مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1959 إلى آخر مايو سنة 1959) - صـ 1175

(104)
جلسة 25 من أبريل سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 816 لسنة 4 القضائية

( أ ) تعيين - تعيين الموظفين من درجة مدير عام والدرجات الأعلى منها - تمامه في شكل قرار يصدر من رئيس الجمهورية طبقاً للمادة 20 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - يُعد تتويجاً لعمل يسأل عنه الوزير المختص، ولكنه لا يعني أن رئيس الجمهورية هو المختص به والمسئول عنه - التظلم من مثل هذا القرار - تقديمه يكون إلى الوزير المختص باعتباره صاحب الصفة في نظره.
(ب) ترقية - الترقية إلى الوظائف الرئيسية من درجة مدير عام فما فوقها عناصرها - المفاضلة بين المرشحين لها - ترخص الإدارة في إجرائها بما لا معقب عليها بشرط عدم إساءة استعمال السلطة.
1 - لئن كانت المادة 20 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، تنص على أن تعيين وكلاء الوزارات ومن درجتهم ومن في درجة أعلى منها، ووكلاء الوزارات المساعدين ومن في درجتهم ورؤساء المصالح ومن يعين في درجة مدير عام يكون بمرسوم - إلا أن ذلك لا يعني أن العمل أصبح غير منسوب إلى الوزير، وأن هذا الأخير أصبح منقطع الصلة بالتظلم في القرار، بل يظل الوزير بحكم وظيفته وباعتباره الرئيس المسئول في الوزارة التي يتنسب إليها الموظف - يظل صاحب الصفة في نظر هذا التظلم، وهذا هو ما يتفق مع مسئولية كل وزير عن أعمال وزارته أما صدور القرار من رئيس الجمهورية فلا يعدو أن يكون تتويجاً للعمل المسئول عنه الوزير أساساً في شكل قرار يصدر من رئيس الجمهورية، ولا يعني هذا أن يكون هذا الرئيس قد أصبح هو المختص والمسئول بمباشرة الاختصاص التنفيذي في هذا الشأن، ولا يعدو أن يكون نظر التظلم من أي قرار عملاً تنفيذياً هو اختصاص الوزير يتولاه بهذه الصفة.
2 - إن العناصر التي تتطلبها الترقية إلى الوظائف الرئيسية من درجة مدير عام فما فوقها تختلف عن العناصر التي تتطلبها الترقية إلى ما دون ذلك من وظائف، والمفاضلة في مجال الاختيار لشغل هذه الوظائف أمر متروك لتقدير الإدارة، تستهدى فيه بما يتحلى به الموظف من مزايا وصفات، وما يتجمع لديها من عناصر تطمئن معها إلى هذا الاختيار. وهذا التقدير تستقل به الإدارة بما لا معقب عليها، ما دام قد برئ قرارها من عيب الانحراف في استعمال السلطة، ولا وجه للتحدي في هذا المقام بالاختصار عند الاختيار على ما تضمنته التقارير السنوية عن أعمال الموظف خلال حياته الوظيفية.


