مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1959 إلى آخر مايو سنة 1959) - صـ 982

(85)
جلسة 21 من مارس سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني ومحيى الدين حسن ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 207 لسنة 4 القضائية

( أ ) اختصاص - إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية - تعتبر مؤسسة عامة - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر المنازعة المتعلقة بالطعن في القرار التأديبي الموقع على أحد موظفيها.
(ب) محاكمة تأديبية - إغفال إيراد قاعدة تنظيمية في شأن التحقيق والمحاكمة التأديبية التي يتولاها مجلس الإدارة بإدارة النقل المشترك لمدينة الإسكندرية - لا يخل بوجوب توافر الضمانات الجوهرية - استلهام هذه الضمانات من المبادئ المقررة في القوانين الخاصة بالإجراءات سواء في المحاكمات الجنائية أو التأديبية - سرد لبعض هذه الضمانات.
(ج) ولاية تأديبية - إلزام مجلس تأديب إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية الموظف برد مبلغ من النقود - لا يدخل ذلك في نطاق اختصاصه - لا يغير من ذلك صدور القانون رقم 324 لسنة 1956.
1 - إن إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية - بحكم إنشائها، ومنحها الشخصية المعنوية، وقيامها على إدارة مرفق عام هو مرفق النقل بدائرة مدينة الإسكندرية وضواحيها واستغلاله، وتشكل مجلس إداريتها، وصفات رئيسه ونائبه وأعضائه، والسلطات المخولة له، واستقلال ميزانيتها عن ميزانية الدولة - تعتبر مؤسسة عامة؛ بتوافر عناصر المؤسسات العامة ومقوماتها فيها؛ ومن ثم فإن موظفيها يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لها؛ بوصفها فرعاً من سلطات الدولة، وإن كانوا موظفين غير حكوميين ومستقلين عن موظفي الدولة، وتسري عليهم تبعاً لذلك الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الإدارة الحكومية فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القوانين واللوائح الموضوعة لهم. وبهذه المثابة فإن الاختصاص بنظر المنازعة المتعلقة بالطعن في قرار الجزاء التأديبي الموقع على المدعي من مجلس الإدارة ينعقد لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره، وذلك بناء على نص البند (رابعاً) من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة.
2 - إن إسناد الاختصاص التأديبي في شأن كبار الموظفين الشاغلين للوظائف الرئيسية بإدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية إلى مجلس الإدارة، مع إغفال إيراد قاعدة تنظيمية لما يجب أن يراعى من أوضاع ويتبع من إجراءات في شأن التحقيق والمحاكمة التأديبية التي يتولاها هذا المجلس، لا يعني أن سلطة المجلس في هذا الصدد مطلقة لا تخضع لقيد ولا تعرف لمداها حداً، وأن سير المحاكمة يجري على غير أصول أو ضوابط؛ إذ أن ثمت قدراً من الضمانات الجوهرية يجب أن يتوافر كحد أدنى في كل محاكمة تأديبية، وهذا القدر تمليه العدالة المجردة وضمير الإنصاف والأصول العامة في المحاكمات، وإن لم يرد عليه نص، ويستلهم من المبادئ الأولية المقررة في القوانين الخاصة بالإجراءات، سواء في المحاكمات الجنائية أو التأديبية؛ ذلك أن القرار التأديبي هو في الواقع من الأمر قضاء عقابي في خصوص الذنب الإداري، ومن هذه الضمانات تمكين المتهم من الدفاع عن نفسه، وتحقيق دفاعه، وحيدة الهيئة التي تتولى محاكمته، وتسبيب القرار الصادر بالجزاء التأديبي بما يكفل الاطمئنان إلى صحة وثبوت الوقائع المستوجبة لهذا الجزاء والتي كونت منها السلطة التأديبية عقيدتها واقتناعها، واستظهار الحقائق القانونية وأدلة الإدانة بما يفيد توافر أركان الجريمة التأديبية وقيام القرار على سببه المبرر له، ويتيح للقضاء إعمال رقابته على ذلك كله من حيث صحة تطبيق القانون على وقائع الاتهام، ولا سيما إذا تعددت التهم المنسوبة إلى الموظف واختلف مركز كل منها من حيث ثبوتها أو مدى جسامتها أو استحقاقها للجزاء. ولا يغني عن تسبيب القرار وجود تحقيق سابق عليه، والاقتصار على الإحالة العامة إلى هذا التحقيق أو الإشارة إلى حصول المداولة بين أعضاء مجلس التأديب في شأن التهم موضوع المحاكمة جملة. وإذا كان الأصل في القرار الإداري عدم تسبيبه إلا إذا نص القانون على وجوب هذا التسبيب فإن القرار التأديبي على النقيض من ذلك، - وهو قرار ذو صبغة قضائية إذ يفصل في موضوع مما يختص به القضاء أصلاً - يجب أن يكون مسبباً. وقد رددت هذا الأصل العام المادة 91 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة؛ إذ نصت على أن "تكون قرارات مجلس التأديب مسببة وتوقع من الرئيس والأعضاء الذين أصدروها"، كما أكدته المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية بالنص على أنه "يجب أن يشتمل الحكم على الأسباب التي بنى عليها. وكل حكم بالإدانة يجب أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، وأن يشير إلى نص القانون الذي حكم بموجبه".
