الثامنة من بدء تعيينه الحاصل في 4 من يونيه سنة 1932 بمرتب قدره ثمانية جنيهات في الشهر، وصرف الفروق بين ما رتبته له المصلحة من أجر وبين استحقاقه، وذلك في حدود مبلغ مائتين وأربعين جنيهاً. وانتهى إلى طلب الحكم باستحقاقه لمرتب قدره ثمانية جنيهات في الشهر في الدرجة الثامنة الفنية من بدء تعيينه في 4 من يونيه سنة 1932، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق المستحقة له في حدود مبلغ مائتين وأربعين جنيهاً والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأجابت مصلحة المواني والمنائر على الدعوى ببيان حالة المطعون ضده بأنه حصل على دبلوم الفنون والصنايع سنة 1931، وألحق بخدمة المصلحة في 4 من يونيه سنة 1932 بصفة ملاحظ مياوم بأجر قدره مائتا مليم في اليوم على الاعتمادات بوظيفة ميكانيكي خارج الهيئة بماهية خمسة جنيهات شهرياً، وفي أول نوفمبر سنة 1937 عين في وظيفة معاون هندسة بالدرجة الثامنة الفنية بماهية 8 ج شهرياً. ولما صدر قرار الإنصاف في 30 من يناير سنة 1944 عومل بمقتضاه؛ بأن اعتبر في الدرجة السابعة الفنية بمرتب 9 ج شهرياً اعتباراً من تاريخ دخوله الخدمة لأول مرة، كما استفاد من قواعد كادر العمال اعتباراً من أول مايو سنة 1945، وطبق على حالته قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 بأن أصبح في الدرجة السادسة بعد 3 سنوات من تاريخ تعيينه الأول بمرتب 500 م و10 ج شهرياً. وأضافت مصلحة المواني والمنائر بأن المنشور رقم 3 لسنة 1929 المتضمن لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يناير سنة 1929 يقضي بمنح الناجح في الامتحان النهائي لدبلوم الفنون والصنايع مكافأة قدرها 6 ج شهرياً عن مدة التمرين، ثم يمنح حامل الدبلوم عند التعيين ماهية أولية قدرها 8 ج في الشهر، ويكون التعيين في إحدى الدرجتين الثامنة أو السابعة بحسب درجة الوظيفة الخالية، ونص فيه على أن يعمل بهذه القواعد حتى تصدر لائحة الاستخدام. وتقول المصلحة إنه ظاهر من هذا النص أن جهة الإدارة لا تلتزم بمنح حامل الدبلوم الماهية المقررة له إلا عند تعيينه في الدرجة الثامنة أو السابعة حسب الخلوات، وأن هذه القواعد موقوفة بصور لائحة الاستخدام الجديدة المعبر عنها بكادر سنة 1931 الذي نفذ من أول مايو سنة 1931. أما إذا كان التعيين في أقل من هاتين الدرجتين تبعاً لظروف المصلحة المالية ولعدم وجود خلوات بها فإن التعليمات الواردة بكادر سنة 1931 تقضي بمنح الموظف الماهية المقررة للوظيفة التي يشغلها، ولا اعتداد بالمؤهل الذي يحمله، هذا إلى أن أحكام القضاء الإداري قد استقرت على أن قانون المعادلات الدراسية قد حل محل جميع القرارات والتعليمات السابقة، وهو قد طبق على المدعي فلا يجوز له المطالبة بتنفيذ قواعد أو قرارات أخرى. وختمت المصلحة ردها بطلب رفض الدعوى. وبجلسة 29 من مارس سنة 1955 قضت المحكمة الإدارية باستحقاق المدعي لمرتب 8 ج شهرياً من تاريخ دخوله الخدمة بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يناير سنة 1929، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق في حدود مبلغ 240 ج، مع إلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت المحكمة قضاءها على أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يناير سنة 1929 يلزم بمنح حامل دبلوم مدرسة الفنون والصنايع عند التعيين ماهية أولية قدرها 8 ج في الشهر، ويكون التعيين في إحدى الدرجتين الثامنة أو السابعة بحسب درجة الوظيفة الخالية، وأن حامل هذا الدبلوم يستحق على سبيل الوجوب عند التعيين في الحكومة مرتب 8 ج شهرياً، ويجب أن يتم التعيين في إحدى الدرجتين الثامنة أو السابعة حسب درجة الوظيفة الخالية؛ ومن ثم فإن حق المدعي في التعيين بمرتب 8 ج من تاريخ دخوله الخدمة ثابت بمقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يناير سنة 1929 لم يلغه قانون المعادلات الذي ألغي في مادته الرابعة قرارات معينة بذاتها أصدرها مجلس الوزراء دون غيرها من القرارات التنظيمية التي تناولت تحديد درجة ومرتب معينين لحملة المؤهلات الدراسية. وأعلن الحكم للحكومة في 7 من أبريل سنة 1955. وبصحيفة مودعة سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 31 من مايو سنة 1955 أقامت وزارة الحربية الدعوى رقم 2246 لسنة 2 قضائية طالبة الحكم بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء حكم المحكمة الإدارية السالف الذكر؛ على أساس أنه ليس ثمت إلزام على جهة الإدارة بمنح حامل الدبلوم المذكور الدرجة أو الماهية المقررة لمؤهله. ومما يؤيد هذا الرأي المنشورات اللاحقة الخاصة بحملة دبلوم الفنون والصنايع والتي نصت جميعها على جواز تعيين حملة هذا الدبلوم في إحدى الدرجتين السابعة أو الثامنة، كذلك ما جاء بكتاب المالية الدوري رقم ف 234 - 3/ 14 الصادر في 28 من مايو سنة 1935 بأن التعيين في إحدى هاتين الدرجتين أمر اختياري محض، كما أن القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية قد ألغى جميع القرارات والقواعد السابقة الخاصة بتسعير الشهادات الدراسية. ولما كان المستأنف ضده قد سويت حالته بالتطبيق لأحكام هذا القانون، فلا يجوز له أن يطالب بالانتفاع بقرارات أو قواعد أخرى نسخها القانون سالف الذكر. ودفع المستأنف ضده بعدم قبول الاستئناف لرفعه من غير ذي صفة؛ حيث إن الحكم المستأنف صدر بجلسة 29 من مارس سنة 1955، وقد حدد القانون رقم 165 لسنة 1955 الخاص بإعادة تنظيم مجلس الدولة صفة من يباشر الطعن في الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية؛ إذ أن هذا القانون قد صدر يوم 23 من مارس سنة 1955، وعمل به اعتباراً من 29 من مارس سنة 1955. وبجلسة 25 من نوفمبر سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء المستأنف، ورفض الدعوى، وإلزام المستأنف ضده بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على أن القاعدة العامة بالنسبة لحساب المواعيد أن اليوم الذي يتم فيه الإجراء الذي يبدأ منه سريان الميعاد لا يحسب، ويحسب اليوم الأخير إذا كان الميعاد كاملاً، وهذه القاعدة رددها قانون المرافعات في المادة 20 منه. ولما كان القانون رقم 165 لسنة 1955 قد نشر بالوقائع الرسمية في 29 من مارس سنة 1955 على أن يعمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، وطبقاً للقاعدة المتقدمة فإن اليوم الذي يبدأ منه سريان الميعاد لا يحسب، وهو يوم 29 من مارس سنة 1955، ويبدأ في تنفيذ الإجراءات الواردة بالقانون اعتباراً من 30 من مارس سنة 1955. وعلى هذا الأساس يكون الطعن المقدم من الحكومة في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية يوم 29 من مارس سنة 1955 هو إجراء سليم صدر ممن يملكه، ويكون الدفع بعدم قبول الطعن لتقديمه من غير ذي صفة على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه. ولما كان الحكم المستأنف قد أبلغ للوزارة في 11 من أبريل سنة 1955، فطعنت فيه أمام هذه المحكمة بعريضة أودعت سكرتاريتها في 28 من مايو سنة 1955 فإن الاستئناف يكون قد رفع في الميعاد، فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن الوزارة تنعى على الحكم المستأنف مخالفته للقانون؛ ذلك أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يناير سنة 1929 لم يكن يلزم جهة الإدارة بمنح حملة دبلوم الفنون والصنايع الماهية المقررة له إلا عند التعيين في الدرجة الثامنة، أما إذا كان التعيين في وظيفة مخصص لها درجة أقل فلا يمنح سوى الماهية المقررة للوظيفة المرشح لها، كما أنه بصدور القانون رقم 371 لسنة 1953 ألغيت جميع القواعد والقرارات السابقة الخاصة بتسعير الشهادات. وإذ جرى قضاء المحكمة الإدارية في الطعن رقم 184 لسنة 1 ق على أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يناير سنة 1929، معدلاً بقراره المؤرخ 18 من يناير سنة 1941، لم يكن يلزم جهات الإدارة بتعيين حامل دبلوم الفنون والصنايع في الدرجة والمرتب المقررين له، بل كان أمراً اختيارياً وجوازياً للإدارة متروكاً لتقديرها بحسب الخلوات وأوضاع الميزانية وغير ذلك من المناسبات التي تترخص فيها، وكان يجوز لها وقتذاك أن تعين حامل هذا المؤهل باليومية أو على درجة خارج الهيئة، دون أن يكون في ذلك مخالفة للقانون؛ فمن ثم يكون تعيين المستأنف ضده باليومية قد تم طبقاً لأحكام القانون؛ وبذلك لا يستحق سوى الأجر الذي عين له بحكم مركزه القانوني عندئذ؛ ولذلك يكون الحكم المستأنف قد بني على غير أساس سليم من القانون متعيناً إلغاؤه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه في ظل القانون رقم 147 لسنة 1954 كانت أحكام المحاكم الإدارية انتهائية إذا لم تجاوز قيمة الدعوى مائتين وخمسين جنيهاً، أما إذا جاوزت قيمتها هذا النصاب أو كانت مجهولة القيمة جاز استئناف أحكامها أمام محكمة القضاء الإداري، ثم صدر القانون رقم 165 لسنة 1955 مستبدلاً بأحكام القانون رقم 9 لسنة 1949 والقانون رقم 147 لسنة 1954، على أن يعمل بأحكام هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وقد تم هذا النشر في العدد 25 مكرر في 29 من مارس سنة 1955. وعلى مقتضى حكم المادة 13 من القانون الجديد أصبحت المحاكم الإدارية تباشر اختصاصها الذي حدده المشرع بصفة نهائية، أي أن أحكامها أصبحت انتهائية لا يجوز استئنافها. ولقد أصدرت المحكمة الإدارية بالإسكندرية حكمها في 29 من مارس سنة 1955 باستحقاق المدعي مرتباً مقداره ثمانية جنيهات شهرياً منه تاريخ دخوله الخدمة بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يناير سنة 1929، وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق، مع إلزام الحكومة بالمصروفات. وأعلنت جهة