إجراءات الطعن

في يوم 2 من أغسطس سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 19 من يونيه سنة 1958 في الدعوى رقم 722 لسنة 11 القضائية المرفوعة من السيد/ حامد قدري ضد وزارة المالية والاقتصاد وآخر، القاضي "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الجمهوري رقم 124 لسنة 1956 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى درجة مدير عام (ب)، وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات". وقد طلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة - للأسباب الواردة في عريضة طعنه - "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بعدم قبول الدعوى لمخالفتها لنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة، مع إلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للمدعي في 4 من أغسطس سنة 1958، وللحكومة في 7 منه، وعين لنظره جلسة 27 من ديسمبر سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأرجأت النطق بالحكم لجلسة 7 من فبراير سنة 1959، ورخصت في تقديم مذكرات، ثم أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن الدفع بعدم قبول الدعوى:
ومن حيث إن مبنى الطعن المقدم من هيئة مفوضي الدولة يقوم على أن الجهة المختصة بتعيين مديري العموم هي رئيس الدولة الذي يعينهم بقرار جمهوري، (المادة 20 من قانون نظام موظفي الدولة)، وليس للجنة شئون الموظفين أي اختصاص في شأنهم (المادة 28 من القانون المذكور)، كما أنهم لا يخضعون بداهة لنظام التقارير السنوية (المادة 3)؛ إذ أن إرادتهم للمصالح التي يرأسونها متروك أمر تقديرها مباشرة لرئيس الجمهورية بمعاونة وزرائه والأجهزة الأخرى المختصة بالرقابة والإشراف على مرافق الدولة والقائمين بأمورها؛ ومن ثم يكون رئيس الجمهورية هو السلطة المختصة بتعيين مديري العموم، واختصاصه في هذا الصدد اختصاص أصيل يباشره باعتباره مصدر القرار، والقرار الجمهوري الذي يفرغ فيه إدارته هو وحده الذي يتعين اختصامه باعتباره منشئاً للمركز القانوني الموجه إليه الطعن؛ وإذ كانت المادة 12 من قانون مجلس الدولة قد نصت على عدم قبول طلبات إلغاء القرارات الإدارية القابلة للسحب الصادرة في شئون الموظفين، ومن بينها قرارات التعيين والترقية، إلا بعد التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئيسية، وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم، والجهة الإدارية التي أصدرت القرار المطعون فيه في الدعوى الحالية هي رئيس الجمهورية، وليست هناك هيئات رياسية فوقه، فقد كان من المتعين التظلم إليه؛ بحيث يعتبر هذا التظلم وحده منتجاً للأثر القانوني الذي نصت عليه المادة 12 من قانون مجلس الدولة. أما التظلم لأية جهة أخرى أدنى فلا يترتب عليه الأثر القانوني المذكور، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى. كما دفعت الحكومة أيضاً بعدم قبول الدعوى على أساس يختلف عن الأساس الذي بني عليه الدفع المقدم من هيئة المفوضين؛ فقالت إن المدعي لم يقدم تظلماً من القرار الجمهوري الصادر بترقية السيد/ محمد كمال عباس قبل رفع الدعوى، أما ما أسمته هيئة المفوضين تظلماً، وهو الكتاب الموجه إلى رئيس ديوان الموظفين في 13 من يناير سنة 1957، فلا يعدو أن يكون طلباً بتنفيذ الحكم الصادر بإلغاء القرار المؤرخ 29 من أبريل سنة 1954، فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الأولى، وما يترتب على ذلك من آثار، وإذا كان هذا الطلب قد تضمن الإشارة إلى القرار الجمهوري الصادر منه بتعيين السيد/ محمد كامل عباس مديراً عاماً لشئون الموظفين فما كان ذلك إلا تدليلاً على أن المدعي قد فاتته الترقية إلى درجة مدير عام أيضاً نتيجة، لتخطيه في الترقية إلى الدرجة الأولى، وهو يعتبر تلك الترقية أثراً من آثار الترقية المحكوم بأحقيته لها؛ ومن ثم فهو يطالب بدرجة مدير عام تنفيذاً لهذا الحكم. ولا يتضمن الطلب المشار إليه طعناً في القرار الجمهوري سالف الذكر أو تعييباً له. مما يجعل هذا الطلب تظلماً من هذا القرار أو طعناً عليه، كما وأن التظلم المقدم في 23 من أكتوبر سنة 1956 يعتبر كأن لم يكن، إذ كان سابقاً لأوانه، وبالتالي غير منج باعتباره مقدماً من موظف في الدرجة الثانية غير ذي مصلحة في الطعن على قرار بتعيين مدير عام.