3 - إن إلزام مجلس إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية منعقداً بهيئة مجلس تأديب للموظف برد مبلغ من النقود إلى خزانة إدارة النقل المشترك يخرج عن حدود ولايته التأديبية إلى الفصل في مسألة لا تدخل في نطاق اختصاصه كمجلس تأديب، أياً كان مبلغ ثبوت مستحقات الإدارة التي قضى بردها ولا يغير من هذا صدور القانون رقم 324 لسنة 1956 بتعديل الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 111 لسنة 1951 في شأن عدم جواز توقيع الحجز على مرتبات الموظفين والمستخدمين أو معاشاتهم أو مكافآتهم أو حوالتها إلا في أحوال خاصة؛ لخروج إدارة النقل المشترك من عداد الهيئات التي أوردت المادة الأولى من القانون المشار إليه بيانها على سبيل الحصر، وهي "الحكومة والمصالح العامة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية"، والتي خولتها حق خصم مثل هذه المطلوبات من الموظف أو المستخدم في حدود الربع دون اتخاذ إجراءات قضائية من جانبها.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 15 من فبراير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 207 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 18 من ديسمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 1915 لسنة 8 القضائية المقامة من: المهندس إبراهيم شلبي ضد كل من السيد وزير المواصلات بصفته رئيساً لمجلس إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية والسيد المهندس محمد سعيد جمجوم عضو مجلس الإدارة المنتدب لإدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية، القاضي "برفض الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء قرار مجلس إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية الصادر بجلسة 31 من أكتوبر سنة 1953 بمجازاة المدعي، مع إلزام الإدارة بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون لصالحه في 8 من مارس سنة 1958، وإلى إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية في 12 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 7 من فبراير سنة 1959. وفي 18 من يناير سنة 1959 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم، مع الترخيص في تقديم مذكرات في عشرين يوماً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1915 لسنة 8 القضائية ضد السيد وزير المواصلات بصفته رئيساً لمجلس إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 30 من ديسمبر سنة 1953 ذكر فيها أنه يعمل مهندساً بإدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية، وأنه قدم إلى مجلس الإدارة المذكورة منعقداً بهيئة مجلس تأديب لمحاكمته عن التهم الآتية: (1) أنه قام بعمل خارجي بدون تصريح من الإدارة. (2) أنه استعمل سيارة الإدارة "كاميون" لنقل مهمات خاصة. (3) أنه استعمل سيارة الإدارة رقم 121 التي كان يركبها في تنقلاته الخاصة. (4) أنه منح إجازة مدفوعة للعمال بمصنع أبي قير. (5) أنه كلف عمال الإدارة بالاشتغال بمصنع الذخيرة وقت العمل المصلحي ودفع أجورهم من خزانة إدارة النقل. وقد صدر القرار من المجلس المذكور بجلسته المنعقدة في 31 من أكتوبر سنة 1953 بما يأتي: (أولاً) بمجازاته بتنزيل ماهيته الأصلية من 40.200 مجـ إلى 32.200 مجـ، على أن يسري ذلك اعتباراً من تاريخه، مع عدم صرف ماهيته الأصلية ومرتباته الأخرى عن مدة الوقف. و(ثانياً) إلزامه متضامناً مع موظف آخر حوكم معه برد مبلغ 81.397 مجـ إلى خزانة إدارة النقل المشترك، وهي قيمة الخسائر التي تكبدتها الإدارة نتيجة للمخالفات التي ثبتت إدانتهما فيها. وقال المدعي إنه يطعن في هذا القرار بالبطلان لما يأتي: (1) لأن مسودة القرار (الحكم التأديبي) المشتملة على أسبابه لم تودع حتى تاريخ تقديم الطعن، بالمخالفة لحكم المادة 346 من قانون المرافعات، وقد مضى على ذلك أكثر من خمسة عشر يوماً، وبالمخالفة للقواعد الأولية للمحاكمات والضمانات التي يجب أن تتوافر فيها. (2) لأن القرار لم يبين ما إذا كان قد أدان المدعي في التهم جميعها أو أبرأه من بعضها. وقد جاء في القرار عاماً غير محدد، يفهم من ظاهره الإدانة عامة، مع أنه لا عقاب على التهمة الأولى بناء على قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 الذي قضى بالموافقة على عدم مؤاخذة أي موظف كان يمارس عملاً خارجياً خلاف عمله الحكومي قبل صدور هذا القرار ثم امتنع عنه تنفيذاً له؛ إذ يقع الحكم بالإدانة عن هذه التهمة مخالفاً للقانون. (3) أن المجلس اعتمد على إدانته للمدعي على تحقيقات أجريت قبل تقديمه للمحاكمة ودفع ببطلانها استناداً إلى أن المحقق