مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1959 إلى آخر مايو سنة 1959) - صـ 1023

(89)
جلسة 28 من مارس سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.

القضية رقم 52 لسنة 3 القضائية

( أ ) قوات مسلحة. متطوع بمصلحة خفر السواحل - الرابطة التي تربطه بالمصلحة رابطة قانونية لا عقدية - عدم سريان أحكام قانون عقد العمل الفردي عليها.
(ب) قوات مسلحة. متطوع بمصلحة خفر السواحل - انتهاء مدة خدمته بإعلانه عدم رغبته في تجديدها وموافقة المصلحة على ذلك - مدى استحقاقه مكافأة عن مدة تطوعه في مثل هذه الحالة - قياس حالته على حالة المستخدم المؤقت الذي يحرم في هذه الحالة من المكافأة المنصوص عليها في القانون رقم 5 لسنة 1909 ومن الإعانة المقررة بقرار مجلس الوزراء الصادر في 17/ 12/ 1944.
1 - إن علاقة المدعي بمصلحة خفر السواحل وإن افتتحت بتعهد يؤخذ عليه بالتطوع يعتمد من مديرها، إلا أنها ليست علاقة عقدية، فلا يسري عليها قانون عقد العمل الفردي، بل هي علاقة قانونية تنظمها القوانين واللوائح.
2 - يبين من المذكرة المرفوعة إلى مجلس الوزراء التي وافق عليها بقراره الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1944 ومن المادة 32 من قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 المنظمة لمكافآت المستخدمين المؤقتين والخدمة الخارجين عن هيئة العمال ومن أحكام لائحة عمال المياومة المصدق عليها بقرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من مايو سنة 1922 المنظمة لهذه المكافآت بالنسبة لعمال اليومية - يبين أن هذه النصوص لم يرد بها ذكر للمتطوع في خدمة مصلحة خفر السواحل، فإذا جاز قياس وضعه على أي من هؤلاء فلا يعدو أن يكون مماثلاً لوضع المستخدم المؤقت الذي يقطع رابطة التوظف بإرادته إلى يعلنها بعدم رغبته في تجديد مدة خدمته. وإنهاء العلاقة على هذا النحو لا يعدو أن يكون في حكم إنهاء رابطة التوظف بالاستقالة. وغني عن القول أنه إذا كان الموظف لا يستحق أصلاً أية مكافأة عند الاستقالة، كما تنص على ذلك قوانين المعاشات ويردده قرار 17 من ديسمبر سنة 1944 السالف الذكر، فإن المتطوع الذي ينهي علاقته بالحكومة بعدم رغبته في تجديد التطوع لا يكون له أصل حق في المكافأة كذلك.