الإدارة بهذا الحكم في 11 من أبريل سنة 1955، فطعنت فيه بالاستئناف بصحيفة مودعة يوم 28 من مايو 1955. وواضح أن حكم المحكمة الإدارية قد صدر في ذات التاريخ الذي نشر فيه القانون رقم 165 لسنة 1955 في الجريدة الرسمية، ونص على أن يعمل به من ذلك التاريخ، إلا أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أساس أن الإجراءات الواردة في القانون رقم 165 لسنة 1955 يبدأ تنفيذها من يوم 30 من مارس سنة 1955 بالتطبيق لحكم المادة 20 من قانون المرافعات. على أن الواقع من الأمر أن القانون رقم 165 لسنة 1955 قد ألغى طريق الطعن في أحكام المحاكم الإدارية، على خلاف القانون رقم 147 لسنة 1954؛ ومن ثم فإن المادة الأولى من قانون المرافعات هي مناط الحكم في هذه الحالة، وهي التي تنص على أن "تسري قوانين المرافعات على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها، ويستثنى من ذلك (1).... (2).... (3) القوانين المنظمة لطرق الطعن بالنسبة لما صدر من الأحكام قبل تاريخ العمل بها متى كانت ملغية أو منشئة لطريق من تلك الطرق". ومفهوم ذلك أن حق الاستئناف من حيث جوازه وجوداً وعدماً مناطه حكم القانون الجاري العمل به وقت صدور الحكم المستأنف؛ ذلك لأن هذا الحق لا ينشأ إلا بصدور هذا الحكم، فإذا كان حكم المحكمة الإدارية قد صدر يوم 29 من مارس سنة 1955، وكان القانون رقم 165 لسنة 1955 قد نشر في الجريدة الرسمية في ذات اليوم، ونص على أن يعمل به من تاريخ نشره، فمؤدى هذا أن الحكم صدر وقت العمل بالقانون الجديد الذي نص على أن تكون أحكام المحاكم الإدارية انتهائية، وبالتالي فإنه لا يجوز استئناف الحكم، ولو أن الدعوى رفعت في ظل القانون رقم 147 لسنة 1954. والحكم المطعون فيه - حين أخذ بغير هذا النظر - قد خالف القانون، وتعين الطعن فيه. ويستطرد الطعن إلى القول بأن هذا الذي انتهت إليه المحكمة بالنسبة للدفع هو مناط الطعن في الحكم، أما فيما يتصل بقضاء المحكمة الموضوعي فإنه صحيح، حيث جاء على وفق قضاء المحكمة الإدارية العليا في هذه الخصوصية.
( أ ) عن الدفع بعدم جواز الاستئناف:
من حيث إن مبنى هذا الدفع أن الحكم الطعون فيه، وقد صدر في يوم 29 من مارس سنة 1955، يكون قد صدر في نطاق المجال الزمني لنفاذ القانون رقم 165 لسنة 1955 بتنظيم مجلس الدولة، فيلحقه حكم هذا القانون الذي ألغى حق الطعن بالاستئناف أمام محكمة القضاء الإداري في أحكام المحاكم الإدارية، واستبدل به حق الطعن رأساً أمام المحكمة العليا في الحالات المنصوص عليها في المادة 15 منه.
ومن حيث إن المادة الأولى من قانون المرافعات تنص على أن القوانين الجديدة المنظمة لطرق الطعن لا تسري بالنسبة لما صدر من الأحكام قبل تاريخ العمل بها، متى كانت ملغية أو منشئة لطريق من تلك الطرق، بل يسري عليها القانون القديم، وعلى العكس من ذلك يسري القانون الجديد على ما صدر من الأحكام بعد تاريخ العمل به.
ومن حيث إنه يبين من ذلك أن الفيصل في الدفع هو ما إذا كان يوم النشر ذاته يعتبر يوم عمل بالقانون الجديد، أم أن المجال الزمني الحقيقي للعمل به لا يبدأ إلا من اليوم التالي، فلا يحسب فيه اليوم الذي تمت فيه عملية النشر، بل يعتبر هذا اليوم داخلاً في مجال تطبيق القانون القديم.