ومن حيث إنه ولئن كانت المادة 20 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تنص على أن تعيين وكلاء الوزارات ومن في درجتهم ومن في درجة أعلى منها ووكلاء الوزارات المساعدين ومن درجتهم ورؤساء المصالح ومن يعين في درجة مدير عام يكون بمرسوم، إلا أن ذلك لا يعني أن العمل أصبح غير منسوب إلى الوزير، وأن هذا الأخير أصبح منقطع الصلة بالتظلم في القرار موضوع الطعن، بل يظل الوزير بحكم وظيفته وباعتباره الرئيس المسئول في الوزارة التي يتنسب إليها الموظف - يظل صاحب الصفة في نظر هذا التظلم، وهذا هو ما يتفق مع مسئولية كل وزير عن أعمال وزارته. أما صدور القرار من رئيس الجمهورية فلا يعدو أن يكون تتويجاً للعمل المسئول عنه الوزير أساساً في شكل قرار يصدر من رئيس الجمهورية، ولا يعني هذا أن يكون هذا الرئيس قد أصبح هو المختص والمسئول بمباشرة الاختصاص التنفيذي في هذا الشأن، ولا يعدو أن يكون نظر التظلم من أي قرار عملاً تنفيذياً هو من اختصاص الوزير يتولاه بهذه الصفة. أما ما تذهب إليه هيئة المفوضين فهو يقوم على إقحام رئيس الجمهورية في الأعمال التنفيذية التي هي ابتداء من اختصاص الوزير.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي قدم تظلماً إلى رئيس ديوان الموظفين في 23 من أكتوبر سنة 1956 على إثر صدور القرار الجمهوري بتعيين السيد/ محمد كامل عباس في وظيفة مدير عام، وأجابه رئيس الديوان في 6 من ديسمبر سنة 1956 بأن لا حق له في التظلم من هذا القرار؛ لأنه وقت صدوره كان يشغل الدرجة الثانية، ولم يكن قد رقي بعد إلى الدرجة الأولى التي منحها في 9 من سبتمبر سنة 1956، فلما قضت محكمة القضاء الإداري في 20 من ديسمبر سنة 1956 باستحقاقه للدرجة الأولى، واعتبار أقدميته فيها راجعة إلى 29 من أبريل سنة 1954، أي قبل السيدين محمد كامل عباس وحسين عدلي بسيوني وأصبح هذا الحكم نهائياً، بادر بتقديم تظلم إلى رئيس الديوان أشار فيه إلى تظلمه السابق الذي قدمه في 23 من أكتوبر سنة 1956، وضمنه أسباب استحقاقه للترقية إلى درجة مدير عام ورفض الديوان له. وقال إنه وقد صدر الحكم المذكور بإلغاء القرار فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الأولى وما يترتب على ذلك من آثار، فقد أصبحت أقدميته راجعة إلى 29 من أبريل سنة 1954، وبالتالي يستحق الترقية إلى درجة مدير عام التي رقى إليها السيد/ محمد كامل عباس في 26 من أغسطس سنة 1956؛ وذلك لأن مقتضى إلغاء قرار الترقية المشار إليه يجعله مستحقاً لكافة الدرجات والوظائف التي رقى إليها المطعون في ترقيته من تاريخ الترقية، وما يتبعها من علاوات كأثر من آثار الحكم السالف الذكر، يضاف إلى ذلك أن محكمة القضاء الإداري قد بنت حكمها على كافيته وخبرته الطويلة ومدة خدمته وأقدميته في كافة الدرجات وحسن بلائه في عمله، وهذه الصفات هي التي ميزته على المطعون في ترقيته وزميله السيد/ حسين عدلي بسيوني، وهي العناصر الواجب توافرها فيمن يرقى بالاختيار، سواء كانت الترقية إلى الدرجة الأولى أو من هذه الدرجة إلى ما يعلوها من درجات، وأن الظروف والأوضاع والاعتبارات التي دعت المحكمة إلى الحكم باستحقاقه للدرجة الأولى من أبريل سنة 1954 بدلاً من السيدين المشار إليهما، هي نفسها التي تدعو إلى استحقاقه للترقية إلى درجة المدير العام لشئون الموظفين بدلاً منهما. وخلص من ذلك إلى القول بأنه "يقدم هذا التظلم راجياً أن ينال من