مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1959 إلى آخر مايو سنة 1959) - صـ 1207

(106)
جلسة 9 من مايو سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخربيي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1782 لسنة 2 القضائية

( أ ) رسوم جمركية - الإعفاء من رسوم الصادر والوارد - اختصاص مجلس الوزراء بتقريره بالنسبة للبضائع الخاصة بأفراد الناس طبقاً للفقرة السابعة من المادة 9 من اللائحة الجمركية الصادرة في 12/ 4/ 1884 - المقصود بأفراد الناس في حكم هذه المادة هم الأشخاص الطبيعيون والمعنويون على السواء.
(ب) رسوم جمركية - الإعفاء من الرسوم الجمركية - ترخص الإدارة بحسب الأصل في منحه أو منعه طبقاً للقانون - تمتعها بحق تقرير مناط الإعفاء أو عدمه في كل حالة على حدة - لا محل للمطالبة بالإعفاء لمجرد التماثل بين من يطالب به وبين من يتقرر إعفاؤه - صدور مرسوم بتقرير إعفاء عام الشركات الغزل من بعض الرسوم الجمركية - لا يفيد بذاته أحقية الشركات التي لم تعف من هذه الرسوم بقرارات فردية بالإعفاء في الفترة السابقة على تاريخ صدور هذا الرسوم.
(ج) ضريبة - مبدأ المساواة في فرض الضريبة - معناه - ليس من مقتضى هذا المبدأ استلزم المساواة بين كل الممولين في الإعفاء من الضرائب - ترخص الإدارة في تقرير الإعفاء أو منعه في غير الحالات التي يكون فيها الإعفاء وجوبياً.
1 - إن الفقرة السابعة من المادة التاسعة من اللائحة الجمركية الصادرة في 12 من أبريل سنة 1884 جرى نصها بما يأتي "تعفى من إجراءات التحقيق ورسوم الصادر والوارد الأشياء الآتي بيانها: (أولاً)... (ثانياً)... وتعفى أيضاً من رسوم الصادر والوارد ولكن يجرى عليها الكشف والتحقيق فقط... (سابعاً) البضائع الخاصة بمصالح الحكومة وأفراد الناس الذين لهم الحق بالمسموحات بموجب أوامر خصوصية أو اتفاقات"، والمقصود بأفراد الناس هم جميع الأشخاص الذين لهم الشخصية القانونية، سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين أم أشخاصاً اعتباريين كالشركات والجمعيات وغيرها. وغنى عن القول إن قصر هذه السلطة على إصدار قرارات لصالح الأشخاص الطبيعيين دون غيرهم هو تخصيص بغير مخصص وتمييز دون مقتض، يتنافى بداهة مع الحكمة التي قام عليها النص، وهى حكمة تستلزم المساواة في المعاملة بين الأشخاص جميعاً الطبيعيين وغيرهم، ما دامت قد قامت بهم علة الإعفاء التي من أجلها شرعت هذه السلطة، كما أن تلك القرارات إنما يصدرها المجلس بسلطته التقديرية حسبما يراه متفقاً مع الصالح العام، فلا يحدها إلا عيب إساءة استعمال السلطة إن وجد وقام الدليل عليه، فإذا برئت من هذا العيب فلا معقب للقضاء على تلك القرارات، وليس له أن يتدخل في وزن أسباب تلك الملاءمة، وإلا جاوز القضاء حدود رقابته القانونية.
2 - إن القانون - إذ أولى جهة الإدارة سلطة الترخيص في الإعفاء أو عدم الإعفاء من الرسوم الجمركية في حالات فردية - فليس من شك في أن مناط هذا الإعفاء أو عدمه متروك زمامه لتقديرها في كل حالة على حدتها بحسب الظروف والأحوال، بما لا وجه معه لفرض القياس فرضاً بناء على ادعاء من يدعي ذلك، ويطالب بالإعفاء بحجة التماثل بين حالة فردية وأخرى، والزعم بأن في غير ذلك إخلالاً بمبدأ المساواة في فرض الضريبة وتميزاً بغير مقتض، ما دام القانون ذاته هو الذي سمح بالترخيص في الإعفاء أو عدمه في الحالات الفردية، والترخيص على هذا الأساس منوط بتقدير الإدارة كما سبق القول، كما لا وجه للتحدي بأن إصدار مرسوم بتقرير الإعفاء عاماً مطلقاً يدل على أحقية من لم يعف من الأصل في الإعفاء؛ ذلك أن تغيير نظرة الشارع من وضع سابق كان مناط الترخيص في تقدير الإعفاء أو عدمه فيه بحسب كل حالة فردية على حدتها إلى نظرة موضوعية شاملة مناطها الإعفاء العام بقاعدة عامة مجردة متى توافرت شروطها إنما يمثل تماماً كيفية التطور التشريعي في مثل هذه الظروف، وكيف يبدأ الوضع عادة بحالات فردية، فإذا عمت الأسباب فتعددت الحالات اتجه التفكير بعد ذلك إلى نقل الحكم من نطاق الحالات الفردية إلى التعميم بقاعدة عامة مجردة، وهذا هو ما تم في هذا الشأن إذ بعد أن صدرت قرارات فردية بإعفاء بعض شركات الغزل من بعض الرسوم الجمركية في 23 و30 من يوليه و6 و13 من أغسطس سنة 1950، وتقدمت بعد ذلك سائر الشركات بطلبات الإعفاء أسوة بالشركات الأولى، رأت الحكومة أن الأمر لم يعد مقصوراً على حالات فردية، وإنما أصبح الأمر يحتاج علاجاً عاماً، أي تقرير سياسة عامة بتعميم الإعفاء، فلجأت إلى الأداة القانونية التي يقتضيها الحال، وهى إصدار مرسوم بالإعفاء بالتطبيق للمادة 4 من القانون رقم 2 لسنة 1930. وغنى عن القول إن اتخاذ هذا السبيل كان يقتضي من الحكومة وقتاً كافياً للبحث والدراسة، وبوجه خاص استظهار مدى ما تتأثر به الميزانية؛ باعتبار الرسوم الجمركية من أهم موارد الدولة؛ فلا تثريب، والحالة هذه، على الحكومة في المسلك الذي سلكته، بعد إذ استعملت سلطتها في الحالات الفردية الأولى، فلما نبهها تكرار الطلبات إلى وجوب تقرير سياسة عامة نحو تعميم الإعفاء اتجهت هذه الوجهة وقامت بالفحص والدراسة، ثم انتهت إلى ما انتهت إليه من وجوب استصدر مرسوم عام بالإعفاء، وهو مسلك ينم على الاستواء والسواء في القصد والاتجاه للصالح العام.
3 - إن المساواة في فرض الضريبة شيء والإعفاء أو عدمه في حالات فردية ناطها القانون بتقدير الإدارة شيء آخر، وإذا كانت المساواة بين الممولين عند تطبيق ضريبة معينة واجبة قانوناً، إلا أن ذلك لا يستلزم حتماً المساواة بينهم أيضاً في الإعفاء؛ إذ الأمر في الإعفاء جد مختلف، فليس ما يمنع الجهة الإدارية من الإعفاء من الضريبة، على أن يتم ذلك في حدود القانون أو بناء على قانون. وقد يكون الإعفاء وجوبياً أي بنص خاص في القانون، وفي هذه الحالة يستوي في الإعفاء كل من توافرت فيه الشروط التي يتطلبها القانون، وقد يكون الإعفاء جوازياً، كما إذا ترك القانون للسلطة الإدارية حق تقريره أو عدم تقريره، ومن ذلك ما نصت عليه الفقرة السابعة من المادة التاسعة من اللائحة الجمركية الصادرة في 2 من أبريل سنة 1884، وقد ردد هذا الحكم أيضاً البند 9 من الفقرة ثانياً من المادة التاسعة من القانون رقم 507 لسنة 1955 بتعديل اللائحة الجمركية السالفة الذكر، إذ نص على أن تعفى من رسوم الوارد والصادر والرسم القيمي والقيمي الإضافي ورسم الاستهلاك وعوائد الرصيف والرسم البلدية، ولكنها تكشف وتراجع "البضائع والأشياء التي يصدر بإعفائها قرار من مجلس الوزراء"، وكذلك ما نصت عليه المادة العاشرة من القانون رقم 142 لسنة 1944 بفرض رسم أيلولة على التركات إذ أجازات لمجلس الوزراء إعفاء المعاهد والجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية من الرسم كله أو بعضه"، وإذ كان الإعفاء في مثل هذه الحالات بمثابة منحة من الإدارة لصاحب الشأن تقررها بناء على تفويض من القانون، فإن الإدارة، والحالة هذه، تترخص في منحها بسلطتها التقديرية، وليس لممول أن يجبرها على منحه هذا الإعفاء ما دام المشرع قد ترك الأمر لمطلق تقديرها، ولا يحدها في ذلك إلا عيب إساءة استعمال السلطة [(1)].


إجراءات الطعن

في 22 من أغسطس سنة 1956 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 24 من يونيه سنة 1956 في الدعوى رقم 2898 لسنة 7 ق المرفوعة من أحمد مصطفى الكرجاتي بصفته ضد وزارة المالية، القاضي: "(أولاً) برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وباختصاصها. (ثانياً) وفي الموضوع بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعية تعويضاً مساوياً لما دفعته من رسوم جمركية على الآلات وقطع الغيار فيما عدا رسم قيمي قدره واحد في المائة، وما دفعته من رسوم جمركية على المواد الأولية، وذلك في المدة من تاريخ تقديم طلبها الأول بالإعفاء في 14 من أغسطس سنة 1950 إلى تاريخ العمل بالمرسوم الصادر بتعميم الإعفاء المنشور بالجريدة الرسمية في 16 من مايو سنة 1951. (ثالثاً) بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعية المصروفات ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة". وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة طعن - "أولاً - الأمر بوقف تنفيذ هذا الحكم مؤقتاً ريثما يفصل في الطعن. ثانياً - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، مع إلزام الشركة المدعية بالمصروفات". وأعلن المدعي بصفته بالطعن في 29 من أغسطس سنة 1956، وأعلنت به الوزارة في 2 من سبتمبر سنة 1956، وقد عين لنظر الطعن جلسة 6 من أكتوبر سنة 1956، ثم تداول بالجلسات، وخلال ذلك تغيرت صفة الممثل القانوني لشركة الغزل المدعية، فأدخل من حلوا محله في الدعوى تباعاً، وكان آخرهم الممثل للشركة السيد/ محمد عبد الغني المهيلمي بصفته رئيساً لمجلس إدارة الشركة. وبجلسة 17 من يناير سنة 1959 سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يستفاد من الأوراق - تتحصل في أن المدعي بصفته أقام الدعوى رقم 2898 لسنة 7 ق أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيريتها في 26 من يوليه سنة 1953، طالباً الحكم بإلغاء القرار برفض إعفائه من دفع الرسوم المبينة بعريضة الدعوى، وإلزام وزارة المالية برد مبلغ 490 م و44385 ج مع الفوائد من يوم رفع الدعوى والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال في بيان ذلك إنه يملك مجموعة مصانع للغزل والنسيج بباكوس بالإسكندرية ساهمت ولا تزال تساهم في تموين البلاد بما تحتاجه من مختلف أنواع الغزل والمنسوجات، وقد شاهدت هذه الشركة مصانع أخرى تقوم بنشاط من نوع مشابه، واختص المعلن إليهم هذه الشركات بإعفائها من الرسوم الجمركية. ولما تقدم الطالب يطلب مثل هذا الإعفاء أبت عليه الحكومة ذلك. ولما كان قرار عدم الإعفاء مخالفاً للقانون مشوباً بسوء استعمال السلطة؛ إذ المصريون جميعاً متساوون في التمتع بالحقوق المدينة والسياسة والتكاليف العامة، وأن التخصيص الظاهر في الإعفاء يعتبر تدخلاً من جانب الحكومة في النشاط التجاري يخل بحرية التجارة والمنافسة القائمة بين الشركات، بوضع بعضها في مركز ممتاز دون البعض الآخر في الإنتاج. ولما كان المدعي بصفته قد دفع رسوماً على الآلات والخامات الخاصة بصناعات شركة بلغ مجموعها 490 م و44385 ج في المدة من 23 من يوليه سنة 1950، تاريخ إعفاء الشركات المماثلة إلى 15 من مايو سنة 1951؛ فيحق له، والحالة هذه، المطالبة برد ما دفعه من رسوم جمركية حسب البيان المفصل بعريضة الدعوى. وقد ردت الحكومة على الدعوى، فدفعت أولاً بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى. وأسست دفعها على أن الدعوى ليست دعوى مطالبة بتعويض، كما تصورها الشركة المدعية، وإنما هي دعوى استرداد ما دفعته بغير وجه حق؛ ومن ثم تخرج المنازعة من اختصاص القضاء الإداري، وعلى أن مؤدى طلبات الشركة أن تحل المحكمة محل الإدارة في تقرير الإعفاء بعد أن امتنعت الإدارة عن ذلك، والدعوى - بهذه المثابة - لا تدخل في اختصاص القضاء الإداري أيضاً. وفي الموضوع قسمت الحكومة ردها إلى قسمين تناولت في أولهما بحث الدعوى من ناحيتها الموضوعية، وتكلمت في ثانيهما عن الناحية القانونية، فقالت في القسم الأول ما محصله أنه ليس من شك في أن للدولة أن تشجع النشاط الفردي بإجراء عام أو خاص، فلها دائماً استعمال هذه السلطة في حدود المصلحة العامة دون أن يحجها الغير بأي حق يمكنه التحدث عنه؛ ذلك أن التشجيع أو الإعانة منحة لا حق فيها طالما أن المشرع لم ينص على التزام الدولة بها. وقد منح المشرع الحكومة رخصة الإعفاء الفردي صراحة بالمادة التاسعة من اللائحة الجمركية؛ حيث ترك لها سلطة تقرير إعفاءات فردية بأمر أو اتفاق خاص. على أن الحكومة رأت اتباع كل من السياستين العامة والخاصة في التشجيع وفقاً لظروف ومبررات قدرتها وهى ترجع جميعها إلى المصلحة العامة؛ فقد أرادت الحكومة تشجيع الصناعات الأساسية في مصر لمواجهة الواردات الأجنبية في ذات النشاط، فاختطت لنفسها سياسة عامة؛ بأن خفضت رسوم الوارد والرسم القيمي على الآلات والمواد اللازمة لهذه الصناعات، وصدر بذلك مرسومان في 25 من يونيه سنة 1950. وفي يوليه سنة 1950 تقدمت كل من الشركة الأسمدة والصناعات الكيماوية ومصنع القرش وشركة مصر للحرير الصناعي إلى وزارة المالية بطلب إعفائها من الرسوم الجمركية عن أصناف معينة، فدرست وزارة المالية هذه الطلبات وبعد أن تبين لها صحة ووجاهة الأسباب التي طلبت من أجلها هذه الشركات الإعفاء، تقدمت إلى مجلس الوزراء بطلب الموافقة على ما طلبت الشركات إعفاءها منه من الرسوم الجمركية، فصدر بذلك قرار من مجلس الوزراء في 23 من يوليه سنة 1950، وكان الدافع إلى طلب وزارة المالية تقرير الإعفاء - وهو ما وافقها عليه مجلس الوزراء - أن هذه الشركات الثلاث (1) شركات أنشئت حديثاً، (2) وأنها تقوم بصناعات حيوية، (3) وأنه لا مثيل لكل منها في القطر المصري. وفي 19 من يوليه سنة 1950 تقدمت كل من شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة وشركة مصر للغزل والنسيج الرفيع بكفر الدوار بطلب إلى وزارة المالية لإعفاء الآلات وقطع الغيار اللازمة لها وكذلك المواد الأولية من الرسوم الجمركية للأسباب التي بينتها في طلباتها، كما تقدمت شركة صباغي البيضا في 24 من يوليه سنة 1950 بطلب مماثل لطلبات الشركتين سالفتي الذكر؛ ارتكنت فيه إلى الاعتبارات التي ارتكنت إليها الشركتان المذكورتان، ولأسباب أخرى خاصة بها. وبعد أن بحثت وزارة المالية هذه الطلبات تقدمت إلى مجلس الوزراء لتقرير إعفاء هذه الشركات، فوافق مجلس الوزراء على ذلك في 30 من يوليه سنة 1950. ويبين من طلبات هذه الشركات التي وافق وزير المالية على ما ورد بها وأقره على ذلك مجلس الوزراء لتقرير إعفاء هذه الشركات أن كلاً من هذه الشركات أقامت صرحاً شامخاً في الصناعة القطنية، وتكلفت في سبيل ذلك أموالاًً طائلة دون مبالاة بالتكاليف، فوضعت من الأنظمة ما كفل رفع شأن هذه الصناعة، حتى أصبحت تضارع الشركات الأجنبية، كما داومت على استيراد أحدث الآلات وأحسنها لازدهار هذه الصناعة الحيوية، وعانت في ذلك الكثير، لا سيما لحداثة عهد العامل المصري بهذا التقدم الدائم التطور، كما اهتمت بحالة عمالها الاجتماعية إلى أقصى حد، فأصبح نشاطها في كافة فروعه مثلاً يحتذي به. وكان من نتيجة هذا المجهود الجبار الذي قامت به كل من هذه الشركات الثلاث متعاونة متكاتفة أن أصبحت الدولة المصرية تصدر من مصنوعاتها القطنية كميات كبيرة جعلت لها مركزاً سامياً في بعض الدول الأخرى. ولا شك أن شركات هذا شأنها تؤثر تأثيراً مباشراً وعظيماً في الاقتصاد القومي؛ ومن ثم فإن في تشجيعها تحقيقاً للمصلحة العامة. ثم تقدمت شركة مصر للحرير الصناعي إلى وزارة المالية مرة أخرى بتعميم إعفائها من الرسوم على المواد الأولية بدلاً من قصره على لب الخشب، فوافق وزير المالية على ذلك للاعتبارات التي صدر على أساسها قرار مجلس الوزراء في 23 من يوليه سنة 1950، وتقدم إلى مجلس الوزراء بمذكرة في هذا الشأن وافق عليها المجلس المذكور في 6 من أغسطس