كان يحقد عليه بسبب مشادة حدثت بينهما، وأنه ذلك ارتكب عدة مخالفات في التحقيق منها: "أ" أنه عمل على تحميل المدعي عبء المسئولية وحده، في الوقت الذي حرص فيه على إظهار المتهم الآخر معه بمظهر المغلوب على أمره، وعلى تمكينه من الدفاع عن نفسه، وإلقاء التهمة على المدعي. "ب" أنه لم يمكن المدعي من الاطلاع على أقوال الشهود ولا أقوال المتهم الثاني. "ج" أنه رفض سماع الشهود الذين طلب المدعي سماع شهادتهم، على الرغم من أهميتهم في الدعوى ومن ملاحظة ديوان المحاسبة لذلك وطلبه إعادة التحقيق لسماع أقوالهم. "د" أنه لم يتورع من التأثير على الشهود أو الإيحاء إليهم بما يريد أو منعهم من تأدية شهادتهم. (4) أن المجلس لم يجر أي تحقيق ولم يسمع سوى شاهد واحد وذلك في غيبة المدعي بعد إخراجه من الجلسة، مع أن التحقيق يجب أن يجرى في حضور المتهم. (5) أن المجلس قضى بإلزام المدعي متضامناً مع المتهم الأخر برد مبلغ 397 م و81 ج قيمة الخسائر التي تكبدتها الإدارة، في حين أن مجالس التأديب لا تملك إلزام الموظفين برد مبالغ؛ إذ أن هذا من شأن القضاء المدني. وخلص المدعي من هذا إلى طلب "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية بتاريخ 31 من أكتوبر سنة 1953 المطعون فيه، وما ترتب عليه من آثار، وإلزام المطعون ضده بالمصروفات وأتعاب المحاماة". وقد أدخل المدعي بعد ذلك السيد المهندس محمد سعيد جمجوم عضو مجلس الإدارة المنتدب لإدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية بصفته هذه خصماً في الدعوى بعريضة أعلنت إليه في 21 من مارس سنة 1957 لجلسة 22 من مايو سنة 1957 طلب فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء القرار الصادر من مجلس إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية بتاريخ 31 من أكتوبر سنة 1953 المطعون فيه، وما ترتب عليه من آثار، وإلزام السيد المعلن إليه بصفته بالمصاريف وأتعاب المحاماة، مع حفظ كافة الحقوق الأخرى". وقد ردت إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية على هذه الدعوى بمذكرة دفعت فيها بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى؛ تأسيساً على أن المدعي ليس من موظفي الدولة العموميين المعينين في وظائف داخل الهيئة من الوظائف الدائمة المقررة في الكادر الخاص بالوظائف العامة، بل هو موظف بإدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية يحدد مركزه وتحكم علاقته بالإدارة لائحة داخلية خاصة بمستخدميها تختلف أحكامها تماماً عن قواعد ونظم الكادر العام الخاص بالموظفين الإداريين من موظفي الدولة، وهي لائحة تستمد قوتها من المرسوم الصادر في 17 من أكتوبر سنة 1946. وترتيباً على هذا لا يمكن اعتبار المذكور من موظفي الدولة العموميين الذي يجوز لهم طلب إلغاء القرارات النهائية الصادرة من السلطات التأديبية، وذكرت الإدارة من باب الاحتياط الكلي أن القرار التأديبي الذي اتخذه مجلسها حيال المدعي جاء مستوفياً الشكل مطابقاً لمرسوم إنشائها وللوائح الخاصة بها؛ ذلك أن المادة الثامنة من المرسوم الصادر بمنح الشخصية المعنوية لإدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية تنص على أن "مجلس الإدارة هو السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة"، كما أن المادة 11 من المرسوم المشار إليه ناطت بالمجلس وضع لائحة للنظام الداخلي للإدارة، وهي التي تحدد فيها المسئوليات والاختصاصات، وقد صدرت هذه اللائحة، وجعلت من اختصاص مجلس الإدارة "البت في شئون الموظفين الذين يشغلون الوظائف الرئيسية من حيث التعيين وتحديد المرتب والترقية ومنح العلاوات والمكافآت والجزاءات والاستغناء وإلغاء وظائفهم"، كما حددت هذه الوظائف بما يلي "مديرو ورؤساء الأقسام التي تستجد وجميع الموظفين الذين تزيد مرتباتهم الشهرية عن 25 جنيهاً". ولما كان المدعي رئيس قسم الكهرباء بالإدارة ويزيد مرتبه الشهري على 25 جنيهاً، فإن النظر في أمر تأديبه يكون من اختصاص مجلس الإدارة. ولم يرد نص في مرسوم إنشاء الإدارة أو في لوائحها يلزم المجلس باتباع إجراء معين في التحقيق أو المحاكمة؛ ومن ثم فإنه غير مقيد بأي تحقيق سابق، كما أنه حر في اتباع ما يراه ملائماً من الإجراءات. وحسبه أن يزن المخالفات وزناً صحيحاً، ويرتب عليها من الجزاء القدر المناسب الذي يرتاح إليه ضمير الأغلبية، ولا وجه للتمسك بحكم المادة 346 من قانون المرافعات الخاصة بإيداع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعاً عليها من الرئيس والقضاة؛ لأنه فضلاً عن أن الأمر لا يتعلق بحكم قضائي، فإنه لا يوجد في مرسوم إنشاء الإدارة أو في لوائحها ما يلزم المجلس بذلك. وقد