كريم عناية رئيس الديوان موفورها ليعيد الحق إلى نصابه والعدل إلى مجراه". ويبين من اعتبارات هذا التظلم أنه ليس قاصراً فقط على طلب ترقيته لدرجة مدير عام كأثر من آثار الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري المنوه عنه، بل ذكر فيه صراحة أنه أحق بالترقية من المطعون في ترقيته. وغنى عن البيان أن هذه العبارات لا تدع مجالاً للشك في أن المدعي يطعن في القرار الجمهوري الصادر بترقية السيد/ محمد كامل عباس لدرجة مدير عام فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى هذه الدرجة لأنه أحق منه بها؛ إذ تتوافر فيه العناصر التي تتطلبها الترقية بالاختيار. ولكن الديوان رفض تظلمه للأسباب التي أوردها في هذا الرفض.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت [(1)] بأن التظلم الذي يقدم إلى السلطة الرئيسية بالنسبة للمتظلم والتي مضت في نظره وتحقيقه يكون قد قدم في الميعاد، وتوافرت له مقومات التظلم الوجوبي الذي جعله الشارع شرطاً لقبول دعوى الإلغاء ورتبت عليه الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1957 أثراً قاطعاً لسريان ميعاد رفع هذه الدعوى إلى المحكمة. ولا يغير من طبيعة هذا التظلم أو من إنتاجه أثره كونه لم يقدم إلى الوزير المختص؛ لعدم ورود هذا القيد في المادة 12 من القانون المذكور من جهة؛ ولأن الإجراءات التي نص عليها قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من أبريل سنة 1955 على سبيل التوجيه والبيان في شأن تقديم التظلم وطريقة الفصل فيه لم يترتب المشرع على مخالفتها البطلان من جهة أخرى.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى بشقيه على أساس غير سليم من القانون، متعيناً رفضه.
(ب) عن الموضوع:
من حيث إن الدعوى مهيأة للفصل فيها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي أقام هذه الدعوى بعريضة أودعت سكريترية محكمة القضاء الإداري في 2 من أبريل سنة 1957 طالباً الحكم بإلغاء قرار ديوان الموظفين رقم 105 لسنة 1956 الصادر من رئيس ديوان الموظفين في 26 من أغسطس سنة 1956 والمنفذ للقرار الجمهوري رقم 124 لسنة 1956 فيما تضمنه من ترقية السيد/ محمد كامل عباس إلى درجة مدير عام شئون الموظفين، وتخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة، وأحقيته لها اعتباراً من 26 من أغسطس سنة 1956، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المدعي عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لذلك إنه سبق أن أقام الدعوى رقم 13048 لسنة 8 القضائية أمام محكمة لقضاء الإداري في 22 من أغسطس سنة 1954، وطلب فيها إلغاء القرار رقم 85 لسنة 1954 الصادر من رئيس الديوان في 29 من أبريل سنة 1954 فيما تضمنه من ترقية السيدين/ محمد كامل عباس وحسين عدلي بسيوني إلى الدرجة الأولى، وتخطيه هو في الترقية إلى هذه الدرجة اعتباراً من أول مايو سنة 1954؛ إذ إنه أقدم منهما في الحصول على ليسانس الحقوق وفي التعيين، كما وأنه أقدم منهما في الدرجة الثانية؛ إذ ترجع أقدميته فيها إلى 9 من سبتمبر سنة 1952، بينما ترجع أقدميتهما فيها إلى 19 من فبراير سنة 1953، وهو أسبق منهما في الحصول على لقب مراقب، كما أن تقريره السري عن سنة 1953 يشهد بكفايته؛ إذ ورد به أنه كفء ويستحق الترقية لخدمته الطويلة وغيرته على العمل، فضلاً عن حسن سلوك وطيب سمعته، كما وأنه منذ التحاقه بخدمة