سنة 1950. كما تقدمت شركة الغزل الأهلية في 31 من يوليه سنة 1950 بطلب إعفائها من الرسوم الجمركية على الآلات والمواد الخام أسوة بما عوملت به بعض الشركات الأخرى، باعتبار أنها أولى الشركات المساهمة المصرية لصناعة الغزل والنسيج في مصر بحكم تأسيسها في عام 1902. وإذ تبين لوزارة المالية صحة الأسباب التي قام عليها طلب الإعفاء، تقدمت إلى مجلس الوزراء بطلب إعفائها، فوافق المجلس على ذلك في 13 من أغسطس سنة 1950. ثم استطردت الحكومة تقول إن قرارات الإعفاء قد قامت على أسس سليمة مشروعة ترجع جميعها إلى المصلحة العامة وكانت تحتم تقرير الإعفاء، واستناداً إلى عوامل خصت بها تلك الشركات المعفاة، وأن منع الإعفاء عن الشركة المدعية كان لأسباب موضوعية فضلاً عن الأسباب القانونية، وهذه الأسباب تقطع بعدم تماثلها بالشركات التي تريد مساواتها بها، ولم تقدم الشركية المدعية وزميلاتها أي عنصر مماثل لتلك العناصر التي دفعت الحكومة إلى تقرير الإعفاء؛ ذلك أن التماثل ليس قاصراً على وحدة النشاط فحسب، وإنما هو وليد تطابق في تفاصيل الحالة العامة وفي وحدة الظروف المحيطة بالشركة، وهو بعبارة أخرى في كافة الملابسات التفصيلية التي تؤثر تأثيراً مباشراً في حالتها العامة وتجعلها صورة مماثلة لزميلاتها، فإذا لم يوجد نص صريح مقيد للإدارة في تصرفها وإذا كانت تعمل في ميدان الترخيص فلا محل للتحدث عن التماثل بينها في مجال الاختيار. ويبين من الرجوع إلى قرارات مجلس الوزراء الصادر بالإعفاء أن قرار 23 من يوليه سنة 1950 اختص ثلاث شركات تتسم بطابع خاص، وهى أنها شركات أنشئت حديثاً وتقوم بصناعات حيوية ولا مثيل لها في القطر المصري، أما أولادها فهي شركة الأسمدة وهى تقوم على صناعة حيوية هي عماد تنمية الثروة الزراعية، ثم مصنع القرش للطرابيش وهو يقوم بصناعة جديدة سبق أن فشلت من قبل وهو في حاجة ماسة إلى التشجيع، وأخيراً شركة مصر للحرير الصناعي وهى لا تقل عن سابقتيها أهمية؛ إذ كرست نشاطها في صناعة جديدة تحتاج إليها الصناعة القطنية في قسط كبير من نشاطها، فهي تعمل على إنتاج ذلك النوع من الحرير الذي تدفع فيه الشركات الأخرى مبالغ باهظة سنوياً في استيرادها، ولا تمارى أي من الشركات المدعية في عدم تماثلها مع هذه الشركات الثلاث في ظروفها وفي مجال نشاطها. وأما عن الشركات الأربع الأخرى التي صدرت بشأنها قرارات إعفاء في 30 من يوليه و13 من أغسطس سنة 1950، فإن كلاً منها يؤثر ثأثيراً مباشراً في الكيان الاقتصادي للدولة، سواء من ناحية الكساء أو من ناحية اليد العاملة التي تستخدمها، وهى لا تبالي في نشاطها هذا بضخامة تكاليف إنتاجها في سبيل استيراد أحسن وأحدث الآلات ووضع أفضل النظم في العمل وفي رفاهية عمالها، وما إلى ذلك من الأعمال التي أنفقت في سبيلها الملايين حتى وصلت إلى الحالة التي هي عليها، يضاف إلى ذلك أن إحداها هي أول شركة قطنية في مصر استمرت تعمل زهاء نصف قرن وحدها في المجال الحيوي، فكان حقيقاً بالحكومة، وقد درست كافة هذه الظروف والاعتبارات، أن تشجعها. فالإعفاء - على ما هو ظاهر - مبناه رغبة الدولة في زيادة ازدهار هذه الشركات بناء على تلك الأسباب، وهو يؤدي مباشرة إلى تحقيق المصلحة العامة في هذا الخصوص على أحسن وجه، وليس من الشركات المدعية ما يمكنها الزعم بقيام كافة تلك الاعتبارات مجتمعة لديها؛ ومن ثم فلا تماثل. وإذ كان لا يوجد نص تشريعي يلزم الحكومة بتقرير الإعفاء بما يجعله حقاً، وإنما كان النص يقضى بترك تقدير ظروف الإعفاء للسلطة العامة، فالمرجع الأخير في تقريره هو لهذه السلطة، فتقوم بالتقرير طبقاً للظروف والملابسات التي تقدم إليها من طالب الإعفاء فتفحصها وتدرسها، حتى إذا ما انتهت منها إلى تقرير الإعفاء كان قرارها مبيناً على هذه الظروف المفحوصة المدروسة، فالأصل في الضريبة الجمركية هو الالتزام بها، وما الإعفاء إلا استثناء منها، فلا يقرر من تلقاء نفسه، ولا يقرر على أساس دعوى مساواة فرد بغيره، فإذا طلب طالب تغيير مركزه العام إلى آخر خاص فعليه أولاً أن يتقدم بطلبه، وعليه ثانياً أن يبين الظروف التي من أجلها يطلب من الدولة إنشاء مركز قانوني خاص له، وعليه هو الأهم - إذا ما طلب مساواته بغيره. أن يبين العناصر التفصيلية لهذه المساواة وظروف التماثل بينه وبين من يريد التشبيه به، فتقوم السلطة العامة في هذه الحالة بفحص هذه الظروف وتقدير تفاصيل عناصرها، فتنتهي منها إلى تقرير ما تراه بشأنها. أما أن يقدم طلب يذكر فيه مقدمه أنه متساو مع غيره لقيامه بذات النشاط فهو في ذاته لا يفيد شيئاً؛ إذ لا يدل تماثل النشاط على تماثل الظروف، وليست الدولة ملزمة ببحث تماثل ظروف مقدم الطلب بغيره، بل عليه أن يتقدم بعناصر مساواته، طالما أنه يطلب استثناء من الأصل. وإذ كان الثابت هو ما تقدم، وأنه فضلاً عن ذلك لا يوجد تماثل بين الشركات المدعية والشركات المعفاة بالنظر إليها على ضوء الاعتبارات التي تأسس عليها الإعفاء، انتفى عن قرارات رفض الإعفاء شائبة إساءة استعمال السلطة. وإذ كان الأمر لا يرجع إلى التزام تشريعي على الدولة القيام به، وأن الإعفاء ليس حقه لصاحبه، بل هو منحة من الدولة تقدرها حسب ظروفها وظروف طالبها، كان الأمر في هذا الترخيص مرهوناً بهذه الظروف المتعددة. فكما أن المساواة تقوم على تماثل ظروف الطالب، فهي تقوم أيضاً على تماثل الظروف بالنسبة للسلطة العامة في تقرير أو عدم تقرير الرخصة الممنوحة لها تشريعياً، فإذا تغير ظروف الزمان بين تقرير الإعفاء وبين الطلب اللاحق فلا تماثل؛ إذ الأمور مرهونة بأوقاتها. وقد تتباين الظروف لتغير سياسة الدولة في الإعفاء أو النفاد مصرفه أو لعدم إمكان فتح الباب على مصراعيه إشفاقاً على الميزانية، أو لغير ذلك من الأسباب، أولها جميعاً مجتمعة. فكل من هذه العناصر من ناحية الدولة صاحبة التقدير تجعل التماثل غير قائم، وهى إذا أحجمت عن الإعفاء لأي من هذه الاعتبارات أو كلها لا تكون قد أساءت استعمال سلطتها؛ إذ هي لم تبن قرارها على غرض شخصي أو هوى، بل لأسباب ترجع إلى المصلحة العامة. فكان أن التماثل بين الفرد وقرينه فهو أيضاً بالنظر إلى مانحه يقوم على وحدة الزمان والسياسة، فإذا تخلفت المعاصرة في أي منهما انعدام التماثل؛ إذ لا إلزاماً تشريعياً ولا حقاً مقرراً في الإعفاء، فما يمنح اليوم قد يسحب غداً، وما يقرر لشخص اليوم قد لا يرى تقريره غداً. ذلك كان موقف وزارة المالية إزاء انهيال طلبات الإعفاء، فقد رأت تغيير سياستها وعدم تحمل ميزانية الدولة مواجهة هذا الموقف استمرار تقرير إعفاءات فردية تجعل الأصل التشريعي في الضريبة الجمركية معدوم الأثر فعلاً بحيث يصبح الاستثناء أصلا؛، لذلك تقدمت إلى مجلس الوزراء بمطلبين: أولهما إنهاء الإعفاءات الفردية مستقبلاً، وثانيهما تعميم الإعفاء يجعله عينياً تطبيقاً لنص المادة الرابعة من القانون رقم 2 لسنة 1930 وأداته المرسوم، لتقرير السلطة العليا ما تراه من سياسة جديدة في الإعفاء على ضوء ما تستبينه هي من إمكانيات ميزانية الدولة. فصدر على هذا الأساس مرسوم 14 من مايو سنة 1951 بإنهاء الإعفاءات الفرية وجعلها عينية منصبة على الوعاء استناداً إلى المادة الرابعة من القانون رقم 2 لسنة 1930. واستخلصت المذكرة مما تقدم: (1) أن الإعفاء مبني على أسباب خاصة لكل شركة تقرير إعفاؤها. (2) أنه ليس حقاً يقابله التزام بتقريره، وأنه يتعين التقدم بطلبه مع وجوب بيان عناصر وأسباب الإعفاء تفصيلاً لتتمكن الحكومة من فحصه ثم تقرر ما تراه على ضوء هذه الأسباب الخاصة. (3) أن التماثل في مجال الترخيص على فرض صحته يتعين أن ينصب على طالب المساواة وعلى ذات الظروف من جهة الحكومة نفسها، (4) أن أقطع على عدم إساءة الوزارة استعمال سلطتها في رفض الإعفاء هو تقدمها إلى سلطة عليا لوضع قاعدة عامة به، فصدر بناء على طلبها مرسوم 14 من مايو سنة 1951. ثم انتقلت الحكومة في مذكرتها إلى البحث القانوني وقسمته إلى خمسة أقسام، تكلمت في القسم