تحولت نظرة المجلس إلى الموضوع بسبب قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952 الذي كان له أثر محسوس في تخفيف الجزاء. كما أنه لم يصدر قراره بناء على ما كشفت عنه التحقيقات من مخالفات وخسائر مادية فحسب، بل اعتماداً على الاعترافات الصادرة من نفس المدعي وشريكه والمؤيدة لوقوع هذه المخالفات والخسائر. ولا صحة لما ينسبه المدعي إلى السيد السكرتير من تحامله عليه في التحقيق؛ إذ أن هذا الأخير تنحى فوراً بمجرد الاعتراض عليه. أما الوقائع فتتحصل في أنه على إثر شكوى تقدم بها أحد العمال بمحطة توريد الكهرباء بالشاطبي ضد المدعي إلى مندوب القيادة بمحافظة الإسكندرية كلف السيد المدير السكرتير العام إجراء تحقيق شامل في الموضوع، وأثناء السير في التحقيق أبدى المدعي اعتراضاً كان من أثره أن تنحى السيد السكرتير العام، وأسند استكمال التحقيق إلى رئيس قسم القضايا الذي أتمه بمعاونة ديوان المحاسبة، وانتهى منه إلى نتيجة تتفق ونتيجة التحقيق الأول. ولخطورة الموضوع أحيلت الأوراق إلى عضو المجلس الأستاذ أحمد عبد الهادي المحامي لمراجعتها وتقديم مذكرة برأيه، فأشار بوقف المدعي وزميل له من المهندسين عن العمل وإعلانهما بالحضور أمامه لسماع أقوالهما فيما هو منسوب إليهما من مخالفات. وفي جلسة 26 من سبتمبر سنة 1953 انعقد مجلس الإدارة بهيئة مجلس تأديب، وقرر التأجيل لجلسة 31 من أكتوبر سنة 1953 استجابة لطلب محامي المدعي لتمكينه من الاطلاع ونسخ ما يرغب فيه من الأوراق. وبهذه الجلسة الأخيرة وجهت إلى المدعي المخالفات المنسوبة إليه، وتتلخص في: (1) أنه قام بعمل خارجي بدون تصريح من الإدارة. (2) أنه استعمل سيارة الإدارة (كاميون) لنقل مهمات خاصة. (3) أنه استعمل سيارة الإدارة رقم 121 التي كان يركبها في تنقلاته الخاصة. (4) أنه منح إجازة مدفوعة للعمال بمصنع أبي قير. (5) أنه كلف عمال الإدارة بالاشتغال بمصنع الذخيرة وقت العمل المصلحي ودفع أجورهم من خزانة الإدارة. وقد سأل رئيس المجلس السيد وزير الشئون البلدية والقروية المدعي عن كل مخالفة، فأجاب عن الأولى أنه قام فعلاً بعمل خارجي دون ترخيص من الإدارة، ولكنه علل ذلك بأنه يوجد بالإدارة من يعمل بالخارج وكذا بمختلف الوزارات والمصالح الحكومية. ونفى فيما يتعلق بالتهمة الثانية علمه باستعمال سيارة الإدارة (الكاميون) لنقل مهمات خاصة بعمله، ذاكراً أنه نبه على المهندس محمود صدقي بعدم استعمال هذه السيارة. واعترف فيما يختص بالتهمة الثالثة بأن سيارته الخصوصية كانت معطلة وأنه استعمل سيارة الإدارة مرتين. أما عن التهمة الرابعة فقال إن المهندس محمود صدقي هو الذي كان يتولى التنفيذ، وأنه لم يكن يذهب إلى مصنع أبي قير إلا بعد أوقات العمل الرسمية، وأنه لا علم له بذهاب العمال إلى هناك، ودلل على ذلك بخطاب صادر من مدير إدارة المشروعات بوزارة الحربية يتضمن طلب تعيين مهندس دائم لمباشرة عملية التنفيذ؛ لأنه لم يحضر أكثر من خمس مرات منذ بداية العمل. وأما عن التهمة الخامسة فقد اعترف بمنح الإجازات، وبرر ذلك بأنها كانت من حق هؤلاء العمال. وبعد أن ترافع عن المدعي محاميه تناقش المجلس في المخالفات التي ارتكبها المدعي وزميله، ورأى أن وضع المسألة قد تبدل بقرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1952، ولكن على الرغم من ذلك فإن ثمت أموراً تستوجب المؤاخذة لأنها تنطوي على استغلال السلطة واستخدام النفوذ والعبث بأموال الإدارة، كما تشهد بذلك السراكي الممضاة، ولا يعفى المدعي من المسئولية قوله بأنه أمضى هذه السراكي مطمئناً إلى توقيع المهندس محمود صدقي قبله. وإزاء هذا كله أصدر المجلس قراره: أولاً - بمجازاة المهندس إبراهيم شلبي بتنزيل ماهيته الأصلية من 200 م و40 ج إلى 200 م و32 ج، ومجازاة المهندس محمود صدقي بتنزيل ماهيته الأصلية من 600 م و27 ج إلى 600 م و23 ج، على أن يسري ذلك بالنسبة إليهما اعتباراً من 31 من أكتوبر سنة 1953، وذلك مع عدم صرف ماهياتهما الأصلية ومرتباتهما الأخرى عن مدة الوقف. ثانياً - إلزامهما متضامنين برد مبلغ 397 م و81 ج إلى خزانة إدارة النقل المشترك، وهي قيمة الخسائر التي تكبدتها الإدارة نتيجة للمخالفات التي ثبتت إدانتهما فيها. وقد أودع السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه إلى أنه يرى رفض الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، والقضاء باختصاصه بنظرها، وفي الموضوع برفضها، وإلزام رافعها بالمصروفات. وأسس رأيه فيما يتعلق بالدفع على أنه يبين من استظهار نصوص المرسوم الصادر في 17 من أكتوبر سنة 1946 بشأن منح الشخصية المعنوية لإدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية أن الشارع وفر لها كافة عناصر المؤسسة العامة، فضلاً عن أنها تقوم على إدارة مرفق عام هو مرفق النقل، وأن ميزانيتها مستقلة عن ميزانية الدولة، وأنها بهذه المثابة جزء من الدولة، وإن لم تعتبر جزءاً من الإدارة؛ ومن ثم فإن موظفيها يعتبرون موظفين عموميين، وإن لم يكونوا موظفين حكوميين. وقال عن الموضوع إنه لما كان الذي قام بتوقيع الجزاء على المدعي هو مجلس الإدارة، فإن هذا الجزاء يكون قد صدر من مختص. ولما كان الثابت من الأوراق أن المدعي قد ارتكب المخالفات التي جوزي من أجلها، وأنه حقق معه ومكن من إبداء دفاعه كاملاً، وأن المحقق الأول تنحى بمجرد اعتراضه عليه، فإن قرار الجزاء يكون صحيحاً، ولا يبطله عدم إيداع مسودته المشتملة على أسبابه، أو عدم بيان ما إذا كانت الإدانة عن كل التهم أو بعضها، أو عدم تسبيبه؛ لأن الإيداع إجراء نص عليه قانون المرافعات لا مجال لتطبيقه على المحاكمات التأديبية، ولأن التهم التي وجهت إلى المدعي متعددة، وعدم جواز توقيع جزاء عليه عن أحدها لا يعني براءته من باقي ما نسب إليه، ولأن اللائحة المعمول بها لا تلزم مجلس الإدارة بتسبيب قراره، والمفروض أن هذا القرار بني على أسباب صحيحة. أما فيما يتعلق بإلزام المدعي برد قيمة الخسائر التي تحملتها الإدارة فإن هذا ليس جزاء تأديبياً صادراً من جهة قضائية لها ولاية في هذا الشأن، بل هو مجرد تقدير لما تحملته خزانة الإدارة لا يرقى إلى مرتبة القرار الإداري، ويملك المدعي عدم تنفيذه. وقد عقب المدعي على تقرير السيد مفوض الدولة بمذكرة قال فيها إن السيد المفوض يسلم معه بأن الإدارة لا تملك الخصم بقيمة الخسائر التي ألزمه المجلس بردها، وإلا كان قرارها باطلاً، ومع ذلك انتهى في تقريره إلى طلب رفض الدعوى، على الرغم من أن الإدارة خصمت هذه المبالغ بالفعل غير عابئة باعتراضه أو برفع الدعوى، وأنه لما كان قرار الجزاء المطعون فيه لم يبين ما إذا كان قد أدانه في التهم جميعاً أم برأه من بعضها، فإن ركن السبب فيه يكون متصدعاً؛ ذلك أنه إذا كان توقيع الجزاء وتعيين مقداره هو من الملاءمات التي تترخص فيها الإدارة إذا ما قامت أسبابها، فإن مما لا جدال فيه أن تعدد المخالفات مما يدخل في اعتبار الإدارة عند تقدير هذه الملاءمة، فإذا اتضح عدم صحة بعض المخالفات التي كانت موضع تقدير الإدارة ووزنها وكانت إحدى الأسباب الدافعة إليها في إصدار قرار الجزاء وتعيين مقداره كان قرارها باطلاً لفساد سببه؛ مما يتعين معه إلغاؤه، وللإدارة بعد ذلك أن تعيد مجازاته على هدى ما ثبت في حقه من مخالفات. أما عن تسبيب قرارات مجالس التأديب فإن هذا أصل من الأصول العامة والقواعد الأولية للمحاكمات عموماً، سواء التأديبية منها والجنائية. وقد نصت المادة 91 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة على أن يصدر قرار مجلس التأديب مشتملاً على الأسباب التي بني عليها ويبلغ للموظف. وإذا كان هذا القانون لا يسري على موظفي إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية، إلا أن ذلك لا يخرجهم عن كونهم موظفين عموميين تصدق عليهم الأحكام العامة التي قررها القانون المذكور والتي كانت تطبق حتى قبل صدوره. وبجلسة بجلسة 18 من ديسمبر سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) "برفض الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات". وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى على أن هذا الدفع مردود بأن إدارة النقل المشترك أنشئت ومنحت الشخصية المعنوية بمرسوم صادر في 17 من أكتوبر سنة 1946 بينت فيه مهمتها، وأنها تقوم على إدارة شئون النقل جميعاً بمنطقة الإسكندرية، وجعل لها مجلس إدارة يتكون من اثني عشر عضواً ثلثاهم من موظفي الدولة ويرأسه وزير المواصلات، مما يقطع في أنها مؤسسة عامة. وبهذه المثابة فإن موظفيها، وإن كانوا يخضعون في توظيفهم وترقياتهم وعلاواتهم وتأديبهم لأنظمة خاصة شأنهم في ذلك شأن طوائف أخرى من الموظفين العامين، فليس لذلك من أثر في وجوب خضوعهم فيما عدا هذه النظم الخاصة للنظم الأخرى التي يخضع لها سائر موظفي الدولة؛ ومن ثم فإن الدفع يكون على غير أساس سليم من القانون، متعيناً رفضه. وقالت عن الموضوع إنه يؤخذ من الأوراق أن ما يزعمه المدعي من بطلان إجراءات التحقيق والمحاكمة لا سند له من الواقع، وأنه لا يعيب القرار المطعون فيه ألا تكون قد وضعت له أسباب، ما دامت النتيجة التي انتهى إليها تتفق وما يستخلص من الوقائع الثابتة في التحقيقات، وأنه إذا صح أن هذا القرار لم يبين ما ثبت قبله من مخالفات وما لم يثبت منها، فإن تعدد التهم المسندة إليه، مع التسليم بأن إحداها وهي اشتغاله بعمل خارجي دون ترخيص