الحكومة وهو يقوم بالأعمال الخاصة بشئون الموظفين؛ الأمر الذي أكسبه خبرة ودراية على عكس المطعون في ترقيتهما؛ إذ كان أولهما موظفاً في مصلحة الضرائب، والثاني موظفاً في مجلس الشيوخ. ثم أستطرد المدعي فسرد ما ساقه ديوان الموظفين من دفاع وما عقب به على هذا الدفاع، وقال إن المحكمة بعد أن استعرضت كل ذلك انتهت إلى الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الأولى، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات، وذلك بجلسة 20 من ديسمبر سنة 1956، ولما رقي السيد/ محمد كامل عباس إلى درجة مدير عام، وأسند إليه الديوان الإدارة العامة لشئون الموظفين بموجب القرار رقم 105 في 26 من أغسطس سنة 1956 المنفذ للقرار الجمهوري رقم 124 لسنة 1956، قدم تظلماً إلى رئيس الديوان في 23 من أكتوبر سنة 1956 من تخطيه في الترقية لهذه الدرجة، فرد عليه الديوان في 6 من ديسمبر سنة 1956 بأن لا صفة له في التظلم؛ لأن القضاء لم يكن قد فصل في قضيته بعد، هذا مع العلم بأنه كان قد رقى إلى الدرجة الأولى اعتباراً من 29 من سبتمبر سنة 1956، ولما صدر الحكم لصالحه في 20 من ديسمبر سنة 1956 باعتبار أقدميته في الدرجة الأولى راجعة إلى 29 من أبريل سنة 1954، وانقضى ميعاد الطعن في هذا الحكم، وأصبح حصيناً من كل طعن، تقدم بتظلم جديد في 13 من يناير سنة 1957 بعد أن ظهرت مصلحته في الطعن طالباً استحقاقه للترقية إلى درجة مدير عام، وهى الدرجة التي منحت للسيد/ محمد كامل عباس. واستند في ذلك إلى الأسباب التي بني عليها الحكم الصادر لصالحه، وإلى أن ترقيته إلى درجة مدير عام تعتبر أثراً من آثار تنفيذ الحكم. فأجابه الديوان في 4 من فبراير سنة 1957 بأن الترقية إلى مدير عام لا تعتبر أثراً من آثار تنفيذ الحكم له باستحقاقه الترقية إلى الدرجة الأولى؛ لأنها تدخل في إطلاقات الإدارة تجريها على الوجه الذي تراه محققاً للمصلحة العامة، دون مطعن على تقديرها لكفاية الموظفين الذين ترى صلاحيتهم لشغل هذه الوظائف، ما دام قرارها غير مشوب بالانحراف في استعمال السلطة؛ الأمر الذي يستقبل القضاء بتقديره؛ ولذلك قرر الديوان حفظ التظلم. وقال المدعي إن هذه الدعوى صورة مجسمة من الدعوى رقم 13048 لسنة 8 القضائية التي حكم فيها لصالحه في 20 من ديسمبر سنة 1956 من حيث الوقائع والمدعي والمطعون في ترقيته وأسانيده فيها، ولما كانت الترقية إلى الدرجة الأولى والترقية إلى درجة مدير عام موضوع الدعوى الحالية تحكمها قاعدة واحدة هي الترقية بالاختيار للكفاية، ولقد أصبحت له بموجب الحكم المشار إليه أقدمية في الدرجة الأولى ترجع إلى 29 من أبريل سنة 1954؛ وبذلك أصبح أقدم من السيد/ محمد كامل عباس في أقدمية هذه الدرجة، وقد رتب هذا الحكم له - أي المدعي - حقوقاً في الأقدمية والكفاية والخبرة والصلاحية، وحتى ينتج هذا الحكم آثاره فإنه يتعين اختياره لوظيفة المدير العام، ويكون أحق بالترقية إليها من المطعون في ترقيته؛ تأسيساً على أن الترقية إلى هذه الدرجة تأخذ حكم الترقية إلى الدرجة الأولى؛ لأن مناط الترقية إلى الدرجات العليا هو الاختيار للكفاية الذي يجب أن يكون مستمداً من أصول ثابتة في الأوراق وحقائق لا جدال فيها، وأن تستهدف الإدارة في الاختيار تحقيق الصالح العام، وإلا كان تصرفها خارجاً عن أغراض القانون مشوباً بعيب الانحراف في استعمال السلطة. وأن المحكمة المشار إليها قد بان لها، عند مقارنة