الأول منه عن الفقرة السابعة من المادة التاسعة من اللائحة الجمركية من حيث دستوريتها، فقالت ما محصله أن المشرع المصري نص على نوعين من الإعفاء من الرسوم الجمركية: النوع الأول فردي يختص به فرد بذاته، وأفرد له نص المادة التاسعة في فقرتها السابعة من اللائحة الجمركية، حيث تنص على أن "تعفى من رسوم الصادر والوارد، ولكنها تكشف وتراجع... (سابعاً) البضائع الخاصة بمصالح الحكومة وأفراد الناس المتمتعين بالإعفاء بموجب أوامر أو اتفاقات مخصوصة"، والنوع الثاني من الإعفاءات عيني ينصب على وعاء الضريبة إلى مالكها أو حائزها ويصدر بمرسوم، وقد ورد حكمه في المادة الرابعة من القانون رقم 2 لسنة 1930 ونصها كما يأتي "في أحوال الضرورة المستعجلة يجوز بصفة مؤقتة بمقتضى مراسيم لها قوة القانون تخفيض الرسوم أو إلغاؤها بصفة عامة على المواد الأولية اللازمة للصناعات المحلية". وتقول الشركة المدعية في خصوص النوع الأول من الإعفاء إن الحكومة إذا استعملت نص المادة بالنسبة لأحد الأفراد لمبررات معينة تعين عليها في نفس الوقت وبدون حاجة إلى تقديم طلب تعميم ذلك الإعفاء لجميع الأفراد وكافة الهيئات الخاصة المتماثلين مع من أعفى في ظروفه وأوضاعه، فإذا هي لم تفعل كان قرارها غير المتضمن هؤلاء المتماثلين مخالفاً لمبدأ المساواة؛ إذ أن المشرع لم يضع في يدها تلك السلطة لإحداث تفرقة في المعاملة. وردت الحكومة على القول بعدم دستورية المادة التاسعة من اللائحة الجمركية استناداً إلى المادة 135 من دستور سنة 1923 التي نصت على أنه "لا يجوز إعفاء أحد من أداء الضرائب في غير الأحوال المبينة في القانون"، فقالت إن المادة 135 سالفة الذكر وردت مطلقة من كل قيد فيما يتعلق بالوسيلة التي يرتئيها المشرع لتحقيق المصلحة العامة التي ينشدها في تقرير الإعفاء، فكل ما وضعه الدستور من قيد هو عدم جواز تقريره إلا استناداً إلى نص في القانون، فلا تترخص السلطة العامة من تلقاء نفسها في منحه، فلم يتضمن نص المادة شرطاً يجعل الإعفاء صحيحاً إلا بنص تشريعي يحدد مدى هذا الإعفاء وأسبابه وشروطه بقاعدة عامة مجردة، بل أقتصر النص على أن إعفاء أحد الأفراد لا يكون في غير الأحوال المبينة في القانون. والقانون هو عمل تضع الدولة بمقتضاه قاعدة موضوعية ملزمة دون وجوب بيان حدودها وأسبابها وشروطها، فيجرى تطبيق القاعدة على الحالات المتماثلة حالاً ومستقبلاً. أما تفاصيل القاعدة فإما أن ترد في صلب القانون وإما أن يترك المشرع للسلطة التنفيذية أمر وضعها مع النص على ذلك صراحة، فإن لم ينص على تولي السلطة العامة ذلك كان لها اتباع إحدى وسيلتين: (1) إما أن تضع قاعدة تنظيمية عامة فتلتزمها عند التطبيق الفردي، ويكون هذا التطبيق متفقاً مع أحكام تلك القاعدة التنظيمية. (2) وأما أن ترى عدم وضع قاعدة تنظيمية طالما أن المشرع لم يلزمها بذلك، ويكون الأمر في هذه الحالة مرجه سلطة ترخص وتقدير واختيار، فلا تطبق القاعدة القانونية إلا بمناسبة إنشاء مراكز قانونية خاصة. ولا مجال في هذه الحالة للتحدث عن مبدأ المساواة، فالتصرف الإداري الصادر لحالة فردية، حيث لا إلزام على الإدارة في وضع قاعدة تنظيمية، يقتصر تطبيقه على هذه الحالة المعينة ذاتها، فيزول العمل الإداري بمجرد تطبيقه على هذا المركز الخاص، ولا يكون له أثر في المستقبل بالنسبة للحالات المماثلة، كما هو الشأن في القاعدة التنظيمية؛ وبذلك يختلف القرار الفردي المبني على سلطة التقدير عن القانون أو القاعدة التنظيمية التي تضعها جهة الإدارة حيث تقضي طبيعة القانون أو القاعدة التنظيمية أن يكون عاماً ينطبق مستقبلاً على الحالة أو الحالات المماثلة. ثم تكلمت المذكرة عن مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات ومحل تطبيقه، فقالت - بعد أن أوردت نص المادة الثالثة من دستور سنة 1923 - إن المقصود بالمساواة التي نصت عليها تلك المادة هي أمام القانون، أي في التمتع بالحقوق لا في الحصول عليها، وإجماع الفقه والقضاء على أن نص المادة الثالثة المشار إليها يتضمن قاعدتين: الأولى - أن المساواة هي في الأهلية لا في الواقع، والثانية - أن مجال تطبيقها حيث يوجد نص قانوني منظم لأحكام وشروط حالة معينة، فتسري على من تماثلت ظروفهم وأوضاعهم بدون استثناء. وأما إذا كان المجال تقديرياً دون قيد تشريعي فلا محل للتحدث عن مبدأ المساواة لتنافر طبيعته مع طبيعة سلطة التقدير التي يقتصر ميدانها على الاختيار والفردية، فتقتصر مشروعية تصرف الإدارة في هذا الخصوص على عدم إساءة استعمال السلطة. ثم انتقلت المذكرة إلى الكلام عن السلطة التقديرية فقالت ما محصله أن الدولة في مباشرتها لسلطتها العامة في ميدانين مختلفين تمام الاختلاف في نوعهما وإن استمدا أساسهما من مصدر واحد وهو القانون، فإما أن يضع القانون القاعدة العامة المجردة المبينة فيها أحكام تطبيقها، وفي هذه الحالة يقتصر نشاط السلطة العامة على تطبيق هذه الأحكام وتنفيذها دون جواز الخروج عليها، وهو ما يسمى بالسلطة المقيدة لجهة الإدارة، فلا يكون تصرفها مشروعاً إلا بانطباقه على القاعدة القانونية المنصوص عليها، وعدم المشروعية هنا هو المخالفة القانونية. وإما ألا تكون هناك قاعدة قانونية منشئة لمركز قانوني عام تتقيد الإدارة باتباعها، فهنا يقوم مجال السلطة التقديرية. على أن الأمر ليس متروكاً بعد لتحكم الإدارة، بل يحده في هذا الخصوص عدم الخروج على روح القانون وهو ما يسمى بإساءة استعمال السلطة. ثم أفاضت المذكرة في شرح هذا الموضوع لتنتهي إلى أن الفقه والقضاء استقرا على التمييز بين الحق المنصوص عليه قانوناً وبين حق التقدير المقرر لجهة الإدارة، ففي الحالة الأولى لا يجوز عند التطبيق الإخلال بمبدأ المساواة، وفي الحالة الثانية لا مجال فيها لمبدأ المساواة. ثم تحدثت المذكرة بعد ذلك عن الطبيعة الخاصة للرسوم الجمركية، فقالت إن الضريبة عموماً هي فريضة من المال تجبيها الدولة من رعيتها على قدر يسار كل مكلف دون النظر إلى مقدار ما يفيده كل فرد على حدة، وتستعين بها الدولة للقيام بأعباء وظيفتها، على أنه يقوم بجانب هذا الهدف الأساسي من الضريبة اعتبارات أخرى اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، وإن كنت أقل شأناً من ذلك الاعتبار الأول، إلا أنها قد تؤثر على مقدار الضريبة صعوداً أو هبوطاً، كما قد تؤدي أحياناً إلى الإعفاء منها. أما بالنسبة للضريبة الجمركية فيقوم بجانب أغراض تنمية الخزانة العامة اعتبارات أخرى أساسية بين اقتصادية واجتماعية وسياسية داخلية وخارجية لها ذات الاعتبار الأساسي، بل غالباً ما تسخر الدولة الضريبة الجمركية لخدمة هذه الأهداف، ومن بين هذه الاعتبارات إبرام اتفاق مع الدولة أجنبية إلى بتمييز بضاعتها عن سائر بضائع الدول الأخرى أو بالمعاملة بالمثل في هذا التمييز، أو إلى أمثال ذلك من الاتفاقات، وبعد أن ضربت المذكرة لذلك الأمثال قالت إنه لا شك أن مثل هذه الاتفاقات تحدث تفرقة في لمعاملة بين الممولين دون أي مراعاة للمصلحة العامة الخاصة بالضريبية ذاتها، أو بما يمت لها بصلة من اعتبارات اقتصادية أو اجتماعية، ولكن العمل مع ذلك مشروع لعدم تنافره مع طبيعة الضريبة الجمركية التي جرت الدول على اعتبارها أداة تُسخر لأغراضها الأخرى رغم احتمال إضرارها بمصالح الممولين المتماثلين، كذلك قد يكون من بين أغراض الدولة في تسخير الضريبة الجمركية تشجيع أو إعانة بعض التجار المحليين لأسباب خاصة بهم. فكافة هذه الاعتبارات مشروعة وفقاً لطبيعة الضريبة الجمركية، ولا مجال فيها للتحدث عن مبدأ المساواة إذا كان المرجع سلطة تقديرية للإدارة لاعتبارات من المصلحة العامة. ثم تناولت الحكومة في مذكرتها بعد ذلك الكلام عن الإعانات الفردية ومشروعيتها، فقالت إن الدول قد جرت حديثاً على التدخل في نشاط الأفراد لتشجيعه حيناً ولتنظيم توجيهه حيناً آخر، ويحدث هذا التدخل للتشجيع على إحدى صورتين، إما بنص تشريعي تلتزم الدولة بموجبه إحداث أثر في