غير مؤاخذ عليها، يجعل قرار المجلس بإدانته محمولاً على أن باقي التهم قد ثبتت ضده، وأن الجزاء كان عن هذه التهم. أما ما تضمنه القرار المذكور من إلزامه برد مبلغ 81.397 مجـ إلى خزانة إدارة النقل المشترك مقابل الخسائر التي تحملتها فلا يعد جزاء تأديبياً، كما لا يعتبر قضاء ملزماً، فلا يبطل القرار الصادر به، ويحق للمدعي الامتناع عن تنفيذه أو المنازعة في خصمه من راتبه. ولما كانت المخالفات المنسوبة إلى المدعي والتي شهد بها زميله في المحاكمة التأديبية وكذا العمال الذين كلفهم العمل في مصنع الذخيرة، تعد إخلالاً بواجبات الوظيفة وتستوجب المؤاخذة، فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر سليماً مستنداً إلى وقائع ثابتة في التحقيقات، مما يجعل الطعن فيه غير سديد حقيقاً بالرفض. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 15 من فبراير سنة 1958 طلب فيها "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء قرار مجلس إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية الصادر بجلسة 31 من أكتوبر سنة 1953 بمجازاة المدعي، مع إلزام الإدارة بالمصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أنه في 17 من أكتوبر سنة 1946 صدر مرسوم بمنح الشخصية المعنوية لإدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية، وتنفذاً لنصي المادتين 8 و11 منه صدرت اللائحة الداخلية محددة في مادتها العاشرة اختصاصات مجلس الإدارة. ومن الأصول العامة في المحاكمات التأديبية أن القواعد المقررة لصحتها لا تخرج عن القواعد العامة في المحاكمات عموماً، وهي المنصوص عليها في قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية، وعدم اشتمال اللائحة على أحكام تفصيلية في هذا الصدد لا يعني أن الأمر يجري فيها بغير أصول أو ضوابط، بل يجب استلهام هذه الضوابط في كنف قاعدة أساسية هي تحقيق الضمان وتوفير الاطمئنان لذوي الشأن. ومن أقدس هذه الضمانات أن يصدر مجلس الإدارة منعقداً بهيئة مجلس تأديب قراره مسبباً، وأوجب ما يكون تسبيب القرار إذا كان المقدم للمحاكمة التأديبية منسوبة إليه عدة تهم تتفاوت في أهميتها وفي مدى جسامتها وتكون كل منها جريمة تأديبية منفصلة، لإمكان إجراء الرقابة القضائية على القرار المذكور، باعتبارها الصورة الأخيرة للضمانات التي يجب كفالتها في كل محاكمة تأديبية، هذا فضلاً عن أن مجلس الإدارة منعقداً بهيئة تأديبية لا يملك أن ينصب نفسه جهة قضاء ويقضي بإلزام الموظف برد قيمة الخسائر التي تكبدتها الإدارة نتيجة للمخالفات المنسوبة إليه؛ إذ أن هذا خروجاً عن الدائرة المرسومة لاختصاص الجهة التأديبية؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون متعيناً إلغاؤه. وقد عقبت إدارة النقل العام بمنطقة الإسكندرية على هذا الطعن بمذكرة قالت فيها إن القرار التأديبي المطعون فيه جاء مسبباً بالقدر الكافي لدفع الجهالة عنه والكشف عن المصدر الذي استقى منه المجلس عناصر الاتهام والأدلة عليه ومدى اقتناعه بإدانة المتهم فيها؛ إذ جاء في صلب القرار "وبعد سماع أقوال المتهمين ودفاعهما كما هو مبين بالمحضر الخاص المحفوظ بالإدارة". وبالرجوع إلى هذا المحضر يبين أن المجلس ناقش المدعي في التهم المنسوبة إليه واستمع إلى دفاعه فيما ثم إلى مرافعة المحامي الحاضر معه، وقد ثبت من مجموع هذه الأقوال والمرافعات واعتراف المتهم بارتكاب بعض المخالفات مثل استعماله لسيارة المرفق في أعمال خاصة واشتغاله في عمل خارجي دون ترخيص من الجهة التابع لها. كما يتضح من المحضر المذكور أن المجلس قد راجع أوراق التحقيق والمستندات المرافقة له، وكلها قاطعة في إثبات باقي التهم المسندة إلى المدعي، فهي بذاتها تكون عنصر السبب الذي يقوم عليه القرار التأديبي، ومن المقرر أن الضمان المنشود في القرارات التأديبية يتحقق لمجرد توافر الأسباب التي يقوم عليها القرار، ولا يتحتم أن يتضمن القرار ذاته أسباباً مكتوبة؛ لأن هذا من قبيل لزوم ما لا يلزم، ما دامت اللائحة الداخلية لإدارة النقل العام لم تشترط ذلك صراحة. ومن جهة أخرى فإن القرار المطعون فيه - إذ بني على إدانة المتهم في عديد من المخالفات - لا تتأثر مشروعيته بفرض تخلف إحدى هذه المخالفات؛ لأنه يظل محمولاً على سائر المخالفات، خاصة وأن تقدير المجلس للعقوبة لم يكن مجزءاً بما يقابل كل تهمة، بل جاء مطلقاً بما يناسب المآخذ في مجموعها وجملتها. وغني عن البيان أن التهمة الخاصة بالاشتغال بأعمال خارجية دون ترخيص من الجهة المختصة تعتبر أهون التهم المنسوبة إلى المدعي وأقلها إضراراً بالمرفق. واختتمت الإدارة مذكرتها بطلب "رفض الطعن، وتأييد الحكم المطعون فيه".