حالته بحالة المطعون في ترقيته، أنه أي المدعي أكبر سناً وأسبق منه الحصول على الليسانس وفي التعيين في الحكومة وأقدم منه في الدرجة الثانية، كما تشهد تقاريره بكفايته. ولما كانت أقدميته في الدرجة الأولى اعتبرت راجعة إلى 29 من أبريل سنة 1956، فإن من حقه أن يرقى إلى درجة مدير عام كأثر من آثار هذا الحكم الصادر لصالحه، فضلاً عن أن السيد/ محمد كامل عباس عين سكرتيراً عاماً للبنك العقارى اعتباراً من 17 من يناير سنة 1957، وكان الأمر يقتضي أن يرقى - أي المدعي - إلى درجة مدير عام لشئون الموظفين بدلاً منه، خصوصاً وأنه قام بعمل شئون الموظفين فعلاً في المدة من 7 من يناير سنة 1957 لغاية 19 من فبراير سنة 1957 وأدى فيها عمله بهمة ونشاط؛ الأمر الذي يؤكد كفايته، ولكن الديوان في سبيل التحايل بقصد إبعاده عن الترقية إلى مدير عام، ندب السيد/ حسين عدلي بسيوني النائب بمجلس الدولة بالقرار رقم 23 لسنة 1957 ليشغل وظيفة مدير عام شئون الموظفين توطئة لنقله ومنحة درجة مدير عام. ولما كان هذا الندب باطلاً لمخالفته للقانون، فقد اعترض عليه، وقدم تظلما للديوان نتيجة أن نقل - أي المدعي - من إدارة شئون الموظفين - حتى لا تئول إليه رياستها - إلى إدارة التشريع، ونقل وكيل التشريع إلى إدارة شئون الموظفين، وهو تصرف ينطوي على عسف وانحراف في استعمال السلطة ومجافاة لروح القانون، ويبين منه مدى تعسف الديوان معه، وتحامله عليه، وانصرافه إلى تحقيق النفع لكل من السيدين محمد كامل عباس وحسين عدلي بسيوني. وقد ردت الحكومة على ذلك - بعد أن استعرضت وقائع الدعوى، حسبما عرضها المدعي في عريضة دعواه - بأن الحكم الصادر في دعوى الإلغاء لا يترتب بذاته أثراً مباشراً لاستحقاقه للترقية إلى الدرجة التالية؛ إذ أن ترتيب مثل هذا الأثر يتنافى مع طبيعة دعوى الإلغاء كدعوى عينية تقوم على اختصاص القرارات غير المشروعة، ولا تقوم على أساس المساس بالحق، كما هو الشأن بالنسبة لدعاوى الاستحقاق والتسوية، فالحكم الصادر بالإلغاء لا يترتب حقاً وإنما يلغي قراراً إدارياً معيناً لمخالفته للقانون، وبالتالي ينحصر أثر الحكم بالإلغاء في إعادة إصدار القرار بما يتلاءم مع الحكم. أما القول باستحقاق الترقية كأثر مباشر للحكم فإن مقتضاه مصادرة سلطة الإدارة التقديرية في الترقيات التالية، فضلاً عن أن الحكم بالإلغاء لا يمكن أن يمتد أثره إلى القرارات التالية القرار المطعون فيه التي لم تختصم أمام القضاء، ولا يترتب عليه حتماً استحقاق الترقية إلى الدرجة التالية للدرجة التي أوردها الحكم. أما استناد المدعي إلى الدعوى رقم 13048 لسنة 8 القضائية فلا محل له، طالما أن الجهة الإدارية التي أصدرت القرار الجمهوري رقم 124 لسنة 1956 ليست هي ذاتها الجهة الإدارية التي أصدرت القرار الذي ألغاه الحكم المشار إليه. وبدهي أن نطاق السلطة التقديرية يختلف بحسب تدرج السلطات الإدارية وحسب طبيعة الأعمال التي تباشرها هذه السلطة، والتعيين في وظائف مديري العموم يقتضي سلطة تقديرية أوسع نطاقاً لتمكين الإدارة من اختيار من يصلحون لشغل هذه الوظائف الهامة، وهى في ذلك ليست ملزمة بتسبيب اختيارها كتابة، أو إبداء الضوابط التي قام عليها هذا الاختيار في أصول ثابتة من الأوراق، وأن ممارسة رئيس الجمهورية سلطته في التعيين في وظائف مديري العموم يجب أن تتم في أوسع نطاق من السلطة التقديرية؛ الأمر الذي يستتبع ألا يخضع هذا التقدير لذات