النشاط، وإما وفقاً لتقديرها باعتبارها سلطة عامة تقضى عليها وظيفتها الأساسية الهيمنة والسهر على مصالح الجماعة، فإن هي تدخلت في نشاط فردي لتشجيعه دون التزام عليها في ذلك فإنما يقتصر تدخلها في خصوص هذا النشاط دون أن ينشأ للغير أيما حق عليها لإلزامها بإصدار قرار فردي آخر له، فالحق مصدره القانون أو اللائحة، وهو شرط تخلف في هذه الحالة التي يستمد فيها القرار مصدره وكيانه القانوني من سلطة الإدارة التقديرية في إنشاء مركز قانوني خاص لفرد معين بتشجيعه أو إعانته، وطالما أنها تتوخى في ذلك مصلحة عامة فلا معقب على قرارها. فإذا رأت الدولة مثلاً تعليم أحد الأولاد مجاناً دون وجود قانون يلزمها بالتعليم المجان، فلا حق للغير في إلزامها بإصدار قرار آخر مماثل له، وإذا رأت إرسال أحد الشبان في بعثة إلى الخارج بناء على سلطتها التقديرية فلا يحق لغيره التحدث عن التماثل وحق مساواته به. فإذا قدرت الحكومة أن من واجبها الاجتماعي مساعدة فرد معين فلا ينشئ هذا التقدير التزاماً عليها لغيره، والقول بغير ذلك يؤدي إلى التزامها القيام بعمل لم يصدر به قانون. والدولة في تقريرها معاونة أو تشجيع نشاط خاص لا تتدخل بطريقة مباشرة في نشاط الغير مهما تماثل هذا النشاط مع من قررت معاونته، وليس من شأن أو من طبيعة أو مستلزمات معاونة نشاط فردي معين التأثير ضرورة على نشاط آخر مماثل، فإذا صح قيام هذا التأثير - وهو ما يتعين إثباته - فإنه يكون نتيجة غير مباشرة وغير لازمة للإعانة، والقول بعكس ذلك يغلق باب الإعانات الفردية، وهو ما لم يقل به أحد، فضلاً عن إضراره بفوائد الإعانات الخاصة. ثم ناقشت الحكومة أخيراً في مذكرتها من باب الاحتياط الكلي التعويض المطالب به، فقالت إن بعضاً من الشركات المحكوم لها لم تقدم الدليل على مقدار المبلغ المطالب به والبعض الآخر لم يقدم ما يدل على أن منافستو الباخرة كان باسمها، وأن الشركات أقحمت عدة مستندات عن مواد لا تعتبر أولية، وانتهت الحكومة من كل ذلك إلى طلب الحكم أصلياً بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى، واحتياطياً برفضها، مع إلزام الشركة المدعية بالمصروفات. ومن باب الاحتياط الكلي في خصوص مناقشة التعويض رفض الدعوى بالنسبة لكل شركة لم تقدم بدليل دعواها، وبالنسبة للشركات التي تقدمت بمستندات برفض طلب التعويض عن كل بضاعة مستوردة لم يثبت أن الشركة المدعية استوردتها باسمها من الخارج، وباستبعاد كافة المبالغ المطالب بها عن المواد غير الأولية ومنها مادة الفبران. وبجلسة 24 من يونيه سنة 1956 قضت المحكمة في الدعوى: (أولاً) برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وباختصاصها. (ثانياً) وفي الموضوع بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعية تعويضاً مساوياً لما دفعته من رسوم جمركية على الآلات وقطع الغيار فيما عدا رسم قيمي قدره واحد في المائة، وما دفعته من رسوم جمركية على المواد الأولية، وذلك في المدة من تاريخ تقديم طلبها الأول بالإعفاء في 14 من أغسطس سنة 1950 إلى تاريخ العمل بالمرسوم الصادر بتعميم الإعفاء المنشور بالجريدة الرسمية في 16 من مايو سنة 1951. (ثالثاً) بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعية المصروفات ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. وحاصل ما أقامت المحكمة قضاءها عليه "أن الإعفاء قد يكون جوازياً، وفي هذه الحالة يترك القانون الخاص به لبعض السلطات الإدارية حق تقريره أو عدم تقريره، فالسلطة تكون في هذه الحالة تقديرية لجهة الإدارة، فلها أن تستعملها إن هي شاءت ذلك، ولها أن تعرض عنها كلية إن تراءى لها ذلك، قلا تثريب عليها في الوجهين من أحد، وإنما هي إذا استعلمت الرخصة التي أمدها الشارع بها فإنها لا تتلقاها مطلقة من غير قيد، خالصة من غير شرط، بل يتعين لزاماً عليها وقد همت بمباشرتها أن ترعى الأصول وتتقي المبادئ وتخشى حرمة الأوضاع...."، وأن "سلطة مجلس الوزراء في منح الإعفاء الضرائبي هي سلطة تقديرية متروك أمرها إليه من حيث المواءمة وحدها، والتعقيب على تلك المواءمة يخرج عن اختصاص هذه المحكمة، وإنما إذ يقرر مجلس الوزراء مباشرة هذه الرخصة التي تلقاها من الشارع ثم يهم بممارستها فيفتح باب المنح فيها، فإنه لا يملك أصالة أن يجعل من المنح أو المنع أداة للتفريق بين المكلفين والتمييز بين من يمنحون الإعفاء ومن يمنعون منه، ما دامت الظروف متشابهة والشروط متجانسة، وحجة منح الإعفاء قائمة عند من تمنعهم من الإعفاء مثلما هي قائمة عند من تمنحهم إياه، وبعبارة أخرى فما دام مجلس الوزراء قد قرر منح الإعفاء، فإنه لا يملك أن يقدمه وفق هواه تارة لمن يشاء وتارة أخرى يحبسه عمن يشاء إلا في حدود ما رسمه القانون وفي ظل من رقابة القضاء؛ ذلك أن الأمر في هذه المرحلة قد خرج من حلقة المواءمة الإدارية إلى ساحة التمييز المجحف والتفريق المعيب، وللقضاء أن يرد جهة الإدارة عندئذ إلى الجادة"، وأن "مجلس الوزراء قد استلهم التفويض التشريعي الوارد بالفقرة السابعة من المادة التاسعة من اللائحة الجمركية الصادرة في 2/ 4/ 1884 - الذي لا يملك الشارع نفسه أن يتخلى عنه مجرداً من قيوده الدستورية الأصلية - وهو تفويض لا يصح مباشرته إلا داخل إطار من قيود وشروط تحتم على جهة الإدارة أن تحرص على تحقيق الغرض الذي أوجب عليها الشارع أن تستهدفه من الإعفاء وهو مراعاة المصلحة العامة، مما يستلزم أن يؤسس الإعفاء الجمركي على أسباب تبره، وأن تكون تلك الأسباب مستمدة من الاعتبارات العامة والعوامل الاقتصادية القومية وأن يتمتع بالإعفاء كل شخص طبيعي أو اعتباري تتوفر له هذه الأسباب، ومتى أصدر مجلس الوزراء قراراً بإعفاء شخص من الرسوم الجمركية لزم أن يكون قراره مستنداً إلى أسباب تسوغ الإعفاء في الحدود المتقدمة وأن يعم هذا الإعفاء فيشمل كل من يستحقه للأسباب نفسها"، و"أن المحكمة حرصت على تسجيل مقومات كل قرار صدر بإعفاء فردي لتتكشف الحالة الواقعية والقانونية التي عرضت على مجلس الوزراء فأوحت إليه أن يتدخل وأن يتخذ قراراً بالإعفاء، فإذا بتلك الحالة الواقعية تشخص في أن صناعات أساسية قومية كصناعة الأسمدة والمخصبات وصناعة الغزل والنسيج كانت في أشد الحاجة إلى التشجيع والتمكين من الوقوف على قدميها والتوسع في أعمالها، وأن الغرض الذي رمت إليه الإدارة هو حماية تلك الصناعات الأساسية من المنافسة الأجنبية، وأن الهدف ليس إلا تخفيف أعباء الصناعات مما كانت تئن منه.... وأن الاستجابة إلى طلبات الإعفاء من شركة بعد أخرى كان استناداً إلى الأسوة والنصفة، وأن ذلك كان تطبيقاً لمبدأ المساواة في معاملة الشركات والمؤسسات المصرية من ناحية الإعفاء من الرسوم الجمركية. وإذ كان الإعفاء منصباً على صناعات فقد كانت الشركات والمؤسسات التي تتمتع به تعمل إما في صناعة جديدة وحيدة في مصر كشركة الأسمدة والصناعات الكيماوية، وإما شركات تعمل في صناعة كشركات الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وكفر الدوار والبيضا والغزل الأهلية والحرير الصناعي ومصنع القرش"، وأن "قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه إذا كان لا يجوز لها أن تتصدى لتقدير ملاءمة إصدار القرار الإداري أو عدم ملاءمته لأن ذلك مما تستقل به الإدارة وحدها في حرية مطلقة مع مراعاة الظروف ووزن الملابسات المحيطة بها، إلا أن لها الحق في بحث الوقائع التي بني عليها القرار الإداري بقصد التحقق من مطابقته أو عدم مطابقته للقانون، وحق المحكمة في ذلك لا يقف عند حد التحقيق من صحة الوقائع المادية التي أسس عليها القرار، بل يمتد إلى تقدير هذه الوقائع إذا ارتبطت بالقانون باعتبارها من العناصر التي يقوم عليها القرار، وللمحكمة في حدود رقابتها للقرار أن تقدر تلك العناصر التقدير الصحيح لتنزل حكم القانون على مقتضاه، ومن المسلم به أن الجهة الإدارية تترخص في تقدير مناسبة إصدار قراراتها ومراعاة ظروفها وملابساتها المحيطة