إجراءات الطعن

في يوم 13 من ديسمبر سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 16 من أكتوبر سنة 1956 في القضية رقم 545 لسنة 3 القضائية المرفوعة من السيد/ محمود مختار إسماعيل ضد مصلحة خفر السواحل، والقاضي "برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء باستحقاق المدعي المكافأة المنصوص عليها في المادة 23 من القانون رقم 41 لسنة 1944 عن مدة خدمته، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للمدعي في 2 من يناير سنة 1957، وللحكومة في 10 منه، وعين لنظره جلسة 5 من أبريل سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة 31 من مايو سنة 1958. وفي هذه الجلسة قررت المحكمة إعادة القضية للمرافعة لجلسة أول نوفمبر سنة 1958 للسبب المبين في قرارها، وفي هذه الجلسة وفي الجلسات التالية سمعت المحكمة الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم، ورخصت في تقديم مذكرات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 545 لسنة 3 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 9 من أكتوبر سنة 1955 طلب فيها الحكم بأحقيته في المكافأة عن مدة خدمته بالمصلحة من أول ديسمبر سنة 1934 لغاية 2 من أغسطس سنة 1945، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لذلك إنه عين بالمصلحة في أول ديسمبر سنة 1934 بوظيفة أومباشى، وظل في الخدمة لغاية 2 من أغسطس سنة 1945؛ إذ لم يجدد تطوعه، وكان يستحق المكافأة كاملة عن مدة خدمته، لأنه يستحق - بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1944 - إعانة مساوية للمكافأة؛ لأن مدة خدمته تقل عن خمس وعشرين سنة، ولم يرفت بسبب سوء السلوك أو الاستغناء عن خدماته، بل إن فصله كان بسبب عدم تجديد التطوع. وقد ردت الحكومة على ذلك بأن المدعي التحق بالخدمة في أول ديسمبر سنة 1934 بوظيفة تلميذ عسكري بحري بمرتب قدره 750 م و1 ج شهرياً، وفي 3 من أغسطس سنة 1935 تطوع في الخدمة لمدة عشر سنوات تنتهي في 2 من أغسطس سنة 1945، وذلك نظير إعفائه من التجنيد بالجيش، ورقي في هذه الأثناء إلى رتبة أومباشى شرف، وعند انتهاء مدة التطوع قدم طلباً بعدم تجديد المدة، فوافقت المصلحة على ذلك وفصل من خدمتها اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1945. وقالت إن عساكرها وصف ضباطها يعاملون بقانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 فيما يختص بالمكافأة المستحقة لهم عن مدة خدمتهم، وتقضي المادة 12 من هذا القانون بأن من يرفت من الخدمة بناء على طلبه لا يستحق مكافأة. وطلبت الحكم برفض دعوى المدعي، وإلزامه بالمصروفات. وبجلسة 16 من أكتوبر سنة 1956 قضت المحكمة برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات. وأسست قضاءها على أن مناط الفصل في هذه المنازعة أحكام القانون رقم 41 لسنة 1944 الخاص بعقد العمل الفردي، وقد عددت الحالات التي يستحق فيها العامل مكافأة عن مدة عمله، وبالتالي فلا يستحق مكافأة إذا كان فسخ العقد من جانبه. ولما كان الثابت من الأوراق أن المدعي تطوع بخدمة المصلحة لمدة عشر سنوات تنتهي في 2 من أغسطس سنة 1945 مقابل إعفائه من التجنيد، وعند انتهاء هذه المدة قدم طلباً بعدم تجديد التطوع فأجيب إلى طلبه وصدر قرار بفصله من الخدمة؛ ومن ثم يكون فسخ عقد الاستخدام قد تم من جانبه ولا يستحق مكافأة؛ عملاً بالقانون رقم 41 لسنة 1944 السالف الذكر. وقد انتهى المدعي في طلباته إلى طلب صرف الإعانة المقررة بقرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1944.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن لا خلاف في أن المدعي تنطبق عليه أحكام القانون رقم 41 لسنة 1944 بشأن عقد العمل الفردي، وذلك على مقتضى مفهوم المخالفة للفقرة (هـ) من المادة من هذا القانون، غير أن الطعن ينصب على تفسير النصوص الواجبة التطبيق على هذه المنازعة؛ إذ يتعين أن يتلاءم مفهوم هذه النصوص مع طبيعة التنظيم الإداري؛ وعلى هذا الأساس يكون الفصل دائماً مناطه إرادة الجهة الإدارية مستهدية في ذلك مصلحة المرفق، حتى ولو كانت هذه الجهة قد باشرت هذه السلطة التقديرية استجابة لطلب المدعي، فإرادة المدعي لا يعتد بها في هذا المجال، وبالتالي فإنها لا تعتبر عند قيامها سبباً لقرار الفصل، فإذا كان الأمر كذلك فإن ما أبداه المدعي من الرغبة عن تجديد التطوع لا يمنع من القول بأن الفصل قد تم من جانب رب العمل، أي جهة الإدارة، وبالتالي يستحق المدعي المكافأة المقررة بحكم المادة 22 من القانون رقم 41 لسنة 1944، طالما أنه لا يوجد في هذا القانون نص يحرم مقدم الاستقالة من المكافأة عن مدة الخدمة. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير ذلك فقد خالف القانون، وتعين الطعن فيه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت [(1)] بأنه يبين من استظهار نصوص قانون عقد العمل الفردي أن قصد الشارع فيه لم ينصرف إلى أن يخضع لأحكامه مستخدمي الحكومة وعمالها الذين تحكم علاقتهم بها قواعد تنظيمية عامة تنظم العلاقة بينهم وبين الحكومة، بل إن المشرع قد استهدف بهذا القانون تنظيم شئون العمال وبيان حقوقهم وواجباتهم ورعاية مصالحهم وحمايتهم صحياً ومالياً ودرء الحيف والاستغلال عنهم من أرباب الأعمال، وأنه أسند رقابة هذا كله إلى وزارة الشئون الاجتماعية ونصبها قوامة على تنفيذه، وهذه المحكمة التي قام عليها كل من القانون رقم 41 لسنة 1944 والمرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 على التوالي ليست قائمة بالنسبة إلى المستخدمين والعمال الحكوميين ممن يخضعون لأحكام القوانين واللوائح التي تنظم العلاقة بينهم وبين الحكومة وتكفل لهم الرعاية والحماية التي إنما وضع تشريع عقد العمل الفردي من أجل ضمانها لمن لم تشملهم هذه القوانين. وقد فرضت في هذا التشريع رقابة الحكومة تأكيداً لاحترام نصوصه؛ الأمر الذي لا محل له في علاقة الحكومة بمستخدميها وعمالها؛ ومن ثم فإن مجال تطبيق أحكام قانون عقد العمل الفردي يتحدد بالحكمة التي قام عليها هذا القانون والهدف الذي تغياه، وهما تنظيم شئون العمال - عدا من استثناهم صراحة - ممن لا تحكم علاقتهم برب العمل قواعد لائحية، ولو كان رب العمل هو الحكومة في الحالات التي تكون طبيعة العلاقة القائمة فيها بين العامل والحكومة عقدية وليست لائحية، وكذا حماية من لم تشمله من هؤلاء العمال حماية القوانين واللوائح المنظمة لعلاقتهم بالحكومة؛ إذ أن قانون عقد العمل الفردي لو طبق على العلاقات التنظيمية العامة بالنسبة إلى مستخدمي الحكومة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية الخارجين عن الهيئة والعمال والصناع لاضطرب دولاب العمل الحكومي وتزعزعت المراكز القانونية وانقلبت الأوضاع بما يفضي إلى الإضرار بحسن سير العمل بالمرافق العامة؛ الأمر الذي يجب تنزيه الشارع عن أن يكون قد قصد إلى التردي فيه، وذلك لتعدد أوجه التباين بالنسبة إلى طوائف المستخدمين والعمال غير الخاضعين لقانون عقد العمل الفردي والعمال الذين يسري عليهم القانون المذكور، التي منها الإجازات ونظام التأديب ونوع الجزاء والهيئة التي توقعه وتهيئة وسائل العلاج وسير العمل والإشراف عليه وسلطة صاحب العمل إزاء العامل وما إلى ذلك من فروق أخرى، ولا سيما فيما يتعلق بنظام المكافآت التي لا تستحق للعمال الحكوميين طبقا لأحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 المعدل بالقانون رقم 29 لسنة 1910 إلا في أحوال ثلاثة هي: العاهة وكبر السن والمرض دون الاستقالة، وبشرط طلبها في مدى ستة أشهر من تاريخ انتهاء الحق في مرتب الوظيفة، بينما تستحق بحسب قانون عقد العمل الفردي بصفة حتمية للعامل، إلا في أحوال معينة، دون اشتراط المطالبة بها في مدة محددة.
ومن حيث إن علاقة المدعي بمصلحة خفر السواحل، وإن افتتحت بتعهد يؤخذ عليه بالتطوع يعتمد من مديرها، إلا أنها ليست علاقة عقدية، فلا يسري عليها قانون عقد العمل الفردي، حسبما سلف القول، بل هي علاقة قانونية تنظمها القوانين واللوائح، فيتعين البحث بعد ذلك فيما إذا كان المدعي يستحق الإعانة المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء الصادر في 14 من ديسمبر سنة 1944 أم لا.
ومن حيث إنه يبين من المذكرة المرفوعة لمجلس الوزراء التي وافق عليها بقراره المشار إليه أنها استهدفت التيسير على المستخدمين المؤقتين والخدمة الخارجين عن هيئة العمال وعمال المياومة؛ لأن نظام المكافآت المعاملين به - سواء بالتطبيق للمادة 32 من قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 بالنسبة للمستخدمين المؤقتين والخدمة الخارجين عن هيئة العمال، أو للائحة عمال المياومة المصدق عليها من مجلس الوزراء بقراره الصادر في 8 من مايو سنة 1922 بالنسبة لهؤلاء العمال - كان يقصر استحقاق المكافأة على الأشخاص الذين يفصلون من الخدمة لعدم اللياقة الطبية أو لكبر السن دون من يفصل لأسباب أخرى، كما كانت المكافأة لا تتعدى ماهية أو أجر سنة واحدة مهما طالت مدة الخدمة، فوسع القرار المذكور نطاق الأشخاص المستفيدين من المكافأة بحيث أصبح يدخل فيه جميع من فصل لأي سبب غير سوء السلوك والاستغناء، وذلك إلى جانب عدم اللياقة الطبية وكبر السن، وهما سببا الفصل الأصليان لمنح المكافأة، كما أصبح يمنح هؤلاء جميعاً إعانة مالية تعادل المكافأة التي كانت تئول إليهم طبقاً للقانون فيما لو كان فصلهم يعطيهم الحق في تلك المكافأة، كما قرر منح إعانة مالية فوق المكافأة القانونية تعادل مكافأة عن المدة الزائدة عن 24 سنة، وهي المدة التي كانت تعطيهم الحق في أقصى المكافأة.
ومن حيث إن تلك النصوص لم يرد بها ذكر للمتطوع، فإذا جاز قياس وضعه على أي من هؤلاء فلا يعدو أن يكون مماثلاً لوضع المستخدم المؤقت الذي يقطع رابطة التوظف بإرادته التي يعلنها بعدم رغبته في تجديد مدة خدمته. وإنهاء العلاقة على هذا النحو لا يعدو أن يكون في حكم إنهاء رابطة التوظف بالاستقالة. وغني عن القول أنه إذا كان الموظف لا يستحق أصلاً أية مكافأة عند الاستقالة، كما تنص على ذلك قوانين المعاشات ويردده قرار 17 من ديسمبر سنة 1944 السالف الذكر، فإن المتطوع الذي ينهي علاقته بالحكومة بعدم رغبته في تجديد التطوع لا يكون له أصل حق في المكافأة كذلك.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى برفض الدعوى - قد أصاب الحق في قضائه، وذلك للأسباب الموضحة آنفاً، فيتعين رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.


[(1)] يراجع الحكم المنشور بالسنة الثانية من هذه المجموعة، بند 45، صفحة 384.