الضوابط والاعتبارات التي تقيد سلطة الوزراء ورؤساء المصالح العامة. والقول بغير ذلك معناه افتئات القضاء على الاختصاصات الأصلية للسلطة التنفيذية، وعرقلة لسير المرافق العامة وانتظامها، بتنفيذ السلطات المقررة للإدارة على نحو يشل نشاطها ولا يتفق والمسئوليات الملقاة على عاتقها. وانتهت الحكومة إلى طلب الحكم برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات. بجلسة 19 من يونيه سنة 1958 حكمت المحكمة بقبول الدعوى الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الجمهوري رقم 124 لسنة 1956 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى درجة مدير عام (ب)، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات. وأسست قضاءها في الموضوع على أن الواضح من نص المادة 38 من قانون نظام موظفي الدولة، أن المشرع لا يفرق بين المعايير والضوابط الذي ينبغي أن يؤسس عليها اختيار الموظفين عند ترقيتهم من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى، ومن الدرجة الأولى إلى ما يعلوها من درجات، وذلك سواء صدر القرار من الوزير أو رئيس الجمهورية. وقد نصت هذه المادة على أن الترقيات من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى ومن الأولى إلى ما يعلوها من درجات تكون كلها بالاختيار دون التقيد بالأقدمية؛ ومن ثم فإن القول بعدم خضوع تعيين مديري العموم لذات الضوابط والاعتبارات التي تقيد الوزراء ومديري المصالح العامة عند تعيين الموظفين وترقيتهم حتى الدرجة الأولى - هذا القول لا يستند إلى أساس من القانون؛ إذ لا جدال في أن تعيين مديري العموم في الوزارات والمصالح ينبغي أن يخضع للمعايير والضوابط التي حددها القانون، وهى عين المعايير والضوابط التي يخضع لها تعيين من يشغلون وظائف دون وظائف مديري العموم. وإذ سبق لها أن قضت في الدعوى رقم 13048 لسنة 8 القضائية بأن المدعي يتساوى مع السيد/ محمد كامل عباس في الكفاية إن لم يكن يفضله، وهو الأمر الذي تشهد به تقاريره السرية التي يزخر بها ملف خدمته، لا سيما ما تضمنه التقرير الخاص بعام 1953 من أنه يستحق الترقية لخبرته الطويلة وغيرته على العمل، وكذا شهادات رؤسائه المتعاقبين فيه والتي أشادت في مجموعها بكفايته وحسن بلائه في عمله؛ ولذلك حكمت باستحقاقه الترقية إلى الدرجة الأولى اعتباراً من 29 من أبريل سنة 1954 لأقدميته وكفايته. وما دام لم يجد في الفترة الواقعة بين 29 من أبريل سنة 1954 وبين 26 من أغسطس سنة 1956 - تاريخ صدور القرار المطعون فيه - ما يغير من حقيقة كفاية المدعي والمطعون في ترقيته؛ إذ يظل المدعي هو الأسبق في الأقدمية، كما أن كفايته لا يرقى إليها الشك، وقد نوهت بها المحكمة في حكمها السالف الذكر؛ مستندة في ذلك إلى الأوراق وملف خدمته. ثم استطردت فقلت إنه عند النظر في الترقية إلى درجة مدير عام بالقرار المطعون فيه لم يكن جائزاً لنظر في ترقية المدعي لهذه الدرجة؛ لأن مركزه لم يكن قد تحدد بعد في شأن أحقيته في الترقية للدرجة الأولى وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى درجة مدير عام اعتباراً من 26 من أغسطس سنة 1956؛ ولذلك ولأن السيد/ محمد كامل عباس الذي تخطى المدعي في الترقية إلى درجة مدير عام هو ذات الشخص الذي تخطاه في الدرجة الأولى؛ الأمر الذي لم تقره المحكمة في حكمها المشار إليه، فيكون المدعي محقاً في دعواه، ويتعين الحكم له بطلباته.