بها، طالما كان الباعث عليها استهداف الصالح العام ولم يشبها عيب سوء استعمال السلطة أو مخالفة القانون، وأن الذي بان للمحكمة من استقراء تلك المبررات القومية الكبرى التي شيد عليها مجلس الوزراء الإعفاء من الرسوم الجمركية خلال شهري يوليه وأغسطس سنة 1950 أنها جميعاً تستهدف رعاية الاقتصاد الوطني، وأن مجلس الوزراء عندما أعمل السلطة المخولة له في منح ذلك الإعفاء إنما باشرها في ظل سهره على المصلحة العامة، فجاءت صحيحة تلك القرارات فيما انطوت عليه. ولكن مجلس الوزراء لا يملك في ذات الوقت أن يجعل من المنح أو المنع في هذا النطاق أداة للتفرقة بين المكلفين ومعولاً للتمييز بين من يمنحون الإعفاء من جهة ومن يمنعون عنه أو يحرمون منه من وجهة أخرى ما دامت الظروف متشابهة والأسباب قائمة لدى الفريقين، وإلا خرج الأمر من دائرة المواءمة وحلقة الملاءمة ليدخل من باب التمييز المجحف الذي يخل - ولا شك - بمبدأ المساواة وميزان النصفة... وأنه إذا ميزت الإدارة بين طائفتين من الناس تتقدمان للحصول على مطلب معين فأجابت مطلب طائفة ورفضت مطلب الأخرى على الرغم من اتحاد ظروفهم ففي ذلك احتمال عيب المحاباة. ويكون القرار الصادر برفض الطلب مخالفاً لروح القانون مشوباً بالانحراف"، وأن "الذي لا شك فيه هو أن التماثل اللازم توافره لإعمال مبدأ المساواة كان قائماً في الفترة التي أعلمت الإدارة أثناءها سلاحها ذا الحدين، ونعني به المنح والمنع، فالشركة المدعية من الشركات العاملة في صناعة الغزل والنسيج بمصر وهى صناعة أساسية جديرة بالتشجيع، وإذا كانت الحكومة تخشى أن تقف الرسوم الجمركية عقبة في سبيل إنشاء الصناعات أو في سبيل توسعها المنشود فإن خشيتها يجب أن تكون قائمة بالنسبة لكل المؤسسات الصناعية المتماثلة... والثابت لهذه المحكمة أن الأسباب التي استندت إليها الحكومة في تقرير الإعفاء الذي ظفرت به بعض الشركات هي ذات الأسباب التي ضمنتها وزارة المالية مذكراتها إلى مجلس الوزراء وهي تطابق ظروف الشركات غير المعافاة وفي مقدمتها الشركة المدعية، وليس أقطع في الدلالة على قيام هذا التماثل والتشابه من أن وزارة المالية، وقد استبانت خطأها في الإخلال بمبدأ المساواة بين تلك الشركات، أقرت بأنها كانت تجرى تمايزاً غير حميد فسعت إلى نقض ما تم على يديها لتدرأ بعض الشر الذي وقع منها، واستصدرت مرسوماً في 14/ 5/ 1951 يلغي الإعفاءات المنفردة التي تمت واستطالت عشرة شهور، ويعمم مبدأ الإعفاء على جميع المؤسسات المتماثلة".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قضى بأن قرارات مجلس الوزراء الصادر بإعفاء بعض شركات الغزل والنسيج من الرسوم الجمركية هي قرارات إدارية صحيحة قامت على تفويض تشريعي سنده نص الفقرة السابعة من المادة التاسعة من اللائحة الجمركية الصادرة في 2 من أبريل سنة 1884، والذي يعفى من رسوم الصادر والوارد مع الكشوف والمراجعة، ويجرى نصها على النحو الآتي "البضائع الخاصة بمصالح الحكومة وأفراد الناس المتمتعين بالإعفاء بموجب أوامر واتفاقات مخصوصة". ويظهر من سياق النص أن المقصود بأفراد الناس هم الأشخاص الطبيعيون دون غيرهم فلا تمتد إلى الشركات، وأن إعفاء هؤلاء لا يكون إلا بأوامر عالية أي بقوانين أو باتفاقات مخصوصة، كذلك يتضح أن هذا النص إنما يقرر استمرار الإعفاءات التي سبق أن منحت في الماضي، وبالتالي فإنه ليس تفويضاً تشريعياً على ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه. وإذا فرض جدلاً وكان ثمت تفويض تشريعي فإن الأداة في مباشرة هذا التفويض في إعفاء أفراد الناس ليست قراراً يصدره مجلس الوزراء وإنما هي القوانين والاتفاقات المخصوصة على مقتضى نص الفقرة السابعة من المادة التاسعة من اللائحة الجمركية. والإعفاء من الضرائب الجمركية بغير هذه الأداة يقع مخالفاً لنص المادة 135 من دستور سنة 1923 التي تنص على أنه لا يجوز إعفاء أحد من أداء الضرائب في غير الأحوال المبينة في القانون. على أن هذا التفويض على هذا الوجه غير دستوري؛ لأن مفاد لا يتفق مع مبدأ المساواة طبقاً للمادة 16 من دستور سنة 1923. وبناء على ما تقدم تكون قرارات الإعفاء التي أصدرها مجلس الوزراء مشوبة بعيب عدم الاختصاص أو بكونها غير دستورية، وهى في الحالين منعدمة، وبالتالي فإن القرار الصادر برفض إعفاء الشركة الطاعنة من الرسوم الجمركية قرار صحيح قانوناً، وما دام هذا القرار كذلك فقد امتنع على القضاء الحكم بالتعويض. وقد أثار الحكم المطعون فيه مبدأ المساواة خلال استطراده في القول بالتفويض التشريعي. وعلى أساس هذا المبدأ خرج برأيين، أولهما أن إعفاء أحد من الضريبة يقتضي إعفاء أمثاله الذين تتحد مراكزهم القانونية مع مركزه، والرأي الثاني أن المشرع خول السلطة التنفيذية سلطة تقديرية في أن تستعمل رخصة الإعفاء أولاً تستعملها، فإن هي مارستها خرج الأمر من مجال الملاءمة وتعين عليها أن تلتزم مبدأ المساواة فتعفى جميع المتماثلين في مراكزهم القانونية، وهذان الرأيان يصطدمان بالأصول القانونية. فإذا كان نص الفقرة السابعة من المادة التاسعة المشار إليها قد فوض السلطة التنفيذية في إعفاء أفراد الناس فإن هذا النص يكون غير دستوري، ولا يملك القاضي أن يكمله بقضائه ليجعله دستورياً، كما أن القول بأن السلطة التقديرية المخولة للسلطة التنفيذية تقف عند حد استعمال رخصة الإعفاء أو عدم استعمالها، فإن هي باشرتها وجب عليها أن تمنح الإعفاء لكل من يطلبه من ذوي المراكز المتماثلة - هذا القول مردود بأن اللائحة الجمركية - استطراداً مع ما ذهب إليه الحكم - خولت للسلطة التنفيذية سلطة استثنائية لإعمالها في حالات فردية بمقتضى تقديرها، ولا يمكن أن ترقى هذه السلطة إلى تقرير قواعد تنظيمية عامة مجردة يكون من مقتضاها نسخ الحكم التشريعي في اللائحة، وبالتالي فإن الحكم المطعون فيه إذ ذهب هذا المذهب قد قرر أن سلطة الإدارة تقديرية في الإعفاء ثم حولها إلى سلطة مقيدة. والحكم المطعون فيه قد شابه الخطأ في الاستنتاج، فقد عيب قرار الرفض بالانحراف لمجرد أن قراراً بالإعفاء سبق صدوره في حالة مماثلة، على حين أن هذه المخالفة لا تكون عيب الانحراف بحال من الأحوال. كما خلص الحكم - في التدليل على ما في قرار الرفض من عيب - إلى أن الحكومة حين استشعرت الخطأ في التفريق بين شركات الغزل والنسيج عممت الإعفاء بالمرسومين الصادرين في مايو سنة 1951، والاستخلاص على هذه الصورة ينقضه أن الإعفاء في الحالة الأولى كان إعفاء شخصياً مرده السلطة التقديرية لجهة الإدارة، على حين أن الإعفاء الثاني كان إعفاء عينياً قرر بمرسوم له قوة القانون طبقاً لحكم المادة الرابعة من القانون رقم 2 لسنة 1930، فاختلاف المجالين والتباين بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة تجعل المقابلة ثم الاستنتاج أمراً يخرج عن النطق والقانون. وأخيراً فإن قرارات مجلس الوزراء الصادرة بإعفاء بعض شركات الغزل والنسيج قرارات منعدمة؛ لأنها صدرت ممن لا يملك الإعفاء من الرسوم الجمركية. وإذا كان هذا كذلك فلا محل لالتماس مبدأ المساواة في هذا المجال، فضلاً عن أن قرار الرفض صدر مطابقاً للقانون مما لا يمكن معه الحكم بالتعويض. ولما كان الحكم المطعون فيه قد جرى على غير ذلك، فهو معيب بمخالفة القانون. ولما كان تنفيذ هذا الحكم قبل الفصل في هذا الطعن يترتب عليه نتائج يتعذر تداركها مما ينبغي معه الأمر بوقف التنفيذ مؤقتاً، من أجل ذلك طلبت هيئة المفوضين: أولاً - الأمر بوقف تنفيذ الحكم مؤقتاً ريثما يفصل في الطعن. ثانياً - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون، فيه ورفض الدعوى، مع إلزام الشركة المدعية بالمصروفات.