ومن حيث إن الأصل الدستوري هو أن القوانين لا يعمل بها إلا من تاريخ العلم بها, وأن هذا العلم يفترض من واقعة نشرها في الجريدة الرسمية أو بعد فوات ميعاد محدد من هذا النشر، والعلم - والحالة هذه - لا يفترض إلا بعد تمام واقعة معينة، فلا يبدأ المجال الزمني الحقيقي لتطبيق القانون الجديد إلا بعد اليوم المعين لتمام هذا النشر؛ لأن هذا اليوم هو فاصل زمني يمتد أربعاً وعشرين ساعة، وقد يتم النشر في أي وقت فيه، وقد يتراخى هذا الوقت لآخره، فكيف يفترض علم الناس بالقانون الجديد من أوله؛ ولذا كان الأصل المسلم في حساب المواعيد كافة أنه إذا كان الميعاد لا يبدأ قانوناً إلا بحدوث أمر معين هو الذي يعتبره القانون مجرياً للميعاد، فلا يحسب منه اليوم المعتبر في نظر القانون مجرياً لهذا الميعاد، وإنما يحسب اليوم الأخير. وقد ردد قانون المرافعات هذا الأصل الطبعي في المادة 20 منه في خصوص حساب المواعيد الخاصة بهذا القانون. وتطبيقاً لهذا الأصل الطبعي ذاته في شأن تحديد المجال الزمني لكل من القانون القديم والقانون الجديد، فما دام المجال الزمني للقانون الجديد لا يبدأ إلا بعد تمام الأمر المعين الذي يعتبره الدستور هو المجرى لهذا المجال، وهذا الأمر هو تمام النشر في الجريدة الرسمية، وهذا النشر قد يتراخى لآخر اليوم كما تقدم، فإن هذا اليوم لا يدخل في المجال الزمني للقانون الجديد، بل يبدأ هذا المجال من أول اليوم التالي، وكان لا محيص من اعتبار يوم النشر ذاته داخلاً في المجال الزمني لنفاذ القانون القديم.
ومن حيث إنه لذلك يكون الاستئناف المرفوع من الحكومة في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية يوم 29 من مارس سنة 1955 مقبولاً شكلاً، ويكون بالتالي الطعن المقدم من رئيس هيئة المفوضين قد بني على غير أساس سليم من القانون، متعيناً رفضه.
(ب) عن الموضوع:
من حيث إن مثار هذه المنازعة هو استحقاق أو عدم استحقاق المدعي لأن يوضع في إحدى الدرجتين الثامنة أو السابعة بحسب درجة الوظيفة الخالية براتب قدره ثمانية جنيهات منذ بدء خدمته على الرغم من أنه عين بأجر قدره مائتا مليم في اليوم على الاعتمادات خارج الهيئة بمرتب خمسة جنيهات شهرياً.
ومن حيث إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 3 من يناير سنة 1929 معدلاً بقراره المؤرخ 18 من أغسطس سنة 1941 - كما قضت هذه المحكمة - لم يكن يلزم جهات الإدارة بتعيين حامل مؤهل دبلوم الفنون والصنايع في الدرجة وبالراتب المذكورين، بل كان أمراً اختيارياً وجوازياً للإدارة متروكاً لتقديرها بحسب الخلوات وأوضاع الميزانية وغير ذلك من المناسبات التي تترخص فيها، وكان يجوز لها وقتذاك أن تعين حامل هذا المؤهل باليومية أو على درجة خارج الهيئة دون أن يكون في ذلك مخالفة للقانون. وقد تم تعيين المدعي بصفة ملاحظ مياوم بأجر قدره 200 م في اليوم على الاعتمادات بوظيفة ميكانيكي خارج الهيئة بماهية خمسة جنيهات شهرياً، فلا تثريب على جهة الإدارة في ذلك؛ وبذلك لا يستحق المدعي سوى الأجر الذي عين بحكم مركزه القانوني وقتذاك، إلى أن صدر قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944، فاستحدث مركزاً قانونياً جديداً من شأنه وضعه في الدرجة السابعة الفنية براتب قدره تسعة جنيهات شهرياً اعتباراً من تاريخ دخوله الخدمة في 4 من يونيه سنة 1932 بدون صرف فروق عن الماضي؛ ومن ثم تكون الدعوى التي يستهدف بها المدعي طلب الحكم باستحقاقه لمرتب قدره ثمانية جنيهات في الشهر في الدرجة الثامنة الفنية من بدء تعيينه في 4 من يونيه سنة 1932 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المستحقة له - كما قضت بذلك المحكمة الإدارية - غير قائمة على سند من القانون سليم، ويكون حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه - بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، وبرفض الدعوى - قد صدر مطابقاً للقانون، ويكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في غير محله، متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.