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من رفض الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، وهو الدفع الذي أثارته إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية؛ بمقولة إن المدعي لا يدخل في عداد الموظفين العموميين المعينين في وظائف دائمة داخلة في الهيئة في الكادر الخاص بالوظائف العامة الذين يجوز لهم طلب إلغاء القرارات النهائية التأديبية الصادرة من الإدارة في مفهوم قانون مجلس الدولة وقانون نظام موظفي الدولة؛ ذلك أن الإدارة المذكورة قد أنشئت بالمرسوم الصادر في 17 من أكتوبر سنة 1946 بمنح الشخصية المعنوية لإدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية الذي نص في مادته الأولى على أن "تنشأ إدارة لاستغلال شئون النقل جميعاً بمدينة الإسكندرية وضواحيها تعتبر شخصاً معنوياً باسم (إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية) "وفي مادته الثانية على أن "تختص إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية بتنظيم استغلال جميع مرافق النقل المشترك بدائرة المدينة المذكورة وضواحيها وكذلك القيام بأي استغلال متصل أو ملحق أو متمم لشئون النقل"، وفي مادته الخامسة على أن "يكون لإدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية مجلس إدارة مشكل أصلاً من اثني عشر عضواً هم: وزير المواصلات رئيساً، وزير الداخلية نائباً للرئيس، ويتولى رياسة المجلس إن كان رئيساً لمجلس الوزراء، مدير عام مصلحة السكك الحديدية وتلغرافات وتليفونات الحكومة ويكون عضواً منتدباً لمجلس الإدارة، وكيل وزارة المواصلات، رئيس القومسيون البلدي، المدير العام لبلدية الإسكندرية، القائم بمراقبة إيرادات ومصروفات بلدية الإسكندرية، كبير مهندسي بلدية الإسكندرية، أربعة أعضاء يعينهم القومسيون البلدي من بين أعضائه لمدة سنتين مع جواز إعادة تعيينهم (أعضاء). ويرشح المجلس عضوين من ذوي الخبرة ممن سبق لهم الاشتغال بالنقل المشترك للانضمام إليه ويكون تعيينهما بموافقة مجلس الوزراء"، كما نص في مادته الثامنة على أن "مجلس الإدارة هو السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة". وفي مادته الثالثة عشرة على أن "يكون لإدارة النقل المشترك لمدينة الإسكندرية حساب خاص مستقل عن ميزانية الدولة...". وإذا كانت إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية بحكم إنشائها على هذا النحو، ومنحها الشخصية المعنوية وقيامها على إدارة مرفق عام هو مرفق النقل بدائرة مدينة الإسكندرية وضواحيها واستغلاله، وتشكيل مجلس إداريتها، وصفات رئيسه ونائبه وأعضائه، والسلطات المخولة له، واستقلال ميزانيتها عن ميزانية الدولة، تعتبر مؤسسة عامة بتوافر عناصر المؤسسات العامة ومقوماتها فيها؛ فإن موظفيها - كما سبق أن قضت هذه المحكمة - يعتبرون موظفين عموميين بحكم تبعيتهم لها بوصفها فرعاً من سلطات الدولة، وإن كانوا موظفين غير حكوميين ومستقلين عن موظفي الدولة، وتسري عليهم تبعاً لذلك الأحكام والأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الإدارة الحكومية فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القوانين واللوائح الموضوعة لهم؛ وبهذه المثابة فإن الاختصاص بنظر المنازعة المتعلقة بالطعن في قرار الجزاء التأديبي الموقع على المدعي من مجلس الإدارة ينعقد لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره، وذلك بناء على نص البند (رابعاً) من المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، ومن ثم فإن الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى الحالية يكون غير قائم على أساس سليم من القانون، حقيقاً بالرفض، كما قضى بذلك الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن المادة 8 من المرسوم الصادر في 17 من أكتوبر سنة 1946 بمنح الشخصية المعنوية لإدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية تنص على أن "مجلس الإدارة هو السلطة العليا النهائية التي تفصل في كل شئون الإدارة". كما تنص المادة 11 من هذا المرسوم على أن "على مجلس الإدارة أن يضع لائحة للنظام الداخلي لإدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية تحدد فيها المسئوليات والاختصاصات". وتنفيذاً لهذا النص صدرت بناء عليه اللائحة الداخلية وملحقها الخاص بالمخالفات ونظام جزاءات موظفي الإدارة بعد عرضهما على مجلس الإدارة بجلسته المنعقدة في أول يناير سنة 1948. وقد نصت المادة العاشرة من اللائحة الداخلية في باب "اختصاصات مجلس الإدارة" على أن من هذه الاختصاصات "البت في شئون الموظفين الذين يشغلون الوظائف الرئيسية من حيث التعيين وتحديد المرتب والترقية ومنح العلاوات والمكافآت والجزاءات والاستغناء وإلغاء وظائفهم". وعددت المادة هذه الوظائف ومنها "10 - مديرو ورؤساء الأقسام التي تستجد وجميع الموظفين الذين تزيد مرتباتهم الشهرية عن 25 جنيهاً". وقد سكتت هذه اللائحة وكذا مرسوم إنشاء الإدارة عن بيان النظام التأديبي وقواعد التحقيق والمحاكمة وما يتعلق بذلك من أوضاع وإجراءات بالنسبة إلى طائفة الموظفين شاغلي الوظائف الرئيسية الذين منهم المدعي - وهو رئيس أقسام الكهرباء بالإدارة وقتذاك ويزيد مرتبه الشهري على 25 جنيها - وهم الذين يبت مجلس الإدارة في أمرهم من حيث الجزاءات، وذلك على خلاف ما فعلته لائحة المخالفات ونظام جزاءات موظفي الإدارة بالنسبة على باقي الموظفين ممن هم دون هؤلاء؛ إذ سنت لهم قواعد مفصلة خاصة بمحاكمتهم وتأديبهم. وإذ كان الأمر كذلك؛ فإن إسناد الاختصاص التأديبي في شأن كبار الموظفين الشاغلين للوظائف الرئيسية بإدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية إلى