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أنه في 12 من يوليه سنة 1950 تقدمت الشركة المصرية للأسمدة والصناعات الكيماوية بطلب إلى السيد وزير المالية التمست فيه - للأسباب التي فصلتها في طلبها - إعفاء مهمات وأدوات الشركة المستوردة من الخارج من الرسوم الجمركية. وفي 13 من يوليه سنة 1950 تقدمت جمعية القرش للطرابيش إلى وزير المالية بطلب إعفاء الآلات والعدد وقطع الغيار المستوردة، وكذا الصوف ومواد الصباغة والمواد الكيماوية المستوردة من رسوم الوارد والرسوم القيمية للأسباب التي ذكرتها بطلبها، كما تقدمت شركة مصر للحرير الصناعي في 14 من يوليه سنة 1950 بطلب على وزير المالية بإلغاء الرسوم الجمركية على الوارد من لب الخشب، وبطلب آخر في 22 من يوليه سنة 1950 لإعفائها من الرسوم الجمركية على الماكينات والمواد الأولية. فتقدم وزير المالية إلى مجلس الوزراء بمذكرة في 22 من يوليه سنة 1950 يقترح فيها إعفاء الشركة الأولى من رسم الوارد على الآلات وقطع الغيار اللازمة لها اكتفاء بتحصيل رسم قيمي قدره 1% وإعفاء الشركة الثانية من كافة الرسوم الجمركية على ما تستورده من لب الخشب اللازم لها بما في ذلك الرسم القيمي، وكذلك إعفاءها من رسم الوارد على الآلات وقطع الغيار اكتفاء بتحصيل قيمي قدره 1%، وإعفاء مصنع القرش من رسم الوارد على الآلات وقطع الغيار اللازمة له اكتفاء برسم قيمي قدره 1% وإعفاء الأصواف ومواد الصباغة والمواد الكيماوية اللازمة لها من كافة الرسوم الجمركية بما في ذلك الرسم القيمي، على أن يكون هذا الإعفاء المقترح لمدة خمس سنوات. فوافق مجلس الوزراء على ذلك بجلسته المنعقدة في 23 من يوليه سنة 1950. ثم تقدمت بعد ذلك كل من شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وشركة مصر للغزل والنسيج الرفيع بكفر الدوار وشركة صباغي البيضا بطلبات لإعفاء الآلات وقطع الغيار اللازم لها، وكذلك المواد الأولية من الرسوم الجمركية. فتقدم وزير المالية إلى مجلس الوزراء بمذكرة في 25 من يوليه سنة 1950 أشارت فيها إلى الطلبات المقدمة من الشركات المذكورة، ثم قال "وتمشياً مع سياسة وزارة المالية في تشجيع الصناعة المحلية وأسوة بما قرره مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 23 من يوليه سنة 1950 بشأن الشركة المصرية للأسمدة والصناعات الكيماوية وشركة مصر للحرير الصناعي ومصنع القرش للطرابيش - ترى وزارة المالية إعفاء شركة مصر للغزل والنسيج وشركة مصر للغزل والنسيج الرفيع وشركة صباغي البيضا من رسم الوارد على الآلات وقطع الغيار اكتفاء برسم قيمي قدره 1% وبإعفائها من الرسوم الجمركية سواء كانت رسم وارد أو رسماً قيمياً عن المواد الأولية، على أن يستمر هذا الإعفاء خمس سنوات يوقف الإعفاء عند انقضائها. وتتشرف وزارة المالية بعرض الأمر على مجلس الوزراء للتفضل بالموافقة استناداً إلى الحق المخول للمجلس بالمادة التاسعة من اللائحة الجمركية". وقد وافق مجلس الوزراء على ما جاء بهذه المذكرة بجلسته المنعقدة في 30 من يوليه سنة 1950، ثم تقدمت شركة الغزل الأهلية بطلب إلى وزير المالية لإعفائها من الرسوم الجمركية على الآلات والمواد الخام أسوة بما عوملت به بعض الشركات، فتقدم وزير المالية في 9 من أغسطس سنة 1950 بمذكرة إلى مجلس الوزراء لإعفاء تلك الشركة من رسم الوارد على الآلات وقطع الغيار اكتفاء برسم قيمي قدره 1% وإعفائها من الرسوم الجمركية، سواء أكانت رسم وارد أو رسماً قيمياً عن المواد الأولية، على أن يستمر الإعفاء لمدة خمس سنوات يوقف عند انقضائها. فوافق مجلس الوزراء على ذلك بجلسته المنعقدة في 13 من أغسطس سنة 1950. وعلى إثر صدور قرارات الإعفاء سالفة الذكر سارعت شركات النسيج الأخرى - ومنها الشركة المدعية - إلى تقديم طلبات إلى وزارة المالية لإعفائها من الرسوم الجمركية أسوة بما اتبع مع الشركات السابقة؛ استناداً إلى أنها جميعاً تمارس نفس النشاط الذي تمارسه الشركة المعفاة، فلم تتلق الشركات المذكورة رداً على طلباتها، إلا أنه في 9 من مايو سنة 1951 تقدمت وزارة المالية إلى مجلس الوزراء بمذكرة أشارت فيها إلى قرارات الإعفاء الفردية التي سبق أن أصدرها المجلس في 23 و30 من يوليه و6 و13 من أغسطس سنة 1950، ثم قالت "ولما كانت الإعفاءات المذكرة إعفاءات فردية مقصورة على بعض المؤسسات دون بعضها الآخر رغم قيامها بنفس الصناعة، وكانت الحاجة تدعو إلى وضع سياسة عامة مبنية على قاعدة المساواة في المعاملة، لذلك تقترح وزارة المالية: (أولاً) إبطال العمل بقرارات مجلس الوزراء سالفة الذكر بالنسبة للمستقبل ومن تاريخ موافقة مجلس الوزراء، (ثانياً) إلغاء الرسوم الجمركية على العدد والآلات بمرسوم اكتفاء بالرسم القيمي المقرر بالمرسومين الصادرين في 10 من أكتوبر سنة 1946 و26 من يونيه سنة 1950 وقدره 1% مع تنسيق صياغة هذين المرسومين عن طريق إصدار مرسوم جديد خاص بالرسم القيمي. وقد أعدت وزارة المالية مشروعي مرسومين أولهما خاص برسم الوارد وثانيهما خاص بالرسم القيمي. وتتشرف وزارة المالية بعرض الأمر على مجلس الوزراء للتفضل بالموافقة على إبطال العمل بالقرارات سالفة الذكر وعلى استصدار المرسومين". وقد وافق مجلس الوزراء على ما ورد بهذه المذكرة بجلسته المنعقدة في 13 من مايو سنة 1951. وفي 14 من مايو سنة 1951 صدر المرسومان المشار إليهما في مذكرة وزارة المالية، واستناداً في إصدارهما إلى القانون رقم 2 لسنة 1930 وإلى المرسومين الصادر أولهما في 14 من فبراير سنة 1940 بوضع تعريفة جديدة للرسوم الجمركية، وثانيهما بفرض رسم قيمي قدره 1% على جميع البضائع الواردة. وبصدد المرسومين المذكورين عم الإعفاء جميع الشركات. وقد أقامت كل من الشركة المدعية والشركات الأخرى التي لم يسبق صدور قرارات فردية بإعفائها من الرسوم دعاوى ضد وزارة المالية طالبة الحكم لها بتعويض يتمثل في مقدار ما دفعته من رسوم جمركية على الآلات وقطع الغيار والمواد الأولية في المدة من تاريخ تقديمها طلب الإعفاء إلى وزارة المالية إلى تاريخ صدور المرسومين سالفي الذكر في 14 من مايو سنة 1951؛ استناداً إلى أن الحكومة قد أخطأت إذ رفضت منح الإعفاء إليها أسوة بالشركات التي أعفيت، وأن امتناعها هذا ينطوي على انحراف بالسلطة يعيب قرارها المانع، وإذ كان قد تسبب عن ذلك القرار ضرر فإن عليها أن تضمنه بتعويض معادل له.
ومن حيث إن مجلس الوزراء قد استند في إصدار قرارات الإعفاء الفردية السالف الإشارة إليها إلى الحق الذي خوله بمقتضى الفقرة السابعة من المادة التاسعة من اللائحة الجمركية الصادرة في 2 من أبريل سنة 1884 التي جرى نصها بما يأتي "تعفى من إجراءات التحقيق ورسوم الصادر والوارد الأشياء الآتي بيانها: (أولاً)... (ثانياً)... وتعفى أيضاً من رسوم الصادر والوارد، ولكن يجرى عليها الكشف والتحقيق فقط... (سابعاً) البضائع الخاصة بمصالح الحكومة وأفراد الناس الذين لهم الحق بالمسموحات بموجب أوامر خصوصية أو اتفاقات"، كما استند في إصدار مرسومي 14 من مايو سنة 1951 إلى القانون رقم 2 لسنة 1930 بتعديل التعريفة الجمركية الذي تنص المادة الرابعة منه على أنه "في أحوال الضرورة المستعجلة يجوز بصفة مؤقتة بمقتضى مراسيم لها قوة القانون: ( أ ) تخفيض الرسوم أو إلغاؤها بصفة عامة على المواد الغذائية الضرورية والحاجيات العادية من أصناف الملابس وكذا على المواد الأولية الضرورية للصناعات المحلية. (ب)... (ج)...".
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أن مسئولية الحكومة عن قراراتها الإدارية منوطة بقيام خطأ من جانبها؛ بأن يكون القرار الإداري غير مشروع؛ وذلك بأن يشوبه عيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون رقم 9 لسنة 1949 وفي المادة الثامنة من القانون رقم 165 لسنة 1955، وهى عيب عدم الاختصاص أو عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة، وأن يترتب على هذا القرار ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر، فإذ كان القرار مشروعاً؛ بأن كان سليماً مطابقاً للقانون فلا تسأل الإدارة عنه مهما بلغ الضرر الذي يترتب عليه لانتفاء ركن الخطأ، فلا مندوحة من أن يتحمل الناس نشاط الإدارة المشروع، أي المطابق للقانون [(2)].