ومن حيث إن الترقية بالاختيار هي في الأصل من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة بما لا معقب عليها من القضاء الإداري، ما دام هذا التقدير خلا من إساءة استعمال السلطة، وأن هذا الاختيار يجد حده الطبعي في أنه لا يجوز تخطي الأقدم إلى الأحدث إلا إذا كان هذا الأخير هو الأصلح، أما عند التساوي في الكفاية فيجب ترقية الأقدم.
ومن حيث إنه يبين من استقرار ملفات خدمة كل من المدعي والمطعون في ترقيته أن التقارير السنوية المقدمة عن الثاني في مختلف مراحل حياته الوظيفة، في مصلحة الضرائب وديوان الموظفين قدرته بدرجة ممتاز في جميع الوظائف التي شغلها، وكانت توصي بترقيته ترقية استثنائية بالامتياز، وعلى الأخص آخر تقرير قدم عنه في ديوان الموظفين في 17 من مايو سنة 1953 قبل ترقيته إلى الدرجة الأولى الذي تضمن ما يأتي "درجة جيد (وهى الدرجة القصوى) في الكفاية والصلاحية والمعاملة، ويستحق الترقية لكفايته الممتازة"، وجاء بذيل هذا التقرير أن لجنة شئون الموظفين قدرته بجلستها المنعقدة في يومي 29 و30 من أغسطس سنة 1953 بدرجة جيد، وأنه ممتاز في كفايته القانونية والإدارية، فضلاً عما امتاز به من نشاط في العمل وقوة الشخصية وحسن الخلق. أما التقارير المقدمة عن المدعي فإنها ولئن قدرت كفايته بدرجة جيد، وذكر رئيسه المباشر في أحدها، وهو مقدم عن عمله خلال سنة 1951 وقت أن كان في وزارة المالية، ومؤرخ 18 من أكتوبر سنة 1952، أنه يوصى "بترقيته إلى الدرجة الأولى لكفايته الممتازة في عمله، ولو أنه رقى حديثاً إلى الدرجة الثانية"، وكان قد رقى إلى هذه الدرجة قبل ذلك بأيام. كما وأن التقرير المقدم عن العمل المدعي في ديوان الموظفين، وهو الجهة التي توجد فيها الدرجة والوظيفة موضوع النزاع، قد ورد به ما يأتي "درجة جيد في الكفاية والصلاحية والمعاملة، ويستحق الترقية لخبرته الطويلة وغيرته على العمل". وجاء بذيل التقرير أن لجنة شئون الموظفين بجلستها المنعقدة في 29 و30 من أغسطس سنة 1953 قدرت كفايته بدرجة جيد، ولم يشمل التقرير غير ذلك، إلا أن هذه التقارير جميعاً لم ترق إلى المستوى الممتاز الذي قدرت به كفاية المطعون في ترقيته.
ومن حيث إن العناصر التي تتطلبها الترقية إلى الوظائف الرئيسية من درجة مدير عام فما فوقها تختلف عن العناصر التي تتطلبها الترقية إلى ما دون ذلك من وظائف، والمفاضلة في مجال الاختيار لشغل هذه الوظائف أمر متروك لتقدير الإدارة، تستهدى فيه بما يتحلى به الموظف من مزايا وصفات، وما يتجمع لديها من عناصر تطمئن معها إلى هذا الاختيار، وهذا التقدير تستقل به الإدارة بما لا معقب عليها، ما دام قد برئ قرارها من عيب الانحراف في استعمال السلطة. ولا وجه للتحدي في هذا المقام بالاقتصار عند الاختيار على ما تضمنته التقارير السنوية عن عمل الموظف خلال حياته الوظيفية.
ومن حيث إنه يبين مما سلف إيضاحه أن لا تثريب على جهة الإدارة في اختيارها السيد/ محمد كامل عباس للترقية إلى درجة مدير عام، على هدي ما تكشفت عنه ملفات الخدمة، وما استهدت به في هذا الاختيار من عناصر تجمعت لديها، وقد برئ هذا التصرف من إساءة استعمال السلطة؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه - إذ ذهب غير ذلك - يكون قد خالف القانون، ويتعين إلغاؤه، والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبقبول الدعوى، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] راجع الحكم المنشور في السنة الثالثة من هذه المجموعة بند 133 ص 1248.