مجلس الإدارة، مع إغفال إيراد قاعدة تنظيمية لما يجب أن يراعى من أوضاع ويتبع من إجراءات في شأن التحقيق والمحاكمة التأديبية التي يتولاها هذا المجلس، لا يعني أن سلطة المجلس في هذا الصدد مطلقة لا تخضع لقيد ولا تعرف لمداها حداً، وأن سير المحاكمة يجري على غير أصول أو ضوابط؛ إذ أن ثمت قدراً من الضمانات الجوهرية يجب أن يتوافر كحد أدنى في كل محاكمة تأديبية. وهذا القدر تمليه العدالة المجردة وضمير الإنصاف والأصول العامة في المحاكمات، وإن لم يرد عليه نص، ويستلهم من المبادئ الأولية المقررة في القوانين الخاصة بالإجراءات، سواء في المحاكمات الجنائية أو التأديبية؛ ذلك أن القرار التأديبي هو في الواقع من الأمر قضاء عقابي في خصوص الذنب الإداري. ومن هذه الضمانات تمكين المتهم من الدفاع عن نفسه، وتحقيق دفاعه، وحيدة الهيئة التي تتولى محاكمته، وتسبيب القرار الصادر بالجزاء التأديبي بما يكفل الاطمئنان إلى صحة وثبوت الوقائع المستوجبة لهذا الجزاء، والتي كونت منها السلطة التأديبية عقيدتها واقتناعها واستظهار الحقائق القانونية وأدلة الإدانة بما يفيد توافر أركان الجريمة التأديبية وقيام القرار على سببه المبرر له، ويتيح للقضاء إعمال رقابته على ذلك كله من حيث صحة تطبيق القانون على وقائع الاتهام، ولا سيما إذا تعددت التهم المنسوبة إلى الموظف واختلف مركز كل منها من حيث ثبوتها أو مدى جسامتها أو استحقاقها للجزاء. ولا يغني عن تسبيب القرار وجود تحقيق سابق عليه والاقتصار على الإحالة العامة إلى هذا التحقيق أو الإشارة إلى حصول المداولة بين أعضاء مجلس التأديب في شأن التهم موضوع المحاكمة جملة. وإذا كان الأصل في القرار الإداري عدم تسبيبه إلا إذا نص القانون على وجوب هذا التسبيب فإن القرار التأديبي على النقيض من ذلك - وهو قرار ذو صبغة قضائية؛ إذ يفصل في موضوع مما يختص به القضاء أصلاً - يجب أن يكون مسبباً. وقد رددت هذا الأصل العام المادة 91 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة؛ إذ نصت على أن "تكون قرارات مجلس التأديب مسببة وتوقع من الرئيس والأعضاء الذين أصدروها"، كما أكدته المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية بالنص على أنه "بجب أن يشتمل الحكم على الأسباب التي بنى عليها، وكل حكم بالإدانة يجب أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها وأن يشير إلى نص القانون الذي حكم بموجبه".
ومن حيث إنه ثابت بمحضر جلسة 31 من أكتوبر سنة 1953 لمجلس إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية أن المجلس - منعقداً بهيئة مجلس تأديب - بعد أن سمع أدلة الاتهام ووقائعه في المخالفات الإدارية المنسوبة إلى كل من المدعي وزميله المهندس محمود صدقي، وواجههما بها وناقشهما فيها، وسمح لهما بإبداء دفاعهما بصددها اكتفى بذكر الآتي: "وبعد المداولة قرر المجلس: أولاً - مجازاة المهندس إبراهيم شلبي بتنزيل ماهيته الأصلية من 200 م و40 ج إلى 200 م و32 ج، ومجازاة المهندس محمود صدقي بتنزيل ماهيته الأصلية من 600 م و27 ج إلى 600 م و23 ج، على أن يسري ذلك بالنسبة إليهما اعتباراً من اليوم، وذلك مع عدم صرف ماهياتهما الأصلية ومرتباتهما الأخرى عن مدة الإيقاف. ثانياً - إلزامهما متضامنين برد مبلغ 397 م و81 ج إلى خزانة إدارة النقل المشترك، وهي قيمة الخسائر التي تكبدتها الإدارة نتيجة للمخالفات التي ثبتت إدانتهما فيها - استدعى المتهمان وتلي عليهما القرار".
ومن حيث إن القرار آنف الذكر بوضعه الشكلي الذي صدر فيه وبما تضمنه من إلزام المدعي وزميله متضامنين برد مبلغ 397 م و81 ج إلى خزانة إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية يكون قد شابه عيبان: أولهما، خلوه من بيان الأسباب التي بني عليها ما انتهى إليه من إدانة المذكورين تأديباً لما أسند إليهما من وقائع استوجب العقوبة التي قضى بمجازاتهما بها. والثاني، خروجه عن حدود ولايته التأديبية إلى الفصل في مسألة لا تدخل في نطاق اختصاصه كمجلس تأديب، أياً كان مبلغ ثبوت مستحقات الإدارة التي قضى بردها. ولا يغير من هذا صدور القانون رقم 324 لسنة 1956 بتعديل الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 111 لسنة 1951 في شأن عدم جواز توقيع الحجز على مرتبات الموظفين والمستخدمين أو معاشاتهم أو مكافآتهم أو حوالتها إلى في أحوال خاصة؛ لخروج إدارة النقل المشترك من عداد الهيئات التي أوردت المادة الأولى من القانون المشار إليه بيانها على سبيل الحصر، وهي "الحكومة والمصالح العامة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية"، والتي خولتها حق خصم مثل هذه المطلوبات من الموظف أو المستخدم في حدود الربع دون اتخاذ إجراءات قضائية من جانبها. ومن ثم فإن هذا القرار يكون قد وقع باطلاً، ويتعين القضاء بإلغائه، وما يترتب على ذلك من آثار، على أن تعاد محاكمة المدعي طبقاً للأصول القانونية والأوضاع الشكلية الصحيحة من أجل وقائع الاتهام التي تضمنها التحقيق في المخالفات الإدارية المسندة إليه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة قد قام على أساس سليم من القانون، ويكون حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه - إذ قضى برفض الدعوى - قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه، وبإلغاء قرار مجلس إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية الصادر في 31 من أكتوبر سنة 1953 بمجازاة المدعي، وما ترتب عليه من آثار، على أن تعاد محاكمة المذكور تأديبياً، مع إلزام الإدارة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار التأديبي المطعون فيه، وألزمت إدارة النقل المشترك لمنطقة الإسكندرية بالمصروفات.