ومن حيث إن قرارات الإعفاء التي أصدرها مجلس الوزراء في 23 و30 من يوليه و6 و13 من أغسطس سنة 1950 إنما أصدرها بالسلطة المخول إياها بمقتضى الفقرة السابعة من المادة التاسعة من اللائحة الجمركية الصادرة في 2 من أبريل سنة 1884 ونصها "البضائع الخاصة بمصالح الحكومة وأفراد الناس الذين لهم الحق بالمسموحات بموجب أوامر خصوصية أو اتفاقات". والمقصود بأفراد الناس هم جميع الأشخاص الذين لهم الشخصية القانونية، سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين أو أشخاصاً اعتباريين كالشركات والجمعيات وغيرها. وغنى عن القول أن قصر هذه السلطة على إصدار قرارات لصالح الأشخاص الطبيعيين دون غيرهم هو تخصيص بغير مخصص وتمييز دون مقتض يتنافى بداهة مع الحكمة التي قام عليها النص، وهى حكمة تستلزم المساواة في المعاملة بين الأشخاص جميعاً الطبيعيين وغيرهم، ما دامت قد قامت بهم علة الإعفاء التي من أجلها شرعت هذه السلطة، كما أن تلك القرارات إنما يصدرها المجلس بسلطته التقديرية حسبما يراه متفقاً مع الصالح العام، فلا يحدها إلا عيب إساءة استعمال السلطة إن وجد وقام الدليل عليه، فإذا برئت من هذا العيب فلا معقب للقضاء على تلك القرارات، وليس له أن يتدخل في وزن أسباب تلك الملاءمة، وإلا جاوز القضاء حدود رقابته القانونية.
ومن حيث إن الشركة المدعية تنعى على الحكومة في عدم إعفائها من الرسوم التي طلبت إعفاءها منها - أسوة بالشركات التي صدرت قرارات فردية بإعفائها - أنها بتصرفها هذا قد ميزت بين الشركات، فأخلت بمبدأ المساواة في الضريبة، وأنه كان يجب على الحكومة أن تستصدر قرارات بإعفاء الشركة المدعية والشركات المماثلة من الرسوم الجمركية من تاريخ أول قرار صدر بالإعفاء؛ حتى يتساوى الجميع في المعاملة.
ومن حيث إن عيب الانحراف بالسلطة هو من العيوب القصدية في السلوك الإداري، فهو يشوب الغاية ذاتها؛ بأن تنحرف الإدارة وتتنكب وجه المصلحة العامة التي يجب أن يتغياها القرار، فيصدر بباعث لا يمت إلى تلك المصلحة [(3)]، ولم يقم دليل من الأوراق على أن الحكومة إذ أعفت الشركات التي صدرت لصالحها قرارات الإعفاء في الفترة من 23 من يوليه إلى 13 من أغسطس سنة 1950 قد صدرت في ذلك بباعث لا يمت إلى المصلحة العامة كميل أو هوى أو غرض شخصي أو تمييز بغير مقتض، بل على العكس من ذلك تدل ظروف الحال وملابساته على أنها - إذ أصدرت تلك القرارات في حينها - إنما أصدرتها بباعث يتفق والمصلحة العامة التي من أجلها خولت الحكومة تلك السلطة.
ومن حيث إن القانون إذ أولى جهة الإدارة سلطة الترخيص في الإعفاء أو عدم الإعفاء في حالات فردية، فليس من شك في أن مناط الإعفاء أو عدمه متروك زمامه لتقديرها في كل حالة على حدتها بحسب الظروف والأحوال؛ بما لا وجه معه لفرض القياس فرضاً بناء على إدعاء من يدعي ذلك ويطالب بالإعفاء بحجة التماثل بين حالة فردية وأخرى، والزعم بأن في غير ذلك إخلالاً بمبدأ المساواة في فرض الضريبة وتميزاً بغير مقتض - ما دام القانون ذاته هو الذي سمح بالترخيص في الإعفاء أو عدمه في الحالات الفردية، والترخيص على هذا الأساس منوط بتقدير الإدارة كما سبق القول. كما لا وجه للتحدي بأن إصدار المرسوم بعد ذلك بتقرير الإعفاء عاماً مطلقاً يدل على أحقية الشركة المدعية من الأصل في الإعفاء؛ ذلك أن تغيير نظرة الشارع من وضع سابق كان مناط الترخيص في تقدير الإعفاء أو عدمه بحسب كل حالة فردية على حدتها إلى نظرة موضوعية شاملة مناطها الإعفاء العام بقاعدة عامة مجردة متى توافرت شروطها، إنما يمثل تماماً كيفية التطور التشريعي في مثل هذه الظروف وكيف يبدأ الوضع عادة بحالات فردية، فإذا عمت الأسباب فتعددت الحالات اتجه التفكير بعد ذلك إلى نقل الحكم من نطاق الحالات الفردية إلى التعميم بقاعدة عامة مجردة، وهذا هو ما تم في هذا الشأن، إذ بعد أن صدرت قرارات الإعفاء الفردية في 23 و30 من يوليه و6 و13 من أغسطس سنة 1950، وتقدمت بعد ذلك سائر الشركات بطلبات الإعفاء أسوة بالشركات الأولى، رأت الحكومة أن الأمر لم يعد مقصوراً على حالات فردية، وإنما أصبح الأمر يحتاج علاجاً عاماً، أي تقرير سياسة عامة بتعميم الإعفاء، فلجأت إلى الأداة القانونية التي يقتضيها الحال، وهى إصدار مرسوم بالإعفاء بالتطبيق للمادة 4 من القانون رقم 2 لسنة 1930. وغنى عن القول أن اتخاذ هذا السبيل كان يقتضي من الحكومة وقتاً كافياً للبحث والدراسة، وبوجه خاص استظهار مدى ما تتأثر به الميزانية، باعتبار الرسوم الجمركية من أهم موارد الدولة، فلا تثريب، والحالة هذه، على الحكومة في المسلك الذي سلكته بعد إذ استعملت سلطتها في الحالات الفردية الأولى، فلما نبهها تكرار الطلبات إلى وجوب تقرير سياسة عامة نحو تعميم الإعفاء اتجهت هذه الوجهة وقامت بالفحص والدراسة، ثم انتهت إلى ما انتهت إليه من وجوب استصدر مرسوم عام بالإعفاء، وهو مسلك ينم على الاستواء والسواء في القصد والاتجاه للصالح العام. كما لا وجه لما تثيره الشركة المدعية من أن مبدأ المساواة في الضريبة العامة كان يقتضي الحكومة أن تستصدر قرارات فردية بإعفاء المدعية والشركات المماثلة من الضريبة بأثر رجعي ينسحب إلى التاريخ الذي أعفيت فيه الشركات الأخرى، وأن في عدم اتباع ذلك إخلالاً بمبدأ المساواة - لا وجه لذلك؛ لأن المساواة في فرض الضريبة شيء والإعفاء أو عدمه في حالات فردية ناطها القانون بتقدير الإدارة شيء آخر، وإذا كانت المساواة بين الممولين عند تطبيق ضريبة معينة واجبة قانوناً، إلا أن ذلك لا يستلزم حتماً المساواة بينهم أيضاً في الإعفاء؛ إذ الأمر في الإعفاء جد مختلف، فليس ما يمنع الجهة الإدارية من الإعفاء من الضريبة، على أن يتم ذلك في حدود القانون أو بناء على قانون، وقد يكون الإعفاء وجوبياً، أي بنص خاص في القانون، وفي هذه الحالة يستوي في الإعفاء كل من توافرت فيه الشروط التي يتطلبها القانون. وقد يكون الإعفاء جوازياً كما إذا ترك القانون للسلطة الإدارية حق تقريره أو عدم تقريره، ومن ذلك ما نصت عليه الفقرة السابعة من المادة التاسعة من اللائحة الجمركية الصادرة في 2 من أبريل سنة 1884 السالف الإشارة إليها. وقد ردد هذا الحكم أيضاً البند 9 من الفقرة ثانياً من المادة التاسعة من القانون رقم 507 لسنة 1955 بتعديل اللائحة الجمركية سالفة الذكر؛ إذ نص على أن تعفى من رسوم الوارد والصادر والرسم القيمي والقيمي الإضافي ورسم الاستهلاك وعوائد الرصيف والرسم البلدية، ولكنها تكشف وتراجع "البضائع والأشياء التي يصدر بإعفائها قرار من مجلس الوزراء". وكذلك ما نصت عليه المادة العاشرة من القانون رقم 142 لسنة 1944 بفرض رسم أيلولة على التركات؛ إذ أجازات لمجلس الوزراء إعفاء المعاهد والجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية من الرسم كله أو بعضه، وإذ كان الإعفاء في مثل هذه الحالات بمثابة منحة من الإدارة لصاحب الشأن، تقررها بناء على تفويض من القانون، فإن الإدارة، والحالة هذه، تترخص في منحها بسلطتها التقديرية، وليس لممول أن يجبرها على منحه هذا الإعفاء، ما دام المشرع قد ترك الأمر لمطلق تقديرها، ولا يحدها في ذلك - على ما سبق القول - إلا عيب إساءة استعمال السلطة، وهو غير قائم في خصوصية هذا النزاع.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وفي تطبيقه، ويتعين من أجل ذلك إلغاؤه، والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بصفته بالمصروفات.


[(1)] بهذه المبادئ قضت المحكمة في الأحكام الصادرة بذات الجلسة في القضايا رقم 1781 و1782 و1783 و1784 و1785 لسنة 2 ق.
[(2)] هذا المبدأ سبق نشره في السنة الثانية من هذه المجموعة ص 1309، بند 135.
[(3)] راجع السنة الثانية من هذه المجموعة، ص 216، بند 25/ ج.